المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ لعبة الأحزاب و (الديمقراطية) - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٨

[بسام العسلي]

الفصل: ‌ لعبة الأحزاب و (الديمقراطية)

1 -

‌ لعبة الأحزاب و (الديمقراطية)

لعبة (الهدم والبناء) من اللعب الإنسانية الباقية ما بقي الإنسان على وجه الأرض، يمارسها الأطفال صغارا (للعبث والتسلية). ويمارسها الكبار رجالا (للتطوير نحو الأفضل والأمثل) وتمارسها الهيئات في المجتمع، بعضها ضد بعض (في الغابة الكبيرة) حيث يفرض الأقوى - وليس الأصلح دائما - وجوده على الأضعف حتى يسخره لتحقيق أهدافه - التي قد لا تكون أهدافا فاصلة باستمرار وقد أتقن الإنسان هذه اللعبة - لعبة الهدم والبناء - وعمل على تطويرها دائما (فكانت لعب الميكانو الحديثة للأطفال نموذجا لها). كما عمل أيضا على تطبيقها في الحياة العملية، سواء ضمن المجتمع الواحد، أو فيما بين المجتمعات المتناحرة أحيانا، والمتعايشة في أحيان أخرى، والتي تستمر في كل الحالات بممارسة لعبة الهدم والبناء، بعضها ضد البعض الآخر. كل ذلك والحياة الإنسانية ماضية في مسيرتها الجبارة متجاوزة هؤلاء القائمين بالهدم وأولئك من ضحايا عملية الهدم لتقرر في النهاية مصير (لعبة القدر).

اكتسبت (لعبة الهدم والبناء) في (ليل الاستعمار) أبعادا

ص: 17

جديدة، إذ باتت هذه اللعبة أشد تعقيدا وتركيبا، وذلك بسبب ما تتطلبه عملية النهب الاستعماري من تركيبات معقدة ومتناقضة في كثير من الأحيان. وقد جند الاستعمار لعملية (الهدم والبناء. كل ما هو في ترسانته من الوسائل المادية والمعنوية، فكانت القوة الوحشية ركنا من أركانها المادية وكانت الصليبية أساسا من أسسها المعنوية، وكان الهدف الثابت هو تغيير بنية وتكوين المجتمعات التي تم إخضاعها بالقوة والقهر، من أجل بناء المجتمع الجديد الذي يمكن له التكيف مع ظروف الاستعمار.

هكذا بدأت فرنسا عندما دفعت جحافل الغزو لاجتياح الجزائر، فقد عملت على تدمير القيادات القبلية والزعامات الدينية والرئاسات المحلية، وخلقت حالة من الفراغ، قامت بعدها بتكوين قيادات عملية وزعامات وهمية تعمل تحت إشراف الاستعماريين وتنفذ مخططاتهم. واستمرت بعد ذلك في عملية التدمير، فحاولت القضاء على الأصالة الذاتية لشعب الجزائر وذلك بفصله عن جذوره التاريخية من جهة، وبالقضاء على قواعد صموده من جهة أخرى فكانت الحرب الصليبية للقضاء على الإسلام، ولما كانت هناك صعوبة كبرى في هدم بناء تكامل عبر مئات السنين، فقد كانت الوسيلة المرحلية هي الاكتفاء بصرف المسلمين عن دينهم وحرمانهم من الاتصال بعروبتهم، مما يؤدي بالتالي إلى إضعاف الإسلام والعروبة تدريجيا حتى تموت وحدها، نتيجة حرمانها من موارد غذائها الأساسية (المسجد والمدرسة).

ص: 18

هنا برزت قوة (الأصالة الذاتية) في أفق التحدي المصيري، وانطلقت حفنة من المفكرين العلماء، وخاضت الصراع بإيمان لا يتزعزع، وثقة بالله لا تضعف. وبدأت بعملية البناء المضاد، فأقامت المساجد، وأنشأت المدارس (فارتفع عددها بين 1943 و1954 من بضع عشرات إلى مئة وخمسين مدرسة. تعلم اللغة العربية وتدرس القرآن الكريم).

