الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد عبد الرحيم بن أبي اللطف
السيد عبد الرحيم بن أبي اللطف بن إسحق بن محمد بن أبي اللطف الحنفي القدسي مفتي الحنفية بالقدس ورئيس علمائها العلامة العالم الفاضل الشهير كان هاشمي الطبع حسن الأخلاق مرضي الهمة عالماً مفسراً فقيهاً نحوياً ملازم الافادة والتدريس اماماً مقتدي ومستوفي العلوم العقلية والنقلية ولد في سنة سبع وثلاثين وألف ونشأ بالجد والاجتهاد وأخذ العلوم على من ورد من الأفاضل إلى القدس ثم ارتحل إلى مصر وجاور بها مدة ثم رجع ظافراً بمزيد الفضيلة حائزاً للعلوم الجليلة واشتهر بالبلاد وانتفع به العباد ثم ذهب إلى الديار الرومية واستقام بها مدة مديدة واكب الأفاضل بها عليه وقرأ في جامع السليمانية كثيراً من العلوم مدققاً منطوقها والمفهوم ففي ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وألف لازم من صدر الروم وقاضي العساكر المولى ابالي زاده مصطفى كعادتهم ودخل في سلك المدرسين فلما كان منفصلاً عن مدرسة بأربعين عثماني في سنة ثمان وستين أعطى افتاء بلدته مع مدرسة العثمانية ففي رجب سنة تسع وستين عزل من الفتوى والمدرسة من شيخ الاسلام المولى محمد الأسيري لأمر صدر منه فتبقى في بلدته صفر اليد مكدر الحال ففي رجب سنة اثنين وسبعين اعيد الافتاء مع المدرسة من شيخ الاسلام صنعي زاده المولى
السيد محمد وأعطاه اعتبار رتبة الداخل المتعارفة بين الموالي والمدرسين وبعده أعطى اعتبار رتبة موصلة السليمانية مع قضاء صفد على وجه المعيشة فبعد مدة بالقضاء الآلهي حبس في أحد القلاع وبعد أن خلص ذهب للديار الرومية لأجل عرض حاله إلى الدولة العثمانية العلية فصادفه الحمام بادرنة ولم ينل المرام وكان حج ولقي خلاصة الواصلين الشيخ أحمد القشاشي وهو يقري رسالة القشيري فأخذ عنه ثم رجع إلى بلاده بأمر من شيخه المذكور واشتهر في افتائه ثلاثين سنة وألف وحقق وأفاد فمن تصانيفه الفتاوي الرحيمية وله كتابة على منح الغفار نحواً من عشرة كراريس وكتابة على الرمز شرح الكنز للعيني وعلى البزازية والفتاوي الخيرية وبعض من كتب الفقه جمعها ولد الفاضل السيد محمد الآتي ذكره وسماها الفوائد الرحيمية على كتب كثيرة من كتب السادة الحنفية وله رسالة في الاشتقاق وشرحها وكتابات على حفيد المختصر وعلى عصام القاضي وله نظم رقيق جمعه ولده المذكور ديواناً ومشايخه الذين أخذ عنهم وقرأ عليهم منهم العلامة الشيخ حسن الشرنبلالي والشيخ أحمد الشوبري والشيخ علي الشبراملسي والشيخ يس الحمصي المصري والشيخ سلطان المزاحي والشهاب أحمد الخفاجي والشيخ إبراهيم الميموني والشيخ أبو السعود الشعراني والشيخ يوسف الخليلي والشيخ عبد الكريم الحموي والسيد محمد بن علي الدمشقي والشيخ محمد البلباني الدمشقي والشيخ الاستاذ زين العابدين الصديقي المصري وأخذ عنه جماعة من أهالي الروم منهم العلامة المولى أحمد بن سنان البياضي والمولى محمد رفيعي زاده والمولى أحمد جاويش زاده والمولى قره خليل علامة الروم وشيخ الاسلام المولى عبد الله ابه زاده ونقيب الأشراف المولى إبراهيم عشاقي زاده ومن فضلاء مصر الشيخ أحمد الدقدوسي مفتي الحنفية والشيخ شاهين الدمشقي الأصل القاهري السكن ومن أهال دمشق الشيخ إسمعيل اليازجي والشيخ صالح الجينيني ومن أهالي بلدته الشيخ أحمد العلمي ومن أهل الرملة الشيخ نجم الدين بن خير الدين الرملي وبالجملة فقد كان مفنناً في جميع العلوم حتى في الشعر فمن شعره قوله هذه النبوية
أبرق بدا من نحو طيبة لامع
…
ففاضت على تلك العهود مدامع
أم الشرق للسكان حرك كامناً
…
فاحرق قلباً بالمحبة والع
أم العيس حنت للحجيج وشوقت
…
أم العين أبكاها الحمام السواجع
نعم راعني ذكر الحبيب صبابة
…
فكلي لأشواق الحبيب مجامع
أبات بذكراه أراقب بدره
…
يلوح بأوصاف الثنا وهو طالع
فأنظم أوصافاً تحلى بعقدها
…
وأضحى علينا من سناها لوامع
ولما تباهي الوصف جيداً تزاحمت
…
على وصفها للواصفين مطامع
تروم مداها السابقات وتنثني
…
ودون المدا بعد الزمان موانع
أجدد عمري في حياة نظامها
…
فعمر سعيد ينقضي لي راجع
فأنسى بها يا عين قرى سعادة
…
إذا لمني أمر وفيها المنافع
ويا نفس إن غبت عني فوقتنا
…
نقد طاب قومي والعيون الهواجع
وقولي بك السؤل مولاي انني
…
اليك بجاه المصطفى العمر ضارع
آلهي بجاه الأبضحي محمد
…
وعترته فرج وعفوك واسع
نبي له الخلق العظيم سجية
…
وفي وجهه نور النبوة ساطع
تبارك من أبدى نبياً وآدم
…
بطينته المجدول فيه الودائع
وأظهره منها نتيجة جدلها
…
رسولاً لدعواه الأنام تسارع
أتيت رسول الله شمس هداية
…
لها في قلوب المؤمنين مطالع
وأعربت عن علم العيوب بأمره
…
فأنت خيار الخلق للسر جامع
جليل امام المرسلين وخاتم
…
وهل أنت الا في زها العز يانع
منها
فيا خير خلق لله أنت ملاذنا
…
إذا ضاق أمر أو رمتنا المواجع
فجاهك أضحى للعصاة وقاية
…
لها في قبول المذنبين مواقع
إلى فضلك لنا نور سرنا ركائباً
…
ومن ضره الحوباء ثم لواقع
رعى الله ذاك الفضل إن عيونه
…
بذيل الهدى للشاربين قنائع
أيا رب قبل الموت والعود أحمد
…
بسرك في أهل السعادة ذائع
أنلنا آلهي بالنبي محمد
…
نبيك من فينا بأمرك صادع
وصلى وسلم دائمين كلاهما
…
وتب وأعف عني انني لك طائع
فبابك مقصود وعبدك واقف
…
وفضلك موجود وعفوك رائع
وللمترجم أيضاً
من منة المولى على أصوغ
…
نظماً وفي خبر البرية يفرغ
هو السول والمأمول في نيل المنى
…
والي الجنان به نفوز ونبلغ
عذب المديح تناؤه يحيي الحشا
…
كالغيث يحيي الأرض بل هو أسبغ
إن ضاق ذرعك فالوسيلة جاهه
…
والخير من تلك السعادة يبزغ
كشف التيقظ عن قلوب أصبحت
…
من حبه بهنا النعيم تصيغ
هذا النبي الهاشمي محمد
…
يوم اللقا سبل البخاة يبلغ
بمقامه المحمود خص مشفعاً
…
جمع الخلائق بالشفاعة يسبغ
قامت له الأملاك تحت لوائه
…
والرسل صفواً ليس عنه مروغ
كل يشير إليه ليس لغيره
…
في فتح باب الفضل ما يتسوغ
ما نال هذا قبله أحد ولا
…
من بعده أضحى لذاك مسوغ
فتباهت الأزمان والعليا به
…
والعيش مذ جاء الكريم يرغرغ
كم جاء بشرى الأنبياء لقومهم
…
بالحاتم المختار ان قد يبزغ
ومحا الظلام ظهوره وبفجره
…
يعلو الهدى فوق الضلال ويدمغ
يا ليلة غراء أسفر صبحها
…
والضوء من شمس الهداية ينبغ
فيها ابتهاج والسرور مكرراً
…
للدين حقا إذ أتاه مبلغ
يا سيد الرسل الكرام ومن به
…
غوث الورى أنت الكريم المسبغ
أنت الشفيع بباب جاهك صبحت
…
منا القلوب بثقلها تتمرغ
واستوثقت بالحب من زمن الصبا
…
وازداد ما عن بابه تتروغ
انتهى توفي بادرنة من بلاد الروم في صفر سنة أربع ومائة وألف ودفن على قارعة الطريق رحمه الله تعالى.
عبد الرحمن الشهير بشقده
عبد الرحيم بن مصطفى بن أحمد الشافعي الدمشقي الصالحي الشهير بشقده الشيخ العالم الفاضل البارع ولد بصالحية دمشق ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأبي الفلاح عبد الحي العكري وأجاز له الاستاذ النابلسي اجازة خاصة كتبها له بخطه ونبل وفضل وكان يعظ بالجامع الجديد بالصالحية ولوعظه تأثير في القلوب وكان يخطب بجامع قرية برزة ويؤم في جامع العفيف بالصالحية واختصر تاريخ شيخه العكري المسمى شذرات الذهب اختصاراً حسناً وله غير ذلك من الآثار والفوائد وبالجملة فقد كان من آثار السلف الصالحين وأهل الفضل والديانة وله شعر قليل وقفت على شيء منه وكانت وفاته نهار الجمعة ثامن صفر سنة ستين ومائة وألف عن تسعين سنة تقريباً ودفن بسفح قاسيون بقرب ضريح الشيخ عبد الهادي.
عبد الرحيم المنير
عبد الرحيم بن السيد أسعد بن إسحق المعروف كأسلافه بالمنبر الشافعي الدمشقي الشيخ الفاضل كان صالحاً كاتباً له مشاركة في العلوم وكتب كتباً بخطه كثيرة
وكان ساكناً مستقيماً ولد بدمشق في سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف كما أخبرني هو من لفظه وحفظ القرآن على والده المقدم ذكره وهو في سن السبع وأقرأه بعده مقدمة التجويد للميداني والجزرية والأجرومية مع اعرابها للشيخ نجم الدين وحصة من الشاطبية ثم بعد وفاته بثلاث سنوات لازم شيوخ الجامع الأموي فقراً على الشيخ محمد الغزي والسيد خليل الدسوقي والشيخ محمد البقاعي والشيخ محمود الغزي نزيل دمشق ثم بعد سنتين لازم وقرأ على الشيخ أحمد المنيني والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد قولقسز والشيخ عبد الله البصروي والشيخ علي كزبر وحضر درس الحديث في الجامع الأموي في رمضان بعد صلاة الصبح صحبة والده على الشيخ محمد الكاملي وكذلك درس ولده الشيخ عبد السلام في المحل المزبور ودخل في اجازتهما العامة وكذلك درس الاستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي في التفسير وغيره ودخل في اجازته العامة وحضر درس الشيخ عبد القادر التغلبي والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ أحمد الغزي والشيخ مصطفى المحيوي ابن سوار ودخل في اجازتهم العامة كما أخبرني وأخبرني أيضاً إن والده أخذه في صحبته إلى الجامع الأموي وأحضره درس الشيخ أبي المواهب الحنبلي في ختمه للجامع الصغير سنة وفاته وكان رحمه الله مشتغلاً بنسخ الكتب لأجل المعيشة ولما ضاقت به الأحوال في سنة احدى وخمسين ذهب إلى اسلامبول لأجل المعيشة فمكث بها خمس سنوات ونصف ولم يحصل على طائل ونسخ هناك عدة كتب إلى الوزير ومحمد راغب باشا حين كان رئيس الكتاب في الدولة العلية ثم عاد لدمشق ثم ذهب ثانياً وثالثاً لأسلامبول فلم ينل قدر الكفاف فاشتغل بنسخ الكتب وكان خطه مقبولاً وكانت استقامته في دار داخل المدرسة القجماسية بالقرب من باب السرايا عند سوق الأروام وكان والدي يحبه ويكرمه وكتب له كتباً بخطه وبالجملة فقد كان من خيار الأنام وكانت وفاته في ربيع الثاني فجأة سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف ودفن في تربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد الرحيم المخللاتي
عبد الرحيم بن علي المخللاتي الشافعي الدمشقي العالم العلامة الأديب الفاضل كان اماماً في الفرائض والحساب والفلك وله يد في العلوم ولد بدمشق في سنة احدى ومائة وألف وقرأ على جماعة واشتغل بالطلب منهم العلامة الشيخ محمد الحبال قرأ عليه وانتفع به والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والمحقق الشيخ عبد الرحيم الكابلي نزيلها أيضاً والشيخ عبد السلام الكاملي والشيخ عبد الجليل الحنبلي والشيخ
محمد العجلوني وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه فاضل يملأ المسامع والمقل وتذعن له الأقران إذا روى ونقل لازم عن الأجلاء والفحول واكتسب من العلوم ما هو غير منحول فاستكفى بحاله واعرض عن مهاوي اللهو ومحاله وتصرف في الآلات العلمية أي تصريف وصار علماً لا يحتاج إلى تعريف وطاب له ذلك السياق وزاد إليه كثرة اشتياق حتى ابتهج به الفضل أحسن ابتهاج ونار ببراعته سراجه الوهاج فانبعث في المعارضات يشدد وفي المناقشات يوتر سهم المصادرة ويسدد معتمداً على فكرة ثاقبه وروية للاصابة مراقبة ولم يزل على تلك الصعوبة يسلك طريق الابا وشعوبه إلى أن نجمه أفل وعلي باب جدته انقفل وقد أطلعني ولده على موشحة إليه نسبها ومن جملة ماله من الشعر عدها وحسبها تنبئ عن قوة اقتداره وتفصح عن جولانه في النظم ومقداره ولم يطرق حجاب سمعي له سواها ولا غير واحد عنه رواها وهي قوله
شاطر الدهر أسهما
…
حيث أيامه اقتراح
وامتطى الليل أدهما
…
لأكتساب العلى المتاح
دور
سيد تخضع الشموس
…
لعلا شأوه الرفيع
إذ غدا بهجة النفوس
…
روض أفضاله المريع
بعدما عطر الطروس
…
ذكره العاطر البديع
أسعد حيث يمما
…
خيم السعد والفلاح
وسرى الريح منعما
…
بشذا فخره وفاح
دور
كيف لا أحسن المديح
…
لوحيد العلي المهاب
من غدا دونه الفصيح
…
خشية العجز في حجاب
وابن من مدحه صريح
…
جاء في محكم الكتاب
ثاني اثنين إذ هما
…
في حمى الغار لا براح
من بدا الحق منهما
…
بلسان الهدى الصراح
دور
إذ به كوكب الهنا
…
لاح في مشرق القدوم
واستنارت به الدنا
…
وانمحت أسطر الهموم
واغتدى طائر المنى
…
في قلوب الورى يحوم
وصفا الدهر بعدما
…
صدع القرب بانتزاح
وأرانا النبسما
…
في وجوه الرضى الملاح
دور
هاك يا بهجة الصدور
…
من له تسجد العقول
غادة السر والخدور
…
في برود الهنا تجول
وهي من وسمة القصور
…
ترتجي نفحة القبول
فأعرها ترحماً
…
مسمع العفو والسماح
وأنلها تكرماً
…
من ندى وردك المباح
دور
وابق في ذروة الكمال
…
آمن السر والفؤاد
تجتني من ربا النوال
…
نعماً مالها نفاد
وترى السعد في اقبال
…
ولأيامك امتداد
ولنجليك وفق ما
…
خصك الله من نجاح
ما انثنى الغصن كلما
…
هصرت عطفه الرياح
وكان المترجم حج سنة أربعين ومائة وألف فتوفي بمكة ثامن ذي الحجة من السنة المذكورة ودفن تحت أقدام العلامة ابن حجر المكي الهيثمي رضي الله عنه.
عبد الرحيم البراذعي
عبد الرحيم بن علي بن أحمد المعروف بالبراذعي الحنبلي البعلي الأصل الدمشقي الصالحي قاضي الحنابلة بدمشق كان شيخاً فاضلاً له بفقه مذهبه فضيلة مع محاضرة وحافظة حسنة ولد بدمشق في سنة سبع عشرة ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على والده وانتفع به وأخذ عن الاستاذ الشيخ عبد الغني وقرأ وحصل وتولى قضاء الحنابلة بالمحاكم مدة سنين يقضي بالأحكام وكان لا يخلو من جرأة وتكلم وعزل في زمن قاضي القضاة بدمشق المولى السيد إبراهيم امام شيخ الاسلام المولى مصطفى لأمر كان وبعد مدة عاد للقضاء ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الاثنين رابع ربيع الثاني سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن بالروضة بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
عبد الرحيم ابن حجيج
عبد الرحيم بن محمد المعروف بابن حجيج الشافعي الدمشقي الخلوتي أحد مشايخ الطرق المشاهر الشيخ المتعبد الناسك المعتقد الصالح المبارك أخذ الطريق عن والده وأقيم بعده شيخاً حين توفي وذلك في يوم الخميس ثالث عشر ربيع الثاني سنة أربع وعشرين ومائة وألف وكان والده المذكور أخذ الطريق عن الصالح الشيخ أحمد بن عمر الخلوتي البرزي الشافعي الدمشقي المتوفي في يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة تسع وتسعين وألف وكان أخذ هو عن الاستاذ الشيخ السيد محمد بن عمر العباسي الدمشقي المتوفي في سنة ست وسبعين وألف وكان البرزي المذكور مقيماً في زاوية الخواجا عمر بن إبراهيم السفرجلاني التي بناها وأوقفها على أرباب الطريق وجعل لها مبرات ووقفاً وتعايين وأول من نزلها وسكن فيها الشيخ منلا مسكين الكردي وجماعته ثم الشيخ البرزي المذكور ثم الشيخ محمد حجيج المذكور واجتمع عليه جماعة شيخه ثم إن المترجم جلس بعد وفاة والده المذكور على سجادة المشيخة وتقيد بعمل الذكر وكانت له معرفة بالطب والحكمة ذو حلم وتودد مع الناس وكانت وفاته في يوم الأحد ثاني شعبان سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وجلس بعده خليفة أخوه الشيخ محمد حجيج ولفظة حجيج لا أدري أهي لقب أو تصغير حاج والله أعلم.
عبد الرحيم الكابلي
عبد الرحيم بن محمد بن أحمد الحنفي الكابلي الهندي نزيل دمشق الامام العلامة المحقق المدقق البارع مولده بمدينة كابل من اقليم الهند ونشأ بها ورحل إلى سمرقند وغيرها وأخذ بتلك البلاد عن علمائها ثم حج ودخل إلى دمشق بعد الثمانين وألف فقطن بها وقرأ على جماعة من علمائها أيضاً منهم العلامة الشيخ إبراهيم الفتال لازمه مدة وانتفع به كثيراً وكذلك محمد بن أحمد بن عبد الهادي العمري وأبو المواهب محمد بن عبد الباقي الحنبلي وغيرهم وصحب الجد الشيخ محمد مراد البخاري نزيل دمشق وتلمذ له وانتفع بصحبته وسكن في دار لصيق جامع تنكز وتزوج بها ورزق أولاداً ثم درجوا ومات من غير عقب وجلس للتدريس بالجامع المذكور ولزمه الطلبة للاستفادة وكان عجباً في سرعة التقرير وحسن التأدية وفصاحة العبارة وكان مدرساً بالعذراوية وافتتح الدرس بها في سنة احدى وعشرين ومائة وألف وكان يحضر دروس العارف الشيخ عبد الغني النابلسي في الفتوحات المكية ثم ترك ذلك وحكى الكثير من تلامذته رؤيا غريبة وقعت له وكان أحد الطلبة شرع عليه في قراءة شرح ايساغوجي في المنطق لشيخ
الاسلام زكريا ولم يكن المترجم اطلع عليه قبل ذلك فلم تعجبه عباراته لكون شيخ الاسلام أوضح العبارة فيه ولم يسلك به مسلك المحققين فرأى في النوم كان القيمة قد قامت وسيق الناس إلى المحشر فلما وصل إلى أرض فيحاء رأى الناس واقفين صفوفاً والنبي صلى الله عليه وسلم واقف والصفوف كلها متصلة به قال فسألت عن ذلك فقيل لي هؤلاء محدثون يتصلون بمشايخهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فطلبت شيخاً أخذ عنه لأتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم فقيل لي هذا شيخ الاسلام زكريا خذ عنه وكأنه واقف بالقرب مني فتقدمت إليه وقبلت يده وطلبت منه أن يجيزني بمروياته ليتصل سندي بالنبي صلى الله عليه وسلم فأجازني كذلك ووقفت إلى جانبه وأنا فرح بذلك ثم استيقظت وعلمت بهذه الرؤيا رفعة قدر شيخ الاسلام زكريا وعلو رتبته في الآخرة رحمه الله تعالى وكان صاحب الترجمة كثير العزلة والانجماع عن الناس وتوفي ليلة الجمعة العشرين من جمادي الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة تنكز لصيق الجامع المذكور على يمنة الداخل من باب الجامع رحمه الله تعالى.
عبد الرحيم الطواقي
عبد الرحيم بن محمد المعروف بالطواقي الحنفي الامام الفقيه النحوي الفرضي الدمشقي الميداني ولد سنة خمس وثمانين وألف ونشأ في حجر والده وكان والده من أهل العلم فأشغله بطلب العلم فقرأ على جماعة من الشيوخ منهم العلامة الشيخ عثمان القطان والمنلا عبد الرحيم الهندي والشيخ إسمعيل المفتي والشيخ أبي المواهب وقرأ الفرائض والحساب على الشيخ عبد القادر التغلبي وبرع في الفقه والنحو والمعاني والبيان والأصولين ونظم مسوغات الابتداء بالنكرة في ارجوزة وشرحها ونظم شرح ارجوزة القليبي في العروض وألف حاشية على شرح التنوير للشيخ علاء الدين الحصكفي وله غير ذلك من الفوائد والتحريرات وكان سليم الصدر عفيف النفس وسافر إلى الديار الرومية وتوفي في مدينة قسطنطينية في يوم الأربعاء سادس عشر رمضان سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الرحيم ابن شقيشقه
عبد الرحيم بن مصطفى بن حسن بن صالح عبد البر الشهير بابن شقيشقة بالتصغير الدمشقي الحنفي الامام الحنفي بالجامع الشريف الأموي العالم العامل التقي الورع الزاهد الفرد في دهره والوحيد في عصره ولد بدمشق سنة ثلاث وثمانين وألف ونشأ بها ومات والده وهو صغير وقرأ القرآن العظيم وحفظ للعشرة من طريق الطيبة على
الشيخ مصطفى العم ثم أخذ في طلب العلم فقرأ على الشيخ عبد الرحيم بن القاتول والمحب محمد بن محمود الحبال وأخذ الطريقة الخلوتية عن محمد بن عيسى الكناني ثم رحل إلى مصر وجاور بها ست سنين وأخذ عن علمائها قراءة واجازة ورجع إلى دمشق وحج وجاور وأخذ عمن لقيه من علماء الحجاز كالجمال عبد الله بن سالم البصري والسيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي ورحل إلى حلب مرتين ثم رجع إلى دمشق واستقام بها يقرئ القرآن العظيم وكان له حظوة في الأمور الدنيوية وله ثبات على فعل الخير المخفي جدد عمارة جامع السقيقة ولم يعلم أحد إنه منه وكان له ولد نجيب حفظ القرآن وطلب العلم واحترف في صنعة العطارة فحاسبه والده على دراهم أعطاها له فنقص رأس المال فعنفه على ذلك فأخذ سما وأكله ومات فشق على والده ذلك ثم انقطع في آخر أمره لضعف قواه وله تعليقات سنية لم أقف على شيء منها الا على شرح سماه هدية الله للسنية شرح ورد الخلوتية وضعه على ورد الوسائل الذي كان يقرؤه في كل يوم وله من الشعر قوله
اصبر لكل مصيبة وتجلد
…
واعلم بأن المرء غير مخلد
وإذا أصبت مصيبة ترزى بها
…
فاذكر مصابك بالنبي محمد
وبالجملة فقد كان من كبار الصالحين والفرقة الناجين والعلماء الزاهدين انتفع به خلق كثير وكانت وفاته مطعوناً شهيداً سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ودفن بالتربة الرسلانية ورأته بنته بعد موته بليلتين فقالت له ما فعل الله بك فقال لها عاملني بلطفه وغفر لي وطلب مني كتابي الذي سميته هدية الله وقال لي إن لم تأتني به فأنت في غضبي فاستيقظت من منامها مذعورة وأمرت بوضع الكتاب في قبره فنبش ليوضع فيه الكتاب فوجدت يده ممدودة كمن يريد أن يتناول شيئاً إشارة إلى أخذ الكتاب
السيد عبد الرزاق الجندي
السيد عبد الرزاق بن محمد بن أحمد بن يس بن إبراهيم الشهير بابن الجندي القصيري الأصل المعراوي الأديب الماهر الحاذق الذكي كان يحسن صناعة الشعر وله في الأدب معرفة وتعاني النظم حتى مهر به ولد في سنة خمسين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وكان أخذ الأدب وقرأ على الشيخ عمر الأدلبي نزيل حمص وكان يحب مذاكرة العلم والأدب ويجالس الشعراء ويجري بينهم المطارحات الرشيقة والمساجلات ومن جملة من كان من ندماء مجلسه الأديب عثمان المعراوي الحمصي البصير الشاعر وكان من الأجناد الموسومين بالأدب وأسلافه كانوا مشايخ ولم يزالوا متصفين بالمشيخة إلى أن
انتقل والده من ذلك إلى طريق الحكومة بسبب انتسابهم لبني العظم حكام الشام وكان ولده المترجم عاقلاً له معرفة مع حسن التدبير والعقل ومعرفة أمور السياسة وأحكامها وله باع في الأدب وشعره عليه طلاوة وقد تولى حكومة قلعة تلبيسة الكائنة بين حمص وحماه من طرف الدولة العلية بعد وفاة والده وهذه القلعة أصل بنائها في زمن الوزير سليمان باشا العظم وعينت الدولة بها ينكجرية بعلائف وتعايين سلطانية لأجل حفظ الطرقات للحج وغيره وبالجملة فهو أثر حسن واستقام المترجم بها إلى أن مات ومع ضبطه لها تولى من طرف ولاة دمشق حكومة حماه وحمص ومما وصلني من شعره قوله مشطراً قصيدة سيدي عمر ابن الفارض رضي الله عنه
قلبي يحدثني بأنك متلفي
…
والجسم يخبرني بأنك مضعفي
إن كان لا يرضيك غير منيتي
…
روحي فداك عرفت أم لم تعرف
لم أقض حق هواك إن كنت الذي
…
جعل اللحاظ لموطئ المتصرف
فجميع ما جرت علي من الأسى
…
لم أقض فيه أسى ومثلي من يفي
مالي سوى روحي وباذل نفسه
…
في عشقه ما أن يعد بمتحف
وعلى الحقيقة من يضيع روحه
…
في حب من يهواه ليس بمسرف
فلئن رضيت بها فقد أسعفتني
…
وبذاك أرقى للمقام الأشرف
فاعطف وساعدني وكن لي مسعفاً
…
يا خيبة المسعى إذا لم تسعف
يا مانعي طيب المنام ومانحي
…
هجراً أحد من الحسام المرهف
يا بغية الآمال قد ألبستني
…
ثوب السقام به ووجدي المتلف
عطفاً على رمقي وما أبقيت لي
…
رمقاً فكن يا ذا الملاحة منصفي
فارحم بقية ما تبقى منيتي
…
من جسمي المضني وقلبي المدنف
فالوجد باق والوصال مماطلي
…
والهجر نام والمعذب لا يفي
والجسم بال والدموع ذوارف
…
والصبر فان واللقاء مسوفي
لم أخل من جسد عليك فلا تضع
…
شغفي وفرط توجعي وتلهفي
وارحم أنيني في هواك ولا تطل
…
سهري بتشنيع الخيال المرجف
وأسأل نجوم الليل هل زار الكرى
…
عيناً توقد نارها لم تنطف
وأسأل من الواشين هل زار السها
…
جفني وكيف يزور من لم يعرف
لا غرواً إن شحت بغمض جفونها
…
عين تعودت الجفا من أهيف
جادت بلؤلؤها الرطيب لبعده
…
عيني وسحت بالدموع الذرف
وبما جرى في موقف التوديع من
…
شغل الهوادج كاد جسمي يختفي
ومن الفراق تفتت كبدي ومن
…
ألم النوى شاهدت هول الموقف
إن لم يكن وصل لديك فعد به
…
فلعل روحي بالتواعد تكتفي
فالوعد منك أعده كالوصل يا
…
أملي وماطل إن وعدت ولا تفي
فالمطل منك لدي إن عز الوفا
…
يبدي التسلي للفؤاد المتلف
أجد التماطل منك إن عز اللقا
…
يحلو كوصل من حبيب مسعف
أهفو لأنفاس النسيم تعلة
…
من كثر أشواقي وفرط تكلفي
لكنه تعليل قلب مدنف
…
ولوجه من تقلت شذاه تشوقي
فلعل نار جوانحي بهبوبها
…
نوعاً تخف بوقدها المتشظف
ولعل ناراً أضرمت بشراسة
…
أن تنطفي وأود أن لا تنطفي
يا أهل ودي أنتموا أملي ومن
…
ناجاكمو في ضنك عيش عادفي
حاشى بضام دخيلكم إذ كل من
…
ناداكموا يا أهل ودي قد كفي
عودوا لما كنتم عليه من الوفا
…
لفتى بحفظ الود غير مزخرف
وعلى جود وأيا آل ودي باللقا
…
كرماً لأني ذلك الخل الوفي
وحياتكم وحياتكم قسماً وفي
…
غير اليمين بكم حقيقاً لم أف
وبسركم اني يميناً في مدى
…
عمري بغر حياتكم لم أحلف
لو أن روحي في يدي ووهبتها
…
من غير منون وغير تأسف
لو أنني أعطيت ما ملكت يدي
…
لمبشري بقدومكم لم أنصف
لا تحسبوني في الهوى متصنعاً
…
أو أن حبي فيكم يتخفف
لكن حفظي للعهود جبلة
…
كلفي بكم خلق بغير تكلف
أخفيت حبكم فأخفاني أسى
…
جعل الدموع بعارض مستوكف
وأضرني كتمان ما أخفيته
…
حتى لعمري كدت عني أختفي
وكتمته عني فلو أبديته
…
لخفي فلم يبصر ولم يتكلف
وصحبته حقاً فلو أظهرته
…
لوجدته أخفى من اللطف الخفي
ولقد أقول لمن تحرش بالهوى
…
قد جزت في بحر خطير مرجف
خل الهوى لأهيله وأقصر فقد
…
عرضت نفسك للبلا فأستهدف
أنت القتيل بأي من أحببته
…
إن كان ينصف أو يكن لم ينصف
حب مسوف ثم حب قاتل
…
فاختر لنفسك في الهوى من تصطفي
قل للعذول أطلت لومي طامعاً
…
إن انثنى عن ذي البنان المطرف
اكفف ملامك مدنفاً هجر الكرى
…
إن الملام عن الهوى مستوقفي
دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى
…
إن لم تكن تصغي لقول الألف
من قبل عشقك لا تلم أهل الهوى
…
فإذا عشقت فبعد ذلك عنف
برح الخفاء وبحب من لوقي الدجى
…
أبدى ابتساماً زال لون المشرف
منذ تكامل حسنه فلو أنه
…
سفر اللئام لقلت يا بدر أختفي
وإن اكتفى غيري بطيف خياله
…
أو قد رضى بتماطل وتسوف
أو إن تسلى في مرور نسيمه
…
فأنا الذي بوصاله لا أكتفي
وهواه وهو اليتي وكفي به
…
حلفاً ولست أخي فيه بمخلف
وبسر صرفي مهجتي بوداده
…
قسماً أكاد أجله كالمصحف
إلى آخرها ومن شعره تشطيره لبانت سعاد حيث قال فأجاد
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
…
وكيف لاو فؤاد الصب مشغول
وإنني من غرام قد ولعت به
…
متيم أثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا
…
الا مهاة لماها فيه تعسيل
ولن يماثل أعطافاً لها ظهرت
…
إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت
…
منه الشفاء لقلب فيه تعليل
سلافة قرقف قد سيغ مشربه
…
كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذي شيم من ماء محنية
…
مذاقه للأرواح تجذيل
كأنما ريقها المعسول مذ رشفت
…
صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنقى الرياح القذي عنه وأفرطه
…
ينهل من صيب والمزن رحيل
ومازجته سحابات قد انهملت
…
من صوب سارية بيض يعاليل
أكرم بها خلة لو أنها صدقت
…
عهدي وما كثرت منه الأقاويل
أواه لو أحسنت وصلاً وما نبذت
…
موعودها أو لو أن النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها
…
هجر لعا شقها نبذ وتنكيل
ولم أنل من هواها غير أربعة
…
فجع وولع وأخلاف وتبديل
فلا تدوم على حال تكون به
…
تروغ في قولها والوعد ممطول
ثبت بخلف وأحوال ملونة
…
كما تلون في أثوابه الغول
ولا تمسك بالعهد الذي زعمت
…
وطبعها من طريق الدخل مخبول
فما لاقوا لها شبه ولا مثل
…
الاكما تمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت
…
أثفال أقوالها زور وتخييل
لا تغترر في أمانيها وموعدها
…
إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلاً
…
ولن يصدق منها القال والقيل
كربطة نقضت مغزولها عبثاً
…
وما مواعيدها الا الأباطيل
أرجو وآمن إن تدنو مودتها
…
لكنني رمت شيئاً فيه تخليل
قالت تروم وصالاً قلت ذا خطل
…
وما أخال لدينا منك تنويل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها
…
إلا أقب رباع فيه تسهيل
وليس يدرك ركباً فيه قد ظعنت
…
إلا العتاق النجيبات المراسيل
ولا يبلغها إلا عذافرة
…
سريعة الجري في البيداء شمليل
عوج الرقاب كريمات مؤصلة
…
ليها على الأين إرفال وتبغيل
من كان نضاخة الذفرى إذا عرقت
…
تميل عجباً ولا عي وتنكيل
كأنما سيرها كالريح إذ عرضت
…
عرفتها طامس الأعلام مجهول
ترمي الغيوب بعيني مفرد لهق
…
قد حل سحيل واستقفاه شرحيل
لا تختشي تعباً أيضاً ولا سغباً
…
إذا توقدت الحزان والميل
ضخم مقلدها عبل مقيدها
…
لا يشتكي قصر منها ولا طول
همر جل مشيها والله صورها
…
في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
غلباء وجناء علكوم مذكرة
…
عرمومة القد لا عتم وتعييل
مدموجة متنها كلاء من سمن
…
في دفعها سعة قدامها ميل
وجلدها من أطوم لا يدنسه
…
سعف شنيع وقذان مناجيل
ولا يسسها يا صاح من ملس
…
طلح بضاحية المتنين مهزول
إلى آخر القصيدة وله غير ذلك وفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف اقتضى لحاكم حمص الأمير عبد الرحيم ابن العظم التوجه على جهة عرب الحيارى المعروفين بالموالي المقيمين في تلك الأطراف تبعاً لولاة حلب فتوجه معه المترجم لكونه حاكماً بقلعة تلبيسة وذهب معهما شرذمة من العسكر فلما بلغوا العرب وقاربوا اليهم وقع بينهم الحرب ولم يصدر من طرفهم نصر بالتقدير الألهي فما استقر الأمر مقدار نصف ساعة إلا وأخذتهم العرب وشلحوهم جميعاً وبقي المترجم وحاكم حمص معريين من غير سائرة ثم بعد ذلك جاءه رجل منهم وضربه برمح في رقبته فقتله ومسكوا حاكم حمص وأخذوه ثم بالقرب من الموضع قرية جاء أهلها وأخذوا المترجم محمولاً إلى حمص لعند أهله وكان ذلك في الحادي والعشرين من ربيع الثاني من السنة المذكورة ودفن بتربة مقابلة لمقام سيدي خالد بن الوليد رضي الله عنه وضبطت أمواله للدولة العلية بأمر منها وجاء بالخصوص
المزبور قبجي باشي من طرف الدولة معين بهذه الخدمة وابيعت كتبه وحوائجه وضبطت أمواله وديونه سمحت بها الدولة لأولاده وبعد وفاته أخذ الحكومة أحد أركان الدولة مسعود بيك نجل الوزير الصدر السابق سعيد باشا ولم يتمكن من ضبطها ثم بعد ذلك وجهت لأولاد المترجم وبعده جاؤا لدمشق وفرغوها لأخي المترجم وهو الآن حاكم تلك القلعة ونسبتهم إلى القصير قرية من نواحي انطاكية وأخبرت إن جدهم الشيخ أحمد القصيري الولي المشهور والله أعلم اقول والقصير اسم لقرى منها قريتان بدمشق الواحدة بالقرب من قرية الريحان والثانية بالقرب من قرية سكا ومنها قرية بناحية حمص تسمى بذلك ومنها القرية التي بقرب انطاكية ومنها المترجم ومما وقع له من المساجلة الشعرية مع الشيخ محمد سعيد السويدي البغدادي حين كان بحمص والشيخ عثمان البصير الحمصي حيث قال السويدي متعرضاً للبصير المذكور
وإذا العمي ضم العناد إليه مع
…
حسن الصفات كفاك للتحقير
فقال البصير
وإذا علمت بأن مثل ناقص
…
كان المقال لغاية التزوير
فقال المترجم
وإذا عدمت الفهم فأسأل أهله
…
تجد البراعة عند ذي التحرير
فقال السويدي
وإذا مواهب عابد الرزاق قد
…
حلت على الأعمى غدا كبصر
فقال البصير
وإذا أراد الله اصلاح امرء
…
جعلت بصيرته من الأكسير
فقال المترجم
وإذا تولى القلب منه عناية
…
جذبت به العليا من التأخير
فقال السويدي
وإذا فقدت النور من عينك يا
…
أعمى فثق بالله للتبصير
فقال البصير
وإذا علمت الصبر أعظم منحة
…
كان العسير مبدلاً بيسير
فقال المترجم
وإذا رجوت بلاغة وبراعة
…
فأملهما من عالم نحرير
فقال السويدي
وإذا بدا نظر الكريم على امرئ
…
سارت بلاغته بكل مسير
فقال البصير
وإذا رأيت اثنين كلاً مادحاً
…
لأخيه كان كلاهما كأمير
فقال المترجم
وإذا السعيد أضيف لأسم محمد
…
بشره بالاسعاد والتيسير
فقال السويدي
وإذا أتته منيحة من عابد
…
الرزاق زادته على التوقير
فقال البصير
وإذا أضيفت للسويد ولم تزل
…
مقرونة بالعز والتخيير
فقال المترجم
وإذا المكارم والعوارف كانتا
…
ارثاً فلا تنهيه للتكثير
فقال السويدي
وإذا الأبوة خل منها خصلة
…
في البخل زانته بغير نكير
فقال البصير
وإذا الأصول من التدلس خلصت
…
بدت الفروع لأحسن التطهير
فقال المترجم
وإذا الزمان رمى الأكابر بالردى
…
يتخلصون بأحسن التدبير
فقال السويدي
وإذا محمد آل جندي اضا
…
منه شهاب زاد في التنوير
فقال البصير
وإذا أراد الضد فيه مضرة
…
فالله أكبر فوق كل كبير
فقال المترجم
وإذا التجئ لله فهو حفيظه
…
من كل ما يخشاه من تكدير
فقال السويدي
وإذا اختتمت قصيدة بمديحه
…
فنواله لك منه خير نصير
ووقع في مجلسه أيضاً مع الشيخ السويدي والبصير المذكورين مساجلات في مدحه وفي غير ذلك فمن ذلك ما قاله السويدي مساجلاً
رنا وانثنى واهتز كالغصن والقنا
…
وصال على العشاق يسطو بقده
فقال المترجم
رشا من بني الأتراك صاد بصاده
…
وصير عشاق الورى صيد صيده
فقال البصير
بديع جمال لو رأى البدر شكله
…
دجى لأعتراه الكسف من نور خده
فقال السويدي
له مقلة تسبي لنا في سوادها
…
من الأسر انسان رهين بقدة
فقال المترجم
توطأ هام النسر منعة حسنه
…
فما البدر إذ عدوة الا بعبده
فقال البصير
جرى سلسبيلاً في لمى در مبسم
…
فها أنا ظام أرتجي رشف شهده
فقال السويدي
وخال عبير صار قلبي له لظى
…
وجسمي وأضلاعي مجامر نده
فقال المترجم
أعار لها من مقلتيه تكحلاً
…
وأسبل في الظلما سوابل جعده
فقال البصير
سبي قاصرات الطرف بالحصر رقة
…
وصير أرباب الحجي عقد بنده
فقال السويدي
هو الشمس لولا ليل شعر بهائه
…
فلله در النور يجلي بضده
فقال المترجم
فما هو إلا في المحاسن مفرد
…
وليس به عيب سوى نقض عهده
فقال البصير
فكم وعد المشتاق منا بزورة
…
فيا حبذا لو صح انجاز وعده
فقال السويدي
فيا قلب صبراً إن تمادى صدوده
…
ويا عين سحى إن بليت ببعده
فقال المترجم
بخيل بجود الوصل لا رفق عنده
…
بمن هام فيه من تقمص عهده
فقال البصير
سمحت له بالروح فهي أعز ما
…
ملكت ولكن ليس يغلو بنقده
فقال السويدي
ولا غرو إذ منه إليه ملاكها
…
وكانت له من قبل يذكي بوده
فقال المترجم
ولا حيلة تلفي لدي بوصله
…
ولا وصله أرجو به نيل رفده
فقال البصير
فواعجبي في فعل هندي جفنه
…
يريق دما العشاق وهو بغمده
فقال السويدي
فلم أسل إلا أن أؤمل شافعاً
…
يبلغني الولدان عنه برشده
فقال المترجم
هو المصطفى بحر الصفا وبه صفا
…
فمشربه إلا صفي موارد جنده
فقال البصير
أجل ذوي الجاه العريض سيادة
…
فكل مقام في العلا دون مجده
فقال السويدي
رسول الهدى مردى العدى كاشف الردى
…
روى الصدا بخر الندى غيث رفده
فقال المترجم
إليه يشير العالمون بيوم لا
…
سواه يرجي للمهول بخمده
فقال البصير
نبي به قد شرف الله طيبة
…
على ما سواها إذ حباها بلحده
فقال السويدي
محا نسخ التوارة بالسيف والقنا
…
وسل حسام الحق من بعد غمده
فقال المترجم
هو الفرد في كل الكمال ومجمع
…
لكل جلال والجمال بورده
فقال البصير
مزيح الضلالات المضلة بالهدى
…
مفرق جمع الشرك من بعد وفده
فقال السويدي
امام همام سيد سند لمن
…
إليه التجئ من كل خطب وجهده
فقال المترجم
تقي نقي كامل ومكمل
…
أقام بنا الاسلام من بعد هذه
فقال البصير
فكل جمال ظاهر ومحجب
…
محمدنا أضحى يتيمة عقدة
فقال السويدي
بمولده بطحاء مكة شرفت
…
وشرفت الدنيا مواليد ولده
فقال المترجم
فلا مد في هذا الوجود ولابقاً
…
يؤمل إلا من كمالات سعده
فقال البصير
أجل النبيين الذي بعض فضله
…
تنزه عن حصر المديح وحده
فقال السويدي
ولو صارت السبع البحار مداده
…
وميدانها طرساً لا عيت بعده
فقال المترجم:
لإن سواه لم يمحز رفعة الرقا
…
إلى الذروة العليا إلى عند عنده
فقال البصير
له جاءت الدنيا بأبهج زينة
…
رآها بعين الاحتقار وزهده
فقال السويدي
سرى مذ سرى البيت الحرام إلى العلا
…
وآب بليل قبل إيفاء مده
فقال المترجم
وأخبر عن غير طلوع ظهيرة
…
فلم يتخلف عن مقالة وعده
فقال البصير
فيا خير أرباب الشفاعة كلهم
…
وآمرهم تحت اللوا يوم حمده
فقال السويدي
رجوناك في تيسير كل معسر
…
وفي كل آت من خطوب لرده
فقال المترجم
فمن يرتجي الاك يا خير منعم
…
لدفع دواعي الكذب ثم لطرده
فقال البصير
فعجل بما نرجوه يا من نداؤه
…
يحل عظيم الكرب من بعد عقده
فقال السويدي
عليك صلاة الله ثم سلامه
…
مدى الدهر ورداً لا انتهاء لعده
فقال المترجم
وآل وأصحاب كرام وعترة
…
يدومان ما سار الحجيج لقصده
فقال البصير وختم
وما عبد رزاق وعثمان بعده
…
ونجل السويدي باح كل بوجده
عبد الرزاق الرومي
عبد الرزاق بن خليل بن جنيد الرومي الأصل الحنفي نزيل دمشق الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد بقية السلف الصالح أبو الأسرار ركن الدين قدم دمشق وتوطنها وكان مجاوراً بها في حجرة بمدرسة الشمسي أحمد باشا المعروفة بسوق الوزير محمد باشا ابن العظم وله تآليف لطيفة وقفت منها على شرحه للتنوير في تسع مجلدات سماه منير الأفكار شرح تنوير الأبصار وأوقفه على المدرسة المتقدم ذكرها ولم أقف له على غيره وكان عالماً عاملاً فقيهاً مفنناً ملازماً لأداء الفرائض والنوافل مشتغلاً بخويصة نفسه تاركاً لما لا يعنيه وكانت وفاته في أوائل هذا القرن رحمه الله تعالى ولم أقف على سنة تعيين وفاته.
السيد عبد الرزاق البهنسي
السيد عبد الرزاق بن محمد بن عبد الرزاق بن عبد الحق المعروف بالبهنسي الحنفي الدمشقي الشيخ العالم الفاضل الفقيه كان محققاً له اطلاع في التفسير والفقه والأدب وغير ذلك مكملاً له تفحص على المسائل الدقيقة والغريبة ويبديها ولد بدمشق في ثالث شوال سنة خمس وعشرين ومائة وألف ونشأ واشتغل بطلب العلم على جماعة فقراً على الشيخ محمد قولقسز وانتفع به وعلى الشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد التدمري والشيخ عبد الله البصروي والشيخ حسن الكردي نزيل دمشق وأخذ عن الاستاذ السيد مصطفى الصديقي وغيرهم وقرأ في الفقه والنحو والتفسير والمعاني والبيان والمنطق والصرف وغير ذلك وأتقن وحصل وفضله لم يشتهر لعدم تقيده في الاقراء والتدريس لكونه كان محباً للعزلة وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وذكر له من شعره وقال في وصفه جيفة ضغن وحسد وشنشنة لؤم ضمها جسد راض جواد فكره في حزن الخداع وسهله فتلا عليه حاله ولا يحيق المكر السئ إلا بأهلة متشدقاً في ما يؤديه متكبراً فيما يخفيه ويبديه مهتماً بشأن الظهور ومتأسفاً على يوم مشهور فلم تجب الأيام له وسيلة ولم تنقع من تلك الأؤام غليله فنصب الحيلة في نيابة بعض محاكم الأطراف وانتصب لأجراء الأحكام فجرى في سوح الجور والاسراف فتحققت اساءة الظنون فيه والظلم كمين في النفس القدرة تظهره والعجز يخفيه فما مكث إلا يسيراً وانقلب لصولة
العزل أسيراً فندم ندم الفرزدق حين طلق نوار وكان ما بناه من الاقتراف على شفا جرف هارفاً نهار ثم لاذ ببعض الأفاضل وتلمذ له وحسن له ما زخرفه من دهاه وسوله فشن عليه غارة دبرها بمكره الذي ما تعداه واستأصل وظائفه وما ملكت يداه فكانت قوام معاشه وسبب انقاذه من أنياب الفقر وانعاشه وأراد أن يتفهق فتصوف ولم يدر في أي حالة تصرف فجمع بين الأروى والنعام وظمئ من اللج الذي فيه عام وطال حتى كأنه من السدنة الذين يسترقون السمع وراض في ملعب خده على نهضة سوابق الدمع وصار مدمنة تقريع ومجلبة توبيخ مريع وله شعر لم يتناسب طرفاه يقول من سمعه فض الله فاه انتهى مقاله وقد أكثر في ذمه كعادته في غالب تراجمه ومن شعر المترجم قوله من قصيدة
ظفرنا بما نهوى وقد حفنا السعد
…
فحي على حي المسرة يا سعد
وطابت نفوس الأنس منا وأعلنت
…
صوادح أطيار الهناطر باتشدو
وخابت ظنون الحاسدين فأصبحوا
…
حيارى يخزي لا يعيدوا ولا يبدوا
وحاق بأهل المكر سئ مكرهم
…
وقد خمدت نار لها منهم وقد
زويدكم مهلاً بني المهد إنكم
…
أسارى بحجر الحجر ما عندكم رشد
أسامة لما فارق الغاب جاءه
…
ثعالة جهلاً وافداً وله وأد
ولم يدر أن الغاب ما غاب ربه
…
بهجر ولكن كي يكون له وبد
ورب أناس تظهر الود ريبة
…
وحشو الحشا منها لقد سجر الحقد
يخيل منها فاسد الفكر مأملا
…
وظنوا بأن الهزل يعقبه الجد
ومن بلغ أعقاب الأمور فإنه
…
جدير بما قالوا وليس له رد
وهيهات أن يحظوا إذا اشتد هائل
…
بمثل حليم دأبه الجود والمجد
منها
فآب بحول الله والنصر قائداً
…
يحف به واللطف في ركبه يحدو
وقد جاء نصر الله والفتح مورد
…
ترى الناس فوجا بعد فوج لها ورد
ومن صادف البحر الخضم سعي له
…
ولا يظمئنه جعفر لا ولا ثمد
ومنها
ولا زلت في برد السيادة رافلاً
…
مدى الدهر لا منع يعوق ولا صد
ودم في أمان الله والعز منشداً
…
ظفرنا بما نهوى وقد حفنا السعد
وقد أنشده أخوه السيد أحمد قوله
دع الخلاعة في حب الحسان وذم
…
أسير علم وأمعن في مطالعته
ولازم الدرس والكراس مجتهداً
…
وأسهر العين ليلاً في مشاهدته
وعد عن غي ذي بغي ودعه يتم
…
مع الحبيب ويحظى في مطالعته
فكتب إليه بقوله
إن الخلاعة في حب الحسان هدى
…
وما على العاشق الولهان من بأس
فعش حميد الورد الخد ملتثماً
…
ومت بذاك شهيداً دون إلباس
ولازم الدرس والكراس مجتهداً
…
واسهر العين ليلا في مشاهدته
وعد عن غي ذي بغي ودعه ينم
…
مع الحبيب ويحظى في مطالعته
فكتب إليه يقوله:
إن الخلاعة في حب الحسان هدى
…
وما على العاشق الولهان من باس
فعش حميد الورد الخد ملتئما
…
ومت بذاك شهيدا دون الباس
ولازم الدرس والكراس مجتهدا
…
في ردع كل غليظ قلبه قاس
يظن أن بوصل الحب منقصة
…
لكن حرمانه يكفيه في الناس
فكتب الأديب السيد أحمد الفلاقنسي بقوله
إن الغواية في عشق المليح هدى
…
وما على الصب بأس في مضاجعته
فقف قليلاً لدى المحبوب مجتنياً
…
ورد الخدود وحاذر من مخالفته
واحرص على سره من أن تبوح به
…
وأسهر العين تحظى في مشاهدته
وثابر الدرس والكراس مجتهداً
…
في ردع كل غليظ أو مجادلته
وخل من ظن إن الحب منقصة
…
أسير علم ودعه في مكابدته
وقال ملغزاً في أذربيجان الشيخ سعيد السمان
أيا واحد النقاد في النحو قد أتى
…
إلى سؤال حير الفكر وصفه
فما اسم نرى فيه موانع خمسة
…
فإن زالت إحداها تعين صرفه
فلما رآه المترجم كتب مجيباً بقوله
سؤالك أذرى بي فأعدمني الحجي
…
ومن بعده جان على الحب مسرف
زيادة تركيب عليها قد احتوى
…
وعجمته بين الموانع تعرف
وللمترجم
يقول لنا كانون ماذا ينالني
…
بلومكم إياي طال التعاتب
على شدة إني جبلت وإنني
…
أصم وما أدري بماذا أخاطب
وكأنه أراد الرد على الفاضل محمد التافلاني المغربي نزيل القدس حيث قال
أقول لكانون ترحل عن الورى
…
فدا بك تشتيت لجمع الحبائب
فقال فلا تضجر وإن كنت بارداً
…
فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
وقوله أيضاً
أقول لكانونين أنهكتما القوى
…
وما بكما للعالمين نشاط
فقالا إذا غبنا سيحمد أمرنا
…
وأما شباط ما علبه رباط
وقد ضمن المصراع الأخير من البيتين الأولين الأديب مصطفى اللقمي الدمياطي
نزيل دمشق فقال
يقول لنا كانون إن كنت بارداً
…
فللمهج الحر اللذيذ مشاربي
وكم لي من أيدي امتنان على الربا
…
فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
وقد ضمن المصراع المذكور أيضاً السيد محمد الشويكي الدمشقي فقال
أقول لكانون أطلت عناءنا
…
ببرد وأمطار وطول غياهب
فقال اذكروا عقباي فهي حميدة
…
فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
وقد طلب تشطير بيتي التافلاتي وتخميسهما من الأديب سعيد السمان الدمشقي فقال أولاً مشطراً
أقول لكانون ترحل عن الورى
…
لقد رعتهم بالبرد من كل جانب
وعرج ولا تبغي المقام بأرضنا
…
فدأبك تشتيت لجمع الحبائب
فقال ولا تضجر وإن كنت بارداً
…
بطبعي ولكني حميد العواقب
ولي صدق برهان على ما ادعيته
…
فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
ثم قال مخمساً لهما
إذا ما الشتاء الصعب أقبل وانبرى
…
يرينا من التعبيس وجهاً منكرا
وبردا به الأجفان لم تذق الكرى
…
أقول لكانون ترحل عن الورى
فدأبك تشتيت لجمع الحبائب
فطبعك منه الماء يصبح جامداً
…
وكم زمهرير منك فت الجلامدا
أهل منك نرجو بعد ذاك فوائداً
…
فقال فلا تضجر وإن كنت باردا
فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
ثم قال مضمناً
أقول لكانون وقد جاء مرحباً
…
بمجمع أحباب ونيل مآرب
فقال ولي من بعد ذاك فضيلة
…
فإن ثمار الأرض فضل سحائبي
وللمترجم غير ذلك من النظم وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء رجب سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد الرسول الطريحي
عبد الرسول ابن الطريحي النجفي الأصل الحلي المولد والمسكن الأديب الفاضل الشاعر النحوي الكاتب كان بارعاً بالأدب والمعاني والبيان والعروض والنحو والأدب والشعر ويتعانى الكتابة مع خط حسن ونظم بديع ونثر حسن عجيب وكان معروفاً بالخلاعة والمجون والمداعبة وهو شيعي مشهور بذلك
ومن مجونه الفاضح قوله في هجاء نفسه
عبد الرسول ابن الطريحي فتى
…
بكل ما يحرم فعلاً أحاط
قد شرب الخمر وداس الزنا
…
وقبل المرد وغنى ولاط
وأعجب من ذلك إنه طلب تشطيرهما من الفاضل الأديب الشيخ محمد سعيد السويدي البغدادي وألح عليه بذلك حتى أخرج له دواة وقرطاساً من عنده فشطرهما له بقوله
عبد الرسول ابن الطريحي فتى
…
سما على ابليس وقت النشاط
وقبل ما بان له عارض
…
بكل ما يحرم فعلاً أحاط
قد شرب الخمر وداس الزنا
…
وحسن الفسق وذم الرباط
وجاوز الكفر بلا شبهة
…
وقبل المرد وغنى ولاط
وله شعر كثير وكانت وفاته مطعوناً في الطاعون الكبير الواقع في بغداد سنة ست وثمانين ومائة وألف وأخذ للنجف ودفن بها عفا الله عنه.
عبد السلام الكاملي
عبد السلام بن محمد بن علي بن محمد المعروف بالكاملي وأصحه الكامدي بالدال نسبة لكامد اللوز قرية في البقاع الشافعي الدمشقي الامام العالم العلامة الفقيه النحوي الأديب الأصولي كان ورعاً عاقلاً ساكناً ذا وقار ودين وللناس فيه محبة واعتقاد وله يد طولى في النحو والمعاني والبيان وأصول الفقه ولد بدمشق تقريباً بعد الثمانين وألف واشتغل بطلب العلم على والده شيخ الاسلام والمحدثين الآتي ذكره وعلى الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ عبد القادر العمري بن عبد الهادي وعمدة العلماء الشيخ أبي المواهب مفتي الحنابلة والعلامة الشيخ عبد الرحيم الكابلي الهندي نزيل دمشق والعالم التقي الشيخ حمزة الدومي الدمشقي وحضر دروس العلامة المدقق الشيخ يحيى الشاوي المغربي وغيرهم وتصدر للافادة بمدرسة الباذرائية وبالجامع الأموي بعد صلاة الصبح وبعد العصر تجاه المقصورة وارتحل إلى مصر وإلى الحج وإلى الروم إلى دار الخلافة ونزل مكة في دار شيخ الاسلام إذ ذاك المولى فيض الله بن حسن جان وترجمه العلامة الأديب السيد محمد أمين المحبي في ذيل نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه ندب من طريق المجرة مصعده وفي بحبوحة فرق الفرقد مقعده محاسنه تبهر في الاتقاد وقد سلمت من التزييف والانتقاد كأن الله عهد إلى اللطف أن يكون فكأنه
فلهذا ترى مكانه في كل عضو من أعضاء المحبة مكانه وهو من مرايا الباصرة أحق بالنظر إليه من أغفائها ومن حوايا القلب أولى بأن تكشفه من سويدائها يعز علي ويكبر لدي ويحل مني محل عيني ويدي قد أوتي فصاحة ولسنا يدع ما يلفظ حسناً
رقت معانيه ورق كلامه
…
فقلت هما لي روضة ومدام
خلقته مستويه وذاته للكمال محتوية وله أدب بمثابة الروض أخضلت منه الخمائل وشعره قد أشرب رقة الخصور ولطف الشمائل انتهى مقاله ومن شعره قوله في النارنج
انظر إلى النارنج في أغصانه
…
الخضر اللواتي للنواظر ممتعة
كعقود ياقوت الحسان تبددت
…
فتلقطته يد الزبرجد مسرعه
ومن ذلك قول الاستاذ عبد الغني النابلسي في النارنج أيضاً
ألا قم بي إلى روض وريق
…
من الأنداء عذب فم وريق
ونارنج هناك كحمر
…
تظن الدوح منه في حريق
بدا في حلة خضراء يزهو
…
مزررة بأزرار العقيق
وتحسب دوحه طوراً بساط
…
الحرير الأخضر البادي البريق
وصبغ الأرغوان عليه باد
…
كأمثال الدوائر يا رفيقي
أو الخد المورد من حياء
…
خلال عذاره النضر الأنيق
أو الأكر النضار تلقفتها
…
صوالج زبرج بيدي رشيق
يكاد ذوو التوهم من بعيد
…
يراه كروضة ذات الشقيق
ومن ذلك قول الفاضل محمد المحمودي
وكأنما النارنج في
…
أغصانه بادي التبغدد
كرة العقيق تلقفتها
…
صولجان من زمرد
ومن ذلك قول السيد عبد الكريم نقيب الأشراف
ما شهدنا في الروض يا شجر النا
…
رنج حقاً سواك حاز المزية
ورق من زبرجد نضر قد
…
زينته ثمارك العسجدية
وقول السيد أسعد العبادي من ذلك
حكى أحمر النارنج في شجراته
…
وأزهاره لما تراءى لجلاسي
قناديل ياقوت بقضب زبرجد
…
مرصعة فيها حجارة الماس
وللفاضل محمد الدكدكجي من ذلك أيضاً
وأشجار نارنج كقامة غادة
…
علتها من الديباج حلتها الخضرا
وقد رفعت أزرارها ثم زررت
…
بأزرار تبر تسلب العقل والفكرا
وفي النارنج لأبن المعتز
وكأنما النارنج في أغصانه
…
من خالص الذهب الذي لم يخلط
كرة دحاها الصولجان إلى الهوى
…
فتعلقت في جوه لم تسقط
ولظافر الحداد
تأمل فدتك النفس يا صاح منظراً
…
يسر به قلب اللبيب على الفكر
حياً وإبل يجري على شجر بدا
…
به شجر النارنج كالأكر التبر
دموع حذاها الشوق فانهملت على
…
خدود تراءت تحت أنقبة خضر
وقال الآخر
وزكية في صفرة الدينار
…
مجذوذة الجامات والأقطار
يغن عن المصباح ضوء صباحها
…
فكأنما هي كبة من نار
ولأبن المعتز أيضاً
كأنما النارنج لما بدت
…
صفرته في حمرته كاللهيب
وجنة معشوق رأى عاشقاً
…
فاصفر ثم احمر خوف الرقيب
وقال الآخر
نارنجة أبصرتها بكرة
…
في كف ظبي مشرق كالقمر
كأنه في يده جمرة
…
قد أثرت فيها رؤس الأبر
وقال المعري
نار تلوح من النارنج في قضب
…
لا النار تخبو ولا الأشجار تشتعل
وقال آخر
وشادن قلنا له صف لنا
…
بستاننا الزاهي ونارنجنا
فقال بستانكم جنة
…
ومن جنى النارنج ناراً جنى
وفي النارنج تشابيه غير ذلك وقال وقد نثر الجلنار على صفحات أوراق فشبهه المترجم بما رق وراق فقال
وكأن سقط الجلنار على
…
طرس إلى البلور ذي نسب
وجه تعشقه الجمال
…
فنقط خده من خالص الذهب
وطلب من خاتمة البلغاء الاستاذ الشيخ عبد الغني تشبيهه فقال
لا تعجبوا الانتشار الجلنار على
…
طرس لكم واعجبوا من صنعة الباري
بياض هذا بدا من تحت حمرة ذا
…
جل المؤلف بين الثلج والنار
وقال السيد أسعد العبادي فيه
كأن سقط الجلنار على
…
الطرس الذي بدا من الفضه
خد المليح وقد أشرت له
…
وغمزته روضة غضه
وقال عبد الرحمن بن عبد الرزاق فيه
كان سقط الجلنا
…
ر في أعالي الورق
آثار لئم قد بدت
…
فوق بياض العنق
ومن بدائع المترجم قوله مؤرخاً في عذار
لما بدا خطا العذا
…
ر بطلعة القمر الفريد
كمل الجمال فخلته
…
كالشمس في شرف السعود
فكأن خضره نقشه
…
في صفحة الخد السعيد
قطع الزبرجد نظمت
…
فجعلن تيجان الخدود
أو نبت ريحان بدا
…
في لوح ياقوت نضيد
أو طلع تمام أتى
…
كيما ينم على الورود
أو نفحة المسك انبرت
…
فوفت بما ورد وعود
أو نظم ند خلته
…
ورق البنفسج في عقود
أو أرجل النمل انثنت
…
عن ورد مبسمه الرود
أو خط محراب الهدى
…
يصبي الحسان إلى السجود
أو مرسل في خده
…
يدعو إلى دار الخلود
أو سطر حسن رق لي
…
حسن التغزل والنشيد
قد قلت لما صاغه
…
قلم المحاسن في الخدود
كتب الجمال مؤرخاً
…
خط الزبرجد بالورود
ومن معمياته قوله في على
لاح شمساً فوق غصن يانع
…
زانه خال على خد نقي
خلت تحت الشمس لما أن بدا
…
طلع الورد بخديك يقي
وفي عمر
بروحي شادن المى
…
ظريف القد ممتشقه
دنا واللحظ رائده
…
ورام القلب فاسترقه
وفي حسين
أفديه ظبياً بالدلال مولعاً
…
رود الشباب مورد الوجنات
عذب الثنايا والمقبل مترف
…
لولا التعوذ ذاب باللحظات
وكانت وفاته في يوم الجمعة الحادي والعشرين من رجب سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن عند والده الآتي ذكره بتربة الباب الصغير شرقي سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه.
عبد الصمد ابن همت
عبد الصمد بن عبد الله بن همت بن علي الخلوتي القسطنطيني أحد المشايخ المشهورين بالفضل والنبل والدراية والصلاح ولد بقسطنطينية سنة احدى وثمانين وألف ونشأ بكنف والده الآتي ذكره وحفته دعواته واستظل برواقه وقرأ وحصل وتفوق ولما توفي والده المذكور في شوال سنة اثنين وعشرين بعد المائة ولي مكانه المشيخة في زاويتهم الكائنة بالقرب من البستان الجديد المعروفة بهم وتصدر للارشاد والافادة ووعظ في جوامع السلاطين بدار السلطنة كوالده وجده وآخراً صار يعظ في جامع السلطان سليمان خان وعظم قدره وفشا ذكره واعتقده الناس وكان من رؤساء المشايخ ومشاهير الوعاظ ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته سنة احدى وخمسين ومائة وألف ودفن باسكدار وسيأتي ذكر والده وولده نور الدين رحمهم الله تعالى.
عبد العال الخليلي
عبد العال بن محمد بن أحمد الخليلي السيد الشريف لأم والده الشافعي العالم الفاضل المتقن قرأ بمصر على شيوخها وانتفع بهم ودرس ما فاد وألف حاشية على الأحياء للغزالي وحاشية على شرح المنهج في الفقه وكتب بخطه كتباً كثيرة وبالجملة فقد كان من العلماء وقطن مصر إلى أن مات وكانت وفاته بمصر في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الغفور الجوهري
عبد الغفور بن محمد المعروف بالجوهري الشافعي النابلسي الشيخ النحوي
المنطقي الفقيه ولد بنابلس وقرأ القرآن على الشيخ أبي بكر الأخرمي وأخذ الحديث عنه وأثنى عليه في قوة الفهم وكان الشيخ المذكور من خيار العلماء عالماً محدثاً فقيهاً وله تآليف منها شرح الجامع الصغير في الحديث في مجلدين وشرح على ألفية بن مالك في النحو وله غير ذلك من تآليف وحواشي وكانت وفاته في شعبان سنة احدى وتسعين وألف وتنبل المترجم وكان له قدم راسخ في التصوف وأخذ طريق السادة الشاذلية عن الاستاذ الشيخ محمد المزطاري المغربي وأجازه وكتب له اجازة واجتمع بالاستاذ الدمشقي الشيخ عبد الغني المعروف بالنابلسي في رحلته لتلك الأماكن وكتب له الاستاذ المذكور على اجازة الشيخ المزطاري قوله
إن هذا المجاز عبد الغفور
…
في طريق للشاذلية نور
أسعدته اجازة من مجيز
…
في مراقي ذوي التقى مشهور
زاده الله هيبة وكمالاً
…
وحباه بفضله والأجور
وحماه من لك سوء وشر
…
وعليه والي كثير السرور
وأنا العبد للغني ومن نا
…
بلس نسبتي لدى الجمهور
لم تزل رحمة المهيمن تحمي
…
أهل هذا الطريق أسد الخدور
ما سرت نسمة على روض زهر
…
وانثنى الغصن من غناء الطيور
ومن تآليف المترجم حاشية مفيدة على شرح المعفوات لأبن العماد وشرح لطيف على قصيدة الشيخ أبي مدين الغوث التي مطلعها ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا وله رسائل في التصوف.
الشيخ عبد الغني النابلسي
قدس سره
الشيخ عبد الغني بن إسمعيل بن عبد الغني بن إسمعيل بن أحمد بن إبراهيم المعروف كأسلافه بالنابلسي الحنفي الدمشقي النقشبندي القادري استاذ الأساتذة وجهبذ الجهابذة الولي العارف ينبوع العوارف والمعارف الامام الوحيد الهام الفريد العالم العلامة الحجة الفهامة البحر الكبير الحبر الشهير شيخ الاسلام صدر الأئمة الأعلام صاحب المصنفات التي اشتهرت شرقاً وغرباً وتداولها الناس عجماً وعرباً ذو الأخلاق الرضية والأوصاف السنية قطب الأقطاب الذي لم تنجب بمثله الأحقاب العارف بربه والفائز بقربه وحبه ذو الكرامات الظاهرة والمكاشفات الباهرة
هيهات لا يأتي الزمان بمثله
…
إن الزمان بمثله لبخيل
وعلى كل حال فهو الذي لا تستقصي فضائله بعبارة ولا تحصر صفاته وفواضله باشارة والمطول في مدح جنابه مختصر جداً والمكثر في نعت صفاته مقل
ولو بلغ نهاية وحدا ولد بدمشق رضي الله عنه في خامس ذي الحجة سنة خمسين وألف وكان والده سافر إلى الروم وهو حمل فبشر والدته به المجذوب الصالح الشيخ محمود المدفون بتربة الشيخ يوسف القميني بسفح قاسيون وأعطاها درهماً فضة وقال لها سميه عبد الغني فإنه منصور وتوفي الشيخ محمود المذكور قبل ولادة الشيخ بأيام ثم وضعته في التاريخ المذكور وشغله والده بقراءة القرآن ثم بطلب العلم وتوفي والده في سنة اثنين وستين وألف فنشأ يتيماً موفقاً واشتغل بقراءة العلم فقرأ الفقه وأصوله على الشيخ أحمد القلعي الحنفي والنحو والمعاني والتبيان والصرف على الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق والحديث ومصطلحه على الشيخ عبد الباقي الحنبلي وأخذ التفسير بالمدرسة السليمية وفي شرح الدر بالجامع الأموي ودخل في عموم اجازته وحضر دروس النجم الغزي ودخل في عموم اجازته وقرأ أيضاً وأخذ على الشيخ محمد بن أحمد الأسطواني والشيخ إبراهيم بن منصور القتال والشيخ عبد القادر بن مصطفى الصفوري الشافعي والسيد محمد بن كمال الدين الحسيني الحسني بن حمزة نقيب الأشراف بدمشق والشيخ محمد العيثاوي والشيخ حسين بن اسكندر الرومي نزيل المدرسة الكلاسة بدمشق وشارح التنوير وغيره والشيخ كمال الدين العرضي الحلبي الأصل الدمشقي والشيخ محمد بن بركات الكوافي الحمصي ثم الدمشقي وغيرهم وأجاز له من مصر الشيخ علي الشيراملسي وأخذ طريق القادرية عن الشيخ السيد عبد الرزاق الحموي الكيلاني وأخذ طريق النقشبندية عن الشيخ سعيد البلخي وابتدأ في قراءة الدروس وإلقائها والتصنيف لما بلغ عشرين عاماً وأدمن المطالعة في كتب الشيخ محي الدين ابن العربي قدس الله سره وكتب السادة الصوفية كابن سبعين والعفيف التلمساني فعادت عليه بركة أنفاسهم فأتاه الفتح اللدني فنظم بديعية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم فاستبعد بعض المنكرين أن تكون من نظمه فاقترح عليه أن يشرحها فشرحها في مدة شهر شرحاً لطيفاً في مجلد ثم نظم بديعية اخرى والتزم فيها تسمية النوع وشرع في إلقاء الدروس بالجامع الأموي فاقراً بكرة لنهر في عدة فنون وبعد العصر في الجامع الصغير ثم الأربعين النووية ثم الاذكار النووية وغيرها وبايع في آخر عمره سنة وفاته جميع العباد بالملأ العام بين الأنام
وصدر له في أول إمرة أحوال غريبة وأطوار عجيبة واستقام في داره الكائنة بقرب الجامع الأموي في سوق العنبرانيين مدة سبع سنوات لم يخرج منها وأسدل شعره ولم يقلم أظفاره وبقي في حالة عجيبة وصارت تعتريه السودا في أوقاته وصارت الحساد تتكلم فيه بكلام لا يليق به من أنه يترك الصلوات الخمس وإنه يهجو الناس بشعره وهو رضي الله عنه برئ من ذلك وقامت عليه أهالي دمشق وصدر منهم في حقه الأفعال الغير المرضية حتى إنه هجاهم وتكلم بما فعلوه معه ولم يزل حتى أظهره الله للوجود وأشرقت به الأيام ورفل في حلل الاقبال والسعود وبادرت الناس للتملي باجتلاء بركاته والترجي لصالح دعواته ووردت عليه أفواج الواردين وصار كهف الحاضرين والوافدين واستجير من سائر الأقطار والبلاد وعمت نفحاته وعلومه الأنام والعباد وارتحل أولاً إلى دار الخلافة في سنة خمس وسبعين وألف فاستقام بها قليلاً وفي سنة مائة بعد الألف ذهب إلى زيارة البقاع وجبل لبنان ثم في سنة احدى ومائة بعد الألف ذهب إلى زيارة القدس والخليل ثم في سنة خمس ومائة ذهب إلى مصر ومن ثمة إلى الحجاز وهي رحلته الكبرى ولكل من هذه الزيارات رحله سيجئ ذكرها وفي سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ذهب إلى طرابلس الشام نحو أربعين يوماً وصنف فيها رحلة صغيرة ولم تشتهر وانتقل من دمشق من دار أسلافه إلى صالحيتها في ابتداء سنة تسع عشرة ومائة وألف إلى دارهم المعروفة بهم الآن إلى أن مات بها وكان يدرس البيضاوي في صالحية دمشق بالسليمية جوار الشيخ الأكبر قدس سرهما وابتدأ بالدرس من سنة خمس عشرة ومائة وألف وتآليفه ومصنفاته كثيرة وكلها حسنة متداولة مفيدة ونظمه لا يحصى لكثرته.
ومن تصانيفه التحرير الحاوي بشرح تفسير البيضاوي وصل فيه من أول سورة البقر إلى قوله تعالى من كان عدو الله في ثلاث مجلدات وشرع في الرابع ومنها بواطن القرآن ومواطن العرفان كله منظوم على قافية التاء المثناة وصل فيه إلى سورة براءة فبلغ نحو الخمسة آلاف بيت ومنها كثر الحق المبين في أحاديث سيد المرسلين والحديقة النديه شرح الطريقة المحمدية للبركلي الرومي وذخائر المورايث في الدلالة على مواضع الأحاديث وجواهر النصوص في حل كلمات الفصوص للشيخ محيي الدين ابن العربي قدس سره وكشف السر الغامض شرح ديوان ابن الفارض وزهر الحديقة في ترجمة رجال الطريقة وخمرة الحان ورنة الألحان شرح رسالة الشيخ
أرسلان وتحريك إلا قلبه في فتح باب التوحيد ولمعان البرق النجدي شرح تجليات محمود أفندي الرومي المدفون باسكدار والمعارف الغيبية شرح العينية الجيلية واطلاق القيود شرح مرآة الوجود والظل الممدود في معنى وحدة الوجود ورائحة الجنة شرح اضاءة الدجنة وفتح المعين المبدي شرح منظومة سعدي أفندي ودفع الاختلاف من كلام القاضي والكشاف وإيضاح المقصود من معنى وحدة الوجود وكتاب الوجود الحق والخطاب الصدق ونهاية السول في حلية الرسول صلى الله عليه وسلم ومفتاح المعية شرح الرسالة النقشبندية وبقية الله خير بعد الفناء في السير والمجالس الشامية في مواعظ أهل البلاد الرومية وتوفيق الرتبة في تحقيق الخطبة وطلوع الصباح على خطبة المصباح والجواب التام عن حقيقة الكلام وتحقيق الانتصار في اتفاق الأشعري والماتريدي على الاختيار وكتاب الجواب عن الأسئلة المائة والاحدى والستين وبرهان الثبوت في تربة هاروت وماروت ولمعان الأنوار في المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار وتحقيق الذوق والرشف في معنى المخالفة بين أهل الكشف وروض الأنام في بيان الاجازة في المنام وصفوة الأصفياء في بيان الفضيلة بين الأنبياء والكوكب الساري في حقيقة الجزء الاختياري وأنوار السلوك في أسرار الملوك ورفع الريب عن حضرة الغيب وتحريك سلسلة الوداد في مسئلة خلق أفعال العباد وزبد الفائدة في الجواب عن الأبيات الواردة والنظر المشرفي في معنى قول الشيخ عمر ابن الفارض عرفت أم لم تعرف والسر المختبي في ضريح ابن العربي رضي الله عنه والمقام الأسمي في امتزاج الاسما وقطرة السماء ونظرة العلماء والفتوحات المدنية في الحضرات المحمدية والفتح المكي واللمح الملكي والجواب المعتمد عن سؤالات أهل صفد ولمعة النور المضية شرح الأبيات السبعة الزائدة من الخمرية الفارضية والحامل في الملك والمحمول في الفلك في أخلاق النبوة والرسالة والخلافة في الملك والنفحات المنتشرة في الجواب عن الأسئلة العشرة عن أقسام البدعة والقول الأبين في شرح عقيدة أبي مدين وهو المسمى بابن عراق وكشف النور عن أصحاب القبور وفيه كرامات الأولياء بعد الموت وبذل الاحسان في تحقيق معنى الانسان والقول العاصم في قراءة حفص عن عاصم نظماً على قافية القاف وشرح هذا النظم صرف العنان إلى قراءة حفص بن سليمان والجواب المنثور والمنظوم عن سؤال المفهوم وكتاب علم الملاحة في علم الفلاحة وتعطير الأنام
في تعبير المنام والقول السديد في جواز خلف الوعيد والرد على الرجل العنيد ورد التعنيف على المعنف واثبات جهل هذا المصنف وهدية الفقير وتحية الوزير والقلائد الفرائد في موائد الفوائد في فقه الحنفية على ترتيب أبواب الفقه وكتاب ريع الافادات في ربع العبادات وكتاب المطالب الوفيه شرح الفرائد السنيه منظومة الشيخ أحمد الصفدي وديوان الألهيات الذي سماه ديوان الحقائق وميدان الرقائق ويدوان المدائح النبوية المسمى بنفحة القبول في مدحة الرسول وهو مرتب على الحروف وديوان المدائح المطلقة والمراسلات والألغاز وغير ذلك وديوان الغزليات المسمى خمرة بابل وغناء البلابل وغيث القبول همي في معنى جعلا له شركاء فيما آتاهما ورفع الكساء عن عبارة البيضاوي في سورة النساء وجمع الأشكال ومنع الأشكال عن عبارة تفسير البغوي والجواب عن عبارة في الأربعين النووية في قوله رويناه ورفع الستور عن متعلق الجار والمجرور في عبارة خسرو والشمس على جناح طائر في مقام الواقف السائر والعقد النظيم في القدر العظيم في شرح بيت من بردة المديح وعذر الأئمة في نصح الأمة وجمع الأسرار في منع الأشرار عن الظن
في الصوفية الأخيار وجواب سؤال ورد من طرف بطرك النصارى في التوحيد قال المصحح البطرك على وزن قمطر وبرمك وبطريق وزان زنديق بمعنى انتهى وفتح الكبير بفتح راء التكبير ورسالة في سؤال عن حديث نبوي وتحقيق النظر في تحقيق النظر في وقف معلوم وجواب سؤال في شرط واقف من المدينة المنورة وكشف الستر عن فريضة الوتر ونخبة المسئلة شرح التحفة المرسلة في التوحيد وبسط الذراعين بالوصيد في بيان الحقيقة والمجاز في التوحيد ورفع الاشتباه عن علمية اسم الله وحق اليقين وهداية المتقين ورسالة في تعبير رؤيا سئل عنها وارشاد المتملي في تبليغ غير المصلي وكفاية المستفيد في علم التجويد ورسالة في حل نكاح المتعتقة على الشريعة وصدح الحمامة في شروط الامامة وتحفة الناسك في بيان المناسك وبغية المكتفي في جواز الخف الحنفي والرد الوفي على جواب الحصكفي في رسالة الخف الحنفي وحلية الذهب الابريز في رحلة بعلبك والبقاع العزيز ورنة النسيم وغنة الرخيم وفتح الانفلاق في مسئلة على الطلاق والخضرة الأنسية في الرحلة القدسية ورد المتين على منتقص العارف محيي الدين والحقيقة والمجاز في رحلة بلاد الشام ومصر والحجاز ووسائل التحقيق في رسائل التدقيق في مكاتبات علمية وإيضاح الدلالات في سماع الآلات وتخيير العباد في سكن البلاد ورفع لضروره عن حج الصيروره ورسالة في الحث على الجهاد واشتباك
الأسنه في الجواب عن الفرض والسنه والابتهاج في مناسك الحاج وأجوبة الأنسيه عن الأسئلة القدسيه وتطييب النفوس في حكم المقادم والرؤس والغيث المنبجس في حكم المصبوغ بالنجس واشراق المعالم في أحكام المظالم ورسالة في احترام الخبز واتحاف من بادر إلى حكم النوشادر والكشف والتبيان عما يتعلق بالنسيان والنعم السوابغ في احرام المدني من رابغ وسرعة الانتباه لمسئلة الاشتباه في فقه الحنفية ورسالة في جواب سؤال من بيت المقدس وتحفة الراكع الساجد في جواز الاعتكاف في فناء المساجد وجواب سؤال ورد من مكة المشرفة عن الاقتداء من جوف الكعبة وخلاصة التحقيق في حكم التقليد والتلفيق وابانة النص في مسئلة القص أي قص اللحية والأجوبة البته عن الأسئلة السته ورفع العناد عن حكم التفويض والاسناد في نظم الوقف وتشحيذ لأذهان في تطهير الأدهان وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية وتفوه الصور شرح عقود الدرر فيما يفتي به على قول زفر والكشف عن الأغلاط التسعة من بيت الساعة من القاموس ورسالة في حكم التسعير من الحكام وتقريب الكلام على الافهام في معنى وحدة الوجود والنسيم الربيعي في التجاذب البديعي وتنبيه من يلهو عن صحة الذكر بالاسم هو والكواكب المشرقة في حكم استعمال لمنطقة من الفضة ونتيجة العلوم ونصيحة علماء الرسوم في شرح مقالات السرهندي المعلوم ورسالة في معنى البيتين رأت قمر السماء فاذكرتني إلى آخره وتكميل النعوت في لزوم البيوت وسؤال ورد في بيت المقدس ومعه جواب منه والجواب الشريف للحضرة الشريفة إن مذهب أبي يوسف ومحمد هو مذهب أبي حنيفة وتنبيه الافهام على عدة الحكام شرح منظومة القاضي محب الدين الحموي وأنوار الشموس في خطب الدروس ومجموع خطب التفسير وصل فيه إلى ستمائة خطبة واثنين وثلاثين والأجوبة المنظومة عن الأسئلة المعلومة من جهة بيت المقدس والتحفة النابلسية في الرحلة الطرابلسية والعبير في التعبير نظماً من بحر الرجز وتحصيل الأجر في حكم أذان الفجر وقلائد المرجان في عقائد الايمان والأنوار الألهية شرح المقدمة السنوسية وغاية الوجازة في تكرار الصلاة على الجنازة وشرح أوراد الشيخ عبد القادر الكيلاني وكفاية العلام في أركان الاسلام منظومة مائة وخمسون بيتاً ورشحات الاقدام شرح كفاية الغلام والفتح الرباني والفيض الرحماني وبذل الصلاة في بيان الصلاة على مذهب الحنفية ونور الأفئدة شرح المرشدة واسباغ المنه في أنهار الجنة ونهاية المراد شرح هدية ابن العماد في فقه الحنفية وإزالة الخفا
عن حلية المصطفى صلى الله عليه وسلم ونزهة الواجد في الصلاة على الجنائز في المساجد وصرف الأعنه إلى عقائد أهل السنه وسلوى النديم وتذكرة العديم والنوافج الفائحة بروائح الرؤيا الصالحة والجوهر الكلي شرح عمدة المصلي وهي المقدمة الكيدانية وحلية العارمي في صفات الباري والكوكب الوقاد في حسن الاعتقاد وكوكب الصبح في إزالة ليلة
القبح والعقود اللؤلؤية في طريق المولوية والصراط السموي شرح ديباجات المثنوي وبداية المريد ونهاية السعيد ونسمات الأسحار في مدح النبي المختار وهي البديعية وشرحها نفحات الأزهار على نسمات الأسحار والقول المعتبر في بيان النظر ورسالة في العقائد وحلاوة الآلا في التعبير إجمالاً والمقاصد الممحصة في بيان كي الحمصة ورسالة اخرى في كل الحمصة وزيادة البسطة في بيان العلم نقطة واللؤلؤ المكنون في حكم الأخبار عما سيكون ورد الجاهل إلى الصواب في جواز إضافة التأثير إلى الأسباب والقول المختار في الرد على الجاهل المحتار ودفع الايهام جواب سؤال والكوكب المتلألئ شرح قصيدة الغزالي ورد المفتري عن الطعن في الششتري والتنبيه من النوم في حكم مواجيد القوم واتحاف الساري في زيارة الشيخ مدرك الفزاري وديوان الخطب المسمى بيوانع الرطب في بدائع الخطب والحوض المورود في زيارة الشيخ يوسف والشيخ محمود ومخرج الملتقى ومنهج المرتقى ومنظومة في ملوك بني عثمان وثواب المدرك لزيارة الست زينب أو الشيخ مدرك وعيون الأمثال العديمة المثال وغاية المطلوب في محبة المحبوب ومناغاة القديم ومناجاة الحكيم والطلعة البدرية شرح القصيدة المضرية والكتابة العلية على الرسالة الجنبلاطية وركوب التقييد بالاذعان في وجوب التقليد في الايمان ورد الحجج الداحضة على عصبة الغي الرافضة وشرح نظم قبضة النور المسمى نفخة الصور ونفحة الزهور ومفتاح الفتوح في مشكاة الجسم وزجاجة النفس ومصباح الروح وصفوة الضمير في نصرة الوزير وشرح نظم السنوسية المسمى باللطائف الأنسية على نظم العقيدة السنوسية وتحقيق معنى المعبود في صورة كل معبود ورسالة في قوله عليه السلام من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً وأنس الحافر في معنى من قال أنا مؤمن فهو كافر وتحرير عين الاثبات في تقرير عين الاثبات وتشريف التغريب في تنزيه القرآن عن التعريب والجواب العلي عن حال الولي وفتح العين عن الفرق بين التسميتين يعني تسمية المسلمين وتسمية النصارى والروض المعطار بروائق الأشعار والصلح بين الاخوان في حكم اباحة الدخان وله رضي الله عنه غير ذلك من التصانيف والتحريرات والكتابات والنظم وكان عالماً مالكاً أزمة البراعة واليراعة فقيهاً متبحراً يدري الفقه ويقرره والتفسير ويحرره غواصاً على المسائل خبيراً بكيفية الاستدلال والدلائل ذا طبع منقاد وبديهة مطواعه كما قيلبح والعقود اللؤلؤية في طريق المولوية والصراط السموي شرح ديباجات المثنوي وبداية المريد ونهاية السعيد ونسمات الأسحار في مدح النبي المختار وهي البديعية وشرحها نفحات الأزهار على نسمات الأسحار والقول المعتبر في بيان النظر ورسالة في العقائد وحلاوة الآلا في التعبير إجمالاً والمقاصد الممحصة في بيان كي الحمصة ورسالة اخرى في كل الحمصة وزيادة البسطة في بيان العلم نقطة واللؤلؤ المكنون في حكم الأخبار عما سيكون ورد الجاهل إلى الصواب في جواز إضافة التأثير إلى الأسباب والقول المختار في الرد على الجاهل المحتار ودفع الايهام جواب سؤال والكوكب المتلألئ شرح قصيدة الغزالي ورد المفتري عن الطعن في الششتري والتنبيه من النوم في حكم مواجيد القوم واتحاف الساري في زيارة الشيخ مدرك الفزاري وديوان الخطب المسمى بيوانع الرطب في بدائع الخطب والحوض المورود في زيارة الشيخ يوسف والشيخ محمود ومخرج الملتقى ومنهج المرتقى ومنظومة في ملوك بني عثمان وثواب المدرك لزيارة الست زينب أو الشيخ مدرك وعيون الأمثال العديمة المثال وغاية المطلوب في محبة المحبوب ومناغاة القديم ومناجاة الحكيم والطلعة البدرية شرح القصيدة المضرية والكتابة العلية على الرسالة الجنبلاطية وركوب التقييد بالاذعان في وجوب التقليد في الايمان ورد الحجج الداحضة على عصبة الغي الرافضة وشرح نظم قبضة النور المسمى نفخة الصور ونفحة الزهور ومفتاح الفتوح في مشكاة الجسم وزجاجة النفس ومصباح الروح وصفوة الضمير في نصرة الوزير وشرح نظم السنوسية المسمى باللطائف الأنسية على نظم العقيدة السنوسية وتحقيق معنى المعبود في صورة كل معبود ورسالة في قوله عليه السلام من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشراً وأنس الحافر في معنى من قال أنا مؤمن فهو كافر وتحرير عين الاثبات في تقرير عين الاثبات وتشريف التغريب في تنزيه القرآن عن التعريب والجواب العلي عن حال الولي وفتح العين عن الفرق بين التسميتين يعني تسمية المسلمين وتسمية النصارى والروض المعطار بروائق الأشعار والصلح بين الاخوان في حكم اباحة الدخان
وله رضي الله عنه غير ذلك من التصانيف والتحريرات والكتابات والنظم وكان عالماً مالكاً أزمة البراعة واليراعة فقيهاً متبحراً يدري الفقه ويقرره والتفسير ويحرره غواصاً على المسائل خبيراً بكيفية الاستدلال والدلائل ذا طبع منقاد وبديهة مطواعه كما قيل
إذا أخذ القرطاس خلت يمينه
…
تفتح نوراً أو تنظم جوهراً
مصون اللسان عن اللغو والشتم لا يخوض فيما لا يعنيه ولا يحقد على أحد يحب الصالحين والفقراء وطلبة العلم ويكرمهم ويجلهم ويبذل جاهه بالشفاعات الحسنة لولاة الأمور فتقبل ولا ترد معرضاً عن النظر إلى الشهوات لا لذة له الا في نشر العلم وكتابته رحيب الصدر كثير السخاء وله كرمات لا تحصى وكان لا يحب أن تظهر عليه ولا أن تحكي عنه هذا مع اقبال الناس عليه ومحبتهم له واعتقادهم فيه ورأى في أواخر عمره من العز والجاه ورفعة القدر ما لا يوصف ومتعه الله بقوته وعقله فكان يصلي النافلة من قيام ويصلي التراويح في داره اماماً بالناس إلى أزمات ويقرأ الخط الدقيق ويكتب في تصانيفه كشرح البيضاوي وغيره بعد أن جاوز التسعين وكنت عزمت على أن أشنف الأسماع بشيء من شعره ونثره ثم رأيت إن الله سبحانه وتعالى قد نشرهما في البلاد فشعره ينشد في المحافل ويحفظه الناس وسار مسير الشمس في كل بلدة وتطرزت به المجاميع من الآداب فاقتصرت من بحر ترجمته على هذه القطرة ومن كنز مآثره ومناقبه على هذه الشذرة وقد أخذ عنه الوالد وأجازه حين ختم عليه الجد الفتوحات المكية ودعا له وشملته بركاته وأما احصاء فضائله فلا تطاق بترجمه وتصير منها بطون الأوراق مفعمه وبالجملة فهو الأستاذ الأعظم والملاذ الأعصم والعارف الكامل والعالم الكبير العامل القطب الرباني والغوث الصمداني من أظهره الله فأشرقت به شموس الارشاد والعلوم وأظهر خفيات ما رق عن الافهام وصير المجهول معلوم وقد حاز تاريخي هذا كمال الفخر حيث احتوى على مثل هذا الامام الذي أنجبه الدهر وجاد به العصر وهو أعظم من ترجمته علماً وولاية وزهداً وشهرة ودراية مرض رضي الله عنه في السادس عشر من شعبان سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وانتقل بالوفاة عصر يوم الأحد الرابع والعشرين من الشهر المذكور وجهز يوم الأثنين الخامس والعشرين من الشهر وصلى عليه في داره ودفن بالقبة التي أنشأها في أواخر سنة ست وعشرين ومائة وألف وغلقت البلد يوم موته وانتشرت الناس في جبل الصالحية
لكون البيت امتلأ وغص بالخلق وبنى حفيده الشيخ مصطفى النابلسي إلى جانب ضريحه جامعاً حسناً بخطبة والآن يتبرك به ويزار سيما في صبيحة يوم السبت رضي الله عنه وقد صنف ابن سبطه صاحبنا العالم كمال الدين محمد الغزي العامري في ترجمته كتاباً مستقلاً سماه الورد القدسي والوارد الأنسي في ترجمة العارف عبد الغني النابلسي فمن أراد الزيادة على ما ذكرناه فعليه به فإنه جامع للعجب العجاب من ترجمته قدس الله سره.
