الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك رصاصات بنادق القناصة ومسدساتهم
…
وقد أعدم الجنود في مدينة (قالمة) كل الشبان الذين كانوا يحملون الشهادة الابتدائية، بعد أن جمعوهم في مكان فسيح وأمروهم بحفر أخدود طويل، ثم أعدموهم بكل برودة، وتخلصوا من عدو محتمل. ثم إنني كنت أرى فيما بين (قالمة) والحدود التونسية جموعا غفيرة من البدو، يهيمون على وجوههم، وكان أكثرهم مثخنا بالجراح، والدماء الغزيرة تكسوه، فيما كان بعض الرجال والنساء قد افترشوا الأرض وهم لا يستطيعون حراكا بعد أن نال منهم الجوع والظمأ كل منال، وأنهك قواهم ما سال من دمائهم. وعلمت بعد ذلك أن القتلى لم يكونوا يدفنون في الأغلب، لكثرتهم، بل يتركون فريسة للذئاب والضباع والجوارح الكاسرة.
(د) للمجزرة تتمة
(*):
كانت مجزرة 8 أيار مايو 1945 مذبحة رهيبة، شابت لهولها الأطفال، واقشعرت الأبدان. لقد كان جنود فرنسا يقتحمون البيوت عنوة، يبقرون بطون الحبالى، ويذبحون الأطفال والنساء والشيوخ، ويغتصبون شرف العذارى بعنف ووحشية. وكانوا يوقفون بعض الجزائريين من سكان المدن في الساحات العامة ويبيدونهم بالرصاص. ويجمعون بعضهم الآخر دون تمييز السن والجنس داخل أكواخ ويشعلون النار فيها - وكانوا يدخلون الشبان أفرانا شديدة الحرارة تخرج منها الجثة
(*) الثورة الجزائرية (أحمد الخطيب) 164 - 167.
رمادا. أما القرى، فكان نصيبها من التقتيل والإبادة أفظع وأشنع بحيث أن الجنود الإفرنسيين، كان يرغمون الأهالي على الدخول إلى أكواخهم الطينية المبنية باللبن ويوصدون الأبواب عليهم ثم تمر الدبابات الثقيلة على الأكواخ فتسحقها بمن فيها، وتحيل الأرض عجينا من طين ودم. وقد دمر الطيران الإفرنسي أربعين قرية ومحاها من الوجود، فيما نسف الأسطول البحري مدينة (مثل مدينة خراطة في عمالي قسنطينة) بسكانها العرب وحولها إلى أنقاض.
وتبع مجزرة 1945 حملة 1947 في بلاد القبائل، حملة سنة 1948 في - برقية - و - دشمية - وحملة سنة 1949 في دوار سيدي علي بوناب - وحملة سنة 1952 في منطقة الأوراس. وقتلت فرنسا كثيرا من المهاجرين الجزائريين إلى فرنسا وذلك في حوادث 23 أيار - ماريو - عام 1952. وفي 14 تموز - يوليو سنة 1953. هذه بعض ملامح حرب الإبادة التي شنتها فرنسا
على الشعب العربي في الجزائر قبل الثورة. فبين يوم وليلة قتل (45) ألف جزائري، دون ذنب أو سبب، اللهم إلا مطالبتهم بالحرية والسلام. أما في مجال الإرهاب والتعذيب والقهر، فقد كانت أجهزة الشرطة - البوليس - تمارسه على نطاق واسع - لا ضد المجرمين والأشقياء والمنحرفين، وإنما ضد الوطنيين الجزائريين، وكل من يقوم بنشاط سياسي تحرري، أو يعبر عن أفكار وطنية استقلالية. وعلى الرغم من تحديد صلاحيات التعذيب البوليسي في العالم، فإن البوليس الإفرنسي، قد منح صلاحيات مطلقة لقتل وتعذيب من يشاء من الجزائريين، دونما خوف من حساب أو حتى عتاب. وقد دفعت هذه الصلاحيات البوليس إلى
استخدام أشنع الوسائل وأفظع الطرائق الإرهابية. وها هو نموذج واقعي ومعروف، في جملة نماذج لا نهاية لها، يبرز ما كان يتعرض له أحرار الجزائر من تنكيل، وتعذيب على أيدي الشرطة الإفرنسية (البوليس).
اعتقلت السلطات الإفرنسية شابا عربيا ادعت أنه مناضل في إحدى الخلايا السرية التابعة لحزب الشعب الجزائري (المنحل). واتهمت الشرطة الفرنسية (البوليس) الشاب بإخفائه سرا خطيرا عن الثورة المسلحة التي كان يعد لها حزب الشعب، والتي بالرغم من اكتشافها لم تستوف المعلومات الكافية عن اختفاء الأسلحة الكثيرة التي كان يتدرب عليها رجال (الشرف العسكري) وسرعان ما شرعوا في استجوابه. فجردوه من ثيابه وبللوا جسمه بالماء، وألهبوه لسعا بالسياط ولما يئسوا من هذه المحاولة في استجوابه، ملؤوا جوفه ماء بواسطة أنبوب أدخلوه في فمه حتى كاد بطنه ينفجر. ولما لم تنفع هذه الوسيلة، انتقلوا به إلى الكهرباء. وبعد أن عجزت الكهرباء في حمل الشاب على الاعتراف بسر يجهله، أهملوه داخل غرفة مظلمة ملؤها الذباب والحشرات والجراثيم. إلى أن حضرت بعثة بوليسية - من عاصمة النور باريس - مختصة بفنون التعذيب. فشدوا وثاقه، وتناول رئيس البعثة كماشة. وأمسك إبهام الشاب. وأدخل الظفر بين طرفي فك الكماشة، وقال: أليس لك بعد أن تعترف؟ ولم يدع المفتش الشاب يتم حديثه لكي ينفي عنه هذه التهمة، بل عاجله بانتزاع أظافر يديه ورجليه بوحشية فائقة. وما كاد ينتهي حتى فتح الشاب فمه، وعيناه مغرورقتان بدموع الألم،