في ذلك يكتب الكاتب الجزائري (عمار أوزيغان)(*) فيقول: (كان الخطر المميت بالنسبة للاستعمار يكمن على وجه الدقة في هذا الاتحاد الغريب بين مفاهيم الإسلام المتعارضة - كالروحية والمادية - (والتي لم يتمكن الاستعماريون الصليبيون من فهمها). لقد كان الدين الإسلامي وثاقا يمتن اتحاد مختلف العناصر في القوة الشعبية التي تزخر بها بلادنا. غير أن العدو الاستعماري الذي كان يقيم في (الفيو - باليه) كان أكثر ذكاء حين كان يهدم الجوامع ويحولها إلى ثكنات أو اصطبلات! كانت هذه معابد تهدم ويتم الخلاص منها. إلا أن الجامع كان أيضا الجامعة، كما هي الزيتونة في تونس، والقرويين في (فاس) وكما هو الأزهر في القاهرة. فهدم جامع كان يعني هدم مدرسة ومكتبة وقاعة محاضرات وبيت للشعب وجمعية استشارة - أو دار للشورى - ومتحف موسقي يدرس فيه تجويد القرآن وهو فن يتطلب معرفة مسبقة بمقامات الموسيقى الكلاسيكية أو الشعبية - الأندلسية أو الشرقية

إننا لن نشدد الكلام على الروح

(*) الجهاد الأفضل (عمار أوزيغان) ص 29 - 30.

ص: 19

الصليبية التي تجلت في تحويل الجامع إلى كنيسة، وإقامة الأنصاب التذكارية يعلق عليها الصليب الحديدي فوق العبارة اللاتينية: .. (سننتصر بهذه الإشارة)(*). ولن نشدد على شعارات المدينة: مثل شعار مدينة الجزائر، الذي عمم في العالم كله بواسطة الطابع البريدي الذي رسم عليه صليب ضخم في السماء، منتصرا على هلال صغير منكس فوق البحر).

وكان العدو الاستعماري ذكيا جدا في اختياره - موظفي الجوامع - من بين العسكريين المتقاعدين المرشحين لأن يصبحوا نواطير، وسواس خيل، وعمال بلدية وكهرباء

وإذا برهن طالب الوظيفة على إخلاصه للنظام الاستعماري، وحفظ عن ظهر قلب - الستين فصلا - اعتبر مستوفيا للشروط المطلوبة ليمنح إجازته - كشيخ للإسلام - موقعة بإمضاء الحاكم العام. ولم يكن على المفتي الأكبر أكثر من أن يختار المحفوظات المناسبة، وانتقاء النص الصالح ليكون خطبة الجمعة، مع حرصه أن يخضع (كلمات الله) إلى الرقابة المهنية المجدفة عليه، التي يمارسها (الإله الآخر) - معبوده - وهو المفوض السامي. وإذ يصغي إلى المذياع وهو ينقل الصدى المحرك الآتي من عبارات (الله أكبر) يتصور هو، كاهن السلطان الناري، أن جمهور المصلين الذين يسجدون، فيلمس جبينهم السجادة التي تغطي الأرض، يشبهون حشدا من العبيد الراكعين الذين يقدمون خضوعهم وأرواحهم قرابين!

(*) سننتصر بهذه الإشارة: (In Hoc Signo Vinces).

ص: 20

وكان العدو الاستعماري بارع الذكاء في محاربته المستمرة المميتة للغة العربية (اللغة الأجنبية) حين كان يغلق كل مدرسة عربية موجودة بعد ثلاث كيلومترات من أية مدرسة إفرنسية، غايتها تعليم بعض المفردات الكافية لإدارة العمال الزراعيين، كما تعلم البغال بضع كلمات تجعل قيادتها أقل إزعاجا

وكان العدو الاستعماري يدرك مدى الخطورة في ازدهار اللغة العربية الصحيحة

فأن يتعلم الصغار الجزائريون لغتهم الأم، يعني تخلصهم من عار أنهم (أطفال الساحة العامة) أيتام ولقطاء ومشردون، يعني إيقاط وعيهم بجدارتهم وكرامتهم، يعني تجنيبهم خطر المراهقة التي لا جذور لها والتي تتدهور في هاوية الكحول ونرفانا الكيف والكوكائين والفجور، يعني أن تعاد للشاب العزب روحه الواثقة القوية الصافية، ليدرك منشأ الفعل الانعكاسي الاستعماري: مثلا عار الأوروبية العرقية، العاهرة، الكريهة، التي ترفض أن تراقص عربيا حتى لو كان ساحر كأدونيس - عربي فينيقيا الذي عشقته فينوس. إن تعلم اللغة العربية من جديد هو إحياء التربية الطبيعية والعقلية والتاريخية التي تتيح أن نكتشف السبب في أن جبل جرجره - الجبل الحديدي - الروماني الذي لم تصله المسيحية، قد سمى أعلى قمم الأطلس في منطقة التل باسم ، (لا لا خديجة) الزوجة الأولى للنبي العربي وأم المؤمنين - تلك صورة من صورة الهدم والبناء.