عبد الغني بن رضوان
عبد الغني بن رضوان الحنفي الصيداوي مفتي الحنفية بها ومحققها الشيخ العالم العلامة الكامل الصالح كان متضلعاً من العلوم وله يد طولى فيها ويحب أهل الله من المجاذيب وفضله أشهر من أن يذكر وبالجملة فقد كان خاتمة البلغاء والعلماء بصيدا ولم يخلفه شبه له ولد بها في سنة احدى ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن وكنز الدقائق وألفية ابن مالك وقدم دمشق واشتغل بها في العلوم على جماعة منهم الشيخ الياس الكردي نزيلها والشيخ أبو المواهب الحنبلي وولده الشيخ عبد الجليل والشيخ عثمان الشمعة وأخذ الحديث عن الشيخ يونس المصري مدرس قبة النسر بالجامع الأموي ومكث بدمشق ثلاث سنوات ثم عاد إلى صيدا وارتحل منها إلى مصر ومكث فيها احدى عشرة سنة وهو مشتغل بالعلوم ليلاً ونهاراً وأخذ بها عن جماعة كالشيخ علي العقدي والشيخ أحمد الملوي والشيخ السيد علي الاسكندري ومنصور المنوفي وعبد الرؤف البشبيشي قرأ عليه البيضاوي في التفسير وكان مشاركاً له في القراءة الشيخان العالمان الشيخ علي كزبر الدمشقي والشيخ محمد همات الدمشقي نزيل قسطنطينية ثم عاد إلى صيدا وتولى الافتاء بها وأحياها بالعلوم واشتغل عليه جم غفير من أهلها وكان سيبويه زمانه فإنه اشتهر بالنحو وتفسير الرؤيا واستقام على هذه الحالة إلى أن مات وكانت وفاته في ربيع الثاني سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الغني بن فضل الله
عبد الغني بن فضل الله بن عبد القادر الصالحي الحيسوب الفرضي البارع أخذ وقرأ على عدة شيوخ وانتفع بهم ومهر بأمر المساحة والمناسخات وكان مشهوراً بالفرائض وتتخذه أرباب القرايا والزراعات لمسح الأراضي وحصل له صمم في اذنه وافتقر وتغير حاله وأتعبه الدهر وكانت وفاته في سنة ست وثمانين
ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الغني الياغوشي
عبد الغني بن محمد بن إبراهيم بن صالح بن عمر باشا بن حسن باشا صاحب الخان والوقف المعروفين بدمشق الشريف لأمه الدمشقي الحنفي الكاتب البارع النبيه الفطن الذكي ولد بدمشق ليلة السبت خامس شعبان سنة تسع وأربعين ومائة وألف ونشأ بكنف والده وأخذ الخط عن خاتمة الأدباء أحمد بن حسين الكيواني وبرع بصناعة الانشاء وتعلق على مطالعة كتب الأدب والمحاضرات ولازم الأدباء وجالسهم وفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحل لقسطنطينية صحبة قاضي مكة المولى أحمد عطاء الله عرب زاده الذي هو الآن قاضي العساكر ورئيس العلماء واجتمع بصدور الدولة ورؤسائها ولما تولى الصدارة الكبرى الوزير محمد باشا السلحدار صار يتفحص عن أمور الدولة فأخبر عن المترجم بأشياء ذميمة فصدر الأمر بنفيه إلى جزيرة لمنى فبعد وصوله فر منها وقدم بروسه ولما أعطى الوزارة الكبرى الوزير محمد عزت باشا أطلق المترجم وأدخله في سلك الكتاب كتاب الوزير وعين له بعض التعيينات السلطانية وفي سنة سبع وتسعين وجهت وزارة دمشق للوزير درويش باشا ابن عثمان باشا فرغب صاحب الترجمة في الانتماء والانتساب إليه فترجى من الدولة أن ينعموا عليه بأمر سلطاني يصير سبباً لمجيئه لدمشق فأنعموا عليه بأمرين أحدهما خطاب لوالي حلب والثاني للوزير المذكور مع بعض أوامر فقدم حلب ودمشق وصدرت منه زلة أيضاً صارت سبباً لنفيه مرة ثانية فنفي بالأمر السلطاني إلى جزيرة عورت تجاه بلدة طرابلس الشام ثم جاءه العفو فرجع إلى دمشق وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الأدب منيف فمنه قوله ممتدحاً الوالد المرحوم
ريم رشيق القد مائس
…
قد بات لي سحراً موانس
نشوان من خمر الشبا
…
ب مهفهف الأعطاف مائس
حلو الحديث وبارد الأنفاس
…
ساجي الطرف ناخس
وافى وقد هدأت عيو
…
ن الدار من واش وحارس
فجلوت منه الشمس في
…
غسق وجنح الليل دامس
وأخذت منه طائعاً
…
ما كنت آخذ منه ناعس
ولمست من أعطافه
…
ما لم يلامسه ملامس
أفديه من متوحش
…
قد صار لي في الوصل آنس
لم أنس ليلة بات لي
…
ذاك الغزال بها مجالس
حتى شهدت بحسنه
…
حرب البسوس وحرب داحس
أشبهت يا ريم الكناس
…
محاسناً صنم الكنائس
ألبستني حلل الضنا
…
وشغلت قلبي بالهواجس
عجبي لطرفك كيف أسهرني
…
بحبك وهو ناعس
وضعيف خصرك كيف
…
صلت به على الشوس المعاوس
إن لم تتب عما جنيت
…
وترتدع عن ذي الوساوس
أشكو فعالك للهمام
…
الندب معدوم المجانس
بدر المساجد والمدا
…
رس والمنابر والمجالس
نبراس آل محمد الغر
…
الميامين النبارس
سيف السيادة من به
…
رغمت من الأعدا معاطس
نعمان أرباب الدروس
…
فقيه أصحاب الطيالس
مخدوم سلطان الورى
…
مولى الجميع بلا مجانس
قطب له الفضلاء في
…
وقت الدروس غدت فرائس
نعس الذي أضحى له
…
في الجود والاقدام قانس
هذا الذي واسى وقد
…
عز المواسي والموانس
بحر السماح ومن تهلل
…
وجهه والجو عابس
نطق إذا ازدحم الندى
…
بكل مرؤس ورائس
تجثو الرؤس للثم أخمصه
…
وتزدحم القلانس
فاهنأ بشهر الصوم يا
…
شمس المكارم والنبارس
شهر عظيم قدره
…
ولنا به الحنان حارس
مولاي دعوة آمل
…
من عطف قلبك غير آبس
فأزح بصبح رضاك عن
…
قلبي من الكرب الحنادس
وألن لي الزمن الذي
…
ما زال قاصي العطف شابس
واليكها عذراء تر
…
فل من مديحك في ملابس
عربية لم يأت قط
…
بمثلها في الحسن فارس
كلا ولا عبرت على
…
فكر الفحول بني مكانس
فانحر لها بدر النضا
…
ر وزفها زف العرائس
وبقيت ما بقيت تنا
…
شدها الأكارم في المجالس
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وكانت وفاته بدمشق مطعوناً شهيداً في منتصف رجب الأصم سنة مائتين وألف ودفن عند سلفه بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد الغني بن محيي الدين بن مكية
عبد الغني بن محيي الدين الحنفي النابلسي وتقدم عم والده حافظ الدين ابن مكية أحد الأذكياء الأفاضل ولد قبل المائة واشتغل بحفظ القرآن وتجويده على والده الخطيب بالجامع الصلاحي وتفقه على عم أبيه المذكور ثم رحل لمصر القاهرة وجاور بالجامع الأزهر وشمر ساق عزمه في التحصيل وفاز بحظ جزيل حتى قيل لا نجد كعبد الغنى في تحقيق المعاني وتدقيق المباني وعاد لوطنه وصار فارس الرهان في مضمار البيان وتولى افتاء نابلس ودرس بها وانتفع عليه جملة من الطلبة وفد نظم العشرة التي لا تجتمع مع عشرة بقوله
نهى أمامنا أبو حنيفة
…
عن اجتماع عشرة منيفة
مع مثلها أيضاً فكن متبعاً
…
لقوله وما تلا فاستمعا
وبعضهم قد ضم أشياء أخر
…
لا تجتمع وذاك قول منتصر
الأول القطع مع الضمان
…
وجلدهم والرجم يفترقان
تيمم مع الوضوء يمتنع
…
والعشر مع خراجهم لا يجتمع
والأجر والضمان ثم المتعة
…
مع مهر مثل قيمة والدية
جلد مع النفي إلى الأقطار
…
والأجر مع غنم من الكبار
وهكذا القصاص والكفارة
…
وصوم فرض وقضى ما اختاره
وفدية وهكذا الصوم
…
وصية ميراث زاد القوم
والحيض أيضاً واستحاضة أتت
…
كماله الجمهور نصاً قررت
كانت وفاته في ليلة السابع والعشرين من رمضان بعد قيامه من المقرأ وقد وقفوا على سورة الواقعة والنوبة إذ ذاك عليه سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الفتاح التميمي
عبد الفتاح بن درويش التميمي الحنفي النابلسي خاتمة المحققين الشيخ العالم الفاضل الفقيه جاور بالقدس وتفقه على مفتيها الشيخ السيد عبد الرحيم المطفي
ولما توسم النجابة فيه زوجه بابنته وأظهر بين أقرانه علو رتبته وباشر افتاء القدس عنه مرات متعددة بطريق الوكالة أخبر ولده بأنه لم يعهد نفسه الا في حفظ القرآن وتجويده وله من التآليف كتاب في الفقه غزير الفوائد سماه الفوائد الفتاحية في فقه الحنفية وله فتاوي لطيفة جمعها مدة مباشرته الفتيا وكانت وفاته في أواخر سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ولديه مصطفى ومحمد في محلهما رحمهما الله تعالى.
عبد الفتاح بن مغيزل
عبد الفتاح بن مصطفى بن عبد الباقي بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن مغيزل الشافعي الدمشقي الفاضل الأديب البارع الطبيب كان له في الأدب وفنونه الاطلاع والوقوف التام مع مهارة في علم الطب والحكمة دمث الأخلاق حسن العشرة طيب المذاكرة سلم الناس من يده ولسانه لا يعتني فيما لا يعنيه ولا يشغل نفسه بشيء إلى المذلة بدنيه ولد بدمشق في سنة اثنين وعشرين ومائة وألف كما أخبرني من لفظه واشتغل بطلب العلم بعد أن تأهل له فقرأ على جده السيد عبد الباقي والشيخ محمد الحبال والشيخ إسمعيل العجلوني والشيخ محمد الديري وانتفع على الشيخ محمد قولقسز وقرأ أيضاً على الشيخ محمد الغزي الفرضي مفتي الشافعية بدمشق وعلى الشيخ أحمد المنيني والشيخ صالح الجينيني والشيخ علي كزبر وحضرهم وأخذ عن الأستاذين العارفين الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ مصطفى الصديقي وفي آخر أمره لازم الشيخ عمر البغدادي نزيل دمشق وحضره في الفتوحات المكية وشرح فصوص الحكم للجندي وغيرهما وكان تحفة ندمانه وشمامة خلانه مصطحباً زمرة أفاضل وأدباء وسادة وكان يكثر التردد إلى بني حمزة النقباء بدمشق وهو من خواصهم وكان في الطب يراجع ويعالج المرضي وكانت عليه وظائف قليلة فرغها لأبن أخيه عند موته وفي آخر أمره حصل له داء المفاصل فنكد عيشه وأفناه وأعله وأضناه فكان تارة يخرج من البيت وتارة يستقيم وملازمته لداره أكثر وصدق عليه قول القائل
ومن حكم المولى التي تبهر النهى
…
طبيب يداوي الناس وهو عليل
ولم يزل مرضه يزداد إلى أن مات ومن شعره الباهي ما كتبه إلى حين قدمت من الديار الروميه ممتدحاً
ضاءت بطلعتك الأكوان وابتهجت
…
بك المنازل بل قرت بك المقل
وطائر اليمن نادى بالمنى علناً
…
بشرى لنا الامن لا خوف ولا وجل
رقيت أوج المعالي يا ابن بجدتها
…
فدون رتبتك العليا غدا زحل
حويت كل بديع في القريض فلو
…
أدركت سحبان لم يضرب به المثل
سموت بالفضل حتى قيل ليس لنا
…
سوى الخليل مجيباً كل ما سألوا
وجدت حتى غدا الطائي في خجل
…
وآب راجيك لم يقصر به الأمل
ونلت بالعزم بل بالحزم ما قصرت
…
عنه الصدور فأنت الأوحد البطل
لله درك يا نجل العلى لقد
…
نظمت شمل الدراري بعدما افلوا
فاسلم ودم ببقاء الدهر مرتقياً
…
تحيي مآثر ما قد شاده الأول
وأهنأ بعام جديد دمت في دعة
…
ورفعة ببرود المجد تشتمل
واعذر أخاً فكرة أقصى مداركها
…
وهن العظام وشيب الرأس مشتعل
ومن شعره ما قاله بقرية الهامة في وادي بردا أحد منتزهات دمشق
يا حسن روض حللنا ضمن ساحته
…
يزهو بأربعة تمت بها النعم
لطف النسيم وزهر الروض يخجله
…
ثغر الحبيب إذا ما افتر يبتسم
وجدول كلما ينساب تحسبه
…
جيش الأراقم ولي وهو منهزم
وبدر تم سقاني من لواحظه
…
خمراً فأحيى فؤاداً شفه السقم
يذير ما بيننا راحاً معتقة
…
كأنما هي في راحاته صنم
فيالها خلسة جاد الزمان بها
…
كأنها في دجى آمالنا حلم
وله في التدبيج
يا حسن ظبي رشيق القد ذي هيف
…
يسبي عقول الورى منه بلامين
وأسود الخال في محمر وجنته
…
يحمي بياض الطلا من أزرق العين
وفي ذلك للشيخ مصطفى بن أسعد اللقيمي الدمياطي نزيل دمشق
ورب ليل نقى الأفق من علل
…
لقد كسى حلة التدبيج واعتدلا
فاحمر بالشفق القاني أزرقه
…
وابيض البدر مسود الظلام جلا
وله أيضاً
وروض بهيج قد تفتق نوره
…
كسته يد التدبيج أحسن ملبس
بأحمر منثور وأزرق سوسن
…
وأخضر ريحان واصفر نرجس
ومن ذلك قول السيد محمد الشويكي
لا تلمني إذا تنقع لوني
…
وجفت لذة الرقاد جفوني
فاصفراري من فيض أحمر دمعي
…
وهو من فتك بيض سود عيون
وله أيضاً
ورب ليل بدر الغيث جادلنا
…
وقد كسى حلة التدبيج للأفق
فابيض البرق وضاح بأسوده
…
وأزرق الغيم غطى أحمر الشفق
ومن ذلك ما أنشد الفاضل محمد سعيد النابلسي
قم لداعي السرور في روض أنس
…
دبجته الأزهار بالانتهاض
أبيض الياسمين فيه يناجي
…
أحمر الورد في اخضرار الرياض
وله
بروحي غزال صاد قلبي بطرفه
…
وأحرمني طيب المنام لبعده
له مقلة سوداء أحمر مدمعي
…
عليها جرى مذ هز أسمر قده
وفي ذلك للشيخ سعيد المقدسي الصالحي
هذا الشقيق لقد أتت أيامه
…
فانهض لمنظره وحسن نضاره
قد خلت أسوده وأحمره معاً
…
خد الجيب مدبجاً بعذاره
وفيه للشيخ محمد بن عثمان الشمعة قوله
وروض أريض لاح يحكي بنوره
…
بدائع وشيء من ملابس خاقان
بأصفر منثور وأزرق سنبل
…
وأحمر ورد ثم أخضر ريحان
وله أيضاً
وروض حوى كل المحاسن وازدهى
…
بأنواع أزهار بها الطرف ينجلي
بأصفر وحواح وأحمر لعلع
…
وأخضر نمام وأزرق سنبل
وفي التدبيج للصلاح الصفدي وهو قوله
اشتهرت وانتشرت حيلتي
…
في حبه مذ زاد في صده
قومي الأسود من طرفه
…
وموتي الأحمر من خده
ويحسن قول الشاب الظريف
تدبيج حسنك يا حبيبي قد غدا
…
في الناس أصل تولهي وبلائي
وبالطرة السوداء تحت الغرة
…
البيضاء فوق الوجنة الحمراء
وقول عز الدين الموصلي
خضرة الصدغ والسواد من العين
…
بياض المشيب قد أورثاني
واحمرار الدموع صفر خدي
…
كل ذا من تلونات الزمان
وأحسن من ذلك قول الحريري في المقامة الزورائيه
فلهذا أغبر العيش الأخضر وأزور المحبوب الأصفر وأسود يومي الأبيض وأبيض فودي الأسود حتى رثى لي العدو الأزرق فيا حبذا الموت الأحمر انتهى ومن معميات صاحب الترجمه في اسم مروان
جرعتني كأس الصدود وطالما
…
علقت بقلبي في الغرام يد النوى
وتركتني حيران صبا هائماً
…
أروي حديث صبابتي فبمروري
وله في اسم قاسم
يا حسن بدر مشرق بجماله
…
إن لاح حسناً تنكسف شمس النهار
لا من كؤوس الراح سكري انما
…
من ثغره ساق على الندمان دار
ومن شعره مضمناً المصراع الأخير
لقد زار الحبيب بجنح ليل
…
فأوسعت المعاطف منه ضما
ولام العاذلون فقلت كفوا
…
فلي اذن عن الفحشاء صما
ومن ذلك تضمين الشيخ سعيد السمان وهو قوله
دعوني والغرام ولا تطيلوا
…
ملاماً بقصم الحجر الأصما
فلي قلب عليه مستقيم
…
ولي اذن عن الفحشاء صما
وضمنه الشيخ عبد الرحمن بن أحمد المنيني فقال
لحاني العاذلون وعنفوني
…
فولت عنهم الأسماع صما
ولم أسمع مقالتهم بلوم
…
ولي اذن عن الفحشاء صما
وضمنه الشيخ أحمد العمري فقال
وشمس في يدي قمر تبدت
…
يطوف بها كبدر التم ألمى
ويثني عطفه والجيد نحوي
…
فأهصر خوط بان طاب ضما
وأجنى من رياض الخد ورداً
…
نضيراً قد زكا شماً ولثما
وارشف خمرة من فيه سكراً
…
لقد دقت عن الآراء فهما
واستمع المثاني لا أبالي
…
بواش أوسع الأسماع سقما
وإني والهوى والشطح قسمي
…
ولي أذن عن الفحشاء صما
وضمنه الشيخ السيد مصطفى الحموي نزيل دمشق فقال
يؤمنني العذول على تلافي
…
بمن من لحظه لي راش سهما
رويدك كيف أسمع منك عذلاً
…
ولي أذن عن الفحشاء صما
وضمنه المولى حامد العمادي المفتي فقال
إذا زار الحبيب بغير وعد
…
وأطفأ جمرة الأشواق لثما
يذكرني جفاه حين وافى
…
ولي أذن عن الفحشاء صما
وضمنه السيد حسين بن عبد الرحمن السرميني فقال
وأحدب يسترق القول عني
…
ويقصدني لكي يزداد دائما
فلي عين تكف الطرف عنه
…
ولي أذن عن الفحشاء صما
وكانت وفاة المترجم في يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الثاني سنة خمس وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الذهبية في مرج الدحداح ولم يعقب الا البنات رحمه الله تعالى.
عبد الفتاح السباعي
عبد الفتاح بن محمد المعروف بالسباعي الحنفي الحمصي الشيخ العالم الفاضل اللوذعي ذو الفضل كان محققاً في العلوم مستخرجاً للعبارات ولم يتقيد في صغره بالطلب حتى بلغ سنه الثلاثين فحصل له نفحة نبوية فتمكن من العلوم وتفوق مع طلب يسير وظهر له بعض تآليف في النحو والفقه والتوحيد وأخذ طريق الشاذلية عن الشيخ عبد الغني المغربي وتولى افتاء حمص عدة سنين ووجد له فتاوي في العربية والتركية وكان فصيحاً أديباً له قصائد كثيرة وكانت وفاته بقسطنطينية وصادفه الحمام ثمة في سنة احدى عشرة ومائة وألف ودفن باسكدار رحمه الله.
السيد عبد القادر بن الكيلاني
السيد عبد القادر بن السيد إبراهيم بن شرف الدين بن أحمد بن علي وينتهي نسبه إلى سيدي عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه الحنفي الحموي القادري نزيل دمشق السيد الشريف الحسيب النسيب الشيخ المعتقد الصالح التقي المتعبد المتهجد الفالح الناجح السخي الجواد الشهم المهاب كان مبجلاً معظماً رئيساً صنديداً ذو عز وجاه وسمو رفعة مع تمام الثروة والسعة ولد ببغداد في سنة ثمانين وألف وبها نشأ وقرأ على جده لأمه العلامة الشيخ مدلج البغدادي وعلى خاله الفاضل الشيخ ظاهر وأخذ عنهما وعن غيرهما العلم وأحسن الخط وأنشأه الله بموافقة الحظ وكان يتكلم بالفارسي وبالتركي وقدم حماه في سنة خمس وتسعين وألف وتصدر في دار أبيه وتولى النقابة بها وسافر إلى حلب وقسطنطينية والقاهرة
وقدم بأولاده في آخر أمره إلى دمشق وقطنو بها وكان السبب في سكناهم دمشق والتوطن بها كونهم كانوا حكام حماه يضمنونها من طرف الدولة ويلتزمونها يمال معلوم وهي ونواحيها في تصرفهم وانعقدت أمورها بهم واختصوا بها ثم دخل الطمع عليهم في الأحكام بها فقامت عليهم أهالي حماه ورعاعها وكان ذلك بتحريك بعض المعاصرين لهم من الحكام قال المصحح يحكى أن حجي كان يضرب ثوره الكبير لتربية ثوره الصغير العاصي ويقول لولا أشار الكبير ما كان يعصي الصغير انتهى وهجموا على دورهم وقصدو نهبها وحاصروهم حتى صاروا يضربونهم بالرصاص وتنادي أهل حماة طاب الموت واشتدت هذه الحالة بهم واستقامت مدة أيام قلائل حتى وجدوا فرصة للفرار وجاء المترجم إلى دمشق وقريبه الأستاذ الشيخ السيد يس وأولاد المترجم السيد يعقوب والسيد إسحق والسيد محمد والسيد صالح والسيد عبد الرحمن وقصدوا الحج لبيت الله الحرام في تلك السنة وهي سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وكان أمير الحاج ووالي الشام إذ ذاك الوزير عبد الله باشا الأيدينلي ثم بعد عودهم من الحاج استقاموا بدمشق واستوطنوها ولما قدم حاكماً لدمشق الوزير قال المصحح إن سليمان باشا تولى مصر بعد مصطفى باشا وقبل علي باشا وعزله عثمان بك ذو الفقار في جمادي الأولى سنة 1153 انتهى سليمان باشا العظم تزوج بابنة الشيخ يس المذكور واتصلت القرابة بينهم وكان السبب في ذلك تراخيهم في الأمور حين رفع القلعة بدمشق الوزير إسمعيل باشا العظم والذي جرى عليه وعلى ولده الوزير أسعد باشا لما كان محبوساً بقلعة حماه للأمر السلطاني بذلك فظهر من المترجم ومن قريبه الشيخ يس طمع في ذلك وصدرت من أولاده فعال غير مرضية في حق المذكورين واستقام المترجم في دمشق إلى أن مات وصارت له بدمشق الشهرة التامة وأنفق في أيامه بها دراهم كثيرة وأموالاً لا تحصى وعلا قدره وسما ذكره وصار بنو الآمال وافدة عليه لقضاء حوائجهم واستدانت منه أناس كثيرون أموالاً ووقف داره بعض عقارات بدمشق وكان حسن المحاضرة عذب المحاوره جميل المعاشرة فضيل المذاكرة يروي الأشعار والنكت والأخبار دمث الأخلاق وكان له أخ اسمه الشيخ عبد الرزاق له فضل وأدب وشعر ورأيت له ديوان شعر ومولده أيضاً في بغداد وكان على المترجم تدريس وتولية المدرسة العصرونية بحماه باعتبار رتبة السليمانية المتعارفة بين الموالي ثم أعطى قضاء طرابلس الشام مع رتبة قضاء القدس الشريف وصرف على صيرورة ذلك مبلغاً وافياً من الدراهم قال المصحح قال في كتابه العزيز ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام إلى آخر الآية انتهى ولم يتول بعد ذلك منصباً ولم يزل معظماً مبجلاً إلى أن مات وكانت وفاته في ذي القعدة سنة سبع وخمسين ومائة وألف
ودفن بتربة الباب الصغير بالقرب من مرقد زين العابدين رضي الله عنه وأما أولاده المذكورون فالسيد يعقوب كان أديباً وستأتي ترجمته وأما السيد إسحق فكان مباركاً وتوفي مقتولاً بحماة في سنة خمس وثمانين ومائة وألف وأما السيد محمد فكان خطاطاً وتولى نقابة دمشق وتوفي في سنة ست وثمانين ومائة وألف بحماه وأما السيد صالح فكان صالحاً وكانت له رتبة اعتبار المدرسين بدمشق وتوفي بها في سنة اثنين وثمانين ومائة وألف وما السيد عبد الرحمن فكان عالماً فاضلاً ومرت تراجم بعضهم في هذا الكتاب وقد رثى المترجم السيد مصطفى العلواني الحموي بقصيدة مطلعها
هوت من بنا المجد الرفيع دعائمه
…
وأقوت مغاني أنسه ومعالمه
وأصبح ركن المكرمات مضعضعاً
…
ويا طالما شادت فخاراً مكارمه
وأغطش ليل ليس عندي نهاره
…
بأبيض بل يربو على الليل فاحمه
وإن نهاراً شمسه غربت ولا
…
يرجى لها الاشراق يظلم قاتمه
أبان ضمير الدهر عن سوء مخير
…
لقد ظل فينا برهة وهو كاتمه
إلا رحمة عند المنون لماجد
…
لقد وسعت أهل الزمان مراحمه
تجهم وجه كان بالأمس ثغره
…
ليفتر عن تلك المسرات باسمه
وأوكف دمع الحزن دمعاً كأنني
…
به إن تمادى يملأ الحزن ساجمة
فواعجباً للطود يودع حفرة
…
وما برحت فيح الفلاة تعاظمه
ويحويه بطن الأرض وهو الذي حوى
…
مكارم عنها ضاق لا شك عالمه
منها
رضيع لبان المجد ما سنه وإن
…
تناهى عن استرضاع ذلك فاطمه
إذا هو أعطى استأصل الجود ماله
…
وما هو إلا في المبرات قاسمه
منها
ليبك عليه حندس الليل إنه
…
لقد عرفيه بعده الآن قائمه
يبيت يجافي الجنب عن خير مضجع
…
فليس سوى طول السجود يلايمه
ويزري على خديه دمعاً يثيره
…
توهج قلب خوفه الله ضارمه
ويتلو كتاب الله وهو الذي به
…
لقد عمرت أوقاته ومواسمه
بذلك إن الله يحبوه بالرضى
…
دلائل خيرات تظل تلازمه
أبى الله إن الدهر مهما تفاقمت
…
حوادثه عن فعله البر حاسمه
لتهن به الحور الحسان فإنها
…
لفي غرف الفردوس أمست تنادمه
على ذلك القبر الذي فيه قد ثوى
…
لينهل من مزن الرضى متراكمه
مدى الدهر ما هب النسيم وغردت
…
على فنن الغصن الرطيب حمائمه
عبد القادر الصديقي
عبد القادر بن أبي بكر الصديقي الحنفي المكي شيخ الاسلام ببلد الله الحرام الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد المفنن البارع النحرير الهمام أبو الفرج محيي الدين أخذ العلم من مكة المشرفة ولازم الطلب على أبي الأسرار حسن بن علي العجيمي المكي وتفقه به وسمع عليه الموطا والصحيحين وقرأ عليه فن البيان وعرض عليه كثيراً من الكتب كالمطول والأطول وغيرهما من الشروح والحواشي وحضر دروسه في تفسير القاضي والبغوي وأجاز له لفظاً وكتابة وله من التآليف كتاب سماه تبيان الحكم بالنصوص الدالة على الشرف من الأم وكانت وفاته سنة هكذا بياض في الأصل.
عبد القادر ابن بشر
السيد عبد القادر بن بشر الشافعي الحلبي كان فاضلاً ناسكاً هيناً ليناً فقيراً صابراً له ذكاء واستحضار ولد تقريباً في سنة عشرين ومائة وألف وقرأ على علماء عصره كالعلامة الشيخ علي الميقاتي والفاضل الشيخ حسن السرميني والعالم الشيخ طه الجبريني وغيرهم ورحل إلى اسلامبول ولقي الأفاضل وصارت له وظيفة تدريس بأموي حلب وكان له نظم فمنه ما نظمه ممتدحاً به شيخه الميقاتي بقوله درر التحقيق بكر لم تزح أنقابها من يرم مدن المعاني فعلى بابها وله مضمناً
إن المدائح للمداح قد شرعت
…
وكل أمر رجوه فهو مقبول
فلابس البردة الحسناء شافعه
…
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
وله مضمناً أيضاً
عمر الوردي لو يعلم ما
…
صنعت قوم بأهل الأدب
لم يقل في النصح يوماً لأبنه
…
انظم الشعر ولازم مذهبي
وكانت وفاته في نيف وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد القادر البانقوسي
عبد القادر بن صالح بن عبد الرحمن ابن السيد الشريف الحنفي الحلبي الشهير بالبانقوسي الشيخ الفاضل الفقيه الأديب الأوحد المفنن الذكي البارع ولد بحلب سنة اثنين وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ القرآن وأخذ الخط
المنسوب وقدم دمشق واجتمع بعلمائها وادبائها وتكرر منه ذلك وكان له براعة وتفوق في جميع الفنون وكتب الخط الحسن ودرس بحلب في جامعها الأموي الكبير وألف بشرحاً على الدر المختار للحصكفي سماه سلك النضار على الدر المختار أخبرني أخوه الشيخ صادق إنه بيض من مسوداته مجلدين وصل فيهما إلى كتاب الصوم وشرح كتاب معدل الصلاة للبركلي وله تعليقة نافعه على أوائل صحيح البخاري أملاها حين تدريسه وكتبها حين قراءته وشرح نظم المراقي الشرنبلالية وله غير ذلك من الآثار ونظمه ونثره في تفوق من البلاغة وله في الأدب إحاطة بالعيوب والعلل والمحاسن ودخل العراق والروم ودرس باياصوفية لما ذهب للقسطنطينية في صحيح البخاري وانتفع بأفاضلها وأخذ عنهم وأخذوا عنه ثم رجع منها إلى بلدة حلب سنة احدى وثمانين وقدم دمشق سنة اثنين وثمانين ومائة وألف وامتدح والدي المرحوم السيد علي أفندي وكف بصره في آخر عمره وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضل منيف فمنه قوله وكتب بها إلي في واقعة حال
بدت تخجل الأقمار بالمنظر الأجلى
…
ولاحت تريك الشمس في الشرف الأعلى
وزارت على رغم الحواسد فانثنت
…
أمانيهم منها منكدة خسرى
محجبة تهتز من مرح الصبا
…
فتأنف أن تلقى عقوداً لها الجوزا
وعهدي بها تجلي لمن ليس كفوها
…
فها هي قد جاءتك تلتمس الرجعى
فألبستها من حلة المجد خلعة
…
تروق كما راقت على الروضة الأندا
وجاءت بشارات المسرات والهنا
…
تهنيك بل تهني بك المنصب الأسنى
وأصبح ثغر الدهر يفتر باسماً
…
سروراً بما أوليت من نعم تترى
نهضت بعزم يفلق الصخر طالباً
…
تراث أبيك الأكرم الطيب المثوى
ويممت قسطنطينية تطلب العلا
…
كما أم ذو يزن لمطلبه كسرى
على متن مندوب يصلي وراءه
…
غداة تساق الخيل داحس والغبرا
من الجرد لو كلفته وضع حافر
…
بأعلى عنان الجو لأقتحم الشعرى
فأنزلت فيها منزل العز والتقى
…
وشائيك بين الناس ينعت بالأشقى
وأصبحت مشكور المساعي حميدها
…
وضدك في أرجائها خابط عشوا
تقول دمشق حسرتا ثم حسرتا
…
أبعد على كيف اذكر في الأحيا
وهل كيف يسلوه فؤادي وروحه
…
بآل مراد انني بهم أحيى
إذا اختلفت أقوالهم في حياتها
…
بغيرهم قالت فديتك بالموتى
سألت المعالي عنكم غير مرة
…
فقالت هي الشقرا مسائلها شتى
وهل بعد هذا الوجه تطلب مدركاً
…
لتقضي به في كل مشكلة عميا
وقد وقع التصحيح بعد اختلافهم
…
بأن أرخوا وجهاً خليل به يفتى
وأبت وذكراك الجميل مطبق
…
لآفاقها المعمور أقصاه والأدنى
وما هي إلا منك شنشنة لها
…
مخائل إسعاد إلى أخزم تنمى
نمتك إلى الأفتا جهابذ سادة
…
نماهم إلى الافتاء من شرع الفتوى
هم شيدوا ركن الفخار وحبذا
…
دعامة مجد أنت جؤجؤها الأقصى
فيا آل مراد أنتم خير عصبة
…
وأنتم جمال الخلق والدين والدنيا
بكم شرف الله الوجود وجودكم
…
يذكرنا عهد البرامكة الأولى
ومن علينا الله فضلاً بكم كما
…
على قوم موسى من بالمن والسلوى
اليك رفيع المجد أرفع قصة
…
ولي حاجة في النفس أوقن أن تقضى
نضضت ركاب السير من أجلها إلى
…
حماك فلم أنجح وقد أخفق المسعى
لكم في قضا سرمين قدما علاقة
…
ينابيعها تتلو بحازم والمعرا
مسارب أوعال خلت من زراعه
…
اليها ابن آوى من توحشها آوى
ومن سوء حظي إن رزقي فلاحة
…
بها أبتغيه في التراب على العميا
يعز على المضني المتيم أن يرى
…
منازل من يهوى على غير ما يهوى
ومذ كنت قد ألزمتها بمعجرف
…
يسوم رعاياها الغرامات والبلوى
تداعوا إلى حلف الفضول واقسموا
…
على تركها بوراً واهماً لها قفرا
وذا العام كانوا طبقوها زراعة
…
ليستبدلوا من دونها قرية اخرى
فأخصب واديها وأينع ربعها
…
وخاماتها تختال في الروضة الدهما
تموج كموج البحر إن هبت الصبا
…
ويغرق منها السرح في الموضع الأدنى
وبالرغم منهم أن يولوا اقتسامها
…
وكيل ابن طه إنها قسمة ضيزى
فما نعته عنها وقلت له اتئد
…
اجارتكم منها أما آن أن تقضى
فكف يداً عنها واحجم خاسئاً
…
وهبت على زراعها نسمة البشرى
فيا بشرهم لما رأوه مبعداً
…
ويا بشرها لما غدت يده قصرى
وأخبرتهم إني أريد التزامها
…
إلى حجج قالوا هي المنة العظمى
وأقبلت أرعاها وأحمي ذمارها
…
لسابق ودمنكم خالص المعزى
وكم زدت عنها كل لص سميدع
…
ولا سيما الخرفان إذا كثر الغوغا
ومذ هاج منها زرعها لحصاده
…
وقد أعجب الزراع سنبله الأبهى
ندبت لها من كل جلد شحانيا
…
وبيدر تهاطر أو غصت بها البطحا
بيادر أمثال الروابي كائنها
…
جبال تمطت للعلى تطلب العليا
شوامخ لو أن ابن نوح يؤمها
…
لكان من الطوفان يبغي بها المنجا
يمثل أهرامات مصر سموها
…
ومخروطها لكن تلك بلا جدوى
قال المصحح كان أضاع الزمان ضياع بعض الضعفاء بأنشاب أظفار بعض الأقوياء فتذكرت قول من قال بمناسبة أهرامات أين الهرمان من بنيانه ما قومه ما يومه ما المصرع تتخلف الآثار عن سكانها حيناً ويدركها الفناء فتتبع قال في كتابه العزيز ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون انتهى
ولما تناهت في العلو تطاولاً
…
أتيح لها الدراس فانقلبت صرعى
ومدت لها أيدي الذراة مذارياً
…
لتنسفها نسفاً وتجعلها دكا
وكاتبتكم فيها فلم يأت منكم
…
جواب وأخبار بدت عنكم شتى
فمن قائل أيوب دارة داره
…
ومن قائل للشام قد أزمع المسرا
فبينا أنا في الأمر إذ جاء منكم
…
كتاب إلى ابن الجابري الآله الحدبا
وفوضتم فيه إليه أمورها
…
وهل يجتني شهد مشور من الأفعى
ففاوضته فيها وقلت حذار من
…
وكيل ابن طه إنه حية رقطا
ولم أدر أن الصفر والبيض قد أتت
…
إلى جيبه ليلاً مهرولة تسعى
ولما رآني قد خبرت ارتشاءه
…
تزايد لؤماً وانتحى الفعلة الشنعا
قال المصحح قد شبهوا المرتشي بالذئب والراشي بالقبطي الذي يرقص الذئب والبرطيل حلقة في أنف الذئب وطوق في جيده من فضة أو من ذهب على قدر عظم الذئب وقيمته فإن مات الذئب قبل القيطى فيسعى المرقص على نزعهما ليعلق على ذئب آخر لأنهما لا يتفاوتان بالدناءة وإن مات المرقص قبل الذئب فيوجد مرقص آخر وهذا يضعف الحلق والأطواق لسمن الذئب لكي يقدر على ضبط الذئب كالمرقص الأول وهذا دأب المرتكبين لأنهم ورثوا الخبث صاغراً عن صاغر لا كابراً عن كابر فلا تجد في تراجمهم حديثاً يعدلهم من المفاخر ولما كانت الدنيا بهذه الحالة والا تدراكها السلطان محمود الثاني رحمه الله تعالى وأزال الطغاة وأشبه الشبل الأسد فأدام الله مولانا عبد العزيز لقد فاق الملوك بتمييز الغش من الأبريز انتهى
وأقبل يبدي لي المعاذير قائلاً
…
لقد زاد في إيجارها إنه أولى
فقلت أنا أولى بها منه قال لا
…
لأني طريق الأولوية لا أرعى
فقلت إذا حكم البوار مآلها
…
فقال وفي دار البوار لنا مثوى
فقلت إذا بارت تبور فلاحتي
…
لأني لا أقوى على طلل أقوى
وإني من أهل العلم والأمر واضح
…
فقال أما تدري بأنا لكم أعدا
فقلت فأفراخي صغار فلا تدع
…
حواصلهم خمراً بلا ما ولا مرعى
فقال وكم أطفال ميت تركتهم
…
جياعاً بلا مال وأمهم ثكلى
فراجعته فيها مراراً فلم يفه
…
بخير وكان اللوم في حقه أغرا
فقلت على مثل المرادي ترتشي
…
فقال نعم مثلي على أبه يرشى
فقلت له شلت يمينك مرتش
…
فقال ارتشائي كله باليد اليسرى
تورع كلب أو تنسك مومس
…
فقلت لقد أقذيت قال وما الأقذا
فقلت له تبت يداك مخادعاً
…
فآخر سطر أنت من سورة الأعمى
وآجرها من مارق ماكر له
…
أفانين ظلم تفلق الصخرة الصما
ولا عجب فأشبه متجذب إلى
…
مشابهه والجنس مع جنسه يثنى
وسلمها للمجرمين خيانة
…
وشاركهم في الأثم والحاصل الأوفى
فهل سمعت اذناك أن بيادراً
…
تواجر من أفتى بذا لحكم من أفتى
وهذا جزاء لأصطناعكم له
…
ومن يصنع المعروف مع مثله يجزى
فلا قدس الرحمن يوماً صفاته
…
وطهر من أمثاله حلب الشهبا
ومن دابه أكل الحرام صراحة
…
وتبديل شرع الله بالعرض الأدنى
ويأكل أموال اليتامى جراءة
…
على الله لا يرعاه فيهم ولا يخشى
وغير مخاز لا ندلس طرسنا
…
بها فالتجأ من كل ما يغضب المولى
أينكر منه أن يخون ويرتشي
…
عليك ولا يخشى عتاباً ولا يخزى
وما هو إلا كأسرى غير جابري
…
وكم للمسمى خالفت في الورى الأسما
ويكفيه إن الله أخبر إنه
…
سيصلي سعيراً مثل من عبد العزى
قال المصحح قصيدة علي الدرويش التي تضمن ما تورط ناظمها في مكائد بعض مشايخ القرى بشرقية مصر قد أثبتوها في ديوانه المطبوع ليتشفى المظلومون بها رحمه الله تعالى كان يقول قصيدتي هذه اقرؤوها يا اخواني وقت السحر ولا تنسوا في حق الذئاب مثل تفرقوا شذر مذر انتهى
فدونكها كالعقد فيه زمرد
…
ودر وياقوت يتيمنه عصما
ممتعة حوراء مقصورة لها
…
جزالة ألفاظ حوت رقة المعنى
حكاية حال بل شكاية حاله
…
ومن قبل قد قالوا ولا بد من شكوى
خريدة فكر أقبلت في خجالة
…
أتت ترتجي تقبيل راحتك اليمنى
أبوك علي كرم الله وجهه
…
وجاد تراباً ضمه صيب الرحمى
أياديه كم قد قلدتني مكارماً
…
عقدت بها عهداً من الود لا ينسى
فلا زلت معمور الذرى طيب الثنا
…
منيع الحمى تقفو طريقته المثلى
تزيد على مر الزمان نبالة
…
ويصحبك التوفيق والعز والتقوى
ولا زلت مرجو النوال مكرم
…
الخصال إلى أن ينقضي أمد الدنيا
ثم اتبعها بقوله نثراً الجناب الأعظم والمقر الأشرف الأكرم بسط الله ظله الوارف وخار له في الظعن والاقامة وسر أولياءه بما أقدمه عليه من النعمة السابغة والسلامة واطلع من وجهه الوضاح على محبيه ما ينكشف به الظلام والظلامه
بنعمة جاءت كما نشتهي
…
من عند رب العرش مسراها
أتت وقد جرت ذيول الهنا
…
بأي شكر نتلقاها
فالحمد لله على أننا
…
نحمد أولاها وأخراها
فلا شانت الأيام صفوها ولا نحا الحدثان نحوها لينتشر له من السعد ما هو كامن ويجد به مقعد المعالي منحطاً له ومتطامن على إن هذا العبد الداعي لم يزل يخدم هذا الباب بدعاء بينه وبين القبول علائم ويستمسك من أزج وداده بأعظم القواعد وأثبت الدعائم ويبث ثناء لا يفعل بالألباب فعل المدام فتقهقه منه المحابر وتضحك الأقلام على أني أسأل الله أن يفيض ملابس إحسانه على من أم حرمه ويجبر بعطفه على من كسره الزمان وحرمه آمين أما بعد فإن هذا الداعي القديم والمحب الذي هو في أوطان محبتكم مقيم لما جرى عليه من سوء الحدثان ما جرى تشبث في معاشه بأذناب البقر واضطر إلى أن يجعل لها في منابيع احسانكم مشرباً ومستقر فأطلعت بهذه المناسبة على أحوال وتعلقت أماني بآمال فمن جملة ذلك ما رأيته من نفرة المزارعين في مزارعكم من الأكار الذي هو الحاج أحمد أغا الخزينه دار المكار بحيث إنهم عولوا على تركها ما دام خولياً وجعلوا صبرهم على غدره حولياً وتحققوا إنهم خرجوا من سلفه إليه كمن فر من المطر إلى تحت الميزاب وصاروا من ذلك في نقض وابرام واقدام على النقلة من ترك الزرع واحجام فأسروا بعد ذلك إلي وعولوا في آزائهم علي لعلمهم بانتسابي اليكم وسابقة احتسابي عليكم
وهنا أمور كثيرة لا أطيل بذكرها وخلاصة الأمر إنهم في عام احدى وتسعين الذي تتم به مدة اجارته والتزامه صمموا على أن يطبقوها زرعاً فلحانها والحصيد بناء على أنهم يستوفون آثار العمل من الأرض ولا يبقى لهم فيها عرض فإن جدد الحاج أحمد الاجارة أزمعوا على الرحيل ولحقوا بالغاره فجاء المطر غزيراً في هذا العام وقال أهل النظر سلمه السلام ولم يظهر للاجارة خبر وأراد الحاج أحمد أن يضع يده فضولاً التي هي في المظالم طولى فبادرت إلى منعه وأعملت الفكرة في دفعه وذلك قبل أبان الحصاد وقلت في نفسي أنا محسوب آل مراد وهذه فرصة اقدامها بين يدي نحوي أملي ووسيلة الشكر مساعيها لديكم في عملي فوضعت النواطير والشحاني ورضيت بذلك مشقتي وامتهاني كل ذلك وأنا أنظر إلى المصلحة بعيني وأسلك في طريقي بين جهتين مراعياً بذلك مصلحة الزراع وحفظ علاقة سيدي المطاع وأملت أن أكون بعد ملتزماً للمزارع متعيشاً بها ومستعيناً على الأيام التي خلبتني بانياً بها فبينا أنا في هذا العمل ظهر من الجابري ما ظهر من منعي عنها ودعوى الوكالة من طرفه واتفاقه مع الحاج أحمد فإنه آجره كالمعتاد أولاً بمائتين وستة وستين مواضعة واشترك معه سراً فلما رأى بحثي عنه ترقى في الظاهر إلى أربعمائة وقد أخبرت الجناب بأن المزارع أقلبت بحيث إنه يستوفي منها اجرة سنين تزيد مبلغاً على خمسين مضروبة في خمسين فهممت ولم أكد ونهضت لمدافعته نهوض المقعد وكنت كمن يطلب ظهور الفجر قبل السحر أو ظهور الفجر قال المصحح عبارته هنا ناقصة انتهى من هذه الجيوب العلية وأنا احاشيك أن تجعلني كالمتمني أن يرى فلقاً من الصباح بعد هذا الأمل والارتياح فالمرجو أن تؤثرني ولا تؤثر علي وتوجرني المزارع ثلاث سنين وتنقد اجرة مني أسوة غيري وزياده وأدفع الأجرة سلفاً عن سنة كالعادة وأما هذه السنة الشاغرة التي جمعت بيادرها وأظهرت ببحثي عمن قبضها وغادرها فهي موقوفة على آرائك فلا يغرك الغرور الجابري بالترهات فإنه جالقي وقته وهيهات فإني أعرف جزئيها وكليها كل ذلك عندي في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة فإن أردت وكلنني أخدمك بجمعها وتصحيحها وأرسل ذلك اليك والأمر بعد ذلك اليك فإن والله سروري بقدوك أذهلني أن أعطي الأدب حقه وأن أجلو المدائح المسترقة انتهى وكان صاحب الترجمة من أفاضل عصره علماً وأدباً ولطفاً وديانة وكف في آخر عمره وقدم دمشق مراراً وصار بينه وبين أفاضلها
مباحث وله آداب فائقة وأشعار رائقة دونت في مجاميعه وكانت وفاته بحلب في اثنين وعشرين من الحجة سنة تسع وتسعين ومائة وألف ودفن في مقبرة الحجاج خارج بان قوسه رحمه الله تعالى.
عبد القادر الكدك
عبد القادر بن خليل المدني الحنفي الشهير بالكدك الشيخ الفاضل الأديب الناظم الناثر الأوحد المفنن أبو المفاخر زين الدين قدم دمشق سنة تسع وسبعين ومائة وألف واجتمع بوالدي وامتدحه وألف رسالة باسمه سماها كيد الصروف عن أهل المعروف وله شعر لطيف ينبئ عن قدر في الفضائل منيف منه قوله مادحاً والدي
أرح العيس رفقة بفؤادي
…
وأنخها فقد وفدت بوادي
واخلع النعل فهو أقدس واد
…
جئته في الورى وأشرف نادي
وتأدب فذا مقام علي
…
ومقام لديه كل مراد
قد علا ذكره بأوج علاء
…
فلهذا بالندى إليه ينادي
حرم آمن لمن حل فيه
…
وسواء لعاكف أو بادي
فتعلق بذيل كعبة مجد
…
طاف قلب الورى بذاك السواد
كم رنت في الورى إليه عيون
…
واطمأنت له قلوب العباد
حل في داخل القلوب ولكن
…
عن عيون الأنام بالمرصاد
كيف لا ينجلي بكل فؤاد
…
وتجلي لنا بسود العواد
قدسي حسنه الورى وتولى
…
في قلوب العباد والعباد
فترى حوله الورى دار طرا
…
خاضعي الرأس ناكسي الأجياد
هم جميعاً لهم مقاصد شتى
…
وهو للكل بغية المرتاد
عائد الكل منهم صلة المو
…
صول حالاً من وصله المعتاد
فاصرف القصد نحوه في الورى
…
ملتزماً ركن بابه باستناد
فهو باب السلام من كل صرف
…
لصروف الزمان والانكاد
واسع نحو الصفا وهرول لدى
…
باب علي فذاك باب المراد
رب بيت ولا كبيت علي
…
وعلى داخليه نور بادي
لا تحج القصاد إلا إليه
…
كيف لا وهو قبلة القصاد
قل لمن أم ذلك البيت ذا بو
…
م المنى وهو أعيد الأعياد
ساعدتك الأيام بين الأنام
…
اليوم والسعد جاء بالاسعاد
ولياليك كلها ليالي القدر
…
لدى عالي القدر ركن العباد
ولسان للحال أفصح شادياً
…
بفصيح الانشاء والانشاد
قد وصلت الوادي المقدس أرخ
…
خير واد لديه جل المراد
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وارتحل لدار السلطنة العلية قسطنطينية المحمية واجتمع برؤسائها وصار له منهم اقبال وافر واكرام متكاثر ثم رجع إلى بلدته المدينة وأفاد واستفاد وكان من وجوه أهل المدينة ورؤسائها وكانت وفاته بها سنة تسع وثمانين ومائة وألف بتقديم تاء تسع ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
السيد عبد القادر بن شاهين
السيد عبد القادر بن شاهين الشريف لأمه الحلبي الشيخ التقي الورع الزاهد كان والده جندياً ووالدته من ذرية الولي الكبير أحمد الرفاعي الشهير من بيت الصياد المشهورين وسيأتي ذكر أخيه عمر وهذا المترجم ولد بحلب في سنة اثنين وتسعين وألف واعتنى به والده وأقرأه القرآن العظيم وجود على الشيخ عامر المصري ثم بعد وفاة الشيخ المذكور حفظ القرآن على الشيخ عمر المصري شيخ القراء وقرأ الفقه على الشيخ المعمر قاسم النجار وقرأ النحو والصرف على الشيخ عبد الرحمن العاري وتعلم الخط المنسبوب بأنواعه على الأستاذ الماهر مرتضى البغدادي الملقب بصدر الدين وقرأ اللغة الفارسية والتركية على الشيخ عمر المعروف بالمقرقع القاطن بالمستدامية وبرع في جميع هذه الفنون وتوفي والده وله من العمر أربعة عشر سنة وترك تركة وافرة من المال والسلاح والعقارات فلم يلتفت إلى شيء منها وتسلم الجميع أخوه الكبير واشتغل هو بخويصة نفسه فاعتنى بها وخدمها وذلك إنه رأى نفسه أرضا أنيقه بكل خير وريقه إلا أنه ألفاها مأوى لأسد الغضب ونمور الجهل وكلاب الحرص وحيات الظلم وعقارب الحسد فنفي عنها هذه الآفات كلها وحفها بأضدادها فصارت خيراً محضاً وأخذ طريق التصوف عن العارف بالله تعالى الشيخ حسين الزيات القاطن في مسجد محلة سويقة الحجارين الذي صار الآن زاوية للسادة القادرية المواهبية ولازم الشيخ المومي إليه مدة حياته فلما توفي لازم الأستاذ العارف بالله تعالى الشيخ مصطفى المعروف باللطيفي في قدماته إلى حلب وكان المترجم ممن حبب الله إليه الطاعة والعزلة والاشتغال بالعلوم النافعة واكتساب الكمالات واجتناب مخالطة الناس واللهو واللعب وكانت سيرته إنه كان يقوم وقت الفجر فيذهب
مع أخيه إلى درس النجار الشيخ صالح وكان الشيخ يقرأ درس الفقه قبيل صلاة الصبح في مسجده ثم يأتي إلى البيت فيمكث إلى حين طلوع الشمس ثم يذهب إلى مسجد الشيخ حسين المذكور فيطالع عليه في علم التصوف إلى أن يتعالى النهار فيذهب إلى حانوت له في سوق البادستان فيرد عليه متعلموا الخط فيكتب لهم يعلمهم إلى قرب الظهر فينزل إلى الجامع الكبير ويصلي ثم يذهب إلى حجرة الشيخ عمر ويقرأ ما تيسر إلى قرب العصر فيصلي في الجامع المزبور ويرجع إلى حانوته فيأخذ ما يحتاج وكان متقشفاً في مأكله وملبسه زاهداً ورعاً مع قدرته على التنعم والترفه متجرداً عن الزوجة والولد وكان له تلاميذ يقرأون عليه القرأن فيقريهم ويتدارس معهم حتى يصلي العشا وفي مدة عمره لم يذهب إلى أحد وكان بعض الصلحاء يقول لأخيه بعد وفاته إن أخاك السيد عبد القادر كان من خواص الأولياء لكنه لا يعرف إنه ولي مرض رحمه الله بمرض حمي الدق وطال مرضه فكان يتحامل ويذهب إلى الحانوت لأنتفاع الناس منه ثم ثقل مرضه فانقطع في بيته نحو ثلاثة أشهر إلى أن توفي وكانت وفاته في أوائل محرم سنة اثنين وعشرين ومائة وألف وكان آخر كلامه يا رسول الله المدد والشهادتين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
الشيخ عبد القادر التغلبي
عبد القادر بن عمر بن عبد القادر بن عمر بن أبي تغلب بن سالم التغلبي الشيباني الحنبلي الصوفي الدمشقي الشيخ الامام العالم الفقيه الفرضي الصالح العابد لناسك أبو التقي ولد في دمشق سنة اثنين وخمسين وألف وقرأ القرآن العظيم في صغره ولزم الشيخ عبد الباقي الحنبلي الدمشقي وولده الشيخ أبا المواهب وقرأ عليهما كتباً كثيرة في عدة فنون وأعاد للثاني درسه بين العشائين من ابتداء سنة ثلاث وسبعين وألف إلى أن توفي ولازم الشيخ محمد البلباني فقرأ عليه الفقه والفرائض والحساب وأجازه بمروياته وحضر دروس الشيخ محمد بن يحيى الخباز البطنيني الشافعي واجتمع بالمحقق الشيخ إبراهيم الكوراني المدني في أحد حجاته سنة أربع وتسعين وأجاز له وقرأ على الشيخ عثمان القطان ومحمد بن محمد العيثاوي والشيخ سعودي الغزي وجمال الدين بن علي الحمصاني وغيرهم وقرأ أيضاً على النجم الفرضي والشيخ منصور الفرضي والشيخ محمد الدلجموني المصري والشيخ محمد المكتبي والشيخ محمد الكوافي والشيخ إبراهيم الفال ومحمد بن أحمد العمري بن عبد الهادي والشيخ شكر الله الهندي ومحمد الأسكداري وأحمد النخلي وعلي بن القادري الحموي الخلوتي وغيرهم من الأجلا
الذين يجمعهم ثبته وكان يرزق من عمل يده في تجليد الكتب ومن ملك له في قرية دوما وبارك الله له في رزقه فحج أربع مرات وكان يلازم الدرس لأقراء العلوم بالجامع الأموي بكرة النهار وبعد وفاة شيخه أبي المواهب بين العشائين بالجامع الأموي أيضاً وأخذ عنه خلق لا يحصون وانتفعوا به وكان ديناً صالحاً عابداً خاشعاً ناسكاً مصون اللسان منوراً بشوش الوجه تعتقده الخاصة والعامة ويتبركون به ويكتب التمائم للمرضى والمصابين فينفعهم الله بذلك ولا يخالط الحكام ولا يدخل اليهم وألجأته الضرورة مرة لأداء شهادة عند قاضي دمشق الشام فدخل وجلس فناوله الخادم الفنجان القهوة فتناوله ووضعه بقرب فمنه وأوهم القاضي إنه شربه ثم أعطاه للخادم فعرف القاضي ذلك لأنه كان يلاحظه فقال له أراك تورعت عن شرب قهوتنا فمن أين تكتسب فقال من عمل يدي في تجليد الكتب وقد حججت بحمد الله تعالى أربع مرات فقال له القاضي كيف هذا فقال له إن الله تعالى خلق آدم واحداً وبارك في ذريته حتى ملأوا الدنيا كذلك يبارك الله تعالى في الرزق الحلال القليل حتى يكون كثيراً فأذعن القاضي لذلك وأثنى عليه وصنف شرحاً على دليل الطالب في مذهب الحنابله وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء الثامن عشر من ربيع الآخر سنة خمس وثلاثين ومائة وألف ودفن تحت رجلي والده بمقبرة مرج الدحداح رحمه الله تعالى ورضي عنه وأعاد علينا من بركاته وقال مؤرخاً لوفاته تلميذه الشيخ محمد الغزي الدمشقي العامري بقوله
كم من نعيم عند ربي قد خبى
…
للشيخ عبد القادر التغلبي
علامة الوقت ونحريره
…
وشيخ أهل العصر في المذهب
الخاشع الناسك رب الحجى
…
القانت الراوي حديث النبي
قد كان ذا زهد وذا عفة
…
سليم صدر صافي المشرب
أصبب أهل الشام لما قضى
…
أبو التقى ذو المسلك المعجب
فأي دمع ما همى مشبهاً
…
صوب حيا منهمر صيب
جادت ضريحاً ضمه ديمة
…
تروى ثراه بالحيا المشعب
تاريخه دار البقى حله
…
أبو التقى بالمنزل الطيب
عبد القادر الكردي
عبد القادر بن عبد الله بن إسمعيل الشافعي العبدلاني الكردي نزيل دمشق القادري الشيخ العالم المحقق الفاضل الورع الزاهد كان محققاً عالماً ذا زهد وتقشف مع كمال الاجتهاد في الطاعة والعبادة وله السلوك الوافر في طريق القوم
مع الفضيلة التامة ولد في بلاده في سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وأخذ عن علماء بلدته وأتقن العلوم الظاهرة والباطنة ووفد إلى حلب في سنة أربع وستين ومنها إلى الشام فاستوطنها وأرسل أتى بأهله من بلاده وتزوج بابنة صغيرة لشيخه وتلميذ والده الشيخ محمود الكردي نزيل دمشق وارتحل إلى مصر والحرمين واستجاز من علماء تلك الديار وبيتهم بيت الولاية كما اشتهر وأخبرني الشيخ حسن الكردي الصالح نزيل دمشق إن للمترجم إخوة تنوف على ثلاثين ومن التآليف كذلك وإنه كان ينظم الشعر وكان للناس به اعتقاد وافر وبالجملة فقد كان أحد أفراد أفاضل الأكراد بدمشق علماً وورعاً وزهداً وكانت وفاته بها في يوم الأربعاء قبيل الظهر سادس عشر ذي الحجة سنة ثمان وسبعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون بصالحية دمشق رحمه الله تعالى.
السيد عبد القادر الصمادي
السيد عبد القادر بن موسى بن إبراهيم بن مسلم المعروف كأسلافه بالصمادي الشافعي الدمشقي السيد الأجل القادري شيخ الصمادية بقية السلف الشيخ البركة المجذوب التقي الصالح الخير تفقه بمذهبه وحصل طرفاً من العلوم الألهية وفضل ولزم زاويتهم بعد وفاة والده الكائنة بمحلة الشاغور الجواني وجلس على سجادتهم وأقام ذكرهم بها وكان لا يبرح منها إلا في الجمعات ومواسم العيدين وشهود بعض الجنائز وتهنية حكام الشرع والسياسة عند القدوم أو أمر يتعلق بأهل البلد على العموم مواظباً على الطاعة ومطالعة الكتب الفقهية والرقائق الصوفية إلى أن توفي وكانت وفاته في يوم الخميس ثاني عشر ذي الحجة سنة أربع عشرة ومائة وألف ودفن بباب الصغير بقرب سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه عن ولد صغير وأخ كبير يقال له السيد صالح وكان عهد المترجم لولده فبعد وفاته أجلسوا الأعيان أخاه المذكور مكانه وسكن داره واستولى على جميع ماله رحمهما الله تعالى.
السيد عبد القادر الكيال
السيد عبد القادر بن محيي الدين الكيال الشافعي الدمشقي كان من الأفاضل الصالحين مع التقوى والديانة خاضعاً سالماً قلبه من الحسد والبغض ناسكاً قرأ بدمشق على جماعة وحصل واجتهد وبرع وأقرأ في جامع السنانية وكان منعكفاً على طلب العلم وعدم التردد إلى أهل الدنيا وملازماً درس العالم الصالح الشيخ علي السليمي الصالحي الدمشقي وكانت وفاته في يوم السبت حادي عشر رمضان سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عبد القادر الديري
عبد القادر بن محمد الشافعي الديري نزيل حلب الشيخ العالم الفاضل الفقيه النبيه الأصولي النحوي كان من الفقهاء المتفوقين ولد بدير رحبة من أعمال بغداد في سنة عشرين ومائة وألف وقدم لحلب في سنة ست وثلاثين ومائة وقرأ الفقه على الشيخ عبد القادر بن عمر العرضي الحلبي والفقه أيضاً والفرائض على الشيخ جابر الحوراني الحلبي والنحو على السيد الشيخ عبد السلام الحريري والنحو والفقه أيضاً على الشيخ حسين السرميني والمعاني والبيان والنحو والفرائض والفقه أيضاً على الشيخ محمد الزمار والشيخ محمود البادستاني قرأ عليه في المنطق والنحو وأخذ الحديث عن الشيخ جابر والشيخ حسين المذكورين وتفوق وأقرأ فنون العلم في حلب وانتفع به كثير من الطلاب وجمع غفير وكان مستقيماً على حالة مرضية حسنة وهو من السادة الأشراف إلا أنه لم يتتوج بالطراز الأخضر وأغناه عنه نور النبوة الغناء إلا وفر وبالجملة فقد كان في الفقه اماماً وأحرز في كل فن رتبة ومقاماً رحمه الله تعالى.
عبد القادر بن يوسف نقيب ازاده
عبد القادر بن السيد يوسف الحلبي الحنفي نزيل المدينة المنورة الشهير بنقيب زاده الشيخ الفاضل الفقيه الأوحد البارع المفنن أبو المعالي زين الدين رحل إلى المدينة المنورة من بلدته حلب وتوطنها سنه ستين وألف ودرس بالمسجد الشريف النبوي وصار أحد الخطباء والأئمة به وانتفعت به الطلبة وألف مؤلفات نافعة منها كتابه المسمى بلسان الحكام في الفقه وكتاب في معرفة الرمي بالسهام وغير ذلك من الرسائل والفوائد وكان من صلحاء المجاورين شهماً هماماً عالماً عاملاً مفنناً وأخذ بالمدينة المنورة عن الصفي القشاشي وأخذ بدمشق عن شيخ الاسلام المنجم الغزي العامري وعن الشيخ علاء الدين الحصكفي وعن غيرهما ولم يزل على أحسن حال معتكفاً على الافادة إلى أن توفي وكانت وفاته سنة سبع ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
عبد القادر الصديقي
عبد القادر الصديقي البغدادي نزيل القدس الشيخ العالم العامل الأستاذ العارف الصوفي الفاضل المعتقد كان جامعاً بين العلم والولاية والكشف والدراية وله تآليف منها شرح على قصيدة الأستاذ العارف الشيخ عبد الغني بن إسمعيل الدمشقي المعروف بالنابلسي التي مطلعها
ومن أعجب الأمر هذا الخفا
…
وهذا الظهور لأهل الوفا
ورسالة في وحدة الوجود وتآليف غيرها في الحقيقة وله كرامات وأحوال منها ما أخبر به الشيخ السيد محمد بن عيسى الكردي الأصل القدسي قال كنت أرى من الشيخ المترجم كرامات ومكاشفات كثيرة وكان يخبرني بأمور سرية تخطر في قلبي وأنا في مجلسه فيزداد تعجبي واعتقادي ومما رأيته من كراماته إنني زرت وإياه سيدنا داود عليه السلام فأخبرني إنه اجتمع بروحانيته ووصفه لي فوقع في قلبي الشك ثم نزلنا إلى مقبرة مأمن الله وزرنا ابن بطال وأبا عبد الله القرشي وابن أرسلان والشيخ البرماوي وجماعة من أهل العلم فأخذ ينعتهم لي ويقول اجتمعت بروحانية هذا وهذا فأرتبت في أمره وكدت أن أتهمه في الحيلة حتى مررنا على قبر والدي ولم يكن يراه ولم أخبره به قصداً فوقفت ووقف معي وقرأت ما تيسر من القرآن فقال لي هذا القبر فيه رجل شريف عالم عامل فرح برؤيتك وسر بوقوفك وقراءتك واجتمعت بروحانيته صفته كذا وكذا ونعته كذا وكذا وهو والدك لماذا لم تخبرني قال فحينئذ تبت عن الانكار وقلت له لا حاجة للأخبار القصد الزيارة قال وقد عظم مقامه عندي وكان له حال عجيب وكشف صريح وكنت أسأله عن مشكلات فيطرق ثم يقول لعل الجواب كذا وكذا فأرى جوابه شافياً للصدر فأقول له وأي حاجة لقولك لعله كذا وكذا فيقول لم أقف عليه مسطراً وإنما هكذا يلقي في قلبي فأقول فقلت له لكم يا بني الصديق مقام الولاية من جدكم رضي الله عنه فإنه قال صلى الله عليه وسلم إن يكن في أمتي محدثون فأبو بكر وعمر منهم رضي الله عنهم وكان يقول لي هذا بركة الجد فلا يموت أحد منا إلا وهو صالح وإن كان مسرفاً لا يموت إلا على توبة ولا يموت أحد منا وهو فقير وهي أيضاً ببركة دعوته لهم اللهم أغن ذريتي لما خرج عن ماله وتخلل بالعبا وقال له سيد الكائنات ما تركت لعبد الرحمن واسما فقال الله ورسوله اللهم أغن ذريتي وفي رواية وأعزهم فببركة دعوته حصل لنا ذلك انتهى ومرض المترجم الأستاذ ثلاثة أيام وقال للكردي المذكور ادع لي ابن عمي السيد مصطفى الصديقي قال الكردي فدعوته له فأخرج مفتاح صندوق وقال يا ابن عمي إني مرتحل لدار البقا فجهزني أحسن الجهاز وأدفني إلى جانب قبر السيد عيسى الكردي ويعني والد الراوي الكردي المذكور فإن روحانيته كانت عندي في هذا الوقت وأخبرني إن مرقدي بالقرب منه والرحلة عشية اليوم وهذا العبد الأسود كتاب تدبيره في الصندوق وبعد التجهيز ومهر الزوجة حتى يحضر ولدي فكان الأمر كذلك وانتقل من يومه وكان يوماً مشهوداً وبالجملة فقد كان من الأخيار الأبرار وكانت وفاته في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف بالقدس ودفن بها رحمه الله تعالى.
عبد الكريم الشراباتي
عبد الكريم بن أحمد بن علوان بن عبد الله المعروف بالشراباتي الشافعي الحلبي الشيخ الامام الفاضل المحدث الشهير علامة حلب الشهبا وشيخ الحديث بها العلامة المفيد ذو الهيبة والوقار كان عالماً محافظاً على السنة الغراء محباً لأهل الطريق والدراويش والعلماء لا سيما لمن يقدم لتلك الديار أخلاقه حسنة وأوصافه مستحسنة ولد بحلب في سنة ست ومائة وألف وقرأ على والده وانتفع به وحضر دروسه الحديثية والتفسيرية والفقه والعقائد والأصول والآلات ثم قرأ على جمع كثير منهم الشيخ مصطفى الحلبي والشيخ أسد ابن حسين وإبراهيم بن محمد البخشي وإبراهيم بن حيدر الكردي وسليمان بن خالد النحوي ومحمد بن محمد الدمياطي البدري وابن الميت الشعيفي الحلبي والعالم الشيخ زين الدين أمين الافتاء والمحقق المولى أبو السعود الكواكبي والعلامة الشيخ يسن ابن السيد مصطفى طه زاده وغيرهم وقدم دمشق أولاً في سنة احدى وعشرين ومائة وألف وأخذ عن جماعة منهم الشيخ أبو المواهب الحنبلي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عبد القادر التغلبي والمنلا الياس الكردي نزيلها والشيخ أحمد الغزي والشيخ عبد الرحمن المجلد والشيخ محمد بن علي الكاملي الدمشقي وأجازه بفتح المتعال في النعال للشيخ أبي العباس المقري المغربي نزيل القاهرة عن المولى الفاضل أحمد الشاهيني الدمشقي وهو عن المقري المؤلف وتوجه إلى الحج في سنة ثلاث وعشرين وأخذ بالحرمين عن أجلائها منهم المحدث الكبير الشيخ أحمد النخلي والمتقن الرحلة الشيخ عبد الله البصري والشيخ أبو الطاهر بن العلامة الرباني الشيخ إبراهيم الكوراني والولي المشهور السيد جعفر وغيرهم ثم رجع إلى حلب وهو مكب على القراءة والاقراء مع قيامه بخدمة والده إلى أن توفي والده وذلك في سنة ست وثلاثين وبعد أحد عشر يوماً كف بصره فحمد الله وأثنى عليه واسترجع عند المصيبتين ولم يمنعه فقد بصره من الاشتغال بالعلم والحديث بل ازداد حرصاً واشتغالاً ثم في سنة ثلاث وأربعين حج ثانياً وأخذ عن المحدث الشيخ محمد حياه السندي والعلامة الشيخ محمد دقاق وغيرهما ثم رجع إلى بلده ودأب في الأخذ عن العلماء والأفاضل الواردين إلى حلب ولما ورد الشيخ محمد عقيلة المكي والسيد الأستاذ الشيخ مصطفى الصديقي الدمشقي وأخذ عنهما وبايعهما وقبل الحجة الثانية دخل بلاد الروم واجتمع بعلمائها وحصل عنه وصار له اقبال وله تعليقة على الشفاء الشريف وتعليقة على كنوز
الحقائق في أحاديث خير الخلائق والعطايا الكريمية في الصلاة على خير البرية ورسالة في ذكر بعض شيء من آثار الولي الكبير العارف الجد السيد الشيخ مراد الأزبكي نزيل دمشق وله رسالة في تعزية المصاب وله رسالة في الفرق بين القرآن العظيم والأحاديث القدسية الواردة على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وله رسالة متعلقة بحزب البحر ورسالة في قراءة آية الكرسي عقيب الصلوات المكتوبة ورسالة سماها المنح الكريميه الدافعة إن شاء الله تعالى كل محنة وبلية ورسالة متعلقة بحرز الامام الشافعي رضي عنه الذي قاله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب فكفاه الله شرهم وله رسالة اخرى متعلقة باسميه تعالى الحي القيوم ورسالة في أدعية السفر وله ثبت جامع سماه بإنالة الطالبيين لعوالي المحدثين وكان رحمه الله تعالى انتهى إليه في زمنه علو الأسناد والحق بالأباء والأجداد الأبناء والأحفاد مكباً على الافادة حتى صار له الاجتهاد طبيعة وعاده وله همة في مطالعة كتب القوم ومع ما فيه من الفضل الباهر له كرم وله رحلات إلى الروم ودمشق عديدة وعلى كل حال فقد كان مفيداً للطالبين بحلب حاضرها وباديها وعلامة الشهباء وناشر العلم بناديها توفي في ضحوة يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادي الأولى سنة ثمان وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الكريم الغزي
عبد الكريم بن سعودي بن محمد نجم الدين المعروف بالغزي العامري الشافعي الدمشقي الشيخ الامام العالم العلامة الحبر الحجة الفهامة الخاشع الناسك ولي الله تعالى ولد قبل الخمسين وألف ونشأ في ديانة وصيانة وقرأ القرآن العظيم وجوده واشتغل بطلب العلم على شيوخ عصره ولازم دروس جده شيخ الاسلام نجم الدين الغزي محدث الشام وقرأ على جده في الفقه وعلى الشيخ محمد البطنيني والشيخ محمد العيثي وأخذ الحديث ومصطلحه عن الشيخ حمد البطنيني والشيخ عبد الباقي الحنبلي والنحو والمعاني والبيان عن جماعة منهم المنلا محمود الكردي نزيل دمشق والشيخ محمد الاسطواني وغيرهما ومن مشايخه العلامة الشيخ منصور الفرضي المصري نزيل صالحية دمشق وبرع في العلوم لا سيما في الفقه وأصوله وأفتى وتولى افتاء الشافعية ودرس بالشامية البرانية في حجرته بالجامع الأموي وأخذ عنه جماعة وكان صدراً محتشماً ديناً وقوراً وله وجه مضئ كأنه القمر ليلة البدر وشيبة نيرة بشوشاً متواضعاً محباً لصالحي الناس وللناس عليه اقبال عظيم واعتقاد كثير وكان مؤثراً للعزلة عن الناس محفوظاً عن الغل والحقد
والحسد والرياء ومخالطة أهل الدنيا ودروسه من محاسن الدروس يجري فيها بعبارة فصيحة واستحضار تام وحافظة قوية وله كرامات ومكاشفات ولم يزل على طريقته المثلى وحالته المرضية إلى أن مات وكانت وفاته في صبيحة يوم الجمعة الثاني والعشرين من جمادي الأولى سنة تسع ومائة وألف فجأة بعد أن خرج من الحمام واستلقى على قفاه في فراشه وتشهد وخرجت روحه ودفن عند سلفه بتربة الشيخ أرسلان وكثر بكاء الناس عليه وأسفهم رحمة الله عليه.
عبد الكريم السمهودي
عبد الكريم بن السيد عمر السمهودي المدني الشافعي الشيخ الفاضل الصالح البارع عز الدين ولد بالمدينة المنورة سنة ثمان ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وقرأ على أبيه السيد عمر وغيره جملة صالحة وصار أحد الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي وبالجملة فهذا المترجم من بيت الصلاح والتقوى الشهيرين بذلك ولم يزل على طريقته المثلى إلى أن توفي وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف بتقديم التاء ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
عبد الكريم الداغستاني
عبد الكريم بن عبد الرحيم بن إسمعيل بن محمد بن محمود الطاغستاني المولد والشهره نزيل دمشق الشافعي الشيخ الفاضل العالم العامل الصالح ولد في أواخر سنة خمس وعشرين ومائة وألف وتلا القرآن العظيم وأخذ في طلب العلم وقرأ في بلادهم النحو والصرف على ابن خاله علي بن صادق الطاغستاني وقرأ حصة من المنطق على المحقق أبي الصبر أيوب الطاغستاني ثم في سنة سبع وأربعين ومائة وألف خرج من بلده مع أهله بسبب فتنة طهماز الشهيرة وجاء إلى ديار بكر وقرأ بها تصورات المنطق على العلامة عبد الكريم الديار بكري ثم في أواخر سنة ثمان وأربعين بعد المائة والألف قدم دمشق وتوطنها وقرأ بها على ابن خاله المقدم ذكره جملة من العلوم كالمعاني والبيان والأصلين والمنطق وقرأ الآلهيات من شرح المواقف على الشهاب محمود بن عباس الكردي وقرأ أوائل صحيح البخاري على الفاضل محمد بن أحمد قولقسز وأخذ الفقه وشيئاً من علم الحديث عن العلامة الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المفتي وقرأ الشمائل للترمذي على العالم حامد ابن علي العمادي مفتي دمشق وحضر دروس الفقه وجمع للسبعة من طريق الشاطبية على الفقيه علي بن أحمد الكزبري وحج مرتين وأجاز له من المدينة
محمد حياة السندي ودرس بالجامع الأموي وبجامع الورد بسويقة صاروجا وكانت وفاته ليلة نصف شعبان سنة ثمان وتسعين ومائة وألف ودفن بسفح قاسيون قرب مدفن البلخي رحمه الله تعالى.
