الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الانتقال إلى العمل، من شأنه التأثير على الروح المعنوية لأفراد التنظيم، وسيضعف من قدرة التنظيم، ويعرضه لضربات الإدارة الاستعمارية. وهكذا وبينما كان التنظيم السري (الشرف العسكري) يستعد للانطلاق بالثورة، وقع حادث في قسنطينة سنة 1950 أدى إلى كشف هذا التنظيم، وتمكن رجال الشرطة الإفرنسية من وضع قبضتهم على شبكة التنظيم. فاعتقلوا المئات من الأعضاء. غير أن الإدارة الإفرنسية لم تكتشف شبكة التنظيم في منطقة (القبيلة) فبقي هذا التنظيم سليما حتى جاءت الثورة (1954). واجتمعت اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديموقراطية بعد هذا الحادث، وقررت حل المنظمة الخاصة مؤقتا، لأنها رأت أنه ليس من المجدي الاحتفاط بجيش قائم في فترة انتظار طويلة. وأضافت أنها ترى أن الحاجة تدعو فقط إلى تدريب هيئة قيادة وبعض الخبراء الفنيين، قبل بضعة أشهر من بدء الحركة الفعلية. وأدى حل المنظمة إلى نوع من شعور الجفاء بين (مصالي الحاج) و (مجموعة الشبان) قادة التنظيم السري الذي جهدوا كثيرا في إنشاء هذا الجيش. وقد برهنت تنظيمات الجيش السري وأسلحته، على أنها ذات فائدة لا تقدر بثمن، وذلك عندما تفجرت الثورة الكبرى سنة 1954.
(ب) اللجنة الثورية للوحدة والعمل:
أدى اكتشاف منظمة (الشرف العسكري) في قسنطنية، إلى قيام الإدارة الإفرنسية بهجمة إرهابية شرسة، تمت خلالها مطاردة زعماء التنظيم واعتقال بعضهم، وهكذا اختفى من على المسرح (بن بللا) و (عبان) و (بوضياف) و (بن طوبال) و (بوصوف)
التنظيمات الحزبية والتكتلات السياسية التي
عرفتها الجزائر خلال مرحلة التحرك القومي
1914 -
1954
نجم شمال أفريقيا (مصالي الحاج) 1925 >> حزب الشعب الجزائري (مصالي الحاج) 1937 >>حركة انتصار الحريات الديمقراطية (مصالي الحاج) > (المصاليون فريق القيادة الفردية) > فريق المركزية أو القيادة الجماعية الأحول وبن خدة 1954 >> التنطيم السري 1947 >> اللجنة الثورية للوحدة والعمل 1950
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (ابن باديس) 1931
الحزب الشيوعي 1924
الاتحاد الديمقراطي لأصدقاء البيان (عباس فرحات) 1943
كتلة المسلمين الجزائريين المنتخبين
جيش التحرير وجبهة التحرير 1954
الدائرة
المجموع .......... المجموع .......... المجموع
خلية ..... خلية ..... خلية ..... خلية ..... خلية ..... خلية ..... خلية ..... خلية ..... خلية
1 -
تشعب الخلايا السرية في دائرة من الدوائر
القيادة المركزية للمنطقة
مفتش ..... مفتش ..... مفتش
دائرة ..... دائرة ..... دائرة
2 -
كريقة اتصال الدوائر بالقيادة المركزية
لإحدى المناطق
القيادة العامة
القيادة المركزية للمنطقة ..... القيادة المركزية للمنطقة ..... القيادة المركزية للمنطقة
3 -
اتصال القيادة المركزية للمنطقة بالقيادة العامة
وغيرهم من القائمة الطويلة. وبقي (محمد خيضر) حرا بفضل حصانته النيابية، ثم التحق بالقاهرة في نهاية ولايته النيابية - بعد الانتخابات التشريعية. وأدى اكتشاف المنظمة الخاصة وتدميرها إلى تأخير موعد قيام الثورة. ولكن الحركة ستجد فيما بعد الوقت الكافي لالتقاط أنفاسها، وإعادة تجميع قواها، والانتقال إلى العمل.
