الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
الحزب الشيوعي
تأسس الحزب الشيوعي في الجزائر سنة 1924، وظل خمسة عشر عاما، فرعا من الحزب الشيوعي الإفرنسي. وحصلت المجموعة الجزائرية في مؤتمر (فيليربان) الذي عقد في فرنسا سنة 1935 على الحق في إنشاء حزب مستقل، وإن ظل هذا الحزب يتلقى تعليماته من موسكو عن طريق فرنسا. ومر الحزب الشيوعي في الجزائر منذ العام 1935 بسلسلة من التقلبات والتناقضات. ففي العام 1936، أيد الحزب المطالب التي تضمنها الميثاق الذي وضعه (المؤتمر الإسلامي) في الوقت الذي كان يؤيد فيه مقترحات (بلوم - فيوليت). وأعلن (موريس توريز) الزعيم الشيوعي الإفرنسي في المؤتمر السابع للحزب الإفرنسي في سنة 1938:(أنه لن تكون هناك سلامة لشعوب المستعمرات خارج نطاق الاتحاد الذي لا مناص منه مع الديموقراطية الإفرنسية). وبالطبع كان هذا الموقف انعكاسا لاشتراك الحزب في حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا - والتي ضمت كل الأحزاب اليسارية - وانتقل الحزب الشيوعي الجزائري من موقعه المناوىء للنازية في عام 1938، مع غيره من الأحزاب الشيوعية في العالم، إلى موقف المناوىء للاستعمار
بعد توقيع المعاهدة (الميثاق النازي - السوفيتي) في عام 1939. وصدر قرار في العام نفسه باعتبار الحزب غير مشروع، في نفس الوقت الذي صدر الأمر بحل (حزب الشعب الجزائري)، الذي يتزعمه (مصالي الحاج) وشرع يعمل سرا.
عندما انتهت الحرب، وأطلق سراح الشيوعيين المسجونين أو الموجودين في معسكرات الاعتقال في الجزائر (في العام 1944). واستأنفوا حياتهم السياسية من جديد. احتل الشيوعيون في فرنسا مكانتهم في ذروة القوة التي وصلوا إليها بعد الحرب بفضل الدور الذي مارسوه في حركة المقاومة السرية ضد الاحتلال النازي. وكان الحزب الشيوعي الإفرنسي لا يزال مركزا جهده الأساسي ضد النازية. وفي حزيران - يونيو - عام 1944. كتب (أتيين فاجون) العضو الأوروبي في المكتب السياسي للحزب الجزائري في مجلة (الحرية) لسان حال الحزب، ما يلي: (يحاول هتلر، رغبة منه في إضعاف العون الذي يبذل للشعب الإفرنسي في هذه الدقيقة الحرجة، تقوية حملته الإذاعية العربية، داعيا الجزائريين، وأهل شمال أفريقيا إلى الانفصال عن فرنسا. ويقوم عملاء العدو هنا بالدعوة إلى الانفصالية في نفس الوقت الذي يثيرون فيه الأحقاد بين الأوربيين والجزائريين - وليست جماهير الشعب هي التي تنادي الآن بالاستقلال الذاتي بل جماعات الإقطاعيين وكبار أصحاب الملايين ورجال الاحتكارات) (*).
(*) الجزائر الثائرة - غيلسبي - ترجة حماد ص 84 - 86.