عبد الكريم الخليفتي
عبد الكريم بن عبد الله الخليفتي العباسي الحنفي العالم الفاضل الفقيه البارع الشاعر مفتي السادة الحنفية بالمدينة النبوية ولد بها سنة سبعين وألف ونشأ بها وأخذ بطلب العلم فأخذ عن الشيخ أحمد بن ناصر الدرعي وعبد الله أفندي البوسنوي وحسن أفندي البوسنوي والشيخ حسن التونسي والشيخ إبراهيم البيري والشيخ حسن العجيمي والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد بن إبراهيم الدكدكجي والشهاب أحمد بن محمد النخلي والشيخ محمد بن سليمان المغربي محدث الحجاز وغيرهم وبرع وفضل حتى صار أفضل أهل بيته وله من التآليف رسالة اختار فيها ترجج قول الامامين أبي يوسف ومحمد في حرمة توسد الحرير وافتراشه وله فتاوي وتحريرات أخر وله شعر لطيف ومن شعره قوله مقرظاً على رسالة للخطيب أبي الخير في مناقب أبي حنيفة رضي الله عنه
جمع يفوق شقائق النعمان
…
حسناً بذكر مناقب النعمان
نظمت فرائده أنامل كامل
…
أضحى له ذكر عظيم الشأن
أعني أبا الخير المضارع أمره
…
من قد مضى وعلا على كيوان
الفاضل السامي بحسن صفاته
…
أبدا على الأشكال والأقران
فرع نشا من دوحة المجد التي
…
سقيت بماء الفضل والتبيان
هو أحمد الحاوي لوزن الفضل مع
…
علمية جمعت شريف معاني
عين الأفاضل مبتدأ خبر الثنا
…
عن كل ندب من بني الأزمان
خطبته أبكار العلى فأجابها
…
وبه استقلت عن حبيب ثاني
لا زال ذا الفرع العزيز وأصله
…
في عز فخر عامر الأركان
ما قال من نظر الرسالة مادحاً
…
جمع يفوق شقائق النعمان
وله غير ذلك من الأشعار والنظام والنثار وكان صدراً محتشماً ورأس رأس مثل فتح باباً في المدينة المنورة وطار صيته في الآفاق ووقع على تقدمه الاتفاق وكانت وفاته في المدينة المنورة سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد عبد الكريم ابن حمزه
السيد عبد الكريم ابن السيد محمد ابن السيد محمد كمال الدين الحسيني المعروف
بابن حمزة الحنفي الدمشقي نقيب السادة الأشراف بدمشق الفاضل العالم العلامة الأديب البارع الصدر الرئيس الصنديد الأجل كان مائلاً إلى التنعم والدعة والرفاهية وعنده من لطف الأخلاق ومحاسن الشيم وأدوات الظرف ما فاق به أهل زمانه وله شعر لطيف ونثر حسن وكان سمح اليد كثير البدل أبطأ عنه الشيب مع قوته ونشاطه وحسن خلقه وخلقه بفتح الخاء وأحديهما بالضم ولطف معاشرته ولد في ليلة الثلاثاء قبل العشاء الأخيرة لخمس بقين من ذي القعدة سنة احدى وخمسين وألف ونشأ بها في ظل أبيه في غاية من بلهنية العيش وقرأ وحصل بدمشق على جماعة منهم والده محدث دمشق الشام المتوفي في صفر سنة خمس وثمانين بعد الألف والشيخ نجم الدين الغزي والأستاذ الشيخ محمد البلباني الصالحي وأجاز له نزيله العلامة المشهور الشيخ محمد بن سليمان المغربي نزيل الحرمين وكان نزيل داره بدمشق ومنهم خير الدين ابن أحمد الرملي مفتي الحنفية بها وغيرهم وتولى نقابة الأشراف بدمشق مرات عديدة وتولى تدريس القيمرية البرانية وترددت إليه الناس لقضاء حوائجها ورحل للروم وأصيب بابن له نجيب فصير واحتسب وترجمه الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره شيئاً وقال في وصفه هو بيت القصيد وواسطة عقد المجد النضيد تجسم من شرف محض وكرم لا يحتاج خيره إلى خضخضة ومخض إلى ما حاز من أشتات الكمال والمعاني المربية على الآمال وهو بعد أبيه النقيب ومحله فوق المعلى والرقيب فمهما ترقى البدر فقاصر عن مراقيه والبحر لو عذب لكان بعض سواقيه وله مع النباهة روح الفضل وجسمه ومن بشر أساريره ينهض أثره المجد ورسمه وبيني وبينه ودمورث في الأعقاب وحب خالد ما دامت الأحقاب ولي في كل لحظة منه أمل ينشيه ويعيده وفي مرأى وجهه نوروز إذا مضى أقبل عيده وإذا أردت مدحه أرسلت نفسي وما تجود فلا تنتهي عند وصف من أوصافه إلا وتقول أحسن الموجود وأنا أرجو الله تعالى في كل ما يشاؤه وأسأله من الخير ما يدوم به ممتلئاً رشاؤه وقد أوردت من نفثاته السحرية ونسماته الشحرية ما هو أحسن من نور تفتحه الصبا وأوقع من خلسة الوصل في عهد الصبا انتهى مقاله فيه ومن شعره الباهر النضر قوله
لقد دعانا إلى الربا الطرب
…
فأجبناه حسبما يجب
واستبقنا والشوق يجذبنا
…
كان أشواقنا لنا نجب
وشملنا والحظوظ تسعدنا
…
مجتمع سلك عقدنا الأدب
فحللنا منها بمرتبع
…
هو للزائرين منتخب
وقد حبانا الربيع مقتبلاً
…
بمزاياه والمنى نخب
فالروض مخضلة ملابسه
…
يجمع فيها الحسن والأدب
وفد تناغت به بلابله
…
فمنهم فاقد ومصطحب
وموكب الزهر في حدائقه
…
منتزه بالعيون منتهب
تظل مغناه وهو من دهر
…
فباب نور كأنها سحب
ينعشنا العرف من شمها
…
ومثل هذا العبير يكتسب
والمرج رحب الفناء مصطحب
…
عليه ذيل النسيم ينسجب
تخاله من زبرجد نضر
…
بحراً غدا بالنسيم يضطرب
يشوقنا حسنه ومنظره
…
يسرنا حيث زانه الخصب
ولأنسكاب المياه حسن صدا
…
يرقص عند استماعه الحبب
فمذ نعمنا بذا وذاك وقد
…
تكنفتنا بفيئها القضب
أخصب ربع المنى وطاب به
…
العيش لنا واستفزنا الطرب
فعاد للوجد مدنف طرباً
…
وهكذا مدنف الهوى طرب
ومال وفق الهوى وحق له
…
ذلك إذ ليس ما به لعب
وراح يملي غرامه وليها
…
في غزل رق صوغه عجب
ومن يكن بالغرام ممتحناً
…
لا غرو بالشوق قلبه يجب
يا بأبي مترف ألفت به
…
الوجد وما غير محنتي السبب
أطعت فيه الهوى ومعدنه
…
مغنطيس الجمال منجذب
جماله فتنة لذي نسك
…
مهذب زان حسنه الأدب
نمازج اللطف والعفاف به
…
كذا لمى الثغر منه والشنب
بدر محياه ما به كلف
…
برونق الحسن راح ينحجب
وقده السمهري من مرح
…
ما اهتز إلا ازدهت به القضب
وما بطر في رنا لرامقه
…
الأوسهم اللحاظ منتشب
شهي لفظ تكاد رقته
…
تسترق اللب وهو محتجب
منطقه سكر لمستمع
…
وسكرنا من سماعه طرب
قد منحت بالجمال صورته
…
وقد منحت الهوى ولا عتب
أوسعني فيه حبه ولها
…
وليس الا هواه لي أرب
وقد أبى غير مهجتي سكناً
…
وهي له مرتع ومنقلب
فلا خلا من هواه لي خلد
…
وذاك بيني وبينه النسب
وقوله
لا وصدق انتما المحب الودود
…
لغرام سما به للسعود
ونزول الحمى وقد طال نأى
…
باشتياق ونمى من المعمود
وارتضاع لما جلتها أكف
…
خضبتها دما ابنة العنقود
وارتشاف اللمى ولثم خدود
…
واعتناق الدمى ذوات النهود
ما الهوى بي كما يظن جهول
…
بل غرامي بما عليه شهودي
وقوله
لست إلا كلا على اشفاقك
…
فبر حماك جد على عشاقك
وأعد نظرة الحنان لقلبي
…
روع من لم يزل على ميثاقك
وأرع ودارضيته منك حاشي
…
نبذ وداتي على مصادقك
إن قلباً حللته عرض أنت
…
به جوهر على اطلاقك
كيف يرضى دون التملي بلقيا
…
ك محب إقالة من وثاقك
وقوله
امنح الطرف منك طلق العنان
…
لأجتلاء الورود في الأغصان
والثمن من اللثم باللحاظ منك خدوداً
…
صبغها من صنائع الرحمن
واغتنم طيب وصله فلعمري
…
إنه غرة بوجه الزمان
فانتهز فيه فرصة لأمانيك
…
وحسب الشجي نيل الأماني
حيث وجه الزمان طلق وريعان
…
التصابي اقباله متداني
وبحيث المنى يسرك منها
…
ما تدانت قطافه للبنان
واصطحب للندام كل مجيد
…
لقصار الفصول ذات المعاني
المعى حلو الحديث يجاريك
…
بما يشتهيه ذي تبيان
واصطفى للغناء كل طروب
…
ناعم الصوت متقن الألحان
يوسع السمع شدوه طرباً والقلب
…
شجواً بأنة الأشجان
وأغن يا صاح قبل فوتك واستج
…
ل عروساً بمطريات الأغاني
وأجتليها عذراء كأساً وكأساً
…
يتلألأ حبابها كالجمان
يتهادى بها اليك غرير
…
خنث اللحظ فاتر الأجفان
لين العطف يستبيك إذا ما
…
قام يختال مثل خوط البان
يشبه النور منه رونق وجه
…
وترى الخد منه كالأرجوان
واجتنى للمشام من يامن يانع الزهر
…
صنوفاً من روضك الفينان
وأطلق العود في المجامر والند
…
مان حي بماء ورد القناني
فلعمري هذا هو العيش فاغنم
…
فسوى الله كل شئ فاني
ومن المستجاد من شعره قوله
ومهفهف غض الأديم يرق ماء
…
الحسن في جسمانه الألماس
كدنا للطف صفاء خديه نرى
…
ما مر خلفهما من الأنفاس
ومن ذلك للسيد الأمين المحبي
ومقرطق ترف الأديم تخاله
…
كالغصن قد عبث النسيم بقده
ويكاد إن شرب المدامة أن ترى
…
ما مر منها تحت أحمر خده
ومن ذلك للفاضل عبد الباقي السمان الدمشقي أحد المدرسين بالقسطنطينية
ومهفهف لولا جفون عيونه
…
خلنا دم الوجنات من ألحاظه
وتكاد تقرأ من صفاء خدوده
…
ما مر خلف الخد من ألفاظه
ومن ذلك للأديب الشيخ صادق الخراط
أفديه ذا خد نقي لم تزل
…
منا العقول تتيه في مرآته
تكاد تنظر عذب ريقة ثغره
…
تنساب حول الدر من صفحاته
ومن ذلك للأديب عبد الحي الخال
ترف الأديم منعم الجسم الذي
…
سقاه ماء شبابه من وسمه
في كل عضو منه تنظر كل ما
…
أضمرت قبل وقوعه في وهمه
ومن ذلك قول الأديب الشيخ سعيد السمان
بأبي وبي ترف أغن مهفهف
…
وهب الغصون رفاهة من قده
فتكاد تبصر برد ريقته وما
…
ينساب منها في صحائف خده
وللمترجم
وذي لطف له شيم رطاب
…
حكتها من ربا نجد نسيم
تنكر بالتجافي قلت دعني
…
من التمويه ذالاً يستقيم
فقال أمنكر ذا أنت حتماً
…
فقلت نعم لما نقل النسيم
ومن ذلك قول الأديب السيد أسعد العبادي
وبي ترف صافي الأديم مهفهف
…
رأى الغصن يحكيه فأخجله قدا
وأوهم إن الورد يحكي خدوده
…
فأنبت ذاك الوهم في خده وردا
ومن ذلك قول الذهبي
ومحجب ساجي اللحاظ كأنه
…
معنى توهم في الخيال إذا سرى
وتكاد تقرأ في أسرة وجهه
…
وصقيل خد منه ما قد أضمرا
ومما رق وراق قوله في معنى آخر
رب ساق أتى بماء قراح
…
غب سقي المدام للندمان
قابل الخد منه بالكأس عمداً
…
إذ غدا الخد منه كالأرجوان
فاكتسى من شعاعه الكأس حسناً
…
لم نخله الا مدام الدنان
وله فيه أيضاً
يا بروحي ساق إذا ما أتانا
…
بقراح خلال حث المدام
لم نخل غير خمرة إذ شعاع
…
الخد قد مازج الأنا باحتكام
وكتب الأمين المحيي المذكور له يمدحه بقوله
كتمت هوائي لو يفيد التكتم
…
وكيف ودمع العين عنه يترجم
لك الله قلبي كم نقاسي لواعجاً
…
لها في الحشا نار من العشق تضرم
بليت بقاس لا يزال يذيقني
…
من الصد ما لم يلقه قبل مغرم
فسلمت قلبي طائعاً غير إنني
…
أؤخر رجلاً في الهوى وأقدم
وما كنت أدري إن للعشق فتنة
…
وإن اجتناب الشر للحر أسلم
فلما رأى وجدي عليه تغيرت
…
خلائقه ثم انثنى يتحكم
وصد وجاز إني على الصد بالقلا
…
وأعرض عني وهو بالحال يعلم
وبدل ميثاقي وأضحى مجانباً
…
يمر فيثنى عطفه لا يسلم
وأغدق دمعي وهو ماء ممنع
…
وحلل قتلي وهو أمر محرم
عفا الله عنه من بخيل بقربه
…
وسامحه من ظالم ليس يرحم
أقضي به عمري مع اليأس والمنى
…
ولي من عذولي كل وقت مهيم
أبيت أعاني الوجد ليلة لم أكن
…
بغير ثنا فرد الورى أترنم
عنيت النقيب السيد السند الذي
…
غدا مثل بسم الله فهو مقدم
وحيد له الأفضال طبع وشيمة
…
وفيه انتهى جود الورى والتكرم
إذا كان نور الشمس لازم جرمها
…
فطلعته الزهراء مجسم
وناديه روض بالفضائل من مزهر
…
لساني فيه البلبل المترنم
تعطر هبات النسيم خلاله
…
فليست بعرف غيرها تتنسم
ويفتر عن لآلآء بشركائه
…
مقبل شادي أليس إذ يتبسم
أمولاي أنت الناس يا فوق فوقهم
…
لأنك للطلاب رزق مقسم
هواك بقلبي ليس يبرح لحظة
…
به أبتدي الود الصحيح وأختم
ولي في علاك الباهر المجد في الورى
…
عقود كلام بالثناء تنظم
قواف إذا ما أنشدت بين أسرة
…
فقس لديها بالفصاحة أبكم
وما هي إلا الزاهرات فلو بدت
…
لقامت مقام الزهر والليل مظلم
تمنع بها من مادح ليس يرتجي
…
من الدهر شيئاً غير أنك تسلم
وحسبك شكري ما بقيت على المدا
…
وقلبي وأعضائي تصدق والفم
فكتب المترجم إليه مراجعاً بقصيدة مغيراً للوزن لا القافية
حسب المنى حيث الحوادث نوم
…
وحواسدي وعواذلي واللوم
وافتنى الحسناء في داجي ذوا
…
ئبها وللأشواق في مخيم
عذراء وافت وهي تخترق الضيا
…
من وجهها مذ لاح فيه تبسم
فتعطرت منها الربوع وفاض في
…
أنحائها منها السنا يتسنم
ولطالما راقبت من ولهي بها
…
طيفاً يلم بزورة تتنعم
ومن اغتذى ضرع الهوى هل عينه
…
يوماً بتهويم الكرى تتنعم
كلا إذا الأحشاء خامرها الهوى
…
قدماً فلا عجه بها متضرم
وافت فحق لها الهناء بها كما
…
الواشون حق لهم بذاك ترغم
فغدوت ذا طرب قرير العين سلك
…
الشمل بالأحباب لي متنظم
لأبدع إن أسلو إذاً وأجر ذيل
…
العجب تيهاً والهوى أتهكم
وأميد نشواناً بكأس حديثها
…
وثناء ناظم عقدها أترنم
لم لا أكن بثناه مترنماً
…
وهو الأمين وبالمنى المتكرم
الأريحي المكرمات ومن حوى
…
حسن الحلا فيها عدا يتوسم
رب الفصاحة والنباهة من غدا
…
وله من الفضل الجسيم تجسم
ما اللطف في النسمات إلا من كريم
…
خلاله وبعرفها يتنسم
تخذ التطول بالمكارم عادة
…
فكأنه كلف بذاك متيم
لا غروان ملأت محامده المسا
…
مع وأستلذ سماعها المترنم
يا فرع أبناء الكرام ومن لهم
…
في كل محمد رتبة وتقدم
بشراك ما أوتيت من أجر بما
…
عاينت من وصب عداك يميم
فتهن مأجوراً ومسروراً بعا
…
فية أتتك فلا عدتك تعمم
وعدتك أسقام عنتك وللعدى
…
العادين وافت بينهم تتقسم
وبقيت في ظل التهاني سالماً
…
والعيش مخضر لديك مخيم
واليكها قسية ألفاظها
…
كالدر في سلك الثناء تنظم
جادت بها منى قريحة موقن
…
بجمودها إذ جاء منك مهيم
فأعذر وكن بثنائها متمتعاً
…
حسب المنى حيث الحوادث نوم
فكتب إليه الأمين معتذراً عن مراجعته بقصيدة لعارض المرض بقوله
ليس فمي فيك يبلغ الشكرا
…
من بعد ما قد ملأته درا
بعثت لي بالحياة في كلم
…
يزيد في العمر لطفها عمرا
من كل لفظ في اللطف أحسبه
…
ينفث هاروت منه لي سحرا
لم تصطنع جبرك القلوب لمن
…
يدعوك إلا وتقتني أجرا
يا من هو الروض في خلائقه
…
يعبق من نسمة الندى نشرا
شوقي لتقبيل راحتيك لقد
…
جاوز حتى لم يبق لي صبرا
لكن عذري لديك متضح
…
فأقبل حماك الآله لي عذرا
فبعث إليه بهذه الأبيات
أيها الموسم المنى بشراً
…
دمت تستنطق النهى شكرا
ودام ثغر الوداد يبسم من
…
بشر محياك لافظاً درا
وحبذا منك ذا لا تمله
…
فهو لعمري ينافس السحرا
لقد منحت المحب منك بما
…
أثلج منه الفؤاد والصدرا
من كل لفظ في اللطف أحسبه
…
ينفث هاروت منه لي سحرا
فدم لنا روضة نسر بها
…
ومن رباها نستنشق العطرا
وفيك دامت لنا المنى أمم
…
إن نلتها كان لي بها البشرى
وكتب المترجم يستدعي السيد محمد أمين المذكور إلى منتزه
أنعم الله للجناب صباحه
…
وبإسعاده أراش جناحه
وحبانا حسب المنى بأعا
…
ليه وآداب فضله المستباحه
وأقر العيون منا بما من
…
غض آدابه أجاد اقتراحه
يا أمين الكمال وابن ذوي الف
…
ضل وخدن العلي ورب الفصاحه
لا عد منا الوفاء منك بأوفى
…
صدق عهد يجدي إلى نجاحه
فأجب داعياً إلى منزل الق
…
صف صباحاً لكي تنال رياحه
مسعداً حظه ببشر ولطف
…
بهما الصدر راح يلقي انشراحه
وابق سلماً خديمك السعد
…
ما أسعد خل إلى الخليل صباحه
فأجابه في طلبه الأمين مرتجلاً
أسعد الله من تكون صباحه
…
فمحياك للصباح صباحه
بأبي أنت رائشاً لجناحي
…
في زمان عدمت فيه نجاحه
كان قدما جواد حظي جموحاً
…
فلأنت الذي ألنت جماحه
قد أتتني أبياتك الغر تختال
…
وقد أوتيت جميع الملاحه
مبدعات لا يبرح الطرف عنها
…
فهي قيد النواظر اللماحه
كل لفظ منها كوسطى نظام
…
زين العقد منه جيد الفصاحة
قد دعتني إلى اقتسام عهود
…
أنا منها في غبطة وارتياحه
ألف سمع وطاعة ولك الأمر
…
الذي ما برحت أرجو نجاحه
وأبق وأسلم على المدا لمحب
…
لك يدعو غدوه ورواحه
وعزم يوماً على التنزه في حديقة أتخذها مألف نشاطه ومحل أنسه وانبساطه فكتب إلى الأمين أيضاً يستدعيه اليها مألف محل الألفة
نتفداك مستماح الوداد
…
ثابتاً في حفاظه كوداي
مستباح الجني وطلق المحيا
…
ذا جنان رحب وبشر بادي
يا كريماً خصاله تجذب الآما
…
ل طبعاً لفضله المستجاد
أثمد للعيون بشر محيا
…
ك فكن مفضلاً بذاك مهادي
وأجب مسعداً بلقياك داع
…
شفه الشوق فهو بالمرصاد
وأبق سلماً ممتعاً بأمانيك
…
على رغم معطس الحساد
ما تداعت إلى التداني أمان
…
من مشوق أشواقه في ازدياد
وللمترجم
ما لقلبي عن الغرام براح
…
إذ هوى من أحب زاد وراح
فعسى العاذل المفند يصغي
…
ليريح المشوق بل يرتاح
من تسليه ليس يرجي فإني
…
فيه يجدي من العذول اقتراح
والتسلي دون التملي لأمر
…
من عميد وما سواه جناح
كيف يرجي سلوه وهو جسم
…
والهوى الروح والحبيب النجاح
جل من الهم العظيم تسليه
…
وفيه إلى الرضاع ارتياح
ويح من كامن الهوى بين جنبيه
…
مقيم ومنه تندي الجراح
حيث دون المنى فياف وبيد
…
وهو يصبو وما لديه جناح
يا أخلاي إن وجدي لعذري
…
لجلي فخري به الافتضاح
وبه همتي لتنمو وتسمو
…
حيث صدري عراه منه انشراح
سائلي عن جلي وجدي وعما
…
فيه فخري ما كل وجد رباح
إنما الوجد ما حمدت به سيرك
…
فيه إذا أتاك الصباح
فالمحبون في المحبة شتى
…
كل قلب بما حوى نضاح
فمعنى بمغنطيس جمال
…
ومحب مرامه الأشباح
فحليف الهوى هواه هوان
…
وأخو الوجد وجده مصباح
جل من أشغل القلوب بما أو
…
دعها وهو بالمنى مناح
حسب ما شاء كل حزب اليهم
…
صاح مغري بشامة مقداح
الطرف بسكون الطاء العين لا يثنى ويجمع والطرف محركة الناحية جمعه الأطراف شفاء الغليل فأطراف بقصد الجمع للطرف العين مولد
كان من قلبه المحبة حلت
…
عنه ولت من الخصال الشحاح
وبدا روح أنسه لمحبيه
…
وبالروح تجذب الأرواح
إن من هام بالجمال سعيد
…
ونجاح غدوه والرواح
وقال رحمه الله تعالى
وذاكر شاقني منه تواجده
…
والليل داج فضل الرشد واجده
آثار من كل معمود كمين هوى
…
والوجد قد ظهرت فيه شواهده
يعطو بعاطل جيد أجيد طرباً
…
والذكر لا غرو يشجي فيه رائده
ما راح من لينه في الذكر منثنياً
…
إلا وطا من الإيقاع شاهده
وما التفات بدا منه يعاطفه
…
إلا وظن شروق الصبح جاهده
توسط الجمع يحكي العقد منتظماً
…
فكان وسطاه وانضمت فرائده
فكل صب ثوى في قلبه أمل
…
في حبه وانثنى كل يكابده
وعاد من كان يهواه يراقبه
…
طوراً وآونة يغشاه وارده
فجل من أودع الأشباح تبصرة
…
سر الجمال ليفني فيه عابده
وله أيضاً
حبذا طيب يومنا المشكور
…
بفنا السفح في ذرى المأطور
حيث سار النسيم يهدي لنا عر
…
ف الخزامي من نفحه المعطور
ولدينا جداول جعدتها
…
نسمات تبري أذى المخمور
وبحيث المنى لنا قد تدانت
…
فغدا يومنا مناط السرور
يالها خلسة بها سمح الدهر
…
فجاءت كنفثة المصدور
وقال
قابل الورد حيث حليت وانظر
…
ما يسر القلوب والأنظارا
وتسلى بحسن مرآه عن شبه
…
له إن له شممت انتظارا
على ينبيه عنك واشيه كي
…
يغضبه منك قاصداً اصرارا
فيوافيك عاجلاً غيرة منه
…
ويأبى المزار الاجهارا
يا بروحي من الحبيب طرازه
…
قد سباني من القوام اهتزازه
أنفداه من جميل محيا
…
زان يا صاح خده غمازه
أبرز العيد لي هلال محيا
…
هـ وعندي ما العيد إلا انيرازه
فاستباني بطلعة دونها البدر
…
بهاء وليس يخفي امتيازه
وحباني ببشره منجزاً لي
…
سبق وعد يا حبذا انجازه
وقال
إلى متى تحث كأس هوى
…
وتحتسي للجمال أكؤسه
ومنك لحظ يصيب من جسدي
…
من أسهم الفتك صاح أرؤسه
وكم يرجى انعطاف قلبك لي
…
مني فؤاد وأنت مؤنسه
الست طوع اليمين منك وقد
…
أذقتني من جفاك أبأسه
أعادة فيك ذاك أم ولع
…
أم ذا لأمر غدوت توجسه
ناشدتك الله هل لذا أمد
…
به زمان دنا تنفسه
وهل لمضناك عند ذا طمع
…
برحمة أم أراك تبلسه
رحماك فأكفف شبا جفاك فكم
…
يود منك ألوفاً تيأسه
فقد غدا فاقداً لراحته
…
وغاله ذا الجفا تأنسه
فجد بعطف له ونظرة إشفاق
…
تفدتك منه أنفسه
لعله يصح من خمار هوى
…
أنت حمياه بل وأكؤسه
وقال
ومألف للربيع جدد لي
…
هواي إذ زرته وجلاسي
أشجاره أينعت بخضرته
…
وبعض نور بقي على الرأس
فخلتها من زبرجد قبباً
…
قد رصعتها صغار الماس
وقال
وجنى ذي محيا
…
فيه أبدى الحسن جأشه
ما اجتلته العين إلا
…
ازداد حسناً وبشاشه
ذهبي اللون المى
…
الثغر يغري بي مراشه
إن رنا بالطرف يوماً
…
إلزم الصب اندهاشه
ما سوى ريقته الخمر
…
بها يروى عطاشه
ظبي أنس بابلي
…
الطرف مبول الوراشه
إن وفى يوماً لمقتو
…
ل الهوى أبدى انتعاشه
غصنه ما اهتز الا
…
ألزم الردف ارتعاشه
ويزين الخد منه
…
حجل أبدى رشاشه
قد أتاح الله مرعا
…
هـ من القلب الحشاشه
وحباه الحسن حتى
…
تخذ الفتك معاشه
واخش يا غر الهوى
…
واحذر بأن تبغي احتراشه
وله قوله هذه القصيدة ممتدحاً بها بعض الكرام
هواي عذري بربة الشنف
…
يا حبذا دلها على ضعفي
مصونة لا يرام منظرها
…
دون خيال يلم بالطرف
ما رمته إن يلم في سنة
…
إلا ألم السهاد في طرفي
إني لطرفي كري أراه غدا
…
ممنعاً في لحاظها الوطف
لهفي على نظرة أعللها
…
لعل أشفي بها من اللهف
ذات جمال تزدان من مرح
…
فتزدري بالقضيب والخشف
قوامها السمهري ما خطرت
…
إلا وفي الحسن جل عن وصف
كخنصر خصرها وخاتمه
…
منطقة تستوي على الردف
خضيبة الكف لثم راحتها
…
يغني مدير المدام عن رشف
إلا بروحي شهي مبسمها
…
فما بغير اللمى الشفا ألفي
كأنما ريقها المدامة يستشفي
…
بها من مدامها الصرف
فتانة باللحاظ جاد بها
…
داع اليها رغماً عن الأنف
فمذ فؤادي أجاب ممتثلاً
…
ولم أرى من سعى إلى الحتف
أيست إلا من البكاء لأستشفي
…
لدائي وذاك لا يشفي
أطعت صرف الهوى بها ولها
…
فمذ وعت ذا انثنت إلى العسف
قد كنت من قبل هجرها أنفاً
…
ذا عزة لا أراع من حتفي
فصار ذلي بها على رغم
…
ونال من الغرام بالعنف
فمطمعي في وصال غادرة
…
ما وعدها منجز سوى الخلف
تعلة بل وضلة وعنا
…
أنسب لا غرو فيه للسخف
أمطمع صاح بعد طود منا
…
أم مأمل بعد سيد كهف
هو الكريم الذي خلائقه
…
قد صاغها خيمه من اللطف
ألا ريحي الذكي سؤدده
…
إلا لمعي السخي بالعطف
من بشره في الجبين مؤتلق
…
متفق لطفه مع الظرف
مولى حوى الفضل والحجي فغدا
…
موحداً فيهما بلا خلف
مولاي يا من غدت مكارمه
…
تمنح راجيه بالذي يشفي
أتاك عبد مؤملاً فعسى
…
يعود حراً محسد الوصف
يود تكرار داخل فيه
…
يمتاز حكماً بذاك في الصف
وإن تكن رتبة مماثلة
…
فهي اعتبار به لدى العرف
فجد بتحقيق مأملي كرماً
…
فجود رحماك فوق ما يكفي
وحسن ظني بها على ثقة
…
حاشى بأني أجاب بالكف
فلا برحت الزمان طوع مني
…
منه على رغم ما رن الصرف
آمالنا من علاك مخصبة
…
يوكف جود لها على وكف
مكتسباً للثناء مغتنماً
…
خير دعاء متابع الذرف
وقال
بروحي من أفضت لسلبي خلائقه
…
وذو الحسن مثل الصبح بنبيك صادقه
إذا طال ليلي مثل الشوق وجهه
…
بدا فأخال الصبح أبراه فالقه
تمثل من نور جني يكاد من
…
لطافته يؤذيه باللحظ رامقه
يجرد من لحظيه إن كان رامقاً
…
لها روت سيفاً تستبينا بوارقه
يغنج بالتكحيل أجفان طرفه
…
وقد زرفنت بالعارضين شقائقه
وما قصده التحسين بالكحل إنما
…
لتحديد عضب لم يحد عنه عاشقه
فحاذر سهاماً فوقت عن حواجب
…
من اللحظ ريشت بالجفون رواشقه
وما فرعه المسود فوق جبينه
…
سوى لاحق والصبح لا شك سابقه
ومسكي خال فوق مخضر شارب
…
كشحرور روض شوقته حدائقه
وما السكر إلا من رضاب بثغره
…
إذا مزج الصهباء من فيه ذائقه
فما البدر إلا ما أظلت ذوائبه
…
وما الشمس إلا ما حوته بنائقه
إذا اهتز رمحاً أو تمايل بانة
…
وإن ماس تيهاً قلت قد جل خالقه
وقال
كانا ركوب والليالي منازل
…
وأيامنا خيل البريد بنا تجري
وآمالنا تزداد ما جد سيرنا
…
مطامعها ثم المصير إلى القبر
وقال
ألقت على وجهه شمس الضحى جسداً
…
شعاعها فغدا باليد مستترا
وذاك من غيرة إذ فاتها شنب
…
والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا
وللشيخ محمد سعيد الدمياطي اللقيمي
غريب حسن أدار الراح في يده
…
مذ أثرت لونها في خده أثرا
فخلته البدر يجلو الشمس في فلك
…
والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا
ولأبن نباتة مضمناً
وافى إلي وكأس الراح في يده
…
فخلت من لطفه إن النسيم سرى
لا تدرك الراح معنى من شمائله
…
والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا
ولبعضهم مضمناً
وفي الحبيب الذي أهواه من سفر
…
والشمس في وجهه قد أثرت أثرا
فقلت لا تعجبوا شمساً على قمر
…
والشمس لا ينبغي أن تدرك القمرا
وكانت وفاة المترجم في ليلة الثلاثاء مع الغروب رابع شهر رجب سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح في المقبرة الغربية ورثاه الأستاذ عبد الغني النابلسي بقوله
مالي أرى البارق النجدي ما ومضا
…
أشطت الدار أم ولى الفتى ومضى
من بيت حمزة نجم غاب تحت ثرى
…
وكان مرتفعاً ويلاه فانخفضا
يا طالما أشرقت منه منازله
…
فضاء من نوره في الخافقين فضا
عبد الكريم على الرب الكريم به
…
قد أقبل المرض المستوجب المرضا
وغض من فقده طرف الكمال حياً
…
والمجد قد شب في أحشاه جمر غضا
فيه الشهامة والطبع الأبي وقد
…
رماه سهم منون وافق الغرضا
وكان سيفاً مصوناً في غلاف علي
…
فاستله الآن مولاه العلي وقضا
إن لم نجد عوضاً عنه فإن لنا
…
في صنوه وابنه من بعده عوضا
وهاتف الغيب أضحى في مسامعنا
…
يقول أرخت أنسل النبي مضى
هم الأمان لأهل الأرض في خبر
…
عن النبي وهذا الحكم ما انتقضا
وكلما غربت شمس لهم طلعت
…
شمس فلاتك يا ابن الدهر معترضا
هو من قول القائل
نجوم علاء كلما غاب كوكب
…
بدا كوكب تأوى إليه كواكبه
نقول هذا نسلي فيه أنفسنا
…
عن حكم رب علينا بالفراق قضى
يا كوكباً في دمشق الشام زاد به
…
صدر الزمان انشراحاً كان فانقبضا
أوحشت أوج المعالي والمفاخر هل
…
أوفى بك الدهر من مولاك ما افترضا
إن غاب شخصك فالباقي به خلف
…
ومن يغب جوهراً إذ لم يغب عرضا
يا آل بيت النبي الحق إن بكم
…
فيما قضى الله تفويضاً له ورضا
والموت سنة كل الأنبياء غدا
…
وذا على كل حي بعدهم فرضا
ومينكم يا بني الزهراء حي هدى
…
إذا دعته مزايا جده انتهضا
عليه رحمة ربي دائماً وعلى
…
الأسلاف ما بسط الداعي وما قبضا
وما استهلت عيوث في الرياض وما
…
تفتح الزهر من جفن وما غمضا
عبد الكريم الأنصاري
عبد الكريم بن يوسف الأنصاري المدني الشيخ الفاضل الأديب البارع ولد بالمدينة سنة خمس وثمانين وألف ونشأ بها واشتغل بطلب العلم فأخذ عن والده وعن السيد محمد بن عبد الرسول البرزنجي والشيخ محمد الخليلي القدسي المشهور والشيخ مسعود المغربي والشيخ محمد الزرقاني شارح المواهب والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والجمال عبد الله بن سالم البصري وغيرهم من العلماء وصار أحد الخطباء بالحرم الشريف النبوي وكان يدرس بالروضة المطهرة حافظاً للوقائع والأخبار متكلماً لا يعيي وألف بعض رسائل في فنون العلم وله تحريرات لطيفة كان يكتبها على هوامش كتبه وكان عالماً عاملاً تعلوه سكينة العلم ووقار العمل وأبهة التقوى ذا شيبة نيرة ووجه وضئ وكانت وفاته بمكة المكرمة سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بالمعلى المعلاة وزان مرماة مقبرة مكة المكرمة حجون بتقديم الحاء على الجيم على وزن صبور رحمه الله تعالى وسيأتي ذكر ولده يوسف في محله إن شاء الله تعالى.
عبد الكافي الحلبي
عبد الكافي بن حسين بن عبد الكريم الشهير بابن حموده الحلبي الشافعي الشريف الفاضل الورع الكامل امام السادة الشافعية بأموي حلب ولد بها سنة ثمان ومائة وألف وقرأ القرآن العظيم على الشيخ أحمد الدمياطي وحفظه عليه وقرأ العلوم على الشيخ حسن السرميني والشيخ محمود الزمار والشيخ طه الجبريني والسيد محمد الكبيسي وأخذ الطريقة القادرية عن الشيخ صالح المواهبي وارتحل إلى مصر سنة تسع وثلاثين ومائة وألف وأخذ بها عن الشهاب أحمد الملوي والسيد علي الحنفي والبدر حسن المدابغي وحج في هذه الرحلة وعاد لبلده وأخذ بطرابلس عن الشمس محمد التدمري وفي دمشق عن العارف الشيخ عبد الغني النابلسي والشهاب أحمد بن عبد الكريم الغزي مفتي دمشق والعماد إسمعيل بن محمد العجلوني وغيرهم وكان له قدم راسخ في العبادات والمجاهدات والرياضات وبالجملة فهو
من الأفراد وتزوج وله ولد يدعى بمحمد أمين وكانت وفاته يوم السبت عند طلوع الشمس ثالث شهر رمضان سنة ست وثمانين ومائة وألف وصلى عليه بالمصلى الكائن خارج باب المقام بحلب ودفن هناك رحمه الله تعالى.
عبد الله باشا الجتجي
عبد الله باشا بن إبراهيم الشهير بالجتجي جته جي الحسيني الجرمكي نسبة إلى جرمك بلدة من أعمال ديار بكر ولد في بلدته المذكورة عام خمسة عشر بعد المائة وألف وجد في تحصيل العلوم وقطف من زهورها أحسن قطف وتقلبت به الأحوال إلى أن بلغ في مرامه الآمال واعتنى بتنميق الطروس بالقلم فكان في الخط المفرد العلم وحبى تواضعاً وبشاشة ومزبد وقار وأعمال بر خلصت إن شاء الله تعالى خلوص النضار ونفس أبية مرتاضه وعزيمة قوية نهاضه
يكاد من صحة العزيمة ما
…
يفعل قبل الفعال ينفعل
وسجايا تنجلي عنها الظلما وندى ينادي أيها الرائد سل عما
يستصغر القدر الكثير لرفده
…
ويظن دجلة ليس تكفي شاربا
مع تخل عن معتاد الولاة من معاملة النفس بالاسعاف والاسعاد وتحل في مأكله وملبسه وشأنه كله بالاقتصار والاقتصاد لا يرفع للأمور الدنيوية رأساً ولا يولي أعلامها المنشورة إلا طياً ونكساً وإنما ينافس في المعالي ويسهر في طلابها الليالي اجتاز بحلب قبل الوزارة وبعدها سنة سبعين لما ولي منصب طرابلس ثم ولي حلب سنة اثنين وسبعين ومائة وألف فنزل بالميدان الأخضر أو آخر المحرم من السنة المذكورة ثم ارتحل لجهة عين تاب وكلس ثم عاد ونزل داخل البلدة وكان الغلا قد عم حتى بيع المكوك قال المصحح المكوك على وزن تنور بتشديد الكاف المكوك والمد والكيلجه والمن والرطل والبطمان والدانق كلها في كتب اللغات والأوقيانوس مطبوع والصحاح والمصباح وفقه اللغة وكفاية المتحفظ أيضاً انتهى الحلبي من الحنطة بمائة وستين قرشاً وكثرت الموتى من الجوع فعزل من حلب وولي دمشق وحج سنتين وعزل من دمشق بسبب عزله شريف مكة الشريف مساعد ابن سعيد وتولية الشريف جعفر بن سعيد مكانه فلما قفل الحجيج من مكة عاد الشريف مساعد وأزاح أخاه عن الشرافة ووليها وعرض للدولة العلية بذلك فكان ذلك أقوى سبب في عزله وولي ديار بكر فنهض اليها فدخلها وهو متوعك المزاج إلى أن توفي بها في جمادي سنة أربع وسبعين ومائة وألف وفي أول سنة من إمرته أذهب الله على يديه مردة طائفة حرب وأفرد تلك الواقعة
بالتأليف للعلامة السيد جعفر البرزنجي وسماه النفح الفرجي في الفتح الجتجي وحصل وهو بدمشق سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف ليلة الثلاثاء ثامن ربيع الأول قبيل الفجر زلزلة واتصلت بالقدس وغزة وتلك النواحي وصيدا وصفد وجميع بلاد ساحل الشام وحمص وحماه وشيزر وحصن الأكراد وأنطاكية وحلب واتصلت في كل اسبوع مرتين وثلاثاً إلى ليلة الأثنين سادس ربيع الثاني من السنة المذكورة فزلزلت بعد الفراغ من صلاة العشاء الأخيرة تلك المحال المذكورة بأسرها واستقامت بدمشق ثلاث درج وخرب غالب دمشق وأنطاكيه وصيدا وقلعة البريج وحسية وانهدم الرواق الشمالي من مسجد بني أمية بدمشق وقبته العظمى والمنارة الشرقية وانهدم سوق باب البريد وغالب دور دمشق ومساجدها ولم تزل الزلازل متصلة إلى انتهاء السنة المذكورة وأعقب ذلك بدمشق قبل انتهاء السنة الطاعون الشديد وعم قراها وما والاها وحصل لغالب مساجدها التعمير من وصايا الأموات وعمر جامع دمشق والقلعة والتكية السليمانية بأموال صرفت من كيس الدولة العلية العثمانية.
عبد الله البري
عبد الله بن إبراهيم البري المدني الحنفي الشيخ الفاضل الخطيب المصفع ولد بالمدينة المنورة في سنة ثلاث وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فقرأ على جملة من الشيوخ منهم والده ويوسف أفندي الشرواني والجمال عبد الله ابن سالم البصري والشيخ محمد أبو الطاهر بن إبراهيم الكوراني والشيخ أبو الطيب السندي ونبل وفضل وكتب كتباً كثيرة بخطه منها حاشية شيخه الشيخ أبي الطيب السندي على الدر المختار وشرح التسهيل لأبن عقيل والفتاوي الغيائية وغيرها وصار أحد الخطباء بالحرم الشريف النبوي فكان لا يطلق الخطيب بوقته إلا عليه وكان شهماً فاضلاً بارعاً متفوقاً ولم يزل على أكمل حاله إلى أن مات وكانت وفاته سنة خمس وسبعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عبد الله الشرابي
عبد الله بن أحمد المعروف بالشرابي الشافعي النابلسي الشيخ العالم الفاضل الفقيه المفرد الامام النحرير المحقق الشهير الصافي المشرب الودود الصالح ولد قبل المائة بأعوام وقرأ القرآن وجوده على والده وقرأ على الشيخ عبد الحق ابن أبي بكر الأخرمي ورحل إلى مصر وجاور وجد واجتهد وتضلع من الفقه والتفسير والحديث وعاد وتولى الافتاء والتدريس وتصدر للافادة وانتفع به وعليه كثير من الطلبة
وأخذ الطريقة الشاذلية عن الأستاذ المزطاري المغربي وجد في التهجد بأوراد سيدي الشيخ أبي الحسن الشاذلي والصلاة المشيشية واستجاز من الأستاذ الشيخ مصطفى الصديقي الدمشقي بها وكتب شرحه عليها وكانت وفاته في رمضان سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الله الجعفري
عبد الله بن السيد أحمد المعروف كأسلافه بالحنبلي والجعفري النابلسي السيد الفاضل الأديب الفرضي الكامل نقيب الأشراف بنابلس أخذ العلم عن أفاضل كرام وكان له قدم راسخ في العبادة واجتهاد في الافادة وكانت وفاته في أواخر سنة عشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الله الأسكداري
عبد الله بن أسعد الأسكداري الأصل المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم العامل الأوحد المفنن البارع ولد بالمدينة المنورة سنة خمس وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ عن جملة من أفاضلها منهم والده السيد أسعد والشهاب أحمد المدرس والشيخ سليمان بن أحمد الأشبولي الذي يروى عن الشيخ علي الشبراملسي والبرهان إبراهيم اللقاني والشيخ عبد الرحمن اليمني والشهاب أحمد السبكي والنور علي الأجهوري بأسانيدهم المعلومة وتولى صاحب الترجمة افتاء المدينة المنورة بعد أخيه السيد محمد ونيابة القضاء وكان فاضلاً عالماً ذا جاه ووجاهة وصلاح توفي بالمدينة المنورة شهيداً بالبطن وعقب وصوله من الحج والحجاج إذ ذاك بالمدينة سنة أربع وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين آمين.
عبد الله الفراري
عبد الله بن حسن باشا الشهير بالفراري معناها الهارب الحنفي الشريف كان في دولة المرحوم السلطان محمود ابن السلطان مصطفى خان الثاني أمير أخور ثم ولي جزيرة قبرس بالوزارة ثم ولي آيدين ومنها دعي للختام فدخل اسلامبول مختفياً إلى دار السلطنة ودخل للعرض وفوض له المرحوم السلطان محمود الوكالة المطلقة إذ ذاك ثم عزل منها وولي مصر القاهرة ثم عزل عنها وولي حلب ودخلها سنة ثم ولي أورفة ثم عاد إلى حلب سنة ثم ولي ديار بكر وكان بها الغلا وعم تلك الديار بل سرى في جميع البلاد حتى بيع الشنبل من البر الحلبي بأحد عشر قرشاً وأما نواحي ديار بكر وأورفة وماردين فإنهم أكلوا الميتة بل أكل بعض الناس بعضهم
وثبت ذلك لدى الحكام واشتد عليه وعلى أتباعه الخطب واستولى عليهم المرض ففرج الله عنه وعنهم بالعزل منها وولي حلب ثالثاً ودخلها مسروراً في رجب سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف وكان رحمه الله سخياً حسن المعاشرة ذا معرفة واطلاع على كلام القوم واستقام بحلب إلى أن توفي يوم السبت في الساعة الرابعة من النهار سنة أربع وسبعين ومائة وألف ذاكراً كلمة الشهادة جاهراً بها ودفن بتكية الشيخ أبي بكر رحمه الله تعالى.
عبد الله يدي قله لي
عبد الله بن حسن المعروف بيدي قلي الرومي السيد الشريف الكاتب المشهور بحسن الخط البارع الماهر أخذ الخط وأنواعه من الأستاذ حافظ عثمان وأجازه بالمكتبة المعروفة عند أرباب الخطوط وصارت الناس تتنافس بخطوطه وأخذتها وأقبلت عليه بسبب ذلك واتخذه السلطان أحمد خان الثالث معلماً للخط في دار السعادة السلطانية وكان حليماً وقوراً محترماً عند السلطان المذكور والرؤساء وأرباب الدولة وغيرهم وكتب عدة مصاحف شريفة بخطه الحسن وغيرها وتوفي بقسطنطينية سنة أربع وأربعين ومائة وألف وجاء تاريخ وفاته توفني مسلماً وألحقني بالصالحين ويدي قلي نسبة إلى يدي قله.
مصحح ديركه قله ضم قاف وتشديد لام ايله أو لوب مؤرخ استانبولده يدي قله لي عبد اللهي يدي قله يه نسبتده يدي قلي يازمغله بوراده عربلرك يدي قلي ديديكني تعريف أيده يوركه مرامي بدي قلي تشديد لام ايله أوقونسون ديمكدر لكن تركجه ده تشديد لامه بدل برواو علاوه سيله يدي قوله لي صو قوله لي ديرلر انتهى.
عبد الله السويدي
عبد الله بن الحسين بن مرعي بن ناصر الدين البغدادي الشافعي الشهير بالسويدي الشيخ الامام العالم العلامة الحبر البحر المدقق الأديب الشاعر المفنن أبو البركات جمال الدين ولد بمحلة الكرخ في الجانب الغربي من بغداد سنة أربع ومائة وألف وتوفي والده وعمره ست سنوات فكفله عمه لأمه الشيخ أحمد سويد وأقرأه القرآن وعلمه صنعة الكتابة وشيئاً من الفقه والنحو والتصوف وأجازه بما يجوز له وهو أخذ عن مشايخ عدة كالشيخ محمد ابن إسمعيل البقري القاهري وآلي أفندي الرومي القسطنطيني صاحب الثبت المشهور في الروم وأخذ أيضاً صاحب الترجمة العربية عن الشيخ حسين بن نوح المعمر الحنفي البغدادي وعن الشيخ سلطان بن ناصر
الجبوري الشافعي الخابوري ثم ارتحل للموصل فقرأ على علمائها وأتم المادة في المعقول والمنقول كالشيخ يس أفندي الحنفي وفتح الله أفندي الحنفي ثم رجع إلى بلده بغداد مكملاً للعلوم العقلية والنقلية وتصدر للتدريس والافادة في داره وفي حضرة مزار الامام أبي حنيفة النعمان وفي حضرة مقام الكامل الشيخ عبد القادر الجيلاني وفي المدرسة المرجانية وانتفعت به الطلبة علماً وعملاً واستمر عازباً عاكفاً على الافادة وقرأ في الفقه والأصول جانباً كبيراً على الشيخ محمد الرحبي مفتي الشافعية ببغداد وأجاز له مكاتبة الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وأخذ في بغداد مشافهة عن الشهاب أحمد بن محمد عقيلة المكي وذلك حين قدم بغداد زائراً سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف والشيخ محمد ابن الطيب المدني قال المصحح محمد ابن الطيب هو محشي القاموس واستاذ الزبيدي شارح القاموس انتهى والعارف مصطفى بن كمال الدين البكري حين ورودهما لبغداد أيضاً للزيارة وحج سنة سبع وخمسين ومائة وألف ذاهباً من بغداد إلى الموصل ومنها إلى حلب ومنها إلى دمشق وأقرأ في حلب دروساً عامة وخاصة وأخذ عنه بها خلق كثيرون منهم الشيخ محمد العقاد الشافعي وأقرأ بدمشق أيضاً وأقبل عليه الطلبة لتلقي العلوم وأخذ عنه بها جماعة وأقرأ بالمدينة المنورة في الروضة المطهرة أطراف الكتب الستة وحضره الأئمة الأفاضل منهم العماد إسمعيل بن محمد العجلوني وأضرابه وأخذ في ذهابه وإيابه عن مشايخ أجلاء وأخذوا عنه ففي حلب عن الشيخ عبد الكريم بن أحمد الشراياتي والشريف محمد بن إبراهيم الطرابلسي الحنفي مفتي حلب ونقيبها والشيخ طه بن مهنا الجبريتي والشيخ محمد الزمار والشيخ علي الدباغ والشيخ محمد المواهبي الشافعي وبدمشق عن العماد إسمعيل العجلوني الجراحي والشهاب أحمد بن علي المنيني وصالح بن إبراهيم الجينيني والشيخ عبد الغني الصيداوي اجتمع به في دمشق وبمكة المشرفة عن الشيخ عمر السقاف سبط عبد الله بن سالم البصري وعن سالم بن عبد الله بن سالم البصري ثم رجع إلى بغداد وألف المؤلفات النافعة كشرح دلائل الخيرات المسمى بأنفع الوسائل في شرح الدلائل وحاشية على المغنى جعلها محاكمة بين شارحيه كالدماميني والشمني وابن الملا والماتن وألف متناً في الاستعارت جمع فيه فأوعى وسماها الجمانات وشرحه شرحاً حافلاً والمقامة المعروفة ضمنها الأمثال السائرة وقرظ له عليها أعيان علماء كل بلد وديوان شعر ولما رحل إلى مكة ألف لذلك رحلة سماها بالنفحة المسكية في الرحلة المكية وغير ذلك من الفوائد وفي سنة ست وخمسين ومائة وألف طلب إلى معسكر طهماز للمناظرة وقصتها مشهورة مدونة وله شعر لطيف منه قوله في مليح صائغ.
وشادن صائغ هام الفؤاد به
…
وحبه في سويدا القلب قد رسخا
يا ليتني كنت منفاخاً على فمه
…
حتى أقبل فاه كلما نفخا
وقوله مضمناً البيت الأخير
إلى كم أنا أبدي هواكم وأكتم
…
ونار الأسى بين الجوانح تضرم
كتمت الهوى حتى أضر بي الهوى
…
ولا أحد يدريه والله يعلم
لسان مقالي بالشكاية قاصر
…
ولكن طرفي عن هواك يترجم
فيا ليت شعري هل علمت صبابتي
…
فتبدي صدوداً أو ترق فترحم
وقال مداعباً لصاحبه السيد حسن وذلك إنه أهدى له في يوم واحد ثلاث هدايا وكان له حبيب اسمه عطيه فقال
يا فاضلاً لا يجاريفي البحث بين البريةوسيداً ذا أياد
بالشكر مني حريهغمرتني بالعطاياوكان حسبي عطيه
وكانت وفاته ضحوة يوم السبت حادي عشري شوال سنة أربع وسبعين ومائة وألف ودفن جوار سيدي معروف الكرخي رضي الله عنه.
عبد الله العجلوني
عبد الله بن زين الدين العمري الحنفي العجلوني نزيل دمشق قدم دمشق واستوطنها وكان سيبويه زمانه وفريد وقته وأوانه عالماً فاضلاً نحريراً مشهوراً قطن في مدرسة القجماسية ودرس بها وأفاد وانتفع به خلق كثير وكان آية الله الكبرى في النحو وبالجملة ففضله شاع واشتهر وكانت وفاته بدمشق في ثالث عشر شوال سنة اثنتي عشرة ومائة وألف ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من سيدي بلال الحبشي رضي الله عنه.
عبد الله البصروي
عبد الله بن زين الدين بن أحمد الشهير بالبصروي الشافعي الدمشقي الشيخ العلامة الامام اللوذعي الفاضل الكامل ادريسي العصر وفرضي الدهر واخباري الزمان واثري الأوان وإن كان محققاً أوحداً خبارياً فقيهاً مؤرخاً له في كل علم باع وفي كل فن اطلاع لا سيما الفرائض فإنه انفرد بها في وقته وأما غيرها من العلوم فإنه كان ممن لم يسمح الزمان بمثاله وكان أحد الشيوخ الذين تباهت بهم دمشق زهواً واعجاباً وازدهت معالمها بهم وله يد طائلة في أسماء الرجال والوفيات والمواليد وغير ذلك بحيث لا يشذ
عن خاطره شيء من ذلك القديم والحادث مع معرفة أحوالهم وكيفياتهم وكان قوالاً بالحق يصدع الكبير والصغير ولا يبالي شديداً جسوراً صلباً قدوة ولد بقسطنطينية دار الخلافة في سنة سبع وتسعين وألف وربي يتيماً لكون والده توفي وهو صغير كما قدمنا ذلك في ترجمته وقرأ على جماعة بدمشق وغالب مشايخه الشيخ أحمد المنيني وأعظم قراءته على العلامة الشيخ عبد الرحمن المجلد وقرأ وأخذ عن الشيخ علي المنصوري المصري نزيل قسطنطينية وشيخ القراء بها والشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والشيخ أبي المواهب الحنبلي والشيخ محمد الحبال والشيخ عبد الجليل المواهبي والشيخ محمد الكاملي وعبد الغني بن إسمعيل النابلسي والشيخ يونس بن أحمد المصري وعبد الله بن سالم البصري والشيخ عبد القادر التغلبي قال تغلب بفتح التاء وكسر اللام وتغلبي بفتح اللام فتحوها في النسبة انتهى والشيخ أحمد النخلي المكي وتخرج عليه جماعة من الفضلاء وزمرة من النبلاء وأقرأ دروساً عامة وخاصة وفي أول أمره كان يقرئ حذاء باب المنارة الشرقية في الجامع الأموي ثم انتقل آخر عمره إلى حجرته في الباذرائية وإلى داره في ظاهر دمشق بالمحلة الموسومة بطالع القبة من الباب الشرقي وكانت الطلبة يهرعوت إليه في المحلين وكان عنده كتب كثيرة معتبرة جعلها للعارية لا يمسكها عن مستفيد ولكن كان فيه شائبة تعصب لمذهبه واعتراضات على مذهب غيره وكان يقرئ نهار الأثنين بعد الظهر حذاء مرقد سيدي يحيى عليه السلام صحيح مسلم وشرح منه جملة وله ترجمة للحافظ ابن حجر العسقلاني في مجلد وألف تاريخاً لأبناء العصر وأخفته ورثته بعد وفاته ولم يبن له أثر وداوم على اقراء العلوم والمطالعة آناء الليل وأطراف النهار وكان الناس يقصدونه في عمل المناسخات والفتاوي والواقعات ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكانت وفاته في رجب سنة سبعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه عن خمسة أولاد ذكور مات منهم أربعة في طاعون سنة أربع وسبعين ومائة وألف والخامس توفي في سنة ست وثمانين ومائة وألف وتفرقت كتبه أيدي سبا وضربتها يد الدهر رحمهم الله تعالى قال المصحح وللدهر عادة في تفريق الكتب وحبسها بيد الجهال وقد جرى ما جرى في دخول هلاكو خان إلى بغداد وتفصيله في التواريخ وأحيا سنته من جاء بعده فإلى الله المشتكي انتهى.
عبد الله الحلمي
عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المنان الحلمي الحنفي الاسلامبولي الفاضل المحدث المفسر رئيس القراء ولد سنة ست وستين وألف أخذ أولاً عن أبيه ثم عن
قره خليل ثم عن سليمان الواعظ وأخذ الطريق عن الياس السامري وأخذ عن كثيرين واجتمع بالسلطان أحمد وبعده بالسلطان محمود وأكرماه وعرفا قدره على ما ينبغي حتى جعله السلطان محمود مدرس دار الكتب التي بناها داخل السراي العامرة وبقي مدرساً بها إلى أن مات وله مؤلفات كثيرة منها شرح على صحيح البخاري وحاشية علي البيضاوي ومسلم لم يتمهما ورسائل لا تحصى في مواد مشكلة وله شعر بالألسن الثلاث وكانت وفاته في ذي الحجة سنة سبع وستين ومائة وألف ودفن عند والده خارج طوب قبو.
عبد الله بن طرفة
عبد الله بن طرفة المكي الشافعي الفقيه المحدث المفسر النحرير أبو محمد جمال الدين ولد بمكة ونشأ بها وطلب العلم وجد واجتهد وأخذ عن شيوخ أجلاء منهم الشيخ عيسى الجعفري والشيخ محمد بن سليمان والشيخ محمد الشرنبلالي وغيرهم وكان فاضلاً نبيهاً متفنناً في العلوم تصدر للتدريس بالحرم الشريف وانتفع الناس به ثم انقطع في آخر عمره للعبادة في بيته فلا تراه إلا راكعاً أو ساجداً أو تالياً ليلاً ونهاراً إلى أن توفي وترجمه الشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي في تاريخه المسمى لسان الزمان في أخبار سيد العربان وأخبار أمته خير الأنس والجان وهو مرتب على السنين وصل فيه إلى سنة ألف ومائة وثلاث وعشرين وأثنى على الترجمة ثناء حسناً وذكر له فضائل جمة وإن وفاته كانت في سنة عشرين ومائة وألف وصلى عليه بالمسجد الحرام بجمع حافل بالناس ودفن بالمعلا رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
عبد الله العلمي
عبد الله بن عبد الرحمن العلمي القدسي كان حسن الخلق على نهج السادة الصوفية سالكاً طريق جده القطب العلمي ملازماً للأوراد والصلوات معتنياً بالخلوات رافلاً في حلل العبودية في الجلوات ولم يزل على هذه الحالة الحسنة إلى أن مات وكانت وفاته في سنة احدى وثمانين ومائة وألف وعمره ثمانون سنة أو نحوها ودفن بمقبرة مأمن الله رحمه الله تعالى.
عبد الله الجوهري
عبد الله بن عبد الغفور المعروف بالجوهري وتقدم ذكر والده الشافعي النابلسي الشيخ الفقيه النحوي الفرضي الصوفي قرأ القرآن على عمه الشيخ عبد المنان
وتفقه على والده وأخذ طريق الشاذلية عن الأستاذ المزطاري المغربي حين أجاز والده قال عند ذكر اجازة والده وأجزت ولده عبد الله بما آجزت والده به حيث توسمت نجابته الزائدة ومن آثار المترجم حاشية على شرح الأجرومية للشيخ خالد في النحو ورسائل في التصوف وكانت وفاته في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الله القدسي
عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد القادر القدسي شيخ الحرم الشريف بها السيد الشريف العالم الفاضل الصالح كان معروفاً بالعلم والعمل تاركاً للدنيا زاهداً فيها بالكلية عاكفاً على الطاعة والعبادة له باع طويل في علم الدين وفي علم الفلك ولد بالقدس في سنة ثمان وخمسين وألف ونشأ في حجر والده نشئ الصالحين ودأب في طلب العلم وتلقيه ولم يتول نقابة الأشراف وكان والده نقيباً على الأشراف في القدس وكان صاحب همة عالية وغيرة مع خلق حسن محباً للفقراء والضيفان وتولى بعد أبيه مشيخة الحرم القدسي وله ثمانية أخوة كلهم أماجد وأعيان تقسموا وظائف والدهم من خدمات الأنبياء وفراشة السلطان وغير ذلك وكان ممدوحاً مشهوراً وتوفي في عاشر جمادي الأولى سنة سبع ومائة وألف ورثاه ولده المترجم بهذه القصيدة ومطلعها
يا عين سحي دماء واندبي سنداً
…
كنز الوجود وبحر الخير والرشدا
عبد اللطيف الذي شاعت مكارمه
…
حتى تناشدها الأصحاب ثم عدا
الهاشمي الحسيني سيد بطل
…
من كان بالحلم فينا ملجأ سندا
من كان يبدي السخايا صاح من قدم
…
وكفه بالعطا والجود ما نفدا
مصادقاً للورى ما قط خانهم
…
ولم يزل صادقاً بالقول معتمدا
لله ما كان أحلى طيب مجلسه
…
أيام دهر مضت في عيشه رغدا
قد فاق للناس طراً في محاسنه
…
وساد في الناس فجراً زائداً وندا
وكم مكارم أخلاق حباه بها
…
مولاي جل تعالى حاكماً مدا
تفكروا يا أولي الألباب واعتبروا
…
واندبوا جمعكم هذا الذي فقدا
وللمترجم غير ذلك من الشعر وكانت وفاته في سنة اثنين وعشرين ومائة وألف وأخوه السيد حسن كان لطيفاً كاملاً رشيداً فصيح اللسان وتوفي في سنة احدى وثلاثين ومائة وألف وسيأتي ذكر ابن عم المترجم السيد محب الدين وقريبه السيد يونس في محلهما رحمهم الله تعالى.
عبد الله الجركسي
عبد الله بن عبد الله الجركسي تقدم ذكر ولده درويش نزيل دمشق ورئيس جند أوجاق اليكجرية اليرلية وآغتهم أحد الأعيان من الجند الأكابر المشاهير كان شهماً شجاعاً بطلاً جسوراً مقداماً صاحب هيبة وأبهة ودولة وصولة ووجاهة صالحاً تقياً عاقلاً صدراً رئيساً مهاباً معتبراً له الرأي الرزين والعقل الوافر هو في الأصل كان رقيقاً إلى الوزير بوزقلي مصطفى باشا أحد وزراء السلطان محمد خان بن إبراهيم خان ثم لما رأى عليه بارقة الرشد لائحه وسمت الفلاح والنجابة واضحة أو هبة للسلطان محمد المذكور فدخل السراي السلطانية العثمانية وخدم بها واستقام وتنقل في خدمها وكان مقبولاً عند السلطان المذكور محبوباً لديه ثم في سنة ثلاث عشرة ومائة وألف طلع من السراي على عادتهم وكطريقتهم بعد وفاة السلطان محمد المذكور بمنصب أغوية أوجاق اليرلية اليكجرية بدمشق مع قرية معلولة النصارى وقرية قبر الياس الكائنة في ناحية البقاع وقرية رفيد وقرية عيتا انعاماً من السلطان مصطفى بن السلطان محمد المذكور وقدم دمشق وتملك بها داره الكائنة في محلة العقيبة تجاه جامع التوبة ورأس بدمشق واشتهر وأعطاه الله القبول والسمو وبلغ الرتبة السامية من العلياء ولم يزل عليه المنصب المذكور إلى أن مات وعزل في المدة المذبورة مرتين الأولى في سنة خمس عشرة بعد المائة قاموا عليه رعاع الوجاق وعزلوه لأمور كانت والثانية بعدها ولم يزل محترماً محتشماً حتى مات وهو جد والدتي لأن والدتها ابنته وكانت وفاته بمنزلة رابغ والحرمين وكان حاجاً في تلك السنة في الحجة أربعين ومائة وألف ودفن بالمنزلة زبور رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عبد الله البشمقجي
عبد الله بن عبد الله الحنفي البشمقجي القسطنطيني شيخ الاسلام وصدر البلاد الرومية المولى العالم الفاضل الصدر الرئيس المحتشم صارت له المشيخة سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وعزل سنة أربع وأربعين وتوفي مسموماً في بلدة قوية سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى.
عبد الله الخليفتي
عبد الله بن عبد الكريم الخليفتي العباسي المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم
أبو محمد جمال الدين ولد بالمدينة سنة أربع وتسعين وألف ونشأ بها وأخذ في طلب العلم فقرأ على أبيه وعلى الشهاب أحمد أفندي المدرس وغيرهما وولي افتاء المدينة المنورة وصار شيخاً على الخطباء والأئمة بالمسجد الشريف النبوي ونسخ نسخة من الدر المختار وصححها وله شعر ومنه ما كتبه على مجموعة له
جزى الله خيراً كل من كان ناظراً
…
لمجموعتي هذي بستر القبائح
وأصلح ما فيها من العيب كله
…
فهذا الذي أرجوه من كل ناصح
وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته بالمدينة المنورة ليلة النصف من شعبان سنة أربع وخمسين ومائة وألف.
السيد عبد الله الحدادي
السيد عبد الله بن علوي بن أحمد المهاجرين بن عيسى بن محمد بن علي العريضي ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن السبط الامام الحسين ابن الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن البتول فاطمة بنت الرسول محمد الأمين صلى الله عليه وسلم الشهير كسلفه بالحداد الفائق على الأمثال والأنداد. الذي شيد ربوع الفضل وشاد. التريمي اليمني الشافعي ولد رضي الله عنه ليلة الأثنين خامس صفر سنة أربع وأربعين وألف بمدينة تريم مسكن السادة الأشراف آل باعلوي الحسينيين وأرخ مولده بعض الصالحين بقوله ولد بتريم أمام كريم. وحفظ القرآن العظيم واشتغل بتحصيل العلوم وصحب أكابر العلماء وأخذ عنهم وكف بصره وهو صغير وتفقه على جماعة منهم القاضي سهل بن أحمد بأحسن وحفظ الارشاد وعرضه عليه مع غيره ومنحه الله تعالى حفظاً يسحر الألباب وفهماً يأتي بالعجب العجاب وفكراً يستفتح ما أغلق من الأبواب ولازم الجد والاجتهاد في العبادات وأضاف إلى العلم العمل. وشب في ذلك واكتهل. ورحل إلى الحرمين الشريفين سنة ألف وتسع وسبعين وكان له اعتناء بزيارة القبور كثير الرحلة مبادراً إلى أماكن القرب وألف مؤلفات عديدة منها رسالة المعاونة والموازرة للراغبين في طريق الآخرة واتحاف السائل. بأجوبة المسائل. وهو جواب أسئلة سأله عنها الشيخ عبد الرحمن ابن عبد الله بأعباد وختمه بخاتمة تتضمن شرح أبيات الشيخ عبد الله ابن أبي بكير العيدروس التي أولها هبت نسيم المواصلة بلا اتصال ولا انفصال والقسم الثالث في الكلام المنثور قال الملتقط وهذا الكتاب انما هو قسم من كتابه الجامع له وللمكاتبات والوصايا والكلام المنظوم إلا أن السيد أذن في تفريقها لمن أراده انتهى ومنه قوله الخلق مع الحق لا يخلو أحد منهم
من أن يكون في أحد الدائرتين أما دائرة الرحمة أو دائرة الحكمة فمن كان اليوم في دائرة الرحمة كان غدا في دائرة الفضل ومن كان اليوم في دائرة الحكمة كان غداً في دائرة العدل ما ترك من الكمال شيئاً من أقام بنفسه لربه مقام عبده من نفسه النائم يوقظ والغافل يذكر ومن لم يجد فيه التذكير ولا التنبيه فهو ميت انما تنفع الموعظة من أقبل عليها بقلبه وما يتذكر إلا من ينيب كيف يكون من المؤمنين من يرضي المخلوقين بسخط رب العالمين وهو نحو كراس قال الملتقط وقد زاد عليه كثيراً وهو إلى الآن إذا حدث شيء زاده فيه انتهى وله وصايا نافعة في طريق القوم مشهورة وله ديوان عظيم المقدار ومن نظمه القصيدة التي خمسها صاحبنا الشيخ حسين بن محمد بأفضل التي مطلعها
يا زائري حين لا واش من البشر
…
والليل يحضر في برد من السحر
فقلت يا غاية الآمال ما سبقت
…
منك المواعيد في التقريب بالخبر
ولو بعثت خيالاً منك تأمرني
…
بالسعي نحوك لأستبشرت بالظفر
فكيف إن جئت يا سؤلي ويا أملي
…
فالحمد لله ذا فوز بلا خطر
ما كنت أحسب إني منك مقترب
…
لما لدي من الأوزار يا وزري
حتى دنوت وصار الوصل يجمعنا
…
والسر منك ومني غير مستتر
عن الكثيب من الوادي سقاه حياً
…
من الغمام مدى الأصال والبكر
وله قصيدة تائية على وزن قصيدة ابن الفارض أولها
بعثت لجيران العقيق تحيتي
…
وأودعتها ريح الصباحين هبت
سحيراً وقد مرت علي فحركت
…
فؤادي كتحريك الغصون الرطيبة
وأهدت لروحي نفحة عنبرية
…
من الحي فاشتاقت لقرب الأحبة
وهي طويلة وله شعر كثير وله كرامات كثيرة منها أن أحد تلامذته وهو الشيخ حسين بن محمد بأفضل كان مع صاحب الترجمة حين حج واتفق إنه لما وصل إلى المدينة مرض مرضاً أشرف فيه على الموت وكشف السيد المترجم إن حياة الشيخ حسين قد انقضت فجمع جماعة من أصحابه واستوهب من كل واحد منهم شيئاً من عمره فأول من وهبه السيد عمر أمين فقال وهبته من عمري ثمانية عشر يوماً فسئل عن ذلك فقال مدة السفر من طيبة إلى مكة اثنا عشر يوماً وستة أيام للاقامة بها ولأنها عدة اسمه تعالى حي ووهبه الآخرون شيئاً من أعمارهم وكذلك صاحب الترجمة وهب له من عمره فجمع ذلك وكتبه في ورقة وتوجه به إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسأله الشفاعة في ذلك وحصل له أمر عظيم ثم انصرف وهو مشروح الصدر قائلاً
قد قضى الله الحاجة واستجاب يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب فشفى الشيخ حسين من ذلك المرض وعاش تلك المدة الموهوبة له حتى إن السيد المترجم أشار وهو بتريم إلى أن الشيخ حسين يموت في هذا العام فمات كذلك في مكة المشرفة وكراماته كثيرة لكنه كان شديد الكراهة لأظهارها بل كان ينكر وقوعها منه كثيراً حتى إن بعض أصحابه سنة ثمان ومائة وألف أظهر له مصنفاً في أحواله وفيه شيء من كراماته فشدد عليه النكير وأمره أن يغسله وله أيضاً من المؤلفات كتاب النصائح الدينية والوصايا الايمانية ورسالة المزيد ورسالة المذاكرة وفتاوي والفصول العلمية وغير ذلك وقد أفرد بالترجمة وكانت وفاته ليلة الثلاثاء لسبع خلون من ذي القعدة سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف.
عبد الله الطرابلسي
عبد الله بن عمر بن محمد المعروف بالأفيوني الحنفي الطرابلسي نزيل دمشق أحد الأفاضل المجيدين الماهرين البارعين كان أديباً شاعراً له سرعة تحرير في الكتابة مع خط باهر بحيث كان عديم المثيل في سرعته وبداهته ولد بطرابلس الشام وبها نشأ وارتحل مع والده إلى مصر وكان والده من الأفاضل الفقهاء وقدم ولده هذا إلى دمشق واستوطنها في المدرسة الباذرائية مدة سنتين ثم ارتحل إلى حلب وذلك في سنة ثمان وأربعين ومائة وألف واستقام بها سنتين ونصف ثم عاد إلى دمشق واستوطنها في مدرسة الوزير إسمعيل باشا العظم ثم ارتحل إلى القدس بقصد زيارة الأستاذ الرباني الشيخ مصطفى الصديقي ولم يمكث بها إلا مدة أشهر ثم عاد إلى دمشق وتوطنها إلى أن مات وله من التآليف شرح علي البردة سماه الفيوضات المحمدية على الكواكب الدرية والعقود الدرية في رحلة الديار المضرية والزهر البسام في فضائل الشام ولوائح القبول والمنحة والعزاز لزيارة السيدة زينب وسيدي مدرك والشيخ عمر الخباز والزهرة الندية والعبقة الندية ومختصر الاشاعة في أشراط الساعة ورنة المثاني في حكم الاقتباس القرآني وفيض السر المداوي في بهجة الشيخ أحمد النحلاوي والمنحة القدسية في الرحلة القدسية وتردد إلى والدي وأحسن الوالد باكرامه ولطفه وترجمه الأديب الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه شاعر قريحته جيدة ومعانيه رصينة مشيدة بادر للأدب ولم تشد أوصاله وأكرمت فيه خلائقه وخصاله فروي حديثه المسلسل وارتوى من عذبه السلسل وأثقل كاهله بأعبائه وأحكم
فيه عقدة أنبائه وافى الشام واستوطنها وجنى أمانيها واستبطنها ونزل منها منزلة الوسمى في الرياض واعتاض بها عن وطنه بأحسن اعتياض ففاح شذاه وعرفه وخلص نقده وصرفه وطلب وجد ولم يعثر له جد وأقبل على الدواة والأقلام ولم يلو على من فند عليهما ولام وصان بحرفتهما بذل ماء محياه وقنع بمدادهما عن السوي ورواياه فأرانا الأزهار في الروابي المطلولة وتنمنم العذار في العوارض المصقولة وله البداهة التي لا تسابق بل تسبق الغيوث الهطالة والفكرة التي لا تلاحق بل تلحق المعاذة من شائبة البطالة والشعر الذي أطاعه فيه القلم وما استنكف ودعاه لمرامه فجرى ركضاً وما انكف إلا أن الزمان كر على عمر اقتباله وصرف عن وجهة الشباب وجه اقباله وقد أثبت له ما شاهده عدل يبرهن عليه بالنقل والعقل انتهى مقاله وقد أطلعت على ديوانه فاستحسنت مه ما ذكرته هنا فمنه قوله
بجمالك الباهي المهيب
…
وبقدك الغصن الرطيب
وبدر مبسمك الشهي
…
وصارم اللحظ الغضوب
وبقوس حاجبك البهي
…
وسهمه البادي المصيب
وبعنبر الخال البهيج
…
ومن به كل الخطوب
وبنون عارضك الذي
…
من دونه شق الجيوب
وبجيدك اليقق السني
…
وورد خديك العجيب
أرفق بصب هائم
…
في الحب ذي دمع صبيب
وبقلبه نار ذكت
…
بهواك زائدة اللهيب
لم تبق منه يد الغرا
…
م سوى المراجع والنحيب
وسقام مهجته لقد
…
أعياه حقك للطبيب
فهل الهوى بفؤاده
…
فعل السلافة بالشروب
مولاي أدنفت المتيم
…
فيك بالصد المذيب
وهواك قد أصمى الفؤاد
…
كأنه راح القلوب
وأذاب قلباً في غرامك
…
لا يقر من الوجيب
قد شاقه القمري في
…
غصن من الروض الخصيب
ويلوح ألفا نازحاً
…
ألقاه بالهجر المشوب
بالله هي ساعة
…
في الحي يا ريح الجنوب
وعجي طلول أحبتي
…
وصفي شجون فتى كئيب
فسقي عهوداً باللوى
…
صوب من الغيث السكوب
يا قلب لا تك قانطاً
…
لا بد من فرج قريب
وقال أيضاً
أما وشهد رضاب زانه الضرب
…
وطلعة من سناها الشمس تحتجب
وعارض كبنان الأس طرز في
…
ورد من الخد كم في حسنه عجب
وصارم من سيوف الهند لاح لنا
…
من جفن لخطبه الأرواح تنتهب
ونقط مسك على صحن الخدود زهى
…
ودر ثغر نظيم زانه الشنب
ما كنت أصغي لعذال وإن نصحوا
…
فإن صدقهم عندي هو الكذب
من لي بسلوان ظبي راق مبسمه
…
ومن محياه بدر التم يكتسب
إن ماس بالدل تيهاً نحو عاشقه
…
فالطرف منسجم والقلب مكتئب
وإن دنا فسيوف اللحظ فاتكة
…
بها مع العاشقين الجد واللعب
مهفهف القد قد تمت محاسنه
…
حالي المراشف للآرام ينتسب
يفتر عن شنب رأفت مدامته
…
يا حبذا درر يا حبذا ضرب
يا طاوي الكشح عن حلف الغرام ومن
…
إذا بدا ففؤادي رهبة يجب
عطفاً على دنف أودى الغرام به
…
وقلبه بلظى الأشجان يلتهب
له بحبك وجد زاده كلف
…
ومدمع مثل ودق المزن ينسكب
هلا رثيت لقلب هائم وله
…
أمضه المؤلمان الشوق والوصب
صب تقلبه أيدي الغرام على
…
بسط الصبابة لما شفه العطب
فما تغنت على الغناء ساجعة
…
إلا وهاج به من شجوها الطرب
وإن سرت نسمات البان في سحر
…
يذكو بمهجته من نفحها اللهب
يمضي الدجى وعيوني لم تذق وسناً
…
حتى تسامرني في حبك الشهب
وله أيضاً
يميناً بما في الثغر من عابق الشهد
…
وما نظمت المباسم من عقد
وورد جنى غرسنه يد البها
…
وبالعنبر الزاهي على صفحة الخد
وما فعلت في العاشقين ذوي الهوى
…
عيون ببتار تجرد عن عمد
وجيد أضاءت لامعات حماله
…
تستر في فرع من الشعر مسود
لئن لامت العذال فيك وفندوا
…
وحقك لا أسلو ولو ضمني لخدي
ومن لي بسلوان وقلبي مصطلي
…
على نار وجد منك زائدة الوقد
فيا لائمي المذموم في شرعة الهوى
…
اليك فإن اللوم في الحب لا يجدي
ودعني ومن أهوى فإن مسامعي
…
عن العذل اللاحين كالحجر الصلد
هو الحب مهما شاء يفعل بالهنا
…
وها أنا في طوع الغرام كما العبد
ومن يعشق الغيد الحسان فإنه
…
أسير العنا حلف المراجع والجهد
ومن يرتجي وصلاً يجود بروحه
…
وهل يختشي من لسعة طالب الشهد
وإني على حكم الهوى نائب الجوى
…
معذب قلب بالصبابة والوجد
أطارح ورقاء الغصون من الأسى
…
وما عندها من لوعة بعض ما عندي
وأهفو إلى مر النسيم سحيرة
…
إذا فاح من أرجائه من شذا الند
وأصبو إليه كلما لاح بارق
…
وذكرني الثغر الملظم بالعقد
رعى الله ليلات مضت بوصاله
…
بفرط سر ورجل في الوصف عن حد
أو يقات حسن بالهناء اختلستها
…
وقد أنجزت وعدي وتم بها سعدي
رشفت بها كأس المسرة مترعاً
…
وأطفأت ما في القلب من حرقه البعد
فهل يسمح الدهر الضنين بعودها
…
وتجلى بصبح الوصل ليلاً من الصد
وإن ضمناً ثوب الظلام كما نشأ
…
ونحن بأمن من رقيب ومن ضد
أبث له شكوى التباريح غبما
…
أعانق ما بين الوشاح إلى الخد
وأقطف ورد الخد لثماً بلاعناً
…
وأرشف من ذاك اللما أعذب الورد
عسى ينجلي صبح الهنا بوصاله
…
وارتع في ظل من الأنس ممتد
وقال
لا ينتهي في السقم حده
…
من شفه في الحب وجده
كيف الهناء يرى لقلب
…
زاد بالتبريح وقده
حتى ترقب يا فؤاد
…
الوصل ممن طال صده
وإلى م ترعى النجم وال
…
محبوب لذ لديه سهده
أبداً وإن كثر الصدو
…
ذ ودام بالهجران فقده
لا أنتهي لا أرعوي
…
وأنا الكئيب الصب عبده
بأبي العيون الغائرات
…
وسيفها الماضي فرنده
قمر تجلي في سماء
…
الحسن لكن تم سعده
درى ثغر عاطر
…
يشفي سقيم القلب عهده
نفديه منا بالنفوس
…
وليس ينجز قط وعده
ما الظبي عند نفاره
…
ما الغصن حين يميس قده
ترك القلوب ذوائباً
…
مذ ضم مسك الخال خده
ويسل من طرفيه بتاراً
…
كأن القلب غمده
يا قلب صبراً في الهوى
…
لا يدان ينفك صده
وله أيضاً
فؤاد من التبريح طاب له الحتف
…
وجفن من الأشواق أنحله الوكف
ولي كبد حراء عذبها الجوى
…
وعين إذا ماجن ليلى لا تغفو
معذب قلبي في هوى الغيد هائم
…
وما لغرامي عند أهل الهوى وصف
قريح جريح أثخنتني جراحة
…
ظباء كناس شاقني منهم الظرف
ولي رشأ من بينهن مهفهف
…
فريد جمال بين سرب المها خشف
فمن لحظه سحر ومن قده قنا
…
ومن فرعه ليل ومن ردفه حقف
ترى كل قلب بالصبابة والهاً
…
إذا ما هوى في جيده ذلك الشنف
إلا بأبي ورداً بخديه يانعاً
…
رطيباً بماء الحسن يا حبذا القطف
فيا آل دين الحب نصحاً إذا رنا
…
بأطراف لخطبه فمن دونها وكف
ولا تأمنوا من طرفه وقوامه
…
فهذا به طعن وذاك به حتف
إلى كم أقاسي في هواه صبابة
…
يذوب بها قلبي ويهمي بها الطرف
وإني إلى ذكراه أصبو تلهفاً
…
كما ناحت الورقاء فارقها الألف
أطارحها شكواي والليل حالك
…
فمني تباريح ومن نحوها حقف
وما ضرني إلا الملامة في الهوى
…
فتبا لعذال قلوبهم غلف
ترفق عذولي فهو لا شك قاتلي
…
وما لفؤادي من محبته صرف
ودع عنك تعنيفي بعذلك واتئد
…
فهل في الهوى العذري ينفعنا العنف
ألا أيها العشاق عن شرعة الهوى
…
ودين التصابي لا يكن لكم عسف
فمن ذاق كأس الحب لذله العنا
…
وإن زاد في هجران معشوقه الحنف
عسى ولعل الحب ينجز وعده
…
وصادي الجوى بالوصل يدركه اللطف
وقال
من لم يرى ميل القدود وهزها
…
كتمايل الأغصان بالأوراق
وتورد الوجنات حيث تلألأت
…
من خالها ببدائع الأشراق
وتسلسل الريق المبرد رقة
…
هو للسيب بمنزل الدرياق
وتغازل الألحاظ لما جردت
…
سيف المنون لنا من الأحداق
ومباسماً قد نضدت بفوائد
…
تحكي وميض البارق الخفاق
أو لم يذق طعم الشجون وفتكها
…
وبلابل الأحزان والأشواق
وهيام قلب في المحبة ذائب
…
جذبته أيدي الوجد بالأطواق
أو لم تساوره المنون فإنه
…
لم يدر كيف مصارع العشاق
وله أيضاً
كم علينا تتيه في خطراتك
…
فالهوى قادني إلى خطراتك
يا فريد الجمال تفديك روحي
…
إن مضناك هام في لفتاتك
إن يكن لائمي تصدى لعذلي
…
لست أصغي لقوله وحياتك
كل حسن وبهجة وكمال
…
ذاك يا بدر من أقل صفاتك
لمتى الصد والتجني فكم ذا
…
تختشي العاشقون من سطواتك
أنا نشوان في دلالك والقلب
…
كليم من العيون الفواتك
فأمل لي الكأس يا حبيب طفاحاً
…
فشفاء القلوب في كاساتك
يا فؤاد المشوق كم ذا التمني
…
إن هذا الحبيب باللحظ فاتك
كم نقاسي من الغرام نحولاً
…
وإلى كم تتيه في غمراتك
وله أيضاً
قم تنبه يا منيتي من نعاسك
…
وامزج الشهد من لماك بكأسك
واصطبح بالمدام بين الروابي
…
وأدر كأسها على جلاسك
وأطرح وحشة الهموم ودعنا
…
من ضروب الأخماس في أسداسك
وأسقنيها وقت الصباح ففيه
…
تستعير النسيم من أنفاسك
خمرة أشرقت بلآلآء در
…
لست أصغي بها إلى لوم ناسك
عتقت من ألست في الدن قدماً
…
قبل يا دير كنت مع شماسك
هيجتني يا دير منك نسيم
…
سرقت من شذا الطيف غراسك
أيها العاذل الغبي رويداً
…
لست أمشي على مراد قياسك
إنما الراح راحتي وشفائي
…
فأصغ كم أنت في غرور التباسك
كم سكرنا بها وعفنا سواها
…
حيث قد كنت أنت مع أجناسك
وقال عند خروجه إلى بيت المقدس
هلموا بنا فألحان راقت مشاربه
…
وجنح الدجى للغرب أهوت كواكبه
وجودوا بطيب الأنس قبل وداعنا
…
فقد أزمع الحادي وسارت نجائبه
فهل مسعف يا قوم بالصبر لحظة
…
فإن حليف الوجد ضاقت مذاهبه
خذوا مقلتي من قبل يخطفها الهوى
…
فإني رأيت الوجد سلت مضاربه
ولا تعجبوا من أصهر الدمع إنه
…
فؤادي فمن جمر الهوى سال ذائبه
ولا تحسبوا إن المتيم للنوى
…
مطيع ولكن جحفل الدمع سالبه
وقد توجب الأخطار يا سعد فرقة
…
لألف بهم للعب تدنو مآربه
خليلي أما الوجد فالبحر دونه
…
حدوداً وأما الصبر ولت كتائبه
فلا تنيا عني فإني أرى النوى
…
يجاذب عني مهجتي وأجاذبه
وما كنت أدري والليالي كمينة
…
بأني مسلوب الوصال مجانبه
ألا فقفا نبكي معاهد جلق
…
سقاها الحيا صوبا تدوم سحائبه
ولا زال خفاق النسيم مصافحاً
…
أكف رباها كلما اخضر جانبه
ولا برحت فوق الغصون طيورها
…
تغني بما تحيي القلوب غرائبه
لدى المرجة الغناء يا سعد قف عسى
…
لك الشرف الأعلى تضئ جوانبه
وفي الربوة الفيحاء فاسنشق الصبا
…
فنشر الغوالي للربا هو جالبه
ولا تنس سفح القاسيون وظله
…
فقد أشرقت من كل فج كواكبه
فكم من نبي حل في هضباته
…
وكم من ولي لا تعد مناقبه
على إنه روض من الخلد مشرق
…
فضائله لا تنتهي وعجائبه
سلام على تلك المعاهد والربا
…
سلام محب أنحلته مصائبه
ومني على الأحباب ألف تحية
…
يصافحها من كل نشراً طائبه
مدى الدهر ما حن الخليع تشوقاً
…
اليها وفاضت بالدموع سواكبه
ومن هذا البحر والقافية نظمت قصائد كثيرة قديماً وحديثاً ومن ذلك قصيدة لي كنت نظمتها حالة الطفولية وهي بعدم الاثبات حرية مطلعها
أطارحه ذكر الهوى وأخاطبه
…
وليل التصابي أكفهرت كواكبه
وأنشده مني حديث صبابة
…
يروق سماعاً عنده وأعاتبه
ولي في الهوى عهد يطول على المدا
…
على أبد الأوقات تصفو مشاربه
ألا ليت شعري ما الذي كان موجباً
…
لفرقة من أحببت إذ أنا راغبه
وهي طويلة وللمترجم
تلك المنازل والخيام
…
ينمو بذكراها الغرام
حيا معاهد شعبها
…
وربا منازلها الغمام
أصبو لها ما أوضمت
…
برق وما صدح الحمام
يا سارياً تطوى له
…
منها المهامه والأكام
والعيس أطربها الغنا
…
والركب هاج به الأوام
قف ريثما في الحي إن
…
لاحت لناظرك الخيام
وسرت اليك نسيمها
…
أو فاح رنداً أو خزام
فأنشد فؤادي في الحمى
…
قد ضل وهو المستهام
واذكر لهم أحوال صب
…
في الدجنة لا ينام
لي مهجة قد شفها
…
حر اللواعج والهيام
وجوانحي وجوارحي
…
بالوجد داخلها اضطرام
والحب شيء لا يطاق
…
وفيه صبري لا يرام
فيه الكريم يهان وجداً
…
والعزيز به يضام
وحشاشتي ذابت ولي
…
جسم تناهبه سقام
يا ساكني الوادي المقدس
…
من بهم شرف المقام
هلا منحتم قربكم
…
لفتى به أودى الغرام
أرضى ولو طيف الكرى
…
إن زار أجفاني المنام
قسماً بأشجاني وما
…
يلقى الكئيب المستهام
وبما يقاسي العاشقون
…
إذا لهم جن الظلام
ما حلت عن شرع الهوى
…
لو حق لي منه الحمام
وعلى الحياة لبعدهم
…
مني التحية والسلام
وقال
تبت يدا من سلا عن حب ذي حور
…
حالي الرضاب ظريف الدل والشنب
ومن يلمني سيصلي في محبته
…
ناراً من الخد ذات الوقد واللهب
من لي بسلوانه يوماً ووجنته
…
حمالة الآس لا حمالة الحطب
وقال
يا بديع الصفات يا من تسامى
…
بجمال يجل عن تشبيه
إنني ذبت من هواك فهلا
…
تمنح الصب منك ما يشتهيه
فرسول الآله قال حديثاً
…
اطلبوا الخير من حسان الوجوه
ومن ذلك قول القائل
سيدي أنت أحسن الناس وجهاً
…
كن شفيعي في يوم هول كريه
قد روى صحبك الكرام حديثاً
…
اطلبوا الخير من حسان الوجوه
ومن ذلك قول الأستاذ عبد الغني النابلسي
يا أخا البدر قد صفا لك ودي
…
وغدا سالماً من التمويه
إن طلبت الوصال منك فجد لي
…
وأنلني منك الذي أشتهيه
فهو خير وفي الحديث روينا
…
اطلبوا الخير من حسان الوجوه
وللمترجم
لقلبي أي شوق والتهاب
…
بدمع في المحبة عندمى
وما قلبي أراه لدي لكن
…
من التبريح أضحى عندمى
وله
أفدي الذي ما انتضى سيف الجفون لنا
…
إلا وجندل منا بالرضاب طار
في خده ضرج في لحظه دعج
…
في فرقه يلج حتى الرضاب طلا
وله أيضاً
أفدي الذي قال لي لما علقت به
…
بالله هل شمت مثلي في الملا حسنا
ناديت لا وجمال منك تيمني
…
بل أنت يا فاتني فقت الملاح سنا
وله أيضاً
أقول لبدري قم ومل مثل ميلة
…
الغصون إذا هز النسيم اعتدالها
وإياك أن تلهو إذا ما حكهتا
…
فقام وأندى بالغصون ومالها
وله
تقول فتاة الحي إن رمت ترتقي
…
معالي الهنا يمم معالم داري
فقلت مداري في الغرام على اللقا
…
ومن كان من قصد المعالي مداري
وقال
دع تعاطي المدام فهو حرام
…
يا نديمي وإن تكن كالزلال
فشفاء الفؤاد من كل صاد
…
برحيق من الرضاب حلالي
وقال أيضاً
إن مدام الثغر يشفي العنا
…
منه أرتشف وأهجر مدام الطلا
فخمرة العنقود قد حرمت
…
ورشف خمر الثغر عندي حلال
أقول هذا من الاكتفاء وأراد التورية بذلك بين أنه حلا من الحلاوة أو حلال وهو ضد الحرام واللام ترسم ولا تقرأ وهذا الاكتفا من أنواع البديع وينقسم إلى قسمين الأول أن يكون بجميع الكلمة كقول ابن خلوف المغربي
مل الحبيب ومال عن
…
ودي مع الواشي وولى
فبكيت حتى رق لي
…
من كان يعرفني ومن لا
ولأبن أبي حجلة
يا رب إن النيل زاد زيادة
…
أدت إلى هدم وفرط تشتت
ما ضره لوجاً على عاداته
…
في دفعه أو كان يدفع بالتي
والقسم الثاني الاكتفاء ببعض الكلمة ومنه بيتا المترجم ومنه قول القاضي بدر الدين الدماميني
الدمع قاض بافتضاحي في هوى
…
ظبي يغار الغصن منه إذا مشا
وغدا بوجدي شاهداً ووشي بما
…
أخفى فيا لله من قاض وشاهد
وفيه التورية أيضاً مع الاكتفا ولأبن مكانس
نزل الطل بكرةوتوالى تجدداًوالندامى تجمعوافأجل كأسي على الندا
ومثله قول البدر الدماميني
يقول مصاحبي والروض زاه
…
وقد بسط الربيع بساط زهر
تعالى نباكز الروض المفدي
…
وقم نسع إلى ورد ونسرين
وما ألطف قول بعضهم هذا المعنى
شقائق النعمان ألهو بها
…
إن غاب من أهوى وعز اللقا
والخد في القرب نعيمي وإن
…
غاب فإني أكتفي بالشقائق
وللمترجم
عن المقلة السوداء لاح مهند
…
أتى لفؤادي حكم دين الهوى يبري
ومن حاجبيه فوق السهم للورى
…
لقد سار أن يحمى به الخال في الصدر
وله
بمهجتي بدر حسن لا مثيل له
…
تحير في وصف معناه أولو اللسن
رنا فلاحت سيوف من لواحظه
…
ناديته منيتي قلبي يحدثني
وله
ولما رأيت الحب أظهر جفوة
…
إلي وعني قد غدا ضارباً صفحا
نأيت وأبدلت المحبة بالقلا
…
وأصبحت من ذكرى له طاوياً كشحا
وله
يا بديع الجمال إن التصابي
…
ساق للقلب من غرامك عيسا
عجباً كيف مغرم القلب يفنى
…
فيك وجدا وأنت يا بدر عيسى
وله
يا لقومي من مسعفي من غزال
…
قد محى الصبر من تجنيه محيا
فدع اللوم يا عذولي فقلبي
…
ليس يحيى بدون منظر يحيى
وله
وبي رشأ لولا سقام عيونه
…
لما كان جسمي بالصبابة يكمد
تولع قلبي في اهتزاز قوامه
…
فها أنا من سكر الغرام أعربد
أنعمان خديه ترى أنت شافعي
…
إلى مالكي إني لفضلك أحمد
وله
وبي رشيق القوام ذو هيف
…
بدا كريم عيونه نجل
يبخل بالوصل لي وأعجب من
…
شخص كريم ودأبه البخل
وله معمياً في حسن
وغزال حالي المراشف المى
…
سهم لحظيه في فؤادي صائب
رشف القلب فيه خمر هيام
…
حين تم الجمال منه بحاجب
وله في سعيد
وذي محيا كبدر التم زينها
…
فتيت مسك تراه فوق وجنته
مهفهف أدعج الألحاظ ذو هيف
…
شريف حسن بطرف فوق طرته
وله في إسمعيل
وأغيد سحر الألباب أجمعهم
…
إن لاح من برق ذاك الثغر وامضه
تشقي لذكراه آذاني ولا عجب
…
قد زانه الحسن والتتميم عارضه
وقال مقتبساً
واظب على الصبر في الأحوال قاطبة
…
ولازم الصدق فهو المنهج الأطهر
واطلب من الوالدين الأكرمين رضى
…
ولا تقل لهما أف ولا تنهر
وله مقتبساً أيضاً
أهل الشقاوة عن نهج اليقين عسوا
…
ولن ترى منهم للحق منتبها
لن ينتهوا عن معاصيهم بموعظة
…
وإن يروا آية لا يؤمنون بها
وله كذلك
أعبد الله لا تجزع لضيم
…
وثق بالله تتضح المسالك
وكن جلداً على صرف الليالي
…
فإنك لست تدري ما هنالك
وأيم الله ذاك يهون عندي
…
لعل الله يحدث بعد ذلك
وقال
لضرب السيف أو خوض المنايا
…
وطعن السمهري على الصميم
وأكل السم من كبد الأفاعي
…
وقبض الجمر في يوم سموم
وايم الله ذاك يهون عندي
…
ولا أحتاج يوماً للئيم
وهو من قول بعضهم
القدح في العين بالزناد
…
والطعن بالرمح في الفؤاد
والمشي في مهمه ببيد
…
بغير ماء وغير زاد
ووضع كف في ثغر ليث
…
ما بين أسنانه الحداد
وحفر بئر بغير فاس
…
في يوم برد بقعر وادي
أهون من وقفة لندل
…
قدمه الحظ بالعناد
وكانت وفاته بدمشق في سنة أربع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الله صبحي
عبد الله بن فيض الله بن أحمد صبحي الملقب بعبدي على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي القسطنطيني كتخداء الدولة وأحد الرؤساء المشاهير الأديب الرئيس الكامل النبيل أخذ الخط عن أساتذة بسائر أنواعه ومهربه وصار أحد أعيان الكتاب وأرباب المعارف وولي المناصب توفي في سنة سبع وسبعين ومائة وألف.
