المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌947 - " استقبلوا بمقعدتي القبلة ". منكر. أخرجه البخاري في " - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - جـ ٢

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة:

- ‌501

- ‌502

- ‌503

- ‌504

- ‌505

- ‌506

- ‌507

- ‌508

- ‌509

- ‌510

- ‌511

- ‌512

- ‌513

- ‌514

- ‌515

- ‌516

- ‌517

- ‌518

- ‌519

- ‌520

- ‌521

- ‌522

- ‌523

- ‌524

- ‌525

- ‌526

- ‌527

- ‌528

- ‌529

- ‌530

- ‌531

- ‌532

- ‌533

- ‌534

- ‌535

- ‌536

- ‌537

- ‌538

- ‌539

- ‌540

- ‌541

- ‌542

- ‌543

- ‌544

- ‌545

- ‌546

- ‌547

- ‌548

- ‌549

- ‌550

- ‌551

- ‌552

- ‌553

- ‌554

- ‌555

- ‌556

- ‌557

- ‌559

- ‌560

- ‌561

- ‌562

- ‌563

- ‌564

- ‌565

- ‌566

- ‌567

- ‌568

- ‌569

- ‌‌‌570

- ‌570

- ‌571

- ‌572

- ‌573

- ‌574

- ‌575

- ‌576

- ‌577

- ‌578

- ‌579

- ‌580

- ‌581

- ‌582

- ‌583

- ‌584

- ‌585

- ‌586

- ‌587

- ‌588

- ‌589

- ‌590

- ‌591

- ‌592

- ‌593

- ‌594

- ‌595

- ‌596

- ‌597

- ‌598

- ‌599

- ‌600

- ‌601

- ‌602

- ‌603

- ‌604

- ‌605

- ‌606

- ‌607

- ‌608

- ‌609

- ‌610

- ‌611

- ‌612

- ‌613

- ‌614

- ‌615

- ‌616

- ‌617

- ‌618

- ‌619

- ‌620

- ‌621

- ‌622

- ‌623

- ‌624

- ‌625

- ‌626

- ‌627

- ‌628

- ‌629

- ‌630

- ‌631

- ‌632

- ‌633

- ‌634

- ‌635

- ‌636

- ‌637

- ‌638

- ‌639

- ‌640

- ‌641

- ‌642

- ‌643

- ‌644

- ‌645

- ‌646

- ‌647

- ‌648

- ‌649

- ‌650

- ‌651

- ‌652

- ‌653

- ‌654

- ‌655

- ‌656

- ‌657

- ‌658

- ‌659

- ‌660

- ‌662

- ‌663

- ‌664

- ‌665

- ‌666

- ‌667

- ‌668

- ‌669

- ‌670

- ‌671

- ‌672

- ‌673

- ‌674

- ‌675

- ‌676

- ‌677

- ‌678

- ‌679

- ‌680

- ‌681

- ‌682

- ‌683

- ‌684

- ‌685

- ‌686

- ‌687

- ‌688

- ‌689

- ‌690

- ‌691

- ‌692

- ‌693

- ‌694

- ‌695

- ‌696

- ‌697

- ‌698

- ‌699

- ‌700

- ‌701

- ‌702

- ‌703

- ‌704

- ‌705

- ‌706

- ‌707

- ‌708

- ‌709

- ‌710

- ‌711

- ‌712

- ‌713

- ‌714

- ‌715

- ‌716

- ‌717

- ‌718

- ‌719

- ‌720

- ‌721

- ‌722

- ‌723

- ‌724

- ‌725

- ‌726

- ‌727

- ‌728

- ‌729

- ‌730

- ‌731

- ‌732

- ‌733

- ‌734

- ‌735

- ‌736

- ‌737

- ‌738

- ‌739

- ‌740

- ‌741

- ‌742

- ‌743

- ‌744

- ‌745

- ‌746

- ‌747

- ‌748

- ‌749

- ‌750

- ‌751

- ‌752

- ‌753

- ‌754

- ‌755

- ‌756

- ‌757

- ‌758

- ‌759

- ‌760

- ‌761

- ‌762

- ‌763

- ‌764

- ‌765

- ‌766

- ‌767

- ‌768

- ‌769

- ‌770

- ‌771

- ‌772

- ‌773

- ‌774

- ‌775

- ‌776

- ‌777

- ‌778

- ‌779

- ‌780

- ‌781

- ‌782

- ‌783

- ‌784

