الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عيد الجلاء). غير أن الأحداث في الجزائر تطورت بصورة عكسية لأسبارب كثيرة أبرزها:
1 -
قرب فرنسا من الجزائر وتوافر الإمكانات لزج قوات ضخمة في المعركة.
2 -
وجود طابور خامس قوي يشكله المستوطنون الإفرنسيون - بالدرجة الأولى -.
3 -
وجود قواعد برية وجوية وبحرية خاصة بالإفرنسيين.
وكان من نتيجة ذلك، شعور فرنسا بقدرتها على الإمساك بالمبادأة العسكرية. وإجراء المذبحة الرهيبة المعروفة بمذبحة 8 أيار. وقد يكون من المناسب عرض الموقف بالدقة التي عرضتها فيها باحثة جزائرية، عالجت هذا الحدث التاريحي بالتالي:
(أ) من وثائق الحدث التاريخي
(*):
كان من جملة ما أسفرت عنه الحرب العالمية الثانية، وبلادنا - الجزائر - كانت مسرحا من مسارحها، ذلك الوعي السياسي الذي تفجر فيها، كما تفجر في كثير من الشعوب المحكومة، فقامت تسارع للحرية والتحرر، لا تبتغي عنها ردا، ولا عدولا، ولا ترضى بغيرهما بديلا. وكان لا بد لهذا الاتجاه الشعبي العارم من منظمة سياسية تحتويه صقلا، وتسعه تنظيما، وتستوعبه توجيها، وتعده ثورة جامعة تحقق تلك الأهداف السامية التي طالما تطلبتها الأمة، ونشدها الشعب، وتغنت بها الجماهير.
(*) البحث هنا منقول كما ورد في (مجلة التاريخ) الصادرة عن المركز الوطني للدراسات التاريخية - الجزائر رقم 4 أبريل - 1977، ص161 - 175 للباحثة السيدة نادية حرز الله تحت عنوان (حول حوادث 8 ماي 1945).
ولم تكن في الجزائر، آنذاك منظمة أخرى من هذا الوزن، إلا منظمة حزب الشعب الجزائري، سليل حزب (نجم شمال أفريقيا) الذي يرجع تأسيسه إلى سنة 1924. ولكن هذا الحزب كان منحلا إداريا، مطاردا بوليسيا، غير معترف به قانونيا، تتعقبه السلطات الاستعمارية بالقمع والتهديد والوعيد. وكانت الكثرة الكثيرة من أعضائه في غياهب السجون، ومن هنا لازم السرية، واتخذ له العمل في الخفاء والظلام سياسة مخططة، وهذا من حملة ما أعطاه ثقة. الجماهير، وألبسه شيئا غير قليل من القوة في العمل، والبأس في المبادرة، والتضحية في تحمل المسؤولية وأفكار الذات في القيام بأعباء الرسالة القومية التحريرية الوطنية) ومن أعماله الجريئة، اتصاله بممثلي الحلفاء: روسيا، وأمريكا، وإنكلترا، بمجرد نزول الحلفاء في الجزائر يوم 8 تشرين الثاني - نوفمبر - 1942. بل والأصح أن الاتصال بهؤلاء تم قبل نزول الحلفاء في بلادنا - الجزائرية - بعدة أشهر. ومذكرة (حزب الشعب الجزائري) لممثلي الحلفاء هي التي أصبحت في العاشر من شهر شباط - فبراير - 1943، وبعد تحوير وحذف وبتر، تدعى (بيان للشعب الجزائري) الذي قدم بدوره في 31 آذار - مارس - من نفس السنة إلى (الجنرال كاترو) االحاكم العام الإفرنسي في الجزائر، والجلاد المعروف في سوريا ببطشه وجبروته وتعطشه للدماء، وممثل لجنة التحرير الإفرنسية التي كان يتزعمها الجنرال ديغول عامئذ.