عبد الله بن فتح الله
عبد الله بن فتح الله بن الحنفي الحلبي الأديب الشاعر البارع المنشي الفصيح الملقب بأديب وأحد الدنيا بالمعارف ولد بحلب في حدود المائة وألف تقريباً ثم ارتحل به إلى اسلامبول وكان سنه سبع سنين وكان والده إذ ذاك باش محاسبه جي ونشا بها تحت ظله ثم صار رئيس الكتاب وكان له الرؤساء المشهورين وتوفي في اسلامبول سنة سبع عشرة ومائة وألف ثم إن ولد المترجم عاد لحلب وصار بها تذكره جيا للخزينة الميرية وكان شاعراً بالألسن الثلاثة وله ديوان شعر منه قوله
إذا ما نال شخص ما تمنى
…
من الأرذال يوماً مات منا
فكن في خبرة من كل فرد
…
متى ما ساء فعلاً ساء فنا
وكان يتكلم بأشياء عجيبة واستولت عليه السوداء والجنون ومع ذلك ينظم البليغ وكانت وفاته في سابع عشر ذي القعدة سنة احدى وستين ومائة وألف رحمه الله.
عبد الله الحلبي
عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن أحمد بن محمد المجذوب الشهير بابن شهاب الشافعي التدمري الأصل الحلبي المولد ولد بحلب سنة ست عشرة ومائة وألف
وربي في حجر أبيه ونشأ في طاعة الله تعالى ودأب على تحصيل الكمالات ففاز منها بالقدح المعلى وقرأ على أجلاء عصره من أفاضل الشهبا كالعلامة محمد بن الزمار أحد أفراد الزمان والعلامة حسن السرميني والعلامة محمد المكتبي والعلامة طه الجبريني والعلامة علي الميقاني بأموي حلب وعلى عمدة المحدثين محمد المواهبي وارتحل مع والده لدمشق سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودخلها بعد ذلك مراة واستجاز علماءها العلام مثل الامام الأستاذ الشيخ عبد الغني الشهير بالنابلسي فقد أجازه عامة بالكتب العقلية والنقلية والتواريخ والدواوين والأدب وكتب من تقدم من السادة الصوفية قدس الله أسرارهم وكالعلامة عبد القادر بن عمر التغلبي الشيباني الحنبلي والعلامة محمد بن إبراهيم الشهير بالدكدكجي والولي الكامل الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والعالم الشيخ محمد الكاملي الدمشقي والفاضل عبد الله الشافعي وغيرهم وكان صاحب الترجمة شغفاً بمطالعة كتب الصوفية خصوصاً الفتوحات المكية وغيرها من كتب تآليف قطب الزمان سيدي محيي الدين ابن العربي قدس الله تعالى أسراره وله اليد الطولى بمعرفة الروحانيات والأوفاق والتعاويذ وانتفع به خلق كثير بسبب ذلك واشتهر شهرة حسنة وكان ديناً عفيفاً صالحاً بقياً وبالجملة فمن رآه أحبه ورأى بارقة الصلاح عليه وقد كان ممن جد واعتنى وحصل نفائس العلوم واقتنى وله من الشعر ما يشنف الآذان ويرتاح له الولهان فمنه قوله يمدح الولي الكبير سيدي أبا بكر الوفائي قدس الله سره العزيز
إذا المرء لم يلقى مغيثاً لكربه
…
وراشت له الأيام نبل التجارب
يلذ بحمى قطب سما البدر رفعة
…
غيور أتى برهانه بالعجائب
هو العارف المجذوب حقاً وإنه
…
أبو بكر المسقى بأصفى المشارب
فلا زالت الأنوار تغشى ضريحه
…
وتكسوه من جدوى عهاد السحائب
فيا أيها الغوث الذي نفحاته
…
أفادت ذوي الأحزان كل الرغائب
ولم تزل الوراد تنحو لنحوه
…
لدفع جيوش الهم من كل جانب
أما أنت فالموصوف بالصدق والوفا
…
وكفك ملآن بفيض المواهب
فلا تنس عبداً في ودادك صادقاً
…
فجاهك معلوم بأهل المراتب
هو ابن شهاب قد أتى متوسلاً
…
بجاهك فأمدده بنيل المآرب
ومن شعره
بلبل الأوطان غنىفشجا قلب المعنىوغدا يبدي شجونا
عن سماع العودا غنىيذكر الأوطان شوقاًإذ غدا مثلي معنى
قلت مهلاً يا مشوقاًزادني التذكار حزناًقد نأى عني حبيبي
والنوى جسمي أضنىنح قليلاً يا شبيهيإنني أصغيت إذنا
إن لي جسماً ضعيفاًكلما رددت يفنىوكذا دمعي نموم
فيضه يوليه مزنايا بريق الحي مهلاقد خطفت القلب منا
إن طرفي غير لاه
…
عن حبيب زاد حسنا
وله متوسلاً
يا رب إني مسرف
…
والعفو قسم المسرف
فاغفر لعبد خائف
…
من هول يوم الموقف
وله أيضاً
يا من أراد انصرافي
…
عن مذهب الحب جهلا
قصر ملامك إني
…
قد بعت روحي طفلا
وكانت وفاة المترجم في يوم الثلاثاء حادي عشر جمادي الأولى سنة ست وثمانين ومائة وألف ودفن بالقرب من والده خارج باب الملك بالقرب من مرقد الولي الكبير محمد الزمار رحمه الله تعالى.
عبد الله التوني جوق
عبد الله بن محمد المعروف بالتوني جوق زاده الحنفي القسطنطيني أحد صدور العلماء الأفاضل وأركان الدولة أصحاب الرفعة والجاه والسمو ولد بقسطنطينية وبها نشأ وكان والده كنحداء الوزير عبد الله باشا وقرأ وحصل وبرع في العلوم وحصل فضلاً ونبلاً وقرأ على الأساتذة كالفاضل محمد المدني وغيره ونظم الشعر بالتركية وتفوق وسلك طريق التدريس ولازم على عادتهم وأعطى رتبة الخارج سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وترقى بالمراتب حتى ولي قضاء القدس الشريف فوردها وبعد اتمام المدة عاد للروم وأعطى قدماء المدينة المنورة فألقى بها الفوائد وتأهل للتدريس والافادة ولزم جماعة من أهلها واشتهر بين علماء الحجاز وعظم لديهم وعرفوا مكانه من العلم والفهم وبعد قفوله استقام بدياره ولما قدر الله تعالى وحصل ما حصل بين دولتنا أدام الله نصرتها وحماها من البوائق الدواهي وبين دولة النصارى بني الأصفر المشهورين بالمصقو شمدي مسقوه روسيه دولتي ديرلر اختير المترجم من طرف دولتاً قاضياً للمعسكر السلطاني فارتحل مع الوزراء والأمراء قاضياً وغدا بهذا الرتبة راضياً وأعطى في آخر عمره رتبة قضاء عسكر اناطولي ترفيعاً لشأنه ومقامه وكان فاضلاً محققاً
فقيهاً عالماً بالفروع والأصول خبيراً بالمسائل والفنون وله من الآثار حواشي على تفسير القاضي البيضاوي ورسائل أخر وتحريرات وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن بقسطنطينية عند قبر إبراهيم باشا السمين الكائن بالقرب من جامع السلطان عثمان والتوني جوق زاده معناه بالعربية ابن كثير الذهب تلقب بهذا اللقب والده لتزايد ثروته وتوفر جاهه رحمهما الله تعالى.
عبد الله الشبراوي
عبد الله بن محمد بن عامر بن شرف الدين القاهري الشافعي الشهير بالشبراوي الشيخ الامام العالم العلامة والفاضل الهمام البحر الفهامة الناظم الناثر الأوحد المفنن أبو محمد جمال الدين ولد سنة احدى وتسعين وألف وجده عامر مترجم في خلاصة الأثر للمحبي وأخذ عن جملة من العلماء الأعلام كالعلامة محمد بن عبد الله الخرشي المالكي أجازه سنة وفاته وهي عدد خرش وعن أبي مفلح خليل بن إبراهيم اللقاني والشهاب أحمد بن محمد الخليفي والامام محمد بن عبد الباقي الزرقاني والشهاب أحمد بن غانم النفراوي والجمال منصور المنوقي والعلم صالح بن حسن البهوتي الحنبلي وعيد بن علي النمرسي والجمال عبد الله بن سالم البصري وغيرهم وبرع ورؤس في العلم حتى صار شيخ الجامع الأزهر وتقدم على أقرانه وله مؤلفات نافعة منها ديوان شعره المسمى بمنائح الألطاف ومنه قوله
يفديك يا بدر صب ما ذكرت له
…
إلا على قدم شوقاً اليك وثب
لا تخش مني سلواً في هواك فقد
…
تبت يدا عاذلي يا بدر فيك وتب
وقوله
لا تعذلوني في اشتغالي به
…
ليس علي من هام فيه جناح
فإنني سلطان أهل الهوى
…
وذاك سلطان جميع الملاح
وقوله
بالروح أفدي حبيباً كان يمنحني
…
وصاله حين كان الحب مستترا
وحين ماجت بودي أدمع هملتدرى بعشقي له فاعتز واقتدراوقت درى
وله غير ذلك من الآثار والنظام والنثار وكان ذا جاه عريض وحرمة وافرة وكانت وفاته سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين
رحمه الله تعالى وإيانا.
عبد الله الأنطاكي
عبد الله بن محمود الأنطاكي ثم الحلبي الحنفي مدرس الرضائية الشيخ الفاضل النبيل البارع ولد بأنطاكية بعد الثلاثين ومائة وألف وقرأ على والده ولازمه كثيراً وله الذكاء المفرط والأدب الغض والنظم العالي في اللغة الفارسية والتركية صرف ذكاءه في الأدب ومعاشرة الأدباء وعجز والده عن رده فتركه فذهب بعد وفاة والده إلى اسلامبول ودفتر دارها يومئذ منيف أفندي الأنطاكي أحد تلامذة والده فأكرمه وأدخله بين كتبة الديوان ثم خرج صحبة الوزير حسين باشا داماد الوزير الأعظم محمد راغب باشا من اسلامبول حين خرج المشار إليه بمنصب الرها وكان عند كاتب ديوانه فلما عزل الوزير المشار إليه من الرها وصل معه لحلب ومنها فارقه وذهب إلى اسلامبول ودخل إلى القلم ثانياً وتزوج باسلامبول وشعره كثير موجود بأيدي الناس وكانت وفاته في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى وأموات المسلمين وإيانا.
عبد الله اليوسفي الحلبي
عبد الله بن يوسف بن عبد الله المعروف باليوسفي الحلبي الأديب الشاعر البارع الماهر الناظم الناثر المكثار كان أوحد الشهباء في النظم والتاريخ والاختراعات العجيبة والأشعار الغريبة ولزوم ما لا يلزم والابتكارات في فنون الأدب من تواريخ وقصائد وغيرها وله بديعية التزم فيها تسمية الأنواع واخترع أربعة أنواع غريبة نظمها فيها وشرحها شرحاً جيداً ولد بحلب وقرأ على والده مدة حياته ثم على الشيخ حسن السرميني وبعده على المحدث الشيخ طه الجبريني ثم على الفقيه الشيخ محمود البادستاني والشيخ محمد المصري وعليه قرأ الأندلسية في علم العروض وقرأه مع علم القافية على الشيخ علي الميقاتي وعلى الشيخ قاسم البكرجي والشيخ محمد الحصري واشتغل بالأدب وقريض الشعر مدة على هؤلاء الفضلاء وافترع افترع افتض أبكار الأفكار وصاغ قلائد المعاني نظيمة الأسلاك وله أشعار ومدائح وتواريخ وأحاجي ومعميات وغيرها شيء كثير وامتدح الأعيان والعلماء وغيرهم ووقعت له بين أبناء عصره المطارحات والمساجلات وكان بحلب يتعانى بيع البن في حانوته الواقع بالقرب من جامعها الأموي فلذا اشتهر بالبنى وكان في غاية من الفقر وضنك العيش وقد عرض له قبل وفاته بثلاث سنوات صمم عظيم وكان
أولاً عارضاً له فزاد حتى منعه من السماع بالكلية بحيث صار الناس يخاطبونه بالاشارة فحصل له من ذلك كدر عظيم فبادر للاستغاثة بالجناب الرفيع النبوي بألف بيت راجياً الشفاء من ذلك ببركتها وشرع فلم يتيسر له الاتمام وخطب مدة في جامع البهرمية نيابة عن بني الشيخ طه وسافر إلى طرابلس الشام ولاذقية العرب وقدم دمشق ووفد اليها مراراً واجتمع بوالدي وحباه من الاكرام والالتفات ما جاوز الحد والغايات وامتدحه بقصائد وأشعار كثيرة وجرى بينه وبين ادباء دمشق من المجاورات والمطارحات ما يفعم يقال أفعمه إذا ملأه بطون الصفحات وبالجملة فهو فريد عصره بالاختراعات الغريبة وفن التاريخ وسرعة النظم والارتجال في التاريخ ومن شعره مادحاً والدي ومهنياً له بالافتاء
أيا جلقاً لا زلت باسمة الثغر
…
بصيب أفراح تدوم مدى الدهر
ولا برحت أنوار مجدك تنجلي
…
مطالعها حسناً من اليمن واليسر
وما انفك مغناك يلوح مسرة
…
ودوحة علياك مضمخة العطر
تسامت بقاع اليمن فيك بسادة
…
لهم شرف يسمو على الأنجم الزهر
لهم في انتماء المجد خير أرومة
…
وعلياهم تعلو على هامة النسر
ولا سيما منهم همام مكرم
…
مجيد على الشأن مرتفع القدر
هو السيد السامي الرفيع مكانة
…
من الفضل يستجلي المحامد بالشكر
ومن هو بالأصل الرفيع تشامخت
…
مراتبه العليا إلى ذروة الفجر
لقد شرف الافتاء نير فضله
…
ووفق أحكام المسائل في الذكر
وأودع أنواع العلوم براعة
…
من الفضل لم تبرح بحضرته تجري
أما هو في عليا دمشق هلالها
…
وكوكبها السامي على الكوكب الدري
كفى شرفاً إن المديح لمثله
…
يطرز أنواع القريض من الشعر
ويزهو افتخاراً في نعوت كماله
…
ويرتع في روض البلاغة في السر
خليلي بالعهد الذي تليت به
…
صحائف آيات المحبة بالجهر
فنب عن بعيد الدار فضلاً ومنة
…
بتقبيل أيد دونها صفة البحر
وبلغه عني أجزل المدح والثنا
…
وخير دعاء لم يزل أمد الدهر
فلا زال محروس الجناب ممتعاً
…
بإقباله يجني المكارم بالبشر
وقوله فيه
سعد السعود بدا إن زارني قمر
…
بحسنه كل أهل الحسن قد قمرا
جوري وجنته الحمراء مزدهر
…
وقد حوى وجهه في مهده الزهرا
إن قابلته شموس في الضحى قهرت
…
أو قابل النجم في إشراقه فهرا
وخاله عمه بالحسن فانبهرت
…
عقول أهل الهواي إذ بالبها بهرا
إن رحت أحكي لحسن فيه قد شهرا
…
قطعت دون بلوغي الدهر والشهرا
لي مقلة في هواه الليل قد سهرت
…
وقد شكوت سقام الجفن والسهرا
واصل عشقي له بالعين من نظر
…
فليته لي بعين العطف قد نظرا
ومنذ أغنى لماه العذب عن سكر
…
والعقل مني بزاهي حسنه سكرا
ما بت والقلب في لقياه منجبر
…
ولا بجنح الدياجي باللقا جبرا
لم أنسه قافلاً كالغصن من سفر
…
وعن محباً حكاه البدر قد سفرا
وشمت ظبياً سطا بالطرف في نفر
…
وكلما رمت منه وصله نفرا
راسلته برسالات ذرى سطر
…
أبغي الرضى فحروف النفي لي سطرا
فبت أشكو الأسى والوجد مع عبر
…
بها على شديد الحزن قد عبرا
علقته بعد طي السن في كبر
…
وكان بالصد قبلي أهلك الكبرا
وخانني الصبر مذ أمسيت في ضجراً
…
ولم أزل في هواه ضيقاً ضجرا
وبت من أمن خل خان في غدر
…
وصاحبي الصادق المخبور لي غدرا
وبت أرعى نجوم الليل في سحر
…
في عشق خشف بعنج الطرف لي سحرا
متيماً والهاً والقلب في خطر
…
والحب بعد الجفا نحو العد أخطرا
وعندما الوجد في الأحشا نما وطرا
…
ولم أكن قاضياً من أصله وطرا
وجار دهري وبي أفضى إلى عسر
…
وللتخلص من أعبائه عسرا
وجهت وجهي إلى من زانه خفر
…
وكم لمثلي بسامي عزه خفرا
من بالكمالات من قبل الصبا شعرا
…
ومدح زاهي علاه أفحم الشعراء
أعيذه بالضحى والليل من شعر
…
والأنبيا وسبا والنور والشعرا
شهم همام له من جوده بدر
…
إليه من مهده الاسعاد قد بدرا
كم ألبسته يد العلياء من أزر
…
حتى ارتدى برداء المجد واتزرا
لم يلوه عن غياث الملتجي فتر
…
وعن سلوك سبيل الرشد ما فترا
جداه من راحتيه قد حكى نهراً
…
فلم يخب سائلاً يوماً ولا نهرا
أوحت إليه معالي أصله فقراً
…
لأنت دون البرايا ملجأ الفقرا
السيد المنقذ الملهوف من خطر
…
وأزمة إذ حوى الأفضال والخطرا
على قدر تولي رشده قدر
…
يعفو ويصفح في حلم إذا قدرا
أقصى مرادي بقاه ما بقي دهر
…
وما أضا قمر في الأفق وازدهرا
ومن حواه حماه الرحب من ثمر
…
ما أينع الدوح في أغصانه الثمرا
في رفعة مع صفا وقت بلا كدر
…
مع السلامة مما يحدث الكدرا
بجده المجتبي من بشرت زبر
…
به وفي صحف التنزيل قد زبرا
صلى عليه آله فضله ذكراً
…
مسلماً دون حصر كلما ذكرا
والآل ما لاح في أفق السما خطر
…
والصحب من لم يزالوا دائماً خطرا
يا سيداً ساد في بدو وفي حضر
…
ودام صدراً مهاباً أينما حضرا
خذها مهذبة من كف مبتكر
…
كمثلها في مديح الغير ما ابتكرا
وأسلم ودم راشداً حاوي العلا أمراً
…
يعنوا لما شئته المأمور والأمرا
وله وأرسلها إلى والدي هي وما يليها من النثر
أنت للفضل قلبه وجنانه
…
ولنثر القريض حقاً لسانه
ولا وج الكمال خير سمى
…
ولحال الملهوف أنت أمانه
ولكل المداح خير مجيد
…
ولنور الأمناح أنت بيانه
يا أخا المجد والبراعة واللطف
…
ومن بالعلاء شيد مكانه
يا على المقام هلك مديحاً
…
من محب قد ساعدته بنانه
فتهني بما حبيت من الدهر
…
سمواً وما حياك زمانه
وتهني شكراً بشهر صيام
…
فهو شهر لقد تعاظم شأنه
ضاعف الله فيه كل جزاء
…
وبمحو الزلات كان امتنانه
فهو شهر لدى الآله عظيم
…
فتحت فيه للأنام جنانه
لم يزل عائداً عليك بخير
…
كل عام يحلو لديك أو أنه
أمد الدهر ما بك المدح يغدو
…
في نظام يزهو لعمري اقترانه
إذ به اليوسفي يعرب شوقاً
…
عنه يبدي لسنانه وجنانه
فعلى قدرك العلي سلام
…
وثناء يدوم فيك ضمانه
إن أحسن ما توشحت به ذاتك العلية وترشحت به صفاتك البهية واتضح به نور جمالك وابلج به سر كمالك وأشرف ما ترجم عن حقيقة فضلك وموه بعظيم كنه قدرك لسان الظهور والتبيان واقرار الطمأنينة القائمة بالجنان الساطعة بنور البيان والعطف ما جرت به الأقلام من مخترعات القرائح والافهام من زواهر جواهر الابداع وفوائد فرائد الايداع وجنحت لنحوه القلوب وسنحت إليه في عام الغيوب بدائع اثنية بديعية وحسن فقرات اختراعية تعرب عن سنانك الأبهى وصفاتك الأزهى وجوامع
أدعية قرعت باب التضرع والابتهال بأيدي الخلوص وسلكت مهيع العموم والخصوص فصادف مسراها جدير الوصول وشام سواطع أنوار الأنس ومطالع القبول وحقيقة شوق كابد لاعجه وعرج منازل زفرات صعوده وقطع معارجه كلفاً بذلك المحيا البديع الذي أحيى الله بمشاهدته القلوب ونفي ببهجته حوالك الكروب إذ هو عنوان المحاسن إلا وحديه مهرجان الملائح الأبلجية ومشكاة اليراعات النورانية ونبراس الاختراعات التشبيهية والتمثيلية تعرف منه فذلكة الفضايل بأقوى الدلائل حيث امتاز طالعه الأسنى بشرف ذاتك الحسنى التي أحرزت من المحاسن أوفاها ومن المحامد أصفاها وأخذت من الحلم أحسنه ومن العلم أبينه ومن الوفا أعمه ومن السخاء أتمه فتسلسلت أحاديث شرفها المرفوعة التي لا ضعيفة ولا موضوعة وتجملت بشرف معلوماتك وصحة مروياتك وعرجت لسدرة منتهى علمك المهذب وفضلك المرتب إلى أن بلغت في الفتق والرتق قصبات السبق فاستنار بها لألآ تقريرك وتحريرك وافتائك وامتازت به مطالع عليائك فكمل له الشرف الأعلى وراق له المورد الأحلى فلعمري انك لعلي المكارم وجلي المراحم وخاصة خلاصة الفضلاء المحققين والعلماء المدققين فلطالما تجلت لك عرائس العلوم اللدنية وتحلت بفهمك الوقاد أجياد الفوائد العقلية والنقلية ولطالما افتخرت بوجودك الأقطار الدمشقية والمواطن الجلقية حيث طلعت في سماء أهلها بدراً وسموت بحسن آرائك شرفاً وقدراً واستطردت خيول أوهامهم بتوفيقك وفتحت لهم خزائن برك وتحقيقك وطرزت ثياب خوفهم أمناً وكسوتهم من فضلك شرفاً وحسناً لا زالت شموس فضلك ساطعة أنواراً كاملة أسراراً ولا برحت قلوب الأنام بوجودك مسرورة وأقسامهم بجنابك مبرورة وما انفكت سوابغ النعم عليك وافدة والسادة منقادة اليك واردة ومتع الله جميع الأنام بطول بقائك ونور سنائك إنه على ذلك قدير وبالاجابة جدير آمين وبعد فالذي يعرضه العبد الداع ويرقه بقلمه ويعربه بكلمه إني أحمد الله تعالى اليك ملازم على وظيفة شكرك مترنم ببديع مدحك وبريع ذكرك أتذكر زماناً منحني صفوه وجذبني نحوه وأراني صفاء وجهك الأنور وجبينك الأزهر فتشتعل بي الأشواق الكامنة والأفكار الواهنة حيث قذفتني يد القدرة في لجة البعاد وأوثقتني بسلاسل العجز عن بلوغ المراد فلم أظفر بالنعمة الكبرى وهي النظر إلى وجهك مرة اخرى فأبسط كف
السؤال لمن يعلم الأحوال وأسأل بأشرف أسمائه وأكرم أنبيائه أن يبلغني ما أتمناه من مشاهدة وجهك الأسنى وما ذلك على الله بعزيز
أيا ملك الحسن في موكبه
…
واليمن والسعد في كوكبه
ويا قمر أضاء في مغربه
…
أما في البرية من ينتبه
يهني بك العام إذ أنت به
وفقت المها بالعيون الكحال
…
ملكت البها إذ حويت الكمال
وحسنك أمسى بديع الجمال
…
وإن وقعت شبهة في الهلال
فأنت على الناس لا تشتبه
وامتدح والدي بهذه القصيدة مؤرخاً فيه العام
عاما عام سعيدحيث وافى بالسرورمستهلاً في هناء
مقبلاً في كل خيردافعاً اضمار عامكان حلفاً لشرور
نجمه نجم تراءىطالعاً في محصن نورفهو غيث وغياث
مع يمن وحبوربشرت منه ليالإنه خير دهور
حيث زاد الخصب وانزاحت مطايا كل ضيرقالت الأفراح فيه
من كبير وصغيرفهو عام الخير والاقبال والرزق الغزير
شرحت فيه صدورمن رؤس وصدورسيما أكرم شهم
ذو البهاء المستنيرمن إذا ناديته فيدفع شر مستطير
قلت يا خير مناديبل ويا خير عشيرفي زمان ضاع فيه
كل مسكين فقيريا على القدر يا منقام بالأمر الخطير
يا مرادي دون غيرمن مليك وأميرأنت لي جنة نصر
خير واق ونصيركل عام أنت راقلمقامات الأجور
كفك العليا إذا مارحت أشكو من عسيوندى كفك أزري
لسحاب وبحوردانت العليا ودامتلقيام ونشور
في فناك الرحب دهراًوحماك المستنيرفهو باب لنوال
وغياث المستجيردم كما تختار داعلهناء وبرور
لا تخف غدر غدورلا ولا مكر مكورسيما في عام أمن
وأمان من نكيرعامنا هذا عطاءمن جدي الرب القدير
ساقه منا وفضلاًفيه جبر للكسيرفلذا قلت مشيراً
حيث وافى بالحبورعامنا أرخه بشرىلهناء مع سرور
وحين قدم حلب الشهباء الفاضل الأديب الشيخ محمد سعيد البغدادي المعروف بالسويدي امتدحه المترجم وجرت بينهما محاورات أدبية منها ما كتب إليه السويدي يعاتبه بقوله
يا سيداً ساد في أفعاله البؤس
…
لما عششت فإن العش معكوس
قد قلت إن الذي نرجوه في شغل
…
مدعو بأنس وهو داع ومأنوس
وعدتني ثاني الأيام إنك في
…
الحانوت منتظر والوعد تنفيس
فمذ أتيت إلى الحانوت ما نظرت
…
عيني سوى الخلف والأخلاف تعكيس
فسرت سيراً حثيثاً نحو مقتصدي
…
فما ظفرت كأن القصد تأييس
فقمت أسري إلى دار ببحرتها
…
عرش على الماء منه الماء تأسيس
من حوله جنتا حسن وأحمده
…
أضحى سليمان ملك منه بلقيس
ومذ وقفت أناجي فيض رحمته
…
صاح الأوز صياحاً فيه تعبيس
لولا استغاثة ربي كنت مبتلعاً
…
بجوف حوت أوز فيه تغطيس
يا صاحباً صاحب الغش العظيم لقد
…
أورثتني موحشاً ما فيه تأنيس
حبست طبعي ثقيلاً مذ حجبت من ال
…
جنان شخصاً كما أداه ابليس
انصف ولم سوء صنع منك وإسع إلى
…
عذر عن الغدر فالتغدير ترجيس
فأجابه المترجم معتذراً ومداعباً ومؤرخاً بقوله
أما وحرمة عهد قد جنيت به
…
محبة ما بها والله تدليس
وقد أقمت علي دعوى فضائلها
…
أدلة كم لها في الود تأسيس
ما كان مني قصور يقتضي سأماً
…
ولا فتور ولا نقص ولا بؤس
ولا تخلفت عمداً عن جنابك في
…
انجاز وعد له في الحكم تجنيس
بل كان سهو أو إن السهو معذرة
…
كبرى وليس بها شك وتلبيس
ألا وعلمي يقيناً إن مخلفه
…
وغد من الناس منحوس ومنكوس
ومنجز الوعد مستجلي مناقبه
…
فكم حلا فيه تشطير وتخميس
هبني وإن قد جرى عمداً فمثلك لا
…
يشينه في مقام الحلم تدنيس
أخا النباهة أجريت العتاب على
…
حكم التهكم هل أغراك ابليس
أم اعتمدت على فهم أراك به
…
خلاف ما هو معقول ومحسوس
لو كنت مصطحباً للغش يلزم أن
…
يكون منه ومدحي فيك محبوس
فإن عفوت عفونا حيث قابلنا
…
منك الوداد وعم القلب تأنيس
لا زلت تسمو سماء الفضل في نعم
…
وحيثما كنت محروس ومأنوس
ما امتاز ربع غرامي حين أرخه
…
وبيت صدق مرامي فيك ملموس
ثم كتب اليوسفي المترجم إلى السويدي في مجلس أحد أمجاد حلب ارتجالاً بقوله
بغداد دار الفضل قد بزغت بها
…
شمس الفضائل في رفيع علاء
سمحت بحسن سعودها لسعيدها
…
ولقد أرته محاسن الشهباء
حيث استنار الفضل من اشراقه
…
لما بدا في طالع لألاء
أو ما ترى بقدومه الزاهي انجلت
…
في طالع يزهو على الجوزاء
أهلاً به وبحسن بهجة فضله
…
وبشعره السامي بحسن ذكاء
لا زالت الشهباء من أنواره
…
بالفضل تستجلي أتم بهاء
ما اليوسفي بدر نظم قريضه
…
يروي حديث بلاغة الفصحاء
فأجابها السويدي ارتجالاً أيضاً بقوله
أتى سعيد حيث نلت سعادة
…
في رؤيتي لمحاسن الشهباء
أنعم بها وبأهلها فلقد حوت
…
حسناً لناظرها جميل بهاء
جلت عن التشبيه إلا قولنا
…
هي جنة الدنيا ونور الرائي
فالله أحمد حيث بدل سفرتي
…
عن تدمر بمدينة حسناء
فأنا السعيد وباغتنام اليوسفي
…
قد صرت أسعد إذ بلغت منائي
من درة في شعرة من جوهر
…
في نثره متلألئ اللألاء
شكراً لمجلس سيدي عثمان مذ
…
بجلوسه مستجلب الآلاء
أكرم به وبربه وبصحبه
…
درت عليه سحائب النعماء
ثم إن المترجم أنشد في مجلس نقيب حلب الكواكبي بقوله
كواكب الفضل قد لاحت سواطعها
…
ونال منها سعيد غاية الأرب
فأحمد الله إني كنت عندهما
…
أنزه الطرف في روض من الأدب
فيالها ساعة قد أسفرت علناً
…
عن كل ما تقتضيه بهجة الطرب
فأجابه السويدي وقال
كواكب المجد في بحبوحة سطعت
…
فزينت فوق حسن زينة الأدب
أنا السعيد لما عاينت نظرتها
…
وحسنها اليوسفي بالأنس والطرب
وصرت أسعد مذ فخري لمفتخر
…
كواكبي حيث عمتني منا الأرب
ومن شعر صاحب الترجمة قوله
سكرت بعيني من أحب فلم أزل
…
مدى الدهر نشواناً وعقلي ذاهل
سلواً مدمناً للخمر إن كان صادقاً
…
تكون إلى الصهباء تلك الفعائل
وقوله
حجتك يا قمر السماء غمامة
…
لم تدر ميلي للبدور كميلها
فكأنها لما رأتني مغرماً
…
غارت عليك وأخبأتك بذيلها
وهو منتحل من قول الفاضلة عائشة الباعونية الدمشقية
وصيرت بدر التم مذ غاب مؤنسي
…
أنيسي وبدر التم منه قريب
فحجبه عني الغمام بذيله
…
فواعجباً حتى الغمام رقيب
وللمترجم غير ذلك من الأشعار والمقاطيع والألغاز والمعميات وما يتعلق بذلك شيء لا يحصى ولا يعد وكانت وفاته بحلب في صفر سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن خارج أبواب الجنان أحد أبواب حلب رحمه الله تعالى.
عبد الله البقاعي
عبد الله الشافعي البقاعي ثم الدمشقي الشيخ الفقيه الفاضل الماهر أخذ العلم بمصر عن أجلة من الأعلام ومكث بالأزهر نحو ست سنين ثم عاد إلى دمشق وقطن في السميساطية وأقرأ دروس التحفة بالجامع الأموي بكرة النهار ووعظ على كرسي في الجامع في شهر رمضان نيابة وأم في جامع المعلق أصالة وصارت عليه بعض وظائف وكان مواظباً على التعبد والتنسك والمطالعة واقراء الدروس ولا يتردد على الحكام ولا على غيرهم ولا يخلو من الصلاح وسلامة الصدر وترك الانهماك في الدنيا ومرض بالحمى ومات وكانت وفاته في الثاني والعشرين من ذي القعدة سنة سبع وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد الله أنيس
عبد الله الملقب بأنيس الحنفي الأدرنوي الكاتب الماهر المشهور شيخ زاوية المولوية الكائنة بمصر أخذ الطريق عن الأستاذ رجب المولوي الأدرنوي والخط عن الكاتب محمد نوري المصري واشتهر أمره وحج وأقام بمصر وصار شيخاً بها في الزاوية المرقومة وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ومائة وألف قال المصحح آدم شيخ زاوية غلطه هو أيضاً مدفون بتكية المولوية بمصر كما مذكور في الخلاصة وسفينة المولويين واماماً في صحيفة 92 من هذا الجزء الثالث من هبة العمر فهي لا تشبه بما وهبوا ليوسف أغا كنحدا الوالدة لأن أحديهما محة والأخرى بيعاً فانظر بين أهل الحال وبين أهل القال انتهى.
عبد الله العجلوني
عبد الله العجلوني أحد الأبدال ظهرت له الكرامات العديدة والآثار الحميدة حتى قيل إنه خليفة خاطر الشامي المذكور في طبقات الأولياء وكان يتردد على الأستاذ البكري مدة سكناه بنابلس والأستاذ قدس سره يحب الاجتماع عليه والخلوة به حتى حكى الأستاذ عنه إنه رأى سيدي علي بن عليل بشير إليه بيده إلى صدره فاستيقظ الأستاذ وأخذ في تأويل ذلك فدخل الشيخ عبد الله المذكور عليه في تلك الساعة وكان ابتداء كلامه سبحان الله يا صحيبي تصغير صاحب تأول ذلك على غير مراد السيد مراده بإشارته عزيمتك لزيارته فتوجه الأستاذ للزيارة وهو صحبته وأحبه المرحوم سليمان باشا الوزير لما ظهر له من الكرامات وكانت وفاته في حدود الثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى نظم منام صالح لشاور في المقريزي.
عبد الله السفاريني
عبد الله السفاريني الحنبلي الشهير بابن الحطاب أحد الأذكياء الفضلاء قرأ على شيخه محمد السفاريني مدة وافرة ثم رحل لدمشق واشتغل على الشيخ أحمد المنيني وعادت عليه بركته ثم رجع وما زال منقطعاً في خدمة شيخه وملازمته حتى اخترمته المنية وكان نحيف الجسم ومع ذلك كانت له قوة زائدة على التهجد وقيام الليل وتلاوة القرآن وله فهم رائق وشعر رقيق فائق ومحاضرة لطيفة تؤذن برتبة بالفضل منيفة وكانت وفاته سنة سبع وثمانين ومائة وألف ودفن بنابلس رحمه الله تعالى.
عبد الله المدرس
عبد الله المدرس الموصلي شيخ الموصل بلا مدافع ولا ممانع الشيخ الفاضل العامل ولد في حدود سنة ستين وألف واشتغل بطلب العلم حتى صار آية من آيات الله بالعلم والعمل وأخذ عنه أكثر علماء الموصل كالمولى السيد موسى والسيد يحيى المفتي والسيد حمد الجوميلي وغيرهم وفضله أشهر من أن يذكر وكان متحاشياً عن معاشرة الحكام ومجانباً للظلام ما مقصوده من لفظ للظلام هل أراد الظلمة جمع الظالم مستجاب الدعوة مكباً على التدريس خصوصاً الفقه والحديث والتفسير لا يعتني بزخارف الحكماء ودخل لدار السلطنة العلية ثم رجع وحج إلى بيت الله الحرام سنة سبع وأربعين ومائة وألف وترجمه صاحب الروض وقال في حقه أحد الفحول المعول عليه في الفروع والأصول ورع الزمان عمان لمعارف والاذعان ذو الفنون الغريبة والآثار المطربة العجيبة الداخل
بيوت البلاغة من أبوابها والواصل معالم الفصاحة من رحابها تسلق إلى طرق المعارف وسلكها والتقط درر فرائد المعالي وسلكها وعرف طرق الكمال فدخلها وجاز وساغت له حقيقة الفضل والمجاز انتهى وترجمه محمد أمين الموصلي أيضاً وقال أحد أركان العلوم ووحيد الوقت بطريق المنطوق والمفهوم عالم هذه الأماكن ونحرير هذه المساكن قدوة أقرانه علامة زمانه قامع الجهل بفضله قاشع الأشكال بفكره وفهمه طرز حلل العلماء بفضائله وعلمه وفتق نور الأدب بنسمات شمائله حرست سماء مجده إذ رجمت شياطين المعضلات بشرر أفكاره وانجلت ظلمات البلادة بما أفاض على المستفيد من أنواره وتضعضعت أركان الجهالة بما ألقى عليها من مناكب أنظاره ومن لطيف آثاره هذه المنظومة في الأشكال الأربعة وهي قوله
حمداً لرب عالم جليل
…
علمنا طريقة التعليل
ثم صلاة وسلاماً كملاً
…
على الذي فوق السموات علا
وآله وصحبه ذوي الهدى
…
مؤيدي الحق ومهلكي الردى
وبعده فأعلم مريد العلم
…
وباعثي لنظم هذا النظم
وسائلي ضابطة الأشكال
…
منظومة مزيلة الأشكال
جامعة الشروط والضروب
…
وما به تولد المطلوب
فاجزم بأن الأوسط المكررا
…
في جزئي القياس يا من أرهرا
إن جاءت الصغرى وفيها يحمل
…
والعكس في الكبرى فذاك الأول
وإن تجده فيهما محمولاً
…
فذلك الثاني بلغت السؤلا
وإن تجده فيهما موضوعاً
…
فقد وجدت الثالث المصنوعا
وإن وجدته بعكس الأول
…
فذلك الرابع فاحفظ تكمل
والشرط في الأول للانتاج
…
إن توجب الصغرى للاحتجاج
كذاك فعلتها يا من درى
…
فاحفظ ودع سوء الجدال والمرا
والشرط في الكبرى من الكمية
…
في كل حال جعلها كلية
وهي طويلة اختصرتها خوف الاطالة وله غير ذلك من الأشعار وكانت وفاته سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بالموصل رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
عبد اللطيف المكتبي
عبد اللطيف بن أحمد بن علي المعروف بالمكتبي الشافعي الدمشقي نزيل
مصر الشيخ الامام النحرير المعتقد الشهير كان محققاً علامة فاضلاً له اليد الطولى في العلوم لا سيما في الحساب والفلك والهيئة والتقويمات انفرد بهذه العلوم وكان بها اماماً وكان مأنوساً فصيح اللسان وجيهاً ظريفاً عشوراً له مطارحة لطيفة ومذاكرة أنيسة ولد بدمشق ونشأ بها مشتغلاً بطلب العلوم إلى سنة خمس وعشرين ففيها رحل إلى مصر ثم عاد لدمشق واستقام سنة واحدة وعاد إلى مصر واستقام بها إلى أن مات وقرأ وأخذ بها العلوم عن مشايخها الجهابذة ودرس وأفاد للطالبين وانتفع به واشتهر فضله وعلا صيته وصار شيخ رواق الشام بالجامع الأزهر الجامع الأزهر فيه الأروقة يقال رواق الصعايدة رواق اليمنية رواق الأتراك رواق الشوام رواق المغاربة حتى فيه رواق العميان مدة من السنين وشاع ذكره في الديار المصرية ثم ترك ذلك ولزم داره وأسدل شعره ولازم في كل سنة الذهاب إلى الحج ويصير شيخ الركب المصري مع أي أمير خرج محافظاً للحج ولازم ذلك حتى نال الوفاة بجبل عرفات وكان معتقداً ملازماً للديانة والعبادة والصلاح وكانت وفاته في سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بجبل عرفات نهار عرفة وقبره معروف هناك رحمه الله تعالى.
السيد عبد اللطيف الكوراني
السيد عبد اللطيف بن أحمد المعروف بالكوراني الحنفي الحلبي الشريف لأمه الفاضل الأديب البارع النبيه الكامل كان من محاسن الأدباء وظرفاء الأفاضل النبهاء ذو صون من الوقار مغضوض وطرف من الحياء مخفوض جميل الصفات والأفعال مسدد الآراء والأقوال ولد بحلب وبها نشأ وقرأ على أفاضلها كالمولى أبي السعود بن أحمد الكواكبي المفتي والعالم الشيخ حسن التفتازاني وغيرهما وظهر أدبه ونظم ونثر ومهر بالعلم والفنون وكانت له اليد الطولى على أحبابه ووالده كان رئيس كتاب المحكمة الكبرى بحلب لدى قاضي قضاتها واستقام بذلك مدة سنين مديدة ثم تولى افتاء الحنفية بحلب وكان فاضلاً فقيهاً وولده المترجم أولاً تعاني الكتابة في المحكمة ثم صار ايكنجي رئيس الكتاب أيضاً فلم يتعاط أمور الكتابة في المحكمة ولزم الانزوا والعبادة وكان شاعراً وشعره حسن مطبوع ومن شعره ما كتبه جواباً عن قصيدة أرسلها إليه الشيخ قاسم البكرجي الحلبي وهي قوله
جاءت تميس بقد دونه اللدن
…
حوراء ما حل جفني بعدها الوسن
مهضومة الكشح عبل الردف ناعمة
…
ومن سنا وجنتيها الشمس ترتهن
حوراء تختلس الأرواح طلعتها
…
لها بكل فؤاد للورى سكن
ترمي لواحظها عن قوس حاجبها
…
نبلاً تصون اللمى والقلب مفتتن
جلت علي كؤساً من مراشفها
…
وبددت نظم در كان يكتمن
وسرت القلب إذ أبدت مسائلة
…
وخاطبتني فزال الهم والحزن
فهل حكت ظبية الوادي شمائلها
…
كلا ولا أطلعت صنعاً ولا عدن
مليكة الحسن قد عمت محاسنها
…
كفضل مولاي ذاك الجهبذ اللسن
طود الحجي قاسم من قد سما وعلا
…
به على سائر الأزمان ذا الزمن
خلال كل عويص في مباحثه
…
مهذب الفهم إلا أنه فطن
لا عيب فيه سوى باهي مكارمه
…
وحسن أخلاقه بالعلم يقترن
من رام شأو علاه ظل ينشدنا
…
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
يا روضة الأدب الغض النضير ويا
…
من نظمه درر لم يخصها ثمن
أتت إلى عقود أنت صائغها
…
قد رصعتها يد ما شابها وهن
من كل معنى بديع راق مبتكر
…
عرائساً يعتري حسادها ضغن
وقد أجبت لعالي الأمر ممتثلاً
…
لكنني في القوافي بأقل لكن
خذها اليك تجر الذيل من خجل
…
وحشية في خلال الطرس تكتمن
ولا برحت مدى الأيام مبتكراً
…
معاً ينادونها العقيان تمتهن
ودم بعز قرير العين مبتهجاً
…
بفضلك الدهر والأحباب والوطن
ما لاح برق وما هب النسيم وما
…
سقى الرياض شآبيب الحيا الدجن
وقصيدة الشيخ البكرجي المذكور هي قوله
أبعد سلمي يطيب العيش والوطن
…
وهل يعود لصب ذلك الزمن
والجفن يهمي بدمع من سما مقل
…
فسل محاجرها هل زارها الوسن
آهاً لأيام وصل لو تعاد لنا
…
بذلت روحي لها لو أنه الثمن
أيام كان حبي فيه طوع يدي
…
والعيش صاف ونجم السعد مقترن
وبيننا ما إذا فهنا به وبدا
…
إلى العذول علاه الهم والحزن
فياله زمناً كان الشباب به
…
في عنفوان الصبا والقلب مرتهن
بأهيف لو تبدي غصن قامته
…
تطاير القلب لا يبقي له شجن
وقوس حاجبه المعوج كم رشقت
…
من لحظه أسهماً قامت به فتن
ما سحر هاروت سحر عند مقلته
…
كم غازلت وغزتنا وهي تكتمن
وثغره قد حوى دراً بمبسنمه
…
وعند رشف لما الشهد يمتهن
وخاله عمه حسناً وزاد به
…
لولاه كافور جيد منه لا يصن
والخصر منه دقيق دق في نظري
…
كفهم مولاي ذاك العارف الفطن
عبد اللطيف الذي باللطف منجيل
…
عن درك أوصافه قد قصر اللسن
السيد الكامل ابن الكامل ابن ذوي ال
…
أفضال والعلم ندب وصفه حسن
من آل كوران بيت المجد نسل تقي
…
فرع الكرام زكي الأصل مؤتمن
خدن السداد ومقدام الرشاد كذا
…
أبو المعالي الذي أثرى به الزمن
بالعلم والفضل سدتم في زمانكم
…
وتحسد العين في رؤياكم الأذن
قس بن ساعدة تلقاه باقلاً إذ
…
ينشي الرسائل في بحث ويمتحن
سحبان يسحب ذيل الفضل منه حيا
…
وأمرؤ القيس في أشعاره غبن
يا ماجداً قد حوى في المجد منزلة
…
ومن حوى رتبة لم يحوها فطن
وافاك ناظمها الغر الذي حكمت
…
عليه ضيق القوافي أنه الجبن
وإن تكن قصرت في مدح سيدها
…
لكن بمدحك منها طابت اللسن
شنف مسامعنا من در بحرك إذ
…
لا غرو فالدر في الأبحار مكتمن
وأسلم ودم وابق يا غوث الزمان لنا
…
على مدى الدهر لا يزري بك الزمن
وللمترجم أيضاً
كأن ذا الدهر روض ورد
…
جناه من قبلنا خصيبا
ونحن جئنا لنجتنيه
…
فراعنا شوكه جديبا
وفي ذلك للشيخ قاسم البكرجي المذكور
قد اجتلى الدهر أناس مضوا
…
من قبلنا كالبدر في تمه
ثم اجتلاه بعدهم فتية
…
مثل هلال الشك في رسمه
ونحن لم نلق هلالاً ولا
…
بدراً سوى الأكدار من غمه
وفي ذلك للأديب مصطفى بن محمد الحلبي المعروف بالبيري
لقد وردوا من قبلنا ورد دهرنا
…
نميراً بأنفاس النسيم مبردا
وقد وردوا من بعدهم منه آجناً
…
يعاف مساغاً حين بالحماة ارتدى
ونحن وردناه سراباً بقيعة
…
يغرك مرأى وهو لا ينقع الصدى
والأصل فيه قول المتنبي
أتى الزمان بنوه في شبيبته
…
فسرّهم وأتيناه على هرم
وذيله الأديب السيد حسين بن كمال الدين الأبزر الحلي فقال
وهم على كل حال أدركوا هرماً
…
ونحن جئناه بعد الموت والعدم
ومن ذلك قول ابن السماح
صفا الدهر من قبلي ودرديه أتى
…
فلم يصف لي مذ جئت بعدهم عمر
فجاؤا إلى الدنيا وعصرهم مضى
…
وجئت وعصري من تأخره عصر
وقال أبو جعفر المحدث
لقى الناس قبلنا غرّة الده
…
ر ولم نلق منه إلا الذنابي
وقال المعري
تمتع أبكار الزمان بأيده
…
وجئنا بوهن بعدما خرف الدهر
فليت الفتى كالبدر جدّد عمره
…
يعود هلالاً كلما فنى الشهر
وقال الآخر
كأنما الدهر ماء كان وارده
…
أهل العصور وما أبقوا سوى العكر
وذكر الجاحظ الحجازي في المسهب إنه سأل عمه أبا محمد بن إبراهيم عن أفضل من لقي من الأجواد في عهد ملوك الأندلس فقال يا ابن أخي لم يقدر أن يقضي لي وطروهم في شباب أمرهم وعنفوان رغبتهم في المكارم ولكن اجتمعت بهم وأمرهم قد هرم وساءت بتغير الأحوال ظنونهم وملوا الشكر وضجوا من المروءة وشغلتهم المحن والفتن فلم يبق فيهم فضل للأفضال وكانوا كما قال أبو الطيب أتى الزمان الخ وإن يكن أتاه على الهرم فإنا أتيناه وهو في سياق الموت ومع هذا فإن الوزير أبا بكر بن عبد العزيز كان يحمل نفسه ما لا يحمله الزمان ويبسم في موضع القطوب فيظهر الرضا في حال الغضب ويجهد أن لا ينصرف عنه أحد غير راض فإن لم يستطع الفعل عوض عنه القول قلت له فالمعتمد ابن عباد كيف رأيته قال قصدته وهو مع أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين في غزوته للنصارى فرفعت له قصيدة منها
يا ليت شعري ماذا يرتضين لمن
…
ناداه يا موئلي في جحفل النادي
فلما انتهيت إلى هذا البيت قال اماماً أرتضيه لك فلست أقدر في هذا الوقت عليه ولكن خذ ما ارتضى لك الزمان وأمر خادماً له فأعطاني ما أعيش في فائدته إلى الآن قال فانصرفت به إلى المرية وكان بها سكناه والتجاؤه بها لكونها ميناً لمراكب التجار من مسلم وكافر قال فكان ابقاء ماء وجهي على يديه انتهى ولصاحب الترجمة الكوراني أشعار غير ذلك ما ذكرناها وبالجملة فقد كان من الأدباء المشاهير أهل الكمال والعرض وكانت وفاته في سنة خمسين ومائة وألف ودفن بحلب في خارج باب المقام بمقابر الصالحين
وسبب ذلك إنه طولب بدين كان عليه بعنف وكان يتهم بالثروة مع إنه صفر اليدين ولكن نفسه تأبى الشكوى والتظاهر بذلك ولما مات لم تف تركته بالدين فبيع منزله في ذلك رحمه الله تعالى.؟
عبد اللطيف الخلوتي
عبد اللطيف بن حسام الدين الحلبي الخلوتي نزيل دمشق الشيخ الأستاذ المرشد المسلك العارف الكامل الأوحد الناسك كان في طريق القوم ممن اشتهر وساد مولده حلب وخرج منها وسافر وطاف وأخذ عن الأستاذ شيخه مصطفى الأدرنوي في مصر القاهرة سنة ثلاث ومائة وألف وأقام عنده في جامع الجلاد أربعة أعوام واختلى به خلوات عديدة وكانت امداداتها وافرة جديدة وهو أخذ عن شيخه الأستاذ المربي الأكمل علي المعروف بقره باش في مدينة أدرنة ولهذا الأستاذ مؤلفات عديدة ورسائل في الألسن الثلاثة مفيدة وانتقل عن خلفاء وتلاميذ لا يحصون كثرة وسنده معلوم عند الخاص لا العموم ولصاحب الترجمة فضل وحصل على ما حصل وهو شيخ ومربي ومرشد الأستاذ العارف مصطفى الصديقي الدمشقي لأنه أخذ عنه وتلمذ له وقد ترجمه المذكور بكتاب حافل رتبه على أبواب وذكر ما اشتمل عليه صاحب الترجمة وقد طالعته ورأيت للمترجم مقاماً عالياً وأطواراً وأحوالاً حسبما وجدته منقولاً في الكتاب المذكور يدل ذلك على علو مقدار المترجم وشأنه حتى إن الأستاذ الصديقي المذكور سمعه مرة يقول الجنيد لم يظفر طول عمره إلا بصاحب ونصف فقال له الصديقي وكم ظفرتم أنتم بمن يوصف بالتمام فقال له أنت إن شاء الله تعالى وببركة أنفاسه عليه ظهر الصديقي للوجود وصار من أرباب الوجدان والشهود وستأتي ترجمته بمحلها وكانت وفاة المترجم بدمشق في أول رجب سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف المغربي
عبد اللطيف بن عبد الحق الشهير بالمغربي الحنفي الطرابلسي الشيخ الفاضل الفقيه الشهير كان هو وأخوه الشيخ محمد صنوي مجد واتقان في فقه أبي حنيفة رضي الله عنه تولى كل منهم خدمة الشرع الشريف مع نصح وعفة وتحمل أثقال بلا كلفة وأخذ كل منهما العلم مع تدبر كتبه ودراية نقله وكان الشيخ محمد يلقب بقارئ الدرر لما أنه مهر في أبحاثها والمترجم كان يدعي بزفر لأشتهاره بالفقه وقد توفي الشيخ محمد في سنة
أربعين ومائة وألف وصاحب الترجمة بعده في سنة ثلاث وأربعين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عبد اللطيف العشاري
عبد اللطيف بن عبد الرحمن الشافعي العشاري البغدادي نزيل طرابلس الشام الشيخ الفاضل الصالح العالم العامل له فضيلة في غالب الفنون الشرعية وغيرها لم يجنح في عمره لرفاهية دأبه الافادة والاستفادة مثابر على التهجد والجماعة في صلواته لم يعهد له خصلة ذميمة قرأ في بغداد على الشيخ محمد بن مفرج البغدادي والشيخ عبد الله السويدي البغدادي وكان يستقيم ببغداد في المدرسة العمرية والمدرسة الزهيدية ثم ارتحل إلى طرابلس واستقام بها إلى أن مات وكان عارض بعض أهل الجذب فأوعده وآذنه بالحرب فجرح من ليلته بيده عند أخذه الموسى لعانته وكان ذلك سبباً لموته وذريعة لتوبته وكانت وفاته في سنة خمس وثمانين ومائة وألف والعشاري نسبة إلى عشارة قرية من قرى الموصل رحمه الله تعالى.
السيد عبد اللطيف القدسي
السيد عبد اللطيف بن عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد القادر الحنفي القدسي نقيب القدس وشيخ الحرم بها ورئيسها وعين أعيانها السيد الشريف الجواد الممدوح الكامل السخي المعتبر الشهير اللطيف صاحب الفخر الأثيل والمجد العريق الجميل كان أحد من تفرد بوقته بالجود والكرم حسن الأخلاق مهاباً رفيع القدر سليم النفس طيب الأعراق زاكي الخصال ذا بشاشة وفيه محباً للفقراء والضيفان مسدي المعروف لأهله والاحسان ولد في سنة خمس عشرة ومائة وألف ونشأ في السيادة رافلاً وفي السعادة راتعاً وأسفر صبح معاليه وطابت أيامه ولياليه وتولى منصب نقابة الأشراف ومشيخة الحرم الشريف واستبد مشيداً أركانه ومؤطراً للواردين من الاكرام بنيانه واشتهر وذاع وملأ صيته الأفواه والأسماع وأقبلت عليه من كل ناحية الوراد ووفدت إليه من كل بقعة غرائب العباد وهو يوسعهم اقبالاً وتبجيلاً ويزيدهم مكرمة وتفضيلاً وكان يتقدم لخدمة الضيوف بنفسه وأولاده ويقابلهم بوجه ضحوك ويعظم الضعيف قبل الشريف ولما قدر الله تعالى على الحجاج ما قدر من نهبهم وما جرى عليهم في زمن الوزير حسين باشا بن مكي الغزي وردت الحجاج من كل فج إليه مشلحين بلا زاد ولا رداء أفواجاً وأفراداً فكان يتلقاهم بصدر
رحيب ويوسع لهم الحباء ويمنحهم التقريب وهو يكسو العاري ويطعم الجائع وأرفدهم بذلك بمزيد الاجتهاد من الاكرام وكان نزيل ساحته ومسافره إذ ذاك الفاضل الأديب الشيخ محمداً أبا النصر الطرابلسي فقال يمدحه حاكياً هذه القضية بقوله
بشراك بالاسعاف والاسعاد
…
والعز والاقبال والامداد
يا سيداً قد حاز كل فضيلة
…
يا كوكباً لذوي الحوائج هادي
مولاي بل مولى الأنام لطائفاً
…
أحرزتها من غير ما ميعاد
قد قمت لله العليّ جلاله
…
حق القيام على مدى الآماد
ومنحت وفد الله خير منائح
…
وحبوتهم وشفيت غلة صادي
ورحمت رغبتهم بأنس زائد
…
وأزلت عنهم وحشة الأبعاد
وأنلتهم لأجل ما قد أملوا
…
فأغثتهم يا مأمل القصاد
فغدوا وكل شاكر لك حامد
…
مثن عليك وقد منحت أيادي
لكم لقد رفعوا أكفاً بالدعا
…
يا ربنا كن عونه يا هادي
وأعذه يا رباه من شر العدا
…
وأكفه شرار الخلق والحساد
فأشكر على ما قد رزقت من العطا
…
فالشكر للنعماء أفضل زاد
وأعلم بأنك قد بلغت مطالباً
…
من غير ما عزم ولا استعداد
فأبشر وطب واهنأ بعز شامخ
…
لا زلت تمنح غادياً مع بادي
وأرق العلى أبدا على رغم العدا
…
مع سائر الأحباب والأولاد
ما غرّدت قمرية في دوحها
…
تشدو فتطرب رائحاً مع غادي
وامتدح بقصائد وأبيات كثيرة وممن امتدحه الشيخ سعيد بن محمد السمان الدمشقي فقال من قصيدة يهنئه فيها بزفاف ولديه ومطلعها
إن المعالي والسيادة والمنن
…
والمجد والاجلال والخلق الحسن
نيطت بآل البيت من سادوا الورى
…
شرفاً وشادوا في العلى أقوى سنن
وتملكوا الأعناق بالجود الذي
…
يزري بودق الساريات إذ أهتن
وسموا السماك بلا مدان وارتدوا
…
أزر التقى وتقلدوا سيف الفطن
وتمنعوا عما يشين وأوسعوا
…
بشرى لمن في ظل جاههم قطن
وبجدهم نالوا الفخار وما ارتضوا
…
زهر النجوم بأن تكون لهم سكن
فهم الأولى لا شك نستسقي بهم
…
غيث الغمام إذا بنا ضاق العطن
وبحبهم نرجو مقامات العلا
…
وبجاههم نبغي الخلاص من الأحن
قوم نراهم ما جرى ذكراهم
…
في محفل الا به افتخر الزمن
فهم النجوم المهتدي بضيائها
…
إن عمت البلوى وأزعجت الفتن
لا سيما رب المكارم والندى
…
ورئيسهم من قد حوى الأجلال عن
من حاتم عند انسياب أكفه
…
هو ما در بل بالندى هيهات أن
فرد الزمان وتاج مفرق عزه
…
والدافع الجلاء والمولى المنن
ومن استعار الغيث فضل نواله
…
إذ رام يهمي والسحاب إذا أرحجن
وحوى المحامد واستبدّ بجمعها
…
وعن العيون بكسبها زاوي الوسن
ورقى معاريج الكمالات التي
…
من رامها قالوا له أنت ابن من
لا عيب فيه غير أن نزيله
…
ينسى به ذكر الأحبة والوطن
فكأنما كفاه لم تخلق سوى
…
لصنائع المعروف سراً أو علن
فهو الهمام ابن الهمام المرتجي
…
وهو الشريف ابن الامام المؤتمن
وامتدحه غيره من دمشق وغالب الأطراف وورد دمشق وتكرر منه الورود وأقبلت عليه أهاليها ورؤساؤها وصدورها وعلماؤها سيما والدي فإنه كان يجله ويحترمه ويوده ويعظمه وبينهما مودة ومصافاة وارتحل للديار الرومية ولم يزل في القدس صدرها الذي عليه مدار رحاها والمطمح الذي لذوي الحاجات والوراد نيل رجاها إلى زمن الوزير عثمان باشا والي دمشق وأمير الحاج فلعدم امتزاج أهالي تلك النواحي مع الوزير المذكور حصل له من طرفه صدع اضمحل به عزه وأراد هتكه وإهانته وأوقع أهل الفساد بينهما من المشاحنات ما أدى إلى البغض والعداوة حتى إنه نبه عليه أن يلزم داره ولا يتعاطى سوى أمور النقابة ولم يزل على ذلك حتى عرض بالنقابة لولده السيد عبد الله واستقام على حالته الحسنة ولم يتغير عن كرمه وترجيه وإسعافه الوراد والقصاد وعن طريقته في ذلك ولم يزل رئيساً معتبراً إلى أن مات وكانت وفاته في يوم الأربعاء ثاني شهر ذي القعدة سنة ثمان وثمانين ومائة وألف وسيأتي ذكر والده رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف الزوائدي
عبد اللطيف بن عبد القادر الزوائدي الشافعي الحلبي خطيب جامع الخسروية بحلب كان ملازماً خدمة العلامة صدر حلب أحمد الكواكبي ولما ولي قضاء طرابلس الشام أخذه صحبته وجعله قساماً فأساء السيرة فعزله فقدم حلب ولازم خدمة والده
العالم المولى أبي السعود الكواكبي فلما صار مفتياً جعله أمين الفتوي شركة مع الشيخ إبراهيم البخشي وكان حفظ القرآن أولاً على الشيخ عامر المصري نزيل الحلاوية وقرأ التفسير علي الكواكبي أحمد المذكور والفقه على الشيخ مصطفى الحفسرجاوي والعربية والصرف على الشيخ سليمان النحوي وكان فقيهاً حافظاً ذا صوت حسن شجي خطاطاً وقل أن تجتمع هذه المحاسن في عالم وكان أبوه عامياً فقيراً صباغاً نشأ المترجم في الفقر الحالك المهلك وكان يحث مخاديم أصحابه على اكتساب الكمالات ويخبرهم عن نفسه إنه كان فقيراً جداً لا يملك شيئاً وإنه من احتياجه لا تصل يده إلى شراء ورق لتعلم الكتابة فكان يأخذ ألواح الغنم من عند القصاب ويفركها بالرماد لتزول الزهومة منها ويكتب عليها ويأخذ أوراق البن فيلصقها ويصقلها ويتعلم الكتابة بها فحسن خطه وصار ينسخ بالأجرة ويأخذ على الكراس الربعي قرشاً لجودة خط واتساق سطوره فانتعش حاله ثم ارتحل من محلته إلى محلة باحسينا وسكن في جوار بقية الكرام الشيخ أحمد العلبي فاعتنى به وأسكنه داراً من دوره وزوجه ثم انحلت خطابة الفرمانية فوجهها إليه مع الاقامة لكون تولية جامع الفرمانية مشروطة على بني العلبي واستقام حاله وقطن في حجرة داخل الجامع المذكور يقري وينسخ ولازم صحبة العلبي المذكور وصار لا يكاد أن يفارقه فإن المترجم كان خفيف الروح دمث الأخلاق مزاحاً صغير الجثة جداً بحيث إنه كان إذا وقف في المنبر لا يرى منه سوى العمامة فاستقام بجوار المذكور إلى أن مات فارتحل المترجم إلى محلته الأصلية ثم انحلت خطابة الخسروية فوجهها له العلامة أبو السعود الكواكبي المذكور آنفاً وكان له المعرفة التامة في الوعظ مع جهارة الصوت وكان يعظ في جامع قسطل الحرامي وكانت له بقعة تدريس في الجامع الأموي بحلب وكانت وفاته في أوائل سنة اثنتين وثلاثين ومائة وألف فجأة بالقرب من باب النصر بحلب سقط عن ظهر البغلة ميتاً ودفن بمقبرة جب النور بمحلة الشريعتلي رحمه الله تعالى شريعتلي محله سي أوله جق.
عبد اللطيف الأطاسي
عبد اللطيف بن علي المعروف كأسلافه بالأطاسي الحنفي الحمصي كان أحد الأفاضل الأدباء المتفوقين حصل في الأدب رتبة ونالها وكان له من العلم القدح المعلى ومع ذلك يجنح إلى فنون أخر وعلوم كالكيمياء والأوفاق وغير ذلك من الفنون الغريبة ويتعاطى ذلك وكانت له القصائد الفرائد والأشعار الحسنة فمما وصلني من شعره قوله من قصيدة امتدح بها شيخ الاسلام مفتي الدولة بشمقجي زاده المولى السيد عبد الله حين عوده من الحج ومطلعها عبد الله أفندي سلفه محمد أفندي وخلفه أبو الخير أحمد أفندي.
قد عادت الشمس تشريفاً إلى الحمل
…
والسعد أقبل يسعى بالغ الأمل
وطلعة البدر زادت في علاه سنا
…
والنجم في أفقه قد عاد في وجل
يودّ أن لو هوى يحظى ببغيته
…
يقبل الأرض مع أيد على عجل
وظبية السرب مرعاها فؤاد فتى
…
أيدي الغرام به أودت ولم يمل
حليف وجد دهته أعين نجل
…
مع ضعفها عجباً من أعين نجل
تزري بذي اللبن حتى لا يكاد يرى
…
سقماً وتقتل في غنج وفي كحل
وذا الغزال الذي يفترّ عن شنب
…
وعن أقاح وعن درّ وعن عسل
حكمته فجنى جوراً عليّ قلى
…
وأحكم الطعن في أحشاي مع عللي
من منقذي يا لقومي من جفا رشا
…
حلو الشمائل يحكي الغصن بالميل
سوى الامام الذي شاعت فضائله
…
في كل ناد وأحيا العلم بالعمل
صدر الشريعة كنز الفضل بحر هدى
…
حاوي المفاخر مطفي ربقة الدخل
وجيز آياته عند البسيط لها
…
كشف لأسرار ذي غمز وذي جذل
هو الهمام الذي إن راحتاه همت
…
تغني بسح نداها بائس المحل
هو الجواد الذي يسمو بهمته
…
على السها والسما والنجم مع زحل
أضحت ذكاء لما قد حاز من شرف
…
ومن فخار ومن مجد ومن نحل
ترنو إليه اغتباطاً وهي طامعة
…
في أن تلازم جدوى بابه النهل
أقام للدين شأناً بعدما درست
…
آثاره وهوى في قالب خمل
فأشتاقه البيت ناداه أجاب بلى
…
وسار شوقاً لخير الخلق والرسل
وآب في دعة والسعد يقدمه
…
واليمن يخدمه والطول مع طول
وأصبحت جنبات الكون مشرقة
…
تثنى وتحمد شكر أربها الأزلي
حيث السلامة حفت مع ملائكة
…
لشيخ الاسلام عبد الله ابن علي
بحر النوال وبر الجود من برزت
…
جدواه تمنح عاف قاصد النحل
ما أم أعتابه ذو حاجة وله
…
إلا وبدله لطفاً من الخبل
وقد رجاك امام الفضل ذو أمل
…
كسير قلب فأجبر بالرجا خللي
وله من قصيدة ممتدحاً بها بعض مشايخ الاسلام في الدولة ومطلعها
جاءت تميس تثنى عطفها تيهاً
…
لما بأسرارها تمت معانيها
وأظهرت عجباً لما لها حسدت
…
قضب الربا وتزاهت في تجليها
تخشى المحاق على الأقمار إن سفرت
…
وتكسف الشمس إن وافت تحاكيها
ريم رمت بفؤادي من لواحظها
…
سهم المنية مذ وافى يحييها
وأثملتني لما أنها اتخذت
…
تعاطي الكأس ممزوجاً بما فيها
كم عاقرت مغرماً فيه وكم فتنت
…
خوداً وكم أسرت أسداً بناديها
رعبوبة من بني الأتراك غانية
…
فلا يغرنك فيها قول شأنيها
بديعة الحسن إن أبدت غرائبه
…
تسبي الأنام ولم يظهر تجنيها
لها احتكام عجيب في صناعتها
…
تبدي التسلي وفرط الشوق يسليها
ومذ توهمت روض الخد مفتكراً
…
فأثر الوهم من قلبي بخديها
وكنت أجني لورد الخد ملتمحاً
…
فسابقتني سيوف اللحظ تحميها
وقاسمتني دوام الود قلت لها
…
مواعد الغيد لم يبلغ أقاصيها
قالت سرى البدر مستعط فجدت له
…
بحلة من جمال يكتسي فيها
فقلت كلا فما للبدر من شبه
…
فبكى وإن قسته لم أوف تشبيها
البدر في كل شهر من لوازمه
…
شحوبة ومحياك بنا فيها
قالت أتنسى لحاظاً قد فتنت بها
…
وآية السحر منها علم تاليها
فقلت أنسى بلى في مدح من فخرت
…
به المعالي وقد نالت أمانيها
بحر الفضائل من فيه لقد شرفت
…
مراتب العز واستعلت بمفتيها
شيخ المشايخ والاسلام من شهرت
…
علومه كذكاء في ترقيها
حدث بما شئت عن بادي مكارمه
…
عجائب البحر لم يسطع تخفيها
آيات أفضاله كالمعجزات له
…
ودر أبحاثه يهدي لقاريها
ما جال فكر ولا ورى لمشكلة
…
إلا أرانا صباحاً من دياجيها
ما حل ناديه من أعيته حاجته
…
إلا وهمته بالحال تقضيها
شمس الأفاضل بدر المجد من برزت
…
نجوم جدواه تستدني موافيها
وامتدح الوزير الصدر علي باشا ابن الحكيم بقصيدة هي قوله
صبح السرور لليل الهم قد هزما
…
وحارس السمع شيطان العد أرجما
وآية النور آيات الظلام محت
…
وكوكب الرشد أبراج الهدى لزما
ودوحة السعد قام العندليب بها
…
يشدو خطيباً على الأغصان مبتسما
والغيم يسكب حزناً درا دمعه
…
والروض يضحك فرحاً معجباً برما
والقضب تختال من مر النسيم بها
…
والنور يبدي لها من حتفه شمما
والبدر أشرق في الآفاق فاعتذرت
…
له النعائم والأكليل قد هضما
والشمس ردت إلى الجوزاء بازغة
…
والليث أنشب بالعذراء مصطلما
والظبي وافى وأوفى لي مواعده
…
فصحت يا ليت قومي يعلمون بما
وزار حتى كأن الهجر أحرقه
…
لم تلف وضعاً ولا بدا ولا رقما
وسرني عاتباً لما أسر بما
…
أفشاه من شجن دمعي وما كتما
وساءني راحلاً يوم الوداع وما
…
أمر يوماً به دمع المحب هما
وقال لي داعياً أنسيت مجتمعاً
…
والغيد والروض والواشي قد انهزما
والكأس والراح والساقي يدير بها
…
أم كان ذاك خيالاً مرام حلما
أجبت كلا ولكن عنوة صرفت
…
خواطري عن غرام كان لي رغما
لذروة قصرت من دون رتبتها
…
أيدي المعالي وصارت للعلا علما
وسدة شرفت لا بالوزارة بل
…
قد شرفتها وذات للعلوم سما
أرومة المجد ينبوع الفخار له
…
في كل فن بدا سبق حوت حكما
شمس الأفاضل قد قامت مكارمه
…
تدعو الوفود فمن وافى لها غنما
بدر المحافل مأوى كل مكرمة
…
نادت أياديه للعاني اتخذ نعما
صدر الأماثل درياق الهموم جلا
…
عين البصيرة محيي المجد والكرما
ليث العرين قوي البأس همته
…
لو صادمت لبناء دك وانهدما
تخاله جحفلاً إن سل صارمه
…
يوم النزال على الأبطال أو حجما
ما رامه فارس في يوم معترك
…
الا ورد على الأعقاب قد ندما
وما ألم يناديه ذوو أمل
…
إلا السرور على آماله هجما
فبذله عسجد من غير مسألة
…
وإن سألت غماماً واجتهدت فما
ابن الحكيم على القدر أنت فتى
…
ملكت كل الورى بالبذل لا وغما
وسرت بالعدل سير البدر مع نفر
…
هم الكواكب فاستوثق بهم ذمما
فأبشر فإن قلوب الفرس قد ملئت
…
رعباً وسيفك جيش العجم قد قصما
وجاءك النصر والفتح المبين فلا
…
تضيق ذرعاً ولا تحسبهم خصما
هم العوارك في الهيجا إذا برزوا
…
وفي السلامة أعيار ترى شمما
هم الأراذل إن حلت بساحتهم
…
أسواط بطشك ذابوا وأختشوا نقما
وإن يكن منهم أسد مروعة
…
فعزة الملك فيكم والنبي حمى
منها
وهاكها من بنات الفكر غانية
…
فريدة تخذت كل الورى خدما
بديعة لو رأى حسان طلعتها
…
لقال من عجب من ذا الذي نظما
فاقت على الدر في النظم البديع ولم
…
ترضى سواك لها كفوأ ولا رحما
نادتك جهراً ولم تلغي بما نطقت
…
يا ابن الكرام ألا تدنو فتبصر ما
وأسلم مدى الدهر في سعد السعود على
…
رغم الحسود وما ثغر الشجي بسما
ولا برحت رجاء للوفود ولا
…
زالت أياديك تبدي للورى نعما
وله من قصيدة مطلعها
سلالي الصبا هل آذنت منهم عطفا
…
وهل سحر أمرت وهل بلغت وصفا
وهل ظبي ذاك الحي عند مروره
…
تبدي فأيدي من صبابته لهفا
أم أجتاز من وادي العقيق مودعا
…
أم ازداد بعداً أم تدانى أم استخفى
وهل خيلت منهم شجوناً تدلها
…
على كبد حراً ظواهرها تخفى
وهل شاهدت طرفاً سقيماً بحاجر
…
محاجرة تبدي الغرام مع الأغفا
وهل أكثرت شكوى الفراق توجعا
…
أم ابتسمت بالله أم أرخت السجفا
وقولاً لها تبدي حديث صبابتي
…
لديها ونرجو أن تلين لنا عطفا
قضى الله لي بلوى الهيام بحبها
…
وما كان مقضياً فلا بد أن يلفى
تحملني ما لا أطيق من الجوى
…
ولست بصب من لواعجه أستعفى
وقد طالما قد كنت أرجو وعودها
…
فتبعدني طوراً وطوراً أرى خلفا
اليها لقد أهوى عليل وشاجب
…
ومحترض كل يروم بأن يشفى
فكم أثملت قبلي بخمر لحاظها
…
أولى نسك شتى ولم تسقهم صرفا
شكا البدر منها مذ أماطت نقابها
…
مفاخرة واسترهب السدف والخشفا
فيا ليت لا ألقى الجمال اكتماله
…
عليها ولا أهدى اليها لها ظرفا
ولله ما ألقى إذا ما رأيتها
…
تميس وقد مالت وأنكرت العرفا
وألقت بأحشائي لهيب صدودها
…
وشدت وشاحيها ورددت الردفا
منها
وناجيت قلبي فوق طور اشتياقه
…
سلواً فلم يبرح يمد لها كفا
بليل بهيم قد أمدت سدوله
…
ستور من الظلماء حالكة سدفا
أراعي بجنحيه نجوماً ثوابتاً
…
فطالعه صفا وغاربه صفا
كأني وإياها إذا ما وجدتها
…
فقيد فؤاد ذاهل ترك الحقفا
وله مذيلا
إذا أسود جنح الليل فلتأت ولتكن
…
خطاك خفافاً إن حراسنا أسدا
وإياك من قوم عليك صدورهم
…
من الغيظ باتوا مضمرين لك الحقدا
ولا تأتني جهراً فإن رماتهم
…
بذات الحمى والشيخ قد أحكموا الرصدا
ومن كان متبولاً بذات لواحظ
…
مراض دعته أن يهان وأن يودي
فلا تبد سلواناً وإن أظهر الجوى
…
خوافيك داري من عرفت ومن أردا
فمن سره تذليل صعب مرامه
…
تحمل أثقال الغرام وما أكدى
ومن رام أن يلوي سواد بنانه
…
على الجيد لا يخشى سناناً ولا حدا
وله غير ذلك وبالجملة فقد كان أديباً فاضلاً ولم أتحقق وفاته في أي سنة غير أنه في سنة ست وأربعين ومائة وألف كان موجوداً رحمه الله تعالى حكيم أو على الممدوح ولي على مصر مرتين وتولى الصدارة أيضاً وكان بعد عثمان وقبل إسماعيل وتصدر ثانياً وكان في هذه الدفعة سلفه أحمد فخلفه سيد حسن وولي الصدارة ثالثاً بعد باهر مصطفى وعزل في سنة 1168 وجاء مكانه نائلي عبد الله انتهى.
السيد عبد اللطيف الكيلاني
السيد عبد اللطيف بن فتح الله المعروف بالكيلاني الحنفي الحلبي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها وهو من أسباط بني الكيلاني المقيمين في حماه كان والده بحلب يتعاطى صنعة السراجه وهو أيضاً في أول أمره فلذلك اشتهر في بلدته بابن السراج السراج من يصنع السرج والسراجة ككتابه هي الحرفة وكان عبد الباقي شاعر الروم يتعانى حرفة السروج في مبدء أمره ثم أدركته حرفة الأدب ويحدثون عنه بنكات كانت تصدر عنه من ألطف ما يكون ومن أحسنها موقعاً ما اشتهر عنه إنه كان نظم قطعة من الشعر في غلام فلما سمع الغلام القطعة أعجبه ما فيها من التخيل وأقسم إنه يقبل رجله إذا رأه فاتفق إنه صادفه في بعض أسواق قسطنطينية وباقي راكب وجماعته في خدمته فدخل الغلام وأراد أن يقبل رجله فمنعه من ذلك وقال ما حملك على هذا الك حاجة فقال لا وأخبره باليمين الذي حلفه فقال له أنا نظمت الشعر بفمي ولم أنظمه برجلي وقالها أبو بكر العمري في ديوانه وقد نظمها أبياتاً فقال قال لما وصفته ببديع الحسن ظبي خل عن وصف مثلي مكن العبد أن يقبل رجلاً لك كيما يجيز فضلاً بفضل قلت انصف فدتك روحي فإني بفمي قد نظمته لا برجلي وقريب من هذا قول الصاحب ابن عباد وشادن جماله تقصر عنه صفتي أهوى لتقبيل يدي فقلت لا بل شفتي انتهى قرأ على الشيخ طه الجبريني والشيخ علي الدباغ ثم إنه قدم إلى الروم في دعوى استحقاق والدته في وقف بني الكيلاني ثم أخذ تولية الوقف ببراءة عسكرية ثم رأى لها قيداً في محاسبة الحرمين فنقل البراءة العسكرية إلى الحرمين ثم ساعدته المقادير فعمل عليها في زمان السلطان الأعظم محمود خان خطاً شريفاً ثم في أثناء قدومه خدم شيخ الاسلام المولى مصطفى المعروف بالدري قبل أن يصير قاضياً بالعساكر بأناطولي في مقابلة الكتب وهو الذي ساعده في عمل الخط الشريف ولازم منه لما تولى افتاء الدولة شيخ الاسلام المولى عبد الله وصاف المعروف بالإيراني وكان مميزه الشيخ إبراهيم الحلبي دخل إلي لأمتحان برجاء الدري المذكور وبمعرفة الحلبي وسلك طريق
المدرسين والموالي وقطن قسطنطينية واستقام بها وتنقل بالمدارس على قاعدتهم ولما توفي كان في موصلة السليمانية المتعارفة بينهم وكان يتعاطى بيع الكتب وصنعة الصحافة في مدة اقامته وله فضيلة بالعلوم ومعرفة ولما ارتحل إلى الروم الفاضل سليمان المحاسني الدمشقي خطيب الأموي وإمامه دعاه إلى المبيت بداره ثمة المترجم فامتدحه بقوله
ألا يا دار حيتك الفوادي
…
بكل كرامة في طول عمر
ودام وجودك يسمو بمولى
…
كريم الطبع ذو شرف وفخر
هو المفضال من كيلان يغدو
…
بكل مزية في طيب بشر
لطيف الطبع دام بكل مجد
…
على أمد الدهور ليوم حشر
وكانت وفاته بقسطنطينية في شعبان سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بالتربة المعروفة بمحمود باشا رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف العمري
عبد اللطيف بن محمد بن محمد بن أحمد العمري الشهير بابن عبد الهادي الشافعي الدمشقي القادري الخلوتي الشيخ الصالح الدين المعتقد الفالح التقي النقي كان من المشايخ المعتقدين مبجلاً محترماً عند الناس وموسوماً بالصلاح والديانة ولما توفي شيخ الخلوتية بدمشق الشيخ عبد الوهاب الغراوي الغميان ترك ولداً يسمى الشيخ محمد ويلقب بالملك عرضت المشيخة على صاحب الترجمة فلم يقبلها لوجود ولده ثم بعد مضي ستة أشهر توفي الشيخ محمد ولده فعرضت ثانياً على المترجم فأبى عنها فألزمه جمع غفير من العلماء والمشايخ الخلوتية السابقين وحج إلى بيت الله الحرام وكانت وفاته في سنة أربع وستين ومائة وألف عن نيف وسبعين سنة ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عبد اللطيف الأدلبي
عبد اللطيف الحنفي الأدلبي الكاتب العارف بصنعة الرمل مولده تقريباً بعد العشرين من هذا القرن في أدلب الصغرى ونشأ بها ورحل إلى طرابلس الشام قدم حلب سنة خمس وخمسين ومائة وألف وقرأ على فضلائها منهم الشيخ طه الجبريني والسيد علي العطار وغيرهما وكان يكتسب بالرمل لضعف حاله وله فيه معرفة تامة وشوهد له فيه أمور عجيبة منها إنه كان له انتساب ومحبة مع ابن الخنكارلي أحد أعيان حلب وكان المذكور مع مخدومه الوزير عبد الله باشا بجزيرة قبرس
وصاحب الترجمة أراد أن يسبر قال م ح السبر من باب قتل وفي لغة من باب ضرب تقول سبرت القوم تاء ملتهم واحداً بعد واحد لتعرف عددهم والسبر بالتركي يوفلامق انتهى من القواعد كيفية حال المذكور فظهر له إن محلاً بمنزله في الجزيرة المذكورة متهدم وإنه يسقط وإن المحل مرتفع فحرر مكتوباً إلى المذكور وأخبره إن في منزلك محلاً عالياً صفته كذا لا تدخل إليه فلما وصل الكتاب امتنع ابن الخنكارلي المذكور من الدخول لذلك المكان لما يعلم من معرفة صاحب الترجمة فما مضى مدة يسيرة من الزمان إلا وسقط المحل ولم يصب ضرره لأحد من أهل المنزل وله من هذا القبيل أشياء كثيرة وكان قوي الحافظة يحفظ متن القدوري وأكثر شرح المنية وغير ذلك ولما أجدى حالة ترك معاناة الرمل واشتغل بحفظ شفاء القاضي عياض فلما أشرف على إكمال هذا الكتاب دعاه داعي المنية فأجاب ولم يتيسر له الاتمام غير أنه فاز بحسن الختام وله نظم فمنه قوله مشطراً موجهاً في صنعته
وشقائق قالت لنا بين الريا
…
يا من له في الاتصال مرام
منا طريق الاجتماع فإن ترد
…
دع وجنة المحبوب فهي ضرام
هل أنبتت قبل العوارض مثلنا
…
نبتاً بحمرة شكله المام
أم هل يضاهينا النقي بحده
…
قلت اسكتوا لا يسمع النمام
وشطرهما الشيخ علي الميقاني الحلبي فقال
وشقائق قالت لنا بين الربا
…
وبنا إلى ورد الخدود غرام
والميل يحدث للنظائر غيرة
…
دع وجنة المحبوب فهي ضرام
هل أنبتت قبل العوارض مثلنا
…
نبتاً له عند الملوك مقام
ويماثل التعمان آس عذارها
…
قلت اسكتوا لا يسمع النمام
وشطرهما الشيخ أحمد الحلوي الحلبي فقال
وشقائق قالت لنا بين الربا
…
لما زها نوارها البسام
إن كنت من أهل المعارف والذكا
…
دع وجنة المحبوب فهي ضرام
هل أنبتت قبل العوارض مثلنا
…
نور أنحار بنوره الافهام
أم صبغها أضحى يحاكي صبغنا
…
قلت اسكتوا ألا يسمع النمام
وكانت وفاته في سنة اثنين وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد المحسن الأسكداري
عبد المحسن بن السيد محمد بن السيد أسعد أفندي الأسكداري المدني الحنفي الشيخ الفاضل العالم الكامل ولد بالمدينة سنة ثمان وعشرين ومائة وألف
ونشأ بها وطلب العلم فأخذ عن الشيخ محمد حياه السندي والعلامة محمد بن الطيب المغربي الفاسي ومحمد أفندي أبي الخير الشرواني وعلي أفندي الخطاط وغيرهم وأخذ أيضاً عن الشيخ زين الدين مصطفى بن محمد الأيوبي الرحمتي وتولى افتاء المدينة المنورة بعد عمه السيد عبد الله نحواً من ثلاثين سنة وكان فاضلاً وجيهاً ذا عقل وفطنة حسن المحاضرة لطيف النكتة والنادرة وكانت وفاته في تاسع عشري محرم الحرام افتتاح سنه ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا.
عبد المعطي الفلاقنسي
عبد المعطي ابن السيد محمد ابن السيد محمود الفلاقنسي الأصل الدمشقي المولد تقدم ذكر والد ابن عمه أحمد وكان هذا أحد رؤساء دمشق المشهورين بحسن الرأي والتدبير وأعيان كتابها وأجل ذوي الأقلام الدفترية صدراً معتبراً موقراً ذا حشمة وأبهة ولد بدمشق في حدود الخمسين وألف وترقى في المناصب الدفترية وغيرها وصار محاسبجياً مرامي محاسبه جي بالخزينة الميرية بدمشق وتولى نظارات كثيرة في أوقاف الحرمين والمصريين وولي عثامنة كثيرة وكان له تعلقات وأوقاف وتجارات وأملاك واقطاعات وغير ذلك شيء كثير وكانت داره أحسن دار بدمشق وكان من أفراد الزمان المترفهين بالنعم والتخول بحيث إن الذي يوجد عنده من المأكولات والملبوسات ونحوها لم يوجد عند غيره وآلات السماع وألحان الغناء دائماً تضرب عنده وفي مجلسه وأتقن آلات الأحتشام واظهار النعم من كل حيثية وكان ذا عقل ورأي وتدبير مع أدب وكمال وتأني وتربص في الأمور وحسن اعتقاد على المشايخ والصلحاء والسادة ولا يسفه أحداً أصلاً ولا يجهر في غيظه على أحد ولا يتطاول بل تكلمه في حالة الغضب كحالة الرضى ولم يكن أحد في وقته مثله من أهل الثروة والاتقان في تدبير المنزل خصوصاً لما كان أمين كيلار الحج فأتى بما لم يسبق إليه وتولى تولية الجامع الأموي أصالة ووكالة وكان متوليه في الروم رجل مغربي معتقد صاحب الدولة الوزير الأعظم اسمه الشيخ مسعود تارة يوكل المترجم وتارة غيره وتولاه المترجم أصالة أيضاً واجتهد في تعميره وتنظيمه وفي سنة اثنتي عشرة ومائة وألف بنى الحمام بالقرب من الجامع الأموي المعروف بحمام الذهبية مصر منصوره سنده دخى حمام الذهب واردر وصرف عليه من ماله مبلغ تعميره وأضافه لأقلام الجامع المذكور بعد اقتطاع ما صرفه عليه وكان قبل ذلك سوقاً لدق ذهب الطواقي والطشاطي قال م ح لعلها شيء يشبه الطست كانت تلبسها النساء وقد حرفتها العوام وقالوا طشطيه والطست معرب تشت انتهى التي كانت تلبسها النساء في ذلك الزمان بدمشق ثم بطل هذا الزي في سنة سبع ومائة وألف وفي آخر أمر المترجم حصل له داء في رأسه كان يغيب عنه درجة ويعود
إليه وكان يتكرر ذلك عليه كثيراً حتى أنحله ونغض عليه عيشه الرغيد وبقي فيه مقدار خمسة عشر سنة وصرف على دفعه وعلاجه مالاً كثيراً وعالجه خلق كثير من حكماء الأشباح والأرواح فلم يفده شيئاً إلى أن مات حتى أخبرت أنه كان مرة جاساً في قصره والآلات تضرب والخدم وقوف لديه والناس وفود إليه وهو في نعمه متخول وعلى سرير جاهه وعزه مترنح وبسربال السعود مكتسي إذ عاد إليه الداء المذكور فعاد لأنينه وتأوهه وحنينه وشكواه وتوجعه فرأى وهو في هذه الحالة تحت القصر رجلاً زبالاً وبجانبه رفيق له وهما يتحادثان بما فعلا من الأكل وغيره ويحمدان حالهما وهما منشرحان يترنمان بذلك ويكرران الحديث ويختالان في صحتهما وعافيتهما مع انهما في هيئة رثة وفقر زائد فتعجب من صنع الآله جل شأنه ثم إنه استعذب ذلك منهما فأمر أحد خدامه باحضارهما إليه فلما حضرا لديه قال لهما أخبراني بما كنتما تتحادثان به الساعة فسكتا فكرر السؤال عليهما فقالا قلنا كذا وكذا فقال لبعض أتباعه ادفع لهما كذا وكذا من الدراهم فصرفهما بالاكرام ثم قال والله إني لأتمنى أن أكون مثلهما في حالتهما هذه ولا أكون في هذا التخول والثروة مع هذا الداء فلله الحكم الباهرة والأحكام القاهرة لا إله إلا هو وكانت وفاة المترجم في يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة اثنين وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه ورحمه الله تعالى.