- ‌785

- ‌786

- ‌787

- ‌788

- ‌789

- ‌790

- ‌791

- ‌792

- ‌793

- ‌794

- ‌795

- ‌796

- ‌797

- ‌798

- ‌799

- ‌800

- ‌801

- ‌802

- ‌803

- ‌804

- ‌805

- ‌806

- ‌807

- ‌808

- ‌809

- ‌810

- ‌811

- ‌812

- ‌813

- ‌814

- ‌815

- ‌816

- ‌817

- ‌818

- ‌819

- ‌820

- ‌821

- ‌822

- ‌823

- ‌824

- ‌825

- ‌826

- ‌827

- ‌828

- ‌829

- ‌830

- ‌831

- ‌832

- ‌833

- ‌834

- ‌835

- ‌836

- ‌837

- ‌838

- ‌839

- ‌840

- ‌841

- ‌842

- ‌843

- ‌844

- ‌845

- ‌846

- ‌847

- ‌848

- ‌849

- ‌850

- ‌851

- ‌852

- ‌853

- ‌854

- ‌855

- ‌856

- ‌857

- ‌858

- ‌859

- ‌860

- ‌861

- ‌862

- ‌863

- ‌864

- ‌865

- ‌866

- ‌867

- ‌868

- ‌869

- ‌870

- ‌871

- ‌872

- ‌873

- ‌874

- ‌875

- ‌876

- ‌877

- ‌878

- ‌879

- ‌880

- ‌881

- ‌882

- ‌883

- ‌884

- ‌885

- ‌886

- ‌887

- ‌888

- ‌889

- ‌890

- ‌891

- ‌892

- ‌893

- ‌894

- ‌895

- ‌896

- ‌897

- ‌898

- ‌899

- ‌900

- ‌901

- ‌902

- ‌903

- ‌904

- ‌905

- ‌906

- ‌907

- ‌908

- ‌909

- ‌910

- ‌911

- ‌912

- ‌913

- ‌914

- ‌915

- ‌916

- ‌917

- ‌918

- ‌919

- ‌920

- ‌921

- ‌922

- ‌923

- ‌924

- ‌925

- ‌926

- ‌927

- ‌928

- ‌929

- ‌930

- ‌931

- ‌932

- ‌933

- ‌934

- ‌935

- ‌936

- ‌937

- ‌938

- ‌939

- ‌940

- ‌941

- ‌942

- ‌943

- ‌944

- ‌945

- ‌946

- ‌947

- ‌948

- ‌949

- ‌950

- ‌951

- ‌952

- ‌953

- ‌954

- ‌955

- ‌956

- ‌957

- ‌958

- ‌959

- ‌960

- ‌961

- ‌962

- ‌963

- ‌964

- ‌965

- ‌966

- ‌967

- ‌968

- ‌969

- ‌970

- ‌971

- ‌972

- ‌973

- ‌974

- ‌975

- ‌976

- ‌977

- ‌978

- ‌979

- ‌980

- ‌981

- ‌982

- ‌983

- ‌984

- ‌985

- ‌986

- ‌987

- ‌988

- ‌989

- ‌990

- ‌991

- ‌992

- ‌993

- ‌994

- ‌995

- ‌996

- ‌997

- ‌998

- ‌999

- ‌1000

الفصل: ‌ ‌947 - " استقبلوا بمقعدتي القبلة ". منكر. أخرجه البخاري في "

‌947

- " استقبلوا بمقعدتي القبلة ".

منكر.

أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير "(2 / 1 / 143) وابن ماجه (1 / 136) والطحاوي (2 / 336) والدارقطني (22) والطيالسي (1 / 46 - من ترتيبه) وأحمد (6 / 137 و219) وابن عساكر (5 / 537 / 1) من طريق موسى ووكيع وبهز ويحيى بن إسحاق وأسد بن موسى خمستهم عن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك ابن مالك عن (وقال موسى سمعت) عائشة قالت: " ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يكرهو ن أن يستقبلوا بفروجهم القبلة، فقال: أراهم قد فعلوها؟ ! (وفي لفظ: أو قد فعلوها؟ !) استقبلوا.... " الحديث.

قلت: وهذا سند ضعيف وفيه علل كثيرة:

الأولى: الاختلاف على حماد بن سلمة.

الثانية: الاختلاف على خالد الحذاء وهو ابن مهران.

