الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" ثبت عنه (يعني ابن عباس) مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنه بمنزلة البصاق والمخاط.... أخرجه الدارقطني من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق: حدثنا شريك.... ". ثم أعاده قائلا (1 / 405) : " وإسناده صحيح كما قال ابن القيم في (بدائع الفوائد) "(1) .
قلت: وهذا هو السبب الذي دفعني إلى كتابة هذا التحقيق حول هذا الحديث، وبيان أن رفعه وهم وإن كان ما تضمنه من الحكم على المني بالطهارة هو الصواب، وحسبنا في ذلك جزم ابن عباس رضي الله عنه بأنه بمنزلة المخاط والبصاق، ولا يعرف له مخالف من الصحابة، ولا ما يعارضه من الكتاب والسنة، وقد حقق القول في المسألة ابن قيم الجوزية في المصدر السابق تحت عنوان " مناظرة بين فقيهين في طهارة المني ونجاسته "(3 / 119 - 126) وهو بحث هام جدا في غاية التحقيق.
949
- " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة (2) فقال لنا: أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ".
ضعيف بهذا السياق.
أخرجه ابن ماجة (1 / 232) وابن أبي حاتم في " العلل "(رقم 376 و378) وابن حبان في " صحيحه "(269 - موارد) والطحاوي في " شرح المعاني "(1 / 111) والبيهقي (1 / 439) وأحمد (4 / 250) من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة قال: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف، علته شريك وهو بن عبد الله القاضي وهو ضعيف لسوء حفظه كما تقدم آنفا، وقال الحافظ في " التقريب ":" صدوق يخطيء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ".
قلت: ومن ذلك تعلم أن قول الحافظ في " الفتح "(2 / 13) : " رجاله ثقات، رواه أحمد وابن ماجه وصححه ابن حبان "، وهم أو تساهل منه، وإن قلده فيه الصنعاني في " العدة "(2 / 485)، وأشد منه في الوهم قول البوصيري في " الزوائد " (ق 46 / 1) :" إسناده صحيح، ورجاله ثقات "!! وليت شعري كيف يكون ثقة صحيح الإسناد وفيه من كان يخطيء كثيرا، وهو معروف بذلك لدى أهل العلم؟! ولاسيما وقد اضطرب في إسناد هذا الحديث، فرواه مرة هكذا، ومرة قال:" عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ".
(1) البدائع (3 / 123) . اهـ.
(2)
الهاجرة اشتداد الحر في نصف النهار
رواه على الوجهين أبو حاتم الرازي، فقال ابنه (1 / 136 / 378) : " سمعت أبي يقول: سألت يحيى بن معين وقلت له: حدثنا أحمد بن حنبل بحديث إسحاق الأزرق عن شريك عن بيان
…
(قلت: فذكره ثم قال:) وذكرته للحسن بن شاذان الواسطي فحدثنا به، وحدثنا أيضا عن إسحاق عن شريك عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: بمثله؟ قال يحيى: ليس له أصل إني (1) نظرت في كتاب إسحاق فليس فيه هذا. قلت لأبي: فما قولك في حديث عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: الذي أنكره يحيى؟ قال هو عندي صحيح وحدثنا به أحمد ابن حنبل بالحديثين جميعا عن إسحاق الأزرق. قلت لأبي: فما بال يحيى نظر في كتاب إسحاق فلم يجده؟ قال: كيف؟ نظر في كتابه كله؟ ! إنما نظر في بعض وربما كان في موضع آخر ". فقد حكم أبو حاتم على الحديث بالصحة من رواية شريك بسنده عن أبي هريرة خلافا لما يوهمه صنيع الحافظ في " التلخيص " (67) أنه صحح حديث المغيرة، والسياق المذكور من كلام أبي حاتم يشهد لما ذكرنا.
ويؤيده أن أبا حاتم أعل الطريق الأولى. فقد قال ابن أبي حاتم (1 / 136 / 376) بعد أن ساقها: " ورواه أبو عوانة عن طارق عن قيس قال: سمعت عمر بن الخطاب قال: أبردوا بالصلاة. قال ابن أبي حاتم عن أبيه: "
أخاف أن يكون هذا الحديث (يعني الموقوف على عمر) يدفع ذاك الحديث.