جاء إنزال الحلفاء في الجزائر ليقطع الروابط بينها وبين فرنسا. فكان هذا حافزا، يضاف إلى حافز هزيمة فرنسا أمام
الألمان سنة 1940، وذلك من أجل دفع جماهير الشعب الجزائري للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين كانت تفيض بهم السجون والمعتقلات. وهذا ما كانت تصوره المعلقات والمنشورات السرية التي كانت تنشر وتعلق مطالبة بحق تقرير المصير، وفقا لما جاء في المادة الثالثة من (ميثاق الأطلسي) بين روزفلت وتشرشل سنة 1941. وجاء الجنرال ديغول من (برازافيل) إلى (قسنطينة) يوم 12 كانون الأول - ديسمبر - 1943. واتخذ من الجزائر، مركزا له ولقيادة أركان حربه، حتى يكون كما قال:(في وسط المعركة). وألقى خطابه المعروف يوم وصوله إلى (قسنطينة). وهو الخطاب الذي حاول فيه خداع الجزائريين من جهة، وكسب الوقت مع الحلفاء من ناحية أخرى، ولكنه بخطابه ذلك خسر الناحيتين. ولما أسقط في يديه، ورأى أنه قد ضل السبيل، أمر بتكوين لجنة الإصلاحات الإسلامية والتي ضمت ثمانية عشر شخصا، ستة من فرنسيي فرنسا وستة من فرنسيي الجزائر، وستة من الجزائريين، وفي كانون الثاني - يناير - 1944. استمعت اللجنة بأعضائها الثمانية عشر، التي شملت ممثلي جميع الأحزاب القاتمة آنذاك، مثل (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين)، و (حزب الشعب الجزائري) و (أصدقاء البيان والحرية) و (ممثل وادي ميزاب). وأسفرت أعمال هذه اللجنة الإصلاحية عن قرار 7 آذار - مارس - سنة 1944، الذي (تكرم) فيه الجنرال ديغول على حوالي أربعين أو خمسين ألفا من المسلمين الجزائريين بإخراجهم من الجنسية الجزائرية العربية - الإسلامية، وإدماجهم في
الجنسية الإفرنسية مع إعطائهم حق التمتع بحقوق المواطن الإفرنسي، حتى لكأن الجزائري لا يرقى إلى درجة المتمتعين بالحقوق والحريات إلا إذا تخلى عن جنسيته وأصالته، وإلا إذا تنكر لعروبته وإسلامه، وإلا إذا تحلل من كل ما يربطه بثقافته وتاريخه وأمجاده، فقلب ظهر المجن لشخصيته، ولتراث آبائه وأجداده، وأصبح إفرنسيا عدوا لقومه وماضيه وحاضره ومستقبله. وكان الجزائريون يحسبون أن مشاريع الإدماج والإلحاق ومحاولات محو الشخصية الجزائرية قد ماتت إلى الأبد، منذ أن تم دفن مشروع (بلوم - فيوليت) سنة 1936، غير أن الاستعمار لا يبرأ من أمراضه المزمنة، ولا يعرف الشفاء إليها سبيلا. ومن ثم، فها هو الجنرال ديغول يبعث المشروع الدفين تحت التراب من جديد، جاعلا من سياسته التي رمى بها بلا مبالاة في وجه شعب عريق، شهدت له الدنيا قديما وحديثا بعراقته وأصالته، وبمحافظته واستماتته في التمسك بتلك العراقة، وبتلك الأصالة، كلفه ذلك ما كلفه. وأمام هذه الخطة الديغولية الشريرة، اجتمع قادة (حزب الشعب الجرائري) وتدارسوا الموقف، وقرروا الاتصال (بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين) و (بحزب أصدقاء البيان والحرية) - وهو التنطيم الوحيد الذي كان معترفا به من جانب السلطات الإفرنسية. وتم الاتفاق على العمل المشترك ضد المخططات الجديدة القديمة.