أما الصورة المقابلة، فتتلخص باستخدام الأساليب المضادة للاستعمار، لهدم ما يحاول أن يبنيه على أنقاض أصالة الجزائر

ص: 21

وعروبتها وإسلامها. وقد كان الاستعمار هنا ذكيا أيضا فقد استخدم في بنائه بعض الحجارة التي أمكن له إعادة نحتها وتكييفها حتى تنسجم مع شكل البنيان الجديد. وهذا ما عبرت عنه المقولات التالية:

(كان يجب القتال ضد جهاز الاستعمار السياسي والإداري والإقتصادي. كان يجب القتال ضد إيديولوجيته الاستعبادية التي تمثلها البورجوازية الاستعمارية وأسياد المزارع، وملوك المناجم والبنوك والنقل البحري الخ

وضد أيديولوجيا أنصاره غير المباشرين، الأرستوقراطية العمالية الأوروبية، وإقطاعية الأغوات والباشوات من موظفين وأسياد ورجال دين منحرفين وملاكين كبار

لم يكن العدو المستعمر مجرد قوة مادية راسخة ظاهريا، كجبل يصمد للقنبلة الذرية. كانت تدعم قوته المادية قوته المعنوية، وقدرته على الاستهواء التي كان الماريشال ليوتي يعبر عنها بقانون إيمان المسؤولين عن الشؤون الإسلامية:(إظهار القوة كي لا يلجأ إلى استعمالها). وإذن، فقد كانت قوة العدو المستعمر الحقيقية، إنما تكمن واقعيا في عقدة العجز عند ضحاياه. وهكذا فإن للأفعى نظرة ساحرة تقدر أن تشل من بعيد العصفور، التي ينسى أن يطير عن غصنه، ويستسلم للسقوط، جامدا، تحت الشجرة، قرب الأفعى

وكان لا بد من إقناع العصفور بأن فيه قوة تستطيع التغلب على الأفعى. وبأن هذا لا يكلفه إلا أن يؤمن بقوته الخاصة، وأن يقهر خوفه، وألا ينسى وجود أجنحته.

ومن أجل ذلك، كان لا بد من الاعتماد على مساعدة

ص: 22

الشعب الجزائري لشل القواعد السياسية والأيديولوجية التي تعيق انطلاقته، وكان في جملة هذه القواعد:

1 -

الأيديولوجيا الثورية المضللة، والتي كان الثوريون فيها أشبه (بديوك الليل) التي تبشر بالصباح قبل الأوان، والليل ما يزال أسود كثيفا، لم يفوزوا بعد، ولم يكن بإمكانهم أن يفوزوا، بمواجهة جماهير المسلمين لاستخدام العنف في الكفاح من أجل الحرية، وكان كل شيء مركزا - عندهم - حول المساواة في الحقوق مع الأوروبيين. مع ما يرافق ذلك من تجشم المشقات مع الخصم - أعني أوروبيي الجزائر - للحصول على مدارس ومحاريث وطرق ومستشفيات، واختيار طريق (الانعتاق بالتطور) وهذه كانت الخطة السياسية

للمنتخبين - غير الإداريين - الذين يسمع صوتهم أكثر من غيرهم والأكثر شعبية (الأعيان)، و (الطلاب)، الذين تثقفوا بالثقافة الإفرنسية.

وكانت رسائل العمل هي الشكاوى التي كان يرفعها (إلى الإفرنسيين الطيبين في فرنسا)، (وفد) يرسل إلى باريس حيث كان

(منخبونا) يجدون رجالا ديموقراطيين لكي (يصغوا) إليهم، ويشاركوهم غضبهم، ووزراء يسمح لهم تهذيبهم (باستقبالهم) وتقوية أوهامهم

المتعلقة (بفعالية) العمل الذي تقوم به بعض الشخصيات - حتى العالية - لرفع العبء الاستعماري دون استخدام العتلة الشعبية. لهذا، لم يكن المنتخبون - الأتباع منهم والمستقلون - يسلمون بهذا التناقض: أنهم بطالون (مخمورون بحشيشة الكيف).

