الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(صفةُ رواية الحديث)
أي هذا مبحث صفة رواية الحديث، وآدابها، وما يتعلق بها، وهو النوع الأربعون من أنواع علوم الحديث.
وقد تقدم بيان كثير من ذلك في ضمن النوعين قبله، وغيرهما كألفاظ الأداء:
485 -
وَمَنْ رَوَى مِنْ كُتُبٍ وَقَدْ عَرِي
…
حِفْظًا أَوِ السَّمَاعَ لَمَّا يَذْكُرِ
486 -
أَوْ غَابَ أَصْلٌ إِنْ يَكُ التَّغْيِيرُ
…
يَنْدُرُ أَوْ أُمِّيٌّ اْوْ ضَرِيرُ
487 -
يَضْبِطُهُمَا مُعْتَمَدٌ مَشْهُورُ
…
فَكُلَّ هَذَا جَوَّزَ الْجُمْهُورُ
(ومَن) شرطية، أو موصولة مبتدأ (روى) أي أراد رواية حديث (من كتب) مصنفة فيه، متقنة مقابَلَة، مصونة، وقد صح عنده سماع ما تضمنته (وقد عري) كرضي، أي خلا، وسكنت الياء للوزن (حفظاً) منصوب بنزع الخافض أي منه، والجملة حال من الفاعل، أي والحال أنه خال من الحفظ لتلك الكتب، بحيث لم يذكر تفصيل أحاديثها حديثاً حديثاً.
وحاصل المعنى: أن من أراد رواية حديث لا يحفظه، أو كان يحفظه إلا أنه سيئ الحفظ معتَمِداً على كتبه (أو السماع) منصوب على المفعولية ليَذْكُر مقدَّماً (لَمَّا) نافية جازمة، أي لم (يذكر) مجزوم بلما كسرت راؤه
مراعاة للتقفية، والجملة عطف على قوله: وقد عرى أي أو حال كونه غير ذاكر سماعَ ذلك الحديث، أي ولا عَدَمَه.
يعني: أنه أراد رواية حديث رآه في كتابه بخطه، أو بخط غيره ممن يثق به غير متذكر سماعه وعدمه.
(أو) أراد رواية حديث وقد (غاب) عنه (أصل) أي كتابه الذي سمع منه، والجملة كسابقتها.
يعني: أنه أراد أن يروي حديثاً من كتابِ غابَ عنه مدة بإعارة أو ضَيَاع، أو سرقة، ولو طالت الغيبة، بشرط عدَم التغيير، كما أشار إليه بقوله:(إن يك التغيير) أي تبديل ذلك الأصل (يندر) أي يَقِلُّ.
يعني: أن الغالب على الظن سلامته منه، ولا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه ذلك غالباً.
(أو) أراد رواية حديث شخص (أميٌّ) هو الذي لا يحسن الكتابة، قيل: نسبة إلى الأم، لأن الكتابة مكتسبة فهو على ما ولدته أمه من الجهل بالكتابة، وقيل نسبة إلى أمة العرب، لأنه كان أكثرهم أميين أفاده الفيومي.
فقوله: أمي فاعل لمحذوف، أي أراد، وكذا ضرير الآتي.
(أو) أراد روايةَ حديث شخصٌ (ضرير) كأميرٍ، الرجل الذهب البصر جمعه أضِرَّاء قاله في " ق " وشرحه، وجملة قوله:(يضبطهما) صفة لأمي، وضريرٍ سكن طاؤه للوزن.
يعني: أنه يضبط للأمي والضرير ما سمعاه (معتمد) أي ثقة يَعْتَمِدَانِ عليه، مرفوع على الفاعلية، وقوله:(فكل هذا) مفعول مقدم لجوزوا أي كُلَّ ما ذكرناه من قوله " ومن روى من كتب "(جوز الجمهور) أي جوز الرواية به جل العلماء المحققين، والجملة جواب " من "، أو خبره.
وحاصل معنى الأبيات الثلاثة: أنه اختلف العلماء في هذه المسائل الأرْبَعِ:
الأولى: مسألة الاحتجاج بمن لا يحفظ حديثه، وإنما يحدث من كتبه معتمداً عليها.
فذهب الجمهور إلى جواز الرواية بذلك وثبوت الحجة به إذا كان قد ضبط سماعه وقابل كتابه على الوجه المعتبر في ذلك، ولو غاب عنه الكتاب إذا كان الغالب عليه السلامة من التغيير ولا سيما إن كان ممن لا يخفى عليه التغيير غالباً لأن الاعتماد في باب الرواية على غالب الظن.
وذهب قوم إلى منع الاحتجاج بذلك قالوا: لا حجة إلا فيما روى من حفظه وتذكره. رُوِيَ ذلك عن أبي حنيفة، ومالك، وأبي بكر الصيدلاني المروزي الشافعي.
الثانية: إذا وجد المحدث سماعه في كتابه بخطه، أو خط من يثق به سواء الشيخ أو غيره، فلا يخلو إما أن يتذكره، أولا، فإن تذكره جازت له روايته بلا خلاف، إن كان حافظاً له، وعلى المعتمد إن لم يكن حَافِظاً له، وإن لم يذكر سماعه ولا عدمه ففيه الخلاف، والصَّحِيح جواز الرواية، وعليه الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، والأكثرون من أصحاب الشافعي، لعمل العلماء به سلفاً وخلفاً، وباب الرواية على التوسعة.
وعن أبي حنيفة، وبعض أصحاب الشافعي لا تجوز روايته له حتى يتذكر، وأما إذا ذكر السماع ولكن لم يجد بذلك خطا، فقال السخاوي رحمه الله: المعتمد الجواز.
الثالثة: أنه إذا غاب عنه الكتاب وكان اعتماده عليه دون الحفظ فذهب بعض أهل التشديد في الرواية إلى أنه لا تجوز الرواية منه، لغيبته عنه، وجوازِ التغيير فيه، والصواب الذي عليه الجمهور، كيحيى القطان، وفضيل بن ميسرة، وغيرهما من المحدثين كما حكاه عنهم الخطيب، وجنح إليه أنه إذا كان الغالب على الظن من أمره سلامته من التغيير جازت الرواية منه لا سيما إذا كان ممن لا يخفى عليه في الغالب إذا غُيِّرَ ذلك أو شيء منه، لأن باب الرواية مبني على غلبة الظن فإذا حصل أجزأ.
الرابعة: مسألة الأمي والضرير الذين لا يحفظان حديثهما من فم من حَدَّثَهُمَا. فالجمهور على صحة روايتهما إذا ضبط لهما سماعهما ثقة، وحَفِظَا كتابهما عن التغيير بحسب حالهما، ولو بثقة غيرِهما إلى الأداء مع الاستعانة حين الأداء أيضاً بثقة في القراءة بحيث يغلب على الظن سلامته من الزيادة والنقص والتغيير ونحوها.
ومنع من ذلك غير واحد من الأئمة كابن معين، وأحمد، لجواز الإدخال عليهما ما ليس من سماعهما.
ثم ذكر حكم من أراد رواية الحديث من نسخة ليس فيها سماعه، ولا هي مقابَلة بنسخة سماعه غير أنها سمعت على شيخه، أو فيها سماع شيخه على شيخه، فقال:
488 -
وَمَنْ رَوَى مِنْ غَيْرِ أَصْلِهِ بِأَنْ
…
يَسْمَعَ فِيهَا الْشَّيْخُ أَوْ يُسْمِعَ لَنْ
489 -
يُجَوِّزُوهُ، وَرَأَى أَيُّوبُ
…
جَوَازَهُ وَفَصَّلَ الْخَطِيبُ:
490 -
إِنْ اطْمَأَنَّ أَنَّهَا الْمَسْمُوعُ
…
فَإِنْ يُجِزْهُ يُبَحِ الْمَجْمُوعُ
(ومن) موصولة مبتدأ خبره جملة " لن يجوزوه "(روى) أي أراد الرواية (من) نسخة (غير أصله) أي سماعه، يعني: أنها ليست مما سمعها على شيخه، ولا هي مقابلة بها كما هو الأولى في ذلك. (بأن يسمع فيها) الباء بمعنى مع، ويسمع ثلاثي بفتح الياء أي يسمع في تلك النسخة التي أراد الرواية عنها (الشيخ) الذي سمع هو عليه في نسخة خِلَافِهَا على الشيخ الأعلى (أو يسمع) من الإسماع رباعياً، أي غيرَه، يعني أن الشيخ أسمع في تلك النسخة غير ذلك الشخص الذي أراد الرواية منها (لن يجوزوه) أي لم يجز هذا الفعل جمهور المحدثين، لأنه قد يكون في تلك النسخة زائد ليست في نسخة سماعه.
وحاصل المعنى: أنه إذا أراد الرواية من نسخة ليس فيها سماعه ولا هي مقابلة به ولكن سمعت على شيخه، أو فيها سماع شيخه على الشيخ الأعلى، وكذا إذا كتبت عن شيخه، وسكنت نفسه إليها لم يُجِزِ الرواية منها عامة المحدثين وقطع بها ابن الصباغ.
(ورأى أيوب) ابن أبي تميمة، كيسان السختياني بفتح المهملة، أو كسرها بعدها معجمة ساكنة، ثم مثناة فوقية مكسورة، ثم تحتانية، وآخره نون، العَنَزِي بزاي، أبو بكر، البصري، الفقيه، أحد الأئمة الأعلام، سيد الفقهاء، كان ثقة ثبتاً حجة جامعاً للعلم ولد سنة 66 وتوفي سنة 131 هـ.
(جوازه) مفعول " رَأى "، أي صحة الرواية من تلك النسخة مطلقاً، يعني: أن أيوب جوز الرواية من النسخة المذكورة، وكذا محمد بن بكر البُرْسَانِي.
(وفصل) من التفصيل (الخطيب) الحافظ أبو بكر أحمد علي بن ثابت البغدادي المتوفى سنة 463 هـ، وهو ابن 71 سنة، يعني أنه حكم في هذه المسألة بالتفصيل قائلاً:(إن اطمأن) أي سكنت نفسه، يقال: اطمأن القلب سكن، ولم يَقْلَقْ، والاسم الطُّمَانينة، (أنها) أي تلك النسخة، أو الأحاديث التي فيها، (المسموع) من الشيخ، وأن معمولاها مجرور بحرف جر محذوف قياساً، أي اطمأن في سماعها من الشيخ، يعني أنه إذا سكنت نفسه بأن تلك الأحاديث هي التي سمعها من الشيخ جاز له أن يرويها إن تيقن صحتها وسلامتها وإلا فلا.
هذا كله إذا لم تكن له إجازة من الشيخ المُسمِعِ له، وإلا فتجوز له الرواية كما قال ابن الصلاح، وإليه أشار بقوله:(فإن يجزه) أي يجز الشيخ إياه رواية تلك النسخة، أو سائرِ مروياته، كما تقدم أنه لا غنى له في كل سماع عن الإجازة احتياطاً ليقع ما يسقط في السماع على وجه السهو وغيره من كلمة فأكثر مروياً بالإجازة (يبح المجموع) فعل مغير الصيغة ونائب فاعله من الإباحة، والفعل جواب إن، أي يُجَزْ روايةُ مجموعِ ما في تلك النسخة مطلقاً.
والحاصل: أنه إذا كانت له إجازة عامة من شيخه لمروياته، أو لهذا الكتاب جازت له الرواية منها، وله أن يقول: حدثنا وأخبرنا من غير بيان للإجازة، والأمر قريب يتسامح بمثله.
وإن كان في النسخة سماع شيخ شيخه فيحتاج أن يكون له إجازة عامة من شيخه، ومثلها لشيخه من شيخه.
ثم بيّن حكم من تَخَالَفَ حِفْظُهُ مع كتابه فقال:
491 -
مَنْ كُتْبَهُ خِلافَ حِفْظِهِ يَجِدْ
…
وَحِفْظَهُ مِنْهَا: الْكِتَابَ يَعْتَمِدْ
492 -
كَذَا مِنَ الشَّيْخِ وَشَكَّ، وَاعْتَمَدْ
…
حِفْظًا إِذَا أَيْقَنَ، وَالْجَمْعُ أَسَدّ
493 -
كَمَا إِذَا خَالَفَ ذُو حِفْظٍ ............
…
.......................
(من) موصولة أو شرطية مبتدأ (كتبه) بسكون التاء، مفعول مقدم ليجد (خلاف حفظه) حال من كتبه، أو مفعول ثان ليجد، أي مخالفةً لحفظه (يجد) صلة " من "، أوفعل الشرط (وحفظه منها) مبتدأ وخبر حال من فاعل يجد، أي والحال أن حفظ ذلك الشخص من تلك الكتب (الكتاب) مفعول مقدم لقوله:(يعتمد) خبر " من "، أو جوابها، يعني أنه يعتمد على كتابه دون حفظه (كذا) خبر لمحذوف أي الحكم كائن كذا إذا كان حفظه (من) فم (الشيخ و) لكنه (شك) في حفظه (واعتمد) الراوي الذي تخالف حفظه مع كتابه (حفظاً) دون الكتاب (إذا أيقن) وتَثَبَّتَ في حفظه، ولم يتشكك فيه (و) لكن (الجمع) بين الحفظ والكتاب في حال الرواية، مبتدأ خبره قوله:(أسد) أي أصوب من الاقتصار على ما في الكتاب، فيقول: حفظي كذا، وفي كتابي كذا، كما فعله الأئمة (كما) يستحسن الجمع له (إذا خالفـ) ـه (ذو حفظ) أي شخص حافظ، متقن، فيقول: حفظي كذا، وقال فيه فلان كذا، أو قال فيه غيري كذا، ونحو ذلك كما فعله سفيان وغيره.