كانت (حركة انتصار الحريات والديموقراطية) خلال ذلك غارقة في مناقشاتها، منصرفة إلى صراعاتها العقيمة. ووراء تلك المناقشات والصراعات كان الخزان العظيم للشعب الجزائري يتعرض لمجاعة حقيقية، وكان الهدوء الظاهر المخيم على خزان الشعب كافيا لإخفاء ما كان يتفاعل في النفوس من الغضب الناجم عن ذلك الفارق الكبير بين العيش الغارق في الترف للمستوطنين الأجانب، وبين عيش البؤس والفقر المدقع مما كان يعيشه أبناء البلاد. وجاءت الهزة الأرضية في الأصنام (أورليا نزفيل) في صيف 1954، لتسجل للإدارة الإفرنسية أسوأ مظاهر التمييز العنصري في معاملة ضحايا الزلزال. وغدا الشعب الجزائري، من فلاحيه إلى أصحاب المهن من أبنائه، على استعداد للقيام بأي شيء للتخلص من هذا الوقع الغريب. وكان زعماء الجزائر - الشبان - يراقبون بدقة تطورات الأوضاع في الأفق الدولي. وأخذ الشعب يسمع ويتابع أخبار الشعوب الجديدة التي حصلت حديثا على استقلالها بجهودها وتضحياتها مؤكدة بذلك حقيقة أنه باستطاعة الشعوب الضعيفة مقارعة
الشعوب الاستعمارية القوية والانتصار عليها، بالرغم من كل تفوق في موازين القوى. وجاءت أحداث تونس في عام 1954 لتبرهن من جديد، أن القوة، حتى ولو مارستها بضع مئات من محاربي الجبال، قد تؤدي إلى نتائح عظيمة. وإلى الغرب - في مراكش - واصل المغاربة استعمال الإرهاب لإظهار غضبهم على الطغيان الإفرنسي، وعلى نفي سلطانهم من البلاد. وظهر أن الوطن الإسلامي - العربي كله يتأجج بنار الثورة. وهكذا لم يعد توجيه هذه التيارات الجزائرية العميقة من الغضب باتجاه الثورة في حاجة إلى أي شيء آخر غير القادة والأسلحة.
وصل التمزق في (حركة انتصار الحريات الديموقراطية) منتهاه وغايته مع بداية عام 1954، وتمركز الصراع بين مركزي القوى الرئيسيين - على نحو ما سبق عرضه - مركز (مصالي الحاج) وأنصاره، ومركز (اللجنة المركزية) بقيادة بن يوسف بن خدة وعبد الرحمن كيوان وحسين الأحول، وأنصارهم. غير أن اتجاها ثالثا نشأ بين هذين المركزين المتصارعين على متسوى القمة، وكان هذا الاتجاه الثالث هو الأكثر التصاقا بقواعد الحزب والأشد تلاحما معها. وقد ضم هذا الاتجاه العنامر القيادية من المنظمة السياسية، ومن المنظمة الخاصة (الشرف العسكري) وكان لهذا الاتجاه رأيه الخاص تجاه الأزمة التي كانت تهز القومية الجزائرية. وقد عبر هذا الاتجاه عن رأيه بما يلي:
أولا: إن الأزمة باعتبارها أزمة على مستوى القيادة، تضع على بساط البحث مسؤولية جميع القادة بما في ذلك (مصالي الحاج)
ثانيا: يجب البحث في وسائل المحافظة على وحدة الحزب، من خلال طرح أسباب الصراع على القاعدة وأعضائها، وتوضيح الموقف الذي بات مشوشا وغامضا إثر حملات السباب وتبادل الإدانات والاتهامات. ومن هنا فقد أصبح لزاما على فروع الحزب الانفصال عن القيادتين المتصارعتين وإجراء مداولات نزيهة وموضوعية توفر الضمانات الديموقراطية لجميع الأعضاء دون تمييز في الاتجاهات. وقد رفض هذا الاتجاه الأخذ بقرارات المجالس التي عقدها كل من أنصار اللجنة المركزية وأنصار مصالي الحاج.
