الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
حزب نجم شمال أفريقيا
(*)
كان حزب (الجزائر الفتاة) والذي أسسه الأمير خالد الهاشمي الجزائري. وهو أول تنظيم حزبي عرفته الجزائر غداة الحرب العالمية الأولى. وكانت (جمعية العلماء الجزائريين المسلمين) هي أبرز تنظيم اجتماعي - ديني - سياسي، ولو أنه لم يرفع الهوية السياسية. وفي تلك الفترة ذاتها ظهر - في باريس - تنظيم جديد ارتبط بالطبقة العاملة لأبناء المغرب العربي الإسلامي عرف باسم (حزب نجم شمال أفريقيا) وارتبط ارتباطا وثيقا باسم (مصالي الحاج) على الرغم من أن أول رئيس لهذا الحزب - أو الجمعية - كان (سي محمد جيفال) وهو تاجر جزائري مستقيم وشجاع من المنطقة الثامنة عشرة، وكان من أعضاء مكتب الجمعية (عبد القادر بن الحاج علي وعلي الحمامي، ومصالي الحاج).
كان ذلك في العام 1924، فخلال مؤتمر نظمه الأمير خالد الهاشمي في باريس، تفرق المهاجرون من شمال أفريقيا
(*)(نجم شمال أفريقيا) L'ETOILE NORD AFRICAINE.
الذين كانوا يحضرون الاجتماع، وهم يهتفون (عاشت أفريقيا المستقلة) وفي السنة نفسها - في منتصف شهر أيلول - سبتمبر - تأسست (جمعية نجم شمال أفريقيا) في باريس وكانت أهدافها الاجتماعية الدفاع عن مصالح عرب شمال أفريقيا المادية والمعنوية والاجتماعية. وكان يختفي وراء واجهتها تلك المطالب السياسية الخاصة باستغلال بلدان أفريقيا الثلاثة. وخلال تلك الفترة، كان الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي يقود حربه الضارية ضد الاستعمار الإسباني في الريف، ويحقق إنتصاره الرائع في معركة - أفوال - الشهيرة - فكان أول نشاط تمارسه الجمعية هو إرسال برقية إلى الأمير الخطابي - بمناسبة انتصاره، جاء فيها:
(عمال المغرب العربي الذين يعملون في الناحية الباريسية، والذين يجمعون في هذا اليوم التاريخي - السابع من كانون الأول - ديسمبر - 1924 مؤتمرهم الأول، يبعثون لإخوانهم رجال المغرب الأقصى وإلى زعيمهم البطل عبد الكريم بالتهاني الصادقة من أجل انتصارهم على الاستعمار الإسباني. ويعلنون تضامنهم معهم في كل مسعى يقومون به من أجل تحرير البلاد، ويشاركونهم المناداة باستقلال الشعوب المظلومة، وبسقوط الاستعمار العالمي والاستعمار الإفرنسي).
ترددت أصداء هذه الصيحة قوية مجلجلة في كل أنحاء المغرب العربي - الإسلامي، إذ كيف يرتفع صوت ينادي بالاستقلال الوطني من قلب عاصمة الاستعمار - باريس - في
لوقت الذي لا يكاد فيه صوت يرتفع في كل أنحاء المغرب العربي الإسلامي ليطالب بما هو أقل من ذلك بكثير - الدمج - بدون أن يلقي أذنا صاغية؟ لقد حدث ذلك في وقت خيل لكثير من أبناء المغرب العربي الإسلامي أن أقدام الاستعمار قد باتت ثابتة وقوية فوق أرض الوطن، وأفاق كثير من الناس ليدركوا أن بناء الاستعمار إنما هو بناء فوق الرمال. وكان من نتيجة ذلك أن انضم عدد كبير من رجال المغرب العربي - الإسلامي إلى الجمعية - وخاصة من العمال الجزاريين - وشعرت (الجمعية) بأن ساعدها يشتد، فأصدرت صحيفة ناطقة باسمها (حملت اسم جريدة - الأمة).