الأمر الواضح هو أن الحزب الشيوعي قد انساق لتيار الانتهازية السياسية، مما جعل مواقفه العملية مناقضة لمنطلقاته النظرية (الماركسية - اللينينية). ولتغطية هذا التناقض، تبنت الشيوعية الإفرنسية النظرية الاستعمارية ذاتها. فقالت بأن (الهدف النهائي للحزب الشيوعي هو تصفية الاستعمار) غير أن الوصول إلى هذا الهدف يتطلب قبل كل شيء الارتفاع بمستوى الشعوب حتى تصبح قادرة على حكم نفسها (نظرية الانتداب والوصاية) وحتى تصل إلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي الذي يضمن لها الاستقلال الحقيقي. وهذا ما عبرت عنه المقولة التالية:
(إذا كان من حق الشعوب الانفصال عن فرنسا، فإن انفصال الشعوب الخاضعة للاستعمار في اللحظة الراهة سيكون ضد مصلحة هذه الشعوب ذاتها. ويرغب الشيوعيون الإفرنسيون بصدق وإخلاص التعبير عن وجهة نظرهم الواقعية وهي أن شعوب أفريقيا الشمالية، لم تندمج بالأمة الإفرنسية على النحو الذي حددناه وأردناه، غير أن من مصلحة هذه الشعوب ربط مصيرها بمصير فرنسا الجديدة)(*). ومن هذا المنطلق ذاته - منطلق الانتهازية السياسية - وقف الاشتراكيون والشيوعيون لدعم مركزية الاتحاد الإفرنسي مع دول ما كانوا يطلقون عليها اسم (دول ما وراء البحار) وعارضوا بقوة انفصال
(*) Cours de l'école élémentaire du (Partie communiste Français (P.C.F.: La nation française، Paris 1944. P.12
الشعوب. واشترطوا لمثل هذا الانفصال، وفقا لما تضمنه دستور 1946، حدوث تفاهم واتفاق بين الحكومة الإفرنسية، في المستقبل، وبين الزعماء المؤهلين في البلاد الخاضعة للاستعمار. وهو ما نصت عليه الفقرة التالية: (لا يمكن للروابط التي تربط بين فرنسا من جهة وبين كل بلد من بلدان ما وراء البحار من جهة ثانية، إلا أن تكون نتيجة اتفاق تعاقدي ومفاوضات بين الحكومة الإفرنسية وبين ممثل هذه البلاد المؤهلين. ويجب أن يكون هذه الاتفاق الذي نعنيه، اتفاقا شاملا لكل الروابط السياسية منها والاقتصادية والثقافية الخ
…
وستجد شعوب ما وراء البحار نفسها مرغمة منذ تحررها على مجابهة المشكلات الكثيرة وأبرزها المشكلات الثقافية والاقتصادية مما يدفعها إلى التفاهم مع فرنسا لتسوية هذه الأمور وتبادل المساعدات ضمن أفضل الشروط؟) (*).
دبرت فرنسا بعد ذلك مذبحة (8 أيار - مايو - 1945) في قسنطينة وقالما وسطيف، وكان وزير الطيران الشيوعي هو الذي أصدر أوامره لقصف المدن الجزائرية وتدميرها وإبادة العرب المسلمين فيها. وبينما كان الشعب الجزائري يعاني أقسى ظروف المحنة المأساة، وجهت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الإفرنسي، نداء في يوم 12 - أيار - مايو (أي بعد أربعة أيام فقط من المذبحة) إلى شمال أفريقيا اتهمت فيه زعماء الجزائر (مصالي الحاج زعيم حزب الشعب - وسواه من الزعماء
(*) La décolonisation (1919 - 1963) H.Grimal . P.147
الآخرين) بتهمة الجاسوسية، وحملتهم مسؤولية المذبحة. وبعد مضي شهر تقريبا، ذكر مندوبو الحزب الجزائري في المؤتمر العاشر للحزب الإفرنسي: (بأن الذين يطالبون باستقلال الجزائر هم عن وعي أو غير وعي، عملاء لدولة استعمارية أخرى
…
ويعمل الحزب الشيوعي الجزائري، ويناضل، لتقوية أواصر الوحدة بين الشعب الجزائري والشعب الإفرنسي). وأعلن رئيس قسم المستعمرات في الحزب الإفرنسي - في المؤتمر نفسه -:(بأن من الواجب استنكار مؤامرة أولئك الراغبين في فصل الجزائر، وفي خلق الشكوك بينهم وبين فرنسا الديموقراطية؟). وكان الحزب الشيوعي الجزائري يؤيد بقاء السادة الإفرنسية وسياسة الدمج في الفترة الأولى التي سبقت الحرب العالمية الثانية، لأن الشيوعية السوفيتية كانت تأمل في أن تكسب فرنسا وجميع مستعمراتها في العالم كتلة واحدة عن طريق ثورة بروليتارية شاملة. ولكن انتخابات عامي 1945 و1946 في الجزائر أثبتت أن جماهير الشعب الجزائري لا تؤيد أولئك الذين يطالبون بدمج بلادهم مع فرنسا. وإذا كان الشيوعيون يرغبون في أن يكسبوا لهم مكانة بين الجزائريين، فإن عليهم أن يجروا تعديلا في موقفهم هذا. وقد حدث هذا التعديل فعلا في أواخر عام 1946. غير أن هذا التعديل لم يكن جذريا وإنما كان إصلاحيا، وتأكد ذلك بنتيجة حوادث القمع التي تعرض لها الوطنيون الجزائريون، حيث عاد الحزب الشيوعي ليعلن في أيلول (سبتمبر) 1947 موقفه الذي عبر عنه بالتالي: (يعارض الحزب الشيوعي فكرة استقلال الجزائر، وهي الفكرة التي