2 -

محاربة أدعياء الكفاح ضد الاستعمار، مع تصريح

ص: 23

المدعي منهم بأنه أقرب إلى فلاح ثري ملحد أو أوروبي، منه إلى العامل الزراعي المؤمن الجزائري: يعني أنه يرسم حدا خاطئا على الصعيد السياسي - وأنه يثير جدلا بيزنطيا بتجاهله للعدو الرئيسي الذي هو (النظام الاستعماري، مصدر الجهل والظلامة). وتصريح هذا المدعي، بأنه مفكر (حر) دون أن يكافح في سبيل فصل الكنيسة عن الدولة فصلا حقيقيا، ونسيانه حتى مساعدة المسلمين لنيل الحرية الدينية ، وبشكل أخص وقوفه ضد التدخل الإفرنسي لاختيار رجال الإمامة والإفتاء الذين يعينهم حاكم مسيحي أو يهودي أو ملحد - دون إله - وهذا كله يعني رفض الدفاع عن أكثر الحقوق بداهة: حرية الضمير. يعني رفض الدفاع عن (الديموقراطية)، والامتناع عمليا عن المساس بمؤسسات الظلم الاستعماري، والمشاركة في ترسيخ الركود الاقتصادي والاجتماعي وازدياد التخلف الإيديولوجي.

3 -

محاربة الإيديولوجية الاستسلامية (أمام صعوبات الثورة المسلحة) وهي الأيديولوجيا التي كانت تشل الثوريين - ذوي الأغراض - سواء في الحزب الشيوعي الجزائري، أو في الحركة الوطنية الجزائرية (والتي كانت تمثلها قيادة الحاج مصالي). وكان هؤلاء الإيديولوجيون يجدون لهم غطاء في مقولات ذات ظواهر براقة - لامعة - تزوغ لها الأبصار الضعيفة - ومنها على سبيل المثال:(إذا كان (الاستراتيجيون) غير موجودين إلا في الحزب الشيوعي الجزائري والحركة الوطنية الجزائرية، فإن ذلك يعني بأن كل عمل مستقل عنها محكوم عليه بالفشل مسبقا

فالثورة فن لا يعرفه غير الأعضاء

ص: 24

المريدين وحدهم

والاقتراب من الثورة بغير إذنهم ممنوع

وذلك حتى لا تكون الثورة مجرد مغامرة دامية لا مستقبل لها، وحتى لا تكون (عملية انتحار) تقوم بها حفنة من المغامرين الذين تلقحوا بالجرثومة الفوضوية الكامنة في الأقلية الفعالة)

وهدفهم الهنائي هو عدم قيام الثورة التي ستشكل خطرا حقيقيا على مخططاتهم، وتتشكل عنها نتائج اجتماعية تغاير أهدافهم.

4 -

محاربة الإيديولوجية الوطنية - الإصلاحية - وهي تتميز بإرادة الوصول إلى الاستقلال بسير متبصر، بالسياسة اللاعنفية - وكان يمثلها عباس فرحات قبل الثورة - كأنه يتم الاستقلال بالتعلم أو بالتجارة أو بالصناعة أو امسترداد الأرض، أو بالحياة العصرية - الغربية - أو بتعليم المرأة للتخلص من الحجاب أو بالعمل البرلماني أو النقاي، أو بالأناشيد الوطنية الحماسية

وكأنه كان على الجزائر أن تنتظر الحليف الذي سيأتي من الخارج والذي سيقضي على الاستعمار بأسلحة من أنواع أسلحته. وهكذا كانت هذه الإيديولوجيا الإصلاحية تبشر بالصبر حتى يأتي المحرر الذي سيلبس في آن واحد قناع سيدنا سلطان اسطنبول والحاج غليوم الثاني والغازي أتاتورك وجوزيف ستالين والفوهرر هتلر وروزفلت