عبد المعطي الخليلي
عبد المعطي ابن محيي الدين الشافعي الخليلي الأصل والوطن القدسي المأوى والسكن رحل من بلدة الخليلي للجامع الأزهر فجد ودأب وسهر الدياجي ولازم كل همام علامة وباحث وناظر أقرانه وتضلع من مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه وأخذ من العلوم التفسيرية والحديثية والفقهية وشيوخه الذين أخذ عنهم منهم الشيخ يونس الدمرداشي الأزهري ومنهم الشيخ عبد الرؤف البشبيشي وهما من علماء الشافعية ومنهم العلامة الشيخ أحمد النفراوي الأزهري من المالكية ومنهم الشيخ أحمد الخليفي الشافعي والعلامة الشيخ أحمد ابن محمد الملقب بالفقيه الشافعي والشيخ إبراهيم الفرضي الدلجي ومنهم الشيخ محمد الكاملي الشافعي الدمشقي المدرس بجامع بني أمية وأخذ الاجازة من محدث البلاد الحجازية الشيخ محمد عقيلة المكي وأجازه بثبته المشهور ومنهم الشيخ محمد الخليلي القدسي وما انفك يستفيد ويستزيد حتى ظفر بالطارف والتليد واستجاز شيوخه فأجازوه بمروياتهم وكانت له متانة في الفروع الفقهية شديد المحاضرة على سرد مسائلها البهية تولى افتاء الشافعية بالقدس أكثر
من خمسة وعشرين سنة بلا طلب بل ألزمه فيها شيخه الخليلي المتقدم وأهل القدس لحسن اطلاعه على فروع المذهب وله فتاوي في مجلد حسنة مجموعة محبوكة مستحسنة فأقلامه تنثر جواهر الدرر ويراعه يجري بلطائف الغرر وله رسائل كلها منتخبة فوائدها ظرائف مستعذبه منها رسالة كبيرة في سيدنا موسى الكليم عليه السلام وله نظم متوسط فمنه قصيدة أنشدها حين توجه مع جملة من الفضلاء صحبة الشيخ محمد الخليلي إلى زيارة سيدنا موسى عليه السلام وأخذوا كتاب الامام مسلم وقرأوه هناك.
وهي قوله
هلموا بنا يا سادة الوقت والعصر
…
إلى سفح غور القدس من شرقه نسري
نشاهد أسراراً وروحاً وراحة
…
ونزداد خيراً من حمى عالي القدر
فليس لنا من دهرنا وزماننا
…
ليالي وصل دون قطع ولا هجر
سوى مدة في روضة مستطابة
…
عليها جلال رائق في ربا الزهر
فهي لكليم الله نوراً وهيبة
…
وأمناً وأنواراً تلوح مع الفجر
فكم نالنا من فضله وكماله
…
لطائف أسرار تجل عن الحصر
لقد كان من فوق السموات راحماً
…
لأمة خير الخلق طه النبي الطهر
فكان رسول الله ليلة أن سرى
…
إلى ربه ذي العرش والعز والنصر
يناجيه في أمر الفريضة يالها
…
مناجاة محبوب بلطف مع البشر
فناداه بالخمسين قد صار أمرنا
…
على الخلق فأمضى يا رسول ذوي القدر
فجاء إلى موسى بن عمران مسرعاً
…
وأخبره بالفرض من عالم الأمر
فقال له ارجع يا حبيباً مجيباً
…
وسل ربك التخفيف يا مخجل البدر
فإني بلوت الخلق يا خير مرسل
…
بما فرض الله الكريم من الذكر
فما صبروا بل بدلوه وغيروا
…
فباؤا بآثام من الله والوزر
وامتك الغر الكرام ضعيفة
…
تقصر في الخمسين من شدة الأصر
إلى آخرها وهي طويلة وكان ديدنه التقشف في الملبس والتخشن في المأكل عما عليه الناس من حب التزين مهاباً صادعاً بالحق طارحاً للتكليف لم تتعلق نفسه بدر ولا صدف منزوياً عن حكام السياسة مغتنماً لأوقاته له حظ وافر من قيام الليل لا يتركه وكان مقيماً في المسجد الأقصى ليلاً ونهاراً وهو من الذين هم عن اللغو معرضون وكانت وفاته في سنة أربع وخمسين ومائة وألف وقد جاوز السبعين
ودفن بمقبرة باب الرحمة بقرب الصحابي سيدنا شداد بن أوس الأنصاري رضي الله عنه.
عبد المعطي بن معتوق
عبد المعطي بن معتوق الحلبي البيري نسبة إلى بيرة الفرات الحنفي الصالح الورع كان صاحب ثروة ثم قعد به حاله فاشتغل بالنسخ وتجويد الخط فكان له الخط الحسن أخذ ذلك بدمشق عن الرجل الصالح الشيخ محمد العمري الدمشقي المشهور وعاد لحلب وانتفع في الخط به الكثير وكان شكلاً حسناً وله المنادمة العجيبة والمطارحة الغريبة مع الصلاح والتقوى والتخلي للعبادة وكان له في يديه ورجليه أصابع زائدة قطع بعضها وهذه الزيادة في الأصابع استمرت في عقبه أيضاً وكان يكتب عن نفسه الشهير بالتي برمق ومعناها بالعربية ست أصابع وكانت له الحظوة عند الولاة فمن دونهم توفي رحمه الله تعالى ونفعنا به بداره الكائنة بمحلة الجلوم ثامن عشر ربيع الثاني يوم الأربعاء سنة أربع وسبعين ومائة وألف ودفن خارج باب قنسرين في التربة التي فيها مزار الولي المشهور غفير حلب الشيخ عبد الرزاق أبي نمير بعدما صلى عليه بالجامع الأموي وكانت له جنازة حافلة وأصابها المطر الغزير رحمه الله تعالى وإيانا آمين.
السيد عبد المعطي الدمشقي
السيد عبد المعطي الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية وأحد المدرسين بها ولد بدمشق وظهر بها ودخل سلك العلماء والأفاضل ثم ارتحل إلى الروم ووصل إلى قسطنطينية ولازم من علمائها وللتدريس صار عازماً وتنقل كجاري عادتهم بدور المدارس فلما انفصل عن أربعين عثماني وكان ابتداء الأحداث في رجب سنة ست ومائة وألف أعطى مدرسة ذي الفقار ورؤي لأنقالها وفي سنة اثنتي عشر ومائة وألف في شوال صار مكان أحد المدرسين المولى السيد محمد وتحركت رتبته إلى مدرسة اينجه قره وفي سنة ست عشرة ومائة وألف في ربيع الآخر صار مكان كواكبي زاده المولى أحمد بمدرسة طوطئ لطف وفي سنة ثمان عشرة ومائة وألف في ربيع الأول التاسع منه يوم الأحد توفي إلى رحمة الله تعالى في قسطنطينية وعن محلوله وجهت المدرسة المرقومة إلى شعبان زاده المولى محمد عازم وكان المترجم له في العلوم والمعارف خصوصاً بفن التحريرات والصكوك وكان مشتغلاً بكتابة القسمة العسكرية بالمحكمة رحمه الله تعالى.
عبد الملك العصامي
عبد الملك بن حسين بن عبد الملك الشافعي المكي الشهير بالعصامي الشيخ الفاضل الأديب العالم الفهامة الشاعر الناظم الناثر ولد بمكة سنة تسع وأربعين ومائة وألف ونشأ بها واشتغل بفنون العلوم وبحث عن منطوقها والمفهوم وله شعر لطيف منه قوله مادحاً الشريف بركات أمير مكة بقصيدة مطلعها
سعدت بيمنك والسعود المقبل
…
وانجاب عنها النحس بالحظ الجلي
وتتابعت أيدي السرور ترادف ال
…
اقبال بالبشرى لكل مؤمل
وأطاع أمر الله ما تختاره
…
وبذروة فلك السماء المعتلي
لأبي زهير مليكنا بركات را
…
عيها مملكها الشريف الأفضل
وهي طويلة جداً وألف صاحب الترجمة تاريخاً في أبناء عصره وكان فاضلاً نبيهاً ذا مشاركة في العلوم ومعرفة بالأدب والشعر تامة وله انشاء لطيف وجد واجتهد وتسدر للتدريس في المسجد الحرام مدة عمره وكانت وفاته سنة احدى عشر ومائة وألف ودفن بمكة رحمه الله تعالى.
عبد المنان الخماش
عبد المنان بن محيي الدين الخماش الخماش الخداش وزناً ومعنا الحنفي النابلسي أحد الأفاضل الأتقياء ولد بعد السبعين وألف وقزاً القرآن على والده وتفقه على الشيخ أبي بكر ورحل للقدس هو والشيخ عبد الفتاح التميمي وقرأ على الشيخ السيد عبد الرحيم اللطفي القدسي عالم تلك الديار وفقيهها والشيخ محمد السروري القدسي وبلغ الغاية في الفقه والنحوي والعروض ومع ذلك لم يتفق له نظم بيت واحد وشهد له بالفضل جملة أفاضل حتى قال التميمي سبقني عبد المنان بمراحل وكانت وفاته في يوم الجمعة عاشر محرم بعد صلاة الصبح ونيته صوم ذلك اليوم وهو ممتع بحواسه سنة سبع عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد عبد المنعم ابن الأشرف
السيد عبد المنعم بن خضر السيد المعروف بابن الأشرف الحنفي الحمصي هو من بيت بحمص مشهورين بصحة النسب والحسب ولد بحمص ونشأ بها وارتحل إلى مصر القاهرة وأخذ بها عن علمائها الفحول كالعلامة المشهور السيد علي الضرير وتلمذ
له وغيره ثم ارتحل إلى دار الخلافة اسلامبول في الروم وكان إذ ذاك وزير الدولة الوزير الشهير علي باشا المعروف بابن الحكيم فأهدى إليه المترجم شرحه الذي ألفه على بدء الأمالي وقابله باكرامه وجدواه وصارت له من شيخ الاسلام إذ ذاك رتبة مع تدريس الأشرفية في حلب وأعطى افتاء طرابلس الشام إلى أن مات وكان من العلماء المحققين الأفاضل له يد في غالب العلوم والفنون عالماً فاضلاً متقناً وكانت وفاته في طرابلس الشام تقريباً في حدود الستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد المولى السيري
عبد المولى المعروف بالسيري الشافعي الأشعري الطرابلسي مفتي الشافعية بطرابلس كانت له يد في العلوم لا سيما في الطبيعيات والنجوم حتى قيل إنه وصل بمعارفه عند توسط كيوان إلى استحالة بعض العناصر إلى بعض وإلى تقاويم عند أخذ العرض تنبى عن استخراج مجهولات وكان له قدم ثابت في ارصاد الثوابت كما إن له باعاً طويلاً فيما إليه يميل وكانت وفاته في سنة ست وثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد النبي النابلسي
عبد النبي النابلسي الأديب الشاعر البليغ أحد الأذكياء كان له معرفة تامة في التاريخ والأدب وحفظ زائد في أنساب العرب وله ديوان في الشعر الفائق والنثر الرائق وكان ممن تقمص بجلباب الآداب وخاط من المعاني برود اضافية واجتنى زهرات المعارف من رياض الكمالات ومن شعره قوله يمدح صالح باشا النابلسي ابن طوقان حاكم بعلبك ويذكر واقعته فيها ومطلعها
لسعدك اقبال له العز يخدم
…
لذا بعلبك لم تزل تتبسم
بدا منك حلم مثل حلم ابن مريم
…
فمن كان ذا فقر علاه التنعم
عدلت فكل المترفين تظاهروا
…
على من بغى بالجور والشر أبرموا
نووا فتنة خابو بقلة عقلهم
…
وقد أظهروا العصيان والنار أضرموا
ومذ جاءهم عكس وظنو بجهلهم
…
كظن الزرازير الذين توهموا
أرادوا فساداً للعباد بظنهم
…
فأوقعهم في العكس كي يتصرموا
وقد مكروا مكراً فحاق بجمعهم
…
ومزقهم ربي وما شاء يحكم
وكم من ليال بالسرور لهم مضت
…
وأطغاهم الشيطان حتى تظلموا
وشاهدت فيهم من يقول بجهله
…
أيا عصبتي إني على الموت أقدم
وما منهم إلا الغرور أغره
…
إذا ما رأى عضباً يولي ويهزم
فمن جهلهم راموا الحساب فنوقشوا
…
ومذ عاينوا حد الحساب تندموا
فوالله ما أدري جنون أصابهم
…
أم أعمارهم قدر أم أبليس يصرم
إذا بعلبك قد تعدى سفيهها
…
فصالح هذا العصر للظلم يهدم
همام له مجد تسامى بذكره
…
وحكم بانصاف إذا رام يحكم
تطوق بالفخر الجميل تطوقاً
…
وطوق بالأصفاد من كان يظلم
فمن أين في مصر كمثل جنابه
…
عفو حليم راحم يترحم
حقيق ولاة الأمر من رام خلفها
…
فهيهات من حد المهند يسلم
فيا أهل بعل ما رعيتم لنعمة
…
وأظهرتم الطغيان لما عصيتمو
بغيتم فجوزيتم وأضحى شقيكم
…
على الأرض ملقى والنوادب تلطم
فهذا جزا من كان في طيب نعمة
…
ولم يرعها بالشكر لا بد يندم
فهل دبب الأطلال تقهر قسوراً
…
وقط الفلا غاب الغضنفر يهجم
فهذا الذي قد صار منكم جهالة
…
عصيتم ولي الأمر لم لا أطعتم
أما عندكم علم بشدة بأسه
…
وعن قتله العربان لم لا سألتم
فوقعتهم قد شاع في الكون ذكرها
…
وقصتهم في الناس تروى وتفهم
أيا وقعة قد صال فيها على العدا
…
رأينا روس القوم للأرض ترجم
ولما رأى العربان فتك حسامه
…
فولوا حيارى والهزيمة مغنم
ولما انتهى من حربهم وقتالهم
…
وكان الذي قد كان منه ومنهم
بنى في فلسطين الرؤس صوامعاً
…
فهل هذه الأخبار ضلت عليكم
ففي كل أرض قد تناقل ذكرها
…
وكم شاعر أضحى بها يترنم
إذا العرب قد ذلت وماتت بحسرة
…
فمن أنتم حتى على الشر تعزموا
وتعصوا ولي الأمر عمداً بجهلكم
…
ولم تدروا إن البغي للمرء يقصم
فيا أهل بعل لا تلوموا لصالح
…
وأنفسكم لوموا على ما فعلتم
وتوبوا إلى الله الكريم وخالفوا
…
هوى النفس إن رمتم من القتل تسلموا
أيا واحداً في العصر كلم لمن بغى
…
وعند سواه في الحقيقة مرهم
فإن جميل الحلم في البعض ضائع
…
ومن كان ذا جهل له البطش أقدم
فدم سالماً صدراً كريماً مؤيداً
…
وضدك في نحس وللنحس أنجم
ولم يصلني من شعره سوى هذه القصيدة وكان حج ففي العود حصلت له الغرقة المشهورة في زمن الوزير سليمان باشا العظم والي الشام وأمير الحاج للحجاج وذلك في سنة أربع وخمسين ومائة وألف فغرق المترجم مع من غرق بما معه من كتب
وأسباب ومات رحمه الله تعالى إن المؤرخ اتبع غلط العوام وعبر عن الأثواب بأسباب.
عبد الهادي الحمصي
عبد الهادي الحمصي كان من المباركين المتغفلين وأحد المجاذيب أصحاب الكرامات المعتقدين اجتمعت به حين ذهبت للديار الرومية بدار مفتي حمص الفاضل الشيخ عبد الحميد السباعي فرأيته من المغفلين الصلحاء وأخبرني عنه المزبور باشياً وكرامات وكان بحمص معتقد أو أخبرني من أثق به من أهالي دمشق بكرامة ظهرت من المترجم معه مشاهدة بالعيان وكان يسمى حاله الشيخ أحمد وبالجملة فقد كان من الأخيار وكانت وفاته في رجب سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ سليمان أخبرني المفتي المذكور وغيره من أهالي حمص إنه حين وفاته ظهرت له كرامة عجيبة وهي إن الذين كانوا في جنازته وكانت حافلة أرادوا دفنه في مكان معين فلما وصلوا إلى المحل وأرادوا عطف جنازته وقيامها لم يكن قيام النعش وتزاحمت الأيدي على ذلك فلم يفد فلما أرادوا أخذه إلى مكان آخر وهو تربة الشيخ سليمان وكان قبر أخيه الشيخ حسن هناك سارت معهم الجنازة إلى أن وصل إلى عند قبر أخيه ووقف النعش هناك ودفن ثمة رحمه الله تعالى.
عبد الهادي المصري
عبد الهادي المصري نزيل حلب كان من العلماء العاملين والورعين الزهاد مهذباً فاضلاً تقياً صالحاً قدم لحلب واستوطنها وتأهل بها وصار مدرساً بالدروس الحديثية بالمدرسة الأحمدية وأقرأ بها الشفا للقاضي عياض وفي النحو وفي العقائد وفي العربية وفي غير ذلك وانتفع به واشتهر فضله وعلمه ولم تطل مدته بها ومات ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمة الله تعالى.
عبد الوهاب السواري
عبد الوهاب بن مصطفى بن مصطفى السيد الشريف الدمشقي الشافعي المعروف بابن سوار الشيخ الفاضل الصالح البارع بقية السلف بركة الخلف شيخ المحيا الشريف النبوي بعد والده ولد بدمشق ونشأ بها وأخذ عن جملة من العلماء كالشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والعماد إسمعيل بن محمد الجراحي العجلوني والشيخ محمد بن خليل العجلوني وبرع وفضل ولما توفي والده صار مكانه شخاً على سجادة المحيا الشريف بالمشهد الشرقي من الجامع الأموي وفي جامع البزوري وكانت وفاته غرة جمادي الثانية سنة ست وثمانين ومائة وألف.
عبد الوهاب العكري
عبد الوهاب بن عبد الحي بن أحمد بن محمد المعروف بابن العماد العكري الحنفي الصالحي الدمشقي الشيخ الفاضل المتفوق المحصل كان خطاطاً كاتباً فرضياً مورقاً مجداً بارعاً فهماً ولد بدمشق تقريباً بعد الستين وألف وبها نشأ وقرأ على علماء عصره ومهر وكان حنبلياً فتحنف هو وأخوه الشيخ محمد وكان والده من العلماء المشاهير له من التصانيف شرحه على متن المنتهى في فقه الحنابلة وله التاريخ الذي صنفه وسماه شذرات الذهب في أخبار من قد ذهب وله غير ذلك من رسائل وتحريرات وانتفع به كثير من أبناء عصره وكان أغزر الأفاضل احاطة بالآثار وأجودهم مساجلة وتوفي في ذي الحجة سنة تسع وثمانين وألف وذلك في مكة ودفن بالمعلاة لكونه كان حاجاً في تلك السنة وولده المترجم تفوق ولزم الكتابة أولاً في محكمة الصالحية ثم في محكمة الميدان ثم في المحكمة الكبرى وتولى المدرسة دار الحديث الأشرفية بصالحية دمشق وكذلك المدرسة الضيائية بها أيضاً وكانت عليه بعض وظائف ودرس وأفاد ولزمه الطلبة وأخبرت أن له شرحاً على الأحاديث الأربعين النووية وبالجملة فقد كان من الأفاضل المعلومين.
عبد الوهاب الغميان
عبد الوهاب بن خليل بن سليمان الدمشقي الشافعي الشهير بالغميان الشيخ الصالح المعمر البركة الدين الخير الصوفي ولد بدمشق في محرم سنة ثلاث وثمانين وألف وأخذ عن أفاضلها وأخذ الطريقة الخلوتية عن الشيخ الصالح محمد الغراوي الدمشقي ولما توفي شيخه المذكور جلس مكانه على سجادة المشيخة وأخذ عن صاحب الترجمة الطريقة المزبورة الشيخ عبد اللطيف بن محمد العمري الشهير بابن عبد الهادي وتخلف بعده على السجادة وكانت وفاته في محرم سنة اثنين وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن في مرج الدحداح.
عبد الوهاب العفيفي
عبد الوهاب بن عبد السلام بن أحمد بن حجازي بن عبد القادر بن أبي العباس ابن مدين ابن أبي العباس بن عبد القادر بن مدين بن محمد بن عمر المرزوقي المصري الشافعي الشهير بالعفيفي الشيخ القطب الكامل الولي الصوفي المحقق العارف أخذ عن أحمد بن مصطفى الأسكندري الشهير بالصباغ وسالم بن أحمد النفراوي وأخذ الطريقة
الشاذلية عن سيدي محمد التهامي رآه العلامة عيسى البراوي في عرفات حين حج مع أنه لم يخرج من مصر وله غير ذلك من الكرامات التي لا تعدو كانت وفاته سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن بتربة المجاورين وقبره يقصد للزيارات لقضاء الحاجات رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب الدمشقي
عبد الوهاب بن مصطفى بن إبراهيم بن محمد الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية الشيخ الفاضل الماهر الأديب البارع كان له مهارة بالعلوم وألف رسائل كثيرة وكانت له مداعبة ومجون مع حدة اللسان وهو من تلاميذ وأتباع الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فلذلك كان مشتهراً بتلميذ الشيخ عبد الغني وكانت استقامته في اسلامبول في مدرسة الوزير علي باشا المعروف بالجورلي وكانت أبناء دمشق وغيرها تجتمع عنده على مذاكرة ومداعبة ورأيت له من النظم أبياتاً أجاب بها الفاضل الأديب السيد محمد العطار الدمشقي عن لغز نظمه وأرسله إلى العلامة الشيخ إبراهيم الحلبي والأبيات قوله
أيا فاضلاً حاز البراعة بالقلب
…
وصاغ فنوناً في البلاغة كالقلب
وفاق بنظم الشعر سحبان وائل
…
وقس أياد في القريض على القرب
نظمت عقود الدر في سمط رقة
…
وقلدتها جيد الخرائد من عرب
ولا عجب إذ أنت في الفضل سيد
…
كجدك ذي التحقيق في الشرق والغرب
أتيت بلاد الروم ضيفاً وطارقاً
…
من الشام من أرض مقدسة الترب
تروم لنيل العز من دولة علت
…
برفع منار العلم والشرع كالشهب
أدام لها المولى نظام كمالها
…
وأيد سلطاناً بها مصطفى ربي
سألت عن اسم قد لغزت حروفه
…
ثلاثاً تروم الجبر للكسر في القلب
وعن مشكل لا يهتدي لمثاله
…
أولوا اللب في فن الحساب وفي الطب
ورابعها تربح بتصحيف ما بقي
…
وصفها لباقيه تراح من الكرب
وأوله حرف بأحمد عدة
…
وطه رسول الله في الحمد قد نبي
وثانيه باسم الله جل جلاله
…
تقدس رحمانا تبارك من رب
وتصحيفه زاد الوحوش بحبه
…
ومطبوخه للناس في سورة اللهب
وأيضاً فمال في الوصية قد أتى
…
بقرآننا السامي على سائر الكتب
ومعنى حديث للنبي كما به
…
سرور وبشرى إذ مضارعه ينبي
وأوله أخربه الشمس تنزوي
…
وخنسها أيضاً تسير كما السحب
فهذا جواب عن سؤالك ناطقاً
…
بملغزك المرموز من غير ما عجب
أجابك شامي كمحتدك السني
…
ثوى في بلاد الروم من سائر الحقب
أقام بها سبعاً وعشرين حجة
…
فصار كأهليها يعد من العرب
ويدعى بعبد للآله الذي له
…
نهاية اكرام وذي الجود والوهب
لعبد الغني السامي لنسبة خدمة
…
ونابلسي الأصل ينعت في القطب
فما اسم ثلاثي تراه بما مضى
…
وقلب له لا يستقر من الحب
يهيم به كل امرء لنواله
…
ويكدح في مرآه في طلب الكسب
وأوله ذل الهوان وذيله
…
بجد وكد في لقاه وفي كرب
وتصحيفه عطر يفوح شميمه
…
بمسك وطب يقتنيه ذوو الطب
وعين من الأعيان يرعاه طلسم
…
وجسم له عار يعار بلا ثوب
وتقميصه لا زال في كسوة له
…
وتلقاه في أعلى المنازل والترب
أجب عنه يا خلي لتحظى بنيله
…
من الواهب الداني يزيد على السحب
ودونك أبياتاً تخجل ناظماً
…
لتقصيرها عند الأديب ذوي اللب
فأسبل عليها ستر عفواً بيدي
…
فمثلي ذي التقصير والعي والعتب
فأجابه العطار بديهة مغيراً للوزن لا القافية
لله درك يا ذا العلم والأدب
…
ومن أقر له التحرير في الكتب
لأنت فهامة في كل مشكلة
…
إذا حللت لها وفيت بالأدب
فإن كشفت قناعاً كان مستتراً
…
من تحته لغزي ما ذاك بالعجب
وقد أجبت بما يشفي الفؤاد به
…
من فكرة في دجى الأشكال كالشهب
وجئت تسأل عن لغز عقدت به
…
عقداً من الدر في سلك من الذهب
لكن بأوله ذل الهوى وبه
…
هاء الهوية تغري الصب بالوصب
يهدي إلى طرق الفردوس صاحبه
…
وطال ما جر أقواماً إلى اللهب
لا زلت خير رفيقيه وقد هطلت
…
منه عليك غيوث الفيض كالسحب
واللغز الذي نظمه العطار شرحه الحلبي المذكور في رسالة قليلة وهي عندي وهو لغز في جبر واللغز الثاني في ذهب وكانت وفاة المترجم في اسلامبول سنة تسع وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة قاسم باشا رحمه الله تعالى.
السيد عبد الوهاب الحلبي
السيد عبد الوهاب بن محمد قرط ابن الشيخ مراد المعروف بالعداس الحلبي العالم
الفقيه الأصولي النحوي النبيه المجتهد في الافادة انتفع به خلق كثير وكان مكباً على افادة الناس ولد بحلب في سنة سبع وتسعين وألف واشتغل بها في طلب العلم فقرأ على الشيخ قاسم النجار في الفقه وقرأ النحو على العالم الشيخ سليمان النحوي والعروض والحساب وآداب البحث والمنطق على السيد علي الباني وقرأ المعاني على أبي السعود الكواكبي وكانت وفاته في ليلة الأحد العاشر من شوال سنة ست وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عبد الوهاب الموصلي
عبد الوهاب الموصلي الشافعي الامام في حضرة النبي جرجيس عليه السلام ولد في سنة تسع وعشرين ومائة وألف ونشأ بالموصل وقرأ بها وكان رحمه الله تعالى خطيباً مصفعاً وبليغاً ملسناً حسن الكلام حلو النظام ذا فصاحة ونطق وبلاغة وصدق وكان عارفاً بأمور الناس وأحوالهم فكان يلاقي كل انسان بما يقتضيه حاله ويناسبه مقامه مع طلاقة وبشاشة وخبرة تامة وكان عنده من كل فن نبذة ومن كل ظرافة فلذة وكان أولاً اماماً بالحضرة الجرجيسه وكيلاً من جهة ابن أخيه ثم عزل فصيره الوزير المكرم محمد أمين باشا امام جامعه وخطيبه وواعظه وولاه المدرسة أياماً بعد موت ملا أحمد الجميلي ثم عزله وولاها للسيد موسى العالم المشهور وله شعر لطيف منه قوله مادحاً للنبي صلى الله عليه وسلم
بطيبة طابت نفسنا من سقامها
…
وهل مثلها في سائر الكون يوجد
فما تربها الأشفاء قلوبنا
…
وكيف ولا نشفي وفيها محمد
نبي بشير شافع لعصاتنا
…
نصوح أمين شاهد ومجاهد
رسول له الخلق العظيم سجية
…
به جاءت الآيات وهو المؤيد
رسول رقى السبع الطباق بنعله
…
وخاطبه المولى العظيم المسجد
رسول أتانا بالهدى بعد غينا
…
ويشفع فينا يوم حشر ويسجد
ومنها
فيا فوز قوم يحمدون جنابه
…
ينادونه يا غوثنا أنت أحمد
عليك صلاة الله ما هبت الصبا
…
وما صاح قمري الحمام المغرد
وقال مخمساً
ظبية الحي مهجتي في يديها
…
وفؤادي لا زال يصبو اليها
ثم لما أن صار قلبي لديها
…
حاولت زورني فنم عليها
قرطها في الدجى ومسك الغلاله
يالها زورة لقد طهرتني
…
بل وبعد الجفا لقد أظهرتني
وبعهدي القديم قد خبرتني
…
ثم لما أن سلمت ذكرتني
مدح من سلمت عليه الغزاله
وحج صاحب الترجمة في سنة خمس وستين ومائة وألف وكانت له لطائف عديدة وظرائف مديده وكان يدعى إنه أجيز له رواية الحديث وربما روي الحديث بسنده متصلاً ومعنعناً ومسلسلاً وكان حسن الوعظ جيد المباحثة وله أشعار أنيقه ومنظومات رشيقة وكانت وفاته سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان النحاس
عثمان بن أبي بكر الشهير بالنحاس الشافعي الدمشقي الشيخ العالم الفقيه النحوي الفرضي المفيد كان أحد العثامنة العثامنة جمع عثمان الأربع الذي كانوا في وقت واحد في بلدة واحدة وكل منهم عالم فاضل وهم الشيخ عثمان القطان والشيخ عثمان الشمعة والشيخ عثمان بن حموده والشيخ عثمان النحاس وقد جمع تاريخي هذا هؤلاء الأربع وستأتي تراجم الباقين إن شاء الله تعالى وكان المترجم عليه وظائف منها امامة جامع الأغا وخطابة النطاعين وبعض عثامنة عثامنه اقجه ومؤيدي باره وريال تسعون مؤبدي يعني طقسان باره وكل هذه في الاصطلاحات القديمه وأجزاء وكان لا يخلو من ثروة ودرس وأفاد وانتفع به جماعة وأخذ وقرأ على جماعة كثيرين فأخذ الفقه والحديث وأجيز بسائر الفنون عن أبي المواهب الحنبلي وقرأ الفقه والحديث وحضره وأخذ عنه محمد بن علي الكاملي وأخذ عن إبراهيم الكوراني وأجازه ومحمد بن محمد بن سليمان المغربي ومحمد بن داؤد العناني وخليل بن إبراهيم اللقاني القاهري وصافحه أحمد ابن محمد المرحومي المصري وعطية الأزهري ومحمد الشرنبلالي ومحمد بن حسن العجلاني النقيب وإسمعيل بن علي الحايك المفتي الحائك بالهمز وحايك بالياء بمعنى لأن المادة واوية ويائية وغيرهم من أهل دمشق وغيرها وأجازوه اجازات عامة وكانت وفاته في يوم الأربعا خامس عشر جمادي الثانية سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
عثمان بن صادق
عثمان بن أحمد باشا بن صادق الحنفي القسطنطيني وتقدم ذكر والده
أحد الأفاضل المشهورين من المدرسين والموالي في الدولة كان عارفاً أديباً فاضلاً ماهراً بالعلوم والفنون دخل الحرم السلطاني وصار من غلمانه على عادتهم وخدم به وقرأ وحصل وانتفع بالشيخ محمد بن حسن بن همات همت أو لملى الدمشقي معلم الغلمان في الحرم السلطاني والفاضل عثمان نيشنجي زاده نشانجي وجعله السلطان مصطفى خان معلماً لولده السلطان محمد وانتقل للأودة الخاص وتملك كتباً نفيسة ثم خرج بالتدريس في سنة ست وثمانين وتنقل بالمدارس والفنون حتى وصل للثمان وخرج منها بقضاء بلدة أزمير وارتحل اليها ولم تطل مدته هناك ومات وكانت وفاته في محرم سنة ست وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان بن حسين
الألاشهري الأشهرلي
عثمان بن حسين الألاشهري الحنفي نزيل قسطنطينية وأحد العلماء أرباب الشهرة والمدرسين بها كان علامة فاضلاً عالماً محققاً مشهوراً بالنبل والفضل أخذ وقرأ على أجلاء عصره وأجلهم الفاضل محمد الدارندوي دارنده لي انتفع به وله من التآليف رسالة في المنطق ورسالة في آداب البحث ورسالة في النحو واخرى في الصرف ورسالة في دخان التبغ المعروف بالتتن واشتهر بدار الخلافة وكبر صيته وأخذ عنه الأفاضل وأقرأ ولازم الافادة ولازم على عادتهم وسلك طريق المدرسين ثم تقاعد باختياره بمدرسة السلطان أحمد خان وكانت وفاته بقسطنطينية في رجب سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى والألاشهري بألف مفتوحة ولام ألف وشين مفتوحة وهاء وراء وياء نسبة إلى قصبة تابع آيدين تسمى الأشهر إلا أنه قراء الضاد بالظاء وأنكر الصوفية قد قامت القيامة على من قرأ الضاد بالظاء وأخمدت نار النزاع وتجددت هذه الدعوى مراراً وأنكرت ونسيت وتنوسيت كما تنبئك كتب التواريخ ولها رسالة جديدة في مصر في هذا القرن فاطلع عليها تحريراً في سنة 1291 في رمضان.
السيد عثمان الفلاقنسي
السيد عثمان بن سعدي بن عثمان بن علي خان المعروف بالفلاقنسي لكون والدة والده أخت المولى فتح الله الدفتري الفلاقنسي الآتي ذكره في محله الدمشقي كان من رؤساء الكتاب أديباً بارعاً كاتباً نبيهاً فطناً تولى كتابات بدمشق منها كتابة العربي بديوان دمشق الشام وكذلك في وقف الحرمين وكذلك وقف المدرسة الشامية وصار محاسبه جي الحزينة الميرية السلطانية بدمشق ونشأ متفيأ ظلال نعم قريبه الدفتري المذكور محتسياً لكؤس من المنى من حان دولته
وكان له معرفة بالأدب واطلاع وحسن مطالعة مع المعرفة بأنواع الخطوط ولازم العارف الشيخ حسن البغدادي نزيل دمشق ولما حصل على دمشق ما حصل من مجى العساكر المصرية وواقعة ذلك شاعت وذاعت ولا يمكن احصاء ما جرى من الأمور وغيرها الصادرة في تلك الوقت أرسل خلف المترجم أمير العساكر الأمير الكبير محمد بيك المعروف بأبي الذهب وطلب منه دفاتر إيراد دمشق والعائد إلى حكامها العرفية فأحضرهم إليه وسلك عنده ونسب لأمور في ذلك وهو فيما أعلم برئ عنها فبعد ارتحال العساكر من الديار الشامية وعودهم للديار المصرية تحسب كان المؤرخ قصد معنى التوهم من أشياء ودخل عليه الرعب ولم تطل مدته ومات ورأيت له من الشعر هذه القصيدة امتدح بها قريبه الدفتري المذكور وهي قوله
هذا الحمى ما بال دمعك قد جرى
…
وازداد وجدك واللهيب تسعرا
أذكرت أياماً مضين بسفحه
…
هيجن شوقك أم ظباه النفرا
فسكبت دمعاً من محاجر مقلة
…
مقروحة الأجفان حاربها الكرى
وهتكت ستراً للحبيب وكنت لا
…
تبدي الصبابة خيفة أن تظهرا
وأمرت قلبك كتمه فأذاعه
…
منك النحول كفى بذلك مخبرا
فالدمع فضاح لكل متيم
…
تركته غزلان العقيق كما ترى
من كل فتان اللحاظ تخاله
…
غصناً يحركه النسيم إذا سرى
يسبي المهاة بجيده وبطرفه
…
فإذا رنا يصطاد آساد الشرى
يا هاجري هل أنت باق مثل ما
…
عهدي وثيق أم تصرمت العرى
إن كان هجرك لي بوشي مزور
…
أنى سلوت فإن ذلك مفترى
لا تخجن لكل واش لم يمل
…
عذل المتيم والحديث المنكرا
لم يكفني هجر الحبيب وصده
…
حتى نأى وحدي به حادي السرى
كل الخطوب أطيق إلا بينه
…
قلبي على أثقاله لن يقدرا
يا عاذلي دع ذكر أيام مضت
…
وأجهد بمدحك ذا الجناب الأخطرا
الفتح من شاد المفاخر والعلا
…
بفضائل شهدت بها كل الورى
مولى إذا ضن الغمام بقطره
…
جادت سحائب راحتيه أبحرا
قد حاز كل المكرمات فلم يدع
…
للغابرين محامداً أن تذكرا
وحوى الندى بمآثر لو كلفوا
…
سحبان يحصيها لرد مقصرا
فرويت بيتاً قاله قبلي من ال
…
ماضين ندب فيه حقاً لأمرا
لا تطلبن حديث شهم غيره
…
يروى فكل الصيد في جوف الفرا
قل للذي قدر أم يبلغ شاؤه
…
هيهات كم بين الثريا والثرى
من يأته سلماً حباه أمانيا
…
ومعانداً ولي فراراً مدبرا
مولاي قدرك قد علا عن درك مد
…
اح فعذراً إن أتيت مقصرا
وعلمت إني عاجز عن درك ما
…
قد حزته ويحق لي أن أعذرا
وقد اقتحمت وصفت فيك قوافياً
…
جاءت فتوح لديك مسكاً إذ فرا
فأسلم ودم ما فاه تال منشداً
…
هذا الحمى ما بال دمعك قد جرى
وكانت وفاته في سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه آمين.
عثمان ثروت
عثمان ابن صالح الملقب بثروت على طريقة شعراء الفرس والروم الحنفي القسطنطيني أحد الكتاب البارعين بالفنون والآداب نشأ بدار السلطنة المذكور وأخذ الخط عن الكاتب أحمد خواجه زاده المشهور وأتقن الأدب والانشاء حتى صار كاتباً لمعتمد الملوك بشير ضابط الحرم السلطاني في دولة السلطان محمود بن مصطفى خان وبعد قتله وتفرق أتباعه صار من أعيان كتاب الديوان السلطاني المعروفين بالخواجكان وله نظم بالتركية كثير وكان أولاً يلقب بحنيف وجمع ديواناً من شعره باللقب المذكور وقد طالعته ورأيته في دار الكتب التي جمعها ووقفها سلطان زماننا السلطان عبد الحميد بن أحمد خان ولما عدل عن اللقب المذكور وتلقب بثروت جمع ديواناً آخراً من شعر جديد نظمه ولما تم وافق تاريخه ديوان ثروت وذلك سنة سبع وسبعين ومائة وقد طالعته لما تملكته وهو الآن من كتبي وفيه كل معنى لطيف تشربه الأسماع بفم الاشهتاء وكانت وفاته في صفر سنة ثمانين ومائة وألف.
عثمان العقيلي
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرزاق بن إبراهيم وينتهي إلى الولي الكبير والقطب الشهير الشيخ عقيل المنبجي فلذلك كان معروفاً بالعقيلي العمري الشافعي الحلبي الشيخ الامام العالم الفاضل كان صالحاً عالماً عاملاً زاهداً وله سلوك حسن الأخلاق والسير ولد في سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وحفظ القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة ثم حفظه الشاطبية والدره واشتغل بالطيبة في القراآت العشرة وجمع القرآن من طريق السبعة والعشرة وكان شيخه العالم العابد الشيخ محمد الحموي الأصل البصري وكذلك العلامة الشيخ محمد العقاد وفي غيرها وأخذ من العلوم ما بين تفسير وحديث وأصول وفقه ومعان وبيان ونحو وصرف وغير ذلك عن شيخه الأستاذ العلامة الشيخ طه الجبريني
ومن مشايخه الفاضل الكبير الشيخ محمد بن الطيب محشي القاموس المغربي نزيل الحرمين ومنهم العالم المحدث الشيخ عبد الكريم الشراباتي الفقيه المتقن الشيخ عبد القادر الديري ومنهم الامام العالم المحدث الشيخ محمد الزمار حضر عليه في كثير من العلوم وكذلك النحرير الشيخ السيد علي العطار قرأ عليه في الفقه والنحو والفرائض وغير ذلك وارتحل إلى الحج في سنة ست وسبعين ومائة وألف واجتمع بغالب من كان حينئذ بالحرمين وأخذ عنهم فمنهم العارف الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان المدني أخذ عنه الحديث وأجازه وأخذ عنه الطريقة القادرية ومنهم العلامة الشيخ محمد بن سليمان الشافعي المدني والشيخ محمد بن عبد الله المغربي والعلامة الشيخ أبو الحسن السندي شارح شرح النخبة في مصطلح الحديث للعلامة ابن حجر ومنهم الفاضل الشيخ يحيى الحباب المكي والشيخ عطاء الله الأزهري نزيل مكة وأخذ بدمشق عن العلامة المحقق الشيخ علي الدغستاني وله مشايخ نحو الخمسين وكان بحلب مقيماً على الاشتغال بالعلم يقرئ كتب الحديث والفقه والآلات في أموي حلب وغير ذلك ولزمه جماعة وكان ملازماً ومواظباً على الاعتكاف في كل سنة أربعين يوماً وهي المسماة عند أهل الطريق بالخلوة فإنه يعتكف مع جماعة من إخوانه هذه المدة ويشتغلون فيها بالصيام والقيام والذكر وبالجملة فهو أحد من ازدانت بهم الشهباء من الأفاضل في زماننا وكانت وفاته يوم الأحد ثاني عشر محرم سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان الدوركي
عثمان الوزير بن عبد الرحمن باشا ابن عثمان الدوركي الأصل الحلبي المولد والمنشأ انتقلت بوالده الأحوال إلى أن صار في الباب العالي رئيس الجاويشية جاوشباشي يه صكره دعاوي ناظري ديرلر ايدي سمدي اجراجمعتي رئيسيدر وهي رتبة قعساء يقال رجل أقعس أي منيع فقوله رتبة قعسا أي عاليه لا ينالها إلا من هو مجرب في معرفة قوانين الدولة ومنها أنعمت عليه الدولة بمنصب حلب برتبة روملي ورحل من اسلامبول إلى مقر حكومته حلب ففي الطريق ناداه داعي المنون فأجاب فامتحن صاحب الترجمة ثم ترقت أحواله إلى أن صار محصل الأموال الميرية بحلب وكانت له دربة في الأمور فجمع الأموال وبنى وشيد ورأس وساعده الوقت وبنى داره الكائنة بمحلة داخل باب النصر على شفير الخندق وهي أحد الدور العظام في الارتفاع والأحكام وبشرقيها كان سور باب الأربعين قديماً وهذا كان أبواب مدينة حلب ومحله عند مسجد الأربعين المعروف الآن بزاوية القرقلار قرقلر زاويه سي يسنكها
مشايخ الطريقة النور بخشية قدس الله أسرارهم وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان سبب تسمية باب الأربعين قديماً وعدد أبواب حلب وما كانت عليه قديماً وذكر مشايخ هذه الطريقة العلية وشرقي دار المترجم أيضاً العين المعروفة بالعونية يقصدها المرضى يوم السبت قبل طلوع الشمس يغتسلون بها ولها ذكر في الخواصات التي بحلب مولانا خواصات ديمش جمع الجمع يابه يور ثم إن المترجم شرع في عمارة جامعه المعمور لصيق داره أوائل سنة احدى وأربعين ومائة وألف فاشترى الدور التي كانت في محل الجامع من أهلها بالأثمان المضاعفة عثمان باشا هذا خالف سنة الظلمة وأغضب روحي بشتاك وجمال الدين انظر صحيفة 70 من الجزء الثاني من كتاب المواعظ وكان يقترض الملل من التجار أهل الخير والصلاح المعروفين بحل المال ويصرفه في عمارة الجامع ويوفيهم من ثمن حنطة كانت عنده إلى أن فرغ بناء الجامع وتم على أكمل الوجوه ولما انتهى حفر أساس الجامع وحررت القبلة بتحرير العلامة الشيخ جابر الحوراني الأصل والعلامة الشيخ علي الميقاتي بأموي حلب نزل صاحب الترجمة بنفسه إلى الأساس واستدعى بطين فوضعه ووضع عليه حجراً ووضع بينهما صرة صغيرة لا يدري ما هي وصعد وشرعوا في البنا بالأحجار الهر قليلة الهائلة وأبطل العمل شتاء إلى أن كمل سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ووضع فيه منبراً من الرخام الأصفر الفائق سرق منبر مصنع من جامع شهنشاه بمصر بعد سنة 1280 وخبر أهل الخبرة بأن المنبر المذكور كان مثل منبر الجامع الذي يقال له اليوم جامع الشيخ أبي حريبه وقوموه بألف وخمسمائة ليرا وكل لير بأربعة آلاف مؤيدي بعيار دار الضرب بمصر ثم هدمت مئذنة الجامع خوفاً من سقوطها على رؤس المارين والجامع المذكور لصيق بدار سليمان أغا الوكيل بباب الخرق وفي صحنه حوضاً من الرخام الأصفر طوله أربعة عشر ذراعاً في مثلها وفي شماله مصطبة مرخمة بالرخام الأصفر بقدر الحوض وبنى فيه احدى وأربعين حجرة منها ثلاثون للمجاورين والباقي لأرباب الشعائر وعين له خطيباً شكري محمد أفندي البكغلوني وهو أول خطيب خطب به لأنه كان مرغوباً عند الأتراك التمطيط التمطيط أكبرده بر ألف زيادة أيدوب أكبار ديمك أيسه بوني جاهل مؤذناً ريبار استانبولده اربه جبلر جامعي خطيبي تمطيط مؤرخ أيتميور بوراده تمطيطدن مرامي مدايمتك كه حرو في جكمك اولملي طاش قصايده ملا كوراني مؤذني تمطيط ايتميور ايديسه ده بوسنه حجه كندي في الخطبة على عادة خطباء اسلامبول وعين له مدرساً تاتار أفندي العينتابي فاستقام أربعة أشهر ثم استعفى فنصب مكانه
العلامة محمود أفندي الأنطاكي وعين السيد محمد أفندي الكبيسي محدثاً وعين عبد الكريم أفندي الشرباتي واعظاً عقب صلاة الجمعة استطراد
ذكر الآذان بمصر وما كان فيه من الاختلاف
اعلم إن أول من أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بالمدينة الشريفة وفي الأسفار وكان ابن أم مكتوم واسمه عمرو بن قيس بن شريح من بني عامر بن لؤي وقيل اسمه عبد الله وأمه أم واسمها عاتكة بنت عبد الله بن عنكثة من بني مخزوم ربما أذن بالمدينة وأذن أبو محذورة واسمه أوس وقيل سمرة بن معير بن لوذان بن ربيعة بن معير بن عريج بن سعيد بن جمح وكان استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يؤذن مع بلال فأذن له وكان يؤذن في المسجد الحرام وأقام بمكة ومات بها ولم يأت المدينة قال ابن الكلبي كان أبو محذورة لا يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة لا في الفجر ولم يهاجر وأقام بمكة وقال ابن جريج علم النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة الآذان بالجعرانة حين قسم غنائم حنين ثم جعله مؤذناً في المسجد الحرام وقال الشعبي أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلال وأبو محذورة وابن أم مكتوم وقد جاء إن عثمان ابن عفان رضي الله عنه كان يؤذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند المنبر وقال محمد بن سعد عن الشعبي كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مؤذنين بلال وأبو محذورة وعمرو بن أم مكتوم فإذا غلب بلال أذن أبو محذورة وإذا غاب أبو محذورة أذن ابن أم مكتوم قلت لعل هذا كان بمكة وذكر ابن سعد إن بلالاً أذن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه وإن عمر رضي الله عنه أراده أن يؤذن له فأبى عليه فقال له إلى من ترى أن أجعل النداء فقال إلى سعد القرظ فإنه قد أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه عمر رضي الله عنه فجعل النداء إليه وإلى عقبه من بعده وقد ذكر إن سعد القرظ كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقبا قبا بضم الأول وذكر أبو داود في مراسيله والدارقطني في سننه قال بكير بن عبد الله الأشج كانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يصلون بآذان بلال رضي الله عنه وقد كان عند فتح مصر الآذان انما هو بالمسجد الجامع المعروف بجامع عمرو وبه صلاة الناس بأسرهم وكان من هدى الصحابة والتابعين رضي الله عنهم المحافظة على الجماعة وتشديد النكير على من تخلف عن صلاة الجماعة قال أبو عمرو الكندي في ذكر من عرف على المؤذنين بجامع عمرو بن العاص بفسطاط مصر وكان أول من عرف على المؤذنين أبو مسلم سالم بن عامر بن
عبد المرادي وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أذن لعمر بن الخطاب سار إلى مصر مع عمرو بن عاص يؤذن له حتى افتتحت مصر فأقام على الآذان وضم إليه عمرو بن العاص تسعة رجال يؤذنون وهم عاشرهم وكان الآذان في ولده حتى انقرضوا قال أبو الخير حدثني أبو مسلم وكان مؤذناً لعمرو بن العاص أن الآذان كان أوله لا إله إلا الله وآخره لا إله إلا الله وكان أبو مسلم يوصي بذلك حتى مات ويقول هكذا كان الآذان ثم عرف عليهم أخوه شرحبيل بن عامر وكانت له صحبة وفي عرافته زاده مسلمة بن مخلد في المسجد الجامع وجعل له المنار ولم يكن قبل ذلك وكان شرحبيل أول من رقى منارة مصر للآذان وإن مسلمة بن مخلد اعتكف في منارة الجامع فسمع أصوات نواقيس عالية بالفسطاط فدعا شرحبيل بن عامر فأخبره بما ساءه من ذلك فقال شرحبيل فإني أمدد بالآذان من نصف الليل إلى قرب الفجر فانههم أيها الأمير أن ينقسوا إذا أذنت فنهاهم مسلمة عن ضرب النواقيس وقت الآذان ومدد شرحبيل ومطط أكثر الليل إلى أن مات شرحبيل سنة خمس وستين.
وذكر عن عثمان رضي الله عنه أنه أول من رزق المؤذنين رزق من الباب الأول فلما كثرت مساجد الخطبة أمر مسلمة بن مخلد الأنصاري في امارته على مصر ببناء المنار في جميع المساجد خلا مساجد تجيب وخولان فكانوا يؤذنون في الجامع أولاً فإذا فرغوا أذن كل مؤذن في الفسطاط في وقت واحد فكان لآذانهم دوي شديد وكان الآذان أولاً بمصر كأذان أهل المدينة وهو الله أكبر الله أكبر وباقيه كما هو اليوم فلم يزل الأمر بمصر على ذلك في جامع عمره بالفسطاط وفي جامع العسكر وفي جامع أحمد بن طولون وبقية المساجد إلى أن قدم القائد جوهر بجيوش المعز لدين الله وبنى القاهرة فلما كان في يوم الجمعة الثامن من جمادي الأولى سنة تسع وخمسين وثلثمائة صلى القائد جوهر الجمعة في جامع أحمد بن طولون وخطب به عبد السميع ابن عمر العباسي بقلنسوة وسبني وطيلسان دبسي وأذن المؤذنون حي على خير العمل وهو أول ما أذن به بمصر وصلى به عبد السميع الجمعة فقرأ سورة الجمعة وإذا جاءك المنافقون وقنت في ركعة الثانية وانحط إلى السجود ونسي الركوع فصاح به علي بن الوليد قاضي عسكر جوهر بطلت الصلاة أعد ظهراً أربع ركعات ثم أذن بحي على خير العمل في سائر مساجد العسكر إلى حدود مسجد عبد الله وأنكر جوهر على عبد السميع إنه لم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة ولا قرأها في الخطبة فأنكره جوهر ومنعه من ذلك ولأربع بقين من جمادي الأولى المذكور أذن في الجامع العتيق لحي على خير العمل وجهروا في الجامع بالبسملة في الصلاة فلم يزل الأمر على ذلك طول مدة الخلفاء الفاطميين إلا أن الحاكم بأمر الله في سنة أربعمائة
أمر بجمع مؤذني القصر وسائر الجوامع وحضر قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي وقرأ أبو علي العباسي سجلاً فيه الأمر بترك حي على خير العمل في الآذان وأن يقال في صلاة الصبح الصلاة خير من النوم وأن يكون ذلك من مؤذني القصر عند قولهم السلام على أمير المؤمنين ورحمة الله فامتثل ذلك ثم عاد المؤذنون إلى قول حي على خير العمل في ربيع الآخر سنة احدى وأربعمائة ومنع في سنة خمس وأربعمائة مؤذنو جامع القاهرة ومؤذنو القصر من قولهم بعد الآذان السلام على أمير المؤمنين وأمرهم أن يقولوا بعد الآذان الصلاة رحمك الله ولهذا الفعل أصل قال الواقدي كان بلال رضي الله عنه يقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول السلام عليك يا رسول الله وربما قال السلام عليك بأبي أنت وأمي يا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة السلام عليك يا رسول الله قال البلادري وقال غيره كان يقول السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا رسول الله فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه الخلافة كان سعد القرظ يقف على بابه فيقول السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة رسول الله فلما استخلف عمر رضي الله عنه كان سعد يقف على بابه فيقول السلام عليك يا خليفة خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا خليفة خليفة رسول الله فلما قال عمر رضي الله عنه للناس أنتم المؤمنون وأنا أميركم فدعى أمير المؤمنين استطالة لقول القائل يا خليفة خليفة رسول الله ولمن بعده خليفة خليفة خليفة رسول الله كان المؤذن يقول السلام عليك أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الفلاح الصلاة يا أمير المؤمنين ثم إن عمر رضي الله عنه أمر المؤذن فزاد فيها رحمك الله ويقال إن عثمان رضي الله عنه زادها وما زال المؤذنون إذا أذنوا سلموا على الخلفاء وأمراء الأعمال ثم يقيمون الصلاة بعد السلام فيخرج الخليفة أو الأمير فيصلي بالناس هكذا كان العمل مدة أيام بني أمية ثم مدة خلافة بني العباس أيام كانت الخلفاء وأمراء الأعمال تصلي بالناس فلما استولى العجم وترك خلفاء بني العباس الصلاة بالناس ترك ذلك كما ترك غيره من سنن الإسلام.
ولم يكن أحد من الخلفاء الفاطميين يصلي بالناس الصلوات الخمس في كل يوم فسلم المؤذنون في أيامهم على الخليفة بعد الآذان للفجر فوق المنارات فلما انقضت أيامهم وغير السلطان صلاح الدين رسومهم لم يتجاسر المؤذنون على السلام عليه احتراماً للخليفة العباسي ببغداد فجعلوا عوض السلام على الخليفة السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمر ذلك قبل الآذان للفجر في كل ليلة بمصر والشام والحجاز وزيد فيه بأمر المحتسب صلاح الدين عبد الله البرلسي الصلاة والسلام عليك يا رسول الله وكان ذلك
بعد سنة ستين وسبعمائة فاستمر ذلك ولما تغلب أبو علي بن كتيفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة في أيام الحافظ لدين الله أبي الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم محمد بن المستنصر بالله في سادس عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة وسجن الحافظ وقيده واستولى على سائر ما في القصر من الأموال والذخائر وحملها إلى دار الوزارة وكان امامياً متشدداً في ذلك خالف ما عليه الدولة من مذهب الإسماعيلية وأظهر الدعاء للامام المنتظر وأزال من الآذان حي على خير العمل وقولهم محمد وعلى خير البشر وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيلية فلما قتل في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ وأعيد إلى الآذان ما كان أسقط منه وأول من قال في الآذان بالليل محمد وعلى خير البشر الحسين المعروف بأمير كان شكنبه ويقال أشكنبه وهو اسم أعجمي معناه الكرش شكنبه بكسر الشين وفتح الكاف والباء الكرش وأشكنبه بالتركي محرف منه وهو علي بن محمد بن علي بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان أول تأذينه بذلك في أيام سيف الدولة بن حمدان بحلب في سنة سبع وأربعين وثلثمائة قاله الشريف محمد بن أسعد الجواني النسابة ولم يزل الآذان بحلب يزاد فيه حي على خير العمل ومحمد وعلى خير البشر إلى أيام نور الدين محمود فلما فتح المدرسة الكبيرة المعروفة بالحلاوية استدعى أبا الحسن علي بن الحسن بن محمد البلخي الحنفي إليها فجاء ومعه جماعة من الفقهاء وألقى بها الدروس فلما سمع الآذان أمر الفقهاء فصعدوا المنارة وقت الآذان وقال لهم مروهم يؤذنوا الآذان المشروع ومن امتنع كبوه على رأسه فصعدوا وفعلوا ما أمرهم به واستمر الأمر على ذلك وأما مصر فلم يزل الآذان بها على مذهب القوم إلى أن استبد السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة الفاطمية في سنة سبع وستين وخمسمائة وكان ينتحل مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه وعقيدة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله فأبطل من الآذان قول حي على خير العمل وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام بأذان أهل مكة وفيه تربيع وترجيع الشهادتين فاستمر الأمر على ذلك إلى أن بنت الأتراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه في مصر فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل الكوفة وتقام الصلاة أيضاً على رأيهم وما عدا ذلك فعلى ما قلنا إلا أنه في ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو شيء أحدثه محتسب القاهرة صلاح الدين عبد الله بن عبد الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة فاستمر إلى أن
كان في شعبان سنة احدى وتسعين وسبعمائة ومتولي الأمر بديار مصر الأمير منطاش القائم بدولة الملك الصالح المنصور أمير حاج المعروف بحاجي بن شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون فسمع بعض الفقراء الخلاطين سلام المؤذنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة جمعة وقد استحسن ذلك طائفة من اخوانه فقال لهم أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان قالوا نعم فبات تلك الليلة وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه وإنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل أذان فمضى إلى محتسب القاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي وكان شيخاً جهولاً وبلهاناً مهولاً سئ السيرة في الحسبة والقضاء متهافتاً على الدرهم ولو قاده إلى البلاء لا يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة ولا يراعي في مؤمن إلا ولا ذمة قد ضرى على الآثام وتجسد من أكل الحرام يرى إن العلم أرخاء
العذبة ولبس الجبة ويحسب إن رضى الله سبحانه في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة لم تحمد الناس قط أياديه ولا شكرت أبداً مساعيه بل جهالاته شائعة وقبائح أفعاله ذائعة أشخص أشخص أزعج غير مرة إلى مجلس المظالم وأوقف مع من أوقف للمحاكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح حقق فيها شكاته عليه القوادح. ذبة ولبس الجبة ويحسب إن رضى الله سبحانه في ضرب العباد بالدرة وولاية الحسبة لم تحمد الناس قط أياديه ولا شكرت أبداً مساعيه بل جهالاته شائعة وقبائح أفعاله ذائعة أشخص أشخص أزعج غير مرة إلى مجلس المظالم وأوقف مع من أوقف للمحاكمة بين يدي السلطان من أجل عيوب فوادح حقق فيها شكاته عليه القوادح.
وما زال في السيرة مذموماً ومن العامة والخاصة ملوماً وقال له رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم الصلاة والسلام عليك يا رسول الله كما يفعل في ليالي الجمع فأعجب الجاهل هذا القول وجهل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة فيما شرعه حيث يقول أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم ومحدثات الأمور فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر وبلاد الشام وصارت العامة وأهل الجهالة ترى إن ذلك من جملة الآذان الذي لا يحل تركه وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الالحاد في الآذان ببعض القرى السلام بعد الآذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا فلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون وأما التسبيح في الليل على المآذن فإنه لم يكن من فعل سلف الأمة وأول ما عرف من ذلك إن موسى بن عمران صلوات الله عليه لما كان ببني إسرائيل في التيه بعد غرق فرعون وقومه اتخذ بوقين من فضة مع رجلين من بني إسرائيل ينفخان فيهما وقت الرحيل ووقت النزول وفي أيام الأعياد وعند
ثلث الليل الأخير من كل ليلة فتقوم عند ذلك طائفة من بني لاوي سبط موسى عليه السلام ويقولون نشيداً منزلاً بالوحي فيه تخويف وتحذير وتعظيم لله تعالى وتنزيه له تعالى إلى وقت طلوع الفجر واستمر الحال على هذا كل ليلة مدة حياة موسى عليه السلام وبعده أيام يوشع بن نون ومن قام في بني إسرائيل من القضاة إلى أن قام بأمرهم داود عليه السلام وشرع في عمارة بيت المقدس فرتب في كل ليلة عدة من بني لاوي يقومون عند ثلث الليل الآخر فمنهم من يضرب بالآلات كالعود والسنطير والبربط والدف والمزمار ونحو ذلك ومنهم من يرفع عقيرته بالنشائد المنزلة بالوحي على نبي الله موسى عليه السلام والنشائد المنزلة بالوحي على داود عليه السلام ويقال إن عدد بني لاوي هذا كان ثمانية وثلاثين ألف رجل قد ذكر تفصيلهم في كتاب الزبور فإذا قام هؤلاء ببيت المقدس قام في كل محلة من محال بيت المقدس رجال يرفعون أصواتهم بذكر الله سبحانه من غير آلات فإن الآلات كانت مما يختص ببيت المقدس فقط وقد نهوا عن ضربها في غير البيت فيتسامع من قرية بيت المقدس فيقوم في كل قرية رجال يرفعون أصواتهم بذكر الله تعالى حتى يعم الصوت بالذكر جميع قرى بني إسرائيل ومدنهم وما زال الأمر على ذلك في كل ليلة إلى أن خرب بخت نصر بيت المقدس وجلا بني إسرائيل إلى بابل فبطل هذا العمل وغيره من بلاد بني إسرائيل مدة جلائهم في بابل سبعين سنة فلما عاد بنو إسرائيل من بابل وعمروا البيت العمارة الثانية أقاموا شرائعهم وعاد قيام بني لاوي بالبيت في الليل وقيام أهل محال القدس وأهل القرى والمدن على ما كان العمل عليه أيام عمارة البيت الأولى واستمر ذلك إلى أن خرب القدس بعد قتل نبي الله يحيى بن زكريا وقيام اليهود على روح الله ورسوله عيسى ابن مريم صلوات الله عليهم على يد طيطش فبطلت شرائع بني إسرائيل من حينئذ وبطل هذا القيام فيما بطل من بلاد بني إسرائيل وأما في الملة الاسلامية فكان ابتداء هذا لعمل بمصر وسببه إن مسلمة بن مخلد أمير مصر بنى مناراً لجامع عمرو بن العاص واعتكف فيه فسمع أصوات النواقيس عالية فشكا ذلك إلى شرحبيل بن عامر عريف المؤذنين فقال إني أمدد الآذان من نصف الليل إلى قرب الفجر فإنههم أيها الأمير أن ينقسوا إذا أذنت فنهاهم مسلمة عن ضرب النواقيس وقت الآذان ومدد شرحبيل ومطط أكثر الليل ثم إن الأمير أبا العباس أحمد بن طولون كان قد جعل في حجرة تقرب منه رجال تعرف بالمكبرين عدتهم اثنا عشر رجلاً يبيت في هذه الحجرة كل ليلة أربعة يجعلون الليل بينهم عقباً فكانوا يكبرون ويسبحون ويحمدون الله سبحانه في كل وقت ويقرأون
القرآن بألحان ويتوسلون ويقولون قصائد زهدية ويؤذنون في أوقات الآذان وجعل لهم أرزاقاً واسعة تجري عليهم فلما مات أحمد بن طولون وقام من بعده ابنه أبو الجيش خمارويه أقرهم بحالهم وأجراهم على رسمهم مع أبيه ومن حينئذ اتخذ الناس قيام المؤذنين في الليل على المآذن وصار يعرف ذلك بالتسبيح فلما
ولي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سلطنة مصر وولي القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري في الأصول فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاد حتى يكفر من خالفه وتقدم الأمر إلى المؤذنين أن يعلنوا في وقت التسبيح على المآذن بالليل يذكر العقيدة التي تعرف بالمرشدة فواظب المؤذنون على ذكرها في كل ليلة بسائر جوامع مصر والقاهرة إلى وقتنا هذا ومما أحدث أيضاً التذكير في يوم الجمعة من أثناء النهار بأنواع من الذكر على المآذن ليتهيأ الناس لصلاة الجمعة وكان ذلك بعد السبعمائة من سني الهجرة. لي السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب سلطنة مصر وولي القضاء صدر الدين عبد الملك بن درباس الهدباني الماراني الشافعي كان من رأيه ورأي السلطان اعتقاد مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري في الأصول فحمل الناس إلى اليوم على اعتقاد حتى يكفر من خالفه وتقدم الأمر إلى المؤذنين أن يعلنوا في وقت التسبيح على المآذن بالليل يذكر العقيدة التي تعرف بالمرشدة فواظب المؤذنون على ذكرها في كل ليلة بسائر جوامع مصر والقاهرة إلى وقتنا هذا ومما أحدث أيضاً التذكير في يوم الجمعة من أثناء النهار بأنواع من الذكر على المآذن ليتهيأ الناس لصلاة الجمعة وكان ذلك بعد السبعمائة من سني الهجرة.
قال ابن كثير رحمه الله في يوم الجمعة سادس ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وسبعمائة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مآذن دمشق كما يذكر في مآذن الجامع الأموي ففعل ذلك من المقريزي انتهى وعين السيد عبد الغني الصباغ امام الجهرية والعلامة الشيخ جابر امام السرية وعين له أربعة مؤذنين وعين شعالين وفراشين وقارئ يقرأ النعت وكناسين ولكل باب من أبوابه الثلاثة بواباً وأسكن الثلاثين حجرة ثلاثين رجلاً من أهل البلدة أو من غيرها وشرط عليهم البيتوتة في الجامع وملازمة الصلوات الخمس وقراءة جزء من القرآن العظيم بعد صلاة الصبح وفي أثناء الجامع صار متسلماً بحلب وجاءته رتبة روملي ثم أنعمت عليه الدولة برتبة الوزارة ومنصب طرابلس ثم عزل عنها وولي سيواس ثم دمشق وحج منها أميراً للحاج ثم ولي حلب فدخلها سنة خمسين ومائة وألف وشرع في عمارة المطبخ المسمى بالعمارة على باب جامعه الشرقي ثم ولي آدنة وفي هذا لان تكب أطنه ثم بروسه وعين لمحافظة بغداد ثم ولي ايالة صيداً ثم ولي جدة ومشيخة الحرم المكي فأقام بمكة المشرفة إلى أن توفي في ذي القعدة سنة ستين ومائة وألف ودفن هناك رحمه الله تعالى.
عثمان الحلبي
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن أحمد بن عبد الرزاق بن شهاب الدين أحمد بن يوسف بن عقيل بن تقي الدين أبي بكر عبد الرحمن بن برهان الدين بن إبراهيم ابن أبي عبد الله محمد بن أبي حفص أحمد
بن زين الدين سويدان بن شهاب الدين أحمد بن القطب الشيخ عقيل المنبجي منبج على وزن مجلس وفي النسبة منجاني وانبجاني قدس سره ابن الشيخ شهاب الدين أحمد البطائحي بن الشيخ زين الدين عمر بن الشيخ عبد الله البطائحي بن الشيخ زين الدين عمر بن الشيخ سالم بن الشيخ زين الدين عمر ابن سيدنا ومولانا الامام الزاهد عبد الله رضي الله عنه ابن سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه العالم العامل المسلك المرشد الشافعي الحلبي ولد في منتصف شهر ربيع الأول سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وحفظ القرآن وهو ابن ثلاث عشرة سنة وأخذ الطريقة العقيلية عن آبائه مسلسلة إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذ العلوم عن عدة من الشيوخ كالشيخ طه الجبريني والشيخ عبد الكريم الشراباتي والشيخ عبد القادر الديري وأجاز له الشيخ محمد ابن الطيب المغربي المدني وحج سنة ست وسبعين فأخذ بالمدينة عن الشيخ محمد بن عبد الكريم السمان والشيخ محمد بن عبد الله المغربي المدني والشيخ محمد بن سليمان المدني وأخذ بدمشق عن العلامة علي بن صادق لطاغستاني.
عثمان العرياني
عثمان بن عبد الله الشهير بالعرياني الحنفي الكليسي الأصل الحلبي المولد نزيل قسطنطينية العالم الفاضل البارع له من التآليف شرح الهمزية وشرح النونية في العقائد لخضر بيك وشرح الحزب الأعظم لعلي القاري علي القاري في الخلاصة وغير ذلك وقد أطلعت على هذه المؤلفات له وأنا في الروم قطن الديار الرومية مدة وأعقب بها ثم ارتحل للحرمين وجاور بالمدينة المنورة وتوفي بها وكانت وفاته في سنة ثمان وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان المجذوب
عثمان بن عبد الله المجذوب نزيل قسطنطينية كان في الأصل من أرقاء المولى محمد سعيد قاضي العساكر في الدولة العثمانية ورئيس الأطباء في المعهد المحمودي ثم حصل له جذب الهي وكان قرأ القرآن وشيئاً من العلوم وتعلم الخط فترك الجميع واستغرق وظهرت له أحوال خوارق وحصل على الولاية واعتقده العام والخاص حتى سلطان وقتنا السلطان عبد الحميد خان اعتقده وظهرت له كرامات حتى انني في رحلتي الأولى للدولة شاهدت منه كرامة ظاهرة وكان مستقيماً في اقميم حمام السلطان أبي يزيد خان وكانت وفاته في يوم الثلاثاء ثالث جمادي الثانية سنة سبع وتسعين ومائة وألف وجاء تاريخه
موت مجذوب ودفن لصيق باب الأوض اسكي اوطه لر العتيقة المعدة للينكجرية بالقرب من جامع الشاه زاده بأمر من السلطان المذكور وحجر قبره من التحجير ووضع عليه هيئة كسوته المولوية التي كان يلبسها رحمه الله تعالى.
عثمان باشا الوزير
عثمان باشا بن عبد الله الوزير الكبير الصدر الشهم الدستور المعظم صاحب الخيرات والمآثر الجميلة كان من موالي الوزير الكبير أسعد باشا بن العظم فجعله متسلماً عنه في حماه ثم بعد ذلك لما عزل الوزير المرقوم عن دمشق وولي سيواس واستشهد بها بأمر الدولة قبض على صاحب الترجمة وأخذ إلى الروم يؤدي حسابات للدولة بخصوص تركة المرحوم أسعد باشا فلما وصل إلى قسطنطينية أدركته العناية فتخلص من ذلك وأعطته الدولة كفالة دمشق بثلاثة أطواغ وجهت له بدمشق وآياتها فرجع ودخل الشام في ثالث جمادي الأولى سنة أربع وسعين ومائة وألف وكانت أيامه أيام فرح وسرور وأمان ودعة وفي سابع عشري جمادي المذكور من السنة المرقومة بولادة السلطان الأعظم سليم خان بن السلطان مصطفى خان أيد الله كلمتهم وأيد دولتهم هو السلطان سليم الثالث الشهيد رحمه الله تعالى قام المترجم بعمل زينة في دمشق فصارت زينة عظيمة في سبعة أيام وبذل صاحب الترجمة في ذلك أموالاً عظيمة وكان له يد طولى في تعمير طريق الحاج الشامي فعمر عدة قلاع وشيئاً كثيراً في الطريق وعمل ذلك بالأحجار والصخور وفي سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف بنى قناة داخل صخن الجامع الشريف الأموي وأجرى لها الماء من نهر القنوات وصرف على ذلك أموالاً كثيرة وصار بها فرج للناس عند انقطاع نهر بانياس وكان متولي الجامع إذ ذاك والدي فأرخ ذلك بقوله
لقد جاء الوزير بخير بر
…
لجامع شامنا من غير سو
فيجزيه الآله بكل خير
…
على فعل المبرة بالنمو
وما مفتي دمشق أتى ببيت
…
بتاريخين يعلن بالسمو
لعثمان الوزير سبيل وسع
…
لمسجد سعده لأجل الوضو
ثم في سنة خمس وثمانين بعد قدومه من الحاج جاء لدمشق محمد بيك الملقب بأبي الذهب وحاصرها وأخذها كما قدمنا ذكر ذلك ثم في تلك السنة عزل صاحب الترجمة عن دمشق وتوفي سنة ست وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عثمان البقراصي
عثمان بن عمر البقراصي الحنفي الحمصي كان فاضلاً فصيحاً تولى افتاء حماه واستقام
مدة بها وكان صالحاً وقد انتفع به جماعة وتوفي بحماة في نيف وسبعين ومائة وألف ودفن خارجها بباب المدرج رحمه الله تعالى.
عثمان بن بكتاش الموصلي
عثمان بن عمر المعروف ببكتاش زاده الموصلي الشاعر الأديب الناظم الناثر ترجمه بعض فضلاء الموصل وقال في حقه هذا الأديب والشاعر المصيب والفصيح بقوله وحلاوته والمبتكر للمعاني بطلاوته دبج القراطيس بمداد تأليفه وروج سعر الشعر بحسن سبكه لدرر الألفاظ وترصيفه جدير بأن يشار إليه بالبنان بين الشعراء والأقران فله قصائد عديدة فمن نظمه قوله يمتدح المرحوم السيد عبدي أفندي عندما ولي افتاء الموصل يهنيه بأبيات كل شطر منها تاريخ وقد شهدت بقوة طبعه ومهارته في فن الأدب وسلامة قريحته فأبدع وأغرب حيث قال
على قمر الاقبال في أفق اليسر
…
وزان باكليل الهنا جبهة البشر
تلألأء بالفتح المبين هلاله
…
فباهى به المشكاة كوكبها الدري
كسى بالفتاوي عابداً حلة الهدى
…
وألبس عطفيه العلي حلة القدر
فأضحى لباب المدح لما زهى الولي
…
على بعبيد الله منشرح الصدر
فتى أوجز الفتوى بمنهاج مجده
…
وزاد عليها علة الكسر والجبر
تبقر في علم الولي وهو يافع
…
وأدنى مقاليد الثنا وهو في الحجر
يلخص في أوفى المعاني بيانه
…
بديع طوايا رفده الفائق النشر
سريع العطايا مدها متداركي
…
ببحر ندى لم يجزر الوعد عن قصر
جواد عطاء لو تجاريه دجلة
…
لجالت عيون من لجين على الجسر
ولو قهر الاكرام أيتام نيله
…
لحط نداه سائل التبر في نهر
تكاد البحار السبع جداً ببذله
…
يفجرها من بسط أنمله العشر
أبى الله أن تستنكح السحب جوده
…
لتطرح ماء حملها لؤلؤ القطر
تناسيت أحبابي زماناً ومنزلي
…
بدعواه ما جاءت قفا نبك في ذكرى
سلالة آباء ولاة أكابر
…
جمانة أبناء أطايبة طهر
حليف النهى والحلم والعدل والسخا
…
أخو المجد والآلاء والعفو والبر
له أخوة حازو وأبناهم هدا
…
بأجدادهم أهل النوال بني الفخر
مدارس علم الله خزان جوده
…
معاجزه الأبرار في السر والجهر
فمن مثلهم أصلاً وحيدر جدهم
…
حليم محل الحلم صنو الفتى الطهر
فيا شرفاً يزهو ببطحاء مكة
…
ويا نسباً دار له شرف البدر
أبوهم بهاء المجد هم بهجة الثنى
…
بنوهم أكاليل الهدى جدهم فخري
أمولاي يا مولاي دعوة شاكر
…
لا نعمكم شاكي إليكم جفى الفقر
يأرخها داعيك يا جوهر البها
…
مدى كل شطر عم حسناً على الدر
فلا زلت في مجد الولاية زاهياً
…
باقبال سعد مسبل مدة العمر
وله أيضاً كل شطر تاريخ في وفاة المرحوم السيد يحيى أفندي مفتي الموصل في تلك السنة
حيتك يا مرقداً وأرى هلال هدى
…
سحابة الفوز بالحسنى مع الرسل
وآنستك بهام هامل ونعت
…
نفس الفتاوي أنيس العلم والعمل
لقد حويت حسيباً طالما سجدت
…
في البيت جبهته الفيحاء للأزل
عز فللناس أسخى سيد سند
…
زين بأبهى برود المجد مشتمل
طوبى له فاز بالاخرى بنيل علا
…
من رحمة الله لم يوصف ولم ينل
وحل أعلى محل شامخ وبدا
…
يطوف في جنة الفردوس في حلل
فليبك جزماً على الفتوى اليراع دما
…
لفقده وليرثيه فم الوكل
همى بحسن قبول حين أرخه
…
بكل شطر يراع الوافدين جلي
يا من يروم مثيلاً بالمقام له
…
مهلاً فما لسداد العقل من مثل
بمن تشبه يحيى في الصلاح وقد سعى إلى الخلد في يحيى الامام علي وله غير ذلك وكانت وفاته في أواخر هذا القرن أعني الثاني عشر رحمه الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
عثمان الحافظ
عثمان بن علي المعروف بالحافظ الحنفي القسطنطيني الكاتب المشهور أحد أفراد الدهر كان والده مؤذناً بأحد جوامع قسطنطينية وولد المترجم في حدود سنة اثنين وخمسين وألف ونشأ بالبلدة المزبورة وأخذ الخط وأنواعه عن درويش على الكاتب الرومي المتوفي سنة أربع وثمانين وألف وباذنه عن صويولجي إن صوايولجي هو المأمور على تقسيم المياه واصلاح طرقها واعطائها إلى الدور والمحلات وفي الشام يقال له شاوي وأوصاف هذه الطائفة يذكرونها في أوراق الحوادث التي تطبع في زمن قلة المياه وعدالتهم بها على حسب قوة أصحاب الحق وضعفهم فلا تظن مكرهم أخفى من الماء تحت الرفة وكانت مياه مصر بيد السقاة والأسهلها ولاة مصر بالاسكندرية والقاهرة لأطفاء حر أكباد الضعفاء
من السقاة انتهى زاده مصطفى وإسمعيل نفس زاده الكاتبين المشهورين وبرع ومهر بالخطوط وأنواعها وأعطاه الله الشهرة التامة والتفوق على أهل عصره واشتهر اشتهار الشمس وتنافس الناس في خطه وبيع بالثمن الغالي ورغبت فيه الناس وفاقت شهرته على خط ياقوت وإلى الآن يتداول بين أيدي الناس بالقبول والرغبة وانتسب في أوائل أمره المترجم للوزير مصطفى باشا الكبرى كوبريلي الصدر الشهيد وفي سنة ست ومائة وألف وصار معلماً للسلطان مصطفى خان ابن السلطان محمد خان وأعطى قضاء ديار بكر وبعد عزله أعطى قضاء آخر على وجه التأييد كما هو دأب الدولة العثمانية وأحبه السلطان المذكور وأخذ عنه الخط النسخي والثلث وغيرهما أناس كثيرون وفاق واشتهر أمره مقدار أربعين سنة وقبل وفاته بثلاث سنوات عطل بداء الفالج وكان مع هذه الشهرة صاحب ملاطفة وانطراح وتودد وتغلب عليه الصلاح والديانة قيل كتب بخطه المرغوب الحسن خمساً وعشرين مصحفاً شريفاً تغالى الناس بهم وحصلت له الشهرة التامة وكانت وفاته بقسطنطينية سنة عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى صاحب ترجمة حافظ عثمان أوله بور
عثمان العمري الموصلي
عثمان بن علي العمري الموصلي صاحب الفضائل والفواضل أبو النور عصام الدين الأديب الشاعر البارع المفنن الناظم الناثر له في الأدب النوادر الغضة والمحاسن التي هي أنقى وأظرف من الفضة ولد في حدود سنة أربع وثلاثين ومائة وألف وقرأ على الشيخ درويش الكردي والعلامة جرجيس الأربلي وسافر إلى صوران على وزن سحبان قرية باليمن فقرأ على عامة علمائها كالشيخ الصالح فضل الله الحيدري والشيخ فتح الله والشيخ صالح وغيرهم ورجع فاستخدمه الوزير حسين باشا ورحل معه إلى القرص ووان وولاه بعض البلاد الصغيرة كأرويش وما زال مكرماً عنده حتى عاد قبل السبعين فاستخدمه الوزير الكبير محمد أمين باشا ومكث عنده سنين ثم رحل إلى القسطنطينية فولي حساب بغداد ودفتر قلاعها وأراضيها ومياهها فمكث على ذلك قدر أربع سنين إلى أن ولي الوزارة علي باشا فحبسه وأذاه ثم أطلق وعاد إلى الموصل راجعاً فقبض عليه ثانياً في قلعة كركوك ثم أطلق وعاد إلى الموصل ومكث فيها قريباً من سنة ثم رحل في رمضان في سنة ست وسبعين ومائة وألف إلى القسطنطينية وركب في البحر وفي الطريق صادفه بعض خدام النواب الأعظم وعندها أمر له بالعود إلى بغداد لمحاسبة أهلها وقد مات وزيرها علي باشا ووجهت إلى عمر باشا ولما وصل ماردين منع من العود
وبقي فيها برهة ثم أطلق سبيله فعاد إلى الموصل فلم يدخلها حتى وصل أربل فلم يتمكن من مجاوزتها ومكث مدة ثم أمر به إلى قرية في قرب بغداد تعرف بالدجين ومكث هناك يسيراً ثم أمر به إلى الحلة وقد قاسى الأهوال العظيمة وكان بعد موت سليمان باشا قد جعل نائباً في الحكومة والامارة قائماً مقامه حتى ورد الأمر الشريف بعزله وولي ذلك الوزير المكرم أمين باشا ومعادات الوزرا له سببها ولايته أمر بغداد وبذله الأموال حتى صار في الكرم والسخاء حاتم زمانه ومأمون أوانه وقد مدحه من الشعراء الجم الغفير بالقصائد البديعة وبعد انقضاء أيام الحصار وكشف تلك الغمة سافر صحبة الوزير محمد أمين باشا إلى القسطنطينية وفي عوده منها دخل حلب الشهباء وبالجملة فقضاياه ومناقبه تحتمل أسفاراً عديدة وله مؤلف حافل في تراجم أبناء العصر سماه الروض النضر حذافيه حذو الريحانة والنفحة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة يتشوق بها إلى بلدته الموصل
ما فاح نشر صبا تلك المعالم لي
…
إلا وأذريت دمع العين في وجل
ولا شدا الورق في أيك على فنن
…
إلا وصرت لشوقي جاري المقل
ولا تذكرت أوطاني ومنزلتي
…
إلا وأيقنت إن العز بالنقل
أين العراق وتلك الداراين سنا
…
تلك الجنان ففيها قد حلا غزلي
أين الأهيل أصيحابي بنواربي
…
يا حسرتا لفراق الأهل والخول
ومنها
لله إذ كنت فيها في صفا وهنا
…
وطيب عيش مضى أحلى من العسل
ومنها
الغيث فيها لذيذ قد حلا وغلا
…
ونلت فيها مني خال من الزلل
والدهر قد ضمنت أيامه جدلا
…
وأكمنت لي ليالي السود للجدل
فما شعرت بقدر الدهر من سفه
…
وما انتبهت له حتى تنبه لي
فصار يلفظني أيدي سبا حنقا
…
على معاملتي إياه في الأزل
3 -
يوماً بحزوي ويوماً بالعقيق وبال
…
حزون يوماً ويوماً ذروة الجبل
والعز يوماً ويوماً رفعة وعلا
…
والذل يوماً ويوماً رتبة السفل
فأنحل عقد اصطباري لوعة وغدا
…
صحيح حال محل الفكر والعلل
كيف الوصول وهذا الدهر يقعدني
…
عن النهوض إلى لذاتنا الأول
بذلت جهدي فلم تنفع مجاهدتي
…
واحتلت فيه فلم تنفع به حيلي
ومنها
وأشدد لها حزم صبر غير مضطرب
…
وأسلك لنيل مناها أصعب السبل
وانهض لنيل العلا واركب لها خطرا
…
ولا تكن قانعاً في مصة الوشل
فهامة المجد عندي ليس يركبها
…
من كان يقنع من دنياه بالبلل
وله غير ذلك من القصائد الفائقة والرسائل الأنيقة الرائقة.
عثمان الصلاحي
عثمان بن علي الصلاحي العلمي الحنفي القدسي خطيب المسجد الأقصى وامام الصخرة المشرفة نشأ في حجر أبيه وقرأ عليه كتباً عديدة وكان والده من الأفاضل ويغلب عليه معرفة العلوم العربية ولزم درس الشيخ علي اللطفي وكان يلازم المطالعة في داره ويباشر الخطابة بنفسه وله صوت جيد تميل إلى سماعه أهل بلدته حتى إن يوم خطبته يمتلي الأقصى ناساً لسماع خطبته وسافر إلى مصر مراراً وكانت عليه وظيفة جباية أوقاف المصريين التي بمصر فيذهب غالباً بنفسه ويأتي بها وبعض السنين يرسل من ينوب عنه فيها ثم نازعه السيد علي بن جار الله في وظيفة الامامة فسافر بسبب ذلك إلى الروم وجاء بأمر سلطاني ورفع يده عن الوظيفة وعدل عن التردد إلى مصر واستقام على حالته إلى أن مات وكانت وفاته كما أخبرت في سنة ثمان وستين ومائة وألف ودفن في مأمن الله بتربة الصلاحية رحمه الله تعالى.
عثمان الشمعة
عثمان بن محمد بن رجب بن محمد بن علاء الدين المعروف بالشمعة الشافعي البعلي الأصل الدمشقي الشيخ الامام العلامة الحبر المفنن النحرير ولد قبل الثمانين وألف بقليل واشتغل بطلب العلم على جماعة من العلماء الأجلاء منهم الشيخ إسمعيل المفتي والشيخ نجم الدين الفرضي والسيد حسن المنير والشيخ عبد القادر بن عبد الهادي العمري والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ أبو المواهب الحنبلي وغيرهم وبرع في العلوم وكان له ذهن ثاقب وذكاء مفرط ففلق في إحراز الفنون والمعارف وتفيأ من الكمالات في ظلها الوارف واشتهرت براعته وظهرت سيادته وجلس لإفادة العلوم بالجامع الأموي وعكف عليه نجباء الطلبة في كل فن من العلوم النافعة فكان يقرئ في أكثر من عشرة علوم وفي أصول الدين والفقه وأصوله والفرائض والحساب والنحو والصرف والمعاني والبيان
والبديع ومصطلح الحديث والمنطق والحديث مع براعته في التفسير والقراآت ورزقه الله تعالى الذهن السيال والخلق الرضي والديانة التامة والعفة الكاملة والانجماع عن الناس والقناعة بما رزق وطهارة اللسان وسعة الصدر على طلبته مع كثرتهم واختلاف أفهامهم فلم يكن يعنف بليد الذهن ولا يصدع خاطره بكلمة بل كان يقرر له بلطف ويعيد العبارة ثانياً وثالثاً إن لم يكن فهم من أول مرة وكان جلوسه من طلوع الشمس إلى الظهر غالباً صيفاً وشتاءً ولا يضجر ولا يقوم من مجلسه بل إذا جئته في آخر وجدته في غاية النشاط وكانت تعد هذه الحالة من كراماته وكان يعظ في جامع السنانية وحج إلى بيت الله الحرام في سنة ثلاث ومائة وألف وارتحل إلى مصر أيضاً وكانت وفاته في ليلة الثلاثاء تاسع عشر صفر سنة ست وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير بالقرب من ضريح سيدنا أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه وسيأتي ذكر والده محمد إن شاء الله تعالى في محله.