ثالثا، إن أفضل طريقة لتسوية الخلاف، على المستوى السياسي، تكمن في استعادة المبادأة في الكفاح ضد الإمبريالية، لأن استعادة المبادأة تعني تصلب الكفاح، والانتقال إلى العمل المباشر مع أخذ ظروف شمال أفريقيا بعين الاعتبار.
استطاع هذا الاتجاه أن يجمع حوله غالبية المجاهدين القوميين في الجزائر، الذين لم يكن باستطاعتهم وقد تخرجوا من المدرسة الثورية، إلا أن يدعموا بكل قواهم (نظرية تجمع الحرص على المحافظة على وحدة الحزب، والرغبة في دفع القضية الوطنية على طريق الصراع المصيري الحاسم) في وقت كانت فيه الحاجة ملحة إلى وضع القضية الجزائرية على ذات المستوى الذي بلغته القضيتان المغربية والتونسية. ولقد ظهر لأصحاب هذه النظرية، أن الأزمة، قبل أن تكون أزمة قيادة وأشخاص،
هي أزمة جيلين: جيل صنع طويلا الأداة الثورية في ظل نظريه قومية. وجيل كان يريد الانتقال فورا إلى العمل المباشر. ونادرا ما اجتمعت النظرية والعمل لدى رجل واحد.
…
أعلن على أثر ذلك تنظيم (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) تعبيرا عن هذا الاتجاه الثالث. وتشكلت لجنة تضم إثني وعشرين عضوا فرضته سلطاتها إلى (محمد بوضياف) لتعيين القيادة. وعمل بوضياف على تشكيل لجنة من تسعة أعضاء، أوكل إليهم قضية (الانطلاق بالتنظيم نحو الثورة). وانتقل بعض هؤلاء للعمل في مناطقهم بينما توجه آخرون إلى خارج الجزائر لتأمين متطلبات الثورة. واتصلت (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) ضمن نطاق اتصالاتها بحزب الدستور الجديد في تونس، وبحزب الاستقلال في المغرب لتنسيق عمل الثورة على مستوى المغرب العربي - الإسلامي، ولدعم الصراع المشترك ضد الاستعمار الإفرنسي. وفي القاهرة، قام مكتب ، (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) بجمع نشاط المنظمات الافريقية، وضمن دعم رؤساء البلاد العربية. وهكذا كانت (قيادة اللجة الثورية للوحدة والعمل) في صيف 1954، على رأس العمل. وكانت المنظمة السرية شبه العسكرية بأسرها جاهزة بانتظار ساعة الصفر. وكان من الضروري الاسراع بالعمل، فلدى العدو وسائله القوية، التي يتهدد بها الجهاز الثوري والذي لم يتشكل إلا بعد جهد كبير وصبر طويل.
قام في موقع (سوق باب عزون القديم، حيث كان جنود الحملة الافرنسية يبيعون في نيسان - ابريل - عام 1832. أساور الحرائر الجزائريات التي كانت ما تزال معلقة بالمعاصم المقطوعة. قام في هذا الموقع حي غني هو حي المصارف، حيث تجد أبنية الشركة الجزائرية والبنك العقاري وبنك الجزائر، والشركة العمومية الخ
…
وفي الحي ذاته، بين شارع الحرية، وشارع كارنو، يرتفع بخيلاء قصر المفوضيات المالية الذي تحول عام 1948 - إلى (مقر الجمعية الجزائرية). فهنا، وخلال أجيال تحت ظل شعارات الثورة الإفرنسية (حرية، مساواة، إخاء) تكون بعض كبار الملاكين الزراعيين، ثم ظلوا أسياد المال والميزانية. ومارسوا سيادتهم على البلاد بأسرها، فصنعوا وأقالوا حكومات، ونقلوا موظفين كبارا، ووزعوا المكافآت، وعينوا وراقبوا ملاكات الموظفين الوطنيين - الكادرات - ونظموا اقتصاد الجزائر لمصلحتهم. وسخروا شعبا بكامله لخدمتهم بعد أن أخضعوه بالقوة، وأسلموه إلى القوانين العنصرية، وجمعوا ثروات فاضحة، بل أنهم عطلوا القوانين الإفرنسية، عندما كانت مثل هذه القوانين لا تستجيب تماما لمصالحهم.