وحاصل ما أشار إليه في هذه الأبيات أنه إذا وَجَدَ الحافظُ في كتابه خلاف ما يحفظه، وقلنا بالمعتمد من الاكتفاء في الرواية بكتابه المُتْقَنِ المحفوظ عنده، ولو لم يكن حافظاً نُظِرَ فإن كان حفظه من الكتاب رجع إلى ما فيه، ولو اختلف المعنى، وإن كان حفظ من فم المحدث، أو من القراءة عليه اعتمد حفظه دون كتابه إذا لم يتشكك، أما مع الشك، أو سوء الحفظ فلا.
والأحسن له حينئذ الجمع بينهما كما فعل هَمَّام، وقد رَوَى حديثَ أنه صلى الله عليه وسلم:" اشترى حلة بسبع وعشرين ناقة " فقال: هكذا في حفظي، وفي كتابي " ثوبين " هذا مع عدم التنافي بينهما إذ الحلة لا تسمى حلة إلا إذا كانت ثوبين من جنس واحد.
وفعله أيضاً شعبة في حديث ابن مسعود في التشهد: " ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم " وقال: هكذا في حفظي، وهو ساقط في كتابي.
وفعله أيضاً يَحْيَى بن سعيد، وأبو قلابة الرقاشي، وهكذا الحكم فيما إذا خالفه في حفظه بعضُ الحفاظ، فليقل حفظي كذا وكذا، وقال فيه فلان، أو غيري كذا وكذا ونَحْوَه. فقد فعله شعبة في حديث ابن عباس في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال:" يتصدق بدينار أو نصف دينار " قال شعبة: أما حفظي فمرفوع وزعم فلان وفلان أن الحَكَمَ لم يرفعه فقيل له: يا أبا بسطام حدثنا بحفظك ودعنا من فلان وفلان، فقال: ما أحب أن عمري في الدنيا عمر نوح وإني حدثت بهذا وسكت عن هذا.
وفعله سفيان، والفضل بن الحباب، وأبو معمر.
ثم ذكر مسألة الرواية بالمعنى واختلاف العلماء فيها فقال:
..................... وَفِي
…
مَنْ يَرْوِي بِالْمَعْنَى خِلافٌ قَدْ قُفِي
494 -
فَالأَكْثَرُونَ جَوَّزُوا لِلْعَارِفِ
…
ثَالِثُهَا: يَجُوزُ بِالْمُرَادِفِ
495 -
وَقِيلَ: إِنْ أَوْجَبَ عِلْمًا الْخَبَرْ
…
وَقِيلَ: إِنْ يَنْسَ، وَقِيلَ: إِنْ ذَكَرْ
496 -
وَقِيلَ: فِي الْمَوْقُوفِ وَامْنَعْهُ لَدَى
…
مُصَنَّفٍ، وَمَا بِهِ تُعُبِّدَا
497 -
وَقُلْ أَخِيرًا: " أَوْ كَمَا قَالَ " وَمَا
…
أَشْبَهَهُ، كَالشَّكِّ فِيمَا أُبْهِمَا
(وفي من يروي) الحديث (بالمعنى) لا باللفظ الوارد، والجار الأول متعلق بقفي، والثاني متعلق بيروي وقوله:(خلاف) مبتدأ، أي اختلاف بين العلماء، وقوله:(قد قفي) بالبناء للمفعول، أي تبعَ وبُحِثَ عنه، خبر لخلاف، أو الجار والمجرور الأول خبر مقدم، و (خلاف) مبتدأ مؤخر، وجملة " قفي " صفته.
والمعنى: أن العلماء اختلفوا في جواز رواية الحديث بالمعنى على أقوال: الأول ما ذكره بقوله:
(فالأكثرون) من السلف، وأصحاب الحديث، وأرباب الفقه، والأصول، وهو مبتدأ خبره جملة (جوزوا) ذلك (للعارف) أي للشخص العارف بمدلولات الألفاظ، ومقاصدها، وما يحيل المعنى، والمحتمل من غيره، والمرادف منها، ولو كان غير صحابي سواء كان ذلك في المرفوع، أو في غيره، إذا قطع بأداء المعنى لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة، والسلف، ويدل عليه روايتهم القصةَ الواحدةَ بألفاظ مختلفة، واستدل لذلك الشافعي بحديث:" أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه " قال: وإذا كان الله برأفته بخلقه أنزل كتابه على سبعة أحرف علمنا منه بأن الكتاب قد نزل لتحل لهم قراءته وإن اختلف لفظهم فيه ما لم يكن اختلافهم إحالة معنى فكان ما سوى كتاب الله سبحانه أولى أن يجوز فيه اختلاف اللفظ ما لم يحل معناه.
ويدل على ذلك أيضاً كما قال الخطيب: اتفاق الأمة على أن للعالم بمعنى خبر النبي صلى الله عليه وسلم وللسامع بقوله أن ينقل معنى خبره بغير لفظه، وغير اللغة العربية، وأن الواجب على رسله، وسفرائه إلى أهل اللغات المختلفة من العجم وغيرهم أن يرووا عنه ما سمعوه وحملوه مما أخبرهم به وتعبدهم بفعله على ألسنة رسله سيما إذا كان السفير يعرف اللغتين فإنه لا يجوز أن يَكِلَ ما يرويه إلى ترجمان وهو يعرف الخطاب بذلك اللسان، لأنه لا يأمن الغلط، وقصد التحريف على الترجمان فيجب أن يرويه بنفسه، وإذا ثبت ذلك صح أن القصد برواية خبره، وأمره، ونهيه إصابةُ معناه، وامتثال موجبه دون إيراد نفس لفظه، وصورته.
وعلى هذا الوجه لزم العجم وغيرهم من سائر الأمم دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى دينه، والعلم بأحكامه.
وأما الحديث (1) الذي ذكره في التدريب استدلالاً على المسألة فهو حديث مضطرب لا يصح الاحتجاج به كما أوضحه السخاوي رحمه الله، بل ذكره الجُوزَقَانِيّ في الموضوعات. واحترز بقوله للعارف عن غيره، فإنه لا تجوز رواية ما سمعه بالمعنى بلا خلاف، لأنه لا يؤمن بتغييره من الخلل والتحريف.
والقول الثاني قول طائفة من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه لا تجوز الرواية إلا بلفظه المروي.
وإليه ذهب ابن سيرين، وثعلب، وأبو بكر الرازي من الحنفية، وروي عن ابن عمر، وإليه مال عياض قال: ينبغي سد باب الرواية بالمعنى، لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن كما وقع للرواة كثيراً قديماً وحديثاً اهـ.
وهذا القول هو المطوي في قوله: (ثالثها) أي الأقوال المروية في المسألة وهو للخطيب البغدادي، فثالثها مبتدأ خبره جملة قوله:(يجوز) ذلك (بالمرادف) فقط كإبدال قام بنهض، وقال بتكلم، وجلس بقعد، ونحو ذلك.
يعني: أنه يجوز إبدال لفظ بمرادفه مع بقاء التركيب وموقع الكلام، وإلا فلا، لأنه قد لا يوفي بالمقصود، وهذا قول الحافظ في النزهة وقيل: إنما يجوز في المفردات دون المركبات فافهم.
قال الخطيب: وهذا القول هو الذي نختاره مع شرط آخر، وهو أن يكون سامع لفظ النبي صلى الله عليه وسلم عالماً بموضوع ذلك اللفظ في اللسان، وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد به ما هو موضوع له، فإن علم تجوزه به واستعارته له لم يسغ له أن يروي اللفظ مجرداً دون ذكره ما عرفه من قصده صلى الله عليه وسلم ضَرُورَةً.
(1) وهو ما رواه ابن منده والطبراني عن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي قال: قلت: يا رسول الله: إني أسمع منك الحديث لا أستطيع أن أؤديه كما أسمع منك يزيد حرفاً أو ينقص حرفاً فقال: إذا لم تحلوا حراماً ولم تحرموا حلالاً وأصبتم المعنى فلا بأس.
غَيرَ مُستدلٍّ عليه فإنه إن استدل به على أنه قصد به معنى من المعاني جاز عليه الغلط، والتقصير في الاستدلال، ووجب نقله له بلفظ الرسول صلى الله عليه وسلم لينظر هو وغيره من العلماء فيه اهـ.
والقول الرابع: ما أشار إليه بقوله: (وقيل أن أوجب) أي أثبت وأفاد (علماً) أي اعتقاداً (الخبر) أي الحديث الذي يروي بالمعنى، وهو فاعل أوجب، وجواب إن محذوف دل عليه ما قبله تقديره جازت الرواية بالمعنى.
وحاصل المعنى: أنه تجوز الرواية بالمعنى إن كان موجب الحديث علمأ لأن المعول على معناه دون لفظه، ولا تجوز إن كان موجبه عملاً كحديث " تحليلها التسليم، وتحريمها التكبير " وحديث " خمسٌ يقتلن في الحل والحرم ".
والقول الخامس: ما أشار إليه بقوله: (وقيل إن ينس) المحدث لفظ الحديث، ولكن بقي معناه مرتسماً في ذهنه جازت له الرواية بالمعنى، لأنه تحمل اللفظ، والمعنى معاً فإذا عجز عن أحدهما لزمه أداء الآخر لمصلحة تحصيل الحكم، وإن لم ينسَ فلا، لأن في كلامه صلى الله عليه وسلم من الفصاحة ما ليس في غيره.
وهذا القول للماوردي من كبار الشافعية في كتابه الحاوي.
والقول السادس: عكس ما قبله وهو ما أشار إليه بقوله:
(وقيل إن ذكر) المحدث لفظ الحديث جازت الرواية بالمعنى لا إن نسيه لأنه إذا ذكره يتمكن من التصرف فيه.
والقول السابع: ما أشار إليه بقوله: (وقيل) تجوز الرواية بالمعنى (في الموقوف) على الصحابي، أو غيره، لا في المرفوع إليه صلى الله عليه وسلم حكاه ابن الصلاح عن بعضهم، ورواه البيهقي في المدخل عن مالك، وروى عنه أيضاً أنه كان يتحفظ من الباء والياء والتاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى عن الخليل بن أحمد أنه قال ذلك أيضاً.
واستدل له بقوله صلى الله عليه وسلم: " رب مبلغ أوعى من سامع " فإذا رواه بالمعنى فقد أزال عن موضعه معرفة ما فيه.
وبقيت أقوال لم يذكرها في النظم نذكرها تتميماً للفوائد فنقول:
الثامن: أنه يجوز ذلك للصحابة دون غيرهم، لظهور الخلل في لسانهم بخلاف الصحابة فهم أرباب اللسان، وأعلم الخلق بالكلام، حكاه الماوردي، والروياني في باب القضاء، بل جزما بأنه لا يجوز لغير الصحابة، وجعلا الخلاف في الصحابة دون غيرهم، قاله السخاوي.
التاسع: أنه لا يجوز لغير الصحابة والتابعين بخلاف من كان منهم، وبه جزم حفيد القاضي أبي بكر، قال: لأن الحديث إذا قيده الإسناد وجب أن لا يختلف لفظه فيدخله الكذب.
العاشر: أنه لا يجوز في الرواية والتبليغ خاصة بخلاف الإفتاء والمناظرة قاله ابن حزم في كتابه إحكام الأحكام.
ثم إن هذا الخلاف كله في غير ما دُوِّنَ في المصنفات، وأما ما فيها فلا يجوز تغييره كما أشار إليه بقوله:(وامنعه) أيها المحدث أي ما ذكر من الرواية بالمعنى قطعاً (لدى) أي عند النقل عن كتاب (مصنف) بفتح النون أي مؤلف، فلا يجوز التغيير لما فيه.
وحاصل المعنى: أنه لا خلاف في منع الرواية بالمعنى لما تضمنته بطون الكتب لأنه إنما رخص ذلك لما كان عليهم في ضبط الألفاظ والجمود عليها من الحرج والنصب، وذلك منتف في الذي اشتملت عليه الكتب.
قال ابن الصلاح: ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره اهـ.
قال السخاوي في قول ابن الصلاح: هذا يؤخذ منه اختصاص المنع، بما إذا روينا التصنيف نفسه، أو نسخناه، أما إذا نقلنا منه إلى تخاريجنا
وأجزائنا فلا، إذ التصنيف حينئذ لم يتغير وهو مالك لتغيير اللفظ أشار إليه ابن دقيق العيد اهـ.
ومال الحافظ إلى ذلك أيضاً إذا قرن بما يدل عليه كقوله بنحوه أفاده السخاوي. (و) امنعه أيضاً اتفاقاً في نقل (ما) أي الحديث الذي (به) أي بلفظه (تُعُبِّدَا) بالبناء للمفعول، والألفُ للإطلاق يقال: تعبدته: دعوته إلى الطاعة أفاده الفيومي.
أي فيما دُعِينا، وأُمِرنا إلى الطاعة بلفظه، كالأذان، والتشهد، والتكبير، والتسليم، وجميع الأذكار، والأدعية النبوية، فإنه لا يجوز تغييرها بلا خلاف.