في سنة 1927، تولى (مصالي الحاج) رئاسة جمعية ، (نجم شمال أفريقيا)؛ فأعطاها قوة دفع جديدة بما عرف عنه من قدرة تنظيمية كبيرة، وحماسة شديدة للعمل. وهنا قد يكون من المناسب التوقف قليلا عند شخصية (مصالي الحاج،) الذي أصبح في فترة من الفترات (أبو الوطن الجزائري). أو (والد الحركة الوطنية الجزائرية).
ولد مصالي الحاج في العام 1898 في مدينة تلمسان. عن والد فقير كان صانعا للأحذية، فلم تتح له الفرصة إلا للتعلم بصورة محدودة، وفي سنة 1911، أيقظه حدث كبير ترك أثرا عميقا في حياته، فقد شاهد في هذه السنة أهل مدينته (تلمسان) وهم يهاجرون هجرة شبه جماعية، تاركين مدينتهم فرارا من جور الاستعمار، ميممين وجوههم شطر المشرق العربي -
الإسلامي، حيث استقر بعضهم في تونس، وتابع أكثرهم هجرته إلى بلاد الشام. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، قاتل (مصالي الحاج). في صفوف الجيش الإفرنسي، حتى إذا ما انتهت الحرب وعاد إلى الجزائر، لم يجد فيها غير البؤس والفقر والاضطهاد، شأنه في ذلك شأن الكثيرين من المقاتلين الجزائريين في الجيش الإفرنسي، وأدت البطالة التي انتشرت في الجزائر اعتبارا من سنة 1920، وحاجة فرنسا إلى القيام بالأعمال العمرانية، إلى هجرة كثير من الشبان الجزائريين إلى فرنسا بحثا عن العمل. وكان بين هؤلاء المهاجرين (الشاب مصالي الحاج) حيث عمل في عدد من مصانع باريس كما عمل بائعا متجولا في الشوارع. وواظب على تلقي الدروس في معهد الدراسات الشرقية. كما حضر محاضرات عدة في جامعة بوردو. وعاش كغيره من العمال الجزائريين حياة الكفاف وفي أوضاع شاقة، واتصل بالطبقات العاملة الإفرنسية، وسرعان ما انضم إلى الحزب الشيوعي، ثم تزوج من شيوعية بارزة. وقد أفاد من خدمته في الخلايا الشيوعية الباريسية، إذ أكسبته مرانا وتجربة تنظيميين استثمرها بشكل جيد عندما شرع في تنظيم الحركة الوطنية الجزائرية.
حاول (مصالي الحاج) نقل مركز ثقل حركته إلى الجزائر، وتطوير الحركة في فرنسا ذاتها. غير أن نطاق الجمعية (جمعية نجم شمال أفريقيا) وصحيفتها (الأمة) لم يتجاوز حتى سنة 1929 حدود النطاق الضيق للعمال المهاجرين والمقيمين في باريس وضواحيها. أما في الجزائر فقد بقيت الجمعية وصحيفتها
مجهولتين من الجمهور وخاصة الفلاحين منهم. ويعود السبب في ذلك إلى رفض الجزائريين المسلمين للفكر الشيوعي، وهو الأمر الذي تعبر عنه المقولة التالية:
(جاء عبد القادر بن الحاج إلى الجزائر ومعه مصالي الحاج للاجتماع بزعماء الحركات الوطنية، وعقد هؤلاء اجتماعا جرى فيه حوار بشأن الالتقاء بمصالي الحاج ورفيقه، وفي هذا الاجتماع قال أحد الحضور - الطيب الجميل -: إننا نحاول إخراج الشرعية من الباب فإذا بها تطل علينا من الشباك! لقد بات من المعروف أن حركة (نجم شمال أفريقيا هي حركة شيوعية). وأن الرجلين كانا من رجال الحزب الشيوعي المعدودين، ولا يزالان يعملان سرا بوحيه وبالاتفاق معه. وأن هذه الحركة المذهبية المشبوهة، إنما هي من أجل تغلغل الشيوعية في كل الأوساط الإسلامية التي بقيت مغلقة في وجه دعاية الكومينترن. فالعامل مع هذين الرجلين إنما هو العامل من أجل الكريملين، ولفائدة مبدأ رفضه المسلمون قاطبة. ويعتقد الشيوعيون أنه يجب التخلص من الاستعمار أولا بواسطة حركة دينية قومية، ثم هم يتخلصون سريعا من هذه الحركة لفائدة الشيوعية). وتقرر بعد جدال عدم الاجتماع بزعيمي جمعية (نجم شمال أفريقيا).