أدى تعاون (حزب الشعب الجزائري) مع منظمتي العلماء والبيان، إلى زيادة نشاط العمل السري، وهو العمل الذي اعتمد على خلايا حزب الشعب الجزائري المنحل والمطارد من طرف السلطات الاستعمارية، والذي ما زاده القهر والاضطهاد
إلا تدعيما وتثبيتا وانتشارا وامتدادا وعمقا في أوساط الجماهير. وها هي الخلايا السرية الآن قد انطلقت للعمل وقد جعلت من انخراط أفراد حزب الشعب بالجملة في حزب (أصدقاء البيان والحرية) ستارا لها، تتذرع به، وتحتمي خلفه، للقيام بالاتصالات العلنية مع الجماهير. الأمر الذي ساعد - أولا - على بسط اليد ووضعها على خلايا أصدقاء البيان والحرية وتنظيماتها. وثانيا - إحكام الاتصال بالخلايا السرية ودعمها، وإمدادها بالموجهين والتعليمات والعدد والمعدات، وبهذه الوسيلة، أمكن التوسع بإصدار المنشورات، وتوزيع الجريدة السرية لحزب الشعب.
أصبح (العمل الجزائري). (*) في متناول الخلايا، التي نشرت قاعدتها عبر القطر من أقصاه إلى أدناه، ومن شماله إلى جنوبه. ولم تكد سنة 1945 تستهل حتى عقد أول اجتماع تحضيري باسم (أصدقاء البيان والحرية) بمقره المطل على (مسجد كتشاوة). وفي هذا الاجتماع، تم وضع الأسس الرئيسية لمؤتمر عام 1945، لتنظيم خلايا هذا الحزب وفروعه وتشكيلاته على المستوى الوطني. وعقد هذا المؤتمر أيام 2 و3 و4 آذار - مارس - 1945 بمقر نادي المولودية، بميدان شارت بالعاصمة (نهج عمار القامة حاليا). وأسفرت أعماله عن لائحة سياسية نشرت في الصحف، ووزعت على وكالات الأنباء، وعلى ممثلي الحلفاء، وقدمت للسلطات الإفرنسية (في الولاية العامة،
(*) العمل الجزائري: (Action Algérienne).
الجزائر). وتضمن البيان - فيما تضمنه - ما يلي: (
…
إن أصدقاء البيان والحرية، المجتمعين أيام 2 و3 و4 آذار - مارس - سنة 1945. يؤكدون بأن بيان الشعب الجزائري المؤرخ في العاشر من شهر شباط - فبراير - سنة 1943، والمقدم للسلطات الإفرنسية يوم 31 آذار - مارس - 1943، يبقى هو القاعدة الأساسية لأعمالهم السياسية. وإنهم ليذكرون بأن البيان قد جعل من مبادئه الاعتراف بالجنسية الجزائرية، ووضع دستور جزائري ديموقراطي جمهوري. ويأسف المؤتمرون على أن هذه المبادىء، بعدما وافقت عليها السلطات الإفرنسية في ذلك الوقت ورطبت بها، لم تحترمها، وراحت تتمادى في اتباع سياسة مخالفة لتطلعات الشعب الجزائري، محاولة بذلك إرغامه على الخضوع لسياسة الدمج. ويقر المؤتمرون بأن السياسة الوحيدة الرشيدة هي التي تقام على احترام إرادة الشعوب. ومن هنا، فمن غير المعقول أن يخاطر بمستقبل شعب بكامله، دون استشارته، وبغير نيل رضاه
…
ولذلك، وعملا بما يفرضه الضمير، وتحديدا للمسؤولية، ورغبة في المشاركة بصنع سياسة قائمة على حسن التفاهم، يطالب المؤتمرون بإنجاز المطالب المستعجلة التالية، كقاعدة أساسية يبنى عليها في الغد القريب صرح الأمة الجزائرية:
أولا: استبدال المجالس الجزائرية المعروفة بمجلس النواب (برلمان).
