الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
نقطة التحول
مذبحة 8 أيار (مايو) 1945
أحدثت الحرب العالمية الثانية تغيرات كثيرة في علاقات دول العالم بعضها ببعض، كما حدثت تبدلات كثيرة في موازين القوى، ولم تعد الدول العظمى التي كانت قبل الحرب، هي ذاتها الدول العظمى في عالم ما بعد الحرب، لا سيما عندما تكون إحدى هذه الدول العظمى قد تعرضت للإحلال والقهر - وأبرز نموذج لها فرنسا ثم بلجيكا. كما لم تعد الشعوب المقهورة في عالم ما قبل الحرب، هي ذاتها عندما انتهت الحرب العالمية الثانية. فقد مست العصا السحرية شعوب العالم الخاضع للاستعمار، فعرفت هذه الشعوب قدراتها وإمكاناتها، وكشفت وهم (تفوق الرجل الأبيض - الأوروبي) وعرفت حقيقة القوة الوهمية للاستعمار. وجاء تكوين هيئة الأمم المتحدة، وبيان حقوق الإنسان والدول وتعهدات أمريكا والاتحاد السوفييتي لتحدد معالم عالم جديد في علاقاته يختلف عن ذلك العالم عالم الاستعمار - الذي عاش طوال القرن التاسع عشر، بكل ضراوته ووحشيته، وزاده عنفا ما حققه من مكاسب طوال النصف الأول من القرن العشرين. غير أن الاستعمار الإفرنسي - على وجه التحديد - لم يدرك عمق هذه التحولات، ولم يحاول التعرف على أبعادها، فمضى في طريقه محاولا إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
لقد ظنت فرنسا أنها تستطيع بقواتها العسكرية (إعادة فتح البلاد التي كانت خاضعة لاستعمارها) فمضت في الإعداد لاستخدام هذه القوة. وجاء عيد الأول من أيار - مايو - 1945 موعدا احتفل فيه العالم كله بانتصار الحلفاء. وحدث في هذا اليوم، أن ارتفعت الأعلام السورية - في الملعب البلدي - بدمشق، وارتفع العلم الجزائري - علم الأمير عبد القادر - في شوارع الجزائر، وكان سلوك السلطات الإفرنسية واحدا في البلدين، فقد دفعت هذه السلطات جنودها المرتزقة لتفريق المتظاهرين. وسقط بعض الشهداء في البلدين، دمشق والجزائر. تلك كانت البداية. ثم بدأت الأحداث بالتطور.
أرسلت فرنسا يوم 4 أيار - مايو - 1945 نجدة إلى قواتها في سوريا ولبنان تضم (800) جندي. وفي يوم 17 أيار - مايو - وصل الطراد (جان دارك) إلى بيروت يحمل قوة دعم جديدة تضم (5100) جندي بكامل أسلحتهم. وخلال ذلك كانت أعمال الاستفزاز تتعاظم، في دمشق خاصة وفي سائر المدن السورية عامة. حتى إذا ما جاء يوم 29 أيار - مايو - قامت القوات الإفرنسية بقصف دمشق بالقنابل، ودفعت جندها لإبادة حرس المجلس النيابي - البرلمان - وكانت مذبحة رهيبة، غير أن المقاومة استمرت، واستطاعت معظم المحافظات السورية السيطرة على الموقف وعزل القوات الإفرنسية وتطويقها. وأصبح الموقف خطيرا يتهدد فرنسا بأكثر مما يتهدد سوريا. وتدخلت إنكلترا كوسيط. واتخذ قرار في مجلس الأمن بإجلاء القوات الأجنبية عن سوريا (وتم ذلك في 17 نيسان - أبريل - 1946