المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ج) (اليوم الرهيب) في ذكريات أحمد توفيق المدني - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٨

[بسام العسلي]

الفصل: ‌(ج) (اليوم الرهيب) في ذكريات أحمد توفيق المدني

الذين يتضاءلون كأقلية يوما بعد يوم أمام ازدياد عدد الجزائريين وتكاثرهم.

(ج)(اليوم الرهيب) في ذكريات أحمد توفيق المدني

(*):

كان الزعيم، الشيخ أحمد توفيق المدني (مسافرا بالقطار من الجزائر إلى تونس، يوم وقعت المذبحة - المأساة - وقد سجل انطباعه ومشاهداته - بما يلى):

(تجهزت للسفر وأخذت بطاقتي، وامتطيت القطار يوم 7 أيار - مايو - 1945، في الثامنة مساء. وكنت عندما أصبح الصباح، أشعر كلما تقدم القطار نحو الشرق بحركة غير عادية في المحطات، تزداد شدة وحدة، بين حين وآخر، حتى إذا وصلنا مدينة (الخروب) وغيرنا القطار، وجدنا في المحطة مختلف فرق الجيش، وبينها طائفة من الشبان المتحمسين المتهيجين وهم يحملون ما توافر لهم حمله من مختلف الأسلحة. وكانوا يصعدون إلى مزجيات الرتل وينزلون من بها من الجزائريين واحدا واحدا، في شدة وعنف، ورأيتهم تحت نافذتي يفتشون بدويا عربيا بشكل مهين، وقد وجدوا في قفته سكينا صغيرا لقطع الخبز طبعا، فانهالوا عليه ضربا بالأيدي ورفسا بالأرجل، ثم اقتادوه بقوة إلى ما وراء القطار، وسمعت طلقات نارية، وتأوها خافتا، وانتهى كل شيء.

(*) حياة كفاح (أحمد توفيق المدني) 2/ 380 - 383.

ص: 152

كنت حاسر الرأس بين أربعة من الأوروبيين لم يعرفوا هويتي، ودخل علينا شاب متهيج يصيح هل يوجد أهالي هنا؟ فأجابه الجالس قرب الباب: كلنا فرنسيون. فذهب إلى الغرفة التي تلينا، وكنت منهمكا في قراءة جريدة (صدى الجزائر - إيكو دالجي) للمرة الثانية، متظاهرا بعدم فهم ما يجري حولي، ثم ركب معنا أحد المستعمرين، وأخذ يقص علينا أنباء الصباح الرهيب (بسطيف) وما حواليها، وأن مذبحة شرسة اشتعلت بكامل الناحية، وأن الإفرنسيين قد سيطروا على الموقف بعد التخلص من أكبر عدد من الأعداد، وأن البقية سيتم القضاء عليها حتما حتى يعلم هؤلاء (البيكو) أن الجزائر فرنسية إلى الأبد.

لم أكن أتوقع هذا أصلا، إلى أن وصلنا مدينة (قالمة) التي كانت تعيش حالة حرب حقيقية. كان الجيش يحتل المحطة، وكان جنوده يحيطون بجمع كبير من الرجال والشيوخ الذين جلسوا على الأرض، يحيط بهم الزبانية من كل مكان. وكنا نسمع أصوات الاستغاثة وصراخ العويل ممتزجا بأنين الألم، يأتينا من ناحية المدينة. ومكث القطار هنالك نحوا من الساعتين، كنت أرى خلالها من شباك المزجية، الطائرات الحربية وهي تلقي بقنابلها المحرقة على امتداد الأفق. وكنت أشاهد ألسنة اللهب وهي تتصاعد إثر انفجار كل قنبلة. كما كنت أسمع من بعيد أصوات الاستغاثة والبكاء والنحيب، وأرى من بعيد سائمة أدمية غفيرة العدد، تغدو وتروح، مفتشة عن ملجأ، فلم تجده، وما من رجل أو امرأة استطاع النجاة، إلا وحصدته بعد

ص: 153