ثانيا: استبدال الولاية العامة بحكومة جزائرية تكون مسؤولة أمام مجلس النواب الجزائري (البرلمان).
ثالثا: الاعتراف بالعلم الجزائري
…
الخ
…
وبدلا من استجابة السلطات الإفرنسية لمطالب الشعب الجزائري، فقد مضت في تصعيد إجراءاتها التعسفية وزيادة استفزازاتها العدوانية، والمضي قدما في سياسة القمع والإرهاب والتقتيل والتشريد. الأمر الذي أدى إلى تظاهرات الفاتح من أيار - مايو - السلمية، والتي استرعت انتباه الروس والأمريكيين والإنكليز الذين كانت لهم اتصالاتهم بممثلي أصدقاء البيان .. وكانوا حتى ذلك اليوم لا يصدقون بأن جماهير الشعب تقف معه، وتنقاد لأوامره، وتستجيب لنداءاته، وتدعم مطالبه بالاستقلال والحرية والانفصال عن فرنسا. منصرفة في ذلك عن سياسة المعتدلين، كافرة بسياسة الإصلاحات والداعين لها والمنادين بها .. وعقد الشعب الجزائري العزم من جديد على أن يجعل من يوم استسلام ألمانيا للحلفاء بعد أن أسلمت عاصمتها في يوم الثلاثاء، غرة أيار - مايو - سنة 1945. أن يجعل منه يوم استفتاء شعبي تقول فيه الأمة كلمتها من جديد، وتعلن فيه مطالبها، وفقا لما شاركت به الجزائر من جهد حربي تحت راية الحلفاء طوال الحرب العالمية الثانية، واغتنمت الإدارة الإفرنسية الإستعمارية هذه المناسبة لتنفيذ مخططها (فكانت المذبحة الرهيبة) (*) التي تعرضت لها الوثائق الإفرنسية ذاتها بما يلي:
(*) اعتمدت الباحثة السيدة نادية حرز الله في النصوص الوثائقية التي سيرد ذكرها، على ما نشرته الجريدة الرسيمة للجمهورية الإفرنسية - مناقشات الجمعية الاستشارية في العددين 6 و7 الصادرين
=
(على أثر فاجعة الجزائر، أنشئت الميليشيات المسلحة وألغيت كل الحريات الديمرقراطية، وتقلدت السلطة العسكرية أمور الشرطة، وأعلنت حالة الطوارىء، وصدرت القوانين الاستثنائية والأحكام العرفية، وسلح كل الأوروبيين، ومنع الجزائريين من مغادرة دورهم إلا إذا كانوا يحملون شارات على سواعدهم أذنت لهم بها السلطة بعد تحقيق دقيق يثبت أن لهم أعمالا في المؤسسات العامة
…
لقد كان الانتقام فظيعا، فقتل بعض الأوروبيين أدى إلى إعدام جماعات من المسلمين بمجرد الشك فيهم
…
ففي الساعة السادسة والنصف من صباح يوم الإثنين 14 أيار - مايو - 1945، فتحت الزنزانات في سجن مدينة (قالما) وبعد أن نودي على تسعة وأربعين سجينا، قيل يلزم أيضا أحد عشرة - حتى يصل العدد إلى الستين .. هكذا أرادت القيادة
…
وأخذ هؤلاء من صفوف المعتقلين ثم حكم على الجميع من طرف (اللجنة العسكرية) التي عقدت جلسة لها لهذه المهمة، وقامت (الميليشيا) بإعدامهم رميا بالرصاص. وقد أجاب الحاكم العام في الجزائر على سؤال وجهناه إليه في الاجتماع المشترك للجان الداخلية - لتنسيق الأعمال للشؤون الإسلامية - فقال: بأن إحدى وأربعين قرية دمرت بالطائرات والوحدات البحرية، فلم يبق فيها دار واحدة. وبما أن معدل سكان القرية الواحدة هو ألف نسمة،
= يومي الأربعاء والخميس 11 و12 تموز - يوليو - سنة 1945.