وهكذا فقد اقتصر نشاط الحزب بصورة رئيسية على فرنسا، وأقام له اتصالات مع تونس والمغرب - مراكش - وغيرهما من الجماعات الإسلامية والهيئات العربية. وشهد
(مصالي الحاج) مؤتمر مناهضة الاستعمار الذي عقد في بلجيكا سنة 1927، والذي ترك أثرا عميقا في عقول الكثير من الوطنيين في آسيا وأفريقيا.
أصدرت الحكومة الإفرنسية قرارا في سنة 1929 بحل (حزب نجم شمال أفريقيا) لمطالبته بالاستقلال فانتقل عدد كبير من مناضليه إلى الحركة السرية، ودعموا بذلك (كوادر - أجهزة) الجهاز التنظيمي الشيوعي الذي كانوا قد انضووا تحت لوائه في البداية. وفي العام ذاته، تأسس حزب (النجم الثاقب) الذي تبنى مطالب أقل عنفا وبرنامجا أكثر اعتدالا، يستهدف رفض (رسالة فرنسا التمدينية) في الجزائر. واستمر الحزب في إصدار صحيفته (الأمة) في أوقات غير منتظمة، وكانت كالمشرفين عليها عرضة دائمة لإجراءات العنف الإفرنسية. وفي سنة 1930 بعث الحزب بمذكرة إلى عصبة الأمم يناشدها الدعم لتحقيق مطالب حزب (النجم الثاقب). وظهر خلال ذلك أن قرار حل (حزب نجم شمال أفريقيا) إنما جاء بسبب الضغط الذي مارسه (عمد الجزائر) و (النواب المنتخبون) من المستوطنين على الحكومة الإفرنسية. وعلى كل حال، فقد عاد حزب (نجم شمال أفريقيا) للظهور مجددا في سنة 1933، وعقد مؤتمرا عاما وهاما في فرنسا. وقد تمكن (مصالي الحاج) وأنصاره من حمل المؤتمر على استصدار قرار مطول يتضمن الإجراءات التي يجب اتخاذها قبل الاستقلال وبعده (*). وعلى أثر ذلك قامت الحكومة الإفرنسية
(*) انظر مواد هذا القرار في نهاية هذا الكتاب (قراءات 1).
باعتقاله والحكم عليه بالسجن لمدة سنتين وذلك بالتهمة التي كثيرا ما استخدمت ضده وضد غيره من الوطنيين وهي (تأليف منظمة غير مشروعة). وعندما أطلق سراح (مصالي الحاج) سنة 1935 عاد على الفور لاسئناف نشاطه، وظهر حزب (نجم شمال أفريقيا) تحت اسم جديد هو (الاتحاد الوطني لمسلمي شمال أفريقيا). واشترك (مصالي الحاج) بصورة بارزة في الحملة العالمية التي شنت ضد غزو الإيطاليين للحبشة (أثيوبيا). ولم تمض بضعة أشهر على إطلاق سراحه حتى كان مصالي ثانية عرضة للاعتقاد بموجب مرسرم (رينيه) القاسي، وسافر إلى سويسرا حيث قضى ستة أشهر في حالة نفي اختياري، تجنبا للسجن من جديد. وقد اتسعت آفاقه في سويسرا من جراء حضوره (المؤتمر الإسلامي في جنيف) واتصاله بالأمير (شكيب أرسلان). وأدى هذا الاتصال إلى تحويل (مصالي الحاج) من صورته الشيوعية الإفرنسية إلى مظهره الإسلامي العربي. وأثر الأمير شكيب على مصالي فحمله على معارضة اقتراحات (بلوم - فيوليت) التمثيلية. وعلى زيادة الاتصال بالحركة الإصلاحية في الجزائر ذاتها. وقام الأمير شكيب ذاته بكتابة مجموعة من الرسائل إلى زعماء المغرب العربي - الإسلامي، أشاد فيها (بالزعيم مصالي الحاج) وامتدح صدق وطنيته وإقدامه وحماسه، وأنه (لو كان للإسلام مثله في مختلف الأوطان لتغير الحال غير الحال) وكان ممن تلقى رسائل الأمير شكيب - بهذا الشأن - محيي الدين القليبي - بتونس - وأحمد توفيق المدني - بالجزائر - وعبد الحميد بن باديس - بقسنطينة - والطيب العقبي - ببسكره - ومبارك
الميلى - بالأغواط - وعلال الفاسي - بفاس - ومحمد بن أحمد داوود - بتطوان - وساعدت هذه الرسائل (مصالي الحاج) على تطوير نشاطه في أنحاء المغرب العربي الإسلامي.