عثمان القطان
عثمان بن محمود بن حسن خطاب الكفرسوسي الشافعي الشهير بالقطان معيد درس السليمانية بدمشق الشيخ الامام العلامة المحقق المدقق الفهامة كان محقق وقته في العلوم النقلية والعقلية ولد في سنة احدى وأربعين ومائة وألف وطلب العلم فقرأ على جماعة منهم الشيخ إبراهيم الفتال والشيخ محمود الكردي نزيل دمشق والشيخ مصطفى ابن سوار شيخ المحيا وإبراهيم الكوراني ومحمد البطنيني والشيخ محمد البلباني الصالحي والشيخ منصور الفرضي المحلي والشيخ يحيى الشاوي المغربي وكان بدمشق ممن اشتهر فضله وعلمه ودرس بالجامع الأموي وبالمدرسة العادلية الكبرى وانتفع به جماعة من العلماء والأفاضل ولما ولي دمشق الوزير الفاضل أحمد باشا كوبريلي عرف مقامه ولم يعجبه غيره ونفي من دمشق هو والمولى السيد عبد الكريم ابن حمزة ونقيب السادة الأشراف بدمشق إذ ذاك ومكثا بقبرس مدة إلى حين سفر والي دمشق إلى بلاد النصارى وكان مفتي الحنفية بدمشق يومئذ المولى علي العمادي والخطيب الشيخ إسمعيل الحائك والقاضي المولى سليمان الرومي وترجم المترجم خاتمة البلغاء السيد محمد أمين المحبي في نفحته وقال في وصفه فتي الفضل وكهله وشيخه الذي يقال فيه هذا أهله اطلع الله في جبينه غرة السناء فثنى إليه من البصائر أعنة الثناء مأمون المغيب والمحضر ميمون النقيبة والمنظر فهو كالشمس في حالتيها يبدو نورها فينفع ظهورها وتحتجب أرجاؤها
فيتوقع ارتجاؤها فعلى كل حال هو إنسان كل إحسان وكل عضو في مدحه لسان به الفتوة يسهل صعبها ويلتئم شعبها وهو في صدق وفائه ليس أحد من أكفائه وقد اتحدت به منذ عرفت الاتحاد فما رأيته مال عن طريق المودة ولاحاد وله على مشيخة أنا من بحرها اغترف وبألطافها الدائمة اعترف وكثيراً ما أرد ورده واقتطف ريحانه وورده فانتشق رائحة الجنان وأتعشق راحة الجنان بمحاضرة تهز المعاطف اهتزاز الغصون ورونق لفظ لم يدع قيمة للدر المصون إذا شاهدته العيون تقر وإذا ذوكرت به نوب الأيام تفر في زمن انغمضت من أعلامه تلك العقود ولم يبق فيه إلا هو آخر العنقود فإن شئت قل جعله الله خلفاً عن سلف وإن أردت قل أبقاه الله عوضاً عن تلف فمما أخذته عنه من شعره الذي قاله في عنفوانه وجاء به كسقيط الطل على ورد الرياض واقحوانه انتهى مقاله فمن شعره قوله
بأبي من مهجتي جرحا
…
وإليه الشوق ما برحا
دابه حربي وسفك دمى
…
ليته بالسلم لو سمحا
غصن بان مثمر قمرا
…
يتهادى قده مرحا
من تثنى غصن قامته
…
عندليب الوجد قد صدحا
أي حين دار ناظره
…
ما سقى عقلاً فمنه صحا
إن رآني باكياً حزنا
…
ظل عجباً ضاحكاً فرحا
إن يكن حزني يسر به
…
فأنا أهوى به البرحا
وعذولي جاء ينصحني
…
قلت يا من لامني ولحا
ضل عقلي والفؤاد معا
…
ليس لي وعى لمن نصحا
جد وجدي عادم جلدي
…
غاض صبري والهوى طفحا
لم يزل طرفي يشح دما
…
إذ به طير الكرى ذبحا
هذا معنى متداول منه قول الشهاب
ولو لم يكن ذابحاً للكرى
…
لما سال من مقلتي النجيع
ومنها
آه وأشوقاه مت أسى
…
هل دنو للذي نزحا
إن شدت ورقاء في فنن
…
شدوها زند الهو قدحا
وإذا ما شام طرف الشا
…
م طرفي للدما سفحا
يا سقي وادي دمشق حيا
…
طاب مغتبقاً ومصطبحا
وكتب إليه الأمين المحبي المذكور من مصر حين كان بها سيدي الذي له دعائي وثنائي وإلى نحوه انعطافي وانثنائي لأعدمت الآمال توجهها إليه وكما أتم الله النعمة به فأتمها عليه أنهى إليه دعاء يتباهى به يراع ومهرق وثناء يجعل طيبه فوف سالف ومفرق متمسكاً من الود بحبل وثيق ومن العهد ما يستعطر به النشر الفتيق ومتذكراً عيشاً استجليت سناه واستحليت ثناه وإني أتلهب على طول نواه وحر جواه وقد وسمت باقبالك أيامي الغفل وفتحت بمذاكرتك عن خزانة قلبي القفل إلى أن صرف الدهر بحدثانه وحكم على ما هو شأنه بعد وإنه وأعاد العين أثراً والخير خيراً واللقا توهما والمناسمة توسما فتذكري لأيامك التي لم أنس عهدها تركتني لا أنتفع بأيام الناس بعدها وإني لا أرتاح إلا بذكر فضائلك ولا أستأنس إلا بكرم شمائلك أمزج بها الضحايا فتبتسم وأستدعي بها صبا القبول فتتنسم
ولولا اشتعال النار في جذوة الغضا
…
لما كان يدري المرء ما نفحة الند
وأما الأشواق فإن القلب مستقرها ومستودعها ومحلها ومجتمعها وهو عند مولاي فليسأل به خبيراً وأما الأثنية فإنها على السنة الركبان فينشر بها حبيراً وإلى مثلك يتقرب بإخلاص الوداد ومن فضلك يجتني ثمرة حسن الاعتقاد فسلامي على هاتيك الشمائل سلام الندى على ورق الخمائل وتحيتي لتلك الحضرة تحية النسيم للماء والخضرة وأما دمشق فشوقي إليها شوق البلبل إلى الورد وامرئ القيس إلى الأبلق الفرد وأنا مهد تسليماتي إلى كل يابس من دوحها وأخضر ومتبرج من ثمراتها في قباء رواء أنضر واشتاق عهدها والعمر ربيع نضر والروض جر عليه ذيله الخضر
وما أنس أيامها والصبا
…
أرن يجر ذيول الجدل
ومس رقيق رداء النسيم
…
على عاتق الروض بعض البلل
إذ الدهر ميت النوى واللحا
…
ظ عناه واحدته تعتقل
وذنبي فيه أمير الذنوب
…
ودولته فوق تلك الدول
وأرجع فأقول
إن حبي دمشق إن عد ذنباً
…
فذنوبي أجل من طاعاتي
مدحي لها لا ينقطع إلا أن تنقطع المدائح وأثنيتي عليها لا تمل ولو ملت التغريد الحمائم الصوادح وأنا مؤمل أوبة تسر فيتمتع الناظر بتلك الوجوه الغر والمناظر الزهر وأنشد بلسان المقال إذا استقامت الحال
إن ذنوب الدهر مغفورة
…
إن كان لقياك لها عذرا
وكانت وفاة صاحب الترجمة في يوم الأحد حادي عشر شوال سنة خمس عشرة ومائة وألف ودفن قرب اويس رضي الله عنه في التربة المقابلة للصابونية رحمه الله تعالى.
عثمان بن ميرو
عثمان بن يحيى بن عبد الوهاب بن الحاج ميرو الشافعي الكامل ولد بمكة وأمه أم ولد كرجية مولده قبل الثمانين وبعد وفاة والده بمكة نقله عمه حسين لحلب مع إخوته وهم أبو بكر لأبويه ومحمد وعمر لأبيه وسافر المترجم إلى جهان أباد من الهند واستقام بها مدة ثم عاد لحلب وتزوج بابنة عمه عائشة بنت مصطفى الميرو ومولدها مدينة اسلامبول وكان أتى بها لحلب بعد وفاة والدها عمها باحسين أيضاً وولدت بنتاً وتزوجت وماتت في حياة أبويها ثم تسري بجارية وانقطع في داره منعكفاً بريد معتكفاً على تلاوة القرآن والتقوى والصلاح وحضور المسجد وكتب بخطه الكثير من الكتب وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائة وألف ودفن بالتربة الأمينية بحلب.
عثمان الخطيب الموصلي
عثمان الخطيب الموصلي الشيخ الصوفي الزاهد العالم الرباني الأوحد الشاعر البارع لم يسمع له في عصره بمناظر له في الفضل والبلاغة حج في سنة سبع وأربعين ومائة وألف مع الشيخ عبد الله المدرس واجتمع بالأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وكتب ديوانه وترجمه صاحب الروض فقال فارس ميدان رهان الأذهان العابث بأنواع المعاني والبيان ديمة الفضل والحكم لسان السيف والقلم نتيجة الأعصار وشهاب جميع الأمصار سراج الزوايا ونفائس الخبايا الزند القادح والنسيم الطيب البارح صاحب الأنفاس القدسية والملكات الأنسية فاتح أبواب اللاهوت معمر آثار ربع الناسوت جمع الجمع ونفس البصر والسمع انتهى ومما يدلك على فضله الباهر قوله في مدح النبي المكرم زكريا صلى الله على نبينا وعليه وسلم قوله البارح كأنه طيبه بلفظ الطيب انتهى
سر بنا صاح راشداً مهدياً
…
ونهياً وناد بالركب هيا
ثق بوعد الآله فهو كريم
…
إنه كان وعده مأتيا
واستعن بالقوى في كل أمر
…
إنه كان بالضعيف حفيا
وتقدس عن السوي وتطهر
…
واذكر الله بكرة وعشيا
خفف السير يا خليلي وانزل
…
في مقام الخليل وامكث مليا
وتيمم مقدس الترب واشرب
…
من زلال الفرات عذباً رويا
وإذا ما حللت في حلة الشهبا
…
ء فاقصد هناك بدراً بهيا
قف وسلم وحيه فهو حي
…
وإذا حل طيفه الحي حيا
قبل الأرض عنده واتل جهرا
…
ذكر مولاك عبده زكريا
وترج الندى فأنت لدى من
…
لم يكن بالدعاء قط شقيا
خاف من بعده ضلال الموالي
…
فدعا ربه دعاء خفيا
وهن العظم وامتلأ الرأس شيبا
…
يا آلهي فمنك هب لي وليا
يرث العلم والنبوة مني
…
ولدي ربه يكون رضيا
فاستجاب الدعا وبشره من
…
لم يزل محسناً جواداً غنيا
بغلام كبدر تم ولم يج
…
عل بديع السما ليحيى سميا
قال من أين لي يكون غلام
…
ومن الكبر قد بلغت عتيا
قال ذو الكبريا كذلك لكن
…
قال مولاك هين ذاك عليا
إنني قدر على كل شيء
…
لم أجد قبله بخلقك عيا
وله الحمد حيث جاء بمن قد
…
أوتي الحكم والرشاد صبيا
حبذا الفرد في المحاسن يحيى
…
حبذا الوالد الكريم المحيا
يا حماة الحمى غريب وقد فا
…
رق أحبابه فعاد شجيا
وكئيب فقابلوه ببشر
…
وبمعروف اجعلوه سريا
واحفظوا سادتي نزيل كرام
…
والحظوا يا أحبتي الموصليا
وصلاة الآله تغشي دواماً
…
سيد الرسل أحمد العربيا
وعلى السادة النبيين طرا
…
سيما البدر سيدي زكريا
وله أيضاً
إن قلبي من الهوى يا خليلي
…
لكليم وأنت خير طبيب
وخطيب الوصال فيك كئيب
…
فتعطف على الخطيب الكئيب
وله أيضاً
حين أشكو اليك قرحة قلبي
…
لا تلمني على طويل الحديث
يا حبيبي وأنت خير خبير
…
ما قديم الغرام مثل حديث
وله
الله يعلم أنني
…
بك مغرم يا فاتني
لو كنت تعرف حالتي
…
ما كان وصلك فاتني
وله
أخفيت حبك في الحشا
…
حتى فشا في ظاهري
ما آن أن تدع الجفا
…
أو ما كفى يا هاجري
وله غير ذلك وكانت وفاته في حدود سنة أربع وأربعين ومائة وألف عن ثمان وخمسين سنة.
عثمان بن حمودة
عثمان بن حمودة الرحبي ثم الدمشقي الشافعي امام السادة الشافعية بمحراب المقصورة الشيخ الفقيه الصالح العالم الكامل ترجمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي في ثبتة المسمى بلطائف المنة فقال طلب العلم على كبر واشتغل على جماعة منهم الشيخ حسن المنير وبالحديث والقراآت على شيخنا الشيخ محمد أبي المواهب وفي المعقولات على الشيخ إبراهيم الفتال وغيره وبرع في الفقه ودرس بالجامع الأموي فأقرأ شرح الغاية للشربيني والمنهاج للنووي وشرح المنهج لشيخ الاسلام وحضرت عنده في قراءة شرح المنهاج من باب زكاة المعدن والركاز والتجارة إلى الجنايات وقرأت عليه شرح الغاية لأبن قاسم وشرح التحرير لشيخ الاسلام زكريا وحضرت دروسه بين العشائين في الجامع الصغير وأجاز لي رواية مروياته وكان صالحاً متعبداً قانعاً عفيفاً انتهى ولم يزل صاحب الترجمة مكباً على الاشتغال بالعلم معتكفاً على التدريس والافادة إلى أن توفي في شهر ربيع الثاني سنة عشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر شفائي
عمر بن حسن بن عمر الملقب بشفائي على طريقة شعراء الفرس والروم وكتابهم الحنفي السينوبي رئيس الأطبا في بلدة بروسا الطبيب الحاذق الماهر الأديب العارف كان من أفراد وقته في علم الأبدان وألف كتاباً في الطب سماه الطب الجديد في ثمان مجلدات وكتاباً آخر في الكحالة ورسائل لا تحصى كما أخبرني صاحبه شيخنا لمقن أبو المواهب سليمان بن محمد بن مستقيم القسطنطيني كان من أفراد الزمان وينظم الشعر بالتركية والفارسية وأطلعني على آثاره وقدم المترجم قسطنطينية مراراً ولم يزل على حالته إلى أن مات وكانت وفاته ببروسا سنة تسع وخمسين ومائة وألف ودفن بمقابلة الزاوية المولوية الكائنة في البلدة المرقومة رحمه الله تعالى.
عمر اللبقي
عمر بن حسين بن عمر الشهير باللبقي الحنفي الحلبي الفاضل الأديب كان ذكياً له بد ومعرفة بفنون الأدب حسن الأخلاق سهل المعاشرة لطيف الخلال ولد في سنة ست عشرة ومائة وألف وقرأ على عبد الوهاب العداس وعبد السلام الحريري ومحمد بن إبراهيم الطرابلسي نزيل حلب ومفتيها وسافر إلى اسلامبول ثم عاد إلى حلب وتولى نيابة القضا في محاكمها الأربع وارتحل إلى طرابلس الشام والي الموصل مع حاكمها الوزير أحمد ثم قدم حلب ومكث بها ثم ارتحل للقدس ثانياً في زمن قاضيها المولى أحمد بن بن الشيخ طه وأخذ الحديث عن الشيخ محمد التافلاتي وفي مروره مع القاضي المذكور على دمشق نزلا في في دارنا واستقاما مدة عندنا وكان بين والدي وبين القاضي المذكور مودة ومحبة وكان والد المترجم من التجار المشاهير بحلب والرؤساء أرباب الشهرة والشأن وولده صاحب الترجمة اشتهر بالأدب والكمالات وكانت تجري بين أدباء عصره ومصره وبينه المحاورات والمطارحات وفي آخر أمره ترك تعاطي أمور الأحكام ولازم ما لا يدمنه وله شعر مقبول رأيت أكثره فمن ذلك قوله لما أصاب حلب من الزلزال ما أصاب
سنا نور سر الذات أشرق في الحشا
…
فزال بذاك النور عن طرفي الغشا
وشاهدت إن لا شيء دون وصالها
…
وأيقنت فضل الله يؤتيه من يشا
ونزهت طرفي في رياض جمالها
…
فعاد برياً نشرها القلب منعشا
فحيا شذاها ميت قلبي وحبها
…
تملك أحشائي وفي اللب عرشا
ومذ علمت إني أسير بحبها
…
فجادت بما أبغيه منها وما أشا
وبت بنادي القرب أرشف ثغرها
…
فأصبحت نشواناً وسري قد فشا
وذاع لدى العشاق أمري وإنني
…
خلعت عذاري واسترحت من الوشا
وبادرت نحو ألحان من فرط شوقها
…
أنادي أيا خمار كن لي منعشا
فجاء بها عذراء بكراً قديمة
…
وقال لي افضض ختمها كيفما تشا
تعاطيتها صرفاً ومزجاً مشاهداً
…
بها كشف أسرار لعقلي أدهشا
عرفت فلما أن أفقت سمعت من
…
فؤادي مناد عج من داخل الحشا
أيا مفزع الجاني وأكرم شافع
…
وأعظم مبعوث وأشرف من مشا
اليك أتينا والتجأنا فنجنا
…
من الخطب والأهوال فالرعب قد غشا
فأمن بحق الحق قلبي لأنه
…
من الخسف والزلزال قد خاف واختشى
عليه وأسبل ذيل أمنك وأكفه
…
بجاهك عند الله في الصبح والعشا
وله وقد أخذ المعنى
…
من شعر فارسي وعربه
في المرء إن لم يكن شيء يميزه
…
عن جنسه بذكاء الفهم والأدب
كما إذا لم تكن في العود رائحة
…
لكان لا فرق بين العود والحطب
وله مضمناً
وما كل ذي رأي مصيب برأيه
…
ولا كل راء في الحقيقة باصر
لعمري ما الأبصار تنفع أهلها
…
إذا لم يكن للمبصرين بصائر
وله
وشادن قلت له
…
دعني أقبل شفتك
فقال لي كم مرة
…
قبلتها ما شفتك
وله مخمساً أبيات الامام الشافعي رضي الله عنه
مذ مقلتي كشفت لها أستاره
…
وتلألأت بجوانحي أنواره
طرفي بكى فحكى الحيا مدراره
…
قالوا أتبكي من بقلبك داره
جهل العواذل داره بجميعي
فأنا المقيم بخانه وبديره
…
تملا أجول بفضله وبخيره
وأقول للاحي المجد بسيره
…
لم أبكه لكن لرؤية غيره
طهرت أجفاني بفيض دموعي
وله مشطراً
والطل في سلك الغصون كلؤلؤ
…
قد شنفوا فيه الحسان وقرطوا
فتراه كلل كل غصن يانع
…
رطب يصافحه النسيم فيسقط
والورق تقرأ والغدير صحائف
…
والروض يستملي الحديث ويضبط
والظل قد مد المداد يراعه
…
والريح يرقم والغمام ينقط
وله في كتاب الشفاء الشريف
دع الدواء وداوي بالشفاء إذا
…
أعيى العليل عضال الداء من ألم
فإنه برء ك المعضلات بلا
…
شك وفيه زوال البؤس والسقم
وله في النعل الشريف
لنعل خير البرايا
…
على الرؤس ارتفاع
بحمله الرأس يبرا
…
إن اعتراه الصداع
وله مشطراً
إذا كانت الأعراب تخفر ذمة
…
وتحمي أناساً مال عنها نصيرها
وتسمح عن ذنب ولو أوجب القلا
…
وتصفح غمن أمها يستجيرها
فكيف ومن في كفه سبح الحصا
…
شفيع ذوي الآثام وهو بشيرها
فحاشى عريض الجاه في موقف الجزا
…
يخيب بني الآمال وهو غفيرها
وله مشطراً أيضاً
اشرب على نغمة الدولاب كأس طلا
…
تمحو الذنوب بهذا جاءنا الخبر
فرضا غدا شربها يا صاح حين بدا
…
يسعى بها شادن في طرفه حور
وامدح فديتك ما بالراح من ملح
…
فبعض حكمتها الأشخاص والصور
بادر إلى حانها واشرب بلا جزع
…
وما عليك إذا لم تفهم البقر
وله مشطراً
ولي عصا من جريد النخل أحملها
…
براحتي وهي عون لي على هرمي
وراحتي هي في سيري ومعتمدي
…
بها أقدم في نقل الخطا قدمي
ولي مأرب أخرى أن أهش بها
…
على جيوش هموم قصرت هممي
ومقصدي الهش في القول الأصح بها
…
على ثمانين عاماً لا على غنمي
وله
يا من علا متن البراق
…
ورقى وأتحف بالتلاق
قد صح سار بجسمه
…
وسما إلى السبع الطباق
سهل أمور معاشنا
…
فالصبر مر في المذاق
وأجبر كسير قلوبنا
…
فضلاً فقد ضاق الخناق
ثم الصلاة على الذي
…
لما أتانا الوقت راق
ومحا بنور جماله
…
ظلم الضلالة والشقاق
وله مشطراً
قدر الله أن أكون غريباً
…
بين قوم أغدو مضاعاً لديها
ورمتني الأقدار بعد دمشق
…
في بلاد أساق كرهاً إليها
وبقلبي مخدرات معان
…
حين تبدو وتختال عجباً وتيها
صرت إن رمت كشفها فأراها
…
نزلت آية الحجاب عليها
وله في حلب
شهبا العواصم لا تخفى محاسنها
…
فالله يكلؤها من كل ذي عوج
يمم حمى حلب تلقي السرور على
…
جبين أبنائها النير البهج
فعج ولج وتأمل بلدة شملت
…
باب الجنان وباب النصر والفرج
وللفاضل الرئيس يوسف بن حسين الحسيني الدمشقي نقيب الأشراف بحلب ومفتيها ما يقرب من ذلك وهو قوله
قل لمن رام النوى عن بلدة
…
ضاق فيها ذرعه من حرج
علل القلب بسكنى حلب
…
إن في الشهباء باب الفرج
وللمترجم مخمساً
زاد في الصد للشجي المعنى
…
وأذاب الفؤاد ظلماً وأضنى
قلت مذ ماس معجباً يتثنى
…
أيها المعرض الذي صد عنا
بجفا لا يرى له أسباب
أضبح القلب من جفاك كليماً
…
وصبوراً متيماً مستقيما
عاتباً سوء حظه وعليماً
…
رح معافى من العتاب سليما
فعلى الحظ لا عليك العتاب
وله غير ذلك وكانت وفاته بحلب في ربيع الأول سنة تسع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر بن دلاور
عمر بن دلاور الحنفي القسطنطيني رئيس الكتاب في الديوان السلطاني العثماني وأحد الرؤساء بين أرباب الأقلام والكمالات ولد بقسطنطينية وأخذ الخط عن الأستاذ عبد الله يدي قلي المشهور يدي قله لي وأتقن صناعته ومهر بأنواعه واشتهر بحسن الخط ولازم مجالس الكتاب وكتب المناشير السلطانية ومهر بالأدب والأنشاء وصار أحد رؤساء الكتاب في الدولة المعروفين بالخوجكان وولي بعض المناصب كالروزنامة الصغير وغيرها وترقى حتى صار رئيس الكتاب واشتهر بين أقرانه وكان حسن الخصال منشياً أديباً معتبراً موقراً ومن آثاره تذييل كتاب حديقة الوزراء للأديب أحمد حديقة الوزراء لأحمد تائب وذيلها للمترجم وذيل الذيل لسعيد ثم لأحمد جاويد ثم لرفعت وكانت وفاته في ذي القعدة سنة اثنين وسبعين ومائة وألف ودفن خارج طوب قبي قبو أحد أبواب قسطنطينية.
عمر بن شاهين
عمر بن شاهين الحنفي الحلبي الفاضل المتقن الضابط المقري كان والده جندياً ولد بحلب سنة سبع ومائة وألف بعد وفاة والده بخمسة أشهر وهو شريف لأمه قرأ القرآن العظيم ولما بلغ من السن عشر سنين قرأ على المقري الشهير عامر المصري نزيل المدرسة الحلاوية من أول القرآن العظيم إلى آخر سورة إبراهيم
عليه السلام ثم توفي الشيخ المذكور فقرأ على عمر المصري شيخ القراء ختماً كاملاً بالتحقيق والتجويد ثم شرع في حفظ القرآن العظيم على الشيخ المذكور في تلك السنة فحفظه في مدة قليلة والتزم الشيخ المذكور فصار يصحبه مراراً ويتدارس معه ويعلمه كيفية القراءة بالألحان مع مراعاة التجويد ثم قرأ الأجرومية وحصة من شرح القطر على الامام عبد الرحمن ابن محمد العاري ثم قرأ على عبد اللطيف بن عبد القادر الزوائدي وقرأ الفقه على الفاضل المعمر قاسم النجار وحضر دروس محمود بن عبد الله الأنطاكي في التفسير من أول سورة الأنفال إلى آخر سورة الفرقان ولم يفته شيء وسمع على المذكور غالب الجامع الصحيح بالمدرسة المذكورة وكتب بخطه شرح السفيري على بعض أحاديث من الصحيح وقرأه على المتقن حسن الطباخ وقرأ السيرة الحلبية على أحمد الشراباتي وكتب بخطه الهدى للعالم أبي الوفا العرضي وطالعه مع الشيخ العارف محمد صلاح وقرأ الكثير وفي سنة ست وأربعين بعد المائة كتب حرز الأماني وعرضها بعد حفظها على الماهر المقري محمد بن مصطفى البصيري وقرأ عليه القرآن العظيم من طريقها جمعاً وافراداً لكل راو ختمة في مدة ستة أشهر وأجازه الشيخ المذكور بالقراءة والاقراء وشهد له بالأهلية ثم في سنة ثمان وأربعين وجهت له وظيفة امامة الصلوات الجهرية بجامع الوزير عثمان الكائن بحلب المشهور بالرضائية فباشرها مع بعد داره عن الجامع المذكور وطلب منه محمود الأنطاكي المدرس المذكور أن يقرأ القرآن العظيم في صلوات الصبح على التأليف الشريف ليسمع العوام الذين لا يقرأون القرآن جميع القرآن العظيم وأن يكون كل ختم لراو من رواة الأئمة السبعة وقال كذا سمعت الأئمة في الحرمين الشريفين يقرأون في الصلوات وفيه نفع وفائدة فشرع صاحب الترجمة يقرأ في صلاة الصبح كما طلب المدرس المذكور فكان يقرأ في كل سنة ختمين ونصف ختمة أو أقل من ذلك ويهرع بضم الياء إليه الناس في صلاة الصبح من محلات بعيدة من الجامع لحسن صوته وقراءته وطيب ألحانه مع مراعاة الأحكام وأتقن كثير من المصلين قراءتهم من السماع وصار لذلك نفع عظيم وأقتدي بذلك جماعة من أئمة الجوامع فصاروا يقرؤن القرآن العظيم في صلاة الصبح على التأليف الشريف ثم إنه بعد صلاة الصبح يجلس في حجرته يقري القرآن العظيم لمن يريد القراءة ولا يرد أحداً سواء كان من أهل البلدة أو من الغرباء ويحصل له المشقة العظيمة في تعليمه الأتراك وتعديل ألسنتهم في مخارج الحروف والنطق بها ويزدحمون على الأخذ عنه لأنه يقرر لهم باللغة التركية ما يفهمونه فلذلك كثر الآخذون عنه من الأتراك وغيرهم فلا تخلو بلدة من بلاد الروم من تلميذ له أو تلميذين
أو ثلاثة وفي سنة احدى وستين وجه له الوزير إسمعيل كافل حلب خطابة جامعه الذي أنشأه بمحلة ساحة بزه بعشرين عثمانياً ثم انحطت بعد موت الوزير المشار إليه إلى ثمانية عثامنة واستمر صاحب الترجمة يباشر امامة جامع الرضائية على الوجه المشروح إلى سنة خمس وسبعين فاعتراه الضعف الطبيعي والعجز عن المجئ إلى الجامع فوكل وكيلاً وانقطع في بيته يتلو كتاب الله تعالى ويقري من شاء أن يقرأ لا يغلق دون مستفيد باباً ولا يخرج إلا لي الصلاة في المسجد المجاور لبيته بمحلة قسطل الأكراد وقد امتدحه تلميذه الأديب أحمد الوراق الحلبي بقوله
دع عنك ذكر مهلب والطائي
…
وأنزل بساحة مصقع الخطباء
ذي الفضل والجود اللذين عليهما
…
دارت رحى المعروف والأسداء
من لم يزل يندي سحاب نواله
…
يروى الظماة فما روا الوطفاء
والجهبذ الفرد الذي بعلومه
…
ساد الرواة بسائر الأرجاء
وأمام من يتلو القرآن مرتلاً
…
بفصيح نطق عز من تلاء
فكأن جل الله باري خلقه
…
سواه من لطف الهوى والماء
وحباه كل مزية يختارها
…
وأقامه علماً على الأهداء
حتى غدا وكأنه علم به
…
نار أضاءت في دجى الظلماء
لا بل هو الشمس التي بضيائها
…
ملأت فيا في حلقة الغبراء
أفديك يا من فيه أحجمت القرا
…
ئح أن تخيل بعض وصف ثناء
ومكملاً يستعبد الأحرار بال
…
انعام والاعطاء والاسداء
فأنا هو العبد الذي ما رق يو
…
ماً للعتاق ولا انتمى لسواء
فأسلم ودم لي ما نحى ما ارتجى
…
وابق المرجي في بني الشهباء
وكانت وفاة المترجم بحلب سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف.
عمر الطرابلسي
عمر بن عبد الحي الحنفي الطرابلسي نزيل قسطنطينية كان ذا فهم ثاقب ورأى صائب كثير الفنون حتى في المجون والمداعبة تفقه في بلدته طرابلس الشام على كبار علمائها وذهب إلى الديار الرومية فأدرك المراد والأمنية وسلك طريق الموالي بها وكان فاضلاً له شرح على الأربعين النووية سماه الدرر السنية له فيه عبارات رقيقة ولطائف اشارات دقيقة ثم إنه توجه لوطنه متقلداً قضاء بلدته طرابلس ثم إنه بعد تمام حكومته وافق عزله موته وكانت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر البغدادي
عمر بن عبد الجليل بن محمد جميل بن درويش بن عبد المحسن الحنفي البغدادي القادري نزيل دمشق العالم العلامة الفهامة المتفوق الفاضل العارف الصوفي الكامل الصالح المؤلف المحرر المحشي الفقيه المفسر كان حسن الأخلاق طيب السلوك عارفاً مجيداً حسن التقرير والافادة محققاً مدققاً صافي المشرب معتقداً عند الخاص والعام حسن الملقى له احترام بين الناس وتبجيل ولد في بغداد سنة خمس وخمسين ومائة وألف ونشأ في كنف والده وقرأ عليه وكان والده صالحاً تقياً متعبداً فقيهاً مشهوراً بين أبناء بلدته بالصلاح والعبادة ثم قرأ على الشيخ محمد بن طه البغدادي وعلى الشيخ عبد الرحمن السراجي الحنفي والشيخ محمد الكردي والشيخ محمد الحنفي البغدادي ابن العشي وعلى العالم الشيخ حيدر الكردي ثم البغدادي وعلى والده العلامة الكبير الشيخ صبغة الله الكردي الشافعي وعلى تلميذه الشيخ أحمد كاتب والي بغداد وكان من العلماء وبرع وظهرت شمس فضله بازغة منيرة وحقق ودقق وتسنم ذرى الفضائل وأحرز قصب السبق في مضمارها ومهر واجتاز من العلوم ما اجتاز وحاز من المعارف ما حاز وأينع روضه وراق حوضه وسطع هلاله وظهر فضله وكماله فألوى لدمشق العنان وطوى مشقة الأسفار وألقى بها عصا التسيار واستوطنها وتزوج بها ابن الشيخ حسن البغدادي المقدم ذكره سكن في داره ومكانه الكائن لصيق مقام سيدي زين العابدين رضي الله عنه داخل مشهد المحيا بالجامع واستقام على الافادة والاقراء والتحرير وايضاح المشكلات وحل العبارات وألف وصنف فمن تآليفه شرح القدوري بالفقه وحاشية على المغنى في النحو وحاشية شرح النونية في علم الكلام للخيالي وشرح الصلوات المحمدية للشيخ الأكبر محيي الدين العربي قدس سره وقبل وفاته ألف حاشية على حاشية العلامة علي بن سلطان محمد القاري المكي المسماة بالجمالين على الجلالين وسماها بالكمالين وصل فيها إلى قوله تعالى في أوائل سورة آل عمران يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم فجاءت في نحو ثلاثين كراسة فتوفي ولم يكملها ومن تآليفه حاشية على رسالة وحدة الوجود ورسالة في الأعلام بالتكبير ورسالة في الأضحية ورسالة في معنى لا إله إلا الله وحاشية في الاستعارات جعلها محاكمات بين العصام والملوى ورسالة صغيرة في توحيد الأفعال وبيان معنى الكسب ورسالة في مسئلتين لغويتين وقعتا في القاموس الأولى في قولهم السرور توقيع جائز والثانية
في بيان العشر في ظمأ الابل هو اليوم التاسع أو الثامن انظر الأوقيانوس وغير ذلك من حواش وتعليقات على هوامش الكتب تتضمن حل اشكالات ودقائق عويصات وكان له شعر قليل متوسط وأما تآليفه فجرى فيها مجرى التحقيق والتدقيق وانتفع به الطلبة وكان له جماعة ملازمون لدروسه ولا تبطل القراءة عنده في جميع أيام الأسبوع فيقرئ الدروس في سائر الفنون من العلوم خاصة وعامة حديثاً وتفسيراً وكلاماً وفقهاً ونحواً وتصوفاً وأدباً ومعاني وبيان وغير ذلك ومع هذا كانت له يد طولى في علم الحقيقة حتى إنه كان يقرئ الفتوحات المكية وشراح فصوص الحكم وغير ذلك من كتب الحقيقة وكان يقيم الذكر ليلة الثلاثاء وليلة الجمعة وكان يحصل له في حال الذكر وجد وهيمان وكان له ولوع في الذكر وشغف وفي آخر أمره حصل له اقبال تام من الوزراء والقضاة والحكام وسائر الخاص والعام واشتهر صيته في البلاد وأقبلت عليه الناس وحصل له اجلال وتوقير زائد خصوصاً من الوفاد وفاد كرمان جمع وافد لدمشق واعتقدته لعالم وحج إلى بيت الله الحرام مرتين وملك كتباً نفيسة وكانت تجله أهالي دمشق وغيرها ويعتقدونه ويتبركون به ومع هذا فلم يتول وظيفة ولا العثماني نعم الرجل الفرد وصار له اشتهار عظيم فاق به وسما شأنه مع انطراح منه واستقامة وفضل باهر ولم يزل على حالته واستقامته إلى أن مات وذوي ذوي كرمى غصن عمره قبل نموه وافل بدره قبل اكتماله وكان مرضه ثمانية عشر يوماً وكانت وفاته ليلة الخميس عند طلوع الفجر لعشرين من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وألف ودفن يوم الخميس في الصالحية بمقبرة بني الزكي الكائنة لصيق مرقد سيدي الشيخ الأكبر محيي الدين العربي قدس سره بوصية منه وأوصى أيضاً أن لا يعلم له في المنائر وأن يقال عند الصلاة عليه الصلاة على العبد الحقير المفتقر إلى رحمة مولاه فلان من غير أن ينوه به ففعل كما أوصى عند الصلاة
عليه بالجامع الأموي ورثى بقصائد وتواريخ من ذلك قصيدة تلميذه الفاضل الألمعي السيد عبد الحليم بن أحمد اللوجي ومطلعها بالجامع الأموي ورثى بقصائد وتواريخ من ذلك قصيدة تلميذه الفاضل الألمعي السيد عبد الحليم بن أحمد اللوجي ومطلعها
ما خلت إن عقود الشمل تنتثر
…
وإن صدع فؤادي ليس ينجبر
وأفيض دمعاه وأحزناه وا أسفا
…
طالت شجون وعز اليوم مصطبر
يا كوكباً أفلت أنوار طلعته
…
فأظلمت بعدها الآصال والبكر
قد كان وقتك مجلى للسرور كما
…
قد كنت مورد صفو ما به كدر
جاشت لفقدك أحزاني وثورتها
…
واعتادني المقمان الفكر والسهر
كحلت بالسهد عيناً كان أثمدها
…
مرآك إذ كان يجلي وجهك النضر
ونالني خطبك المردى بداهية
…
دهياء يعجز عن أعبائها البشر
فالعين بعدك عبري والفؤاد شج
…
والنفس حسرى ونار الوجد تستعر
أزمعت للقدس ترحالاً فكان إلى
…
حظيرة القدس حقاً ذلك السفر
يشير بهذا البيت إلى أن الشيخ المترجم كان قبل وفاته عازماً على زيارة بيت المقدس فعاقته المنية عن نيل هذه الأمنية فلذلك ذكر الراثي ذلك ثم قال
لئن غدوت عن الأبصار مرتحلاً
…
فإن مأواك مني القلب والفكر
8 -
آسى عليك على علمي بأنك في
…
دار الكرامة لا بأس ولا ضرر
لكنما جذبات الطبع تغلبني
…
على الأسى فيكاد القلب ينفطر
يا روضة أينعت بالفضل ثم ذوت
…
أفنانها قبل أن يستكمل الثمر
لم يبلغ السن منك الأربعين وقد
…
سارت علومك في الأقطار تنتشر
مصنفات وتحقيقات أسئلة
…
من العلوم لها الألباب تنبهر
كم قد كشفت قناعاً عن غوامض في
…
فهم النحارير عن إدراكها قصر
هذي مآثرك الحسنى مخلدة
…
والعين إن فقدت لا يفقد الأثر
منها
أبكيك ما طلعت شمس وما غربت
…
وأسود جنح ظلام وانجلى سحر
أبكيك ما نحبتك الصحف حين جرى
…
في وجنة الطرس دمع النقس ينحدر
أبكيك ما صرّت الأقلام شاكية
…
إلام فقدك والمقدور مستطر
أقمت مأتم أحزاني وسرت إلى
…
أفراح دار نعيم ليس يندثر
وجئت مولاك مشتاقاً إليه ويا
…
طوبى لمن سره من ريه النظر
فأهنأ بعيشك في أكناف ربك لا
…
خوف عليك لديه لا ولا حذر
سقتك من صيب الرضوان وأدقة
…
ينهل شؤبوبها والعفو ينهمر
ما قال داعي الرضى فيما يؤرخه
…
دار النعيم لعمري قد حوى عمر
عمر الأرمنازي
عمر بن عبد القادر الشافعي الأرمنازي الأصل الحلبي المولد المقري الفرضي العالم العامل الفاضل الكامل ولد بحلب في سنة خمس ومائة وألف وكان والده ورعاً صالحاً وخطيباً واماماً بجامع قسطل الحرامي بحلب فنشأ والده المترجم وقرأ القرآن على والده وقرأ الفقه والنحو وعلم الفرائض علي جابر ابن أحمد الحوراني وعبد اللطيف بن عبد القادر الزوائدي وبرع في ذلك وقرأ علم المقيات علي مصطفى بن منصور الطبيب وأخذ الحديث عن محمد بن عقيلة المكي حين قدومه إلى حلب وأخذ العربية والصرف والمعاني والبيان والأصول على عدة شيوخ وكان رأساً في كتابة الوثائق
الشرعية بحيث إن شهود المحاكم عادوه لذلك وراموا منعه مراراً فلم يقدروا إلى أن قدم الفاضل الأديب حسين بن أحمد الشهير بالوهبي غالبا بو قاضي سرور ينك ممدوحي أولان شاعر وهبينك بدري ياخود جدي اولمليدر الرومي قاضياً لحلب فوصل إليه وثيقة ابراء بين ذميين بكتابة المترجم فلما رآها القاضي قال ما أبقى هذا الكتاب حيثية للمحكمة فوجد الكتاب فرصة ووشوا به إلى القاضي وقالوا إنه قد سد أبواب المحاكم وتعطل حالنا فأحضره القاضي وهدده بعد التوبيخ التام بقطع أصابعه إن كتب مرة اخرى وثيقة لأحد فحلف له على ذلك ثم قال للقاضي يا سيدي أرجو من فضلكم أن تأمروا بتحرير تاريخ هذا التنبيه علي في السجل المحفوظ ربما تقفوا على وثيقة مقدمة فيصبر معلومكم انها كتبت قبل أمركم بمنعى وإلا فتذهب أصابعي ظلماً فضحك القاضي وأعجبه وأمر له بالجلوس وهش له وبش وقال له يا شيخ أنت تحرم نفسك قوجه قاضي بابا وتحرمنا المحصول فلو أخذت كثيراً كان أنفع لك ثم أسر إليه أن أضرب بكلامي الحائط وأكتب ما شئت وخذ كثيراً ولا عليك من هؤلاء الجهلة يعني الكتاب فخرج من عنده وامتنع من كتابة الوثائق ولم يغتر بكلام القاضي لأنه كان يتلون كالحرباء كاتب ذوقه بي يوتمامش ثم إن صاحب الترجمة حفظ القرآن العظيم قبل وفاته بعامين أو ثلاثة وحفظ الشاطبية على الأستاذ محمد بن مصطفى البصيري ثم شرح الشاطبية شرحاً مختصر أسماه الاشارات العمرية في حل رموز الشاطبية لكن أعجلته المنية عن اتمامه وتبييضه فبعد وفاته أتمه وبيضه المتقن عمر بن شاهين امام الرضائية وهو شرح لطيف نافع للمبتدي ولأستحضار المنتهى وجرت للمترجم محنة عظيمة قبل وفاته وكانت سبباً لمرضه الذي مات فيه وذلك إنه لما كان سنة سبع وأربعين بعد المائة صار بحلب غلاء وقلت الأقوات فتحركت العامة والرعاع يوماً لينهبوا الخبز من الأفران فصادفوا خليل المرادي دائراً على الأفران يقبض ثمن الطحين ورأوا معه دراهم كثيرة فطمعوا في أخذها ولحقوه فساق دابته فأدركوه عند جامع قسطل الحرامي فنزل ورام الدخول للجامع المزبور ليحتمي به فمنعه المؤذن والقيم وغيرهما وكان صاحب الترجمة أمرهم بمنعه خوفاً أن يقتل في الجامع وأغلقوا باب الجامع في وجهه ففر نحو البرية فأدركوه هناك وقتلوه ولم يعلم له قاتل وفي تلك الغضون قدم إلى حلب كافلاً وحاكماً الوزير أحمد بن برهان الشهير بالبولاد فاشتكى أولاد خليل المذكور على أهل المحلة عموماً وعلى صاحب الترجمة والمؤذن والقيم خصوصاً فاختفى صاحب الترجمة عند بعنس أصحابه مدة والطلب بالتفحص الشديد عليه إلى أن قضيت القضية وأخذ المذكور جريمة كثيرة يشبه هذا الأمر بواقعة الحريق بحارة الباطلية وانطفت نار الظلم بأخذ
الدراهم وتفصيل الأمر في صحيفة 8 من الجزء الثاني من الخطط فشباك القدر متنوعة من أهل المحلة فظهر المترجم لكن أثر فيه الرعب بحيث إنه كان يمرض مدة ويبرأ مدة حتى دنا أجله وكانت وفاته في أوائل شعبان سنة ثمان وأربعين ومائة وألف ودفن بمقبرة جب النور رحمه الله تعالى.
عمر الجوهري
عمر بن علاء الدين المعروف بالجوهري الحنفي النابلسي الشيخ الفاضل الفقيه ولد في سنة خمس ومائة وألف وحفظ القرآن وجوده على عم أبيه الشيخ شمس الدين الخماش واشتغل بطلب العلم وتفقه على عمه الشيخ عبد الله الجوهري ثم لازم الشيخ عبد الله الشرابي وانتفع به وقدم دمشق وقرأ بها علي صالح بن إبراهيم الجينيني وأحمد بن علي المنيني وعلي بن أحمد كزبر وحضر دروس إسمعيل بن محمد العجلوني وأخذ عنه وروى البخاري عن محمد المكي المعروف بعقيلة قراءة عليه وسماعاً منه من أوله إلى كتاب الحج وأخذ الطريقة الشاذلية عن عمه الشيخ عبد الله المذكور وجمع بين العلم والصلاح وكان كثير الأعتنا بتلاوة القرآن لا تجده غافلاً عنه وكانت وفاته في شوال سنة احدى وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى وإيانا.
عمر السكري
عمر بن علي الشهير بابن السكري الدمشقي الصالحي الشيخ الفاضل الفقيه المبارك كان ينظم الشعر وعنده سلامة الصدر قرأ في الفقه وطرفاً من النحو والعقائد وكان فقيراً ومرض ولم ينقطع في داره غير ثلاثة أيام ومات وكانت وفاته في يوم الأثنين خامس صفر سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بسفح جبل قاسيون بصالحية دمشق رحمه الله تعالى.
عمر السمهودي
عمر بن علي السمهودي المدني الشافعي الشيخ الفاضل الأديب العالم الكامل البارع ولد بالمدينة المنورة سنة خمس وثمانين وألف ونشأ بها وأخذ عن الشيخ أبي الطاهر ابن المنلا إبراهيم الكوراني وعن أحمد أفندي المدرس وغيرهما وصار أحد الخطباء والأئمة بالمسجد النبوي وكان فاضلاً أديباً له مشاركة في كثير من العلوم ذا شهامة عظيمة وعقل زائد وحرمة وافرة بليغاً متقناً فصيحاً وألف خطباً أنشأها بديعة في بابها وله نظم نثر وفضائل كثيرة ضربنا ضربنا عرضنا عن ذكرها خوف التطويل
وكانت وفاته بالمدينة سنة سبع وخمسين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى وإيانا.
عمر الظاهر الزيداني
عمر بن صالح الملقب بالظاهر الصفدي الزيداني حاكم مدينة عكا وشيخ شيوخ البلاد الصفدية صاحب المواقع الشهيرة الخارج عن طاعة الدولة العثمانية مولده بصفد سنة ست ومائة وألف ومن غريب الاتفاق إن هذا التاريخ أعنى تاريخ مولده موافق لعدد لقبه ظاهر بوضاهر طاهر اولميوب ظاهر ايمش ظاهره ضاهر ديملري ايسه مصرده ظاهرية قريه سنه ضهريه ديملري كببدركه بانيسنك ترجمه سي خططده در وكان والده وجده وأعمامه حكاماً بصفد وعكا ويعرفون ببني زيدان وهم حمولة كبيرة لكن صاحب الترجمة نبغ نبغة ما سبقه إليها أحد من عشيرته واشتهر في أواخر أمره وطار صيته بالبغي والتعدي على هاتيك الديار هو وأولاده صليبي وعلى المقتولين صليبي مشكونة بصيغة التصغير والمقتولين بشكل التثنية وعثمان الشاعر وأحمد وكان الوزير الكبير سليمان باشا العظمي جهز عليه عسكراً وركب عليه بعد أن قبض على أخيه مصطفى الزيداني وشنقه بدمشق فلما وصل الوزير المرقوم إلى قرب عكا بقصد حصاره رشا عليه بعض أتباعه فأدخل عليه السم في طعامه فمات وجئ به إلى دمشق ميتاً شهيداً وبلغ من تجرى صاحب الترجمة إنه أركب آخر أمره مع أبي الذهب أولاده وعساكره لأخذ دمشق من الدولة العثمانية في أمور يطول شرحها ولم يتم الأمر على مراده ورجعت صفقته خاسرة وكان قتله في سنة تسعين ومائة وألف عن يد الوزير حسن باشا القبو دان رئيس السفن السلطانية واندثرت دولتهم ولم يبق لهم أثر استطراد سنة تسع وثمانين ومائة وألف فيها عزم محمد بك أبو الذهب على السفر والتوجه إلى البلاد الشامية بقصد محاربة الظاهر عمر واستخلاص ما بيده من البلاد فبرز خيامه إلى العادلية وفرق الأموال والتراحيل على الأمرا والعساكر والمماليك واستعد لذلك استعداداً عظيماً في البحر والبر وأنزل بالمراكب الذخيرة والجنجانة والمدافع والفنابر والمدفع الكبير المسمى بابومايله الذي كان سبكه في العام الماضي وسافر بجموعه وعساكره في أوائل المحرم وأخذ صحبته مراد بك وإبراهيم بك طنان وإسماعيل بك نابع إسماعيل بك الكبير لا غير وترك بمصر إبراهيم بك وجعله عوضاً عنه في امارة مصر وإسماعيل بك وباقي الأمرا والباشا الذي
بالقلعة تنديسه صفت وهو مصطفى باشا النابلسي وأرباب العكاكيز والخدم والوجاقلية أوجاقلي ولم يزل في سيره حتى وصل إلى جهة غزة وارتجت البلاد لعدوده ولم يقف أحد في وجهه وتحصن أهل يافا بها وكذلك الظاهر عمر تحصن بعكا فلما وصل إلى يافا حاصرها وضيق على أهلها وامتنعوا هم أيضاً عليه وحاربوه من داخل وحاربهم من خارج ورمى عليهم بالمدافع والمكاحل والقنابر عدة أيام وليال فكانوا يصعدون إلى أعلا الصور ويسبون المصريين وأميرهم سباً قبيحاً فلم يزالوا بالحرب عليها حتى نقبوا أصوارها وهجموا عليها من كل ناحية وملكوها عنوة ونهبوها وقبضوا على أهلها وربطوهم في الحبال والجنازير زنجيرلر وسبوا النسا والصبيان وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ثم جمعوا الأسرى خارج البلد ودوروا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم ولم يميزوا بين الشريف والنصراني واليهودي والعالم والجاهل والعامي والسوقي ولا بين الظالم والمظلوم وربما عوقب من لا جنى وبنوا من رؤس القتلى عدة صوامع وجوهها بارزة تنسف عليها الأتربة الرياح والزوابع ثم ارتحل عنها طالباً عكا فلما بلغ الظاهر عمر ما وقع بيافا اشتد خوفه وخرج من عكا هارباً وتركها وحصونها فوصل إليها محمد بك ودخلها من غير مانع وأذعنت له باقي البلاد ودخلوا تحت طاعته وخافوا سطوته وداخل محمد بك من الغرور والفرح مالاً مزيد عليه وما آل به إلى الموت والهلاك وأرسل بالبشائر إلى مصر والأمر بالزينة فنودي بذلك وزينت مصر وبولاق والقاهرة وخارجها زينة عظيمة وعمل بها وقدات وشنكات دوننموشنلك ديمك ايستر وأفراح ثلاثة أيام بلياليها وذلك في أوائل ربيع الثاني فعند انقضاء ذلك ورد الخبر بموت محمد بك واستمر في كل يوم يفشو الخبر وينمو ويزيد ويتناقل ويتأكد حتى وردت السعاة بتصحيح ذلك وشاع في الناس وصاروا يتعجبون ويتلون قوله تعالى حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فأذاهم مبلسون وذلك إنه لما تم له الأمر وملك البلاد المصرية والشامية وأذعن الجميع لطاعته وقد كان أرسل إسماعيل أغا أخو علي بك الغزاوي إلى اسلامبول يطلب أمر مصر والشام وأرسل صحبته أموالاً وهدايا فأجيب إلى ذلك
وأعطوه التقاليد والخلع واليرق والداقم لعله بيرق وطاقم وأرسل له المراسلات والبشائر بتمام الأمر فوافاه ذلك يوم دخوله عكا فامتلأ فرحاً وحم بدنه في الحال فأقام محموماً ثلاثة أيام ومات ليلة الرابع ثامن ربيع الثاني ووافا خبر موته إسماعيل أغا عند ما تهيأ ونزل في المراكب يريد المسير إلى مخدومه فانتقض الأمر وردت التقاليد وباقي الأشياء ولما تم له أمر يافا وعكا وباقي البلاد والثغور فرح الأمر أو الأجناد الذين بصحبته برجوعهم إلى مصر وصاروا
متشوقين للرحيل والرجوع إلى الأوطان فاجتمعوا إليه في اليوم الذي نزل به ما نزل في ليلته فتبين لهم من كلامه عدم العود وإنه يريد تقليدهم المناصب والأحكام بالديار الشامية وبلاد السواحل وأمرهم بإرسال المكاتبات إلى بيوتهم وعيالهم بالبشارات بما فتح الله عليهم وما سيفتح لهم ويطمنونهم ويطلبون احتياجاتهم ولوازمهم المحتاجين إليها من مصر فعند ذلك اغتموا وعلموا أنهم لا براح لهم وإن أمله غير هذا وذهب كل إلى مخيمه يفكر في أمره قال الناقل وأقمنا على ذلك الثلاثة أيام التي مرض فيها وأكثر لا يعلم بمرضه ولا يدخل عليه إلا بعض خواصه ولا يذكرون ذلك إلا بقولهم في اليوم الثالث إنه منحرف المزاج فلما كان في صبح الليلة التي بات بها نظرنا إلى صيوانه وقد انهدم ركنه وأولاد الخزينة في حركة ثم زاد الحال وجرد وأعلى بعضهم السلاح بسبب المال وظهر أمر موته وارتبك العرضي أردو وحضر مراد بك فصدهم وكفهم عن بعضهم وجمع كبراهم وتشاوروا في أمرهم وأرضى خواطرهم خوفاً من وقوع الفشل فيهم وتشتتهم في بلاد الغربة وطمع الشاميين وشماتتهم واتفق رأيهم على الرحيل وأخذوا رمة سيدهم صحبتهم لما تحقق عندهم إن هم دفنوه هناك في بعض المواضع أخرجه أهل البلاد ونبشوه وأحرقوه فغسلوه وكفنوه ولفوه في المشمعات ووضعوه في عربة وارتحلوا طالبين الديار المصرية فوصلوا في ستة عشر يوماً ليلة الرابع والعشرين من شهر ربيع الثاني أواخر النهار فأرادوا دفنه بالقرافة وحضر الشيخ الصعيدي فأشار بدفنه في مدرسته تجاه الجامع الأزهر فحفروا له قبراً في الليوان الصغير الشرقي وبنوه في الليل ولما أصبح النهار عملوا له مشهداً وخرجوا بجنازته من بيته الذي بقوصون ومشى أمامه المشايخ والعلما والأمرا وجميع الأحزاب والأوراد وأولاد المكاتب وأمام نعشه مجامر العنبر والعود ستراً على رايحته ونتنه حتى وصلوا به إلى مدفنه وعملوا عنده ليال وحتمات وقراآت وصدقات عدة ليال وأيام نحو أربعون يوماً واستقر أتباعه أمرا مصر ورئيسهم إبراهيم بك ومراد بك وباقيهم الذين أمرهم في حياته ومات عنهم يوسف بك وأحمد بك الكلارجي ومصطفى بك الكبير وأيوب بك الكبير وذو الفقار بك ومحمد بك طوبال ورضوان بك والذين تأمروا بعده أيوب بك الدفتردار وسليمان بك الأغا وإبراهيم بك الوالي المحتسب وأيوب بك الصغير وقاسم بك الصغير وعثمان بك الشرقاوي ومراد بك الصغير وسليم بك أبو ديار ولاجين بك وسيأتي ذكر أخبارهم انتهى ما نقلناه من عجائب الآثار بحروفه وقوصون محلة بمصر كما هو مذكور في كتاب المواعظ بمناسبة اصطبل الأمير قوصون وقد سماها عباس
باشا حفيد محمد علي باشا المشهور صاحب المجد الحلمية حينما بنى الدار هناك الأنيقة وعباس باشا هذا أدركه الأجل في بنها العسل ثم حمل على العجلة وأدخل نعشه ليلاً إلى داره في العباسية التي كان اسمها الحصوة فغسلوه وحملوه إلى قبره بالقرافة بمجامر العود والعنبر وكانت وفاته خارج مصر مثل محمد بك أبي الذهب رحمهم الله تعالى.
عمر السفرجلاني
عمر بن إبراهيم بن عبد الكريم أبي بكر السفرجلاني الدمشقي الشافعي أحد التجار المشاهير بدمشق وأصحاب الثروة كان ذا وجاهة ومال زائد وله يد طائلة في فعل الخيرات ومسارعة إلى صنائع المعروف والمبرات بنى في دمشق أربعة مساجد أحدها بمحلة القنوات وبنى له منارة والثلاثة بقرب داره اثنان منهما لهما منارة ورتب لهذه المساجد وظائف وشعائر وربعات من القرآن العظيم تقرأ كل يوم وكان مشهوراً بفعل الخير وكانت وفاته سابع عشر شعبان سنة اثني عشر ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير وأعقب من المذكور تسعة بنين ومن الاناث ثلاث عشرة بنتاً ومن النقود خمساً وستين وألف قرش ما عدا العقارات والبضاعات والأملاك رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عمر الكيلاني
عمر بن ياسين بن عبد الرزاق بن شرف الدين بن أحمد بن علي القادري المعروف كأسلافه بالكيلاني الحموي الشافعي السيد الشريف كان موقراً معتبراً مبجلاً صاحب حال وقال ممدوح الخصال تعلوه هيبة الصلاح ووقار التقوى سخي الطبع محمود الحركات والسكنات صدراً من الصدور وهيكلاً متهللاً بالبهجة والنور ولد بحماة سنة سبع وعشرين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده ثم في سنة ثلاث وأربعين قدم مع والده وابن عمه الشيخ عبد القادر وأولادهم وعيالهم لدمشق مهاجرين إليها ثم سافر صاحب الترجمة بعد وفاة والده بدمشق وساح فدخل بغداد والرقة وحلب مراراً وجلس على سجادة مشيختهم واستقام على أحسن سيرة وعمر داراً بدمشق في محلة القباقبية العتيقة كانت أولاً لبني عبادة وصرف في عمارتها أموالاً جمه وسافر من دمشق قبل اتمامها إلى جهة الروم بخصوص فقرأ أهل بلدة حماة لدفع مظلمة كانت عليهم فنال مطلوبه فوق مرامه وذلك في زمن السلطان الغازي مصطفى خان وحصل من الدولة إكرام واحترام ثم في آخر أمره
توطن مدينة حلب وترك بلدته حماة لتغلب حكامها وتخالف الأحوال عليه وتوفي بحلب في ثاني عشر صفر سنة خمس وثمانين ومائة وألف ودفن خارجها في تربة الصالحية بالقرب من الشيخ الدباس رحمه الله تعالى.
عمر السيري
عمر السيري الطرابلسي الحنفي الشيخ الفاضل العالم الصدر المحتشم ترجمه بعض الفضلاء فقال في حقه همام ذو فهم ثاقب في المعارف والمناقب وانشاء عجيب في المحاولة لكل أمر غريب تميل إليه الناس رعاعهم والأكياس في نجاح مقاصدهم وبلوغ حوائجهم ولم يزل في الناس كذلك سالكاً أحسن المسالك إلى أن تقلد بسيف القضا وقطع به ما كان به مرتضى فانقطع حبله وفل وصله أي أفلس ودارت عليه الدوائر إلى أن زار المقابر ولقد أطلعت له على نميقة تؤذن بحرية ألفاظه الرقيقة وعلو رتبة منشيها على أرائك معاليها انتهى وكان له فضل غزير وأدب غض وصار أحد أعيان طرابلس وصدورها وكانت وفاته بها سنة تسع وخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر الأفيوني
عمر بن محمد الطرابلسي الحنفي الشهير بالأفيوني وتقدم ذكر ولده عبد الله الشاعر المشهور الشيخ الفاضل البارع الكاتب الفقيه العالم النحرير ترجمه بعض فضلاء طرابلس فقال في حقه فقيه فاضل له فكر سائل إذا سأله سائل يملأ له الاناء من المسائل وله في رياض الفقه النعماني رياضه ومن حياضها استفاضه كان غالب كتبه بخطه مزينة بصحيح ضبطه انتهى وكان المترجم موصوفاً بالنبل مشهوراً بمعرفة المسائل الفقهية وغيرها أخذ عن جملة من الشيوخ كالشيخ عبد الله الخليلي وغيره وكانت وفاته بطرابلس سنة احدى وعشرين ومائة وألف ودفن بها رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين.
عمر بن محمد البصير المصري
عمر بن محمد البصير الشافعي المصري نزيل حلب المقري المتقن العارف باختلاف القراآت ووجوهها النحوي الكامل العالم العامل قدم حلب في سنة خمسة عشر ومائة وألف فاعتنى به الرجل الخبر مصطفى الكردي العمادي وأنزله
في المسجد الذي تحت الساباط في أول زقاق بني الزهرا ويعرف قديماً بدرب الديلم بالقرب من داره فكان يقرئ القرآن العظيم في المسجد المذكور وكان حديث السن وقد جمع الله فيه المحاسن والكمالات انفرد بحسن الصوت والألحان الشائقة والعلم التام بتحقيق التجويد ومخارج الحروف والاتقان وسرعة استحضار عند جمع وجوه القراآت وطول النفس لكنه كان ضنيناً بتعليم القراآت السبع لم يقرئ أحداً بذلك وكل من طلب منه الاقراء بغير قراءة حفص يسوفه ويماطله ولا يقرء أخبر تلميذه المتقن عمر بن شاهين امام الرضائية قال حفظت عليه القرآن العظيم وسنى اثنا عشر سنة والتزمت خدمته وكنت أقيم أكثر أوقاتي عنده ويأخذني معه إلى القراآت وكنت أقوده إلى مكان يريده وكان يتفرس في النجابة وبعد القراءة يعلمني الألحان من رسالة كانت عنده ويعلمني كيفية الانتقال من نغم إلى نغم ويقول إن ذلك يلزم من كان إماماً وأنت ربما تصير اماماً وكان يعلمني كيفية قراءة التحقيق والترتيل والتدوير والحدر والوقف والابتدا ويباحثني في طول النفس لأنه كان يدرج ثلاث آيات أو أربعاً من الآيات المتوسطات في نفس واحد وكان يقرأ آية المداينة في ثلاثة أنفاس من غير إخلال في الحرف ولا في مده وكان يصلي التراويح إماماً بالمولى الرئيس طه بن طه الحلبي في الرواق الفوقاني من جامع البهرامية ويقرأ جزءاً من القرآن درجاً صحيحاً يقصر المد المنفصل والامام الراتب يصلي في القبلة الصلاة المتعارفة بين أئمة التراويح فكان يسبقه الامام بالوتر فقط وكان ذكياً متيقظاً أذكى من تلميذه الشيخ محمد الدمياطي قال وجرى لي معه مرة واقعة وذلك إني أتيت يوماً لأقرأ وكنت لم أحفظ ما تلقيته وألزمني بالقراءة ولم يكن ثم أحد غيري فأخرجت مصحفاً صغير الحجم فظهر له إني أقرأ عن ظهر قلبي فأصغى إلى هنيئة ثم وثب علي ورمى بنفسه علي وقبض على المصحف من يدي فارتعت وشرع يضربني ويقول يا خبيث تدلس علي وتغش نفسك فحلفت له إني لم أفعلها إلا هذه المرة فتركني حينئذ فلما سكن روعي قبلت يده وقلت له بحياتك من أين علمت إني أقرأ بالمصحف فقال سمعت صوتك يأتي من سقف المحل فعلمت إن في يدك شيئاً يمنع مجئ الصوت مواجهة ومرة أخرى كنت أذهب معه إلى دور بعض أحبابه وكان في الطريق بالوعة إذا وصلنا إليها أخبره بها فيتخطاها فبعد مدة سترت تلك البالوعة بالطوابق فلما مررت به من ذلك الطريق بعد مدة وصل إلى موضعها وتوقف ثم تخطى قلت له لم تخطيت قال أليس هنا بالوعة قلت بلى كانت ولكنها من مدة زالت انتهى قلت ومثل ذلك ما حكى عن أبي العلا المعري شرح السقط طبعناه إنه كان سافر مع رفيق له إلى جهة فمرا في طريقهما بشجرة فلما قربا
منها قال له رفيقه إياك والشجرة أمامك فانحنى حتى تجاوزها فلما رجعا من ذلك الطريق أيضاً انحنى أبو العلا لما قرب من مكان الشجرة ورفيقه ينظر إليه ويحكي عن حذق أبي العلا المذكور إنه أنشده المنازي أبياتاً بالشام فقال له أنت أشعر من بالشام ثم اتفق اجتماعهما بالعراق بعد سبع سنين فأنشده المنازي أبياتاً أخر فقال له ومن بالعراق ومثله ما حكى عن داود الحكيم الأنطاكي صاحب التذكرة وغيرها إن رجلاً دخل عليه وقال له أي شيء يقوم مقام اللحم فقال البيض فغاب عنه سنة وجاءه فرآه منهمكاً في تركيب معجون وهو يجمع أجزاءه فقال له بأي شيء يقلي فقال بالسمن وحكايات حذقه كثيرة ذكره من ترجمه ثم إنه أعنى صاحب الترجمة في آخر عمره ترك الاقراء وخرج من ذلك المسجد واشترى له داراً بالقرب من المحلة الكبرى وكانت وفاته بحلب في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة العبارة خارج باب الفرج ولم يعقب غير بنت وخلف مالاً كثيراً رحمه الله تعالى.
عمر الوحيد
عمر بن مصطفى بن مصطفى الملقب بالوحيد كما إن والده كان يلقب بالعاطف عاطف أفندي هذا له مكتبة في ميدان وفا وقد رأيت بصائر صاحب القاموس بها وهذه المكتبة محرومة عن نسج العنكبوت لوجود من يعتني بأمرها من بيت الواقف وأما مكتبة بشير أغا فعليها قفل عظيم مصون عن الفتح تحاكي مكتبة جامع شهزاده الحنفي القسطنطيني أحد أعيان الدولة ورؤسائها أرباب الشهرة والصولة الكاتب الماجد المحتشم المعتبر الرئيس النبيل الدين العمدة ولد بقسطنطينية دار السلطنة ونشأ بكنف والده وكان والده من رؤساء الدولة وأعيانها وسيجئ ذكره في محله وقرأ القرآن ودأب على التحصيل والكتابة والانشاء وحسن الخطوط فبرع ومهر وأتقن الخطوط ولازم الديوان العثماني وباشر كتابة المناشير والتواقيع السلطانية وولي المناصب الديوانية وعلت كلمته وتوقرت حرمته واتسعت دائرته ونمت ثروته ثم بعد توليته المناصب واستخدامه بأمور الدولة صار رئيس الجاويشيه ورئيس الكتاب خارجيه ناظري وأمين السقايين السلطانية وأمين الدفتر وطغرابي الدولة نشانجي طغراكش ومستوفيها الذي هو وكيل بيت المال المعبر عنه في الاصطلاح العثماني بالدفتري والدفتردار ماليه ناظري وكتخداي الوزير الأعظم مستشار وتكرر ذلك له واشتهر بين الناس ورجال الدولة بالأمانة والخير والديانة وشدة البأس وعدم المحاباة واعتمد عليه في الأمور وتمشيتها وصار المستشار في مهام الدولة
والمستخدم بمناصبها واعتبره الوزراء واشتهر كما اشتهر أبوه ولم يزل في عزه وجاهه بين أقرانه وأشباهه حتى مات وكنت لما ارتحلت لدار السلطنة المذكورة قسطنطينية ودخلتها في سنة اثنين وتسعين ومائة وألف اجتمعت بالمترجم وكان إذ ذاك رئيس الكتاب وجرى بيني وبينه محادثة وملاطفة ورأيت منه من التوقير والتعظيم ما لم أره من غيره وكانت بينه وبين والدي وجدي حقوق ومودة ذكرها إلي عند الاجتماع به ولما دخلت دار السلطنة ثانياً سنة سبع وتسعين ومائة وألف بلغني بعد دخولي إليها خبر ضعفه وتزايد مرضه وكنت عزمت على عيادته فلم تطل مدته ومات وكانت وفاته وأنا بدار السلطنة في ليلة الثلاثاء ثالث عشر جمادي الأولى من السنة المرقومة وسيأتي ذكر والده مصطفى العاطف في محله رحمهما الله تعالى.
عمر الرجيحي
عمر بن مصطفى الشهير بالرجيحي الدمشقي الأديب الأريب الكاتب الماهر البارع كان لطيف الذات حسن السمات من الظرفاء الكمل المشاهير متقن النظم والنثر وهو من ذوي البيوت القديمة بدمشق ولهم أوقاف وشهرة ومن شعره قوله
وافى الربيع فحبذاك أو أن
…
سرت به الأرواح والأبدان
وافى الحبيب لدوح روض نوره
…
ما الدر ما الياقوت ما المرجان
فجرى القراح مبشراً بقدومه
…
سلكاً سعت لنظامه الخلان
لما تفوه بالبشارة معلناً
…
نشرت عليه حليها الأغصان
وقوله
البدر يعزي لحسن طلعته
…
والغصن يحكي للين قامته
وللثنايا الجمان منتمياً
…
والليل من بعض فرع طرته
محجب كم أروم زورته
…
والموت للصب دون زورته
وقوله
أمسيت في عصر قوم لأخلاق لهم
…
من صحبتي لهم قد ساءني التعب
أن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا
…
شراً إذا عوا وإن لم يسمعوا كذبوا
سبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وله غير ذلك وكانت وفاته في غرة ذي القعدة سنة ثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
عمر الوزان
عمر بن مصطفى الوزان الحنفي الدمشقي الفاضل الصالح كان من أهل العلم
والفضل وله حسن أخلاق وتودد ومنادمة ولد بدمشق سنة احدى وستين وألف وقرأ العلوم وأخذها وجل انتفاعه على محمد علاء الدين بن علي الحصكفي مفتي الحنفية وقرأ على غيره وكانت وفاته في يوم الخميس خامس عشري شعبان سنة تسع وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عمر الطوراني
عمر بن مصطفى البغدادي الشهير بالطوراني مفتي السادة الحنابلة ببغداد وخادم ضريح القطب الرباني سيدي عبد القادر الكيلاني الشيخ الفاضل الفقيه العالم الصالح البارع طلب العلم وأخذ الفقه وغيره عن كل من الجمال عبد الله بن الحسين السويدي الشافعي والشيخ ياسين الهيتي ثم توجه إلى القسطنطينية وتوطنها وتزوج بها وأقام هناك إلى أن توفي في حدود سنة أربع وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر كرامه
عمر بن مصطفى بن أبي اللطف الحنفي الطرابلسي الشهير بابن كرامة الشيخ الفاضل الأديب المفنن العالم الفاضل كان من العلماء الأفاضل قرأ بمصر ودرس بطرابلس في جامعها وولي افتاء طرابلس وله من المؤلفات نظم متن السراجية وشرحها وله رسائل في العروض وغيره وصحب أخاه في الرحلة إلى مصر وكانت وفاته بطرابلس بعد الستين ومائة وألف عن مائة وخمس عشرة سنة رحمه الله تعالى وإيانا.
عمر اللاذقي
عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن علي اللاذقي الحنفي الشيخ الفاضل البارع الأديب الأوحد الشاعر السيد الشريف ولد سنة اثنين وستين ومائة وألف بلاذقية العرب ونشأ بها في حجر أبيه وكان والده المرقوم مفتياً بها وكان يلقب بملا جامي وكانت وفاة المترجم بمدينة حلب ذهب إليها ليزور شقيقته زين الشرف زوجة إبراهيم أغا بن يعقوب أغا متولي وقف السلطان إبراهيم بن أدهم سابقاً فمات عندها قبيل ظهر يوم السبت حادي عشر شعبان سنة تسع وتسعين ومائة وألف بتقديم التاء المثناة فيهما رحمه الله تعالى.
عمر الأرزنجاني
عمر بن مرتضى الحنفي الأرزنجاني نزيل قسطنطينية الشيخ العالم الفاضل
المحقق قدم دار الخلافة المذكورة ولازم على طريقتهم وأعطى التدريس من شيخ الاسلام مصطفى بن محمد الدري مصطفى ولي الافتاء وكان سلفه وخلفه فيض الله وتولاه ثانياً وسلفه أحمد وخلفه ولي الدين وفي دفعته الثالثة سلفه محمد وخلفه إبراهيم بن عوض وأما والده محمد كان سلفه إسحق وخلفه مصطفى بن فيض الله مفتي الدور وأقرأ وأفاد ولازم الطلبة واشتهر بين علماء الدولة وصار أحد المعلمين الغلمان دار السعادة السلطانية وتنقل في المدارس على عادتهم وكانت وفاته مطعوناً في رمضان سنة سبع وتسعين ومائة وألف والأرزنجاني نسبة إلى أرزنجان.
عمر الطحلاوي
عمر بن علي بن يحيى بن مصطفى المالكي المصري الأزهري الشهير بالطحلاوي الشيخ الامام المحدث الفقيه المعمر الأصولي المسند أوحد عصره أبو حفص سراج الدين أخذ عن جملة من الأيمة كالشهابين أحمد البلابلي وأحمد بن أحمد بن عيسى العمادي وسالم بن أحمد النفراوي وأحمد بن الفقيه ومنصور المنوفي وعلي بن أحمد بن عبد الله الحريشي ومحمد الورزازي برواية البلابلي وكذلك العمادي عن سيدي محمد الزرقاني وعن غيرهم وصار له الفضل العظيم والعلم الغض والفضل التام وتصدر للتدريس والفتوي وأقبلت عليه الأفاضل وانتفعوا به فمن جملة من أخذ عنه المحقق عبد الله بن حجازي الشرقاوي ومحمد بن عبد المعطي الحريري والشهاب أحمد بن يونس الخليفي والسيد محمد أبو الأنوار الوفائي وغيرهم وكانت وفاته سنة احدى وثمانين ومائة وألف ودفن بمشهد عظيم بتربة المجاورين رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
عمر البقراصي
عمر بن يوسف الحنفي البقراصي نزيل حمص الشيخ الامام العالم الفاضل الكامل كان محققاً في العلوم العقيلة والنقلية جاء من بقراص بلدة في الروم وقطن في مدينة حمص وعمر الجامع المشهور بجامع النخلة بعدما خرب ودثر صالح ابن أيوب كان خرب جوامع الروضة بمصر ولم يتيسر له الاقامة فيما بنى بها من القصور إذ أدركته المنية بالمنصورة وتركت شجرة الدر جثته فيما بناه مدة حتى جهزوا له حفرته ونقلوه إلى مدفنه في مدرسته وبنى نحو الثلاثين حجرة لطلبة العلم وكان متصدياً لقراءتهم وقراءة الدروس العامة وإحياء العلم في حمص وانتفع به كثير وكان ورعاً كثير العبادة متهجداً في الليالي صواماً زاهداً عفيفاً جرياً في التكلم بالحق توفي
بحمص في سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن في الجامع المذكور تحت منارته رحمه الله تعالى.
عمر الشهير بعميرة
عمر الشهير بعميرة الدمشقي أحد مجاذيب دمشق المتقدمين كان من كبار الأخيار له الشهرة التامة في الولاية لازم دروس المحدث الامام إسمعيل بن محمد العجلوني تحت قبة النسر بالجامع الأموي في صحيح البخاري واشتهر بين الناس بالولاية والكشف وذكره الأستاذ مصطفى بن كمال الدين الصديقي الدمشقي في بعض تآليفه وأثنى عليه وقال قال لي الأخ الشيخ عبد الرحمن السمان عنه إنه مخلص الأيادي يعني إن تصرفه تام النهايات والمبادي وأخبرني الأخ الشيخ مصطفى يوماً من الأيام قال كنت اليوم عند السمان في الحمام فجاء الشيخ عميرة إلى جانبي وأنا خارج من الداخل ثم تقدم لقربي الشيخ عبد الرحمن وقال بالأمس هذا قال لي ضع يدك على كتفي فوضعتها وسار إلى بلاد وأماكن عجيبة ودار بي في منازل غريبة وأظنه ذكر جبل قاف قال ورجع بي قال الشيخ مصطفى فأردت أن أتثبت في تحقيق هذه الواقعة فقلت للشيخ عميرة هكذا جرى مثل ما أخبر قال نعم سيدي نعم سيدي وقد شوهدت له كرامات كثيرة ومقامات خطيرة وجاءني مرة فذكرت له قصة تورث غصة فبشر بالخلاص من ضيق هاتيك الأقفاص فقلت له إن حصل ما أشرت به من المعروف أعطيتك هذا الصوف وأريته صوفاً كان عندي فجاء بعد أيام قلائل وطلبه وأعطيته إياه ولم أعد ولم أبدي وتحققت إن المطلوب سيكون والصعب يهون فكان كذلك بعد مضي أشهر مما هنالك وأضافنا الشيخ عبد الرحمن مرة في جنينة الشيخ مسعود وصحبتنا جماعة من أهل الحب والجذب أولى الطالع المسعود فرأيت المترجم ضرب ابن سراج المقدم على رأسه فالتفت إليه وقال مجنون فتحققت إشراق نبراسه انتهى ما قاله وكانت وفاته بعد الخمسين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عمر العينوسي
عمر بن أحمد الشهير بالعينوسي الشافعي النابلسي الشيخ الفقيه الصالح الفرضي حفظ القرآن وأتقنه بتجويده وأحكامه ورحل لمصر وقرأ على الشيخ العزيزي وعادت عليه بركته ولما حضر لوطنه انقطع في خدمة الأستاذ السيد مصطفى البكري وانتفع به أتم الانتفاع وأخذ عنه طريقة الخلوتية وألبسه الكسوة وتصدر وتصدى لأرشاد المريدين واجتهد في عبادته حتى مات ولم أتحقق وفاته في أي سنة رحمه الله تعالى.
عمر العنز
عمر المعروف بالعنز الأدلبي نزيل حميص الأديب الفاضل المنجم العارف كان ماهراً بالأدب والعلم والطب ولكنه كان في غاية من لنحوسة والنادر لا حكم له أدركته حرفة الأدب وقد استقام في حمص واشتهر يقرئ ويفيد وله ديوان شعر ومن شعره هذه النبوية ومطلعها
للحب آيات حق للمحال محت
…
وأثبتت حب من بالطرف قد لمحت
واستحكمت حيث جاءتنا مبينة
…
بنسخها لدواوين الهوى شرحت
فمن يكذب ولم يؤمن بمحكمها
…
فنفسه عن طريق الحق قد جمحت
بها أتانا رسول كان مبعثه
…
عن ربة الحسن والحسنى التي رجحت
لما تلاها على أرواحنا سجدت
…
طوعاً أجابت وبالأحكام فانصلحت
ومذ دعاها إلى دين الهوى زمراً
…
سعت إليه على رأس لما انتصحت
مستسلمات أتت في شرع ملته
…
نواسكاً وبدار الخلد قد فرحت
ولو عصته ولم تؤمن ببعثته
…
باءت بخزي وإنكال وما ربحت
يا ويل قوم دعاهم للغرام أبوا
…
تباً لهم فئة للسلم ما جنحت
لكن نفسي تسامت في إجابته
…
قدر أرقت لسماء العشق فانفسحت
والحمد لله ربي حيث نسبتها
…
صحت بحب فتاة شمسها اتضحت
لما بدت من خفي خدر الجمال سبت
…
عقول أهل الهوى تيهاً وقد فضحت
لم لا يتيه بها العشاق قاطبة
…
لأنها نحو أرباب الغرام نحت
سلت سيوفاً من الألحاظ فاتكة
…
وأسبلت حالكاً في ليله اتشحت
سبت عقول الورى بالطرف إذ نظرت
…
أبدت عجاباً وعجباً حيثما لمحت
حلت قلوباً وكم من ذي الجمال جلت
…
ظلمات وهم بالنور التي رشحت
وأنفذ الحسن سهماً من حواجبها
…
تصمي حشاشة صب طالما جرحت
نحر شي بهواها لا هوان به
…
ياليتها لفؤاد الهاوي قد شرحت
حاولت أطلب عمداً وصلها فلوت
…
عني وولت ولا بالوصل ما سمحت
جازت لتنظر ما أبقت لعاشقها
…
من حر نيران وجد بالحشا لفحت
حارت وحازت قلوباً ملأ قبضها
…
ويالها منة فيهم إذا منحت
أذكت سعيراً تلظى والوقود له
…
من الحنايا ضلوع نارها لفحت
صفحت عن ذنبها عفواً ومكرمة
…
مع إنها عن ذنوبي قط ما صفحت
كفاك يا علو اعجاباً وبحترة
…
كفى فواكف أما في لقد نزحت
لقد أطلت عذاب العاشقين ولم
…
ترثى لمن بالحشا أحشا وهم فتحت
حرقت أكبادهم لما إليك صبو
…
واستعبروا بد ماء طالما نضحت
تعالى مني وجودي واسمحي بلقا
…
واستعملي الرفق فيمن نفسه طمحت
إن لم نجودي ولم ترثى لذي شجن
…
فعنك لي عوض من ذاته رججت
على الخلائق بالتقوى فزاد علا
…
على الأنام بأيديه التي منحت
محمد من رقى السبع الطباق وقد
…
أتى بشرع قويم شمسه اتضحت
عمت مكارمه العافين فانتهلوا
…
من بحر فيض عطاياه التي رشحت
أبو المفاخر عم الجود وابن عطا
…
حمد النوال أخو التقوى التي اصطلحت
غيث الندى مقصد المداح نعم فتى
…
رقى العلاذ وأياد للنوال دحت
له السيادة حقاً والكمال معاً
…
والفضل والحلم والنفس التي صلحت
من أم ناديه يرجوه لمعضلة
…
ينل من الخير من حاجاته اجترحت
كهف ملاذ غياث ملجأ سند
…
أفكاره من علوم الغيب قد طفحت
آياته وسجاياه وخلقته
…
عن وصفها كلت الأفكار مذ شرحت
وله غير ذلك وكانت وفاته في حمص سنة خمس وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى وأموات المسلمين.
علي العمادي
علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن عماد الدين الحنفي الدمشقي المعروف كأسلافه بالعمادي صدر صدور دمشق كان مهاباً محتشماً وقوراً عالماً علامة نحريراً فقيهاً أديباً ماهراً حاذقاً فائقاً ولد في دمشق ليلة الأثنين ثالث شعبان سنة ثمان وأربعين وألف ونشأ بها وقرأ على والده وعميه شهاب الدين وكمال الدين العالمين الفاضلين وعلى جماعة منهم الشيخ محمود الكردي والعالم الشيخ إبراهيم الفتال والفرضي الحيسوب الشيخ رجب القصيفي الميداني وغيرهم وتولى تدريس المدرسة السليمانية في الميدان الأخضر وافتاء الحنفية بدمشق وعزل عنها وسلك بها سلوك سلفه المتقدمين وبالجملة فقد كان من الأعيان الأفاضل مرجعاً في الأمور ومحترماً ترجمه السيد محمد الأمين المحبي في نفحته وذكر له من شعره وقال في وصفه هو الآن في الحضرة الخضرة متعين في نظرائه بالمعالي النضرة فيكاد يشير إليه من يغمض عينيه ومن أرد أن يكون السعد من خدمه فليضع قدمه مكان
قدمه فالاقبال كأنما خلق لأجله واليمن في مواطئه بخيله ورجله وهناك جد لو كان بظبة صارم ما تبدا غراره وبشر لو سال بصفحة البدر ما خيف سراره وأنا إذا جئت أصفه ولا أقدر أني أنصفه قلت أعلى الله مكانه وشيد في أفق النباهة أركانه فما زال إلا من يواصل هدوه والجذل بصاحب رواحه وغدوه وله السلامة التي يهنأ بها ويحيى والدنيا التي لم تزل غضة العهد طلقة المحيا وله عندي وراء ذلك وداد برى من الكلف وامتداح لوناً له البدر لأنجلى عنه الكلف وهو في الفضل كأبيه وجده وإذا قيس بهما فقد انتهى لأقصى حده وأما أدبه فقد حل من البراعة مكاناً علياً وهمي ودقه على ربا الاجادة وسمياً وولياً فإذا أجال يراعه ملأ القرطاس بلاغة وبراعه وإذا وشى الصحائف من حبائر بديهته واملأته فكأنما أفاض عليها من أنواره ولألأته وقد اثبت له ما يهيج الأدب ويزينه وإذا وزن به الشعر رجحت موازينه فمنه قوله فيما كتبه إلى الأستاذ الكبير زين العابدين الصديقي يستدعيه لدمشق
قد ألبس الروض أنواعاً من الحبر
…
وتوج الغصن اكليلاً من الزهر
ومدت الأرض وسط الروض جاشية
…
من الزمرد في مستنزه نضر
وقام كل خطيب في الرياض شدا
…
بلحن معبد وقع الناي والوتر
وفاح نشر عبير في دمشق غدا
…
يغني بطيب شذا عن عنبر عطر
كأن عطر غوان قد ضمخن به
…
أتت به من بخور نسمة السحر
وراقبت فرصة الأخفاء فانغسلت
…
كالسحر بين مقر الجن والشعر
فاستبضعت كل لطف مع لطافتها
…
واستصحبت كل عرف طيب الأثر
فقمت أنشق رياها وقلت لها
…
جودي علي فإني لأت مصطبري
وخبريني أهذا العرف منشأوه
…
عن طيب مخبر أم أطيب الخبر
قالت أعيذك من هذا النباء أما
…
كفاك رونق هذا العام من خير
فالشام سامية والأرض نامية
…
والسحب هامية بالطل والمطر
من أجل أن امام الوقت أعنى به
…
زين الأنام وكهف البدو والحضر
ذاك الامام الذي بالمجد قد بهرت
…
آيات محتده الزاهي على الزهر
وابن الامام الذي ما مثله أحد
…
إذ كان في الغار ثاني سيد البشر
يروم جلق قصداً أن يشرفها
…
بالبشر منه فتضحى نزهة البصر
فقلت أهلاً بما أديت من نبأ
…
أودعت في السمع منه أنضر الدرر
وصرت ألثم فاها فرحة وهوى
…
ومنطقاً ورده أحلى من الصدر
فأنجز الوعد لطفاً منك سيدنا
…
فالشام إن جزت صينت عن يد الغير
فأعين الزهر وسط الروض شاخصة
…
لكي تراك فتحظى منك بالنظر
ومن شعره قوله مخمساً
إذا رأيت ليالي الوصل مقبلة
…
من الحبيب فأحسنها معاملة
وقل له إن ترم مني منادمة
…
أصحب نديمك أقداحاً مسلسلة
من الرحيق وأتبعها بأقداح
وأسقه أنت بغياه وطلبته
…
لتجمع الراح والأفراح ليلته
ولا تلمه فإن الشرب نشأته
…
من كف ريم مليح الدل ريقته
بعد الهجوع كمسك أو كتفاح
فالراح كالريح نعم القول من نبأ
…
وقد روته بنو العباس عن ملأ
وقال اسحقهم ناهيك من فتأ
…
لا تشرب الراح إلا من يدي رشأ
تقبيل وجنته أشهى من الراح
قوله فالراح إلى آخره هو من قول بعضهم
الراح كالريح إن مرت عطر
…
تذكو وتخبث إن مرت على الجيف
ومن بدائعه قوله
عز هذا العزيز في سلطانه
…
ومضى والمطال أكبر شأنه
وأرانا من سحر عينيه هارو
…
ت وماروت من شبا أجفانه
فاستمال القلوب نحو محيا
…
كان سلب العقول من برهانه
وحبانا من جل ما نتمنى
…
غن شذا ورده ومن ريحانه
وأرانا برق الثنايا اختلاساً
…
خوف واش وحاسد يريانه
ورأيت الغرام من فيه لما
…
لاح فرق اللما وضؤ جمانه
فشهدت المدام في الكون طرا
…
من لماه والسكر من لمعانه
وضروب الجمال قد جمعت فيه
…
وفي شكله وفي ألوانه
قده كالقضيب من فوق ردف
…
ذي اهتزاز يميس في أعكانه
تحت وجه كالروض أودع فيه
…
كل معنى يروق في ابانه
خده كالشقيق في اللون والصد
…
ع كأس الرياض في عنفوانه
تحت جيده الذي حل فيه
…
خاله مخنف لجل مكانه
فافتتنا بقامة وبجيد
…
وسبانا زمردي هميانه
وقوله
وكأنما المصباح وسط حديقة
…
محفوفة بالورد والنسرين
بدر بدا تحت السحاب أحاطه
…
قزح بقوس محكم التكوين
أو غادة قد ألبست لبهائها
…
حلل الجمال بديعة التلوين
أو شادن قد خط تحت جبينه
…
بالطرة العجماء تحت السين
وقوله
باكر صبوحك من فيه مشعشعة
…
تضئ إن رشفت منه كمصباح
بيضاء مثل نهار الوصل رؤيتها
…
وحالة الرشف تكسي لون تفاح
لأن نسبت در الثغر حالتها
…
ودنها من عقيق اللون وضاح
وعاذل قال ما في الراح معتبة
…
فاستغن عنها بكاسات وأقداح
فقلت يا جاهلاً في الحب معرفتي
…
إليك عني فلا أصغي إلى اللاحي
لا أشرب الراح إلا من مقبل من
…
تقبيل راحته أشهى من الراح
وله في العذار
ما كنت أحتسب قبل نبت عذاره
…
إن العذار لحسنه تأكيد
حتى بدا في خده متجعداً
…
كفتيت مسك لا يلين جديد
فكان محمر الخدود شقائق
…
عن لثم أفواه الأنام تحيد
وكان معوج العذار بصدغه
…
شرك لحبات القلوب يصيد
وله في البيت الأخير الاستخدام
وعاذل قال عقرب لذغت
…
أحمد نوع الجمال سيده
قلت عجيب لها أما رهبت
…
عقرب صدغ رأت محدده
قالوا رأته وأنت تخبره
…
ذاك للسع اللقلوب ترصده
فقلت إذ بان إن عقربكم
…
لما أتته رأت تأوده
خافت على قلبها يمزقه
…
فزحزحته وقبلت يده
وكتب إليه الأمين المحبي المذكور يستأذنه في التنزه أياماً بقصره الذي أحاطت به السراء إحاطة النطاق بخصره سيدي وسندي أنقذ الله على يديك الخواطر من همومها وجلا عنها بحسن توجهك غياهب عمومها الزمن وما أدريك لم يبق لنا فيه إدراك من نكبات أولاً طيش وصالها لأتصلت اتصال الشؤبوب شؤبوب وذان اسلوب الدفعة من المطر وغيره وله معان أخر لسان العرب انتهى وصدمات لولا تكسر نصالها لكانت كالرمح انبوباً على انبوب
انبوب ما بين كل عقدتين من القصب وكعوب الرمح النواشز في أطراف الأنابيب الصحاح فلا يعتمد ما في المصباح والقاموس عن تفسير الكعب كما نبه عليه ناج العروس انتهى ولكن ثم نفوس من الفكر طائشة لا تحسبها إلا من ناهل الحمام عائشة فهي تستدعي بعض مألوفاتها لا عن رويه طامعة في حسوة من الأماني أما قذية أو روية وذلك لدفع صائل لا يتوقع طائل وإلا فكلنا يعرف زمانه ويعلم إن النهوض فيه زمانه وقد طلبنا فلم نجد غير قصرك البهي من النوازل مفراً ولا مثل ساحته للأمن من الغوائل مقراً إذ هو القصر الذي أقرت له القصور ولبست منه الشعري العبور ثوب الغيور فعسى ما عز على العيان من لقياك نستنشق فيه من مواطئك عرف رياك فإن أذنت فمثلك منزه عن التقاضي ومثلنا موله بالتقاضي ولك الفضل الذي إذا كشر الدهر عن نابه تكشف الجوادت عنابه والثناء على سجيتك ثناء الروض المونق على الغدير المغدق والسلام على خلقك العاطر سلام النسيم على الغصن الناضر
وبقيت في يوم أغر مبشر
…
بسعادة غراء تطلع في غد
لتقيم كل مأود وتنيم كل
…
مسهد وتضم كل مبدد
وللمترجم
ومنذ حللنا مصبحين بروضته
…
وقابلنا سلسالها بصفائه
وهب نسيم الغرب يسحب ذيله
…
بنفحة طيب فاح عرف ذكائه
وقام للقيانا خطيب هزارها
…
على فنن يتلو ضروب غنائه
وأفرشنا فيها الربيع مطارفاً
…
وجر علينا اللهو فضل ردائه
تراقصت الأغصان في جنباتها
…
وصفق فوق النهر راحة مائه
وأسكرنا من طيب راح حديثه
…
نديم ندامى جملوه برائه
أكب إلى أن قلدته عقودها
…
مدامة شمس أشرقت بسمائه
وجاء لنا يلقى نثير حبابها
…
فشنف منا السمع عند لقائه
ورحت ومن أنفاسه بي نشوة
…
كنشأته بالراح عند جلائه
وله
خلت سواداً في بياض خد من
…
أربى على الشموس في إشراقه
حيرني ثم أضاء ثغره
…
رأيته الأهداب من عشاقه
وله في مقام السيدة زينب رضي الله عنها
جئت بالذل للزيارة يوماً
…
راجياً محو زلتي وذنوبي
وتشفعت بابنة ابنة طه
…
سيد الرسل ملجأ المكروب
جازماً أن أنال منه مرادي
…
آئياً من عطاه بالمطلوب
وله مشجراً
سلوه لماذا يستبيح دم الصب
…
أيحسب إن الحب فيه من الذنب
يضل ويهدي من يشاء كما غدا
…
يميت ويحيى بالتباعد والقرب
دعا لهواه القلب مرسل صدغه
…
فراح يلبيه الفؤاد من اللب
يبيت به جفني القريح مسهداً
…
ويصبح فيه الطرف أحير من ضب
بمن جعل الورد الجني مسيجاً
…
بآس عذار طيب نفحه طبي
كفيت عناءي فيه داوي بلثمه
…
حريق لظى وجد تسعر في القلب
ربيب فؤادي إن صبري خانني
…
وضاق لفرط الوجد فيك فضا رحبي
يقيك الهي لوعتي وتولهي
…
بحبك فرج بالاجابة لي كربي
وللمترجم غير ذلك وكانت وفاته في ليلة الجمعة وقت السحر في منتصف ذي الحجة سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بمقبرتهم بباب الصغير رحمه الله تعالى.