وكذلك ما نشرته الصحافة غير الرسمية مثل جريدة (ليبرتي) و (كومبا) و (آلجي ريبليكان) وسواها من الصحف الإفرنسية.
إن لم يكن ألفا وخمسمائة أو ألفين، فلا مغالاة أن يقدر العدد الحقيقي لمن قتل من المسلمين، يتراوح بين (15) و (20) ألفا - هذا إذا افترضنا أن نصف السكان قد تمكنوا من الفرار، والاعتصام بالجبال) - ا. هـ.
(كان الانتقام الذي قمنا به، دونما ريب، ضربة قاضية لصداقة الشعب الجزائري والأمة الإفرنسية، أو بالأحرى على مصالح بلادنا في الجزائر
…
هذا على أني لا أتكلم على بقية الأحكام الجائرة
…
إن ذلك يستدعي وقتا طويلا
…
). ا. هـ.
(
…
أعلنت حالة الطوارىء في مدينة سطيف ودوائرها! وبجاية وأحوازها، وقالمة وضواحيها، وقررت الإدارة الإفرنسية فرض الأحكام العرفية في كامل القطر. وحجرت على المواطنين الخروج من دورهم إلا بإذن خاص
…
وأن أي وطني لا يحمل على ذراعيه الشارة المخصصة - وهي شارة لا تعطى بسهولة - يقتل دونما إنذار إذا وجد في الشارع بعد الساعة السابعة مساء، ومن هنا لزم المسلمون دورهم، أياما عديدة، دون أن يكون لديهم ما يقتاتون به من الأطعمة
…
فكانوا من جراء ذلك في جحيمين، جحيم التهديد بالقتل، وجحيم الموت جوعا. لقد وزع السلاح على جميع الأوروبيين، وبصورة خاصة منها الأسلحة الخفيفة، إلى حد أن النساء كن مسلحات
…
وفي إحدى المدن، وبينما كان طفل مسلم صغير لا يتجاوز العاشرة من عمره، يمر في الحديقة العامة، فإذا بضابط فرنسي برتبة
نقيب - كابتن - يطلق عليه النار فيرديه قتيلا
…
إن الأهالي الذين لم يعرف عنهم قط أنهم انخرطوا في حركات سياسية أو في منظمات اجتماعية، قد نالهم أيضا من القمع والإرهاب الشيء الكثير
…
وفي إحدى المناظر المؤلمة، رأينا رضيعا ملوثا بالدماء، يبحث عن ثدي أمه المقطوعة الرأس، دون أن تستجيب الضحية لصراخ ابنها. وإنه لمنظر مؤلم حزين اختلطت فيه مسكنة الرضيع بمصيبة الأم الذبيح) ا. هـ.
(رأينا في مقبرة - قالمة - عربات نقل الجيش الإفرنسي، وهي تقذف على الأرض بأكياس كبيرة ولقد هالنا أن لا تحدث هذه الأكياس أي صدى لحظة ارتطامها بالأرض، فاقتربنا من العربات، فإذا بداخل الأكياس جثثا ممزقة، منهوشة، مزقها الرصاص، وشوهها الخراب ونهشتها الغربان
…
).
(
…
كان يتم تنفيذ حكم الإعدام بالضحايا في كثير من الأحيان، أمام ذويهم وأقاربهم نكالا وتعذيبا ولقد صرع أبناء السيد حنون محمد وأعراب، وهو مساعد طبيب بخراطة - صرع أبناؤه الأربعة أمامه، وهو ينظر-
…
وعندما جاء دوره طلب منه أن يهتف بحياة فرنسا، فأبى، فقطعت يداه ورجلاه، ثم أعدم) ا. هـ.