أدى تحالف قوى اليسار في فرنسا (الاشتراكيين والشيوعيين) إلى انتصارهم في انتخابات سنة 1936 وتشكلت، حكومة (ليون بلوم). وقام محامو الدفاع عن (مصالي الحاج) برفع قضيته إلى رئيس الوزراء الإفرنسي، وصدر قرار بعودته إلى فرنسا. فاستأنف (مصالي) نشاطه التنظيمي والدعائي بمجرد وصوله إلى باريس، بعزيمة أكثر وتصميم أكبر. واستعرض نحوا من أربعين ألف عامل من عمال المغرب العربي الإسلامي في باريس، وذلك في صباح يوم الباستيل من سنة 1936، وكانت مسيرة العمال ترفع شعار ، (تحرر الوطن العربي). ودخل مصالي وحزبه (نجم شمال أفريقيا) إلى الجزائر نفسها، للمرة الأولى، في الثاني من شهر آب - أغسطس - 1936 حيث عقد اجتماعا عاما في الملعب البلدي في الجزائر، بحضور نحو من عشرة آلاف جزائري. وقام (مصالي الحاج)؛ بعد ذلك بجولة في أنحاء البلاد، حيث ألقى عددا من الخطب، نالت نجاحا بارزا في مسقط رأسه (في مقاطعة تلمسان). وذكر حزب (نجم شمال أفريقيا) في هذه الآونة، أن عضويته تضم أحد عشر ألف شخص نظموا في سبعة فروع في فرنسا، وفي نحو من ثلاثين فرعا أخرى أثناء الجولة التي قام بها مصالي في أنحاء البلاد. علاوة على ثلاثين فرعا كانت قد تأسست في الجزائر من قبل. ولقيت حملة مصالي
ضد اقتراحات (بلوم - فيوليت)(*) ومطالبته بالاستقلال، معارضة قوية من قبل (أنصار الدمج) ومن قبل الحزب الشيوعي - بوصفه أحد الأحزاب الحاكمة في فرنسا الآن - والذي بات يؤيد استمرار السيادة الإفرنسية على الجزائر. وأدى هذا الصراع إلى نتيجتين مهمتين: أولاهما تخلي الكثير من الجزائريين عن ارتباطاتهم الشيوعية، تأييدا لموقف حزب (نجم شمال أفريقيا) القومي. وثانيتهما حل حكومة الجبهة الشعبية لحزب (نجم شمال أفريقيا) في كانون الثاني - يناير - 1937.
…
قرر زعماء (حزب نجم شمال أفريقيا) بعد حل حزبهم، تأسيس حزب جديد. واجتمع مصالي الحاج وعماش عمار، وراجف بلقاسم وموسوي رباح ونحال محمد الرزق، وأعلنوا يوم 11 - آذار - مارس - 1937 تأسيس (حزب الشعب الجزائري) ودعمهم أعضاء شعبة الجزائر لحزب (نجم شمال أفريقيا).
(*) بلوم - ليون (BLUM - LEON)(1872 - 1950) شكل حكومة الجبهة الشعبية سنة 1936، وقرر الاستجابة لطلبات الراغبين بالحصول على الجنسية الإفرنسية (أنصار سياسة الدمج مع فرنسا) ومنح هذه الجنسية إلى فئات معينة فقط من الجزائريين المثقفين.
ولكن هذا القانون لم يصدق عليه في البرلمان الإفرنسي بسبب معارضة المستوطنين ومقاومتهم له. وأدى فشله إلى خيبة آمال تلك الفئة التي (حاولت الإخلاص لثقافتها الإفرنسية) وفي الوقت ذاته، اصطدم (مشروع بلوم فيوليت) بمقاومة المسلمين في الجزائر ومعارضتهم له.