الثالثة: جهالة خالد بن أبي الصلت. الرابعة: مخالفته للثقة.

الخامسة: الانقطاع بين عراك وعائشة.

السادسة: النكارة في المتن.

العلة الأولى الاختلاف على حماد بن سلمة، فرواه الخمسة الذين سميناهم عنه خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك عنها، وخالفهم أبو كامل اسمه الفضيل بن حسين فقال: حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت أن عراك بن مالك حدث عن عمر بن عبد العزيز أن عائشة قالت

الحديث، فأدخل عمر بن عبد العزيز. أخرجه أحمد (6 / 227) . وخالفهم يزيد بن هارون، فقال: أنبأنا حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فذكروا الرجل يجلس على الخلاء فيستقبل القبلة، فكرهو اذلك، فحدث عن عراك بن مالك عن عائشة، فجعل عمر بن عبد العزيز بين ابن أبي الصلت وعراك. أخرجه أحمد (6 / 239) : حدثنا يزيد به. وخالفه علي بن شيبة فقال: حدثنا يزيد ابن هارن

فساق سنده مثل رواية الخمسة عن حماد إلا أنه زاد في الإسناد فقال: " فحدث عراك عن عروة بن الزبير عنها، فأدخل بينه وبينها عروة بن الزبير! أخرجه الطحاوي (2 / 336) .

قلت: فهذا اختلاف شديد على حماد، ولعل الأرجح الوجه الأول، لاتفاق الجماعة عليه، مع احتمال أن يكون حماد نفسه مصدر الاختلاف، فقد كان يخطىء أحيانا.

ص: 354

الثانية وهي الاختلاف على خالد الحذاء فهو على وجوه: الأول: قال أبو عوانة ويحيى بن مطر والقاسم بن مطيب ثلاثتهم عن خالد الحذاء عن عراك بن مالك عن عائشة. أخرجه الدارقطني. الثاني: عن عبد الوهاب الثقفي عن

خالد عن رجل عن عراك عنها فزاد رجلا بين الحذاء وعراك أخرجه أحمد (6 / 183) والدارقطني. وتابعه وهيب عن خالد به. رواه البخاري في " التاريخ الكبير "(2 / 1 / 143) . الثالث: عن علي بن عاصم: حدثنا خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز في خلافته وعنده عراك بن مالك، فقال عمر: ما استقبلت القبلة ولا استدبرتها ببول ولا غائط منذ كذا وكذا، فقال عراك: حدثتني عائشة.... أخرجه الدارقطني وأحمد (6 / 184) والبيهقي (1 / 92 - 93) وقال: " تابعه حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في إقامة إسناده ".

قلت: يعني رواية حماد المتقدمة من رواية الجماعة عنه، وإلا فقد اختلفوا عليه كما سبق بيانه، وقال الدارقطني:" هذا أضبط إسناد، وزاد فيه خالد بن أبي الصلت، وهو الصواب ". قلت: وتابعه عبد العزيز بن المغيرة عن خالد الحذاء به، لكنه لم يصرح بسماع عراك من عائشة أخرجه أبو الحسن القطان في " زيادته على ابن ماجه " (1 / 136) . قلت: وهذا الوجه من الاختلاف على خالد الحذاء أرجح لاتفاق علي بن عاصم - على ضعف فيه لسوء حفظه - وعبد العزيز بن المغيرة عليه، ومتابعة حماد بن سلمة لهما في رواية الجماعة عنه كما تقدم. فهذا الاضطراب في إسناد الحديث وإن كان من الممكن ترجيح الوجه الأخير منه كما ذكرنا، فإنه لشدته لا يزال يبقى في النفس منه شيء، وعلى التسليم بهذا الترجيح يظهر فيه علة أخرى وهي: الثالثة: جهالة خالد بن أبي الصلت، وذلك أنه لم يكن مشهورا بالعدالة، ولا معروفا بالضبط، عند علماء الجرح والتعديل، فأورده ابن أبي حاتم (1 / 336 - 337) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، بل صرح الإمام أحمد بجهالته فقال:" ليس معروفا ". وقال عبد الحق الإشبيلي: " ضعيف ". ولعله يعني بسبب جهالته. وقال الذهبي في " الميزان " وقد ساق له هذا الحديث:

ص: 355

" لا يكاد يعرف، تفرد عنه خالد الحذاء، وهذا منكر، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وما علمت أحد تعرض إلى لينه، ولكن الخبر منكر ". قلت: ولعل الذهبي أراد بقوله: " وما علمت