(
…
انقضت ليلة 9 أيار - مايو - 1945 في توزيع الأسلحة على الأوروبيين - بمدينة الجزائر - وفي إلقاء الخطب عليهم لإثارة حماسهم. ولم تطلع شمس يوم 9 أيار - مايو - حتى أعدم أكثر من ثمانمائة من الأهلين - المسلمين - هذا في
المدينة، أما في ضواحيها، فقد تركت عملية القمع الإرهابي للفرقة الأجنبية التي لم يكن أفرادها يسألون عما يفعلون. وكذلك كان الحال في (جيجل) و (الطهير) وضواحيها، فكنت لا ترى إلا القتل والنهب والنيران التي لا تبقي ولا تذر) ا. هـ.
(
…
زار والي عمالة قسنطينة (ليستراد كاربونيل)(*) مدينة (الطهير) وبعد أن خطب في جموع الأوروبيين مهنئا ومشجعا ومستشيرا - وقال: (لقد أمر جنودنا بحفظ النظام، واستتباب الأمن، وهم يعرفون كيف يقومون بمهامهم، وكيف ينفذون واجباتهم) ا. هـ. وأدى الحمق الاستعماري بالحاضرين إلى الهتاف: (هذا اليوم هو يوم النصر).
(إننا بهليوبوليس القريبة من مدينة (قالمة) ولقد مضى على الجثث الملقاة على قارعة الطريق أكثر من خمسة أيام، دون أن يهتم أولو الأمر بدفنها، وذلك تفننا في إلقاء الرعب في قلوب المواطنين، الذين لم يزدهم، بكل أسف، هذا العمل إلا كرها فينا، وبغضا لنا. ا. هـ.
(
…
كانت القوات المسلحة البرية والجوية والفرقة الأجنبية تقوم بالقمع والإرهاب، في نفس الوقت، ما بين ، (سطيف) وبين البحر شمالا. وكان الجميع يعيشون فسادا في المدن والقرى، وفي الأموال والأنفس والثمرات، وينبهون كل
(*) ليستراد كاربونيل: (Lestrade-Carbonel) .
ما يقع تحت أيديهم
…
ثم هم بعد ذلك يقتلون ويحرقون
…
ولقد استعانت القوات العسكرية بالوحدات البحرية، فجاء الطراد (ديجي تروان)(*) الذي أبحر من مدينة عنابة، وقد ألحق هذا الطراد بضواحي مدينة خراطة خسائر لا تقدر
…
ولقد حدا الأمر بالأوروبيين، من مدنيين وعسكريين، إلى أن يطلقوا نيران بنادقهم بمجرد أن يروا برنوسا - الرداء الوطني المغربي - وزيادة على هذا، كانت الطائرات تلقي قذائفها، وتمطر الأهلين بوابل رشاشاتها
…
وقد وصلت المأساة ذروتها في مدينة (قالمة) وضواحيها حيث بلغ الجنون الجماعي حده هناك. وكانت موجة الانتقام من المسلمين، والبغض العنصري قد هيمنا على كل الأوساط الإفرنسية، إلى حد أن أعمال القمع لم تقتصر على الفرقة الأجنبية فحسب، بل وحتى أنصار فرنسا المكافحة والشيوعيين أيضا
…
وقامت الإدارة الإفرنسية بحل المنظمات السياسية وغير السياسية، وإغلاق المدارس التعليمية الحرة للمسلمين، والأندية الأدبية والرياضية. وعطلت الصحافة التي كانت تصدر باللغة العربية، وأعلنت حالة الطوارىء، وطبقت القوانين الاستثنائية العرفية في كامل البلاد. وأطلقت يد الشرطة - البوليس - فراح رجال هذه المنظمة يمارسون عملهم بأساليب وحشية بربرية لترويع الأبرياء. وإنزال الفجائع بالعائلات صباح مساء. وتفتيش الدور والمخازن والمتاجر، ونهب كل ما تقع عليه الأيدي ولا سيما الجواهر والحلي والزرابي والأموال، مع إلقاء
(*) الطراد ديجي - تروان: (Duguay Trouin).