علي الشرواني
علي بن إبراهيم بن محمد أكمل الدين الزهري الشرواني المهاجر إلى المدينة المنورة الشيخ الكامل الفاضل الورع الزاهد الحنفي الصوفي النقشبندي قدم المدينة المنورة من بلاده سنة ثمان وسبعين وألف وتوطنها وكان ملازماً للجماعة مواظباً على اقراء الدروس لا يحب مجالسة أهل الدنيا ودرس بالمثنوي في الروضة المطهرة وكان يقريه بمعرفته باللسان الفارسي لما تولى مشيخة الاسلام بدار السلطنة ابن خال أبي المترجم فيض الله أفندي الشرواني أرسل إليه منصب افتاء المدينة المنورة فلم يقبلها وردها إليه وألف مؤلفات نافعة منها جامع المناسك ومهمات المعارف الواجبة على العباد في أحوال المبدأ والمعاد ودليل الزائرين وأنيس المجاورين في زيارة سيد المرسلين وأقصى المطالب وخلاصة التواريخ وغير ذلك من المؤلفات وكانت وفاته بالمدينة في جمادي الثانية سنة ثمان عشرة ومائة وألف ودفن خلف سيدنا إبراهيم بالبقيع رحمه الله تعالى رحم الله المترجم خاف عن أعباء الافتاء.
السيد علي العطار
السيد علي بن السيد إبراهيم بن السيد جمعة العبسي سبط الكيلاني الشهير
بالعطار الحنفي الحلبي العلامة الفاضل الفقيه ولد في حلب سنة ست ومائة وألف ونشأ بها وقرأ النحو على الشيخ سليمان النحوي والفقه والحديث على السيد محمد الطرابلسي مفتي حلب والشيخ قاسم البخاري والشيخ محمد الزمار والشيخ جابر وقرأ التصوف على الشيخ محمود الكردي والأصول على الشيخ علي الداغستاني وأخذ عن الشيخ صالح الجينيني الدمشقي وقرأ علم الفلك على الشيخ عبد القادر المغربي وسافر إلى جهة العجم وقرأ على علماء الأكراد بها وحج خمس مرات وجاور سنة وأخذ عن علماء المدينة الحديث وغيره وأخذ عن الشيخ محمد حياه السندي ثم عاد إلى حلب وكان بحلب يقري الدروس ولازمه جماعة وأخذوا عنه منهم الشيخ محمد العقاد والشيخ السيد عبد اللطيف الكيلاني والشيخ عثمان العقيلي والشيخ عبد القادر البانقوسي وأخذ عنه في الحرمين حين المجاورة جملة من الطلاب والأفاضل منهم العلامة المحدث أبو الفيض محمد السيد مرتضى اليمني شارح القاموس نزيل مصر والشيخ حسين عبد الشكور الطائفي والسيد محمد بأحسن جمل الليل لعله جمال الليل اليمني والشيخ عبد الرحمن الفتني الطائفي حضروه في أقرائه فصوص الحكم تجاه مزراب الرحمة خارج المطاف بجانب مقام الحنفي وكان بحلب يقرئ الهيئة والصرف والمنطق والمعاني والبيان والفرائض والفقه والفلك وغير ذلك في الأيام وبالجملة فقد كان من الأفاضل الأجلاء وكانت وفاته في ليلة الأثنين خامس محرم سنة احدى وسبعين ومائة وألف ودفن خارج حلب في مقابر الحجاج بالقرب من جامع البلاط ورثاه بعض الأدباء من تلاميذه بقصيدة بيت تاريخها قوله
فإذا البشرى تنادي أرخوا
…
في جنان الخلد قد صح علي
علي التدمري
علي بن أحمد التدمري الشافعي الدمشقي الشيخ المفنن العلامة الفقيه النحوي الصرفي الأصولي الفرضي كان فقيراً ثم انتمى إلى بعض الأعيان وعينه لتعليم أولاده وأخذ له مكاناً وعين له تعييناً ودرس بالجامع الأموي مدة وله رسالة في العروض ومن شيوخه الشيخ السيد نور الدين الدسوقي وغيره وكان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين فرضياً طيب النفس ملازماً للطاعة والعبادة قال بعض أصحابه وأخبرني قبل وفاته بأشهر إنه يموت هذه السنة وقال له أنا أعلم علوماً غريبة أريد ان أعلمك إياها لأن عمري خلص هذه السنة أخر سنيني مثل علم الحرف والزابحة والوفق ولم يكن شهيراً لديانته وورعه وعدم إقراره لا حديها قال وأنا
ما أكمل السنة فكان الأمر كذلك توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر صفر سنة احدى وثلاثين ومائة وألف ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
علي الواعظ البرادعي
علي بن أحمد بن محمد بن جلال الدين المعروف بالبرادعي البردعة والبرذعة بمعنى البعلي ثم الدمشقي الصالحي الشيخ العالم الفاضل العلامة كان من أفراد الوعاظ ولد ببعلبك في سنة اثنين وتسعين وألف وبعد ثلاث سنين جاء والده وجده إلى الصالحية بدمشق وسكناها وأخذا لهما دار بالشراء واستوطناها وكان والده وجده من الحفظة وجده العلى جلال الدين من العلماء الأجلا بمدينة بعلبك وهم طائفة كبيرة ويقال لها بيت جلال الدين والمترجم قرأ القرآن وحفظه على السبع وكان يقرؤه في كل يوم وليلة مرة وفي رمضان يختم ليلاً ونهاراً أربعة وستين ختماً وفي صلاة التراويح ختماً تفقه بشيخه أبي المواهب الحنبلي الدمشقي وقرأ عليه كثيراً وكان لا يفارق دروسه في غالب أوقاته فانتفع به وقرأ على السيد إبراهيم بن حمزة النقيب في الحديث والمعقولات والمعاني والبيان وانتفع منه كثيراً وقرأ أيضاً على الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق في المعاني والبيان والتصريف والمعقول والمنقول وقرأ جامع الصغير والبخاري على الشيخ يونس المصري مدرس قبة النسر وأخذ عنه الحديث وقرأ عليه كثيراً ولازم درسه حتى مات وكان يحبه كثيراً وقرأ على الشيخ إسمعيل اليازجي الدمشقي وأخذ عنه علم الفرائض وكذلك على الشيخ عبد القادر التغلبي الدمشقي واجتمع بعلماء كثيرين وأخذ العلم وسائر الفنون عن شيخه الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي فإنه كان يحبه وينسر للقائه قوله وينسر لعله يريد يسر للقائه على ما لم يسم فاعله ويقرئ ولدى ابنه الشيخ إسمعيل وهما الشيخ طاهر والشيخ مصطفى بأمر منه ولما توفي الأستاذ غسله الشيخ علي بيده وكفنه وآواه التراب بوصية منه وأقرأ الشيخ علي المترجم في مدرسة العمرية وفي داره وبين العشائين في الجامع الجديد فأخذ عنه أناس كثير وقرأوا عليه وكان له مجلس وعظ تحت القبة على باب المقصورة بعد صلاة الجمعة صيفاً وشتاءً وخريفاً وربيعاً وكان يخطب في جامع السنانية ويؤم بالمدرسة العمرية وكان إذا وعظ يجتمع عنده خلق كثير من أهالي دمشق ومن الغوطة والضياع يقصدون الحضور للسماع وكان صوته عالياً إذا وعظ يسمعه غالب من في الجامع وهو يعظ من غير كتاب ولا يخطي ولا يغيب عن ذهنه شيء لشدة حفظه وإذا قرأ العبارة مرة واحدة يحفظها ولا تغيب من حفظه ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكانت وفاته في سابع عشر ذي الحجة سنة خمس وخمسين ومائة وألف ودفن
بسفح قاسيون في مكان يقال له الروضة في جانب الداودية تجاه مرقد سيدي الشيخ مسعود في أعتابه عند بابه بوصية منه وسيأتي ذكر ولده في محله رحمهما الله تعالى.
علي المنيني
علي بن أحمد بن علي الحنفي المنيني الأصل الدمشقي المولد الأديب الفاضل الفائق ولد بدمشق في حدود سنة سبع عشرة ومائة وألف وقرأ القرآن على الشيخ علي المصري وقرأ على والده المقدم ذكره ولما رحل والده للروم تصدر في غيبته للأقراء في العادلية وترجمه الشيخ سعيد السمان في كتابه وقال في وصفه بدر النادي الطالع من أفق الكمال والمجمع على نباهته بالتفصيل والاجمال ورد الفضل يافعاً فحياه علماً نافعاً وريحانة شبابة ترف وعيشه ناعم ترف ترف الأولى مضارع من الرف التلألأء والثانية كفرح بكسر الراء من الترف بمعنى الرفاهية والتنعم وهمته تتخير من الأدب اللباب وتتناول منه ما تقطع دونه الأسباب حتى حل بحبوحة حوزته المنبعة وأتقن في استحساناته مسلكه وصنيعه ولبس من الذكاء البرد المشهر وجمع بين الحياء والعرض المطهر إلى أخلاق لم تدنس بالشهائب ولطافة عليها حبات القلوب ذوائب تحسد الصبا طبعه ولا تكدر صروف الزمن نبعه ولم يزل بين روح وريحان وميزان نموه كل يوم في رجحان إلى أن فجأه الأمر الذي لم تنفع معه الرقي والتمائم وغابت تلك المحاسن التي أزرت بزهر الكمائم فسقى صيب الرحمة تربة ضمنه حتى تروى وتلك السجايا التي بأفواه الثنا تروى تروى الأول من الري والثانية من الرواية وله شعر معدود وهو بالاجابة محدود فمن نفثات كلامه ورشحات أقلامه الذي أطلعت عليه بعده وجعلته سميري في الوحدة انتهى مقاله ومن شعره قوله
نسيم الصبا قد نبهت أعين القمري
…
وقد حركت أغصان عنبرها الشجري
وأكست رياض المجد رونقها التي
…
تجر على النكبا ذيولاً من الفخر
تبث اشتياقي كلما هب شمأل
…
يفوح لناديه شذاه من العطر
لعمرك إن جزتي سحيراً فبلغي
…
رسالة أشواق تنوء عن الفكر
إلى صاحب الأفضال والمجد والتقي
…
وأحمد كل الناس ذي الشيم الغر
أخي همم علياء في كل حاجة
…
يفك عقود القول بالفهم كالدر
صقيل حسام أروع باسل غدت
…
له سائر الأقطار ناشرة الذكر
أمام رقي للمجد صهوة باذخ
…
فنال علا حتى يعز على الزهر
فلا تسمح الأيام قط بمثله
…
وقد غدت الأعصار تحسد للعصر
فهاكها يا كنز العلوم الوكة
…
أتت عن ضعيف يرتجى منك للستر
فلا زلت طول الدهر تبدي محاسناً
…
من الفضل والأفضال والبذل والبر
مدى الدهر ما ركب سرى في الفلا وما
…
نسيم الصبا قد نبهت أعين القمري
وله غير ذلك وكانت وفاته مطعوناً في سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
علي كزبر
علي بن أحمد بن علي الشهير بابن كزبر الشافعي الدمشقي الامام الهمام الحجة الرحلة البركة العالم العلامة المقري كان من علماء دمشق المشهورين وفقهائها المتفوقين اماماً بارعاً في فنون كثيرة متقناً فهامة صالحاً عابداً تقياً تاركاً للدنيا مقبلاً على الطاعة والديانة له اليد الطولى في القراآت وغيرها وبالجملة فقد كان واحد الدهر علماً وعملاً ولد في أواخر المائة بعد الألف وقرأ على جماعة وتفقه منهم الشيخ الياس الكردي نزيل دمشق والأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ عثمان القطان والشيخ عثمان بن حموده والشيخ محمد الكاملي وأضرابهم وارتحل إلى مصر إلى الجامع الأزهر وجاور به مدة وأخذ وقرأ على جماعة منهم الشيخ منصور المنوفي والشيخ محمد بن عبد الله المغربي الفاسي والشيخ أحمد الملوي والشيخ عبد الجواد الميداني المصري والشيخ عبد ربه الديري والشيخ عبد الرؤف البشبيشي وأخذ القراآت عن البقري وغيره وعاد إلى دمشق واستقام على إقراء الدروس والافادة في الجامع السنانية ولازم جماعة وأخذ عنه أناس كثيرون وألحق الأحفاد بالأجداد واشتهر وشاع فضله ولما قدم دمشق المحدث الشيخ محمد عقيلة المكي أخذ عنه طريق القوم واستخلفه بدمشق ولم يزل مفيد الطالبين مرشد الكاملين ناهجاً منهج الأتقياء والصالحين والعلماء العاملين إلى أن مات وكانت وفاته في سابع عشر ربيع الأول سنة خمس وستين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
علي الحريشي
علي بن أحمد المالكي المغربي الفاسي نزيل المدينة المنورة الشهير بالحريشي الولي الصالح الكامل شيخ الشيوخ صاحب القدم والرسوخ ولد في حدود سنة اثنين وأربعين وألف وكان شيخاً فاضلاً زاهداً عابداً محدثاً عالي الأسناد يروي الكتب الستة وغيرها عن العلامة المشهور في القطر الغربي الشيخ عبد القادر ابن علي الفاسي وله مشايخ غيره وله تصانيف عديدة منها شرح الشفافي ثلاثة مجلدات كبار وشرح
الموطأ في ثمانية مجلدات كبار وشرح منظومة ابن زكري في مصطلح الحديث وغير ذلك من رسائل والفتاوي والفوائد وكانت وفاته بالمدينة المنورة في غرة جمادي الأولى سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي الصعيدي
علي بن أحمد بن مكرم الله المنسفيسي العدوي المالكي الأزهري الشهير بالصعيدي أحد الأئمة الشيوخ الأعلام العلامة المحقق المدقق النحرير المتكلم روى عن جماعة من الأئمة وأخذ عنهم منهم سالم النفراوي ومحمد بن عبد الله الكنكسي وعمر بن عبد السلام التطاوني وعبد الوهاب الملوي وشلبي البرلسي ومحمد بن زكري ومحمد السجيني وعيد النمرسي وأحمد الديري ومصطفى العزيزي ومحمد سيف وأحمد الأسقاطي وأحمد البقري ومحمد الدفري ومحمد بن عبد السلام البناني الفاسي والسيد محمد السلموني المالكي تلميذ الحرشي وإبراهيم بن موسى الفيومي والشهاب أحمد الملوي ومحمد العشماوي وأجاز له الشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي في مسلسلاته ولبس الخرقة الأحمدية من الشيخ الصالح علي بن أحمد الشناوي وغيرهم وصار أحد صدور الأزهر وألف حاشية على شرح الجوهرة للشيخ عبد السلام وحاشية على شرح السلم للأخضري وغير ذلك من التآليف وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة وألف بتقديم تاء تسع رحمه الله تعالى.
علي باشا الكور
علي باشا الوزير ابن كور أحمد باشا الوزير دخل حلب والياً تاسع عشر القعدة سنة ثمانين ومائة وألف نهار السبت اليوم الرابع عشر من ذي الحجة من السنة المذكورة أحسنت له الدولة بمنصب القارص ونهض من حلب رابع المحرم سنة احدى وثمانين ومائة وألف وكان متحجباً عن الناس وفي زمنه طرد من كتابتي القسمة العسكرية والبلدية من محكمة حلب أحمد وولده أحمد أيضاً البكفالوني بموجب أمر عالي سعى بإصداره بعض أهل الخير من أهل حلب المقيمين بدار الخلافة جزاهم الله خيراً وتوفي الوزير المترجم في بندر في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف وكان ذا حشمة ووقار وسكينة محباً للعلماء ومكرماً لهم رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
علي العجلاني
علي بن إسمعيل بن حسن بن حمزة بن حسن الحسيني المعروف كأسلافه بالعجلاني
الحنفي الدمشقي نقيب الأشراف بدمشق السيد الشريف الحسيب النسيب الرئيس العاقل الكامل المتفوق كان من أعيان دمشق المنوه بهم والرؤساء المشار إليهم صاحب وجاهة ونباهة حسن الخصال لطيف الصحبة والعشرة عذب المفاكهة والمداعبة له عقل وافر ودرية في الأمور يحرص على الكمالات ويتحرز مما يشين عرضه ويزريه ولكثرة عقله كان يتوهم كثيراً ويتخيل في الأشياء أموراً كأنما كان بها بصيراً ولد بدمشق وبها نشأ وتوفي والده وهو صغير وذلك في يوم السبت عاشر رجب سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف وجده بعده أيضاً في سنة أربعين وكان نقيب الأشراف بدمشق ومن صدورها الأخيار فنشأ المترجم في كنف مفتي دمشق المولى حامد العمادي وبينهم قرابة وهي إن والدة والد المترجم المذكور ابنة المولى علي العمادي المفتي والد حامد العمادي المذكور فيكون العمادي حامد المذكور خال والده ثم المترجم بعد التمييز نبل وتفوق وأعطاه الله القبول من صغره فتولى نقابة دمشق مع وجود عم والده السيد عبد الله العجلاني وكان ذلك في سنة خمسين ومائة وألف ثم عزل عنها مرات وأخراً استبد بها من حدود سنة اثنين وسبعين إلى أن مات وكان في تلك الأوقات نقيباً السيد حمزة بن يحيى بن حمزة الحسيني ففي أثناء الفتنة بين الينكجرية اليرلية والقبيقول يرلي يكيجر يله قبو قولي بيننده برفتنه اولمش ايمش وما جرى في تلك الأيام في أيام الوزير حسين باشا ابن مكي الغزي كان النقيب ابن حمزة المذكور هو المشار إليه والمعول عليه فبعد نظام الأمور وتهميد الفتنة ومجئ الوزير عبد الله باشا شته جي حاكماً لدمشق وأميراً على الحاج وجهت النقابة إلى المترجم وبقيت عليه إلى أن مات ولم يعزل بعدها وعلت حرمته ونفذت كلمته وتقاه العالم واحترمته الوزراء والحكام والقضاة وكان مقبول الشفاعة عندهم محترماً بين الناس نافذ الأمر عالي الكملة تتردد إليه الناس وهو يكرمهم ويقوم بواجبهم من الاحترام والتودد وأعطاه الله القبول وأنشأ عقارات ودوراً وأملاكاً كثيرة وعمر بيتهم وأنار سراجهم وزاد جاههم بحيث لم يصل أحد من بني عجلان إلى ما وصل إليه من متاع الدنيا والثروة وكان بدره سعداً منيراً وكوكب حظه ظهيراً وتولى وظائف وتداريس ومدارس كثيرة وكانت عليه اقطاعات وقرى بطريق المالكانة كذلك هو نالها بجهده وجده وكانت عليه رتبة موصلة السليمانية المتعارفة بين الموالي الرومية وجمع كتباً نفيسة حسنة وغالبها هو استنسخها وكان في أمر المعاش متقناً وفي أمور الدنيا وافر التدبير وكان في أمور القرى والزراعة والحراثة مجداً بحيث إن قراه وحوانيته جميعها معمورة ويضرب بها المثل في دمشق بين أرباب الفلائح لعله يريد الفلاحة وكان نقياً من نقيصة
في عرضه ودينه وكان لوالدي كالأخ الشقيق ونشأ هو وإياه سوية وكل منهما يحب الآخر ويحترمه ويوده بحيث لا يصغي أحدهما إلا للآخر ولم يثنهما عن بعضهما تخالفات الأيام والأحقاب وكانا متحدين من وجوه أولها موافقة الأسم ووجود السيادة والمجد وثانياً الشكل والمهابة ولطف الأخلاق فانهما كانا متشابهين في ذلك وثالثها السن فانهما كانا متساويين في العمر إلا أن العجلاني المترجم كان أكبر من والدي بشيء قليل ومن الاتفاق إن والدي مات بعد وفاته بسنة وأشهر وكان هو لوالدي مطيعاً سميعاً لما يريد ويرضى متفقاً على رأيه منقاداً لأستحسانه وأمره وكان والدي يجله وله عنده رتبة رفيعة ولم يزالا كذلك إلى أن توفي المترجم ولحقه الوالد وماتا رحمهما الله تعالى وتولى المترجم نيابة المحكمة الباب سنة خمس وسبعين ومائة وألف وحج إلى بيت الله الحرام وبالجملة فكان أحد صدور دمشق ورؤسائها وكانت ولادته سنة سبع وعشرين ومائة وألف وتوفي سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف ودفن بمقبرتهم الخاصة بهم الملاصقة لمسجد الدبان بمحلة السويقة المحروقة ورثى بالقصائد العديدة وكثر الأسف عليه وكان جده السيد حسن من صدور دمشق له الشهرة التامة تولى النقابة مراراً وتصدر كأسلافه ولم يزل كذلك حتى توفي وتولى النقابة بعده أخوه السيد عبد الله مدة وبالجملة فبنو عجلان طائفة شرف وسيادة قديماً وحديثاً والمترجم من وجوههم رحمهم الله تعالى.
علي الأسدي
علي بن أسد الله بن علي كان عالماً نحريراً وفاضلاً كبيراً ولد سنة ثمان وأربعين وألف وقرأ على جماعة من العلماء منهم الشيخ سعيد أفندي نقيب زاده والشيخ العالم العلامة السيد محمد أفندي الكواكبي وكان جل قراءته على الشيخ العالم العامل أبي الوفاء العرضي وتولى افتاء الحنفية بحلب مدة خمس عشرة سنة إلى أن مات وكان إذ ذاك متولياً على جامع بني أمية بحلب وفي أيام توليته عليه أمر بمرمات الجامع المذكور ومرمات بعض حيطانه فظهر من أحد الحيطان لما قشروا عنه الكاس رائحه تفوق المسك والعنبر وإذا فيه صندوق من المرمر مطبق ملحوم بالرصاص مكتوب عليه هذا عضو من أعضاء نبي الله زكريا عليه الصلاة والسلام فاتخذوا له هناك في ناحية القبلة في حجرة قبراً في مكانه الآن وحمل الصندوق إليه جميع العلماء والصالحين بالتعظيم والتبجيل والتوقير والتكبير وذلك سنة عشرين ومائة وألف وكانت وفاة المترجم سنة ثلاثين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي بن حبيب الله القدسي
علي بن حبيب الله بن محمد بن نور الله ابن أبي اللطف الشافعي القدسي مفتي الشافعية بالقدس عالم ابن عالم وفاضل لولدكما ابن فاضل خبرني ولده الفاضل الشيخ حسن قاضي الشافعية بدمشق بالمدرسة الحسنية في سنة اثنين وثمانين بعد الألف وقرأ على والده بالعربية واشغل بحفظ المتون ثم توفي والده فسافر إلى مصر ومكث بالجامع الأزهر مدة تزيد على خمسة عشر سنة وجد واجتهد وفاق أقرانه إذ ذاك وغلب عليه علم الحديث وألف شروحاً على بعض متون في فقه الامام الشافعي ورسائل غيرها وسافر إلى الروم وصحبه رفيقه في المجاورة الشيخ أحمد التمرتاشي الغزي ولزم اقراء صحيح البخاري بجامع أيا صوفية تجاه السدة وكان الشيخ أحمد المذكور معيد المدرسة وتزوج ببنت والشيخ أحمد بأمها ومكث في المحل المزبور مدة خمسة وعشرين سنة واشتهر في بلاد الروم وفي بلدته بالمحدث واتسعت عليه الدنيا وجدد له السلطان أحمد أربعين عثمانياً في وقف الشاه زادات لعله بريرشهزاده ربطها باقراء الكتب الستة بعد العصر في الجامع المرقوم ولما أراد المجئ إلى بلدته فرغ عنها للشيخ أحمد العقرباوي ووجه له شيخ الاسلام إذ ذاك المولى عبد الله حين سفره من الروم للقدس تولية المدرسة الصلاحية وكانت على ابن عمه السيد محمد جار الله وقراءة الحديث بها وتولية المدرسة الحنفية وافتاء الشافعية ببلده وبعد خروجه من قسطنطينية جلس رفيقه الشيخ أحمد المذكور في مكانه يقرئ البخاري إلى أن توفي وكانت عليه وظائف جليلة تلقاها عن والده منها تدريس بالمدرسة المأمونية وثلث مشيخة المدرسة الملكية ونزل في القدس بالمدرسة الحسنية المذكورة سابقاً وجعل له وقتين للتدريس وقت الضحى بباب الأقصى للفقه وبعد المغرب تجاه الحجرة الجنبلاطية فوق سطح الضحرة يقرأ فيه الجامع الصغير واستمر على هذه الحالة إلى زمن موته ولم يكن لأفناء الشافعية إيراد قبل توليته لها فلما قدم من الروم مفتياً كان عمه أخو والده لأمه السيد محب الدين النقيب هو المرجع في بلدته ورئيسها فرتب له على الثلاثة ديورة في كل شهر من كل دير مائة مصرية واستمر ذلك إلى وقتنا ثم تحول من المدرسة الحسنية إلى المدرسة الفنارية فلم تطل مدته ومات وكانت وفاته في سنة أربع وأربعين ومائة وألف ودفن بباب الرحمة رحمه الله تعالى.
علي الدفتري
علي بن حسن الحموي المعروف بابن قنبق نزيل دمشق والدفتري بها الشريف لأمه تقدم ذكر والده حسن في محله الصدر الشهم المعتبر الأديب البارع المنشئ الماهر
الشاعر الكاتب الرئيس صاحب الشأن والمهابة أوحد الدنيا بالمعارف والانشاء ولد بحماة في سنة خمس وستين وألف ونشأ في حجر أبيه ثم لما توجه والده إلى الدولة العلية استصحبه معه وهو حديث السن فدخل للسراي العثمانية مع والده وأكب على تحصيل العلم والمعارف إلى أن حصلت له مكلة في فنون الأدب والكتابة والانشاء والشعر ومعرفة القوانين العثمانية ومهر في ذلك حتى صار يشار إليه بالبنان وتلقب بعلوي على قاعدة شعراء الروم والفرس وله أشعار كثيرة باللسانين وفي العربي أيضاً ثم إن أباه خرج برتبة الخواجكانية وابنه المرقوم باق في داخل السرايا فلما أخذ التزام حمص استأذن لأبنه أن يكون بصحبته فلما وصلا لحمص مر عليهم حسين باشا والي الشام وأمير الحاج المعروف بصاري حسين باشا فطلب المترجم الأذن من والده للحج فقال الوزير المشار إليه له أنت كابني وأنا أحتاج لمثلك فجعله كاتب خزانته ونال الحج صحبته وبعد ذلك عاد للدولة لخدمته المعينة له ثم دخل خاص أوضه وترقى إلى أن صار ركا بدار للسلطان محمد خان متقرباً إليه غاية التقرب ثم طلع بجلوس السلطان سليمان خان في سنة تسع وتسعين وألف برتبة الخواجكانية على قاعدة الأروام بمنصب الوقوفات بعد أن عرض عليه رتب سامية فلم يرض إلا بالخواجكانية المرقومة وهي رتبة متعارفة بين رؤساء الكتاب في الدولة وسافر الأسفار السلطانية وتقرب للسلطان مصطفى خان بحيث لم ينفك عنه في غالب الأوقات خصوصاً في زمن السفر ونال بذلك رفعة تامة وصار تذكره جي الديوان أول وثاني وباش محاسبه جي وغيرها وكان ثلاثة من الكمالات متعاصرين في ذلك الوقت تضرب بهم الأمثال أحدهم رامي محمد باشا كان صدراً عظيماً رامي باشا آخر صدور الدولة في زمن السلطان مصطفى الثاني وهو خلف مصطفى باشا دال طبان وسلف قوانوز أحمد باشا الذي كان تصدر قوانوز هذا ثلاثة شهور وقوانوس الجرة الخضر أهي من أخوات القاروره حين جلوس السلطان أحمد خان سنة خمس عشرة ومائة وألف والثاني المترجم المذكور كان وكيل رئيس الكتاب إذ ذاك والثالث أبي يوسف ديوانه مطبوع الرهاوي الشاعر المنشي المشهور كان من الخوجكان ثم لما صار الجلوس الأحمدي المذكور كان المعسكر السلطاني في أدرنة فلزم الأمر اختفاء المترجم مقدار ستة أشهر حتى سكنت الفتنة ثم ظهر ونفي إلى مكان يقال له بعجه أطه مدة ستة أشهر ثم عفي عنه وأعيد إلى اسلامبول وصار أمين الشعير السلطاني ثم بعد سنتين عزل ونفي ثانياً إلى حماه مقدار سنة ثم أعيد للدولة وصار ثانياً أمين الشعير السلطاني وذلك في سنة احدى وعشرين واثنين وعشرين بعد المائة ولما صار الوزير إبراهيم باشا المقتول صدراً أعظم
إبراهيم باشا سلفه محمد وخلفه فمدة صدارة إبراهيم باشا اثني عشر سنة وتسعة شهور وعشرة أيام وصاهر السلطان أحمد أظهر بعض قوانين في الدولة وصار ينفي الرجال القدماء في الدولة ومن جملتهم أحضر المترجم المذكور على حين غفلة وألبسه خلعة دفتردارية الشام وأمره أن يأخذ حريمه وأولاده ويقطع العلاقة من اسلامبول أذية وأضراراً له وكان ذلك في سنة تسع وعشرين ومائة وألف فجاء إلى الشام وضبط المنصب إلى سنة ثمان وأربعين وتحلل له مرتين ثم في السنة المذكورة عزل وولي مكانه السيد فتح الله الفلاقنسي الآتي ذكره وكث بعد العزل أربع سنين عليلاً في سن الشيخوخة وتملك دار الوزير نصوح باشا الكائنة بالقرب من السراي وحصل له في أول أمره بدمشق الرفعة والشأن والاقبال والاحترام الوفير ثم غدر به الزمان ورماه في أرض الهوان واستقام منزوياً في داره وتراكمت عليه الخطوب واغتدى من الهم ومصائب الدهر ملآن الذنوب الذنوب كصبور الدلو الملأى ماء وحاصل القول إنه من أفراد دهره وعصره في المعارف والانشاء حتى إن الأروام ورؤساء الدولة كانوا يتنافسون في تحريراته التركية وانشاآته الفارسية وهي كمكاتبات الخوارزمي وابن العميد في اللغة العربية لما فيها من الاستعارات واللطائف مع أنه طرأ عليه اللسان واللغة فسبحان الواهب وكان محباً للعالم محبوباً عندهم كريم الطبع لطيف المحادثة صاحب نوادر ونكت حسن المذاكرة والمطارحة يعرف علم الموسيقى حق المعرفة مع
ما فيه من المعارف يراجع في القوانين العثمانية محترماً عند الجميع ولما كان دفترياً بدمشق رفع القلمية التي كانت معيشة لكل من صار دفترياً وهو باختياره ذهب للمحكمة ومنع نفسه بدعوى أصحاب المالكانات وأرباب الميري رضاء واختياراً نعم الرجل واستقام هذا الأمر إلى أن صار دفترياً بدمشق فيض الله الرومي أحد خواجكان الدولة في عهدنا الأخير في سنة تسعين ومائة وألف فأجراها بأمر سلطاني مع تغافل بعض الرؤساء عن ذلك قوجه فيض الله تجديد سيئه ايلمش ايمش وجرت وعادت ومن انشائه العربي ما كتبه إلى الوزير سليمان باشا لما كان حاكماً بصيدا ابن العظم يعتذر إليه ويستسمحه لأمر صدر ويرتجيه بمرام وهو قوله ممن دهش وحار وفقد الصبر والجلد والقرار عندما تمادت عليه الهموم والأكدار التي هي أشد من حرارة النار حتى صار لا يميز الباغم والصادح ولا يبين المشكل من الحال والواضح جريح الفؤاد مهجور الرقاد محروم المرام والمراد وكل ذلك في نمو وازدياد إلى الحضرة التي يجب لها التضرع والخضوع ويستحب أن تنشر على بساط رياستها مياه الدموع من كل قلب موجوع وكبد مصدوع من لها من الفنوة والمكارم النهايه ومن مكارم الأخلاق والمحامد أقصى الغاية آيات شكرها تتلى بألسنة الأقلام في محاريب الطروس على رؤس الليالي والأيام أعنى بها السدة السنية السليمانية والخضرة البهية الأريحية فهي لعمري ملتجأ الأحرار وملجأ المستجير من طوارق الأكدار حرسها الحفيظ الرحمن ولا زالت في علو وترف مدى الزمان وسميه نبي الله سليمان عليهما الصلاة في كل آن وبعد تمهيد مراسم التعظيم وتشييد لوازم الأجلال والتفخيم أسأل المولى الكريم أن يحفظ تلك الذات العلية والطلعة البهية ويديم له الدولة والنعم بنون والقلم وأبث شوقي واشتياقي لديه فإن كل معولي على الله ثم عليه ويعرض هذا المخلص الداعي الذي حط رحال أماله في ناديكم وعند مهماته يلوذ بكم وأن بعد عنكم يناديكم الشاكر في كل حين لأياديكم قد ضاق صدره للحوادث المتوالية والكروب المعضلة المفادية وأعلم سيدي وسندي ومن عليه جل معتمدي لا أعلم ذا جناية عوقب بمثل عقوبتي حيث طالت مدتها ولم تقبل بوجه من الوجوه توبتها ولولا الجنايات لما كان للعفو مزيه فهبني أني قد أسأت وأخطيت ولحدي غروراً بالأيام تعديت أما كان لي على بساط العفو بقعة أجلس فيها أو زاوية من زوايا الحلم أوى ألبها ولم تفحصتم صحائف الأعمال لما وجدتم غير جاني إلا من أنزلت عليه السبع المثاني وإخوانه من الأنبياء عليهم أفضل التحية والثناء فيا سيدي ليس الآن بعد الله سواك ولا أقصد في كل أموري إلا إياك فأنا بك لائد ومستجير فكن لي معيناً ونصير فبحرمة الحقوق الاسلامية والنسبة الترابية ألا أعتني على حوادث الأيام وكشفت عني بعض ما أجد من الآلام حيث ضاق علي الخناق وتحملت من المصائب ما لا يطاق فكم تحت كنفكم من الخلق ما لا يعد ولا يحصى وما الكل معصومين ولا بجنابتهم وأخذين فارحموا عزيز قوم ذل ووهى جسمه واضمحل فما دام نظركم الشريف على ورأفتكم متوجهة إلي قضيت ما بقي من أيامي تحت ظلكم أدام الله عزكم والدعاء انتهى وله غير ذلك وبالجملة فقد كان من أفراد الأعيان والرؤساء البارعين في الأدب والانشاء والمعارف وله شعر بالتركي والعربي فمن شعره قوله فيه من المعارف يراجع في القوانين العثمانية محترماً عند الجميع ولما كان دفترياً بدمشق رفع القلمية التي كانت معيشة لكل من صار دفترياً وهو باختياره ذهب للمحكمة ومنع نفسه بدعوى أصحاب المالكانات وأرباب الميري رضاء واختياراً نعم الرجل واستقام هذا الأمر إلى أن صار دفترياً بدمشق فيض الله الرومي أحد خواجكان الدولة في عهدنا الأخير في سنة تسعين ومائة وألف فأجراها بأمر سلطاني مع تغافل بعض الرؤساء عن ذلك قوجه فيض الله تجديد سيئه ايلمش ايمش وجرت وعادت ومن انشائه العربي ما كتبه إلى الوزير سليمان باشا لما كان حاكماً بصيدا ابن العظم يعتذر إليه ويستسمحه لأمر صدر ويرتجيه بمرام وهو قوله ممن دهش وحار وفقد الصبر والجلد والقرار عندما تمادت عليه الهموم والأكدار التي هي أشد من حرارة النار حتى صار لا يميز الباغم والصادح ولا يبين المشكل من الحال والواضح جريح الفؤاد مهجور الرقاد محروم المرام والمراد وكل ذلك في نمو وازدياد إلى الحضرة التي يجب لها التضرع والخضوع ويستحب أن تنشر على بساط رياستها مياه الدموع من كل قلب موجوع وكبد
مصدوع من لها من الفنوة والمكارم النهايه ومن مكارم الأخلاق والمحامد أقصى الغاية آيات شكرها تتلى بألسنة الأقلام في محاريب الطروس على رؤس الليالي والأيام أعنى بها السدة السنية السليمانية والخضرة البهية الأريحية فهي لعمري ملتجأ الأحرار وملجأ المستجير من طوارق الأكدار حرسها الحفيظ الرحمن ولا زالت في علو وترف مدى الزمان وسميه نبي الله سليمان عليهما الصلاة في كل آن وبعد تمهيد مراسم التعظيم وتشييد لوازم الأجلال والتفخيم أسأل المولى الكريم أن يحفظ تلك الذات العلية والطلعة البهية ويديم له الدولة والنعم بنون والقلم وأبث شوقي واشتياقي لديه فإن كل معولي على الله ثم عليه ويعرض هذا المخلص الداعي الذي حط رحال أماله في ناديكم وعند مهماته يلوذ بكم وأن بعد عنكم يناديكم الشاكر في كل حين لأياديكم قد ضاق صدره للحوادث المتوالية والكروب المعضلة المفادية وأعلم سيدي وسندي ومن عليه جل معتمدي لا أعلم ذا جناية عوقب بمثل عقوبتي حيث طالت مدتها ولم تقبل بوجه من الوجوه توبتها ولولا الجنايات لما كان للعفو مزيه فهبني أني قد أسأت وأخطيت ولحدي غروراً بالأيام تعديت أما كان لي على بساط العفو بقعة أجلس فيها أو زاوية من زوايا الحلم أوى ألبها ولم تفحصتم صحائف الأعمال لما وجدتم غير جاني إلا من أنزلت عليه السبع المثاني وإخوانه من الأنبياء عليهم أفضل التحية والثناء فيا سيدي ليس الآن بعد الله سواك ولا أقصد في كل أموري إلا إياك فأنا بك لائد ومستجير فكن لي معيناً ونصير فبحرمة الحقوق الاسلامية والنسبة الترابية ألا أعتني على حوادث الأيام وكشفت عني بعض ما أجد من الآلام حيث ضاق علي الخناق وتحملت من المصائب ما لا يطاق فكم تحت كنفكم من الخلق ما لا يعد ولا يحصى وما الكل معصومين ولا بجنابتهم وأخذين فارحموا عزيز قوم ذل ووهى جسمه واضمحل فما دام نظركم الشريف على ورأفتكم متوجهة إلي قضيت ما بقي من أيامي تحت ظلكم أدام الله عزكم والدعاء انتهى وله غير ذلك وبالجملة فقد كان من أفراد الأعيان والرؤساء البارعين في الأدب والانشاء والمعارف وله شعر بالتركي والعربي فمن شعره قوله
ما مسني الضر إلا من أحبائي
…
فليتني كنت قد صاحبت أعدائي
ظننتهم لي دواء الهم فانقلبوا
…
داء يزيد بهم همي وأدوائي
من كان يشكو من الأحباب جفونهم
…
فإنني انا شاك من أودائي
له شركاء وكانت وفاته في دمشق في ثالث شوال سنة اثنين وخمسين ومائة وألف ودفن بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
علي البرزنجي
علي ابن السيد حسن المدني الشافعي الشهير بالبرزنجي الشيخ الفاضل العالم المفنن الناظم الناثر ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف وأخذ بها عن أخيه السيد جعفر والشيخ عطا والشهاب أحمد الأشبولي والشيخ محمد بن الطيب والشيخ محمد العجيمي والشيخ محمد البناني المغربي والشيخ محمد الفاسي وله شعر لطيف منه قوله مخمساً
أيا كوثر العرفان يا خير مرسل
…
ويا مورد الظمآن والعارف الولي
وساقي حميا الحب من حضرة العلي
…
أأظمأ وأنت العذب في كل منهل
وأظلم في الدنيا وأنت نصيري
حبيبي بك الرحمن في الحجر أقسما
…
وخصك بالتصريف في الأرض والسما
أغاثني إذا ما الضيم بالسهم قد رمى
…
وعار على راعي الحمى وهو في الحمى
إذا ضاع في البيدا عقال بعير
وكانت له اليد الطولى في النظم نظم أسماء أهل بدر ومولد النبي صلى الله عليه وسلم لأخيه السيد جعفر وكان معتزلاً عن الناس ملازماً للخلوة وكانت وفاته بالمدينة المنورة في أواخر هذا القرن رحمه الله تعالى.
علي الرومي
علي بن حسين الحنفي الرومي النقشبندي خليفة الجد الأستاذ الشيخ مراد كان من أفراد العالم علماً وعملاً ولازم الجد أربعين سنة وأخذ عنه ورباه وطاف البلاد معه وحصلت بركته عليه واقتبس من مشكلته حتى أنور به الزمان يقال أنار الشيء وأنور على الأصل إذا ظهر وأعتقده الخاص والعام بعد وفاة الجد وصار خليفة مكانه في المدرسة المعروفة به بمحلة أبي أيوب خالد الأنصاري رضي الله عنه وأخذ عنه ناس كثيرون وكانت وفاته في سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن لصيق قبر الجد في المدرسة المرقومة رحمهما الله تعالى بيت مراد يدن استانبولده قالمامش شامده وارايسه ده يا جانم عرب اوشاق اولماز دنيلمش ايمش برشاملي بويله ديدي.
علي المصري
علي بن حسين الشافعي المصري نزيل دمشق وامام الشافعية بجامعها الشيخ الفاضل اللبيب الألمعي صاحب القدم الراسخ في كل كمال كان عالماً فاضلاً ملازماً للتقوى والصلاح حافظ الكتاب الله قطن أولاً بالمدرسة الخنائية الكائنة قرب الجامع الأموي جانب السميساطية ثم تحول إلى جانبها إلى المدرسة الجقمقية ثم إلى الظاهرية وأقرأ
فيها الأولاد القرآن العظيم وأقرأ في النحو وغيره ودرس بالجامع الأموي ولما سلط الله تعالى على قرى دمشق الجراد وأكل زرعهم مدة سنين حصل لأهل الشام ضيق وشدة على ذلك فاختاروا أن يرسلوا المترجم والشيخ العالم عبد الرحمن الكفرسوسي لأجل جلب الماء المعروف بماء السمر مر وجاؤا به إلى دمشق قلت وقد ذكره غير واحد منهم ابن الوردي في خريدة العجائب العيون والآبار أو قال عين بين أصفهان وشيراز بها مياه مشهورة وهي من عجائب الدنيا وذلك إن الجراد إذا نزلت ووقعة بأرض يحمل إليها من تلك العين ماء في ظرف لا غير فيتبع ذلك الماء طيور سود تسمى السمرمر سميرم ناحية بين عراق وفارس يجلب ماء الزرزور منها وسميرم بفتح السين والراء وبكسر الميم بناها سام ابن أرم فسميرم مخففه وقارية بتشديد اليا أيضاً زر زوروزر زور في الفارسي سارج بفتح الراء وسارسبز أيضاً وسمر مره غول اوقيانوس ظالمه دحى قونجلوز ديرلر ويقال لها السوادية بحيث إن حامل الماء لا يضعه على الأرض ولا يلتفت وراءه فتبقى الطيور على رأس حامل ذلك الماء كالسحابة السوداء إلى أن يصل إلى الأرض التي بها الجراد فتصيح الطيور عليها وتقتلها فلا ترى من الجراد متحركاً بل يموتون من أجل تلك الطيور وذكر ابن الحنبلي في تاريخه إن من شرطه أن يكون الوارد به من أهل الصلاح ولا يمر به تحت سقف وقال الصلاح الصفدي في الجزء الثاني والثلاثين من تذكرته قال الشيخ شمس الدين أبو الثناء محمود الأصفهاني إن بمدينة قشمين مسيرة ثلاثة أيام عن أصفهان عين ماء ساحة برزة يسمى ماؤها بماء الجراد له خاصية وهي من حمل من مائها في إناء إلى الأرض التي أتاها الجراد فيعلق ذلك الاناء في تلك الأرض فيقصدها ما لا يحصى من طير يقال له سارياً كل ما فيها من الجراد حتى يفتى وشرط هذا الاناء أن لا يمس في طريقه ولا في مكان تعليقه انتهى ورأيت في بعض المجاميع إنه في سنة احدى وستين بعد الألف جاء جراد إلى الشام فكتبوا له مراسلات من قبل الشرع إلى الأطراف وعلقت في الأماكن فلم يصر ضرر على الزرع وظهر من ذلك تأثير عجيب في دفع مضراته وصورة المراسلات المرسلة " بسم الله الرحمن الرحيم وهو حسبي ونعم الوكيل " بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ولا يأتي بالحسنات إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أيها الجراد المنتشر ببستان كذا بأراضي كذا تحضر مجلس الشرع الشريف بدمشق وترحل بقدرة الله تعالى عن البستان المذكور وبفضل
" قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً " أحد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير وكانت وفاة المترجم بدمشق في سنة ثلاث وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي الطاغستاني
علي بن صادق بن محمد بن إبراهيم بن محب الله حسين بن محمد الحنفي الطاغستاني الأصل والملود نزيل دمشق ومدرس الحديث بها تحت قبة النسر الشيخ الامام العالم العلامة المحقق المدقق النحرير المفنن ولد في حدود سنة خمس وعشرين ومائة وألف وقرأ على جملة من علماء بلادهم كالشيخ عبد الكريم الآمدي والشيخ أيوب الطاغستاني والشيخ عبد الوهاب الطاغستاني ثم رحل إلى حلب وأخذ بها عن الشيخ محمود بن عبد الله الأنطاكي ثم رحل إلى الحجاز وجاور هناك مدة وأخذ بالمدينة عن الشيخ محمد حياه السندي ثم قدم دمشق وتوطنها وذلك سنة خمسين ومائة وألف ولما توفي الشهاب أحمد المنيني المدرس تحت القبة وجه له عنه التدريس المذكور وبقي عليه إلى وفاته وله من التآليف رسالة في الأبوين الشريفين ورسالة في الأسطر لأب عرب بها رسالة البهاء العاملي والعاملي هو محمد بن حسين بن عبد الصمد الملقب بهاء الدين بن عز الدين الحادثي العاملي الهمداني المترجم بخلاصة الأثر للمحبي وله تعليقات على أماكن من تفسير البيضاوي وتصدر بدمشق وكان يرجع إليه في مهمات الأمور ونزل به الفالج في آخر أمره في صفر سنة ست وتسعين وبقي في داره منقطعاً إلى أن توفي وكانت وفاته سحر ليلة الخميس ثالث عشر ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائة وألف وصلى عليه بجامع الورد بمحلة سويقة صاروجا ودفن بسفح قاسيون بقرب ضريح الشيخ محمد البلخي رحمه الله تعالى.
علي الغزي
علي بن عبد الحي بن علي بن سعودي النجم الغزي الشافعي الدمشقي الشيخ الفاضل العالم النحرير الأوحد المفنن المؤرخ المتفوق أبو الحسن علاء الدين كان له اطلاع تام في علم التاريخ ومحفوظة حسنة مع تحصيل في العلوم وفضل ولد بدمشق في سنة ست وعشرين ومائة وألف ونشأ في حجر والده وتربيته إلى أن توفي ثم في حجر والدته فأكملت تربيته ووفرت حرمته وقرأ القرآن على الشيخ ذيب المقري وختمه عليه مرات تجويداً وحفظاً وأخذ العلم عن أجلاء من المشايخ منهم
ابن عمه أحد صدور العلماء الشيخ أحمد بن عبد الكريم الغزي المفتي الشافعي أخذ عنه الفقه والحديث وغير ذلك وحضر دروسه ولزمه حتى توفي والفقه والفرائض وعلم الكلام عن العلامة الشيخ عبد الله بن زين الدين البصروي وقريبه وعن ابن عمه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي وحضر دروس العالم الشيخ محمد بن خليل العجلوني وأخذ العربية وعلوم القراآت والعقائد عن المحقق الشيخ حسن المصري نزيل دمشق وأخذ الحديث عن العمدة الشيخ إسمعيل بن محمد العجلوني وقرأ عليه كثيراً وكذلك عن الشيخ محمد بن عبد الحي الداودي والشيخ موسى بن سعودي المحاسني وأخذ طريق الصوفية مع العلوم عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي وحضر دروسه بالسليمية في صالحية دمشق في التفسير غير مرة وقرأ عليه من أول الأربعين النووية الامام النووي له واقعة بينه وبين السلطان بيبرس لأمر يتعلق بأراضي الشام ولم يعد إلى الشام إلا بعد وفاة بيبرس كما هو مذكور في التواريخ وأجاز إجازة حافلة وألبسه الخرقة القادرية وأخذ العربية مع علوم البلاغة عن العلامة الشيخ محمد بن محمود الحبال ولازمه وخدمه إلى أن توفي واستجاز له والده من المعمر العالم الشيخ عبد القادر التغلبي وكذلك من الامام المحترم الشمس محمد بن علي الكاملي وكان يستقيم في حجرة داخل التربة الكاملية بحذاء الجامع الأموي وفي آخر أمره انعزل عن المخالطة بالناس واستقام بدار زوجته بمحلة الشاغور الجواني يقري ويفيد إلى أن توفي وكان أحياناً يخرج إلى المسجد الذي بقرب داره المعروف بالياغوشية ودرس وانتفعت به الطلبة وعلمه وحافظته لا مطعن فيهما ولم يزل على حالته إلى مات وكانت وفاته في يوم السبت الرابع والعشرين من رمضان سنة احدى وتسعين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه عند أسلافه بني الغزي رحمهم الله تعالى وأموات المسلمين أجمعين.
علي الدفترداري
علي بن عبد الرحمن الاسلامبولي الأصل والمولد الحنفي الشهير بالدفترداري الشيخ الفاضل العالم الكامل البارع قدم المدينة سنة أربعين ومائة وألف وجاور بها وأخذ في طلب العلم فقرأ على الشيخ محمد حياه السندي والشيخ محمد بن الطيب الفاسي نزيل المدينة ومحمد أفندي الشرواني وغيرهم ونبل وفضل وأعطى الجوار حقه وكان ممن سلم المسلمون من يده ولسانه يعفو عمن ظلمه ويصل من حرمه ولا يقابل أحداً بما يكره ويوجد من يظلم الضعفاء ويتهمهم لترضيع نفسه وسيعلم الذين ظلموا أي
منقلب ينقلبون ولازم خدمة الفراشة بالمسجد الشريف النبوي بكرة وعشية وكان له مشاركة في العلوم العقلية والنقلية وله مجموعة بخطه وتوفي بالمدينة في تاسع عشري محرم سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف.
السيد علي الخباز
السيد علي ابن السيد عبد الخالق بن السيد جمال الدين المعروف بابن الخباز الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية كان صالحاً فالحاً فاضلاً له مشاركة في العلوم ارتحل لأكتساب العلوم إلى دار الخلافة اسلامبول ولازم على قاعدتهم من جوى زاده المولى محمد شيخ وبعده لما عزل عن مدرسة بأربعين عثمانياً كعادتهم ففي ابتداء الأحداث في رجب سنة سبع وثمانين وألف أعطى مدرسة محرم أغا باعتبار رتبة الخارج وكان أول مدرس بها وفي سنة ثمان وتسعين في شوالها أعطى مدرسة الفضيلة وفي شوال سنة أربع وثمانين أعطى مكان المولى محمد صالح مخدوم شيخ زاده مدرسة باباس أوغلى وفي رمضان سنة سبع وثمانين أعطى مدرسة جعفر أغا مكان المولى إبراهيم أحد المدرسين وفي رجب سنة تسع وثمانين عن محلول جلب المولى إبراهيم أعطى مدرسة شيخ الاسلام المولى أحمد المعروف بالمعيد معيد أحمد سلفه أبو سعيد وخلفه عبد الرحيم وذكر نعيماً حال معيد فانظر ترجمة يحيى في خلاصة الأثر وما قال أحمد تائب في الحديقة في ترجمة علي باشا الشهيد رحم الله أهل العفة ففي رمضان سنة اثنين وتسعين أعطى قضاء بلدة صوفية مكان قبا صقال المولى وفي ربيع الثاني سنة أربع وتسعين عزل منها ففي محرم سنة ثمان وتسعين في شوالها لسبب استيلاء الكفار صار معزولاً ففي ذي القعدة سنة ثلاث ومائة وألف أعطى قضاء مغنيسا وفي سنة ست ومائة وألف أعطى تكريماً رتبة قضاء المدينة المنورة وفي سنة ثمان أعطى قضاء أرزن الروم وفي ربيع الأول سنة ثلاث عشرة أعطى قضاء ديار بكر وفي سنة ستة عشرة ومائة وألف في ذي القعدة توفي في اسلامبول ودفن خارج باب أدرنة في تكية هناك.
علي السمهودي
علي بن عبد الرحمن بن السيد علي المدني الشافعي الشهير بالسمهودي مفتي السادة الشافعية بالمدينة النبوية الشيخ الفاضل الواحد الكامل البارع المفنن الأديب ولد بالمدينة المنورة سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف ونشأ بها وقرأ على شيخنا الشيخ
محمد بن سليمان الكردي والشيخ أحمد الغلام وتفقه بهما وغزر فضله وظهر نبله وكان فاضلاً أديباً ذا جاه ووجاهة متقناً لأحوال الرياسة لا يدانيه أحد في معرفتها سهل الحجاب لا يقصده أحد إلا ويجد منه غاية الاكرام حتى في اليوم الذي توفي فيه وتولى افتاء الشافعية مرتين وكان أحد الخطباء الأئمة بالمسجد النبوي وتوفي بالمدينة المنورة في سادس محرم سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
علي الأرمنازي
علي بن عبد الكريم بن أحمد الشافعي الأرمنازي نزيل حماة الشيخ العالم الفاضل الكامل له باع بالعربية والفقه ماهر بذلك وبالأصول والحديث والفقه والآلات ولا سيما الفقه حتى كان في فقه سيدنا أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه واحد عصره بارعاً فيه مع كونه شافعياً ولد في أرمناز تابع حلب في حدود سنة ثمان وعشرين ومائة وألف تقريباً وبها نشأ إلى أن بلغ مبلغ الرجال فتوجه إلى مصر بعد أن حصل قليلاً من العربية والفقه واستقام بها مجاوراً في الجامع الأزهر سبع سنين وقرأ على شيوخها منهم الشيخ حسن المقدسي الحنفي قرأ عليه صدر الشريعة والدرر والشيخ أحمد الدمنهوري والشيخ محمد الحفناوي والشيخ محمد الدقري والشيخ إسمعيل الغنيمي والشيخ علي الصعيدي والشيخ خليل المالكي والشيخ أحمد الهندي السليماني الحنفي وبرع وتفوق وقدم وطنه ورحل منه إلى معرة النعمان وصار بها قاضياً مدة من الزمان ثم توجه إلى بلدة حماة وجعلها مقره وحماه وسكن بها يقري ويفيد ولزمه جماعة وأخذ وأعنه وأسعفوه وكانت وفاته في رمضان بحماة سنة ست وتسعين ومائة وألف ودفن خارج باب الدرج رحمه الله تعالى والسبب في موته أنه كان راقداً على سطوح داره فوقع منه على الأرض واستقام مدة ساعات قليلة ومات من يوم ليلته رحمه الله تعالى.
علي الكردي
علي بن عبد الله بن أحمد بن إسمعيل الكردي من بلدة كوي بالقرب من عبدلان الشيخ المعمر الرحلة الصالح التقي الولي الزاهد الشافعي النقشبندي ولد ببلده سنة أربع وسبعين وألف وقرأ بها القرآن العظيم وأخذ العلوم عن علماء عبدلان وانتفع بالشيخ الكبير القطب الشيخ إسمعيل والد الشيخ عبد القادر العبدلاني وعنه أخذ الطريق ودخل حلب مرات قبل الأربعين وبعدها ثم استوطن دمشق وحج وجاور وأخذ عن سادات الحرمين وتخرج بالشيخ الكبير عبد العزيز
الهندي النقشبندي ودخل مملكة ايران والروم ومصر وكانت مدة سياحته تزيد على ثلاثين سنة ولم يضع بها حنبه إلى الأرض وذلك له لآساذ في المفاوز كما شاهد ذلك منه مريدوه الثقات ورأى رب العزة في عالم الخيال وطار ذكره في الآفاق واستدعاه الملك المعظم السلطان مصطفى خان إلى أبوابه للتبرك به فرحل من دمشق ودخل دار الخلافة وأنعم له الملك المشار إليه في كل سنة بألفي قرش وخمسمائة قرش فزهد عن ذلك فألح عليه فقبل من ذلك قرشاً واحداً في كل يوم من مال جزية دمشق والباقي فرقه في رفقته وطلب منه الملك المشار إليه الدعا بالنصر للسرية التي جهزها علي الخارجي طهماس بمملكة ايران فأهلك الله طهماس فاعتقده وله كشف وأحوال ارتاحت لها قلوب كل الرجال وقد تزوج بسبع وولد له خمسون ولداً وأعقب بدمشق الشيخ إبراهيم الفرضي وكان من الأفاضل الأذكياء توفي سنة سبع ومائتين وألف وتوفي المترجم عاشر صفر سنة تسع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن بسفح قاسيون.
علي السليمي
علي بن محمد بن علي بن سليم الشافعي الدمشقي الصالحي الشهير بالسليمي الشيخ العالم العلامة الحبر النحرير المسند المعمر الولي الكامل أبو الحسن علاء الدين ولد كما أخبرني سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وطلب العلم بعد التأهيل له فأخذ عن جملة من الشيوخ كالأستاذ عبد الغني النابلسي وولده الشيخ إسماعيل والشيخ محمد بن خليل العجلوني والشيخ محمد بن عيسى الكناني والشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري والجمال عبد الله بن زين الدين البصروي والشمس محمد بن أحمد عقيلة المكي والشيخ علي بن أحمد الكزبري والشيخ حسن المصري والشيخ محمد العلواني والشيخ رجب الأشقر الصالحي وعلي البراذعي وغيرهم وبرع وفضل وتصدر للتدريس فدرس في الجامع الأموي والجامع الجديد بالصالحية والمدرسة العمرية وله من التآليف تكملة شرح تفسير البيضاوي للشيخ عمر الرومي كمله من سورة الأسرا والزبدة الطرية على منظومة الأجرومية وشرح على شرح الغاية لأبن قاسم وغير ذلك وكان المترجم المرقوم عالماً عاملاً ورعاً تقياً نقياً زاهداً معرضاً عن الدنيا متقللاً منها تاركاً لما لا يعنيه وكانت وفاته طلوع فجر يوم الخميس غرة جمادي الأولى سنة مائتين وألف وصلى عليه بجمع حافل في السليمية ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
السيد علي المرادي
السيد علي ابن السيد محمد ابن السيد مراد ابن السيد علي المعروف بالمرادي
الحنفي البخاري الأصل الدمشقي المولد والمنشأ النقشبندي مفتي الحنفية بدمشق الشام وعين أعيانها وفارس ميدانها سيدي ووالدي ومن ورثت منه طريقي من المجد وتالدي الشهم الصدر المحتشم المهاب الوقور الجسور المقدام الفاضل العالم الأديب الأريب الذكي الحاذق اللوذعي الألمعي ذو الفكر الصائب كان رحمه الله تعالى فرد الدهر وواحداً في هذا العصر حسن الأخلاق كريم السجايا واسع الصدر قوالاً بالحق يصدع الكبير والصغير ولا يبالي في اجراء الحقوق ولا تأخذه في الله لومة لائم متمسكاً بالشريعة المحمدية مكرماً للوافدين محباً للعلماء والأفاضل سخياً جواداً ممدوحاً يراعي الله في أموره ويراقبه وانعقدت عليه صدارة دمشق الشام وروجع في الأمور من البلاد واشتهر صيته بين العباد وقصدته المداح وكاتبته الأعيان من سائر البلاد والأطراف لا سيما من قسطنطينية فإن أعيانها كانت تراجعه بمهمات دمشق حتى السلطان مصطفى خان صاحب المملكة يراجعه ويطلب دعاه ويوصيه بأهل دمشق وكانت مخاطبته له في أوامره المرسلة إليه عمدة المتورعين والزهاد زبدة المتشرعين والعباد سراج الارشاد مصباح السداد شيخنا ابن الشيخ مراد زيد فضله وكان يردع الحكام والظلمة عن دمشق وغيرها ويتكلم معهم كلاماً قاطعاً ويحترمونه ولا يمشون إلا على رأيه ومراده والذي بلغه من الجاه والسعة والاقبال وتوافق القلوب على حبه لا يحصيه قلم كاتب ولا مداد حاسب وأما صيته فملأ الخافقين وشاع بين الثقلين وله من الثناء الباقي المخلد في صفحات الأيام ما لو نسخت الدنيا يبقى إلى يوم القيام وهذه عطية من الله الرحمن وهبة من الرحيم المنان فإنه تفرد بكرمه وخلائقه وأفرد بحيث لم يسمع مثله سابقاً ولا يجئ شبهه لاحقاً فدامت هواطل الرضى على رمسه هامية ومراتبه في الفراديس الجنانية سامية ولد بدمشق في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها في كنف والده وكان والده يحبه أكثر من اخوته ويميل إليه وقرأ القرآن العظيم على الشيخ علي المصري الحافظ المقري نزيل دمشق وأخذ وقرأ واشتغل بطلب العلم على جماعة كالشيخ محمد الديري نزيل دمشق والشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق والشيخ أحمد المنيني والشيخ صالح الجينيني ووالده العارف العالم الشيخ السيد محمد المرادي والشيخ إسمعيل العجلوني الدمشقي والشيخ علي الطاغستاني نزيل دمشق والشيخ موسى المحاسني وأخذ عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي بواسطة والده وبدون واسطة وعن الشيخ محمد حياة السندي والشيخ أسعد ابن العناق نزيل مكة والعالم الشيخ علي مفتي مكة والسيد عمر باعلوي سبط الشيخ
عبد الله بن سالم المكي والشيخ محمد بن الطيب المغربي نزيل المدينة والعلامة المحقق المولى عبد الله الرومي مفتي الممالك العثمانية المعروف بالايراني وتفوق واشتهر ومهر وبرع وتولى رتبة قضاء القدس وافتاء الحنفية بدمشق واستقام بها إلى أن مات ودرس في المدرسة السليمانية بالهداية وجعل من إنشائه في كل درس خطبة وتولى غيرها من التوالي التوالي لعلها جمع التولية والوكالات بحيث لو جمع الذي تولاه وناله وصرفه لاعى الحاسبين وبهر بهره غلبه الناظرين والسامعين وامتدح بالقصائد الغرر وجمعت فجاءت كتاباً حافلاً ورحل إلى الروم صحبة والده وكذلك إلى الحج ثلاث مرات وله من الخيرات والمبرات والمدارس والعثامنة شيء كثير لا يمكن العد والأحصاء له بالتقرير وله من التآليف شرح على صلوات والده ومن الرسائل الروض الرائض في عدم صحة نكاح أهل السنة للروافض واخرى سماها أقوال الأئمة العالية في أحكام الدروز والتيامنة واخرى سماها القول البين الرجيح عند فقد الحصبات تزويج أولي الأرحام صحيح وله شعر كثير ونثر غزير ونظم كله بداهة وقد جمعت ذلك بخطبة من إنشائي فجاء ديواناً بديعاً وكان في زمنه العلماء والأفاضل محترمون ومبجلون والأسافل الجهال مكيدون محقرون وكل أحد سالك مسلكه لا يتعدى الحدود وكان ينظر لصاحب الحق ولو على ولده ويكرم الغرباء والحضور ويحسن الاعتقاد في الصلحاء ولا ينكر على أحد ولا يقبل الرشا والجرائم مع إن يده كانت طائلة إلى ما يشتهيه رحمه الله وكل من جال في ميدان التعفف واتبع أثر يحيى أفندي شيخ الاسلام وعلي باشا الشهيد الصدر في زمن السلطان
أحمد الثالث ومع هذا إذا توفي أحد وخلف ولداً وكانت عليه وظائف كثيرة يجتهد بعملها لولده ولا يفرط بعثماني واحد إلى الغير ويحسن للفقراء والأغنياء بالتواضع والبشاشة وصفاء الخاطر والاحسان لمن يسئ إليه والملاطفة مع الكبير والصغير والغني والفقير ومجالسه دائماً مشحونة بالأفاضل والعلماء والأدباء والمسائل دائماً تجري بمجلسه والمطارحات والمساجلات الشعرية ولا غيبة في مجلسه ولا تميمة وأنا إذا أردت أصفه لا أنصفه ولو أنني جعلت الأيام طروساً ورقمتها بمداد سواد الليالي لا أوفى بعبارة ولا في اشارة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها الثالث ومع هذا إذا توفي أحد وخلف ولداً وكانت عليه وظائف كثيرة يجتهد بعملها لولده ولا يفرط بعثماني واحد إلى الغير ويحسن للفقراء والأغنياء بالتواضع والبشاشة وصفاء الخاطر والاحسان لمن يسئ إليه والملاطفة مع الكبير والصغير والغني والفقير ومجالسه دائماً مشحونة بالأفاضل والعلماء والأدباء والمسائل دائماً تجري بمجلسه والمطارحات والمساجلات الشعرية ولا غيبة في مجلسه ولا تميمة وأنا إذا أردت أصفه لا أنصفه ولو أنني جعلت الأيام طروساً ورقمتها بمداد سواد الليالي لا أوفى بعبارة ولا في اشارة وله شعر كثير فمن ذلك قوله من قصيدة مطلعها
ذكر الأحبة يا سعاد يحبب
…
وبذكر أهل القبلتين أشبب
فعلام قلبي قد يطوف بحانة
…
ضاءت بها شمس عليها أكؤب
قد زانها الساقي فجانس خده
…
لو نالها قد لذ فيه المشرب
آه على زمن تقضي برهة
…
لم أدر إن البعد فيه يعقب
في روضة لعب النسيم ببانها
…
وبدت حمائمها تهيم وتطرب
متجوزاً فيه الغدير كأنه
…
نهر المجرة في صفاه كوكب
حصباؤه در تضي بصفائه
…
وبحافتيه الورد عطراً طيب
والزهد قد ضاءت بأفق سمائها
…
في روضها الفضفاض ذاك محبب
والترب فاح وقد شذاه عطره
…
من نفحه الفياح عرفاً طيب
ولطالما الحادي يسوق بعيسه
…
ليلاً وبدر الأفق كان يغيب
ويحث بدنا للوصول لروضة
…
من نورها السامي أضاءت يثرب
بلد بها خير الخلائق طيب
…
سمع الصلاة لمن له يتقرب
ويرد في حال السلام لوارد
…
والله يعلم ما بذلك يحجب
وله مقام قد علا عن غيره
…
في موقف قد عز فيه المطلب
وله من قصيدة حين ختم درس الهداية في السليمانية
من ذكر نجد يا حبيب فردد
…
وبوصف من حلوا هنالك فأنشد
حيث الأراك على الغدير مخيم
…
وعليه غرد طيرها بتردد
حيث الصبا مرت على سكانها
…
فتحملت طيباً وعطرت الصدى
فتعطر المشتاق من نفحاتها
…
وبها يحن إلى الديار وانجد
حتى ينادي في المهامه منشد
…
زموا الركاب فلست بالمتفند
إني أرى البانات من علم الحمى
…
وأرى منازل أهل ذاك السؤدد
شبه السراة إذا الليالي أظلمت
…
أهدوا بنور للنبي محمد
من طيبة الغراء مصباح الهدى
…
أكرم به من حالل وموسد
بحر الهداية والعناية والتقى
…
وشفيعنا عند التزاحم في غد
وله لواقعة منامية هذه القصيدة النبوية ومطلعها
قبلت يدك في المنام تكرماً
…
يا من علا فوق السماء وقد سما
فالله خصك من عناية فضله
…
بعظيم خلق جل من قد عظما
وبسورة الأسراء أسرى عبده
…
من مكة البطحا لقدس يمما
نادي لموسى اختلع نعليك في
…
وادي المقدس يا كليم فكلما
أنت الذي في الأنبياء جميعهم
…
كنت الامام وما برحت مقدما
ولقد عرجت على البراق مصاحباً
…
لأمينه يا خير من وطئ السما
حتى وصلت إلى العلا في همة
…
ولقاب قوسين الدنو مكرما
للسدرة العظمى تجرر أذيلاً
…
فيها الفخار وقد حظيت تكلما
حتى تراجع ربك الأعلى لنا
…
فيما يقول من الصلاة ترحما
منها
خضعت لهيبتك العوالم كلها
…
لما الآله عظيم خلقك اعلما
فالله خصك في فضائل عدة
…
وعن صفها عجز البليغ وافحما
من ذا يروم ثنا علاك بمدحه
…
والله قد أثنى عليك وعظما
فالشهب لا تحصى كذاك علاك لا
…
يحصى وقدرك يا نبي تعظما
وقال وهو في بلاد الروم مضمناً البيت الأخير للمتنبي
لما دعيت إلى حماك وقد أرى
…
شوقي إليك أعز فيه وأكرم
جاءت بي الأقدار أمشي خاضعاً
…
حتى أريق دماً وقدرك أعظم
وأقول شعراً قاله من كندة
…
شهم له غر القوافي تخدم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
…
حتى يراق على جوانبه الدم
وحين قدم دمشق العارف الرباني العالم الأستاذ السيد الشريف عبد الرحمن ابن مصطفى العيدروسي اليمني نزيل مصر القاهرة ونزل في دارنا الكائنة في محلة سوق صاروجا ابتهجت به دمشق وازدانت وحصل له الاقبال التام وأقبلت عليه الأفاضل والعلماء والسادات وظهر برونق الأدب والفضل وخدمته الأدباء بالقصائد الغر حصلت المطارحات والمساجلات البديعة وكان رحمه الله تعالى بهجة وجه الفضائل ونير سماء المعارف والآداب والفواضل فكتب إلى والدي المترجم هذه القصيدة وهي قوله
اليك على الذات والوصف والوهب
…
حثثت مطايا العزم والشوق والحب
وحق لنا حث المطايا إلى فتى
…
تسامى بوهبي العلوم وبالكسب
شريف له بالمصطفى خير نسبة
…
تعالت على أوج المجرة والشهب
عليم بأنواع العلوم همامها
…
وقاموس فضل فاض بالمشرب العذب
كريم له الجود الخضم وإنه
…
لحاتم هذا العصر في جوده الرحب
سرى يسر الكون فضل قوله
…
بفعل مصون عن خيال ذوي العجب
سليل المرادي المهذب شيخنا
…
هزبر العلي في منهج النقل واللب
فلله من فرع حذا حذو أصله
…
وجاراه في شرق الكمالات والغرب
هو السيد المفتي مريدي شريعة
…
بعلم حنيفي به زينة الكتب
هو العارف الهادي مريدي حقيقة
…
إلى حضرة الاطلاق حسبي بها حسبي
له الله مولى كل ما فيه مشرق
…
بما حازه بالله من حضرة القرب
وإني له داع بكل مراده
…
فأرجو إجاباتي يجود بها ربي
فيا سد أسعد الزمان به علا
…
ومشربه بالحق بالمرتجى ينبي
لك الله يا خدن المكارم من أخ ال
…
مزايا التي جلت لدى السلم والحرب
وأبقاك ذو الأفضال في خلعة العلى
…
ولا زلت حصناً في رخاء وفي جدب
ودونك أبيات الوداد وانها
…
تشكر فضلاً منك يسمو به قلبي
ودم وابق يا مولاي في خير عزة
…
تسر بها أهل المودة والحب
وأزكى صلاة الله ثم سلامه
…
على المصطفى المختار والآل والصحب
وأتباعهم ما فاح عرف الحمى وما
…
سقت روضة الأدواح ساجمة السحب
فأجابه والدي المترجم بقوله
فسرى عن الأسرار عن سركم ينبي
…
وعن مشرق العرفان ضاء به لبي
أجيبو الداعي الحق أهل ودادنا
…
فإني منادي الحق في حضرة القرب
أهيل المصلى والعقيق وحاجر
…
أهيم بكم وجد أو مسكنكم قلبي
أقلب طرفي في الخيام وما حوت
…
ولم أر يوماً في الوجود سوى ربي
سيكشف لي ربي حجاباً يظنه
…
على أولو الأبعاد طرقاً لي سلبي
فهذي عطايا لم ينلها مؤمل
…
سوى دائرات الحان عن سرها ينبي
وأضحى خليعاً لا يرى في مدامها
…
أنيساً وعين الشرب في صفوها شربي
أهيم به وجداً وإن ظن معشر
…
بأني عن الأكوان أخلو من الكسب
فهيهات أن يبدو عبانا لمعشر
…
أيدرون لبلى بالستور وبالحجب
فاهي الأنزهة لأولي النهى
…
فعجل بصافي الدن من حضرة الوهب
منها
فأدار في الكاسات إلا كلامها
…
بظرف من الأسماع صنع من الترب
فغنى بها الحادي وأطرب معشرا
…
فعادوا ثمالاً خالصين عن السغب
يهيمون في ذكر الحبيب ووصفه
…
وينفون ذكر الغير من معرض السلب
ويبدون ذكر الذات من معشر السوى
…
ويروون عين الذات عن منهل عذب
عن الأحمد الهادي عليه صلاتنا
…
دواماً مع التسليم من حضرة الغيب
وآل وأصحاب بدور هداتنا
…
إلى سبل أهل الحق والوهب والكسب
وقال مضمناً
يا ابن المعالي ومن حازوا لمجدهم
…
فخراً على هامة الزهراء ينتسب
على م تشكي جوى ما ليس نافعه
…
غير التألم في وسط الحشا لهب
ما أنت أول سار ضل في قمر
…
حتى ولا أنت حاك فاته الشنب
ومن ذلك تضمين الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي قدس سره
رام المدام بأن يحكي باكؤسه
…
دور الغلايين لما مدت القصب
فهب نفح دخان التبغ ينشده
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ومنه تضمين محمد أسدي من قصيدة مطلعها
دع المدامة يعلو فوقها الحبب
…
رضابه وثناياه لنا أرب
قالت مباسمه للبرق حين سرى
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ومن ذلك تضمين الكامل حسن الشهير بالدرزي
حكى دخاناً سما من فوق وجنة من
…
قد مص غليونه إذ هزه الطرب
غيم علا بدر تم قد تقطع من
…
أيدي النسيم فولي وهو ينسحب
فقلت والنار في قلبي لها لهب
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ومن ذلك تضمين العارف الشيخ أيوب الخلوتي
قال الاقاح حكيت الثغر قلت له
…
ترك المقالة في هذا هو الأدب
في اللون أن تدعى واللين مشبهه
…
نعم حكيت ولكن فاتك الشنب
ولمجير الدين ابن تممي
إن تاه ثغر الأقاحي أن نشبهه
…
بثغر حبك واستولى به الطرب
فقل له عندما يحكيه مبتسماً
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنت
وللمترجم في شجر الصفصاف
أمن صاغ للجهال رفع رؤسهم
…
إذا ما رأوا ذا العلم والأدب الغض
أما ينظروا الصفصاف من عدم الجنى
…
حياء من الأشجار أطرق للأرض
وقال مشطراً
بيضاء لما آيست من وصلها
…
دنفاً غدا ولهان في أهوائه
ماست تتيه بفرق صبح صادق
…
وبدت بدو البدر وسط سمائه
أترعت في حجري غديراً بالبكا
…
حتى ترائى دره لصفائه
وصقلت مرآة المياه تعطفا
…
فعسى يلوح خيالها في مائه
ومن ذلك تشطير الفاضل النبيه إسماعيل المنيني
بيضاء لما آيست من وصلها
…
وكوت فؤاداً طال فرط عنائه
وغدت تميس كما القضيب تأودا
…
وبدت بدو البدر وسط سمائه
أترعت في حجري غديراً بالبكا
…
لا الدر يحكي منه حسن صفائه
قد غاب عن عيني شخص جمالها
…
فعسى يلوح خيالها في مائه
ومما اتفق في المولد الشريف الذي نصنعه كل سنة في دارنا الكائنة في محلة سوق
صاروجا إنه لما تمت قراءة المولد الشريف والناس مجتمعون كعادتهم وحاكم دمشق والقاضي وجميع الأعيان والعلماء وجمع غفير إذ حفظ تخت من الخشب كان في الدار فعظم الاضطراب سرور أمن إنه عند ذكره الشريف تتحرك الجمادات ثم إن الوالد حفه رضوان ربه أنشد ارتجالاً بقوله
ما تعجبوا من ذكر أحمد سادتي
…
فالتخت نادى معلناً بصفاته
نطق الجماد بأسره في مولد
…
وأنا الذي قد همت من بركاته
وكان نزيلاً عندنا إذ ذاك العالم الشيخ محمد التافلاتي المغربي نزيل القدس فقال في ذلك
تخشع التخت لما
…
روو الذكر الحبيب
فارتج يبدي حنينا
…
كجزع طه المنيب
قطاف كأس سرور
…
على جميع القلوب
وللمترجم مشطراً وتقدم في ترجمة الشيخ أبي بكر الجزري الكردي تشاطير هذين البيتين
أحمامة الوادي بشر في الغضا
…
بالشعب من نحو العذيب ولعلع
إني أحن إلى الديار فغردي
…
إن كنت مسعدة الكئيب فرجعي
إنا تقاسمنا الغضا فغضونه
…
سمر القنا تدمى بكل مولع
والريح تنثر نور غصن قد غدا
…
في راحتيك وجمره في أضلعي
وقال مخمساً
أدر الزجاجة بالصبابة علني
…
إن انتشى طرباً فحبك علني
يا أهيفا أنا في هواه تفتني
…
لا تخش سلواني عليك فانني
عن رتبة العشاق لا أتزحزح
فإن بحبك كل من قد يعشق
…
ويرى حديث العشق وهو مصدق
إني أقول وكل شيء ينطق
…
باب التسلي عن جمالك مغلق
حلف الغرام بأنه لا يفتح
وقال مشطراً
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
…
عن حضرة الأنس في قرب وإيناس
وقال يبدي أعاجيباً منوعة
…
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
أطاعه سكره حتى تمكن من
…
آنست من قبس نار الأقباس
هذي مظاهره في السكر أعجب من
…
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
ومن ذلك تشطير الأديب محمد شاكر العمري
يسقى ويشرب لا تلهيه سكرته
…
في ألحان عن حال اسعاف وإيناس
يلهو عن اللهو صفواً غير ممتنع
…
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
أطاعه سكره حتى تمكن من
…
حيث الكؤس على استعداد جلاس
تلقاه مستغرقاً في سكره وله
…
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
وقد خمسهما الأديب محمد مكي الجوخي بقوله
سر الوجود حيب الله صفوته
…
صافي الشراب سقاه ثم ثبته
وقام يسقي وطابت فيه نشوته
…
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
أدناه حضرته فالروع منه أمن
…
حباه سر وجود في الغيوب كمن
مذ شاهد السر في أقداحه ويقن
…
أطاعه سكره حتى تكن من
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
وخمسهما الفاضل عبد الحليم اللوجي بقوله
أضحت مطاف ندامى الأنس حضرته
…
وجملت بهجة الحانات نضرته
ما زال مذ شعشعت في الكأس خمرته
…
يسقى ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
ثبات حال له نهج السداد ضمن
…
وإنه بالمزايا الفائقات قمن
لما احتساها ومن غول الشراب أمن
…
أطاعه سكره حتى تمكن من
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
ومن ذلك تخميس العالم الفاضل الشيخ عمر بن عبد الجليل البغدادي نزيل دمشق وهو قوله
إن الذي في ذرى العلياء رتبته
…
ومن هو البرزخ المفتاح نشأته
سر الوجود سرت في الكل بهجته
…
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
شمس الحقيقة سر السر منه زكن
…
وهو الوساطة في نيل الكمال فان
أراد في سكره إنشاءنا وضمن
…
أطاعه سكره حتى تمكن من
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
ومن ذلك تخميس السيد حمزة الدمشقي الأديب
هذا الرسول الذي عمت فضيلته
…
وعظمت بصريح النص أمته
من خمرة الذات في التوحيد شربته
…
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
لقد هدانا بارشاد له وضمن
…
والله أعطاه حتى إن رضى وأمن
من مثل طه وسر الله منه ركن
…
أطاعه سكره حتى تمكن من
فعل الصحاة فهذا سد الناس
ومن ذلك تخميس الأديب السيد عبد الفتاح مغيزل
من كان من نور ذات الحق نشأته
…
ومن علت ذروة الأفلاك رتبته
من حالة القرب والتقديس خمرته
…
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته
عن المدام ولا يلهو عن الكاس
عن درك أوصافه قد حار كل فطن
…
فدوهر العلم والتحقيق فيه كمن
إن رام في سكره الارشاد فهو أمن
…
أطاعه سكره حتى تمكن من
فعل الصحاة فهذا سيد الناس
وله عفى عنه غير ذلك من الأشعار الفائقة وكانت وفاته في ليلة الجمعة في الثاني والعشرين من شوال سنة أربع وثمانين ومائة وألف وفي يوم الجمعة دفن في مدرستنا الكائنة بمحلة سوق صاروجا ورثى بقصائد كثيرة وتولى افتاء الحنيفة بعده أخوه المولى السيد حسين إلى أن مات وذلك في رمضان سنة ثمان وثمانين ومائة وألف وسيأتي ذكره والده محمد وعمه مصطفى وجده مراد إن شاء الله تعالى ومن العجيب إن المترجم رحمه الله تعالى لما ختم درس السليمانية في سنة وفاته وكان ذلك الدرس آخر الدروس أنشد في الملاء العام هذين البيتين المشهورين وهما
دفنوا الجسم في الثرى
…
ليس في الجسم منتفع
إنما السر في الذي
…
كان في الجسم وارتفع
علي ابن أيوب الخلوتي
علي بن محمد بن أبي السعود بن أيوب الخلوتي الحنفي الدمشقي الفاضل المتفوق الكامل كان من الأفاضل المحصلين ولد بدمشق في سنة اثنين وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها في حجر والده الشيخ الصالح واشتغل بتحصيل العلوم وقرأ على الشيخ عبد الله البصروي في فنون عديدة منها في النحو شرح القطر للفاكهي وشرح الكافية للجامي وحاشية عصام الدين قراءة بحث وتدقيق وانتفع به ومن مشايخه الشمس محمد بن عبد الرحمن الغزي العامري المفتي والشيخ علي كزبر قرأ عليه في مصطلح الحديث وأجازه ومنهم الشيخ صالح الجينيني والشيخ محمد الدمري الطرابلسي نزيل دمشق والسيد محمد العبيبي والعارف الشيخ عليم الله الهندي نزيل دمشق فإنه قرأ عليه في المنطق وأجازه اجازة حافلة واجتهد في العلوم
حتى حصل الفضل ودرس بالجامع الأموي ولم يزل على حالته هذه إلى أن مات وكانت وفاته في سنة احدى وسبعين مائة وألف ودفن بمرج الدحداح رحمه الله.