ثم ذكر ما ينبغي لمن يَرْوِي بالمعنى بقوله: (وقل) أيها الراوي بالمعنى (أخيراً) أي عقب الحديث المروي بالمعنى (أو كما قال) مقول قل، أي هذا اللفظ يعني: أنك تقول بعد انتهاء المروي بالمعنى: أو كما قال صلى الله عليه وسلم في المرفوع، أو كما قال فلان في غيره، (وما أشبهه) الواو بمعنى أو، أي أو قل ما أشبه هذا اللفظ من نحو قولك: أو شبه هذا، أو نحو هذا، أو مثله، فقد كان كثير من الصحابة وغيرهم يفعلونه مع أنهم أعلم النَّاس بمعاني الكلام حذراً من الزلل لمعرفتهم بما في الرواية بالمعنى من الخطر.
فعن ابن مسعود أنه قال يوماً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغر ورقت عيناه، وانتفخت أوداجه، ثم قال: أو مثله، أو نحوه، أو شبيه به، رواه ابن ماجه وأحمد والحاكم.
وعن أبي الدرداء أنه كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أو نحوه أو شبهه. رواه الدارمي في مسنده، وعن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا حدث عن رسول الله ففرغ قال: أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه ابن ماجه وأحمد.
(كالشك) أي كما يحسن لك أن تقول ما ذكر في حال شك (فيما)
أي اللفظ الذي (أبهما) بالبناء للمفعول، وألفِ الإطلاق، أي أُغلِقَ عليك أمره، فلم تهتد لمعرفته.
وحاصل المعنى: أنه إذا شك القارئ، أو الشيخ في لفظة، أو أكثر فقرأها على الشك، فإنه يحسن أن يقول: أو كما قال، لأنه يتضمن إجازة من الراوي وإذناً في رواية صوابها عنه إذا بَانَ، ولا يشترط إفراد ذلك بلفظة الإجازة كما قاله ابن الصلاح.
ثم إن العلماء اختلفوا أيضاً في جواز اختصار الحديث وإليه أشار بقوله:
498 -
وَجَائِزٌ حَذْفُكَ بَعْضَ الْخَبَرِ
…
إِنْ لَمْ يُخِلَّ الْبَاقِي عِنْدَ الأَكْثَرِ
499 -
وَامْنَعْ لِذِي تُهْمَةٍ فَإِنْ فَعَلْ
…
فَلا يُكَمِّلْ خَوْفَ وَصْفٍ بِخَلَلْ
500 -
وَالْخُلْفُ فِي التَّقْطِيعِ فِي التَّصْنِيفِ
…
يَجْرِي وَأَوْلَى مِنْهُ بِالتَّخْفِيفِ
(وجائز) خبر مقدم وقوله (حذفك) مبتدأ مؤخر (بعض الخبر) مفعول به لحذف. يعني: أنه يجوز لك أن تحذف بعض الحديث، وتقتصر على بعضه حيث كنت عارفاً به وإلا فلا، (إن لم يخل) من الإخلال وهو التقصير أي إن لم يُقَصِّرِ (الباقي) أي المذكور عن إفادة تمام المعنى (عند الأكثر) متعلق بجائز أي عند أكثر العلماء من المحدثين وغيرهم.
وحاصل معنى البيت أن حذف بعض المتن يجوز عند جمهور العلماء بشرطين: أحدهما: كونه عالماً عارفاً بكيفية الاختصار بأن يعرف ما يحصل به الخلل في ذلك.
الثاني: وهو الذي ذكره في النظم أن لا يكون المذكور مُخِلًّا بالمقصود، وذلك بكونه منفصلاً عن المتروك، غير متعلق به بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة في حذفه، كالاستثناء: مثل قوله " لا يباع الذهب بالذهب إلا سواء بسواء "، والغايةِ مثل قوله:" لا يباع النخل حتى يزهى ". والشرطِ ونحوها.
قال السخاوي بعد ذكر ما تقدم: ثم إن ما ذهب إليه الجمهور لا ينارع فيه من لم يجز النقل بالمعنى لأن الذي نقله والذي حذفه والحالة هذه بمنزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر اهـ.
وسواء في ذلك رواه هو أو غيره قبله تاماً أم لا، ومقابل قول الجمهور أقوال ثلاثة:
الأول: المنع مطلقاً سواء تقدمت روايته له تاماً أم لا، كان عارفاً بما يحصل به الخلل أم لا، بناء على منع الرواية بالمعنى مطلقاً، لأن رواية الحديث على النقصان والحذفِ لبعض متنه يقطع الخبر ويغيره عن وجهه، وربما حصل الخلل والمختصر لا يشعر.
الثاني: الجواز مطلقاً احتاج إلى تغيير لا يخل بالمعنى أم لا، تقدمت روايته له تاماً أم لا، وبه قال مجاهد، وابن المبارك.
ولكن هذا الإطلاق ينبغي تقييده بما إذا لم يكن المحذوف متعلقاً بالمَأتِيّ تعلقاً يخل المعنى بحذفه كما تقدم في قول الجمهور.
القول الثالث: قول من قال بالتفصيل وهو أنه إن لم يكن رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره لم يجز وإن جازت الرواية بالمعنى، وإن كان رواه على التمام مرة أخرى هو أو غيره بحيث أمن بذلك تفويت سنة أو حكم أو نحو ذلك جاز.
هذا كله إن ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه مرة تاماً فخاف إن رواه ثانياً ناقصاً أن يتهم بزيادة فيما رواه أوَّلاً، أو نسيان لغفلة وقلة ضبط فيما رواه ثانياً فلا يجوز له النقصان ثانياً إن تعين عليه.
وإلى هذا أشار بقوله: (وامنع) أيها المحدث حذف بعضر الخبر (لذي تهمة) أي لمن يُتَّهَم في روايته بعدم الضبط فيما رواه فإنه يجب عليه أن يزيل هذه التهمة فلا يروي ناقصاً، والتُّهَمةُ بضم التاء وفتح الهاء، كَهُمَزَة: الظنُّ، وتسكينُ الهاء لغة كما أفادها الفيومي نقلاً عن الفارابي.
(فإن) أبى إِلَّا أن يروى ناقصاً و (فعل) ذلك بأن حذف بعض الخبر فرواه مرة ناقصاً (فلا يكمل) أي لا يروى ذلك بعده تاماً (خوف وصف) أي لأجل خوف وصفه (بخلل) في روايته. وحاصل المعنى أنه إن خاف على نفسه أن يتهم باضطراب نقله وجب الاحتراز عنه.
وإيضاح ذلك أنه لو رواه أولًا تاماً فخاف إن رواه ثانياً ناقصاً أن يتهم بزيادة فيما رواه أولًا أو نسيان لغفلة وقلة ضبط فيما رواه ثانياً فلا يجوز له النقصان ثانياً ولا ابتداءً إِن تعين عليه أداء تمامه لئلا يخرج بذلك باقيه عن الاحتجاج به.
فإن أبى إلا أن يرويه ناقصاً ففعل فلا يكمله بعد ذلك أي لا يرويه تاماً بل يكتم الزيادة.
قال سليم الرازي: فإن رواه ناقصاً أولًا ثم أراد روايته تاماً وكان ممن يتهم بالزيادة كان ذلك عذراً له في تركها وكتمانها.
وتوقف فيه العز بن جماعة لأن المفسدة المترتبة على الكتم وتضييع الحكم أشد من الاتهام وما يتعلق به، وأشد المفسدتين يترك بارتكاب الأخف إذا تعين طريقاً خصوصاً والزيادة غير قادحة، وأخص منه إذا قلنا: إنها مقبولة، وكيف يكون ذلك عذراً في شيء تحمله عن النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن يحمل العذر على أنه عذر في التأخير لا الإهمال، ويتطرق إلى هذا أيضاً الكلام في وقت الحاجة باعتبار التأخير عنها، لأنه بذلك يعرض الزائد لإخراجه عن حيز الاستشهاد به أو المتابعة ونحوِهَا ذكره السخاوي رحمه الله.
وكل ما تقدم من جواز الاقتصار على بعض الحديث في حال الرواية، وأما تقطيعُهً في حال التصنيف فقد أشار إليه بقوله (والخلف) بضم فسكون مبتدأ خبره جملة " يجري " أي الاختلاف بين العلماء.
(في التقطيع) متعلق بيجري أي تقطيع المصنف للحديث الواحد وتفريقه (في التصنيف) أي في حال تصنيفه للكتاب، أو التصنيفُ بمعنى
المصنف، أي في الكتاب المصنف، والجار والمجرور متعلق بالتقطيع (يجري) أي الخلف.
وحاصل المعنى: أن تقطيع المصنف للحديث الواحد وتفريقه في الأبواب بحسب الاحتجاج به على مسألة يجري فيه الخلاف كما جرى في سابقه (و) لكن هذا (أولى منه) أي من الاختصار السابق (بالتخفيف) أي تحقيق كراهته.
يعني أن هذا أقرب إلى الجواز، وأبعد من المنع، وقد فعله الأئمة.
والحاصل: أن تقطيع المتن الواحد المشتمل على عدة أحكام كحديث جابر الطويل في الحج، ونحوه في الأبواب المتفرقة إلى الجواز أقرب، وإن كان فيه اختلاف، فقد رُوِي عن أحمد أنه قال: ينبغي أن لا يُفعَلَ، حكاه عنه الخلال، وقال ابن الصلاح: لا يخلو من كراهة.
وقال السخاوي رحمه الله: ما حاصله: وصرح الرشيد العطار بالخلاف فيه وأن المنع ظاهر صنيع مسلم، فإنه لكونه لم يقصد ما قصده البخاري من استنباط الأحكام يورد الحديث بتمامه من غير تقطيع له ولا اختصار إذا لم يقل فيه مثل حديث فلان أو نحوه، ولكن قال النووي: إنه يبعد طرد الخلاف فيه، وقد فعله من الأئمة أحمد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي، وغيرهم، قديماً وحديثاً، ونسب أيضاً للإمام مالك مع تصريحه بالمنع في حديث الرسول إلا أن يفرق بين الرواية والتأليف.
وقال أيضاً بعد ذكر قول ابن الصلاح: إنه لا يخلو من كراهة: ما نصه: يعني فإنه إخراج للحديث المروي عن الكيفية المخصوصة التي أورد عليها.
لكن قد نازعه النووي فقال: ما أظن غيره يوافقه على ذلك بل بالغ الحافظ عبد الغني بن سعيد وكاد أن يجعله مستحباً.
قال السخاوي: قلت: لا سيما إذا كان المعنى المستنبط من تلك القطعة يدق فإن إيراده، والحالة هذه بتمامه تقتضي مزيد تعب في استخلاصه بخلاف الاقتصار على محل الاستشهاد ففيه تخفيف.
والتحقيق كما أشار إليه ابن دقيق العيد في شرح الإلمام التفصيل فإن قطع أنه لا يخل المحذوف بالباقي فلا كراهة وإن نزل عن هذه المرتبة ترتبت الكراهة بحسب مراتبه في ظهور ارتباط بعضه ببعض وخفائه اهـ. كلام المحقق السخاوي رحمه الله جـ 3 ص 157.
ثم ذكر اللحن، والتصحيف، والتحريف، وحث على تعلم النحو، واللغة، والأخذ من أفواه المشايخ، فقال:
501 -
وَاحْذَرْ مِنَ اللَّحْنِ أَوِ التَّصْحِيفِ
…
خَوْفًا مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّحْرِيفِ
502 -
فَالنَّحْوُ وَاللُّغَاتِ حَقُّ مَنْ طَلَبْ
…
وَخُذْ مِنَ الأَفْوَاهِ لا مِنَ الْكُتُبْ
واللحن هو الخطأ في الإعراب والتصحيف الخطأ في الحروف بالنقط كإبدال الزاي في البزاز راء، والتحريف الخطأ فيها بالشكل، كقراءة حَجَر محرك أوله وثانيه بتحريك أوله وتسكين ثانيه قاله زكريا.
(واحذر) أيها المحدث، يقال: حَذِرَ حَذَراً من باب تعب، واحتذر، واحترز كلها بمعنى: استعد، وتأهب، فهو حاذر، وحَذِر، والاسم منه الحِذرُ مثل حِمْل، وحَذِرَ الشيءَ إذا خافه قاله في المصباح.
فالمعنى هنا: استَعِدَّ وتأهَّبْ للابتعاد من اللحن، أو خَفْ مَعَرَّةَ اللَّحنِ وخَطَرَهُ (من اللحن) أي الوقوع فيه في الألفاظ النبوية، يقال: لَحَن في كلامه لَحْناً من باب نَفَعَ أخطأ الإعراب، وخالف وجه الصواب قاله في المصباح.
(أو) من (التصحيف) في الألفاظ، وفي أسماء الرواة، ولو كان لا يلحن، وهو تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المرادُ من الموضع، وأصله
الخطأ، يقال: صحفه فتصحف أي غيره فتغير حتى التبس قاله في المصباح.
فالتصحيف على هذا أعم من اللحن، وعلى ما تقدم عن زكريا مغاير (خوفاً) أي لأجل خوفك، أو حذرتك لأجل خوفي عليك (من التبديل) أي تغيير كلامه صلى الله عليه وسلم (والتحريف) له عطف على التبديل عَطْفَ تفسير.