" يعني من القدامى، وإلا فقد ضعفه عبد الحق كما سبق، وأما توثيق ابن حبان إياه، فمما لا يقام له وزن - وإن اغتر به بعض المتقدمين والمعاصرين كما يأتي - لما عرف أنه متساهل في التوثيق، وقد بينت ذلك في " الرد على التعقيب الحثيث "، وهذا إذا انفرد بالتوثيق ولم يخالف، فكيف إذا خالف؟ وقال ابن حزم في " المحلى " (1 / 196) : " حديث ساقط وخالد بن أبي الصلت مجهول لا يدرى من هو؟ ". وفي " التهذيب ": " وتعقب ابن مفوز كلام ابن حزم فقال: هو مشهور بالرواية، معروف، بحمل العلم، ولكن حديثه معلول ". قلت: وهذا القدر من الوصف لا يقتضي أن يكون الموصوف ثقة ضابطا إلا عند بعض المتساهلين، فكم من المعروفين بحمل العلم والرواية لا يحتج بهم إما للجهالة بضبطهم وحفظهم أولظهور ضعفهم، ولذلك نجد الحافظ ابن حجر الذي من كتابه " التهذيب " نقلت التعقب المذكور لم يتبنه، فلم يوثقه في " التقريب " بل قال فيه:" مقبول " أي عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، كما نص عليه في المقدمة.

إذا عرفت ذلك، فمن كان حاله ما ذكرنا من الجهالة فحري بحديثه أن لا يحتج به، وهذا إذا لم يخالف الثقات، فكيف مع المخالفة؟! وهذه علة أخرى وهي:

الرابعة: مخالفة ابن أبي الصلت للثقة، وهو جعفر بن ربيعة، فقد رواه عن عراك عن عروة عن عائشة أنها كانت تنكر قولهم، لا تستقبل القبلة. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 143) وابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 29) وابن عساكر (5 / 237 / 1) . وقال البخاري:" وهذا أصح ". وكذا قال ابن عساكر. وقال ابن أبي حاتم: " سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت

(قلت: فذكره، ثم قال:) قال أبي: فلم أزل أقفوأثر هذا الحديث، حتى كتبت بمصر عن.... جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة موقوف، وهذا أشبه ".

قلت: ولا يشك حديثي أن ترجيح هؤلاء الأئمة الثلاثة وقف الحديث هو الصواب، ذلك لأن الذي أوقفه إنما هو جعفر بن عراك، وهو ثقة اتفاقا، وقد احتج به الشيخان، بينما الذي خالفه وهو خالد بن أبي الصلت لم يوثقه أحد من الأئمة المعروفين والموثوق بتوثيقهم، ولو سلمنا. لا أن توثيق ابن حبان المتقدم مما يعتد به فهل من المعقول أن ترجح رواية من وثقه هو وحده.... آخرون على رواية من وثقه الجماعة من الأئمة، واحتج به الشيخان؟ !

ص: 356

وإذا تبين لك ما ذكرنا تعرف سقوط تعقب البوصيري للإمام البخاري بقوله في " الزوائد "(ق 25 / 1) : " وهذا الذي علل به البخاري ليس بقادح، فالإسناد الأول حسن (1) ، رجاله ثقات معرفون، وقد أخطأ من زعم أن خالد بن أبي الصلت مجهول، وأقوى ما أعل به هذا الخبر أن عراكا لم يسمع من عائشة، نقلوه عن الإمام أحمد، وقد ثبت سماعه منها عند مسلم ".

قلت: والجواب على هذا من وجوه: الأول: أن المخالفة التي أعل البخاري الحديث بها لم يجب عنها البوصيري بشيء عنها أصلا، إلا مجرد الدعوى " ليس بقادح "! مع أنه ساق كلامه للرد عليه، فانصرف عنه إلى الرد على غيره! وذلك دليل على ضعف رده وسلامة الحجة عند المردود عليه!