هناك، في هذا الحي نفسه، وفي منتصف حزيران - يونيو - من عام 1954، اجتمع ستة جزائريين، ستة وطنيين، من أصل متواضع مغمور ينتسبون إلى جمهور الشعب الكبير، اجتمعوا في جلسات عمل، وعقدوا في منزل عامل متواضع جلسات متعددة. كانوا يؤدون مهمة تنفيذ قرار صادر عن (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) لإقامة جهاز مقدر له أن
يدمر بالسلاح النظام الاستعماري ويحرر البلاد. لقد انتهت بالنسبة لمنظمتهم هذه عهود الدعاية الدعوية العلنية فغدت الثورة الوطنية الحل الوحيد ضد نظام وصلت به صفاقته إلى حد كان يخرق معه القوانين التي يضعها هو بنفسه. ولم يكن يتوافر لهؤلاء الجزائريين وسائل ضخمة، فكل ما كان بحوزتهم بعض الأسلحة الرشاشة وبنادق الصيد، وبعض الالوف من الفرنكات. ولكن كان لديهم الشيء الكثير من الجرأة والايمان والوطنية. أما هؤلاء الرجال فكانوا: مصطفى بن بولعيد القادم من الأوراس ومحمد العربي بن مهيدي من عين مليلا، ورابح بيطاط من عين كرمة في مقاطعة قسنطينة، ومحمد بوضياف سليل أسرة كبيرة في مسيلا وموظف مالي سابق في برج بوعريرج، وديدوش مراد من ضواحي الجزائر العاصمة وكريم بلقاسم الذي هبط من جبال القبائل الكبرى. وكانوا على ارتباط بثلاثة من الوطنيين الآخرين الذين كانوا في القاهرة لمهمات أخرى وهم حسين آية أحمد - ابن أحد الأشراف في منطقة القبائل. وأحمد بن بللا من مغنية على الحدود المغربية ومحمد خيضر - نائب سابق.
تابع أعضاء القيادة الستة اجتماعاتهم في مدينة الجزائر بصورة دورية. فعملوا على تعيين القادة المسؤولين عن المناطق والنواحي، ثم وزعت بعض الأسلحة الرشاشة. مع تأمين التموين للمجاهدين، ضمن الامكانات المتوافرة، وتبعا لما كان يتطلبه نشاط الأنصار. وكان كل واحد من القادة الستة يزور المنطقة الخاصة به بين فترة وأخرى لتفقد الاستعدادات
القتالية، وتعيين مواقع المجاهدين. وكان مصطفى بن بولعيد مسؤولا عن المنطقة الأولى (منطقة الأوراس) في حين كان ديدوش مراد مسؤولا عن المنطقة الثانية (منطقة قسنطينة). وكان كريم بلقاسم مسؤولا عن المنطقة الثالثة (منطقة القبائل) أما محمد العربي ابن مهيدي فكان مسؤولا عن منطقة وهران. وتكفل رابح بيطاط بمسؤولية العمل في العاصمة الجزائر. ورأى قادة (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) أنه من الضرورة بعد تنظيم المربعات العسكرية، إنشاء تشكيل سياسي جديد تتوافر له القدرة عل تعبئة جماهير الشعب حول اللجنة. فتم الاتفاق على تشكيل
(جبهة التحربر الوطني الجزائرية) التي انضم إليها أشهر المجاهدين، وانصهرت فيها المنظمات الوطنية القديمة، وكان يبدو لهم أن اتحاد القوى الفعالة في الشعب الجزائري هو الضمانة الأولى لانتصار الثورة. ولهذا تم تأخير الاعلان عن تشكيل الجبهة حتى صبيحة يوم انفجار الثورة.
