الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليه وكان يتكرر ذلك عليه كثيراً حتى أنحله ونغض عليه عيشه الرغيد وبقي فيه مقدار خمسة عشر سنة وصرف على دفعه وعلاجه مالاً كثيراً وعالجه خلق كثير من حكماء الأشباح والأرواح فلم يفده شيئاً إلى أن مات حتى أخبرت أنه كان مرة جاساً في قصره والآلات تضرب والخدم وقوف لديه والناس وفود إليه وهو في نعمه متخول وعلى سرير جاهه وعزه مترنح وبسربال السعود مكتسي إذ عاد إليه الداء المذكور فعاد لأنينه وتأوهه وحنينه وشكواه وتوجعه فرأى وهو في هذه الحالة تحت القصر رجلاً زبالاً وبجانبه رفيق له وهما يتحادثان بما فعلا من الأكل وغيره ويحمدان حالهما وهما منشرحان يترنمان بذلك ويكرران الحديث ويختالان في صحتهما وعافيتهما مع انهما في هيئة رثة وفقر زائد فتعجب من صنع الآله جل شأنه ثم إنه استعذب ذلك منهما فأمر أحد خدامه باحضارهما إليه فلما حضرا لديه قال لهما أخبراني بما كنتما تتحادثان به الساعة فسكتا فكرر السؤال عليهما فقالا قلنا كذا وكذا فقال لبعض أتباعه ادفع لهما كذا وكذا من الدراهم فصرفهما بالاكرام ثم قال والله إني لأتمنى أن أكون مثلهما في حالتهما هذه ولا أكون في هذا التخول والثروة مع هذا الداء فلله الحكم الباهرة والأحكام القاهرة لا إله إلا هو وكانت وفاة المترجم في يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي القعدة سنة اثنين وعشرين ومائة وألف ودفن بتربة الشيخ أرسلان رضي الله عنه ورحمه الله تعالى.
عبد المعطي الخليلي
عبد المعطي ابن محيي الدين الشافعي الخليلي الأصل والوطن القدسي المأوى والسكن رحل من بلدة الخليلي للجامع الأزهر فجد ودأب وسهر الدياجي ولازم كل همام علامة وباحث وناظر أقرانه وتضلع من مذهب الامام الشافعي رضي الله عنه وأخذ من العلوم التفسيرية والحديثية والفقهية وشيوخه الذين أخذ عنهم منهم الشيخ يونس الدمرداشي الأزهري ومنهم الشيخ عبد الرؤف البشبيشي وهما من علماء الشافعية ومنهم العلامة الشيخ أحمد النفراوي الأزهري من المالكية ومنهم الشيخ أحمد الخليفي الشافعي والعلامة الشيخ أحمد ابن محمد الملقب بالفقيه الشافعي والشيخ إبراهيم الفرضي الدلجي ومنهم الشيخ محمد الكاملي الشافعي الدمشقي المدرس بجامع بني أمية وأخذ الاجازة من محدث البلاد الحجازية الشيخ محمد عقيلة المكي وأجازه بثبته المشهور ومنهم الشيخ محمد الخليلي القدسي وما انفك يستفيد ويستزيد حتى ظفر بالطارف والتليد واستجاز شيوخه فأجازوه بمروياتهم وكانت له متانة في الفروع الفقهية شديد المحاضرة على سرد مسائلها البهية تولى افتاء الشافعية بالقدس أكثر
من خمسة وعشرين سنة بلا طلب بل ألزمه فيها شيخه الخليلي المتقدم وأهل القدس لحسن اطلاعه على فروع المذهب وله فتاوي في مجلد حسنة مجموعة محبوكة مستحسنة فأقلامه تنثر جواهر الدرر ويراعه يجري بلطائف الغرر وله رسائل كلها منتخبة فوائدها ظرائف مستعذبه منها رسالة كبيرة في سيدنا موسى الكليم عليه السلام وله نظم متوسط فمنه قصيدة أنشدها حين توجه مع جملة من الفضلاء صحبة الشيخ محمد الخليلي إلى زيارة سيدنا موسى عليه السلام وأخذوا كتاب الامام مسلم وقرأوه هناك.
وهي قوله
هلموا بنا يا سادة الوقت والعصر
…
إلى سفح غور القدس من شرقه نسري
نشاهد أسراراً وروحاً وراحة
…
ونزداد خيراً من حمى عالي القدر
فليس لنا من دهرنا وزماننا
…
ليالي وصل دون قطع ولا هجر
سوى مدة في روضة مستطابة
…
عليها جلال رائق في ربا الزهر
فهي لكليم الله نوراً وهيبة
…
وأمناً وأنواراً تلوح مع الفجر
فكم نالنا من فضله وكماله
…
لطائف أسرار تجل عن الحصر
لقد كان من فوق السموات راحماً
…
لأمة خير الخلق طه النبي الطهر
فكان رسول الله ليلة أن سرى
…
إلى ربه ذي العرش والعز والنصر
يناجيه في أمر الفريضة يالها
…
مناجاة محبوب بلطف مع البشر
فناداه بالخمسين قد صار أمرنا
…
على الخلق فأمضى يا رسول ذوي القدر
فجاء إلى موسى بن عمران مسرعاً
…
وأخبره بالفرض من عالم الأمر
فقال له ارجع يا حبيباً مجيباً
…
وسل ربك التخفيف يا مخجل البدر
فإني بلوت الخلق يا خير مرسل
…
بما فرض الله الكريم من الذكر
فما صبروا بل بدلوه وغيروا
…
فباؤا بآثام من الله والوزر
وامتك الغر الكرام ضعيفة
…
تقصر في الخمسين من شدة الأصر
إلى آخرها وهي طويلة وكان ديدنه التقشف في الملبس والتخشن في المأكل عما عليه الناس من حب التزين مهاباً صادعاً بالحق طارحاً للتكليف لم تتعلق نفسه بدر ولا صدف منزوياً عن حكام السياسة مغتنماً لأوقاته له حظ وافر من قيام الليل لا يتركه وكان مقيماً في المسجد الأقصى ليلاً ونهاراً وهو من الذين هم عن اللغو معرضون وكانت وفاته في سنة أربع وخمسين ومائة وألف وقد جاوز السبعين