الثاني: أن رجال الإسناد كلهم ثقات رجال مسلم غير ابن أبي الصلت فإن كان ثقة فلماذا اقتصر البوصيري على تحسين الإسناد ولم يصححه؟ ! أليس في هذا وحده ما يدل على أن في ابن أبي الصلت شيئا يمنع حتى الموثقين له من تصحيح حديثه! فما هو هذا الشيء؟ ليس هو إلا عدم الاطمئنان لتوثيق ابن حبان، وإن تظاهروا بالاعتداد بتوثيقه! الثالث: جزمه بخطإ من جهل ابن أبي الصلت مردود عليه بما سبق بيانه في العلة (الثالثة) ، فأغنى عن

الإعادة. الرابع: دعواه أن الانقطاع الذي ذكره هو أقوى ما أعل به الحديث، ليس مسلما عندي، بل الأقوى هو المخالفة التي لم يستطع الإجابة عنها، ثم الجهالة.

الخامس: أن رده للانقطاع بقوله: " ثبت سماعه منه عند مسلم "، خطأ مبني على خطأ، وذلك أنه ليس عند مسلم ما زعمه من سماع عراك من عائشة، وما علمت أحدا سبقه إلى هذا الزعم، وإنما ذكر الشيخ ابن دقيق العيد أن مسلما أخرج في " صحيحه " حديث عراك عن عائشة: " جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها

" الحديث (2) ، نقله الزيلعي في " نصب الراية " (2 / 107)، وليس فيه السماع المدعى كما ترى. السادس: أنه لوفرضنا أن عراكا سمع من عائشة بعض الأحاديث، فلا يلزم من ذلك أنه سمع منها كل حديث يروى من طريقه عنها، لاحتمال عدم ثبوت السند بذلك عنه، كما هو الشأن في هذا الحديث، وهذه علة أخرى فيه وهي:

الخامسة: الانقطاع بين عراك وعائشة، والدليل على ذلك مجموع أمرين:

1 -

أن أكثر الروايات التي سبق ذكرها لم يقع فيها تصريح عراك بالسماع من عائشة.

(1) سبقه إلى تحسينه النووي، ثم تبعهما الصنعاني في " سبل السلام "(1 / 116) وفي " العدة شرح العمدة "(1 / 131) أيضا لكنه عقب ذلك بقوله " إلا أنه أشار البخاري في تاريخه إلى أن فيه علة ".

(2)

وهو في مسلم (8 / 38) وتمامه " فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منها تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها قد ذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أو جب لها الجنة، أو أعتقها من النار ".

ص: 357

وإنما وقع في رواية علي بن عاصم وهو ضعيف الحفظ كما سبق، وقول الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المحلى "(1 / 197) وقد تابعه على ذلك حماد بن سلمة فارتفعت شبهة الغلط "، ليس مسلما، لأن هذه المتابعة مشكوك في ثبوتها، فإن كل ما رواه عن حماد لم يصرح بالسماع سوى موسى وهو التبوذكي، وأما الثقات الآخرون فرووه معنعنا، وهم وكيع ابن الجراح وبهز بن أسد ويحيى ابن إسحاق وأسد بن موسى ويزيد بن هارون في رواية عنه، وعبد العزيز بن المغيرة، كلهم قالوا: " عن عائشة " وروايتهم أرجح من رواية الفرد ولوكان ثقة، مع أنه يمكن أن تكون المخالفة ليست منه بل من حماد نفسه، لما سبق ذكره من أنه كان يخطىء أحيانا، فكان في الغالب يرويه معنعنا، فحفظ ذلك منه الجماعة، ونادرا يرويه بالسماع فحفظ ذلك منه موسى، وهذا اضطراب من حماد نفسه، كما كان يضطرب في إسناده على ما سبق بيانه.

ومما يرجح رواية العنعنة، رواية جماعة آخرين لها مثل أبي عوانة ويحيى بن مطر والقاسم بن مطيب وعبد الوهاب الثقفي ووهيب عن خالد الحذاء على خلاف بينهم وبين الجماعة الأولى كلهم أجمعوا على روايته بالعنعنة. فهؤلاء عشرة أشخاص وزيادة رووه بالعنعنة فلا يشك كل من وقف عليها أنها هي الصواب، وأن رواية السماع منكرة أو شاذة، وقد صرح بهذا الإمام أحمد فقال إبراهيم بن الحارث:" أنكر أحمد قول من قال: عن عراك سمعت عائشة، وقال: عراك من أين سمع من عائشة ".