لقد أوكلت إلى السيد (محمد بوضياف) مهمة تنظيم جبهة التحرير السياسي والاداري، والتنسيق بين المناطق. وكان بوضياف قد قام بدور أساسي وحاسم في تشكيل (المنظمة الخاصة - الشرف العسكري).
لم يكن العمل سهلا، فالمخاطرة كبيرة، والعقبات ضخمة والمسؤوليات الثقيلة مرهقة. ولم تكن تصفية احتلال استعماري وحشي امتد قرنا وربع القرن لتتم في يوم وليلة - فمنذ عام 1830، كان للنظام الاستعماري القائم على الاستيطان
الافرنسي الهائل، الوقت الكافي ليمد جذوره، وليضمن عملاء له بين شعب مغلوب على أمره. أما الاوروبيون، فكان من المؤكد أنهم سيدافعون عن النظام الاستعماري الذي يضمن لهم السيطرة والامتيازات. وفي فرنسا لن تكون البورجوازية عاجزة عن تعبئة جميع قواها من أجل إعادة إحكام قبضتها على الجزائر، فلا مكان لدى الاستعماريين للعواطف عندما تصبح مصالحهم معرضة للخطر. ولكن حماسة الشباب، ومرارة شعب بأسره، كانتا في حالة يصبح معها كل شيء ممكنا، ولقد عرف التاريخ في كل زمان ومكان - إيمان المضطهدين وقد أمكن له الانتصار دائما على كل العقبات التي يصنعها الطغاة. ولهذا اتجهت قيادة (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) نحو المركزيين والمصاليين، لتحاشي كل سوء تفاهم، ولتبديد كل التباس أو غموض، ووجهت إليهم الأسئلة الثلاثة التالية:
أولا: هل تؤيدون العمل المباشر؟
ثانيا: في حال الايجاب ماذا تضعون تحت تصرفه؟
ثالثا: إذا بدأ هذا العمل دون مشاركتكم، فما هو موقفكم؟.
وقد رد أنصار (مصالي الحاج) بالرفض المطلق، فلم يكونوا يعترفون بأية منظمة وطنية خارج المنظمة التي يرأسها مصالي الحاج، وهو وحده الذي يمكن أن يصدر إليهم أمرا مجديا. أما المركزيون، فقد تحفظوا دون أن يبدوا الخصومة.
وفيما يختص (بالحركة الديموقراطية للبيان الجزائري - فرحات عباس) فقد قبلت الاشتراك في العمل.
لم يبق بعد ذلك، إلا موعد تحديد إطلاق رصاصة الثورة الأولى، ومن أجل ذلك عقد قادة (اللجنة الثورية للوحدة والعمل) اجتماعهم التاريخي في العاشر من تشرين الأول - اكتوبر - واتخذوا قرارهم الخطير، بالبدء بالثورة في يوم عيد جميع القديسين - أي في الساعة الواحدة من صباح اليوم الأول من تشرين الثاني - نوفمبر - 1954. واجتمع في غضون ذلك زعماء لجنة الثورة الموجودون في الخارج - في مراكز الاصطياف في سويسرا - لتنظيم عمليات شراء الأسلحة، وحشد تأييد الوطنيين الآخرين. وانضم عدد من أنصار اللجنة المركزية إلى الحركة.
لقد أزفت اللحظة الحاسمة التي طال انتظارها، ولم يعد هناك مجال للتردد أو النكوص. فمضت القيادة التاريخية للعمل مخلفة وراءها المتمهلين والمترددين، لكنها لم تتخل عن أملها في امكانية توحيد كل الصفوف والقرى الوطنية من خلال العمل الثوري ذاته. ومضت الأيام التي سبقت الثورة في عمل متصل، وجهد مستمر، لقد صمم القادة التاريخيون على اطلاق رصاصتهم الأولى في مناخ يستثير المشاعر، ويلهب حماسة الجماهير. وأخذت الاستعدادات تصل إلى ذروة كمالها مع اقتراب موعد الانفجار. وفي الموعد، وقف القادة التاريخيون في وسط المعركة وهم يراقبون الحدث الذي صنعوه، ويتابعون تأثيره ونتائجه.