القبض على كل إنسان حتى أولئك الذين لم يثبت قط أنهم انخرطوا في أية حركة سياسية كانت أو غير سياسية. وتعطلت من جراء الإرهاب البوليسي، وبسبب القوانين العرفية، كل حركة للانتقال من بلد إلى بلد آخر. وشلت الحركة الاقتصادية. ورصدت السلطة الإفرنسية مبالغ ضخمة مكافأة لمن يرشدها إلى الوطنيين الذين لم تصل إليهم قبضة القمع، فاختفوا بغية تغذية الحركة التحريرية حتى لا يلحقها الفشل بسبب ما فقدته من عشرات الألوف من الضحايا والمعتقلين. وفصلت الإدارة الإفرنسية أيضا مئات الموظفين المسلمين من مناصبهم، وشددت الرقابة على الحدود الجزائرية شرقا وغربا حتى لا يهرب المواطنون الجزائريون إلى المغرب أو إلى تونس أو طرابلس).
(لقد بات أصغر الإفرنسيين شأنا في السلطة وهو يملك ما يجعله حق إعدام هذا أو تشريع ذلك، وأنه لمن الصعب تحديد عدد الذين اعتقلوا في هذه الحوادث الدامية. فمن قائل، أنه بلغ عشرة آلاف سجين، ومن قائل: أنه تجاوز هذا الرقم بكثير، وغير هؤلاء يقول: إنه بلغ الستين ألفا. غير أن وزير الداخلية الإفرنسي - في تلك الفترة وهو (ادريان تكسييه (*) أعلن أمام الجمعية الاستشارية المؤقتة، (بأن عدد المعتقلين لا يتجاوز الألفي وخمسمائة مسلم) ا. هـ.
قصارى ما يمكن قوله عن المعتقلين: لقد ضاقت السجون
(*) ادريان تكسييه: (Adrien Texier) .
الجزائرية بهم إلى حد أن السلطة الإفرنسية أفرجت عن المجرمين حتى توفر أماكنهم للأحرار الوطنيين، ولما لم تؤد هذه العملية إلى المبتغى، ضاعفت السلطات الإفرنسية ميادين المعتقلات ومعسكرات الحشد والاعتقال، والتي كانت قد أنشأتها في أوائل الحرب العالمية الثانية. وساقت إليها الوطنيين أفواجا إثر أفواج. أما الوسائل التي كان البوليس السياسي يقوم بها لحمل الوطنينن على الإقرار بجرائم أو أعمال لم يقوموا بها، والاعتراف بما أراد أن ينسبه إليهم، وعلى أن يشهد البعض على البعض الآخر،
فهي وسائل مرعبة يقشعر لها جسم الإنسان.
(لقد اقتنع الإفرنسي، بأن ما يقال عن استسلام الجزائريين للحكم الإفرنسي، إنما هو أسطورة حاكتها يد الإدارة الاستعمارية العليا في الجزائر. وجاءت هذه الدماء الغزيرة لتكذبها. ولهذا فالواجب يقضي على فرنسا أن تستعمل كل ما لديها من القوة، إن هي أرادت الاحتفاظ بالجزائر) ا. هـ.
وإلى هذا أشار - م. بيشير - في جريدة (صدى الجزائر) الإفرنسية (*) ما يلي:
(
…
لا جدوى من مضي الأسابيع والشهور على القضية الجزائرية، طالما أنه لا يمكن البت بشيء فيها وطالما أنه لا يمكن الوصول إلى حل لها بسبب إهمال الوقائع المادية والضرورات
(*) م. بيشير (M.BEUSCHER)(في جريدة صدى الجزائر) تاريخ 8 حزيران - يونيو 1945.