وحاصل معنى البيت احذر أيها المحدث من اللحن أو التصحيف في حديثه صلى الله عليه وسلم لئلا تغير كلامه فتدخل في جملة مَن كَذب عليه، فقد قال الأصمعي: إن أخوف ما أخاف على طالب العلم إذا لم يعرف النحو أن يدخل في جملة قوله صلى الله عليه وسلم: " من كذب عليَّ فَلْيَتَبَوَّا مقعده من النار " لأنه لم يكن يلحن، فمهما رويت عنه، ولحنت فيه فقد كذبت عليه. وعن حماد بن سلمة أنه قال لإنسان: إن لحنت في حديثي فقد كذبت عليّ، فإني لا ألحن، وقد كان حماد إماماً في ذلك.
وعن سيبويه أنه شكا إلى الخليل بن أحمد حمادَ بن سلمة هذا، قال: سألته عن حديث هشام بن عروة عن أبيه في رجل رَعُفَ فانتهرني وقال: أخطأت إنما هو رَعَفَ أي بفتح العين، فقال الخليل: صدق، أتلقى بهذا الكلام أبا سلمة؟ وهو مما ذكر في سبب تعلم سيبويه العربية. ويقال أيضاً: هو سبب تعلم ثابت البناني لها. فإذا كان الأمر كما وصفنا والحال ما بيّنا (فـ) نقول (النحو) أي تعلم قواعده، وهو علم بأصول مستنبطة من اللسان العربي، يعرف بها أحوال الكلمات العربية إفراداً وتركيباً، وضعت حين اختلاط العجم ونحوهم بالعرب، واضطراب العربية بسبب ذلك.
(و) تعلم (اللغات) جمع لغة، هي: العلم بالألفاظ الموضوعة للمعاني ليتوصل بها إليها تكلماً، فقوله: النحو مبتدأ واللغات عطف عليه وخبره قوله (حق من طلب) الحديث.
وحاصل المعنى: أن تعلم قواعد النحو واللغة واجب على طالب علم الحديث، وغيره، بحيث يتعلم من كل منهما ما يتخلص به عن شين اللحن
والتصحيف. وصرح بالوجوب العز بن عبد السلام، وغيره، وأقل ما يكفي فيهما أن يعرف منهما ما إذا قرأ لا يلحن، وإذا كتب لا يلحن، أفاده السخاوي.
(و) إذا أردت السلامة من اللحن والتصحيف في الأسماء والألفاظ فـ (ـخذ) لها (من الأفواه) أي أفواه العلماء الضابطين لذلك، الآخذين عمن تقدم من شيوخهم، وهلم جرًّا (لا) تأخذ ذلك (من) بطون (الكتب) والصحف، من غير تدريب المشايخ.
إذ يوجد في الكتب أشياء تصد عن العلم، وهي معدومة عند الطالب، كالتصحيف العارض من اشتباه الحروف مع عدم اللفظ، وقلة الخبرة بالإعراب، وكتابةِ ما لا يُقرأ، وقراءة ما لا يكتب وغير ذلك.
ومن ثم قال العلماء: لا تأخذوا القرآن من مُصْحَفي، ولا العلم من صحفي، وعن ثور بن يزيد: لا يفتي النَّاس صَحَفي، ولا يقرؤهم مُصْحَفِي.
ثم ذكر كيفية الرواية إذا وقع في الأصل اللحن، أو التحريف فقال:
503 -
فِي خَطَأٍ وَلَحْنٍ أَصْلٍ يُرْوَى
…
عَلَى الصَّوَابِ مُعْرَبًا فِي الأَقْوَى
504 -
ثَالِثُهَا: تَرْك كِلَيْهِمَا وَلا
…
تَمْحُ مِنَ الأَصْلِ، عَلَى مَا انْتُخِلا
505 -
بَلْ أَبْقِهِ مُضَبَّبًا وَبَيِّنِ
…
صَوَابَهُ فِي هَامِشٍ، ثُمَّ إِنِ
506 -
تَقْرَأْهُ قَدِّمْ مُصْلَحًا فِي الأَوْلَى
…
وَالأَخْذُ مِنْ مَتْنٍ سِوَاهُ أَوْلَى
(في خطأ) متعلق بيروى أي في وقوع خطأ من تحريف، وتصحيف، فالخطأ بمعنى التصحيف فيما تقدم. (ولحن أصل) أي خطأ إعراب في أصل الرواية، أو ما يقوم مقامه، من فرع مقابَلٍ به (يروى) بالبناء للمفعول، أي يرويه المحدث من أول الْوَهْلَة على الوجه (الصواب) حال كونه (معرباً) أي مبيناً، ومطبقاً على القواعد العربية (في الأقوى) متعلق بيروى، أو خبر لمحذوف أي ذلك في القول الأقوى، أي الأرجح لقوة
دليله. وهو قول الأكثرين، ومنهم همام، وابن المبارك، وابن عيينة، والنضر بن شميل، وأبو عبيد، وعفان، وابن المديني، وابن راهويه، والحسن بن علي الحلواني، والحسن بن محمد الزعفراني، وغيرهم، وصوبه من المتأخرين ابن كثير، بل هو مذهب المحصلين والعلماء من المحدثين.
وحاصل المعنى: أنه إذا وقع في الأصل لحن، أو تحريف فالصَّحِيح من أقوال العلماء أنه يرويه على الوجه الأصوب وهو قول أكثر العلماء، ولا سيما في اللحن الذي لا يختلف به المعنى.
وقيل: يرويه على الخطأ كما سمعه، وبه قال ابن سيرين، وعبد الله ابن سخبرة أبو معمر، وأبو عبيد، قال ابن الصلاح: هذا غلو في مذهب اتباع اللفظ وَمَنْعِ الرواية بالمعنى، وهذا القول: هو المطوي في قوله: (ثالثها) أي الأقوال المروية في المسألة مبتدأ، خبره قوله:(ترك كليهما) أي الخطأِ والصوابِ، وهو قول العز بن عبد السلام، لأن الصواب لم يسمعه، والخطأ لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا الخلاف في القراءة، وأما الإصلاح في الكتاب، فقد بينه بقوله:(ولا تمح) أي لا تُزِلِ الخطأ واللحن (من الأصل) أي النسخة المسموعة على الشيخ، وكذا الفرع المقابَلُ بها (على ما انتخِلا) بالبناء للمفعول، والألف للإطلاق، أي على القول المختار، يقال: انتخلت الشيء: أخذت أفضله، وتنخلت كلامه تخيرت أجوده. أفاده في المصباح.
والجار والمجرور متعلق بتمح، أو خبر لمحذوف، أي ذلك كائن على القول المختار. (بل أبقه) على ما هو عليه (مضبباً) بصيغة اسم الفاعل، أو المفعول، حال من الفاعل، أو المفعول، أي حال كونك مضبباً أو حال كونه مضبباً عليه بالعلامةِ المنبهمةِ على خَلَلِهِ.
(وبين) أمر من التبيين (صوابه) أن وضح مع التضبيب عليه ما ظهر
لك أنه الصواب (في هامش) متعلق ببين، أي حاشية ذلك الأصل، وهي كلمة مولدة كما قَدَّمنا عن " ق ".
وحاصل المعنى أنه إذا وقع الخَطَأ في أصل الكتاب فلا تغيره، بل اتركه على حاله، ولكن ضبب عليه، أي عَلِّم عليه بعلامة تُبَيِّنُ أنه خطأ ثم بيّن الصواب خارجاً في حاشية الكتاب، لأن ذلك أجمع للمصلحة، وأنفى للمفسدة.
قال ابن الصلاح: وكثير ما نرى ما يتوهمه كثير من أهل العلم خطأ وربما غيروه صواباً ذا وجه صحيح، وإن خفى، واستغرب، لا سيما فيما يعدونه خطأ من جهة العربية، وذلك لكثرة لغات العرب، وتشعبها، قال الإمام الشافعي رحمه الله: لا يحيط باللغة إلا نبي.
ولقد صدق من قال:
وَكَمْ من عائبٍ قولاً صحيحاً
…
وآفتُهُ مِنَ الفَهْمِ السَّقِيم
ومقابل المختار، قول من جوز تغييره وإصلاحه، ومنهم أبو الوليد هشام بن أحمد الكناني الوَقْشِي وغيره.
ثم بيّن كيفية قراءته فقال:
(ثم إن تقرأه) فيه التضمين وكثيراً ما يستعمله الناظم لأنه مغتفر للمولدين، أي إن ترد قراءة الأصل الذي وقع فيه الخطأ الذي أصْلحته في الهامش (قدم) جواب إن بحذف الفاء للضرورة، (مصلحاً) بفتح اللام مفعوله، أي صواباً مصلحاً في الهامش (في الأولى) أي الوجه الأحسن، متعلق بقدم، أو خبر لمحذوف، أي ذلك كائن في الأولى، ثم تَذكر ما وقع في الأصل، بأن تقول بعد قراءة الصواب: وقع في روايتنا، أو عند شيخنا، أو من طريق فلان كذا.
ومقابل الأولى: هو أن يقرأ ما في الأصل أولًا، ثم يذكر الصواب، وإنما كان الأول أولى لئلا يَتَقَوَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل.
(والأخذ) مبتدأ أي أخذ الصواب (من متن سواه) أي حديث آخر وَارِد من غير تلك الطريق، فضلاً عنها (أولى) خبر المبتدإ، أي أحسن، لأنه بذلك أمِنَ من أن يكون مُتَقَوِّلًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل كما أن خير ما فسر به غريب الحديث ما جاء في روايته أخرى كما سيأتي.
هذا كله في الخطأ الناشئ عن اللحن والتصحيف، وأما الناشئ عن سقط خفيف فذكره بقوله:
507 -
وَإِنْ يَكُ السَّاقِطُ لا يُغَيِّرُ
…
كَابْنٍ وَحَرْفٍ زِدْ وَلا تُعَسَّرُ
508 -
كَذَاكَ مَا غَايَرَ حَيْثُ يُعْلَمُ
…
إِتْيَانُهُ مِمَّنْ عَلا، وَأَلْزَمُوا
509 -
" يَعْنِي " .............
…
........................
(وإن يك الساقط) من الأصل (لا يغير) المعنى إسقاطه وذلك (كـ) لفظة (ابن) من مثل حدثنا حجاج عن ابن جريجٍ (وحرف) مثل الألف والواو (زد) أيها المحدث في الأصل (ولا تعسر) بالبناء للمفعول حال من فاعل زد، أي حال كونك غير مضيق عليك في ذلك، بأن تنبه على ذلك كالسابق.
وحاصل معنى البيت: أنه إذا كان الساقط من الأصل شيئاً يسيراً يعلم أنه سقط في الكتابة، وهو معروف كلفظ ابن في النسب وكحرف لا يختلف به المعنى فلا بأس بإلحاقه في الأصل من غير تنبيه على سقوطه، كما نص على ذلك الإمامان مالك، وأحمد (كذاك) أي مثل هذا الحكم وهو جواز الإلحاق للساقط حكم (ما غاير) أي الساقط الذي غاير معنى ما وقع في الأصل (حيث يعلم) بالبناء للمفعول نائب الفاعل قوله:(إتيانه) أي مجيئه (ممن علا) أي الرواة المتقدمين بأن علم أن بعض من تأخر من الرواة أسقطه مع ذكر من فوقه له فله أيضاً أن يلحقه في الأصل (وألزموا) أي أهل الحديث حينئذ أن يأتي بكلمة (يعني) قبله.
وحاصل معنى البيت: أنه إذا كان الساقط المغاير لمعنى الأصل يعلم أنه سقط من بعض من تأخر من رواة الحديث وأن من فوقه من الرواة أتى
به فإنه يزاد في الأصل لكن بعد كلمة " يعني " كما فعل ذلك الخطيب، حيث روي عن أبي عمر بن مهدي عن المحاملي بسنده إلى عروة عن عمرة يعني عن عائشة قالت:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إليَّ رأسه فأرَجِّلُهُ " قال الخطيب: كان في أصل ابن مهدي عن عمرة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدني إلى رأسه فألحقنا فيه ذكر عائشة إذ لم يكن منه بُدٌّ، وعلمنا أن المحاملي كذلك رواه، وإنما سقط من كتاب شيخنا، وقلنا فيه: يعني عن عائشة، لأن ابن مهدي لم يقل لنا ذلك، قال: وهكذا رأيت غير واحد من شيوخنا يفعل في مثل هذا، ثم روى عن وكيع قال: إنا لنستعين في الحديث بيعني.
ثم ذكر حكم ما يدرس في الكتاب من بعض المتن أو الإسناد بتقطع، أو بلل، أو نحوه فقال:
........ وَمَا يَدْرُسُ فِي الْكِتَابِ
…
مِنْ غَيْرِهِ يُلْحَقُ فِي الصَّوَابِ
510 -
كَمَا إِذَا يَشُكُّ وَاسْتَثْبَتَ مِنْ
…
مُعْتَمَدٍ، وَفِيهِمَا نَدْبًا أَبِنْ
(وما يدرس) أي الذي يمحى ويسقط، من درس الشيء يدرس من باب قعد: عفا وخفيت آثاره، ودرس الكتاب عَتُقَ، فهو بالبناء للفاعل، وما في الشرح من ضبطه بالبناء للمفعول فلا يعول عليه. (في الكتاب) أي كتاب المحدث بنحو تقطع، أو بلل، متعلق بما قبله (من غيره) أي كتاب غيره متعلق بـ (ـيلحق) بالبناء للمفعول، خبر ما، وهذا (في) القول (الصواب) ومقابله منع بعضهم من ذلك.