5 -

التصدي للإيديولوجية الوطنية الرجعية التي كان يمثلها شيوخ الطرق ممن وظفهم الاستعمار لخدمة أغراضه، وتنفيذ أهدافه، وكان لهذه الإيديولوجية المفسدة أساليبها الهادفة إلى خلق البدع وإلصاقها بالإسلام. وكان لهذه الأيديولوجية

ص: 25

الرجعية أيضا قاعدتها الاقتصادية القائمة على الملكية العقارية الواسعة، والتي كانت تستغل المزارعين الذين لا أرض لهم، أو الفلاحين المعوزين. ولقد خلق الاستعمار طبقة من كبار الملاكين، وشجعها بواسطة منح يجريها على الموظفين من إداريين ورجال دين. أو بواسطة اختلاسات كانت تجري عنوة. وكان غرض المستعمر هو أن يرتبط بفئة ثابتة على الصعيد الاقتصادي والسياسي. وأن يستخدم تأثيرها الإداري أو الديني، للسيطرة على الفلاحين الفقراء، أو المتوسطي الحال. ويراقب غالبية الشعب الجزائري. وكانت الرجعية الدينية تحرص أيضا على بقاء الهوة القائمة بين الريف والمدينة، وذلك نظرا لما كانت تتمتع به المدينة من سبق في التطور سواء في مجال الوعي الديني أو الوعي السياسي، أو في الوعي الطبقي والعاطفة القومية (1).

وليس من الغريب بعد ذلك أن تنحدر حركة مثل حركة (المرابطين) إلى مجرد حلقات للدراويش أو الحواة، أو صانعي التمائم والتعاويذ التي تبعد (العين الشريرة) والفقر والمرض والضعف والعقم

بعد أن كانت لعهود طويلة حركة (رائعة للجهاد) تألقت في سماء المسلمين عندما قام رجالها بالدفاع عن .... (أندلس المسلمين) وعندما تصدوا لهجمات الغزاة الصليبيين الإسبانيين طوال ثلاثة قرون (في أعقاب سقوط دولة المسلمين في الأندلس) ثم في مجابهة الحملات الأولى للغزو الإفرنسي. وليس من الغريب بالمقابل، بل أنه أمر متوقع جدا،

(1) الجهاد الأفضل (عمار أوزيغان) ص 15 - 19.

ص: 26

أن تتصدى الحركة الإصلاحية الإسلامية التي قادها الشيخ عبد الحميد بن باديس ومعه شيوخ رابطة العلماء لهذه الانحرافات، ويعلمون على هدم ما حاول الإفرنسيون بناءه على أنقاض التنظيمات الإسلامية الأصيلة، التي انحدرت إلى هوة سحيقة تحت ضربات الاستعمار المادية والمعنوية (1).

هنا يبرز سؤال: وهل كانت كل الحركات السياسية والدينية التي عرفتها الجزائر في ليل الاستعمار - حركات عملية أو مشبوهة؟.

يقينا لا! لقد عرف عالم الدول التي خضعت للاستعمار، كما عرفت الجزائر، حركات مخلصة وعرفت زعماء مخلصين، غير أن تلك الحركات وأولئك الزعماء قد بقيت، وبقوا، في حالة من القصور عن إدراك الأهداف البعيدة لأمتهم، وأنعزلوا، في كثير من الأحيان عن تيار التفاعلات العميقة في ضمائر أفراد الشعب. وأسهم التدمير المستمر لمعاول الاستعمار (المادية والمعنوية) في استنزاف قدراتهم أحيانا، وفي حرفهم في أحيان أخرى، وفي تدميرهم تدميرا تاما في معظم الأحيان.

من هنا تظهر ضرورة التعرض لتلك المرحلة التي سبقت اندلاع الثورة التحريرية الكبرى (1954). والتي يمكن اعتبارها

(1) انظر العدد الثاني من هذه المجموعة (الجزائر المجاهدة في مجابهة الحملات الصليبية القديمة) وكذلك العدد السابع من هذه المجموعة أيضا (عبد الحميد بن باديس. وبناء قاعدة الثورة الجزائرية).

ص: 27

(مرحلة المخاض العسير لولادة الحدث العظيم) وهي المرحلة التي بدأت بواكيرها بالأمير خالد وبحركة (جمعية العلماء) على نحو ما سبق عرضه في العددين الساقين من هذه المجموعة

***

ص: 28