قلت: فأيهما أشبه؟ قال: كأنه هذا، يعني حديث عمر قال أبي في موضع آخر: لو كان عند قيس عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج أن يفتقر إلى أن يحدث عن عمر موقوفا ". وقد ذكر الحافظ في " التلخيص " عن ابن معين نحوما ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه فقال: " وأعله ابن معين بما روى أبو عوانة عن طارق عن قيس عن عمر موقوفا. وقال: لوكان عند قيس عن المغيرة مرفوعا لم يفتقر إلى أن يحدث به عن عمر موقوفا، وقوى ذلك عنده أن أبا عوانة أثبت من شريك ".
قلت: وهذا هو الذي تقتضيه القواعد العلمية أن الحديث معلول بتفرد شريك به ومخالفته لمن هو أثبت منه، فلا وجه عندي لتصحيح الحديث كما فعل أبو حاتم، وقال الحافظ قبيل ما نقلنا عنه آنفا! " وذكر الميموني عن أحمد أنه رجح صحته " وفي " طرح الترتيب " للحافظ العراقي (2 / 154) :" وذكر الخلال عن الميموني أنهم ذاكروا أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حديث المغيرة بن شعبة، فقال: أسانيد جياد، قال وفي رواية غير الميموني (2) : وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم الإبراد ".
(1) قلت: الأصل (إنما) ولعل الصواب ما أثبتنا. اهـ.
(2)
يعني عن الإمام أحمد من قوله، وليس رواية في الحديث كما توهم البعض على ما يأتي التنبيه عليه.
فهذا النقل عن الإمام أحمد غريب عندي لقوله " أسانيد جياد " مع أنه ليس له إلا إسناد واحد كما يفيده قول الحافظ ابن حجر: " تفرد به إسحاق الأزرق عن شريك
…
" وقال البيهقي عقب الحديث: " قال أبو عيسى الترمذي
…
فيما بلغني عنه -: سألت محمدا يعني البخاري - عن هذا الحديث؟
فعده محفوظا، وقال: رواه غير شريك عن بيان عن قيس عن المغيرة قال: كنا نصلي الظهر بالهاجرة، فقيل لنا: أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم، رواه أبو عيسى عن عمر بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن بيان كما قال البخاري ".
قلت: عمر بن إسماعيل ضعيف جدا، قال بن معين: كذاب خبيث رجل سوء، وقال النسائي:" ليس بثقة، متروك الحديث ". وأبوه فيه ضعف، فمثل هذه الطريق لا يقوى طريق شريك لشدة ضعفها، فلا أدري ما وجه عد البخاري الحديث محفوظا، فإن كان بالنظر إلى الطريق الأولى فقد عرفت ضعفها وتفرد شريك بها، وإن كان من أجل هذه الطريق فهي ضعيفة جدا. وخلاصة القول: أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة عندي، لتفرد الضعيف به، وعدم وجود شاهد معتبر له. ثم إن الكلام عليه إنما هو بالنظر لوروده بهذا السياق الذي يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم بالهاجرة منسوخ بقوله: أبردوا.. وهو ظاهر الدلالة على ذلك، وبه أحتج الطحاوي وغيره على النسخ فإذا تبين ضعفه سقط الاحتجاج به وأما إذا نظرنا إلى الحديث نظرة أخرى وهي أنه تضمن أمرين اثنين: صلاته صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، وأمره بالإبراد دون أن نربط بينهما بهذا السياق الذي يمنع من فعل أي الأمرين ويضطرنا إلى القول بالنسخ. أقول إذا نظرنا إليه هذه النظرة فالحديث صحيح أما الأمر الأول فقد ورد من حديث جابر قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ". أخرجه البخاري (2 / 33) ومسلم (2 / 119) وغيرهما. وأما الأمر بالإبراد. فقد ورد في " الصحيحين " وغيرهما من طرق عن أبي هريرة وعن أبي سعيد أيضا، وابن عمر. فإذا عرف هذا. فقد اختلف العلماء في الجمع بين الأمرين. فذهب الطحاوي وغيره إلا أن الأول منسوخ. وقد عرفت ضعف دليله، وذهب الجمهور إلى أن الأمر بالإبراد أمر استحباب، فيجوز التعجيل به. والإبراد أفضل، وذهب بعض الأئمة إلى تخصيص ذلك بالجماعة دون المنفرد، وبما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد، فلوكانوا مجتمعين، أو كانوا يمشون في كن