وحاصل معنى البيت: أنه إذا دَرَسَ من كتابه بعض الإسناد، أو المتن بتقطع، أو بلل، أو أكل أرضة، أو نحو ذلك، فإن يجوز له استداركه من كتاب غيره إذا عرف صحته، ووثق به، بأن يكون أخذه عن شيخه، وهو ثقة، وسكنت نفسه إلى أن ذلك هو الساقط وهذا قول أهل التحقيق، وممن فعله نعيم بن حماد.
ومنعه بعضهم وإن كان معروفاً محفوظاً، نقله الخطيب عن أبي
محمد بن ماسى. (كما إذا يشك) خبر لمحذوف أي وذلك مثل ما إذا يشك الحافظ في بعض محفوظاته (واستثبت) أي طلب التثبت (من) حافظ (معتمد) عليه من حفظه، أو كتابه فَثَبَّتهُ.
وحاصل المعنى: أنه إذا شك المحدث في شيء فاستثبت من ثقة معتمد عليه فثَبَّتَهُ من حفظه، أو كتابه، كما روى ذلك عن أبي عوانة، وأحمد بن حنبل، وغيرهما جاز ذلك.
(وفيهما) متعلق بأبِنْ، أي في الصورتين المذكورتين، وهما إذا درس بعضُ ما في الكتاب فألحقه من غيره، وإذا شك في شيء فَثَبَّته غيره (ندباً) حال مما فهم من قوله:(أبن) أي أظهر وبين ذلك عند الرواية حال كون البيان مندوباً، أو ذا ندب كما صرح به الخطيب في الأولى، وحكاه في الثانية عن يزيد بن هارون.
ثم بيَّن حكم من أشكل عليه شيء من غريب ألفاظ الحديث فقال رحمه الله تعالى:
511 -
وَمَنْ عَلَيْهِ كَلِمَاتٌ تُشْكِلُ
…
يَرْوِي عَلَى مَا أَوْضَحُوا إِذْ يَسْأَلُ
(ومن) مبتدأ أي الراوي الذي (عليه) متعلق بتشكل (كلمات) مبتدأ سوغه كونه فاعلاً في المعنى (تشكل) في ضبطها خبر كلمات، والجملة صلةُ مَنْ، وقوله:(يروي) خبرُ مَنْ، أي تلك الكلمة المشكلة (على ما) أي الضبط الذي (أوضحوا) له (إِذ يَسْأل) أي وقت سؤاله.
وحاصل معنى البيت: أنه إذا وجد الراوي في كتابه كلمة أو أكثر من غريب العربية غير مضبوطة، وأشكلت عليه جاز أن يسأل عنها العلماء بها، ويرويها على ما يخبرونه به فعل ذلك أحمد، وإسحاق، وغيرهما.
ثم بيّن حكم اختلاف ألفاظ الشيوخ فقال رحمه الله:
512 -
وَمَنْ رَوَى مَتْنًا عَنَ أشْيَاخٍ وَقَدْ
…
تَوَافَقَا مَعْنًى وَلَفْظٌ مَا اتَّحَدْ
513 -
مُقْتَصِرًا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَلَمْ
…
يُبَيِّنِ اخْتِصَاصَهُ فَلَمْ يُلَمْ
514 -
أَوْ قَالَ قَدْ تَقَارَبَا فِي اللَّفْظِ أَوْ
…
وَاتَّحَدَ الْمَعْنَى عَلَى خُلْفٍ حَكَوْا
515 -
وَإِنْ يَكُنْ لِلَفْظِهِ يُبَيِّنُ
…
مَعْ " قَالَ " أَوْ " قَالا " فَذَاكَ أَحْسَنُ
(ومن) مبتدأ، شرطية، أو موصولة (روى متناً) أي حديثاً (عن أشياخ) اثنين فأكثر (و) الحال أنه (قد توافقا) والأولى أن يقول: توافقوا، لأنه راجع إلى الأشياخ أي توافق الأشياخ في ذلك الحديث (معنى) أي من حيث المعنى (و) الحال أنه (لفظ) منه مبتدأ سوغه المقدر (ما) نافية (اتحد) بل اختلف، والجملة خبر لفظ، والجملة حال من متناً (مقتصراً) أي حال كون الراوي مكتفياً (بلفظ واحد) من الأشياخ، ضمنه معنى مكتفياً فعداه بالباء (و) الحال أنه (لم يبين) حِينَ فَعَلَ ذلك (اختصاصه) أي اختصاص ذلك اللفظ بذلك الواحد، بل سمي كلهم حَمْلاً للفظهم على لفظه (فلم يلم) جواب من، أو خبره، أي لم يُعْذَل في فعله هذا، لأنه جائز، وواقع من المحدثين.
وهذا على رأي من يجوز الرواية بالمعنى، وهم الجمهور كما سبق.
(أو قال) ذلك الراوي الذي اقتصر علهى لفظ أحد المشايخ، فهو عطف على قوله: ولم يبين إلخ، فهو في موضع الحال.
(قد تقاربا) ولو قال: تقاربوا لكان أوفق لعبارته لأنه عبر بأشياخ وإن كان المعنى شيخين فأكثر.
بأن قال: أخبرنا فلان وفلان وقد تقاربا (في اللفظ) أي لفظ ذلك الحديث، فهذا أيضاً جائز على رأي المجوزين للرواية بالمعنى (أو واتحد المعنى) عطف على ما قبله فهو مقول لقال، أي قال: أخبرنا فلان، وفلان. والمعنى واحد، فهو أيضاً جائز على رأيهم وقوله:(على خلف) بضم الخاء أي اختلاف بين العلماء (حكوا) أي المحدثون خبر لمحذوف، أي عدمُ اللوم في هذه المسائل مبني على الخلاف في جواز الرواية بالمعنى، فمن جوزها، وهم الأكثرون فلا لوم عليه عنده، ومن منعها فعليه اللوم عنده. (وإن يكن) الراوي (للفظه) أي لفظ ذلك الواحد (يبين) أي
يظهره، بأن يقول: اللفظ لفلان، أو هذا لفظ فلان (مع) ذكره لفظة (قال) بالإفراد (أو قالا) بالتثنية، وكذا بالجمع (فذاك أحسن) من جميع ما تقدم، لأنه أبين. وأصرح في المراد.
وحاصل ما أشار إليه الناظم في هذه الأبيات؛ أنه إذا كان عند المحدث حديث عن اثنين، فأكثر فاتفقا في المعنى دون اللفظ، فله جمعهما في الإسناد، ثم يسوق الحديث على لفظ أحدهما، فيقول: أخبرنا فلان وفلان واللفظ لفلان، أو وهذا لفظ فلان، قال، أو قالا: أخبرنا فلان ونحوه من العبارات.
ولمسلم رحمه الله في صحيحه: عبارة حسنة كقوله حدثنا أبو بكر، وأبو سعيد كلاهما، عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد، عن الأعمش فظاهره أن اللفظ لأبي بكر، قال العراقي: ويحتمل أنه أعاده لبيان التصريح بالتحديث، وأن الأشج لم يصرح به.
فإن لم يخص، فقال: أخبرنا فلان وفلان وتقاربا فلا بأس به على جواز الرواية بالمعنى، وإن كان قد عيب به البخاري وغيره.
ثم ذكر حكم من سمع كتاباً على جماعة، فقابل نسخته بأصل بعضهم، فقال:
516 -
وَإِنْ رَوَى عَنْهُمْ كِتَابًا قُوبِلا
…
بِأَصْلِ وَاحِدٍ يُبِينُ: احْتَمَلا
517 -
جَوَازَهُ وَمَنْعَهُ، وَفُصِّلا
…
مُخْتَلِفٌ بِمُسْتَقِلٍّ وَبِلا
(وإن روي عنهم) أي عن الأشياخ (كتاباً) منَ الكتبَ المصنفَة، كالموطأ، والبخاري، يعني: أنه سمع ذلك الكتاب عنهم، وأراد روايته عنهم كُلِّهِم (قوبلا) الألف إطلاقية، والجملة صفة كتاباً، أي مقابلاً (بأصل واحد) أي شيخ واحد من الأشياخ، دون غيره. وقوله:(يبين) جملة حالية من فاعل روى، أي حال كونه مبيناً ذلك، بأن قال اللفظ لفلان يعني المقَابَلَ بأصله.
وقوله: (احتملا) جواب إن والألف إطلاقية، والفاعل ضمير يعود إلى
المفهوم من سابقه أي احتمل هو أي فعله هذا (جوازه) بالنصب على المفعولية، لأن ما أورده قد سمعه بنصه ممن يذكر أنه لفظه (و) احتمل (منعَه) لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها.
وحاصل المعنى: أنه إذا سمع الراوي كتاباً مصنفاً، فقابل نسخته بأصل بعضهم، دون الباقين، ثم رواه عنهم كُلِّهِم، وبيّن أن اللفظ لفلان المُقَابَلِ بأصله احتمل جوازه كالأول، لأن ما أورده سمعه بنصه ممن ذكر أن اللفظ له، واحتمل منعه لأنه لا علم عنده بكيفية رواية الآخرين حتى يخبر عنها، بخلاف ما سبق، فإنه اطلع فيه على موافقة المعنى. قاله ابن الصلاح، وحكاه أيضاً العراقي، ولم يرجح شيئاً من الاحتمالين. قلت: يأتي قريباً ما يرجح به أحد الاحتمالين.
(تنبيه): قال في المصباح في مادة حَمَل: الاحتمال في اصطلاحِ الفقهاء، والمتكلمين يجوز استعماله بمعنى الوَهْمِ، والجوازِ، فيكون لازماً، وبمعنى الاقتضاء والتضمن، فيكون متعدياً: مثل احتمل أن يكون كذا، واحتمل الحال وجوهاً كثيرة اهـ.
قلت: المناسب في النظم هو المتعدي، والمعنى تضمن فعله هذا الجوازَ والمنعَ.
ثم ذكر تفصيلًا آخر يُرَجَّحُ به أحد الاحتمالين المذكورين فقال: (وفصلا) هذا الحكم مبني للمفعول، والألف للإطلاق من التفصيل، ونائب فاعله قوله (مختلف بمستقل) أي طريقٌ مُتَباين بحديث مستقلٍّ (وبلا) أي بغير مستقل، يعني: أنه يفصل، فينظر إلى اختلاف الرواية، فإن اختلفت بأحاديث مستقلة، فلا يجوز، وإن كان بغير مستقل: كَلغَاتٍ، وضبط ألفاظ جاز.
وحاصل المعنى: أنه ينظر إلى اختلاف الطرق، فإن كانت متباينة بأحاديث مستقلة لم يجز أن يروي مقتصراً على رواية واحد منهم، وإن كان تفاوتت في ألفاظ، أو لغات أو اختلاف ضبط جاز، وهذا التفصيل منقول عن البدر بن جماعة في المنهل الروي.
ثم ذكر حكم الزيادة على الرواية في نَسَبَ الشيخ حيث لم يقع فيها أصلاً، أو وقع لكن بأول المروي دون باقي أحاديثه فقال:
518 -
وَلا تَزِدْ فِي نَسَبٍ أَوْ وَصْفِ مَنْ
…
فَوْقَ شُيُوخٍ عَنْهُمُ مَا لَمْ يُبَنْ
519 -
بِنَحْوِ " يَعْنِي " أَوْ بِـ " أَنَّ " أَوْ بِـ " هُو "
…
أَمَّا إِذَا أَتَمَّهُ أَوَّلَهُ
520 -
أَجِزْهُ فِي الْبَاقِي لَدَى الْجُمْهُورِ
…
وَالْفَصْلُ أَوْلَى قَاصِرَ الْمَذْكُورِ
(ولا تزد) أيها الراوي على ما حدثك به شيخك (في نسب) أى نسب غير شيخك (أو وصف من فوق شيوخ) أي فوق شيوخك الذين أخذت عنهم، وأما هم فلك ذكر نسبهم، ووصفهم، كيف شئت، لأنك لست ناقلاً عن غيرك (عنهم) بضم الميم متعلق بيبن قدم على ما المصدرية الظرفية للضرورة، والضمير عائد على مَنْ. (ما) مصدرية ظرفية (لم يبن) بالبناء للمفعول من الإبانة أي ما لم يفصلْ، ويميزْ ما تزيده (بنحو) كلمة (يعني) كقولك: يعني ابن فلان (أو بأنَّ) أي بكلمة أنَّ بفتح الهمزة وتشديد النون كقولك: أنَّ فلان ابن فلان أخبره.