وقال أبو طالب عن أحمد: " إنما هو عراك عن عروة عن عائشة، ولم يسمع عراك منها " وذكر ابن أبي حاتم في " المراسيل "(ص 103 - 104 - طبع بغداد) بعد أن ساق الحديث أن الإمام أحمد قال: " مرسل، عراك بن مالك من أين سمع عن عائشة، إنما يروي عن عروة، هذا خطأ، ثم قال: من يروي هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، فقال: قال غير واحد: عن خالد الحذاء ليس فيه سمعت وقال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت ".

فقد أشار الإمام أحمد رحمه الله إلى أن ذكر السماع غير محفوظ عن حماد من جهة، ولا عن خالد الحذاء من جهة أخرى، وذلك ما فصلناه آنفا. ولو أن الذين خالفوا الإمام أحمد ورجحوا رواية السماع تأملوا في كلامه ثم تتبعوا الروايات التي ذكرناها لما أقدموا إن شاء الله على مخالفته، لأن الحجة الواضحة معه، ولكنه رحمه الله اكتفى بالإشارة إليها وقد فصلناه لك تفصيلا لا يدع مجالا للشك في خطإ المخالفين، وقال موسى بن هارون:" لا نعلم لعراك سماعا من عائشة ". وليس من السهل في نظر الباحث المحقق تخطئة هذين الإمامين، كما فعل المعلق على " المحلى "، ومن قبله البوصيري بمجرد ذكر السماع في بعض الروايات مع شذوذها، ثم هي

ص: 358

كلها مدارها على خالد بن أبي الصلت الذي لا دليل عندنا على ثقته وضبطه كما سبق، وما يدرينا ولعل هذا الاختلاف عنه في السماع والعنعنة إنما هو منه، وذلك دليل على تردده وعدم حفظه، ويؤيد هذا ما يأتي:، وهو: الأمر الثاني: أن جعفر بن ربيعة قد خالف خالد بن أبي الصلت، فأدخل بين عراك وعائشة عروة، كما تقدم وهو أرجح من وجهين: أولا: أن جعفر بن أبي ربيعة أو ثق من ابن أبي الصلت كما تقدم بيانه. ثانيا: أن روايته موافقة لبعض الروايات عن خالد وهي رواية يزيد بن هارون عن حماد ابن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت

عن عراك عن عروة بن الزبير عنها. أخرجه الطحاوي كما تقدم، فهذا يؤكد وهم ابن أبي الصلت أو بعض من دونه في ذكر السماع من عراك لعائشة. وقد خالف جعفر خالدا في موضع آخر من السند وهو أنه أوقفه ولم يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق بيان ذلك في العلة (الرابعة) .

العلة السادسة: النكارة. وقد بقي الكلام على العلة الأخيرة وهي السادسة، وهي النكارة في المتن، وبيان ذلك في ما يأتي: من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهى أصحابه عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط نهيا عاما لم يقيده بالصحراء، فإذا روي في حديث ما كهذا الذي نحن في صدد الكلام عليه أن الصحابة كرهو ااستقبال القبلة، فما يكون ذلك منهم إلا اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعا يستحقون عليه الأجر والمثوبة، لأنهم على أقل الدرجات مجتهدون مخطئون مأجرون أجرا واحدا، وسبب خطئهم عملهم بالنص على عمومه، أو عملهم بالمنسوخ الذي لم يعرفوا نسخه، وأي الأمرين فرض، فلا يعقل أن ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه طاعتهم إياه فيما كان نهاهم عنه قبل أن يبلغهم النص المخصص أو الناسخ، كيف وهو المعروف بتلطفه مع أصحابه في تأديبهم وتعليمهم، كما يدل على ذلك سيرته الشريفة معهم، كحديث الأعرابي الذي بال في المسجد، وحديث معاوية بن الحكم السلمي الذي تكلم في الصلاة جاهلا، وغير ذلك مما هو معروف، فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم نكارا شديدا مع أنهم فعلوا أشياء لم يسبق أن جوزها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما في هذا الحديث فهو ينكر عليهم أشد الإنكار عملهم، وما هو؟ كراهيتهم لاستقبال القبلة، التي كانوا تلقوها عنه صلى الله عليه وسلم، فهل يتفق هذا الإنكار مع هديه صلى الله عليه وسلم في التلطف في الإنكار؟ كلا ثم كلا، بل لوأراد صلى الله عليه وسلم أن يبدل شيئا من الحكم السابق أو أن ينسخه من أصله لقال لهم كما قال في أمثاله:" كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأو عية فانتبذوا، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا فادخروها ". أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في " الصحيحة "(2048) .

ص: 359