الناجمة عنها. وها هي ذي الوقائع الوحشية المذهلة .. لقد سالت الدماء الغزيرة مرة أخرى في الجزائر، كما سبق لها أن سالت من قبل مرات عديدة. إن المفكرين والمعمرين الذين يختارون العبارات الأنيقة، وينسقون التعابير والجمل في مراسلاتهم مع فرنسا بغية حل (القضية الجزائرية) لا يفقهون ولا يدركون أن المريض الذي يعالجونه بالمسكنات عن طريق الإذاعة، قد بات يستعصي على العلاج.
…
ولقد تجاهل الإفرنسيون على اختلاف نزعاتهم، وعلى تباين تنظيماتهم السياسية، وبرامجهم الحزبية، الأسباب الرئيسية للحوادث، وتعاموا عن المطالب الجوهرية والقومية للشعب الجزائري. فراحوا قصد تضليل الرأي العام الدولي يعزون الحوادث إلى أيد خفية أجنبية حركت الجزائريين ضد فرنسا. وشاءت عبقرية الحاكم العام الاشتراكي الإفرنسي في الجزائر (شاتينيو)(*) عامئذ في بلاغه الذي أذاعه بنفسه على أمواج الأثير، أن يصف أعضاء حزب الشعب الجزائري باسم (نازيون) وبأن (منظمتهم نازية). أما عبقرية جماعة اليسار وأنصارهم، فقد قالوا في خطبهم، وذكروا في صحفهم: بأن الحوادث أشعلت نيرانها أيد إنكليزية وأمريكية. أما الحقيقة فهي أننا لسنا من أحزاب اليمين في شيء حتى نتهم بالفاشية أو النازية. ولسنا أيضا من أحزاب اليسار حتى نتهم بالشيوعية. وإنما نحن أمة وسطا لا ينبغي لنا أن نتغنى بمباديء هؤلاء،
(*) شاتينيو: (Chataigneau).
أو نعمل في ركابهم. ولا بنظم أولئك، أو نقبل أن نكون عندما تنشب النار، وتندلع في بيت. وعندما تكون الباخرة على شفا الغرق. فإنه لا يستغاث بالطاهي، ولا بمدير المقرص، إذا الساعة حينئذ فيما يخص البيت، وفيما يخص الباخرة، لأصحاب المطافىء وأصحاب النجدة والإسعاف. وإنه لكذلك الأمر في أفريقيا الشمالية عامة، وفي الجزائر خاصة، فالساعة يجب أن تكون للجندرمة (الدرك) والبوليس (الشرطة) إ. هـ.
بمثل هذه الروح العدوانية، وبمثل ذلك الحقد وتلك الكراهية، تلقت كل الأوساط الإفرنسية (اليمينية واليسارية على حد سواء، حوادث 8 أيار - مايو - 1945: (حتى لكأن فيالق الفرقة الأجنبية، وطوابير - ارتال - الدرك والشرطة قد قصرت في المهمة التي أوكلت إليها، مهمة سفك الدماء، وقتل الأبرياء، وحرق المداشر والقرى. أو حتى لكأن الخمسة والأربعين ألف شهيد من المواطنين الذين قاموا يردون الظلم ويدافعون عن الشر، لم يكفوا للأخذ بثأر ثمانية وثمانين قتيلا ومائة وخمسين جريحا من الغزاة المستعمرين. على أن الرصاصات الأولى التي أطلقت على المتظاهرين في هذه الحوادث، في كل من سطيف وقالمة وعنابة وغيرها. قد أطلقتها رجال الشرطة والدرك. والبرق هو شبيه بالجراح الذي يجيل مشرطه في لحم الجريح).
وانتهت المذبحة، وجلس الجزارون يندبون: (
…
فكروا ثانية فيما آلت إليه علاقاتنا بالجزائريين، في العمل وفي دواوين