علي التركماني
علي بن محمد سالم بن ولي الدين التركماني الأصل الحنفي الدمشقي المولد أمين الفتوي عند مفتي الحنفية بدمشق الشيخ الامام العالم الفقيه الحبر الفهامة النبيه كان متقناً متفوقاً بفقه الامام الأعظم أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه وماهراً بمقتضياته وإليه النهاية فيه بوقته مع الفضل الذي لا مطعن فيه ولد سنة ثلاث ومائة وألف وقرأ وأخذ عن جماعة من شيوخ دمشق والروم واستفاد وصار أمين الفتوى مدة مديدة عند العلامة الامام المولى حامد العمادي ثم من بعده عند والدي رحمه الله تعالى ودرس بالجامع الأموي في الفقه وكانت عليه وظائف عديدة وله رسائل وتعليقات وحواشي كثيرة وبالجملة ففضله لا شك فيه سيما بالفقه فروعاً وأصولاً وكان العمادي في غالب الأوقات يزجره خوفاً من ادخال الرشوة في أمور الفتيا عليه رحم الله العمادي رحمة واسعة وقطع أيدي المرتشين عن أمور عباده بحرمة رسوله وكانت وفاته في يوم الجمعة ثالث رجب سنة ثمان ومائة وألف ودفن بمقبرة الحفلة عند داره بميدان الحصا رحمه الله تعالى الرشوة يجوز فتح الراء وضمها وكسرها ولا يجوز قبولها ويذمون الراشي حياً وميتاً ويذكرونه باللعنة لأن الرشوة رأس الفساد للملل والدول.
علي السقاط
علي بن محمد بن علي بن العربي الفارسي المصري المالكي الشهير بالسقاط الشيخ المحدث المعمر العالم العامل النحرير الكامل أبو الحسن نور الدين أخذ عن جماعة من العلماء منهم والده والشهاب أحمد العربي بن الحاج الفاسي وولده محمد والبرهان إبراهيم بن موسى الفيومي ومحمد بن عبد السلام البناني وعمر بن عبد السلام التطاوني ومحمد الزرقاني وأجاز له أبو حامد محمد البديري الشهير بابن الميت والسيد مصطفى بن كمال الدين البكري وحج سنة أربع عشرة ومائة وألف وجاور بمكة وأخذ بها عن الجمال عبد الله بن سالم البصري والشهاب أحمد بن محمد النخلي وغيرهما وكان فرداً من أفراد العالم فضلاً وعلماً وديانة وزهداً وولاية أخذ عنه الجمال عبد الله الشرقاوي والشيخ عبد العليم بن محمد الفيومي وغيرهما وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي البصير
علي البصير البصري المالكي نزيل المدينة المنورة وعالمها ومحدثها أخذ عن محمد
بن داود العناني وأخذ عنه السيد تقي الدين الحصني وتوفي بها ليلة الأربعاء ثامن عشري محرم سنة ست ومائة وألف ودفن بالبقيع بقرب ضريح الامام مالك رحمه الله.
علي الأسكاف
علي بن محمد بن حسن الأسكاف الدمشقي أحد المجاذيب المولهين كان يحضر مجالس الذكر فيأخذه اصطلام وكان في أيام الشتاء يلبس عباءة والعرق يقطر من جبينه والناس في شدة البرد توفي في أوائل هذا القرن.
علي الرختوان
علي بن محمد بن علي ابن عثمان المعروف بابن الرختوان الحنفي الدمشقي نزيل قسطنطينية الفاضل الأديب الشاعر الماهر الكاتب البارع المنشي كان والده تذكره جي الدفترخانه بدمشق وتوفي سنة ثمان ومائة وألف ونشأ المترجم وحفظ القرآن وهو ابن خمس سنين وشاع أمره بالذكاء حتى وصل للوزير الأعظم إذ ذاك فأدخله للحرم السلطاني فخدم ثمة مع الغلمان في دار السعادة السلطانية كعادتهم وأخذ وقرأ الفنون ومهر بالأدب وأخذ الخط عن عمر الرسام الكاتب المشهور وتعلم اللغة التركية وغلبت عليه حتى صار ينظم الشعر التركي البليغ وتلقب بفائز على طريقة شعراء الفرس والروم وصارت أبناء الروم تتغالى بأشعاره حتى إني رأيت الفاضل سالم ابن مصطفى قاضي العساكر ميرزا زاده ترجمه في تذكرة الشعراء التي جمعها وذكر شيئاً من شعره التركي واشتهر تفوقه وهو في الحرم السلطاني وصار رئيس البوابين في الباب العالي وتزوج بابنة الوزير مصطفى باشا المقتول ولم يزل صاحب اشتهار واعتبار إلى أن مات وكانت وفاته بقسطنطينية سنة سبع وأربعين ومائة وألف رحمه الله.
علي الشدادي
علي الفاسي المالكي الشهير بالشدادي مفتي فاس وقاضيها الشيخ الامام العالم العلامة النحرير الأوحد ذكره أبو الفتوح علي الميقاتي الحلبي في جملة شيوخه وذكر إنه توفي بعد العشرين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي الكبيسي
علي بن محمد الكبيسي الدمشقي الصالحي أحد المجاذيب المشهورين بدمشق توفي يوم عرفة سنة ثلاث وتسعين ومائة وألف.
علي الزهري الشرواني
علي بن محمد بن علي الزهري الشرواني الحنفي المدني رئيس علماء الحنفية بالمدينة المنورة النبوية الشيخ العالم المحقق المدقق النحرير ولد بالمدينة لأربع خلون من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وهو ابن تسع سنين وحفظ جملة من المختصرات الفقهية وغيرها على أبيه محمد أفندي وأخذ عن جملة من العلماء كالشيخ محمد حياه السندي ولازمه إلى أن توفي وقرأ الهداية على محمد أفندي ابن عبد الرحيم المفتي بشروان وحضر التسهيل على الشيخ محمد ابن الطيب المغربي وأخذ الحديث عن الشيخ محمد الدقاق والشيخ محمد الحريشي والسيد عمر المكي العلوي سبط عبد الله ابن سالم وقرأ بعض الهداية على العلامة مرزا إبراهيم الأوزبكي وشرح التجريد للقوشجي على العلامة محمد رضى العباسي وأخذ الخط عن علي أفندي ابن محمد القيصري تلميذ شكر زاده ودرس بالمسجد النبوي وإليه انتهت الرياسة في الفقه وكان مرجعاً لأهل المدينة في ذلك وكان إذا أقرأ كتاباً يجري فيه القواعد الآدابية والمنطيقة على أحسن أسلوب فصيحاً متكلماً مهاباً عند الحكام ولي نيابة القضاء خمسة وثلاثين يوماً سنة ست وثمانين فتعصب عليه أناس من أهل المدينة وسعوا في عزله فعزل وأم في المحراب النبوي وألف مؤلفات نافعة في العلوم العقلية والنقلية منها حاشية على ديباجة الدرر وهوامش على المختصر حين أقراهما في المسجد النبوي وله شعر منه قوله من قصيدة مدح بها السيد أحمد بن عمار الجزايري
يقول لثام الفخر والشرف الجلي
…
جنابك حقاً قد علا كل معتلي
وأضحى لأشباح المعالم روحها
…
ومبدأها الفياض من هبة العلي
مدير لأفلاك العقول وقطبها
…
ومركز عرش المجد والحسب العلي
وله غير ذلك وكانت وفاته بالمدينة في غرة صفر الخير سنة مائتين وألف ودفن بالبقيع رحمه الله تعالى.
علي العمري
علي بن مراد العمري الموصلي الشافعي خطيب الحضرة النبوية اليونسية أبو الفضل نور الدين كان رحمه الله تعالى نادرة الزمان ونتيجة الأيام بذل جهده في تحصيل العلوم حتى حازها بأسرها وله تأليفات لطيفة منها شرح كتاب الآثار للامام محمد وشرح الفقه الأكبر للامام الأعظم وله على كل فن تعليقات وكان مجلسه غاصاً بالعلماء والفضلاء حتى إن من كان يحضر مجلسه يستغني عن القراءة والدرس وقد أوتي الحظ الوافر
من العلم والدنيا فبدولته تضرب الأمثال حتى إنه في يوم واحد أضاف سبعة من الأمراء بجنودها وتولى افتاء بغداد مقدار سنتين وتولى القضاء والافتاء بالموصل أيضاً وله سفرات عديدة إلى قسطنطينية وله شعر لطيف منه قوله يمدح بها فيض الله أفندي شيخ الاسلام
خد تورد بارتشاف الأكؤس
…
قرنت لواحظه لطرف أنعس
أم ذا أحمر أربان في وجناته
…
وأظن أورثه لهيب تنفسي
أم ذا شقيق الحسن أحمر ساطع
…
أوراقه أس العذار المفرس
ومنها في وصف الروض
فبدت بها الأشجار شبه عرائس
…
تحكي ببهجتها الجوار الكنس
رقصت بلابلها على أغصانها
…
طرباً لبهجة وردها المترأس
فالياسمين معانقاً أدواحها
…
قد قلدته حمائلاً من سندس
أما الشقيق فشققت أطواقه
…
والخال في فيه كمسك أنفس
والأقحوان الثغر منه باسم
…
وكذلك الغض العيون النرجس
يختال في قضب الزبرجد مائلاً
…
والرأس منه مائل بتنكس
إلى أن قال
فأشرب معتقة الدنان شمولة
…
تذر الهموم صحيفة المتلمس
وأسطو على خطب الزمان ببأسها
…
إن المدام أنيسة المستأنس
هذا هو العيش الهني ففز به
…
والجا بخطبك للمحل الأقدس
فهو المحل المستنير بمن غدت
…
أراؤه عوناً على الزمن المسي
وكان مولده سنة ستين وألف وتوفي سنة سبع وأربعين ومائة وألف ودفن بالموصل رحمه الله تعالى.
علي بن كرامة الطرابلسي
علي بن مصطفى ابن أبي اللطف المعروف بابن كرامة الحنفي الطرابلسي الفاضل الشهير والعلم الكبير كان ذا جاه ودأبه السكون حتى في المداعبة وكان له شعر لطيف مع فقر حسنة بديعة وتولى افتاء طرابلس الشام برهة من الأيام ولم يزل في أفياء منصبه قائلاً وفي حلل الراحة رافلاً حتى رج عليه الدهر أصناف صروفه وخطوبه فنفى ثم بعد ذلك أعانه الاعانة الربانية بتوجه الاسعاف من وجوه العلماء والأشراف وأهل النجدة والانصاف ثم توجه عليه افتاء حلب ولم يزل فيها قرير العين بعزه وجاهه إلى
أن مات وكان ألف رسالة فأظهر عليها نقاد المشايخ كالعلامة الشيخ محمد شمس الدين التدمري والشيخ الخليلي وغيرهما وبالجملة ففضله مشهور وقد أرادت اخوته أن يتميزوا بوصفه فكبا جواد همتهم في حومة التمثيل والتنظير ولم يقدروا على اشتمام عرفه ولا اجتناء ثمره النضير وكتب إليه حامد العمادي المفتي بدمشق حين أعاره الجزء الأول من خزانة الأكمل فاستحسنه العمادي المذكور وأرسل له قوله
إن المحبة في الفؤاد وإن ترم
…
تنظر لقلبي فهو عندك شاهد
وإليك ما يغني الأنام بحبه
…
أهديتها مني وإني حامد
أرسلت معها من خزانة فضلكم
…
جزأ لكم عندي وأنت الماجد
فلأنت أكمل من تفرد بالوفا
…
دم منهلاً يأوى إليك القاصد
مع من تحب ومن تود ومن يكن
…
ياءوي إلى علياك يا ذا الواحد
وكانت وفاة صاحب الترجمة في سنة اثنين وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي الدباغ
علي بن مصطفى الملقب بأبي الفتوح الدباغ المعروف بالميقاتي الشافعي الحلبي صاحب العلوم الغزيرة والتصانيف الشهيرة العالم الامام المحقق المحدث الأديب الماهر النحرير الشيخ البارع المدقق القدوة كان أحد من أنجبتهم الشهباء في زماننا واشتهروا بالفضل والأدب وكان له في كل فن القدح المعلي على الهمه كاشفاً في المعلومات كل مدلهمه ولد في سنة أربع ومائة وألف وقرأ القرآن واشتغل بطلب العلم على جماعة كالعالم الشيخ أحمد الشراباتي والفاضل الشيخ سليمان النحوي وارتحل إلى دمشق وأخذ بها عن الأستاذ الشيخ عبد الغني النابلسي والشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية والشيخ عبد الكريم الخليفتي المدني والشيخ عبد الله بن سالم البصري المكي والشيخ أبي الطاهر الكوراني المدني والشيخ محمد عقيلة المكي والشيخ أبي الحسن السندي نزيل المدينة والشيخ محمد المعروف بالمشرقي المغربي تلميذ الفاسي شارح دلائل الخيرات والشيخ يونس المصري والشيخ محمد بن عبد الله المغربي والشيخ منصور المنوفي والشيخ عبد الرؤف البشبيشي والشيخ أبي المواهب الحنبلي الدمشقي والشيخ محمد بن علي الكاملي الدمشقي وله مشايخ كثيرون من أهل الحرمين ومصر والقدس وغير ذلك وكان له المعرفة التامة بالأنساب والرجال والتاريخ وكان موقتاً بجامع بني أمية بحلب وله من التآليف شرح علي البخاري وصل فيه إلى الغزوات وحاشية على شرح الدلائل للفاسي وكان شعره رائقاً نضيراً وله مقاطيع وموشحات وغير ذلك فمما وصلني من ذلك قوله
لرؤية وجه المصطفى النور كله
…
على حسب استعداد رائيه نورها
هي الشمس تعطي الشيء ظلاً بمثله
…
وإن قلت الجدوى فمنا قصورها
وله تضمين الحديث الشريف المسلسل بالأولية
أول ما أسمعنا أهل الأثر
…
مسلسل الرحمة عن خير البشر
للراحمين يرحم الرحمن ار
…
حموا لمن في الأرض تحظوا بالبشر
إن الجزا يرحمكم من في السما
…
ء وحسبنا رحمته من الظفر
وله في النعل الشريف
لنعل طه من التشريف مرتبة
…
تهدي إلى حاملي تمثاله نعما
فاجعل على الرأس تمثالاً لا لصورته
…
وقبل النعل إن لم تلثم القدما
وانظر إلى السر منه للمثال سري
…
وكل مثل حذوه صار ملتثما
وله
من شرف الحب وتخصيصه
…
أن يلحق الأدنى بعالي الرتب
لذا جعلت الحب للمصطفى
…
وشاهدي المرء مع من أحب
وله
في رؤية المختار من خلفه
…
كما يرى قدامه في الشهود
اختلفت آراء من قبلنا
…
والحق بالعين بهذي الحدود
ولا عجيب أن يرى بعضه
…
من هو عند الكل عين الوجود
وله مضمناً
وفى لي حبيبي بالوعود وعندما
…
طمعت بوصل لا يقاومه شكر
تبدي رقيبي واعترتني هزة
…
كما انتفض العصفور بلله القطر
والأصل فيه قول بعضهم
وإني لتعروني لذكراك هزة
…
كما انتفض العصفور بلله القطر
وقد ضمنه أحد الأدباء في المجون فقال
رعى الله نعماك التي من أقلها
…
قطائف من قطر النبات به قطر
أمد لها كفي فاهتز فرحة
…
كما انتفض العصفور بلله الفطر
ومن نثر المترجم ونظمه ما كتبه مقرظاً به على رسالة الأديب البارع الشيخ سعيد ابن السمان التي ألفها في المحاكمة بين الأمرد والمعذر وهو قوله يا من حمى بسيوف اللحاظ حمى الخدود النقية وجعل لبعضها من العذار حمائل ودبج باخضرار تلك الصفحات واحمرار هاتيك الوجنات حلة الحسن اليوسفية فنزلت من أحسن تقويم في أشرف المنازل وزين العيون بالدعج والثغور بالفلج
والنحور بالبلج وهيم في مجالي أشعتها الجمالية نفوساً كوامل وركب حب الجمال في الطباع وأوقف على رؤيته العيون وعلى وصفه الألسن وعلى سماعه الأسماع ونشر الحسن في الأفراد ولم يقصره على الأجناس والأنواع فكان أكبر دليل على كمال القدرة والاتساع وربط سلسلة الموجودات بالمحبة عاليها والنازل فسبحان من تفرد بالابداع والكمال وهو الجميل يحب الجمال نصبه على وحدانيته فالسعيد من نظر لما أبدع بعين الأعتبار وتأمل كيف يولج النهار في الليل ويولج الليل في النهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار وانتقل من نظرة الصنعة إلى الصانع المختار ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك قفنا عذاب النار وأزل عن بصائرنا حجاب الغفلة حتى لا نرى شيئاً إلا رأيناك قبله واجعلنا ممن يستدل على المؤثر بالآثار نحمدك على نعمة الايجاد والتكوين والتركيب في أحسن صورة وتلوين حمداً يوصلنا إلى توحيد الأفعال ويذهلنا عن رؤية الأغيار ونصلي ونسلم على أكمل مخلوق من حضرة الجمال والجلال المحلي بجميع أقسام الحسن وسائر أصناف الكمال فكل حسن في العوالم منه تنزل وبه تعرف وعلى تفنن واصفيه بحسنه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف سيدنا ومولانا محمد المحب المحبوب والطالب المطلوب وباب الوصول إلى رضى علام الغيوب وعلى آله وصحبه وسلم ثمار غصون المحبة ونتيجة قياس الود والقربة صلاة وسلاماً دائمين دوام وصل الوصال يقضيان بالحب الدائم وكمال الاتصال آمين أما بعد فإني ألقى إلى كتاب كريم وخطاب بالبراعة وسيم بالبلاغة في المحل العظيم يصحبه رسالة حاوية لأقسام الفصاحة والجزالة تكاد من عذوبة الألفاظ تشربها أفئدة الحفاظ أنشأهما الأديب الفاضل الآتي مع تأخر عصره بما لم تأت به الأوائل ذاك السعيد صفة ولقباً والفريد ترسلاً وأدباً سباق غايات الكمال طلاع ثنايا المعرفة والأفضال صاحب الملكة التي يقتدر بها على اختراع ما يريد مما لم تصل إليه أفكار الصابي والصاحب وابن العميد أبقاه الله تعالى لعارفة يسديها وفائدة يبديها ومعارف ينشرها بعد أن كاد الزمان يطويها فتأملت في حسن رسالته المعجب ووقفت منها على المرقص والمطرب
وقفت كأني من وراء زجاجة
…
إلى الدار من فرط الصبابة انظر
ذكرني الظعن وكنت ناسياً وصبوة مضت وعيشاً ماضياً أيام أمشي لحانات الهوى مرحاً ولي على حكم أيامي ولا يأت أيام شرخ شبابي روضة أنف أنف على وزن عنق يقال روضة أنف ومؤنف أيضاً كمحسن إذا كان لم ترع قاموس ما ريع منه بروع الشيب ريعان حيث المنازل روضات مدبجة وحيث جاراتها
حور وولدان حيث الهوى قد كان في طوع يدي ومنيتي مساعدي ومسعدي وحيث ما يذكره أضن أذكر لها حوارها نحن ضمنها المفاخرة بين خالي العذار والحالي وأتى من مدح الشيء وذمه بالعاطل والحالي نسج على منوال عمرو والزبرقان في مجلس سيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم واقتدى بالجاحظ والثعالبي وهما اماما البيان إلا أنه وافق عبد المحسن الصوري في نشر محاسن محبوبه ولم يجنح لغيره ومشى تحت اللواء النباتي إلى أن وصل إلى مقام الحيرة غير أن ابن نباتة حين تحير عمل بكلا الأمرين وحسم مادة الشك ولم يتحير والظن بالمولى إنه بحلاوة هذا المشرب وتحت هذه المروحة قائل وإليه ذاهب وكأني به قلد ابن مكانس وللناس فيما يعشقون مذاهب وربما ألجأته لهذا صناعة الأدب والعشرة كما أجاب من سئل عن دواء الخمار وصنف النواجي الحلبة ولم يذق كل منهما الخمرة ذكرتني رسالته العهد القديم والألف والنديم والصد والنعيم فشأنها وشأني إن أفاضت غروب شأني ولولا الحيا يغشاني لقلت
فيا ولع العواذل خل عني
…
ويا كف الغرام خذي عناني
وأيم الله لقد أحيت من موات المهوى الدارس والعافي وأقول على سبيل المداعبة ومشرب الأدباء الصافي
ما يقصد المولى بتحسينه
…
ابليس في إغوائه كافي
غير أنها وردت في عصر المشيب وقد شارفت شمس الحياة أن تغيب ولاح صباح الحق وأقصر باطله وعرى أفراس الصبا ورواحله وسد باب التلميح والتعريض وحال الجريض دون القريض الجريض الغصة بالريق وغيره والقريض الشعر أمثال الميداني ومع هذا كله فقد أيقظت كامن الغرام بعد الهجعة وكان كما تقول الشيعة أن تحكم بالرجعة وتعيد المهدي إلى الغي وتلحق الشيخ بولدان الحي
كاد يسعى للتصابي أو سعى
…
نبهت من غيه ما أقلعا
واستشارت من أقاصي لبه
…
صبوة كان رثاها ونعى
فتلقيتها كما يتلقى الكريم الكرام ولم أقل كما قال جرير وقد أترعت له من عصره إلى الآن كؤس المدام
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا
…
وقت الزيارة فارجعي بسلام
بل قلت بما جاء عن سيد الأنام صلى الله عليه وسلم إن الجواب الكتاب حقاً كرد السلا نعم أقول هلا وردت هذه المعاني والحكم قبل ظهور ندير الشيب والهرم
وطلوع كمين التوبة والعهد على عدم الأوبة وتلافي الحديث القديم بقراءة الحديث والانهماك على ذلك والنهمة والبعد عن مواطن التهم والوصمة وطلب الحماية فيما بقي من العمر والعصمة ونظرت في حالي والجواب فتذكرت أبيات قلتها من قصيدة لبعض الأحباب
وافت وفكري في العناء موزع
…
والذهن في بيد الهموم مضيع
وإذا دعوت معاني الشعر التي
…
كانت تجيب بدا لهن تمنع
وأنفت من فن القريض وراعني
…
من شيب فؤدي والعذار مروع
وصحوت من خمر الصبا وجنحت للتقوى
…
أسدد ثوبها وأرقع
فعزمت إني لا أجيب نظامك
…
الحسن المعاني بالذي يتبشع
لكن رأيت الامتثال محتماً
…
بين الكرام إلى المكارم إن دعوا
فأجبت بالصفر النضار ميقناً
…
عجزي وعفوك عن قصوري أوسع
وبعد تمهيد هذا الاعتذار المقبول عند ذوي الاقتدار أسرع في الجواب مسمياً له خلع العذار في وصف الخالي والحالي بالعذار فأقول وإن كان عند أهله نوعاً من الفضول
هو الحب فأسلم بالحشا ما الهوى سهل فما أختاره مضنى به وله عقل أتباع النظرة النظرة يعقب لوعة وحسرة وأصل الهوى الهوان والموت ألوان دمع ساجم ووجدها جم وهيام لا يبرح ثم وراءه ما لا يشرح اختلفت الحدود والرسوم والحق إنه عرض يبقى ويدوم وتفنى دونه الجواهر والجسوم والحب ذوق يطير به شوق ثم وجد لا يبقى معه طوق قالوا ينبغي لمن له قلب رقيق أن لا يدخل إلى سوق الرقيق لئلا يفتتن بالخدود والقدود ووجنات الورود وينقاد بسلاسل العذار إلى جنات الخلود على رغم الحسود ويلتقط من فخ الأصداغ حبة الخال بين نعمان وزرود يا صاحبي وأنا البر الرؤف وقد بذلت نصحي بذاك الحي لا تعج وأما التخير فليس في وسع العاشق ولا رأى في الحب للصب الوامق والصادق مسلوب الاختيار وفي كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار لا يرى سوى محبوبه ولا يناضل عن غير مطلوبه فمتى يصحو من الخمار ويميز بين الخالي والحالي بالعذار فهو السميع والبصير والصب مشغول به عما سواه ولما طاح رأس الحلاج كتب دمه على الأرض الله الله فبح باسم من نهوى ودعني من الكنى أنا من أهوى ومن أهوى أنا نعم الأدباء لأفكارهم يشحذون والشعراء
يقولون ما لا يفعلون وحسبك يقوم لا يستحسن الكذب إلا منهم ولا تستعذب الأوصاف وتروى إلا عنهم فمنهم من يقول بنقي الخد ويجاوز في تفضيله الحد ويقول هو الفلك الأطلس والحمى المصون المقدس الجامع من الأوصاف الحسان بين صفاء أوجه الحور وطلعة الولدان خلا عن المانع والعارض وسلم من المقتضي والمعارض حاز الوسامة والقسامة وجعل ترك العلامة له علامة فهو القمر الطالع في أشر وأشرف المطالع والبدر النازل من القلب والطرف في أعلا المنازل رأى من يقول به أسد بين ذراعي وجبهة الأسد ليس بينه وبين الغيد فرق عند أهل النظر وإذا تغالوا في وصف الجارية قالوا كأنها غلام أو في زي ذكر والمشبه به في وجه التشبيه أعلى وأوقع في النفس وأحلى زاد ضياء وإشراق على شمس الآفاق فحسدت جماله الباهر حتى ظهر فيها نار الحسد وهذا حرها ظاهر وكيف لا يزيد وهي لا يمكن فيها المنظر وتزداد حيراً وهذا يزيدك وجهه حسناً إذا ما زدته نظراً ومن يساويه بالبدر ويعتريه المحاق والكسوف ويغيب وهذا أبداً طالع وبزيادة البهاء معروف تحلي وجهه عن النقوش فحلا ومن باب سمع الكيان سمع الكيان على زنة جمع القيان اسم كتاب فعليك الأوقيانوس ليس وراء حسنه خلا ولا ملا
تبارك من أخلى من الشعر خده
…
وأسكن كل الحسن في ذلك الخالي
شابه في إغفال اللحية أهل الجنة وهم ما هم جرد مرد في حالة الرضوان والمنة رضي الخالق عليه فلم ينبت له ما يشين خديه فمرآة وجهه صافية كالسماء الصاحية لم تشيب بالأنفاس ولم تسود نونته بزرافين الأنقاس ولا قارنها دخان نبراس إذا تبدى والسماء من الأنواء صقيلة ارتسم فيها صورة القمر من مقابلة صورته الجميلة إن فاخر البدر رماه بالكلف والنمش وقال لمن يهواه طالما أهوى إلى ساجداً الست ترى في وجهه الترب والغبش تعالت مرآة وجهه إن تصدى وخلت عوارضه من الموانع وجلت أن يكون لها من الند ندا فهي الجميلة الزاهية لا تسمع فيها لاغيه تكل عن استيفاء نعوتها الألسن وتستغني الأفكار بصفاء طلعته عن تحسين ما لا يحسن طالما افتخر على النكريش وذي العارض وطلب في ساحة المباراة مناضلاً ومعارض يقول أنا الأملس الغض وذو الخد الناعم البض وجهي أثير وجمالي وثير ومن يساوي بالشوك والشكر الحرير فلو سمعتم صوت مآتم الشعر من النكريش حين مرور الموسى بخده لتحققتم موت الحسن من وجهه وانتقال الحسن لضده ولو نظرتم العارض إذا ريش وما صفا من ماء حسنه وقد تكدر وتغبش وأسبل عارضاه جناحين صار بهما طائر
حسنه غراب البين وجني حين عفا بهما دمنة وجهه الحسن وعاد منهياً عنه بقول الصادق اللسن إياكم وخضراء الدمن لحكمتم بأن نبات العذار منقصاً من دولة سعده وعرفتم معنى قول ابن سناء الملك يا شعر في نظري ولا في خده كيف واستحال نور خده دجي وزمرده سبجاً وكسف هلاله وحال حاله ومسح جماله وتشوكت وجنتاه وتبدل الظلام بضياه ونسخت آية حسنه فلا تتلى ولبس خده ثوب حداد يبلى الجد بدان ولا يبلى واختفى بدره تحت سراره السرار آخر ليلة في الشهر قاموس ودخل في المثل السائر وتمسك بأستاره كل من مات سود وأباب داره
يا قتيلاً باللحية السوداء
…
آفة المرد في خروج اللجاء
شاهدي في ادعاء موتك بيت
…
قاله شاعر من الشعراء
ليس من مات فاستراح بميت
…
إنما الميت ميت الأحياء
يمر بعاشقيه فلا يرفع أحد منهم نظره لرؤياه بعد أن كان إذا مر ترفع الكوى بالمحاجر وتقول ربي وربك الله الكوى جمع الكوه مثل مديه ومدى فالكوة ثقبة في الحائط والمحاجر الحدائق جمع الحجر على زنة مجلس ومحجر العين أيضاً ما يبدو من النقاب لسان العرب
لو عرفنا مجيئكم لفرشنا
…
مهج القلب أو سواد العيون
وجعلنا من الجفون طريقا
…
ليكون الممر فوق الجفون
فبدلت والدهر ذو تبدل
…
هيفا دبوراً بالصبا والشمأل
قلت لأصحابي وقد مر بي
…
منتقباً بعد الضيا بالظلم
بالله يا أهل ودادي قفوا
…
كي تبصر وأكيف زوال النعم
أسود فاضل قرطاسه وكمد ضوء نبراسه وكدرت شمس خده كدرت من باب تعب يقال كدر الماء زال صفاؤه وهو من باب الأول والثاني والخامس أيضاً حيث هو نقيض الصف ورأى الدنيا من بعده وصار عبد العبد عبده وعلى كل حال فالعذار مكتبة المحبة من قلب العاشق سيما إذا كان المعشوق سئ الأخلاق مع الخلائق وما ظنك بعلة كل يوم تزداد إن عالجها صاحبها أو تركها وقع في الطويل العريض وجمع بين الأضداد وإن قص طائرها ودولة الحسن كأضغاث أحلام كان كالشمس على جناح طائر متى قص وقع وانفصل الكلام وإن جذب وقصر نسب إلى التقصير ولا بد أن يتعذر ويستظرف قول بعض الزجاله فيما يروى عنو يعني عنه هو ينتف وأنا أطالع ومني ومنو منه قلت المعذر من لا نبات بعارضيه مديحه سهل
تيسر ومع الشراهة إن مدحت ومدحته لعارض فاعجب لوصف حازتورية وايهاما مستر وإذا نظرت واعتبرت رأيتهم كل ميسر هذا وعلى قدر جلالة الممدوح تكون المدايح وتستخرج وتستنتج القرايح ولولا الملالة من الاطالة لأستنزفت استخرجت بحار الأدب ودعوت المعاني من كثب كثب بفتحتين القرب وبضم الأول جع كثيب وملأت الدلو لعقد الكرب الكرب بفتحتين الحبل الذي يشد على العراقي مفرده كربه كقصب وقصبه ولكني أبقيت مقالاً لذي الخط الريحاني بالقلم السبحاني والكمال الذي أكثرت فيه الشعراء التشابيه والمعاني ذي الطراز الأخضر المحفوف بالمسك والعنبر فهو المحلي والحالي والقسيم كما ذكرنا للنكريش والخالي فمنهم من يخلع فيه العذار ويكشف الأستار ويقبل بين دوحة الآس والجلنار ويقيم بين الروضيتين ويغتنم جني الجنتين بينا يعض ناظره على تفاح الخدود ويضم خاطره القدود والنهود وينتشق من آس العذار شميم نعمان وزرود إذ خاطبه أهواؤه بالنبأ العظيم شعر
تمتع من شميم عرار نجد
…
فأبعد العشية من شميم
فتزهد عما سواه وتنسك وعكف عليه وبمسكه تمسك يالها حلية يستحسنها القيان القيان بكسر الأول جمع القينة والقينة بفتح الأول الأمة مغنية كانت أم غير مغنية قينة قينتان قينات مثل بيضة بيضتان بيضات الصحاح والمصباح وتصبغ أصداغها بالغوالي تشبهاً بها ألوان وهي بين النكريش والخالي برزخ لا يبغيان فلو رأيته وقد غلف غلف من التغليف يقال غلف القارورة إذا جعلها في غلاف القاموس بالمسك أصداغه فأبدى محاسنه ونبه عيون عاشقيه وعنهم محاسنه المحاسن الأولى جمع الحسن على غير قياس والثاني مركب من كلمتين محا من المحو وسنه من الوسن وهو النعاس لقلت هل يحسن الروض إلا بأزاهيره والخز لا بز بيره ووئيره ويقال الأمرد الصبيح إذا نقش الخط فص وجهه وأورق فضة خده فقد تم طراز حسنه وتساقط المسك فوق أحمر ورده وقال بعض من تهتك بالعذار وبحبه اشتهر خط الوجه الحسن كالسواد في القمر
عذاره زاده جمالاً
…
ثم به الحسن والبهاء
لا تعجبوا رينا قدير
…
يزيد في الخلق ما يشاء
وعلى قراءة يزيد في الحلق فهو زيادة بها التقديم يستحق وقد جاء وصف العذار بالحسن في حديث من ساد المخلوقات ورأس قال الفقر أحسن بالمؤمن من العذار الحسن على خد الفرس كتب من نسخ هذا التاريخ العذار الحسن في المتن وأثبت على هامشه إن في أصله العسن والظاهر قدم الحسن على العسن والحال قال في القاموس
يقال به عسن بفتح العين فسكون أي طول مع حسن الشعر والبياض فتأمل وراجع لأن العسن على ظني أحسن من الحسن الذي كتبه الناسخ انتهى فإذا زان العذار خد الحيوار فبالأولى أن يزين خد الإنسان فهو زيادة وزينة بالنص والقياس وبها يرد على من يقول طلوع العذار بلوغ سن اليأس بل هو تجديد محبة وستر الصحبة وزي النقبة زي النقبة على زنة عز الرتبة بمعنى لباس الوجه ورعاية المحبوب محبة ورياضة الأخلاق ونزهة العشاق ومسك ذر على شقائق وريحان يوذن بري حان وجميعة ألوان وذواتا أفنان وورد حف بآس من شمه لم ير لداء غرامه آس وهو دائرة ملاحة من الجامع السوهي ما علمنا مقصوده مفروضه أو هالة حسن بشرت بعارض وصل فيها معروضه وخيال جفونه على صفاء خده الخالي أو السعد وفي حواشيه الخيالي أو معنى تصوره تعذر يخفي تارة وتارة يظهر أو هو اللام التي رضى تشبيهه بها أرباب السيوف والأقلام وعدوا التورية بها من بديع الكلام ومن يقول المعذر مهجور وقد صار من أهل الشعور أحبب به نماماً نمنم شعرات الحسن وهاك ما تكل عن وصفه ألسن اللسن وخارجاً مع ضعفه أدعى ملكية أنصار الجمال نازع نعمان الخد في أسود الخال قائلاً هذا عبدي وسرق لونه من عندي ابق مني وأنا عليه دائر وبالمشاكلة نتحاكم فيه إلى أسود الناظر فقضى عن النعمان بالملكية واحتج بأن مذهبه حجة الخارج بالملك قويه فأعجب لضعيف غلب قوياً وأشغرى صار حنفياً وتأمل كم للقوم تشبيه وكم تورية وتوجيه والذكي هذا القدر يكفيه ولما بلغ خالي العذار ما قيل فيه من المدائح والأشعار داخله الزهو والكبر وعطس بأنف النمر واستطار غضباً واستطال وأنشد بيت ضمرة بن هلال
قربا مربط النعامة مني
…
لقحت حرب وائل عن حيال
كيف يفاخرني خالي وأنا حلية الكمال وانظر إليه حرام والنظر إلى حلال وأنا اللمة السوداء في الحلة الحمراء من جمع بينهما فقد غمره الحسن غمراً وحديث أنس رضي الله عنه في الشمائل وإنه لم ير أحسن من مخدومه المتحلي بهما من أكبر الدلائل وأحسن ما يرى القمر إذا حف جانباه بالسواد ولا يقر ورق منظر القرط أس إلا إذا زين بالمداد عشنا إلى أن رأينا في الهوى عجباً كل الشهور وفي الأمثال عش رجباً وفي المثل عش رجباً تر عجباً من مجمع الأمثال يا للشيوخ وللشبان العجب كأني بالزمان وقد انقلب وعوضه عن حمالة الورد بحمالة الحطب وبالسواد الفضاح عن غرر الوجوه الصباح وتناولته أيدي الأطراح ذليلاً من بعد النفور والجماح تحككت عقرب صدغه من عذاره بالأفعى التحكك التعرض والتحرش بالشر يقال فلان يتحكك بك أي يتعرض لشرك واستنت الفصال حتى القرعى ويروى استنت الفصلان حتى القريعي
مثل يضرب لمن يتكلم مع من لا ينبغي أن يتكلم بين يديه لجلالة قدره والقرعى كأسرى جمع قريع من يساوي الكامل بالناقص وأنا جامع الكمال وهو جميعه النقائص شعر وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل صحبته تهمة وصحبتي ستر ونعمة وجهي الروض المعشب ووجهه القفر المجدب وكم بين كاس وخالي وعار وحالي ووافد وفاقد وطاعة وجناح ورائش ومقصوص الجناح وملثمين حياء ووقاح ومنقوش ومغفل ومعجم ومهمل ونار تأجج وورد تسيح وسهم رائش ونصل طائش وذي حنكة يقال أحتنك الرجل أي استحكم والحنكة بضم الحاء اسم منه وتجريب وذي غفلة أخذ من الأغترار بأوفر نصيب يحمله الطيش والتيه على ازدراء عاشقيه وداده آل هو السراب يميل إلى ذي المال مسارقته النظر تنبه أعين الرقباء واللوام والخلوة به كالأجنبية حرام متى وردت العين ماء حسنه العجيب شرقت قبل زيها بألف رقيب وماء حسني مدين المآرب ليس عليه حائم سوى شارب تتلاعب به نزغات الشباب فلا يفي لأحباب ولا يلوي لأصحاب والشباب مطية الجهل والعذار حلية الكمال والعقل ما دام فيك ريق فهو صاحب لك ورفيق لكل امرء من دهره ما تعودا والحازم لا يثق بوداد أمرد مذق الحديث مخلف الوعد خلقه خلق الوغد رضاه غرامه ومواصلته ندامه طالما أنشد عاشقيه بوده مستهتراً وكيف ترجو الود ممن يرى فهو فرح بحال يحول منشرح بدولة تزول سقاه الجمال خمر الدلال فعربد على العشاق وظن لكثرة الباكين إن الدمع خلقة في المآق فلم يعطف على ظمآن والرحماء يرحمهم الرحمن فإذا التحى من هذا السكر صحا فيطلب من هذا الشرك الخلاص فتناديه المنكسرة قلوبهم ولات حين مناص فيرى أفعاله ولحيته أفعى له وربما عشق فأغروا به معشوقاً وأذاقوه ما كان مذيقاً وربما ضر عاشق معشوقاً ومن البر ما يكون عقوقاً وأنا الثابت الأساس ولباس السواد خير لباس تخيره الملوك من آل عباس ولي الأعتبار في تقلب الأطوار والجمع بين محاسن الليل والنهار وإذا حاكى عذارى الأفق فلا غرو إن تطلع منه الشموس والأقمار وقال وقال واتسع له في ميدان المفاخرة المجال ونسي إن البلاغة مطابقة الكلام لمقتضى الحال أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الأبل فقال الخالي كثرة الدلائل يستعملها غالباً أهل الباطل لو أنصفت لم تقل حرفاً ومن أمثالهم سكت الفا ونطق خلفا الخلف بالفتح فسكون القول
الردئ وكنت قنعت بتلميح سيف الدولة للسرى الرفا وقنع عارض عدابك الصيب بتأنيب أبي الطيب التأنيب التعييب واللوم إذا رام أن يهز وبلحية أحمق أراه غباري ثم قال له الحق والأمر بالجميل غنى عن البرهان والدليل لم طلبت على محاسننا دليلاً متى احتاج النهار إلى دليل فعند ذلك نظرنا إلى تكافي الأدلة وتساوي حجج البدور والأهلة فإذا لكل وجهة هو موليها وفئة يعجبها ما أدلى به صاحبها ويرضيها ومناط الأمر وملاكه موكول إلى المناسبة والمشاكلة بين المحب والمحبوب وكمال الشبه وفي التحقيق ما مال قلب المحب إلا لصفاته وما عشق إلا ما كمن في ذاته فإذا ليس لأهل الموصل رأى ينبع ولبعضهم ومعذر حلو اللما قبلته نظراً إلى ذاك الجمال الأول وطلبت منه وصله فأجابني ولي زمان تعطفي وتدللي نضبت مياه الحسن من خدي وقد ذهب الروى من غصن قدي الأعدل قلت الحديقة ليس يحسن وصفها إلا إذا حفت بنبت مبقل دعك أتبع قول ابن منقذ طائعاً وأعلم بأني صرت قاضي موصل وبيتا ابن منقذ كتب العذار على صحيفة خده سطراً بحير ناظر
المتأمل بالغت في استخراجه فوجدته لا رأى إلا رأى أهل الموصل ولا لغيرهم مذهب في هذه الأهواء والبدع نعم إن قلنا بتأثير المجاورة في الطباع والأحلام فيكون هذا المشرب جاءهم من مجاورة أبي تمام فقد ذكره في شعره وتروى عنه في أخبار من نثره فقد كان رحمه الله تقنع بالحبيب المعمم وعاش بهذا المشرب غير مذمم وتعصب له عصابة في ورود هذه الحانة ذكرهم بلدينا السيد محمد العرضي في سفينته وذيل الريحانة ولما قرر بقراط هذه المسألة رماه بعض من يبغضه بمعضله وقال إن فلاناً الزاني بحبك مبتلي قال نعم أنا أحب الزنا ويمنعني عنه الحيا من الملا ولا أشرف من الأستدلال بخبر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم لمن يخالل ثم إن المحبة لا تستلزم الرؤية والاجتماع فهناك من يعشق بجارحة السماع وهذا هو الحب المعنوي والمقام الموسوي واللحظ العيسوي وفي جذب المغناطيس للحديد تقريب لهذا البعيد شعرالمتأمل بالغت في استخراجه فوجدته لا رأى إلا رأى أهل الموصل ولا لغيرهم مذهب في هذه الأهواء والبدع نعم إن قلنا بتأثير المجاورة في الطباع والأحلام فيكون هذا المشرب جاءهم من مجاورة أبي تمام فقد ذكره في شعره وتروى عنه في أخبار من نثره فقد كان رحمه الله تقنع بالحبيب المعمم وعاش بهذا المشرب غير مذمم وتعصب له عصابة في ورود هذه الحانة ذكرهم بلدينا السيد محمد العرضي في سفينته وذيل الريحانة ولما قرر بقراط هذه المسألة رماه بعض من يبغضه بمعضله وقال إن فلاناً الزاني بحبك مبتلي قال نعم أنا أحب الزنا ويمنعني عنه الحيا من الملا ولا أشرف من الأستدلال بخبر المرء على دين خليله فلينظر أحدكم لمن يخالل ثم إن المحبة لا تستلزم الرؤية والاجتماع فهناك من يعشق بجارحة السماع وهذا هو الحب المعنوي والمقام الموسوي واللحظ العيسوي وفي جذب المغناطيس للحديد تقريب لهذا البعيد شعر
كأنما أوقف الله العيون على
…
مرأى محاسنه لا شأنها ضرر
فلو تجلى ورا المرآة لأنحرفت
…
إلى محياه عن أربابها الصور
هذا والحديث شجون وكل حزب بما لديهم فرحون وإذا ارتسم ما قررناه في العقول فلا علينا أن نرجع لتكملة الأقسام فنقول وأما النكريش فهو الواسطة بين الصنفين وقد يكون وجيهاً وإن كان ذا وجهين إن تزين فهو أمرد
منح عاشقه أم رد فهو حليق حليف بالود وخليق وإن أرسل وأسبل فهو من الطراز الأول وكان ابن المعتز وهو امام الاستعارة والتشبيه يعشق المليح لحسنه وغيره جبر الخاطرة وتلافيه يعرف إن محبه آخر العشاق فيعامله بأطيب الأخلاق سلس القياد يعلم المراد لا يستعمل الدلال ولا يبخل بالوصال رأى إن دولة الأمرد سريعة الزوال وشاهد النقصان فمتع عاشقيه بمحاسنه واستحسن نصيحة الشيخ عبد الباقي ابن السمان وهي وإن أخذها من أبي الطيب لا تخلو من خشونة ورعونة لا تقبلها أهل المذهب الغرامي أي رعونة فهو الفرس المروض وختام المشاعر المفضوض
من معشر خشن في نصر عاشقهم
…
كسر القناد أبهم إن غيرهم لانا
تعودوا الغارة الشعواء يشهدها
…
عصابة منهم شيباً وولدانا
كرام الأصل يرضون بقليل البذل ولا يصحبون العذل يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل فيهم سداد من عوزري الصدى الظمآن وكل حذاء يحتذى الحافي الوقع يقال وقع الرجل من الباب الرابع إذا اشتكى لحم قدمه من غلط الأرض والحجارة ومنه قول الشاعر كل حذاء إلى آخره الصحاح وكل طعام يأكل الغرثان ونعود لأصل المسئلة فنقول وليس من الكمال حب الرجال ولله در من قال ليس الحب إلا لذوات الجمال وقال بعض السادة الرؤساء استراح من اقتصر على النساء شعر
أحب النساء وحب النساء
…
فرض على كل نفس كريمه
وإن شعيباً لأجل ابنتيه
…
أخدمه الله موسى كليمه
ومن البين عند أهل النظر إن رجلين تحت لحاف خطر فربما يتشلم العامل وينوب مفعول به عن فاعل
من قال بالمرد فإني امرء
…
إلى النسا ميلي ذوات الجمال
ما في سويدا القلب إلا النسا
…
يا حسرتي ما في السويدا رجال
وأحسن ما يقع به الأقتداء والأنساء
…
حبب إلى من دنياكم الطيب والنساء
وارحمتا للعاشقين تحملوا
…
خطر السرى وعلى الشدائد عولوا
بل وارحمتا لعشاق الصور المشتغلين عن المؤثر بالأثر لو عاودوا النظر لوقعوا على جلية الخبر رأى بعض من صحبنا صورة استحسنها فعاود النظر ليتزود نظرة اخرى منها فكشف عن بصره فرآها ميتة يتناثر الدود عنها فتاب واستغفر من ذلك الشهود ورجع لما هو المطلوب والمقصود
لو فكر العاشق في منتهى
…
حسن الذي أسباه لم يسبه
ويحه ويح وويل كلمة رحمة وعذاب أو هما بمعنى الصحاح كلف بما لا يدوم وافتتن بالموجود المعدوم وغفل عن الحي الباقي القيوم من نظر في مصارع اخوانه علم أنه أخيذ ومن فكر في كرب الخمار تنغصت عنده لذة النبيذ من أحس بلفظ الحريق فوق جداره لم يصغ بسمعه لنغمة العود وانة أوتاره رأى الأمر يفضي إلى آخر فصير آخره أولاً ولله در ساداتنا النقشبندية فإنهم بنوا أمرهم على هذه القضية فالحازم الذي يجعل الحب حيث يرقيه ويرفعه ويعليه ويخلصه ويزكيه ويطهر بصيرته عن نظر الأغيار ويوقفه تحت مجاري أقدار الواحد القهار ويسمعه النداء الدائم ابن آدم أنا بدك اللازم وينزهه عن مدارك القوى الحسية والمشاعر الجسيمة ويعبر به عن بحار المعارج الروحية واللذات المعارف السبوحية على نفسه فليبك من ضاع عمره وليس له منها نصيب ولا سهم الله اقسم لي ولأخي من ذلك أوفى قسم وأوفر نصيب وفرغ قلوبنا من حب غيرك فإنه لا يجتمع مع حبك حب الغير يا سميع يا مجيب
يا واحداً متعدد الأسماء
…
أدعوك في ختمي وفي مبدائي
وإليك أرفع راحتي متوسلاً
…
بشفيعنا السامي على الشفعاء
أن تحفظ المولى الذي أفكاره
…
صاغت بديع النظم والانشاء
ذاك السعيد محمد السامي إلى
…
أوج العلى لحيازة العلياء
المعتلي ببيان كل عويصة
…
والمعتنى بغرائب الأنباء
هو أفقه الشعراء غير مدافع
…
في الشام بل هو أشعر الفقهاء
فاق الرفاق بفطنة وبلاغة
…
وبراعة وفصاحة وذكاء
لو كنت من فئة تقول بأغيد
…
ما ملت في التشبيه للغيداء
لله درك يا أديب زماننا
…
كيف اهتديت لغامض الأشياء
فالقول دونك مذهب إن نباتة
…
أو رب زد في حيرتي وعنائي
كم ذا تستر خيرة في حيرة
…
هذا المقام نهاية الصلحاء
فأسكن إذا سكن الفؤاد وعش به
…
متنعماً بالرتبة القعساء
واليكها رعبوبة جاءت على
…
قدر مجللة بفرط حياء
قدمت عذري والكريم مسامح
…
وهديتي التسليم غب دعائي
وله غير ذلك وكانت وفاته ليلة الجمعة رابع ربيع الأول سنة أربع وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى
علي النبكي
علي بن موسى النبكي الشيخ الفاضل الصوفي المعتقد المبارك الصالح التقي كان بقرية النبك معتقداً مشهوراً وله حفدة ومريدون قدم دمشق في بدايته واشتغل بالقراءة بها واستقام مدة وكانت اقامته بالمدرسة الباذرائية ثم اتخذ النبك وطناً ومسكناً واشتهر هناك وقصدته أهالي تلك النواحي وغالبهم تلمذ له وكان يشطح في كلام القوم ويطالع كتبهم ومقالتهم ويتكلم على ذلك وتصدر منه كلمات خارقة للعادات وقدم ثانياً إلى دمشق وزارته الناس واعتقده بعض من الخاص والعام وبالجملة فقد كان في التصوف ممن اشتهر وأعتقد ولا يخلو من فضل ومعرفة بالعلوم وكانت وفاته في شوال سنة اثنين وتسعين ومائة وألف ودفن بالنبك وقبره معروف هناك رحمه الله تعالى.
السيد علي الكريمي
السيد علي ابن السيد موسى ابن كريم الدين الشهير بالكريمي الحنفي القدسي نشأ في حجر والده وبعد وفاته ارتحل إلى مصر واصطحب معه أهل بيته ولزم الطلب بالجامع الأزهر وجد واجتهد وانعطف عليه أحمد جاوش الجزايري أحد تجار مصر فأسكنه بقرب بيته وامتحنه أول مرة بأن ألقى في باب حجرته التي كان ينام فيها صاحب الترجمة كيساً فيه مقدار من الدنانير فلما أصبح ورأى الكيس رده في وقته إلى صاحبه فسلمه بعد ذلك البيت بما فيه وركن إلى ساحته ثم انقطع عن الجامع وابتدأ يقرأ دروساً بمقام سيدنا الحسين رضي الله عنه ومكث على حالة واحدة مدة من السنين وهو مع ذلك يميل إلى اقتناء الخيل الأصائل وربما خرج إلى ظاهر مصر وتعرض للصيد وكان كثير السخاء يحب أن يكرم من يدخل بيته وكانت له عادة غريبة يتبخر بالعود الهندي عند دخوله الحمام ويغسل بدنه بماء الورد ويتطيب بأنواع الطيب وكانت أعيان مصر وصناجقها الذين هم امراؤها يعتقدونه ويهدون إليه الهدايا السنية وكلمته فيهم نافذة ثم لما حضر عنده أخوه السيد محمد بدر الدين قرأ عليه مدة وألبسه زي العلماء وأجلسه في موضعه في مقام سيدنا الحسين يقري ويحضره تلامذة أخيه وسافر إلى بلاد الروم ونزل باسلامبول بمدرسة بقرب جامع السلطان بايزيد ثم رجع إلى مصر ولم تطل مدته وكانت وفاته تقريباً بعد الثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
السيد علي الكيلاني
السيد علي ابن يحيى بن أحمد بن علي بن أحمد بن قاسم الكيلاني القادري الحموي شيخ السجادة القادرية بحماة ومن تفيأ ظلال العلوم وقال في حماه الشيخ المرشد الفالح الصالح السيد الشريف الحسيب النسيب المسلك المربي الصوفي العالم العلامة
المحقق الفاضل الأديب اللوذعي الامام الجليل الأستاذ الكبير كان فطناً حميد الأفعال معظم القدر عند الناس كأسلافه حليف مجد وسيادة ولد بحماه في ليلة الجمعة بعد طلوع الفجر في أواسط رجب سنة أربعين وألف واتفق أن والده ليلة ولادته رأى في المنام جده الأستاذ الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه وفي يده مصباح يضئ فقال له يا يحيى خذ علي وأعطاه المصباح فأستيقظ قريب الصباح فرأى زوجته جالسة وخادمتها يقظانة فقال لها يا أم مكي قد رأيت جدي في منامي فصدقي بما أقوله ولا تشكي رأيته وبيده مصباح يضئ وقال لي يا يحيى خذ علي إلى آخره فإن أتيت بمولود نسميه علي وأنت والجارية حوامل فعسى أن تسبقيها فأجابته الجارية بالأعتراض سيدي قد سبقت ستي إليه ومن أول الليل قد طرقها المخاض وهذا أوان الولادة ثم مكثت زوجته غير بعيد ووضعته في الوقت المذكور آنفاً فنشأ صالحاً متعبداً وقرأ القرآن العظيم وجوده واشتغل بقراءة العلوم وأخذها وتلقى الأدب فقرأ الفقه والعربية والمنطق واللغة والتصوف وأجازه جماعة من المشايخ الأجلاء في الحديث وغيره وكان مكباً على تحصيل العلوم والحقائق يجتهد في اقتناص شوارد الدقائق محباً لأرباب الكمال محبوباً لدى الخاص والعام وبالجملة فقد كان أوحد زمانه ذكاء وسناء وعقلاً وفضلاً وظرفاً ولطفاً وأدباً مع حسن ورع وعفة ونجابة وديانة واعتدال خلق وخلق ومما قيل فيه
لقد طالت خطاه إلى المعالي
…
وسار لنيلها سير الجواد
فما للفخر غير علاه باب
…
ولا للمجد غير سناه هادي
محل ما ارتقى أحد إليه
…
ولا حظيته همة ذي ارتياد
ثم توجه للحج وهو مراهق دون البلوغ في صحبة والدته وابن عمه الشيخ عبد الرزاق في سنة اثنين وخمسين وألف واختتن في المدينة المنورة واتفق أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو في الحرم الشريف النبوي قبل أن يحج وحوله جماعة فقال له صلى الله عليه وسلم يا علي نحج في تلك السنة تولى نقابة الأشراف بحماة وحمص وعمل له شيخه الشيخ يحيى الحوراني تاريخاً وقصيدة فالتاريخ قوله
لما تصدر في النقابة أرخوا
…
سعد النقابة في علي الكيلاني
وذلك في سنة سبعين وألف واستقام نقيباً في ذلك إلى أن توفي ابن عمه الشيخ إبراهيم ابن الشيخ شرف الدين وجلس على السجادة القادرية في البلاد الشامية وذلك سنة اثنين وثمانين وألف فأقام بها على أحسن قيام وأتم نظام وسلوك تام كأسلافه
الخد نقي الورد ما فيه نبات
…
والثغر شهي الورد ما فيه نبات
هل يسمح بالوصل لصب دنف
…
بالرغم عن الحسود يوماً ونبات
وله
وقائلة تشعث حال بختك
…
فقلت نعم تشعث مثل تختي
فاصلاحي لحال التخت سهل
…
وإن الشأن في اصلاح بختي
وله من الدو بيت
القلب من الزفير من وجدي حار
…
والدمع من العيون أجريت بحار
والمغرم في عشق جمالك قد حار
…
ما حيلة من في شرك القانص حار
أقول والدو بيث أول من اخترعه الفرس ونظموه بلغتهم ومعناه بيتان ويقال له الرباعي لأربعة مصاريعه وقد اشتهر باعجام داله وهو تصحيف وهو ثلاثة أقسام يكون بأربع قواف كالمواليات وأعرج بثلاث قواف ومردوفاً بأربع أيضاً وكله على وزن واحد وقد نظم فيه الشعراء قديماً وحديثاً ومما يستجاد منه قول بعضهم
عيني نظرت لنحو شاطي بردا
…
ظبياً نظم الحسن بفيه بردا
يا من بصدوده رماني بردى
…
لو تسمح لي لهيب قلبي بردا
ومن شعره قوله في غلام قط الشمعة فانطفأت
دنا شادن من شمعة ليقطها
…
وأنوار خديه بدت صبغة الباري
أراد يقط الرأس منها فأخمدت
…
ومن عادة الأنوار تخمد للنار
وكتب إلى جدي الأستاذ العارف الشيخ مراد قدس سره بقوله
لما تركت له المراد
…
غدوت محبوباً مراد
وفرغت منك وما تريد
…
فصرت مخطوباً تراد
ورتعت فياح الرضى
…
في الكون رائد ما أراد
صرفت فيه خليفة
…
عنه به فرداً أحاد
يا وارثاً هدى أحمد
…
في الفرق أوفى الاتحاد
يا عين هذا الوقت شيخ
…
الكل يا شيخي مراد
هذا على القادري
…
يرجو الهدى من خير هاد
وأن يكون بخاطر ال
…
مولى مقيم بلا ارتداد
حاشاك رد الطالبين
…
المقفرين من الرشاد
فاسلم لأرباب القلو
…
ب هنا وفي يوم المعاد
وقال متغزلاً بحماة ومعارضاً بها قصيدة ابن حجة الحموي بقصيدة وهي
سقاك حماة الشام مغدودق القطر
…
عهاداً تلا الوسمى أحلى من القطر
وما حطها قولي حماة لأنها
…
عروستها في شاهد الحسن والعطر
أقول قوله وما حطها قولي حماة الخ هذا المعنى مسبوق في قول من قال ممتدحاً دمشق
قاسوا حماة بجلق فأجبتهم
…
هذا قياس باطل وحياتكم
فعروسنا ما مثلها في شامنا
…
شتان بين عروسنا وحماتكم
ومراده بالعروس منارة الجامع الأموي بدمشق لشهرتها بهذا الاسم وفي ذلك قول ابن جبير وهو
معبد الشام يجمع الناس طرا
…
وإليه شوقاً تميل النفوس
كيف لا يجمع الورى وهو بيت
…
فيه تجلي على الدوام العروس
وللشاب الظريف
فديت مؤذناً تصبو إليه
…
بجامع جلق منا النفوس
يطير النسر من شوق إليه
…
وتهوى أن تعانقه العروس
عود
هي الشامة الشماء في خد شامنا
…
هي الغرة الغراء في جبهة القطر
هي الحلة الفيحاء مخضرة الربا
…
هي الروضة الغناء زاهية الزهر
أتيه بها فخراً على سائر الدنا
…
بأشياء لم توجد بشام ولا مصر
فغيضاتها جنات عدن تزخرفت
…
ألم تنظر الأنهار من حولها تجري
فما رأت الراؤون كالبركة التي
…
تكنفها الجسران باليمن واليسر
كذا الجامع الغربي في غربها بدا
…
يقابل في إشراقه ساطع الفجر
بناظره من جانب الشرق بقعة
…
وزاوية في الأوج عالية القدر
تفوق على ذات العماد برونق
…
بإيوان كسرى والخورنق كم تزري
مراتع غزلان وخدر خرائد
…
ومطلع أنوار الغزالة والبدر
كذا الشرفة العلياء والخضرة التي
…
لسالوسها تلقاك باليسر والبشر
ألا فأضرب الأسداس بالخمسة التي
…
بها تضرب الأمثال مع بيدر العشر
ترى عجباً دان النهى لعجابه
…
وعاد لطيش أشبه الناس بالعمر
جزيرة باب النهر والجسر لو رأى
…
على لغي ذكر الرصافة والجسر
كأن عيون الزهر في جنباتها
…
يواقيت دراودرار من الزهر
كان التفاف النهر لص مخاتل
…
يحاول اخذالهم من محرز الفكر
نواعيرها تشدو بكل غريبة
…
فتغنى عن العيدان والناي والزمر
هل كان ملالاً لمن تركت خيالاً
…
أم حسنك تيهاً بقتل صبك أفناك
عطفاً بمحب يفوق عامر قيس
…
لولاك لما هام في المحبة لولاك
ضنيت بري وفقت حاتم طي
…
رفقاً بعلي غدا يؤمل رحماك
إن أومض برق من الغوير ونجد
…
يرتاح فؤادي بشبه برق ثناياك
أو غر دورق على منا برأيك
…
يزداد غرامي إلى لقاك ولقياك
وقال
ضحك الروض من بكاء الغمام
…
وعن النور فض ختم الكمام
والرياض اكتست مطارف وشي
…
نسجتها أكف سحب كرام
نثرت في الربا يواقيت زهر
…
فاقت الزهر في اتساق النظام
من أقاح وأقحوان وبان
…
بان عن جمعها بحسن القوام
شق قلب الشقيق حرقة غيظ
…
مذ رأى في الأقاح ثغر ابتسام
خضب الورد خده خجلاً من
…
حدق النرجس الصحاح السقام
واستعار البهار لون محب
…
وجلا من غيمة النمام
زاد حنق البنفسج أزرق إذ كا
…
ن حسود النشر عرف الخزام
من أيادي المنثور يثني أيادي
…
زنبق الروض ناشر الأعلام
رقص الدوح صفق الماء لما
…
شبب الريح أطيب الأنغام
رقى لورق منبر الأيك يتلو
…
وتخط الأغصان بالأقلام
فوق طرس النهر الصقيل سطوراً
…
أعربت أعجمت بنقط الغمام
دولة العمر في أوان التصابي
…
مثل فصل الربيع في الأعوام
فيك يا دار لذ خلع عذاري
…
ليس للعيش لذة باكتتام
نزه الطرف في بديع ربيع
…
واعط للنفس حقها بالتمام
واختلس في الزمان صفو شباب
…
قبل بدء المشيب والانهرام
وانتهز فرصة ليوم سرور
…
فالليالي حوامل بالجسام
وألق سمعاً إلى سماع مناغ
…
عندليب وبلبل وحمام
والشحارير والقماري وسن
…
حركت في الحشا سكون غرامي
روح الروح في الصبوح براح
…
واغتبق في الغبوق بنت مدام
واجتلى الشمس في حلى حباب
…
من يد البدر في دياجي الظلام
بغية العاشقين روداً ومرداً
…
ذات حلي تحلو بزي غلام
من هوى الخرد الحسان هواني
…
وغريمي فيهن كان غرامي
وشجاني فواتر الأجفان
…
ورحيق بريقهن مرامي
وأغاني الغيد الغواني غواني
…
ومعاني صوت المثاني زمامي
من صدا العود إن قضيت فبالنف
…
خ بناي الرخيم كان قيامي
وإذا ما تعاظمت هفواتي
…
حسن ظني المآل دار السلام
واعتمادي على شفيع البرايا
…
سيد العالمين ذخر الأنام
وقال في ليلة دعاه فيها الشريف الأجل الصنديد سعد عروض قصيدة المتنبي
أهلاً بدار دعاك سيدها
…
وساهمك بالنعيم أسعدها
بليلة لو تسام في عوض
…
وكانت الروح كنت أنقدها
بات حبيبي بها ينادمني
…
غاب واش وبان حسدها
في روضة خلتها الجنان بدت
…
ولدانها واحتجبن خردها
وراء ستر يروق منظره
…
أمنع حجب الدنيا وأرصدها
غنى من الغيد كل غانية
…
تكاد شمس النهار تعبدها
إذا شدت قلت إن نغمتها
…
من ما رد أو دان تزودها
يلعبن بالدف والكمنج وبالطنبو
…
ر والكل منها تخمدها
تألفت آلة السماع من الأص
…
وات منهن لن تفردها
كأن ألبابنا لها لعب
…
تعدمها تارة وتوجدها
ما صيخ سمع إلى السماع كما
…
لنغمة غادة تغردها
لو كان إسحق حاضراً لزرى
…
غناه قطعاً وهان معبدها
دارت بدور السقاة مطلعها
…
أطالس والقلوب مرصدها
مناطق الخصر إن شكت قلقاً
…
رديف أرد أفهم يرفدها
وأعين كالمها إذا نظرت
…
كلم قلب الشجي مهندها
هاروت من سحرها غدا وجلا
…
ينفث في عقدة يعقدها
تقوست فوقها حواجبها
…
أهدابها نبلها واعودها
ووجنات تظنها لهباً
…
ماء الصبا في الخدود يوقدها
من أشنب العس وريقته
…
أحلى سلاف صفا وأبردها
مبتسم الثغر عن سنا درر
…
من الثنايا زها تنضدها
وجؤذراً وطف حلا كحلا
…
وجؤذر الانسان أجودها
تدير من قهوة يمانية
…
عرف شذاها زكا وموردها
على أساريع من نعومتها
…
ولينة اللمس كدت أعقدها
وتنثني في كؤس أشربة
…
فروعها نوعت ومحتدها
يفديهم الروح لا أمن فما
…
طارف ما في يدي وتالدها
يا ليلة لن يشيبها كدر
…
إلا بروق الصباح ترعدها
قد أذكرت حضرة مقدسة
…
صحت أحاديثها ومسندها
تفدي ليالي الزمان ليلتنا
…
وتفد سيد الدنيا وسيدها
فخر ملوك الدنا وأشرفها
…
وعين أعيانها وأمجدها
به ليالي الدهور مشرقة
…
تروق أيامها وأعيدها
دام بعز سعود طالعه
…
إلى قران النحوس يسعدها
ومن شعره قوله
تأن ولا تعجل بما أنت باغياً
…
وكن لازماً للعدل لا تك باغيا
وجازي لمن أسدى جميلاً بمثله
…
وسيئة فأجر الذي كان موسيا
ولن جانباً للخل وأرع وداده
…
ووف بمكيال الذي كان وافيا
ورغ عند رواغ وزغ عند زائغ
…
مع المستقيم العذل كن متساويا
تحلى بحسن الخلق للخلق كلهم
…
وكن سهلاً صعباً نفوراً مواتيا
ودار جميع الناس ما دمت بينهم
…
وكن تابعاً حقاً بنياً مداريا
تحمل لجور الجار وارع جواره
…
وصل لذوي الأرحام واجف المجافيا
وكن باله الناس ظنك محسناً
…
وبالناس سؤ الظن دوماً مراعيا
ولا تغترر بالهش والبش من فتى
…
وحفظ ولين مثل مس الأفاعيا
لتعلم إن الناس لا خير فيهم
…
ولا بد منهم فألتبسهم مزاويا
متى ما صددت المرء عند هوائه
…
جهاراً وسراً عد ذاك معاديا
وإن تبد يوماً بالنصيحة لأمرئ
…
بتهمته إياك كان مجازيا
وإن تتحلى بالسخا وسماحة
…
يقولوا سفيه أخرق ليس واعيا
وإن أمسكت كفاك حال ضرورة
…
يقولوا شحيح ممسك لا مواسيا
وإن ظهرت من فيك ينبوع حكمة
…
يقولون مهذاراً بذياً مباهيا
وعن كل ما لا يعن إن تك تاركاً
…
يقولون عن عي من العجز صاغيا
وإن كنت مقداماً لكل ملمة
…
يقولوا عجول طائش العقل واهيا
وإن تتغاضى عن جهالة ناقص
…
يعدوك خواراً جباناً ولاهيا
وإن تتقاضى عنهم نحو عزلة
…
يعدوك من كبروتيه مجافيا
وإن تتدانى منهم لتالف
…
يعدوك خداعاً دهاءً مرائيا
ترى الظلم فيهم كامناً في نفوسهم
…
كذا غدرهم في طبعهم متواريا
ففي قوة الانسان يظهر ظلمه
…
وفي عجزه يبقى كما كان خافيا
وهيهات تسلم من غوائل فعلهم
…
وأقوالهم مهما تكن متحاشيا
فمن رام يرضى الخلق في كل فعله
…
وفي قوله للمستحيل معانيا
فمن ذا الذي أرضى الأنام جميعهم
…
رسولاً نبياً أم ولياً وواليا
وأعظم من ذا خالق الخلق هل ترى
…
جميع الورى في قسمة منه راضيا
إذا كان رب الخلق لم يرض خلعة
…
فكيف بمخلوق رضاهم مراجيا
فلازم رضى رب العباد إذاً ولا
…
تبال بمخلوق إذا كنت زاكيا
وسدد وقارب ما استطعت فإنما
…
يكلف عبد فعل ما كان قاويا
ولله فأضر بالدعا متوسلاً
…
بخير الورى المبعوث للخلق هاديا
ينجيك من شر العباد وكيدهم
…
ومن مكرهم ما دمت حياً وباقيا
وأستغفر الرحمن لي عائذاً به
…
أكن من شرار الجن والأنس ناجيا
وله غير ذلك من الشعر المعجب وكانت وفاته بحماة في يوم الخميس ثامن ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ومائة وألف رحمه الله تعالى ودفن في الزاوية الفوقانية بتربة مشايخ السجادة القادرية أسلافه في حماه رحمهم الله أجمعين.
السيد علي الأسكندري
السيد علي الأسكندري نزيل طرابلس الشام الشيخ الامام الفاضل كان ناظماً ناثراً له معرفة كاملة في وجوه القراآت مع فصاحة في اللسان وضبط في التأدية والقراءة وحفظ متين ولم يعهد له لحن في قراءته وخطأ في كتابته ونظم ونثر كثيراً ومع فضله الزائد كان في منزلة الخمول قاعد وفي آخر عمره قيده الكبر بقيد الفكر فلزم بالسكوت داره إلى أن توفي وكانت وفاته في طرابلس سنة تسع وستين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
علي البدري
علي البدري شيخ القراآت والقراء بالديار المصرية الشيخ الامام المقري العالم العامل التحرير كانت له اليد الطولى في سائر العلوم محيطاً بمنطوقها والمفهوم أخذ فن القراآت عن العلامة أحمد الأسقاطي الحنفي هو عن أبي النور علي الزيات الدمياطي وهو عن شيخ الشيوخ سلطان المزاحي وكان صاحب الترجمة في غاية من الاتقان في القراآت لم تر الأعين ولم تسمع الآذان بمحقق مثله في القراآت وغيرها بحيث يقري في رواق المغاربة والأروام بعد الظهر من طريق السبع والعشر والأربعة
عشر من طريق الشاطبية والدرة والطيبة والقباقبية من غير مراجعة ولا تأمل مع الاعتماد التام على ما حرره في النشر وبقية العلوم يقريها صبيحة كل يوم وأخذ بقية العلوم علي الجمال عبد الله بن محمد الشبراوي والفاضل السيواسي وانتفع به الجم الغفير مع التواضع الذي لم يسمع بمثله وكانت وفاته سنة تسعين ومائة وألف بتقديم التاء رحمه الله تعالى.
علي الطيان
علي المعروف بالطيان النحلاوي الشافعي الدمشقي الشيخ الصالح الصوفي الخير المثابر على طاعات الله تعالى ولد في سنة سبعين وألف وأخذ طريقة الصوفية على جماعة منهم الولي المربي السيد موسى الصمادي ولبس منه الخرقة ومنهم الولي العارف الشيخ محمد بن عبد الهادي العمري ومنهم العلامة البركة السيد حسن المنير وأخذ العلم عن جماعة من الشيوخ في فنون عديدة كالفقه وأصوله والفرائض والمصطلح وكان لا ينفك عن طلب العلم وحضور الدروس مع الديانة والصيانة وطهارة اللسان وناب مدة عن الشيخ محمد الغزي مفتي الشافعية بدمشق بامامة الصلاة الأولى بمحراب الشافعية بالجامع الأموي وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشر شوال سنة خمسين ومائة وألف ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
علي الغلامي الموصلي
علي الغلامي الموصلي مفتي السادة الشافعية بالموصل صاحب الفتاوي الظريفة وعارف أسرار فنون الأدب اللطيفة ومخرز قصب البلاغة والأدب والفصاحة والخطب له خبرة وافرة وبصيرة حاذقة بأمور الفتاوي وأحكام الدعاوي دخل حلب سنة ثلاث وأربعين ومائة وألف وتولى الفتوى سنة أربع وأربعين وله شعر لطيف منه قوله مضمناً أبيات السموأل
تقول فتاة الحي وهي تلومني
…
أما لك عن دار الهوان رحيل
فإن عناء المستنيم إلى الأذى
…
بحيث يذل الأكرمين طويل
فثب وثبة فيها المنايا أو المنى
…
فكل محب للحياة ذليل
فإن لم تطقها فاعتصم بابن حره
…
لهمته فوق السماك مقيل
يعين على الجلي ويستمطر الندى
…
على ساعة فيها النوال قليل
فقلت ومن ذا فأرشديني فإنني
…
إلى مثله بادي الركاب عجول
فقالت أمين غصن جرثومة السخا
…
ألوف العطا للمكرمات فعول
تدرع ثوب المجد والحكم يافعاً
…
فحطت شباب دونه وكهول
له الهمة القعساء والرتبة التي
…
تعز على من رامها وتطول
وهي طويلة وله غير ذلك من الأشعار ولم أتحقق وفاته في أي سنة كانت رحمه الله تعالى آمين.
علي الأطفيحي
علي الأطفيحي الشافعي المصري الشهير بقايتباي وإنما عرف به أسكناه بمدفن الملك الأشرف قايتباي الشيخ الامام العالم النحرير الدراكة الفقيه الأصولي النحوي أبو الحسن نور الدين أخذ عن جملة من الشيوخ وتفقه على الشيخ عبد ربه الديوي والشهاب أحمد ابن الفقيه وسمع الحديث على الشمس محمد الشرنبابلي وغيرهم وتصدر بالأزهر ودرس وكثر النفع به ومن كبار الآخذين عنه أبو الصلاح أحمد بن موسى العروسي وغيره وكان فرداً من أفراد العالم فضلاً وذكاء ونبلاً وكانت وفاته بمصر في حدود الثمانين ومائة وألف رحمه الله تعالى ورحم من مات من المسلمين.
علي التونسي
علي التونسي نزيل مصر المالكي شيخ رواق المغاربة بالجامع الأزهر الشيخ الامام العالم العلامة الأوحد البارع النحرير المفنن أبو الحسن علاء الدين قدم من بلدته تونس إلى مصر ودخل الجامع الأزهر واشتغل بالعلم وأخذ عن النجم محمد بن سالم الحفني وأخيه الجمال يوسف الحفني والشهاب أحمد بن عبد الفتاح الملوي والشريف السيد محمد البليدي وحقق وأفاد فأجاد ثم إنه رحل إلى الحرمين وجاور وأخذ عن علمائها إنه رجع إلى القارة ودرس بها واجتمعت عليه الأفاضل وله من التآليف شرح على رسالة راغب باشا الوزير في العروض وله تحريرات كثيرة غير ذلك وبالجملة فهو من أكابر العلماء المنوه بهم وكانت وفاته سنة تسعين ومائة وألف رحمه الله تعالى ومن مات من المسلمين أمين.
علي الأسمر
علي الأسمر الأسكندري المالكي الشيخ العالم العامل الأوحد الفقيه البارع أبو الفضل نجيب الدين كان كل سنة يأتي من اسكندرية بعد عيد الفطر إلى الجامع الأزهر يدرس به ثم يرجع إلى بلده في أول الثلاثة أشهر توفي سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف رحمه الله تعالى.
عز الدين الحمصي
عز الدين ابن خليفة الحنفي الحمصي نزيل دمشق الشيخ العلامة المفنن
المدقق النحوي أصله من حمص وقدم إلى دمشق طالباً للعلوم وخدم في صباه في المدرسة السميساطية وبعد ذلك شرع في طلب العلم واجتهد ودأب وحصل فمن مشايخه العلامة الشيخ إبراهيم بن منصور الفتال والفقيه الكبير الشيخ علاء الدين الحصكفي والعالم التقي الشيخ حمزة الدومي والأستاذ الشيخ محمد بن بلبان الصالحي والعلامة الشيخ عثمان القطان والمحقق الشيخ نجم الدين الفرضي والشيخ عبد الباقي الحنبلي وولده الشيخ أبو المواهب الحنبلي وكلاهما عالمان عاملان والمحدث الشيخ يحيى المغربي الشاوي وأعاد دروس السنمية للعالم المولى السيد الشريف محمد العجلاني نقيب الأشراف بدمشق وكذلك أعاد دروس العالم الشيخ إسمعيل المحاسني الامام والخطيب بالأموي في المدرسة الجوهرية وأقرأ في الجامع الأموي في النحو وغيره وترددت إليه الطلبة وأم بمحراب المقصورة مدة عن بني محاسن وذهب إلى قسطنطينية في الروم ووجهت عليه المدرسة اليونسية بعد وفاة شيخه الدومي وكانت عليه وظائف وغيرها وكان مجاوراً في المدرسة السميساطية ولم يتزوج قط إلى أن مات وبالجملة فقد كان من الفضلاء المنوه بهم وكانت وفاته في دمشق في ربيع الأول سنة تسع وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
علاء الدين العذراوي
علاء الدين ابن السيد عبد اللطيف بن علاء الدين أحمد بن إبراهيم الحسيني القادري الشافعي العذراوي ثم الدمشقي الشيخ العلامة الفهامة الفاضل الكامل الحسيب النسيب أخذ وقرأ على جماعة في مصر وكان رفيقاً في الطلب للعالم الشيخ محمد الديري نزيل دمشق الآتي ذكره في محله وكان المترجم من الملازمين للافادة للطلاب وانتفع به الجم الغفير ودرس بالجامع الأموي وفي المدرسة الباذرائية ورحل إلى الروم إلى قسطنطينية فصارت له نقابة الأشراف بحماه وكان يخطب في دمشق في جامع السادات بالقرب من باب الجابية وبالجملة فقد كان من الأفاضل العالمين وكانت وفاته في سنة اثنين وستين ومائة وألف ودفن بتربة مرج الدحداح رحمه الله تعالى.
عليم الله الهندي
عليم الله بن عبد الرشيد العباسي النسب الحنفي النقشبندي اللاهوري الهندي نزيل دمشق أحد العارفين الأخيار وزبدة الأساتذة أولي العوارف والمعارف الكبار كان شيخاً عالماً محققاً مدققاً فاضلاً عارفاً صوفياً ليه اليد الطولى في العلوم والتحقيق من منطوقها ومفهومها مع المعارف الألهية بشوشاً متواضعاً حسن الأخلاق
معتقداً عند الخاص والعام تقياً صالحاً ناجحاً فالحاً سالكاً مسلك السادة على قدم الصدق والعبادة قرأ وأخذ على مشايخ أجلاء في بلاده في الهند كالعلامة الشهير العارف الشيخ شاه نصر الحق القادري قرأ عليه النحو والصرف وبعض المنطق ومنهم شيخ التحقيق المدقق المصنف الشيخ أبو الفتح محمد فاضل القادري فإنه لازم دروسه مدة تزيد على سبع سنين واستفاد من علومه وحصلت له بركاته ونفحاته وأنفاسه ومنهم إنسان عين الأبرار الشيخ محمد أفضل شاه يوربي المنطقي قرأ عليه العلوم العقلية كالمنطق والفلسفة كشرح الشمسية للقطب الرازي وحاشية السيد الشريف الجرجاني وحاشية المنلا عبد الحكيم السلكوتي وشرح التهذيب للمولى جلال الدين الدواني مع حاشية الحكيم الفيلسوف ميرزا زاهد الهروي ومنهم الكبير الشهير الشيخ عبد الكريم الأويسي قرأ عليه كتاب المثنوي المعنوي وله مشايخ غيرهم من بلاد الهند ولما حج وزار النبي صلى الله عليه وسلم سمع الحديث وأصوله على العالم المحدث الشيخ محمد حياه السندي نزيل المدينة وقدم دمشق ثم ارتحل منها إلى قسطنطينية في الروم ومنها عاد إلى دمشق واستقام متوطناً بها في تكية بمحلة القماحين بالقرب من باب السريجة وكانت أهالي دمشق وغيرها تعتقده ويحترمونه ويجتمعون عنده وكانت مجالسه كلها حسنة ممتزجة بالآداب والفضائل وإليه تورد أرباب المعارف والآمال والكمل من الناس مع ما يبديه من اللطائف ويورده من الفضائيل العلمية وغيرها وكان يسمع الآلات فكانت تضرب في حضرته مع الانشاد وقد سئل المترجم عن حكم سماع الآلات فأجاب بقوله إنها لا تحدث شيئاً جديداً في القلب وإنما تحرك ما كان كامناً فيه أقول وهو جواب صوفي غير إني أعجب لجواب العلامة المولى عبد الرحمن العمادي المفتي بدمشق حين رفع إليه سؤال عن حكم الآلات فأجاب بقوله أقول قد حرمه من لا يعترض عليه لصدق مقاله وأباحه من لا ينكر عليه لقوة حاله فمن وجد في قلبه شيئاً من نور المعرفة فليتقدم وإلا فالوقوف عندما حده الشرع الشريف أسلم والله تعالى أعلى وأعلم وأحكم انتهى أقول وهذا الجواب عين الصواب فقد وفق به بين أهل الظاهر والباطن ورسالة الأستاذ العارف الشيخ عبد الغني النابلسي الدمشقي مشتملة على المباح من ذلك والمكروه والحرام من السماع وسماها إيضاح الدلالات في سماع الآلات وهي متداولة بين الأيدي وكان المترجم يقرئ ويدرس في المكان المزبور وولي بدمشق تولية المدرسة القيمرية وأحدث له والدي من زوائد إيراد وقف الجامع الأموي عشرين عثماني وبعد وفاته وجهت للعالم الفاضل السيد منصور الحلبي وكان المترجم يختلي في كل سنة أربعين يوماً في جمع
حافل في مقام الأربعين في جبل قاسيون بالصالحية وكانت له حفدة ومريدون كثيرون وأخذ عنه أناس لا يحصون عدداً وبالجملة فقد كان أحد الأخيار العارفين المحققين وكانت وفاته في دمشق في سنة ست وسبعين ومائة وألف ودفن في التكية المزبورة رحمه الله تعالى.
عطاء الله الموصلي
عطاء الله الموصلي الشيخ الفاضل الصوفي الأوحد البارع الصالح الكامل كان بحراً لا ساحل له وفضاء مجدلاً أول له سلك طريقة القوم أتم سلوك وتعاطى فيها الهداية والتقوى والصلاح وكان يحث الناس على العبادة وله مأثر لطيفة ومكارم منيفة وناب على يده جماعة من الناس وأخذ الطريق على عدة من المشايخ الكمل حتى صار أمة وحده حكى عنه إنه قال كنت في ساحل عمان أو الهند فرأيت شيخاً أبيض اللحية نوراني الشكل مقبلاً إلينا فظننت إنه أحد الأقطاب فقمت إجلالاً له وقبلت يده فقال بعض الحاضرين يا شيخ هذا رجل مجوسي فاستغفرت الله من تعظيمه وتبجيله قال ثم قال آلا أحدثك بأعجب من ذلك قلت ماذا قال إنه خنثى ذو آلتين تزوجه رجل فولد له ثم تزوج امرأة فولد له منها أيضاً فله صنفان من الأولاد من بطنه وظهره وحكى أنه وصل في سياحته إلى جزيرة واق التي ذكرها في الخريدة وإنه أكل من تلك الثمرة فرأى طعمها كطعم السفرجل وترجمه بعض أفاضل الموصل فقال وعاشره شيخنا السيد موسى العالم الأجل وشهد بحفه في التقدم وكمال معرفته في لسان القوم وطريقتهم وإنه ساح مدة طويلة ودار الأقطار واجتاب المفاوز والقفار وذلك في مبدأ أمره ثم إنه بعد ذلك صار من أئمة الأرشاد السالكين سبل الهداية والرشاد واشتهر أمره وعلا قدره ولم يزل على أحسن حالي حتى توفي وكانت وفاته في الموصل بعد الأربعين والمائة والألف وقد جاوز حد الكهولة وقبره في الموصل ظاهر يزار.
عطاء الله العاني
عطاء الله العاني ثم الحلبي أمين الفتوي بحلب الأديب اللوذعي ترجمه الأمين المحيي في ذيل نفحته وقال في وصفه خلاصة أهل العصر المجتمع فيه فضائلهم بجميع أدوات الحصر فهو من جوهر الفضل منتقي وقدر في درج العلا حتى لم يجد مرتقى فالكون به متألق والأمل بأدبه متعلق وله قدم في الأدب عاليه والمسامع بآثاره البهية حاليه تسهل له من البراعة ما تصعب فملكه
وتوضح له من مشكلاتها ما تشعب حتى سلكه وقد صحبته في الروم وطريقها في الرجعة فحمدت الله حيث سهل لي أمر هذه النجعة فاجتنيت من مفاكهته روضاً أنفاً وعلقت في جيد أدبي وأذنه قلائد وشنفا وأنا وإن كنت لم أتعرض في الأصل لذكره فإني لم أكتب عنه شيئاً من تحائف شعره وقد ورد على الآن له روائع بدائع فكأنها من جملة ما كان لي في ذمة الدهر من ودائع فدونك منها جملة الاحسان وكأنما دعي الحسن فلباه الاستحسان انتهى مقاله فيه وقوله لم أتعرض في الأصل إلى آخره مراده إنه لم يذكره في النفحة من جملة الأدباء الحلبيين الذين ترجمهم في باب مخصوص في نفحته ومن شعره قوله
فؤاد به نار الغضا تتوقد
…
وطرف يراعي الفرقدين مسهد
ودر دموع في الخدود منظم
…
له اللؤلؤ المنظوم عقد مبدد
ووجد بسحار اللواحظ أغيد
…
يقيم عذولي بالغرام ويقعد
من الروم رام من كنانة جفنه
…
سهاماً فبالله سهم مسدد
يميس به غصن من القد أصله
…
يكاد بأنفاس الصبا يتأود
عليه قلوب العاشقين تبلبلاً
…
فتصدح أحياناً وحيناً تغرد
وله معارضاً قصيدة جعفر ابن الجرموزي التي مطلعها
ما غرد بلبل وغنى
…
إلا أضلتني وعني
بقوله
عاوده وجده وحناوشفه داؤه فأناوأبرز الدمع بين صب
من قبل إن كان مستكناًفعاد ظن الهوى يقيناًفيه وكان اليقين ظنا
ويلاه من عاذل غبيقد لج في عذله وجنايسومني سلوة وإني
بسلو عن العشق من تعنىوبي مليح لو لاح ليلاًلبدره التم لأستكنا
غصن يعير الغصون لينابدر يعير البدور حسناإذا تجلى رأيت شمسا
وإن تثنى رأيت غصناًفي كل عضو ترى عيوناًعواشقاً روضه الأغنا
وقد ألم بقول قابوس
خطرات ذكرك تستثير مودتي
…
وأحسن منها في القلوب دبيبا
لا عضو لي إلا وفهي صبابة
…
فكأن أعضائي خلقن قلوبا
عودا
رشيق قد ثقيل ردفيموج حقف إذا تثنىولي غرام به قديم
تفنى الليالي وليس يفنى ولست وحدي به معنىكل البرايا به معنى
وله أيضاً
بمواقع السحر التي
…
من ناظريك ضمينها
وفواتك الحسن التي
…
في وجنتيك كمينها
وعوامل القد التي
…
قلبي لديك طعينها
ألا رثيت لمغرم
…
دامي الجفون سخينها
وهذا الأسلوب جرى عليه كثير من الشعراء منهم ابن مغيزل حيث قال
بمجاري فلك الحسنالذي في وجناتكوبنوتيك على خديك
من غير دواتكوبما تصنع في الناس بساجي لحظاتك
وبما أغفله الواصف من حسن صفاتكلا تدعني والهوى
يجرح قلبي بحياتك
ومن ذلك قول الأديب محمد ابن زين العابدين الجوهري الدمشقي
بالذي أودع لحظيك
…
حبيب القلب حتفا
وسقاني منهما كا
…
سا سريع السكر صرفا
وحبا خدك وردا
…
وحبا شكلك ظرفا
جد على صب كئيب
…
ذي أوار ليس يطفى
وللألمعي الشهير محمد الحرفوشي من هذا النمط قوله
بالذي أنشاك فرداًوكسا خديك ورداًوالذي أعطاك حسنا
قلت أهل الحسن حداًوالذي أولى فؤاديمنك أعراضاً وصدا
صل معنى فيك يقضي
…
الليل تسهيداً ووجداً
هو من هذا القبيل أبيات عبد المحسن الصوري المشهورة
بالذي ألهم تعذ
…
يبي ثناياك العذابا
والذي ألبس خد
…
يك من الورد نقابا
والذي أسكن في فيك
…
من الشهيد رضابا
والذي صير حظي
…
منك هجراً واجتنابا
يا غز الأصاد باللحظ
…
فؤادي فأصابا
ما الذي قالته عينا
…
ك لقلبي فأجابا
ومن ذلك قول الماهر الأديب إبراهيم بن محمد السفرجلاني الدمشقي
بالذي في العيقق رصع دراً
…
وجلا تحت غيهب الشعر بدرا