(أو) بكلمة (هو) كقولك: هو ابن فلان هذا كله فيما إذا لم يتمه شيخك في أوله. و (أما إذا أتمه) الشيخ الذي حدثك أي أتم المذكور من النسب والوصف (أوله) منصوب على الظرفية، لأتم، أي في أول الكتاب، أو الجزء بأن ساق في أوله نسب الشيخ وَوَصْفَه، ثم اقتصر بعد ذلك على اسمه خاصة، أو بعض نسبه (أجزه) أمر من الإجازة جواب " أما " بحذف الفاء، أي فأجز أيها الراوي إتمام ما ذكر (في الباقي) أي فيما بعد الأول اعتماداً على ذكره كذلك أوَّلاً (لدى الجمهور) خبر لمحذوف أي هذا عند جمهور العلماء، أو متعلق بأجز. (والفصل أولى) مبتدأ وخبر، أي فصل الزائد بيعني ونحوها أحسن وأتم لما فيه من الإفصاح بصورة الحال، وعدم الإدراج، والفرق بين هذا، وبين ما تقدم حيث وجب هناك ولم يجب هنا أن هناك لم يذكر المدرج أصلًا فهو إدراج لما لم يسمعه فوجب الفصلِ بخلافه هنا. وقوله:(قاصر المذكور) حال من الفصل أي حال كونه قاصراً
لما ذكره الشيخ يعني أنه يقتصر على ما ذكره الشيخ ثم يذكر ما يريد زيادته بعد ذكر الفاصل المتقدم.
وحاصل ما أشار إليه الناظم في هذه الأبيات الثلاثة: أنه إذا سمع من شيخ حديثاً فاقتصر شيخه في نسب شيخه، أو من فوقه، أو صفته فليس له أن يزيد على ما ذكر شيخه، إلا أن يميزه فيقول: مثلاً هو ابن فلان الفلاني، أو يعني ابن فلان ونحوه هذا إذا لم يذكره بالتمام في أول الكتاب ونحوه، فإما إذا ذكره بالتمام في أوله، ثم اقتصر في باقي أحاديثه على بعضه، فقد حكى الخطيب عن أكثر العلماء جواز روايته تلك الأحاديث مفصولة عن الحديث الأول، مستوفياً نسب شيخ شيخه. وعن بعضهم الأوْلَى أن يقول: يعني ابن فلان، وعن علي بن المديني وغيره أنه يقول: حدثني شيخي أن فلان ابن فلان حدثه وعن بعضهم أخبرنا فلان هو ابن فلان، واستحبه الخطيب، وكله جائز وأوْلَاهُ هو ابن فلان، أو يعني ابن فلان، ثم قوله: أنَّ فلان ابن فلان، ثم أن يذكره بتمامه من غير فصل.
(تنبيه): قال في الاقتراح: ومن الممنوع أيضاً أن يزيد في تاريخ السماع إذا لم يذكره الشيخ، أو يقول بقراءة فلان، أو بتخريج فلان حيث لم يذكره اهـ.
ثم ذكر ما جرت به العادة من حذف قال ونحوه بين رجال الإسناد خَطًّا فقال:
521 -
وَ " قَالَ " فِي الإِسْنَادِ قُلْهَا نُطْقًا اوْ
…
" قِيلَ لَهُ " وَالتَّرْكَ جَائِزًا رَأَوْا
(وقال) أي لفظها، مبتدأ لقصد لفظه، أو مفعول لمحذوف يفسره ما بعده، أي قل لفظة قال:(في الإسناد) أي فيما بين رجال الإسناد متعلق بقوله: (قلها) أي تلفظ بها (نطقاً) مفعول مطلق لقل وإنما أتى به لأن قال: تطلق على معان. قال ابن الأنباري: قال: يجيء بمعنى تكلم، وضرب، وغلب، ومات، ومال، واستراح، وأقبل، ويعبر بها عن التهيؤ للأفعال، والاستعداد
لها، يقال: قال فأكل، وقال، فضرب، وقال، فتكلم، ونحوه. ذكره في " ق " ونظمت ذلك بقولي:
تَجِيء قَالَ لِمَعَانٍ تُجْتَلَى
…
تَكَلّمَ اسْتَرَاحَ مَاتَ أقْبَلَا
وَمَالَ مَعْ ضَرَبَ ثُمَّ غَلَبَا
…
وَللتَّهَيُّؤِ لِفِعْلٍ يُجَتَبَى
فَجُمْلَةُ الْمَعَانِ قُلْ ثَمَانِيَهْ
…
فَاَحْفَظْ فَإِنَّهَا مَعَاني سَامِيَهْ
فلما كان المراد بها هنا التلفظ أكده بقوله: نطقًا.
والمعنى: أنك تتلفظ بكلمة قال بين رجال الإسناد إذا حُذِفَتْ اختصاراً.
(أو) بمعنى الواو (قيل له) أي اذكر كلمة قيل له فيما إذا كان فيه قُرِئَ على فلان أخبرك فلان فتقول قيل له: أخبرك فلان (والترك) مفعول به لرأوا أي ترك تلفظ القارئ بهما (جائزاً) حال أو مفعول ثان لقوله: (رأوا) والأول الترك، أي لو ترك القارئ التلفظ بهما رأوا، جوازَ السماعِ مع كونه مخطئاً.
وحاصل ما أشار إليه في النظم: أنه جرت عادة المحدثين بحذف قال ونحوه بين رجال الإسناد خَطًّا اختصاراً ولا بد للقارئ من التلفظ بها حال القراءة.
وإذا كان فيه قرئ على فلان أخبرك فلان أو قرئ على فلان حدثنا فلان فليقل القارئ في الأول: قيل له أخبرك فلان وفي الثاني: قال حدثنا فلان.
وإذا كان قرأت على فلان أخبرك فلان قال قلت له: أخبرك فلان.
وإذا تكرر لفظ قال كقوله: حدثنا صالح قال: قال الشعبي: فإنهم يحذفون أحدهما خَطًّا، فليلفظ القارئ بهما، ولو ترك القارئ لفظ قال في هذا كله فقد أخطأ، والظاهر صحة السماع، لأن حذف القول جائزٌ اختصاراً جاء به القرآن العظيم.
(تنبيه): مما يحذف في الخط أيضاً لفظ أنه، كحديث البخاري عن عطاء بن أبي ميمونة سمع أنس بن مالك، أي أنه سمع، قال الحافظ ابن حجر في شرحه: لفظ أنه: يحذف في الخط عرفاً. اهـ، يعني أنه ينبغي التلفظ به.
(تنبيه) آخر: ومما يحذف أيضاً كلمة " كلاهما " كحديث البخاري أيضاً حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي ويحيى بن سعيد عن شعبة إلخ، قال الحافظ: وينبغي أن يثبت في القراءة قبل قوله: عن شعبة لفظ: " كلاهما " لأن كُلاًّ من ابن أبي عدي وَيَحْيَى رواه لمحمد بن بشار عن شعبة، وحذف كلاهما من الخط اصطلاح اهـ.
ثم ذكر كيفية رواية النسخ التي إسناد أحاديثها واحد كنسخة هَمَّام بن مُنَبِّهْ فقال:
522 -
وَنُسَخٌ إِسْنَادُهَا قَدِ اتَّحَدْ
…
نَدْبًا أَعِدْ فِي كُلِّ مَتْنٍ فِي الأَسَدّ
523 -
لا وَاجِبًا، وَالْبَدْءُ فِي أَغْلَبِهِ
…
بِهِ وَبَاقٍ أَدْرَجُوا مَعْ " وَبِهِ "
(ونسخ) مبتدأ خبره جملةً أعِد وهي جمع نسخة، وهي كما في المصباح: الكتاب المنقول (إسنادها) مبتدأ، أي إسناد تلك النسخ، وقوله:(قد اتحد) خبره، والجملة صفة لنُسَخ، أي ونسخ متحدة الإسناد كنسخة همام بن منبه روايةِ عبد الرزاق، عن معمر، عنه؛ ونسخةِ شعيب عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة. ونسخةِ عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. (ندباً) أي لأجل كونه مندوباً، أو حال كونه مندوباً، أو إعادة ندب. (أعد) إسنادها أيها المحدث، والجملة خبر " نسخ "(في كل متن) متعلق بِأعد، أي عند رواية كل متن من تلك النسخة (في) القول (الأسد) متعلق بأعد أيضاً، أو خبر لمحذوف، أي هذا كائن في القول الأسدى أي الأصوب.
وحاصل مَعْنى البيت: أن النسخ، والأجزاء التي متونها بإسناد واحد فقط، كالنسخ المذكورة فالأحوط في روايتها تجديد ذكر الإسناد عند كل
حديث منها، لما في ذلك من الاحتياط ويوجد ذلك في كثير من الأصول القديمة، كما قاله ابن الصلاح، وهذا على سبيل الندب لا على الوجوب كما قال:(لا واجباً) عطف على ندباً أي ليس ذلك على سبيل الوجوب، خلافاً لمن زعمه من أهل التشديد.
(والبدء) مبتدأ أي ابتداء الرواية (في أغلبه) أي أكثر الاستعمال، فالضمير راجع إلى المفهوم من السياق، والجار متعلق بما قبله، أو خبر له (به) أي الإسناد في أولها، أو أول كل مجلس من سماعها، وهو خبر المبتدإ، أو متعلق به.
(وباق) من الأحاديث (أدرجوا) أي ذكروه مندرجاً مع ما قبله (مع) ذكر لفظة (وبه) أي وبالإسناد المذكور، فقوله: وباق مبتدأ سوغه كونه موصوفاً بمحذوف، وخبره جملة أدرجوا بتقدير رابط، ومَعَ: مضافٌ، وبه: مضاف إليه، لقصد لفظه كما قدرناه.
وحاصل المعنى: أن الأغلب، والأكثر في الاستعمال، أن يبدأ بالإسناد في أولها، أو في أول كل مجلس من سماعها، ويدرج الباقي عليه بقوله في كل حديث بعد الحديث الأول: وبه، أو وبالإسناد، ونحو ذلك.
ثم إن من سمع هكذا هل له أن يفرد ما بعد الحديث الأول بالسَّند المذكور في أوله؟ اختلف العلماء فيه: منهم من جوز، ومنهم من منع، وأشار إليه بقوله:
524 -
وَجَازَ مَعْ ذَا ذِكْرُ بَعْضٍ بِالسَّنَدْ
…
مُنْفَرِدًا عَلَى الأَصَحِّ الْمُعْتَمَدْ
525 -
وَالْمَيْزُ أَوْلَى، وَالَّذِي يُعِيدُ
…
فِي آخِرِ الْكِتَابِ لا يُفِيدُ
(وجاز مع) بسكون العين (ذا) أي مع هذا الذي ذَكرناه، من الاكتفاء بعد الأول بذكر كلمة وبه، لمن سمع كذلك (ذكر بعض) بالرفع فاعل جاز، أي بعض أحاديث تلك النسخ، من أي مكان شاء.
(بالسَّند) المعطوف عليه (منفرداً) حال من بعض، لأن المضاف مصدر يعمل عمل الفعل كما قال ابن مالك:
وَلَا تُجِز حالاً من المضافِ له
…
إِلَّا إذا اقتضى المضافُ عملهْ
(على) القول (الأصح) من قولي العلماء (المعتمد) عليه، والجار متعلق بذكر، أو خبر لمحذوف أي هذا على الأصح، وهو قول الأكثر، ومنعه بعضهم. (والميز أولى) مبتدأ وخبر، أي تبيين صورة الحال أحسن مما ذكرناه كما يفعله مسلم رحمه الله.
(والذي يعيد) مبتدأ، أي الراوي الذي يعيد الإسناد (في آخر الكتاب) متعلق بما قبله، أي نهاية الكتاب، أو الجزء المشتمل على هذه النسخة، أو نحوها، وقوله:(لا يفيد) خبر المبتدإ أي لا ينفع فعله في رفع الخلاف المذكور، لأنه لا يكون متصلاً بواحد منها، نعم يفيد تأكيداً، واحتياطاً.
وحاصل ما أشار إليه في هذين البيتين: أنه إذا سمع النسخ المذكورة، على الكيفية المذكورة، بأن ذكر إسنادها في أولها، وأدرج الباقي مع ذكر " وَبِه " فأراد رواية حديثٍ غيرِ الأول بإسناده جاز ذلك عند الأكثرين وهو الأصح:
ومنهم وكيع، وابن معين، والإسماعيلي، لأن المعطوف له حكم المعطوف عليه، وهو بمثابة تقطيع المتن الواحد في أبواب بإسناده المذكور في أوله.
ومنع منه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، وبعض أهل الحديث، لأنه تدليس فعلي هذا لا بد من بيان كيفية التحمل في ذلك، وعلى القول الأول هو أحسن.
كما فعله الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في الرواية من نسخة همام، حدثنا محمد بن رافع، ثنا: عبد الرزاق، أنا معمر، عن همام، قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة، وذكر أحاديث، منها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة " الحديث. وكذا فعله كثير من المؤلفين.
وأما إعادة بعض المحدثين الإسنادَ آخر الكتاب فلا يفيد رفع الخلاف، لأنه لا يقع متصلاً بواحد منها، إلا أنه يفيد احتياطاً، وإِجَازَةً
عامة، بالغة، من أعلى أنواعها، ويفيد أيضاً سماعَ من لم يسمع الإسناد أولًا.