يطرحها حزب الشعب الجزائري - مصالي - ويدافع عنها. ولا يمكن للشيوعيين دعم تجزئة الحركة الجزائرية الوطنية التي تطالب بالاستقلال الفوري للجزائر، ذلك لأن مثل هذه المطالب لا تخدم المصالح الجزائرية، ولا تخدم المصالح الإفرنسية) (*). وأمام هذه المواقف، اتضحت للوطنيين الجزائريين أوهام المخطط الشيوعي، والطبيعة الانتهازية التي سار عليها الحزب في سياسته. وتأكد لهم بأن الأحزاب الأوروبية قد انتهجت في الحملات الانتخابية التي جرت بعد الحرب العالمية الثانية في الجزائر، سياسة مماثلة تماما لتلك التي كان يتم انتهاجها في فرنسا. ولو أن الحزبين الاشتراكي والشيوعي قد حاولا في دوائر انتخاب الدرجتين منافسة الأحزاب الجزائرية الوطنية للحصول على أصوات الجزائريين، الأمر الذي دفعهما إلى طلاء برامجهما بطلاء خادع، لم تلبث مسيرة الأحداث أن كشفته وعملت على تعريته. لكن ذلك لا يمنع من القول أن الاشتراكيين قد حققوا بعض المكاسب في الفترة من سنة 1945، إلى سنة 1948 بفضل دعم الحاكم العام الاشتراكي لهم، الأمر الذي ساعدهم على اجتذاب بعض المثقفين ممن كانوا يأملون في إقامة تعاون مثمر بين فرنسا والجزائر. ومقابل ذلك، فقد حقق الحزب الشيوعي نجاحا أكبر في التوغل بين طبقات العمال، حيث أمكن له ضم عدد لا بأس به إلى صفوفه. غير أن هذا العدد - في الجزائر - بقي محدودا ولم يكن له ثقله في التأثير على مسيرة
(*) Cahier du communisme، septembre 1947. P.851.
الأحداث. وعلى هذا لم يكن من الغريب أن يباغت انفجار الثورة (سنة 1954) الحزب الشيوعي - قدر مباغتته لكل الأحزاب الإفرنسية سواء بسواء. وكان رد فعل الحزب الشيوعي معروفا. فقد اعتقد هذا الحزب في البداية، أن الثورة ليست أكثر من حركة ضعيفة قام بها بعض قطاع الطرق أو العصاة (الفلاقة). وأعلن الحزب الشيوعي شجبها والوقوف ضدها بقوله:(إن الحزب لا يوافق على دعم الحركات الفردية والمشبوهة والتي تحاول لعب الدور السيء في الحركة الاستعمارية). وعندما تبين له رسوخ قدم الثورة، وثباتها، وعمق جذورها، تبنى قضية إجراء مفاوضات مع الجزائريين للخروج من المأزق، وعلى أساس أن تضمن هذه المفاوضات إبقاء الروابط القائمة بين فرنسا والجزائر، ومن هذا المنطلق، ألقى الحزب الشيوعي بثقله في معركة انتخاب فرنسا سنة 1956 - لمصلحة (غي موليه). وتضمن بيان الحزب الشيوعي ما يلي:(إننا نعلن موقفنا إلى جانب إبقاء الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية القائمة بين فرنسا والجزائر. واضعين في اعتبارنا أن هذا الموقف يتوافق مع مصالح الشعب الإفرنسي قدر توافقه مع مصالح الشعب الجزائري ومع مصالح القسم الأكبر من الأوروبيين المستوطنين في الجزائر).
لقد منع الحزب الشيوغي أعضاءه من الالتحاق بالثورة أو الانضمام إليها ودعمها. لكن عددا كبيرا منهم مزق (هويته الشيوعية) وانضم إلى صفوف الثوار - بصورة فردية - وفتحت الثورة (ممثلة بجبهة التحرير وجيش التحرير) المجال الواسع لكل
جزائري من أجل الإسهام ببناء جزائر المستقبل. لكن ذلك لم يمنع قيادة الثورة من الرد على موقف الشيوعيين (الشوفينيين) ردا مناسبا. سواء في بيان مؤتمر الصومام، أو في البيانات والمواقف التالية - وفقا لما سيرد ذكره في حينه - ورفضت قيادة الثورة الدخول في المساومات التي تحرف الثورة عن أهدافها الأساسية.