الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ج) القادة التاريخيون:
لقد مضى ربع قرن على انطلاقة الثورة، وبات بالامكان معرفة بعض أسرارها، والتعرف على بعض القادة التاريخيين الذين أطلقوا شرارتها. ولم يكن هذا الأمر ممكنا في ظروف الثورة. فقد حرص أولئك القادة على تجنب كل ما يكشف عن شخصياتهم، واعتصموا بقواعد الثورة، وحاولوا البقاء في الظل، ولم يشتركوا في أي مؤتمر عام - خارج القطر الجزائري إلا بعد انتهاء الثورة. ولقد أسهم في الثورة جميع الجزائريين الذين فازوا بممارسة بعض الأعمال الادارية أو القيادة، واكتسبوا بذلك خبرة كافية تؤهلهم لممارسة أعمالهم في ظلال الثورة وتحت رايتها، سواء كانت خبرة هؤلاء ناجمة عن عملهم في القطاع المدني - خلال الفترة الأخيرة التي سبقت الثورة - أو في الجيش الإفرنسي ذاته. وكان معظم جيل القادة من الذين ولدوا في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولهذا لم يروا في فرنسا إلا بلدا ممزقا في اتجاهاته منحلا في قيمه الأخلاقية، متحررا من الفضائل المثلى، وجاءت هزيمة فرنسا في الحرب العالمية الثانية (سنة 1940) واشتراك الجزائريين في الحرب لتؤكد لهؤلاء سقوط هالة (الرجل الأبيض المتفوق).
وعلى الرغم من أن أبناء هذا الجيل قد تلقوا الثقافة الافرنسية، إلا أنهم لم يعرفوا شيئا عن التعاون مع فرنسا - بخلاف جيل مصالي الحاج وفرحات عباس وبن جلول وأضرابهم من كان مثلهم الأعلى في شبابهم توثيق التعاون مع فرنسا. وهنا
يبرز فضل (جمعية العلماء المسلمين الجزائريين) التي مارست دورها خلال هذه الفترة في تكوين تيار إسلامي - عربي، وبناء قاعدة صلبة للثورة، لم تلبث أن أسهمت في ربط الدورة بأصالتها التاريخية، وبالتراث النضالي للبلاد. وبقي الشيء المهم في قيادة الثورة الجزائرية، وهو ليس الافتقار إلى الزعيم الفرد، بل وجود القيادة التي تمتد إلى مسافات عميقة داخل صفوف المجاهدين.
ولعل العزوف عن تنصيب قائد فرد في موقع القمة هو الذي يفسر إحباط المحاولات التي قام بها (مصالي الحاج) للسيطرة على الحركة الوطنية الجزائرية وهي الوسيلة التي كانت تكمن وراءها رغبة الزعماء الجزائريين في عدم السماح لفرد واحد لاتخاذ قرارات قد تكون مهلكة وقاتلة، عندما يتخذها هذا الفرد، متأثرا بحوافز وانفعالات شخصية، هذا بالاضافة إلى صعوبة التأكد من قدرة الفرد، أي فرد - على الاستمرار في مواجهة قتال العصابات ومصاعبها ومتطلباتها في حرب طويلة الأمد. ولا يعني هذا أن بعض القادة السياسيين (في قيادة جبهة التحرير الوطني) والقادة العسكريين في (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) والتي تحولت إلى (جيش التحرير الوطني) لم تستهوهم وتستميلهم فكرة الوصول إلى مرتبة القيادة الانفرادية المعترف بها. ولا ريب في أن عددا من العسكريين قد أرادوا ممارسة السلطة المطلقة على نطاق ضيق - استجابة لمتطلبات حرية العمل العسكري وظروف حرب العصابات -. ولا ريب في أن بعضهم قد تمكن من تحقيقها لنفسه في وقت معين وفي إطار
ظروف محددة وقاهرة. ولكن المقاومة التي أبداها الزعماء