ثم ذكر حكم تقديم المتن كله، أو بعضِهِ على السَّند، فقال رحمه الله تعالى:
526 -
وَسَابِقٌ بِالْمَتْنِ أَوْ بَعْضِ سَنَدْ
…
ثُمَّ يُتِمُّهُ: أَجِزْ، فَإِنْ يُرَدْ
527 -
حِينَئِذٍ تَقْدِيمُ كُلِّهِ رَجَحْ
…
جَوَازُهُ، كَبَعْضِ مَتْنٍ فِي الأَصَحّ
528 -
وَابْنُ خُزَيْمَةَ يُقَدِّمُ السَّنَدْ
…
حَيْثُ مَقَالٌ، فَاتَّبِعْ وَلا تَعَدّ
(وسابق) مبتدأ سوغه عمله في قوله: (بالمتن) أي متن الحديث، يعني: أن من قدَّم متن الحديث على سنده كله، كأن يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا، حدثنا به فلان، ويذكر سنده.
(أو) سابق بـ (ـبعض سند) مع المتن (ثم يتمه) أي باقي السَّند، كأن يقول: روى عمرو بن دينار، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا، حدثنا فلان، ويسوق سنده إلى عمرو.
وقوله: (أجز) أمر من الإجازة، خبر المبتدإ على حذف مضاف أي فعل سابق بالمتن إلخ أجزه أيها المحدث، أو يقدر المضاف قبل المفعول المقدر أي سابق بالمتن إلخ أجز فعله، فإنه سند متصل، وليس بمرسل.
ثم ذكر حكم من أراد أن يقدم السَّند بتمامه على المتن، مع كونه تحمله كذلك، فقال:(فإن يرد) بالبناء للمفعول (حينئذ) ولو قال: " بعد إذن " لكان أوضح، أي بعد وقت تحمله ذلك الحديثَ بتقديم المتن على السَّند، أو تقديم المتن مع بعض السَّند على بعضه (تقديم كله) نائب فاعل يرد، أي كل السَّند على المتن كالعادة الغالبة المشهورة (رجح) جواب إن، يقال: رَجَحَ الشيءُ يرجح، كنفع ينفع، ورجح رجوحاً، كقعد قعوداً لغةٌ: زاد وزنه. والمراد به هنا زيادة القوة. (جوازه) فاعل رجح أي زاد قوة جوازه على منعه، لقوة دليله، لأنه لا محذور فيه (كبعض متن) خبر لمحذوف،
أي هذا الجواز مشابه لجواز تقديم بعض متن على بعض حيث يصح (في) القول (الأصح)، ومقابل الأصح فيهما المنع، وهذا كما قال ابن الصلاح بناء على جواز الرواية بالمعنى وعدمه.
وحاصل ما أشار إليه رحمه الله في هذه الأبيات الثلاثة: أنه إذا قدم المتن كقال النبي صلى الله عليه وسلم كذا ثم ذكر الإسناد بعده، أو المتن مع بعض السَّند، كأن يقول: روى عمرو بن دينار عن جابر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أخبرنا به فلان ويسوق سنده إلى عمرو، فهو سند متصل، فلو أراد من سمعه هكذا تقديمَ جميعِ الإسناد، فجوزه بعض أهل الحديث من المتقدمين، قال النووي: هو الصَّحِيح.
وهذا كما قال ابن الصلاح: كتقديم بعض المتن على بعض، فالخلاف في هذا كالخلاف فيه، فإن الخطيب حكى فيه المنع بناء على منع الرواية بالمعنى، والجواز بناء على جوازها، لكن نازع البلقيني ابن الصلاح فيه، فقال: وهذا التخريج ممنوع، والفرق أن تقديم بعض الألفاظ على بعض يؤدي إلى الإخلال بالمقصود في العطف، وعود الضمير، ونحو ذلك، بخلاف تقديم السَّند كله، أو بعضه، فلذلك جاز فيه ولم يتخرج على الخلاف انتهى.
ثم ذكر قاعدة لابن خزيمة في صحيحه حيث إنه يؤخر السَّند عن المتن إذا كان فيه مقال فليس لأحد أن يغير ذلك ولو جازت الرواية بالمعنى فقال:
(وابن خزيمة) مبتدأ، خبره جملة يقدم، وهو الحافظ الكبير الثبت إمام الأئمة، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي، النيسابوري، ولد سنة ثلاث وعشرين ومائتين ومات في ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة عن نحو تسعين سنة. وقوله (يقدم) خطأ، والصوابُ يؤخر (السَّند) على المتن، فيبتدأ أولاً بذكر المتن ثم بَعْدَ الفراغ منه يذكر السَّند (حيث) يوجد (مقال) أي طعن في ذلك السَّند (فـ) إذا كان السبب
الحامل له ذلك (اتبع) أيها المحدث صنيعه هذا (ولا تَعَدّ) بحذف إحدى التاءين أي لا تتعداه، أي لا تتجاوز إلى خلافه، وإن جازت الرواية بالمعنى.
وحاصل معنى البيت: أن ابن خزيمة يقع له تقديم المتن على السَّند، إذا كان في السَّند مَنْ فيه مَقال، فيبتدئ به، ثم بعد الفراغ يذكر السَّند، وقد صرح هو بأن من رواه على غير ذلك الوجه لا يكون في حِلٍّ منه، فحينئذ ينبغي أن يمنع هذا، ولو جوزنا الرواية بالمعنى، قاله في التدريب نقلاً عن الحافظ ابن حجر.
(تنبيه): هذا البيت زائد على العراقي.
ثم ذكر حكم ما إذا قال الشيخ مثله أو نحوه فقال:
529 -
وَلَوْ رَوَى بِسَنَدٍ مَتْنًا وَقَدْ
…
جَدَّدَ إِسْنَادًا وَمَتْنٍ لَمْ يُعَدْ
530 -
بَلْ قَالَ فِيهِ " نَحْوَهُ " أَوْ " مِثْلَهُ "
…
لا تَرْوِ بِالثَّانِي حَدِيثًا قَبْلَهُ
531 -
وَقِيلَ: جَازَ إِنْ يَكُنْ مَنْ يَرْوِهِ
…
ذَا مَيْزَةٍ، وَقِيلَ: لا فِي " نَحْوِهِ "
532 -
الْحَاكِمُ: اخْصُصْ نَحْوَهُ بِالْمَعْنَى
…
وَمِثْلَهُ بِاللَّفْظِ فَرْقٌ سُنَّا
533 -
وَالْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ: مِثْلَ خَبَرِ
…
قَبْلُ وَمَتْنُهُ كَذَا، فَلْيَذْكُرِ
(ولو روى) الشيخ للراوي (بسند) أي مع ذكر سند (متناً) مفعول به لروى (و) الحال أنه (قد جدد إسناداً) للمتن أي ذكر إسناداً آخر بعد الأول، ومتنِهِ (ومتن) له (لم يعد) بالبناء للمفعول، أي والحال أن متن هذا الإسناد لم يذكر ثانياً، إحالَةً على المتن الأول.
فالحال الأول من فاعل روى، والثاني من إسناد فهما متداخلان (بل قال) الشيخ (فيه) أي في هذا الإسناد المجدَّد كلمة (نحوه) أي نحو المتن السابق (أو) كلمة (مثله) أي مثل المتن السابق وقوله:(لا ترو) جواب " لو " أي لا تنقل أيها السامع على هذه الكيفية، (بالثاني) أي بالإسناد الثاني (حديثاً) مفعول ترو أي متناً (قبله) أي قبل هذا الإسناد، يعني: أنه لا يجوز
لك أن تَرْوِيَ بالإسناد الثاني فقط المتنَ الأول، لعدم تيقن تماثلهما في اللفظ، وفي قدر ما تفاوتا فيه.
هذا هو الأظهر، وهو قول شعبة، وعليه ابن الصلاح، والنووي، وابن دقيق العيد، (وقيل جاز) ذلك (إن يكن من يروه) أن يروي ذلك المتنَ بالإسناد الثاني (ذا ميزة) بالفتح مصدر ما يميز من باب باع: إذا عزل الشيء، وفصله، والتاء للمرة، وأما الميزة بالكسر فهي التنقل كما في التاج ولا يناسب هنا.
والمعنى: أنه يجوز أن يروي المتن المتقدم بالسَّند الثاني إذا كان الراوي مَعْرُوفاَ بتميز الألفاظ وعد الحروف وإلا لم يجز، وهو قول سفيان الثَّوري، وابن معين.
(وقيل لا) يجوز ذلك (في نحوه) أي فيما إذا قال الشيخ نحوه، ويجوز في مثله، وهذا التفصيل مروي عن ابن معين عملاً بظاهر اللفظين إذْ مِثْلُهُ يعطي التساوي في اللفظ، بخلاف نحوه.
قال الخطيب: هذا الفرق بين مثله ونحوه يصح على منع الرواية بالمعنى، فأما على جوازها فلا فرق.
(الحاكم) أبو عبد الله محمد بن عبد الله المشهور بابن البَيعّ النيسابوري المتوفى سنة خمس وأربعمائة عن أربع وثمانين سنة، مبتدأ محذوف الخبر، أي قائل، أو فاعل لمحذوف، أي قال الحاكم مَفَرِّقاً بين مثلِهِ ونحوِهِ (اخصص) أيها الراوي مقول للقول المقدر (نحوه) أي هذا اللفظ (بالمعنى) أي بما اتفقا في المعنى، لا في اللفظ. (و) اخصص (مثله باللفظ)، أي بما اتفقا في اللفظ، ثم قال الناظم مستحسناً قول الحاكم (فرق سنا) أي هذا فرق سن فهو خبر لمحذوف، وقوله: سن بالبناء للمفعول، أي بُيِّنَ، أن هذا فرق مبين واضح لا خفاء فيه، يقال: سنّ الله أحكامه للناس بَيَّنَها، وسنّ الله سنة: بَيَّنَ طريقاً قويماً، قاله في التاج، هذا هو الموافق للوزن،
وأما ما تَعِبَ فيه الشارح فلا يساعده الوزن، فهو تَعَب ليس وراءه أرَبْ.
وفي نسخة بدله " يعنى " بالبناء للمفعول أي يقصد، يقال: عَنَيْتُهُ عَنْياً وَعَنَيتُ به أيضاً من باب رَمَى قصدته، أفاده في المصباح.
والمعنى: أن هذا فرق يقصد لنفاسته. ونَصُّ عبارة الحاكم رحمه الله: يلزم الحَدِيثيَّ من الإتقان أن يفرق بين مثله ونحوه، فلا يحل أن يقول مثله إلا إن اتفقا في اللفظ، ويحل نحوه إذا كان بمعناه اهـ.
(والوجه) أي المختار في الأداء، قال في المصباح: الوجه ما يتوجه إليه الإنسان من عمل وغيره، وقولهم: الوجه أن يكون كذا جاز أن يكون من هذا، وجاز أن يكون بمعنى القوي الظاهر أخذاً من قولهم: قدمت وُجُوهُ القومِ أي ساداتهم اهـ.
أي الأداء القوي الجلي الذي لا يلتبس على سامعه (أن يقول) في تأويل المصدر مبتدأ خبره " الوجه "، ويجوز العكس لكن الأول أولى، لما أن المنسبك من أن بمنزلة الضمير، فهو أعرف، كما بيّنه ابن هشام في المغنى يعني: أن الأحسن في رواية مثل هذا قول الراوي بعد إيراده السَّند (مثل خبر قبل) بالنصب مفعول لمحذوف أي ذكر مثل حديث قبلُ، أي قبل هذا الإسناد، والجملة مقول القول.
(ومتنه كذا) مبتدأ وخبر عطف على مقول القول، أي متن هذا السَّند الثاني كذا (فليذكر) ذلك المتن بتمامه.
وحاصل معنى البيت: أنه إذا أراد رواية ما كان من قبيل ما تقدم فالأحسن له كما ذكره الخطيب عن جماعة من أهل العلم أن يذكر إسناده ثم يقول مثل حديثٍ قبله متنه كذا وكذا ثم يسوقه، وكذا إذا قال نحوه، قال الخطيب: وهذا الذي أختاره.
وإيضاح ما أشار إليه في هذه الأبيات الخمسة: أنه لو روى المحدث حديثاً بإسناد ثم أتبعه إسناد آخر وحذف متنه إحالة على المتن الأول، وقال
في آخره مثله، فأراد السامع منه رواية المتن الأول بالإسناد الثاني فقط.
فالأظهر منعه، وهو قول شعبة، وأجازه سفيان الثَّوري، وابن معين إذا كان الراوي متحفظاً ضابطاً مميزاً بين الألفاظ وإلا فلا.
وأما إذا قال نحوه فأجازه الثَّوري، ومنعه شعبة، وابن معين، قال الخطيب: وفرق ابن معين بين مثله ونحوه يصح على منع الرواية بالمعنى، فأما على جوازها فلا فرق.
وقال الحاكم: يلزم الحديثيَّ من الإتقان أن يفرق بين مثله ونحوه فلا يحلُّ أن يقول: مثله إلا إذا اتفقا في اللفظ، ويحل نحوه إذا كان بمعناه.
وقال الخطيب: وكان غير واحد من أهل العلم إذا روى مثل هذا يورد الإسناد ويقول مثل حديث قبله متنه كذا وكذا، ثم سوقه، قال: وكذلك إذا كان المحدث قد قال نحوه قال: وهذا الذي أختاره اهـ.
ثم إن ما تقرر كلَّه محله إذا ساق المحدث المتن بتمامه، وأما إذا روى بعضه، ثم أحال الباقي، فأشار إلى حكمه فقال:
534 -
وَإِنْ بِبَعْضِهِ أَتَى وَقَوْلِهِ
…
" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " أَوْ " بِطُولِهِ "
535 -
فَلا تُتِمَّهُ، وَقِيلَ: جَازا
…
إِنْ يَعْرِفَا، وَقِيلَ: إِنْ أَجَازا
536 -
وَقُلْ عَلَى الأَوَّلِ " قَالَ وَذَكَرْ
…
حَدِيثَهُ وَهْوَ كَذَا " وَائْتِ الْخَبَرْ
(وإن ببعضه أتى) أي أتى الشيخ ببعض الحديث بعد سوق السَّند بتمامه. (وقوله) بالجر عطف على بعض أي أتى بقوله في آخر ما اقتصره (وذكر الحديث) مقول القول (أو) أتى بقوله: (بطوله)، أو قوله الحديث بدون وذكر (فلا تتمه) أيها السامع على هذه الكيفية، لأنه أولى بالمنع من المسألة السابقة في مثله ونحوه، فإنه إذا منع ثمة مع أنه ساق فيها جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر، فلأن يمتنع هنا، ولم يسق إلا بعض الحديث من باب أولى، وجزم بذلك جماعة: منهم الأستاذ أبو إسحاق.
(وقيل جازا) بألف الإطلاق، أي جاز للسامع على هذه الكيفية أن يتمه (إن يعرفا) أي المحدث والسامع الخبرَ بتمامه، وهذا القول: لأبي بكر الإسماعيلي، لكن البيان أولى.
(وقيل) جاز ذلك (إن جازا) بألف الإطلاق، أي أجاز الشيخ للسامع.
قلت: وهذا القول لم أجده في شيء من المراجع التي عندي، وإنما غاية ما فيها قول ابن الصلاح بعد حكايته كلام الإسماعيلي: ما نصه: وإذا جَوَّزنا ذلك فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ إلى آخر ما يأتي في الخلاصة، وهذا لا يدل على أن هذا قول مخالف لما قبله، بل هو بيان لكلام الإسماعيلي بأنهما إذا عرفا الخبر بتمامه يجوز للسامع إتمامه، وتكون روايته بطريق الإجازة الأكيدة، ولو قال بدل هذا البيت:
فَلَا تُتِمَّه وَقِيلَ جَازَا
…
إِنْ يَعْرِفَا فَإِنَّهُ أجَازَا
لكان أولى، أي فإن هذا الشيخ أجاز له فروايته تكون بطريق الإجازة.
(وقل) أيها السامع إذا أردت الإتمام (على الأول) أي حال كونك جارياً على القول الأول، وهو المنع وجوباً، وكذا على الثاني احتياطاً (قال) الشيخ (وذكر حديثه وهو) أي نص الحديث (كذا)، أو تمامه كذا (آئت الخبر) أي اذكر الخبر بنصه بأن تسوقه بتمامه.
فقوله: على الأول متعلق بقل، أو حال، ومقول قل: قال إلخ، ومقول قال:" وذكر حديثه "، وقوله: وهو كذا، ليس من تتمة مقول قال، وإنما هو من تتمة مقول قل، وقوله: آئت بالخبر بيان لقوله، وهو كذا أي سق الخبر بتمامه.
وفي نسخة: " وَهْوَ كَذَا آئْتِ بِالْخَبَرْ " ومعناهما واحد.
وخلاصة ما أشار إليه في هذه الأبيات الثلاثة بإيضاح: أنه إذا ذكر
الشيخ الإسناد وبعض المتن، ثم قال وذكر الحديث، ولم يتمه، أو قال بطوله، أو الحديث، وأضمر " وذكر " فأراد السامع عنه روايته بكماله فهو أولى بالمنع من مسألة مثله ونحوه، لأنه إذا منع هناك مع أنه قد ساق فيها جميع المتن قبل ذلك بإسناد آخر، فلأن يمنع هنا ولم يسق إلا بعض الحديث من باب أولى، وبذلك جزم قوم فمنعه الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني، وأجازه الإسماعيلي إذا عرف المحدث والسامع ذلك الحديث قال: والبيان أولى.
وفصل ابن كثير فقال: إن كان سمع الحديث المشار إليه قبل ذلك على الشيخ في ذلك المجلس أو غيره جاز وإلا فلا.
ثم إن من أراد الإتمام فالبيان واجب عليه على الأول، وأحوط له على الثاني، وذلك أن يقتصر على المذكور، ثم يقول: وذكر الحديث، وهو هكذا، أو تمامه كذا، ويسوقه بكماله.
قال ابن الصلاح بعد أن نقل كلام الإسماعيلي: إذا جوزنا ذلك فالتحقيق فيه أنه بطريق الإجازة فيما لم يذكره الشيخ قال: لكنها إجازة أكيدة قوية من جهة عديدة فجاز لهذا مع كون أوله سماعاً إدراجُ الباقي عليه من غير إفراد بلفظ الإجازة.
ثم ذكر حكم إبدال الرسول بالنبي، وعكسه، فقال:
537 -
وَجَازَ أَنْ يُبْدِلَ بِالنَّبِيِّ
…
رَسُولُهُ، وَالْعَكْسُ فِي الْقَوِيِّ
(وجاز أن يبدل) بالبناء للمفعول بلفظ (النبي رسوله) أي هذا اللفظ، وهو النائب عن الفاعل (والعكس) مبتدأ خبره محذوف أي جائز، أو فاعل لمحذوف أي جاز العكس، أو معطوف على فاعل جاز.
(في القوي) متعلق بجاز، أو خبر لمحذوف، أي هذا كائن في القول القوي، وهو قول حماد بن سلمة، وأحمد، والخطيب في آخرين وَصَوَّبه النووي، والعراقي، وغيرهما.
ومقابلهُ قول ابن الصلاح إنه لا يجوز، وإن جازت الرواية بالمعنى، لاختلاف المعنى في النبي والرسول.
وحاصل ما أشار إليه في هذا البيت أنه إذا وقع في الرواية " عن النبي صلى الله عليه وسلم " فهل للسامع أن يقول: " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا عكسه، قال ابن الصلاح: الظاهر أنه لا يجوز وإن جازت الرواية بالمعنى، فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى، والمعنى في هذا مختلف، وكان أحمد إذا كان في الكتاب " النبي " فقال المحدث: " رسول الله " ضرب وكتب " رسول الله " قال الخطيب: هذا غير لازم، وإنما استحب اتباع اللفظ، وإلا فمذهبه الترخيص في ذلك، وقد سأله ابنه صالح يكون في الحديث " رسول الله " فيجعل " النبي "؟ قال: أرجو ألا يكون به بأس، وقال حماد بن سلمة لعفان وبهز لما جعلا يغيران النبي من رسول الله: أما أنتما فلا تفقهان أبداً. قال العراقي: وقول ابن الصلاح: إن المعنى في هذا مختلف لا يمنع جواز ذلك فإنه وإن اختلف معنى النبي والرسول فإنه لا يختلف المعنى في نسبة ذلك القول لقائله بأي وصف وصفه إذا كان يعرف به.
وأما ما استدل به بعضهم على المنع بحديث البراء بن عازب في الصَّحِيح في الدعاء عند النوم وفيه " ونبيك الذي أرسلت " فقال يستذكرهن " وبرسولك الذي أرسلت " فقال: " لا "، " وبنبيك الذي أرسلت " فليس فيه دليل، لأن ألفاظ الأذكار توقيفية، وربما كان في اللفظ سر لا يحصل بغيره، ولعله أراد أن يجمع بين اللفظين في موضع واحد. وقال النووي: الصواب والله أعلم جوازه، لأنه لا يختلف به هنا معنى. اهـ كلام العراقي.
ثم ذكر حكم السماع على نوع من الوهن، فقال:
538 -
وَسَامِعٌ بِالْوَهْنِ كَالْمُذَاكَرَهْ
…
بَيَّنَ حَتْمًا .................
(وسامع) مبتدأ (بالوهن) متعلق به أي الضعف في سماعه (كالمذاكرة) خبر لمحذوف، أي وذلك كالسماع في حال المذاكرة، وقوله:
(بَيَّنَ) خبرُ المبتدإ (حتماً) أي وجوباً منصوب على الحال، أو مفعول مطلق.
وحاصل المعنى: أنه إذا سمع من الشيخ من حفظه في حال المذاكرة بَيَّنَ وجوباً بحكاية الواقع، كأن يقول: حدثنا فلان مذاكرة أو في المذاكرة، لأنهم يتساهلون في المذاكرة، والحفظُ خَوَّان.
ولأن في إغفاله نَوْعاً من التدليس، وكان غير واحد من متقدمي العلماء يفعل ذلك، وكان جماعة منهم يمنعون من أن يُحْمَلَ عنهم في المذاكرة شيء، لما ذكرناه من التساهل، وأدخل بالكاف في قوله كالمذاكرة ما وقع فيه نوع تساهل كأن سمع من غير أصل، أو كان هو أو شيخه يتحدث أو ينعس أو ينسخ في وقت الإسماع، أو كان سماعه أو سماع شيخه بقراءة لَحَّان، أومُصَحِّفٍ، أو كتابةُ التسمع بخط من فيه نظر، ونحو ذلك ففي كل هذه الأحوال بَيَّنَ لما ذكرنا.
ثم إن ما ذكره من وجوب البيان هو ظاهر كلام ابن الصلاح، لكن صرح الخطيب بأنه مستحب.
ثم ذكر حكم ما إذا كان الحديث عن رجلين ثقتين، أو أحدُهما ثقة والآخرُ مجروح فقال:
...................
…
................ والْحَدِيثُ مَا تَرَهْ
539 -
عَنْ رَجُلَيْنِ ثِقَتَيْنِ أَوْ جُرِحْ
…
إِحْدَاهُمَا (1) فَحَذْفَ وَاحِدٍ أَبِحْ
(والحديث) مبتدأ (ما تره)" ما " شرطية، ولو عبر بإن لكان أوضح، أي إن تر الحديث حال كونه مروياً (عن رجلين ثقتين) كل منهما (أو جرح) بالبناء للمفعول (إحداهما) أي أحد الرجلين، لكن أنثه للوزن، وتكلف الشارح بما لا طائل تحته كما قال ابن شاكرٍ، ولو قال بدل هذا البيت:
عَن ثِقَةٍ وَضِدّهِ أو وُثقَا
…
فَحَذْفَ وَاحِدٍ أجزْهُ مطْلَقَاً
أي سواء كان ثقة، أو مجروحاً، لكان أولى. (فحذف واحد)، مفعول
مقدم لقوله: " أبح " أي حذف واحد من الرجلين (أبح) أيها المحدث، والجملة جواب الشرط، والجملة خبر المبتدإ.
وحاصل المعنى: أنه إذا كان الحديث عن رجلين ثقتين أو أحدهما ثقة والآخر مجروح جاز حذف أحدهما.
وذلك كحديث عن ثابت البناني، وأبان بن أبي عياش، عن أنس لكن الأولى ذكرهما، لاحتمال أن يكون فيه شيء لأحدهما لم يذكره الآخر، وحمل لفظ أحدهما على الآخر، وإنما لم يحرم ذلك لأن الظاهر اتفاق الروايتين، وما ذكر من الاحتمال نادر بعيد، نعم محذور الحذف في الأول أقل من الثاني.
قال الخطيب: وكان مسلم بن الحجاج في مثل هذا ربما أسقط المجروح من الإسناد ويذكر الثقة، ثم يقول: وآخر كناية عن المجروح، وهذا القول لا فائدة فيه.
وقال بعضهم: بل فيه فائدةُ تكثيرِ الطرق التي يرجح بها عند المعارضة والإشعار بضعف المبهم.
ثم ذكر حكم من أخذ عن شيخ بعض الحديث وعن آخر بعضه بقوله:
540 -
وَمَنْ رَوَى بَعْضَ حَدِيثٍ عَنْ رَجُلْ
…
وَبَعْضَهُ عَنْ آخَرٍ ثُمَّ جَمَل
541 -
ذَلِكَ عَنْ ذَيْنِ مُبَيِّنًا بِلا
…
مَيْزٍ أَجِزْ وَحَذْفُ شَخْصٍ حُظِلا
542 -
مُجَرَّحًا يَكُونُ أَوْ مُعَدَّلا
…
وَحَيْثُ جَرْحُ وَاحِدٍ لا تَقْبَلا
(ومن) موصولة، أو شرطية مبتدأ (روى) أي نقل بسماع، أو غيره (بعض حديث عن رجل) متعلق بروى (وبعضه) عطف على " بعض حديث " أي بعض ذلك الحديث (عن آخر) بالصرف للضرورة عطف على " عن رجل " عطفَ معمولين على معمولي عامل واحد بعاطف واحد، وهو جائز بالاتفاق، أي عن شيخ آخر (ثم جمل) بالجيم من باب قتل، أي جمع
(ذلك) الحديث المسموع على هذه الكيفية (عن ذين) متعلق بحال محذوف، أي حال كونه راوياً عن هذين الرجلين (مبيناً) حال من الفاعل أيضاً، أي حال كونه مبيناً كون بعضه عن أحدهما، وبعضه عن الآخر (بلا ميز) بفتح فسكون، أي بلا تمييز لما سمعه من كل واحد منهما. والجار متعلق بمبين، أو حال، وجملة (أجز) خبرُ من، إن كانت موصولة، وجوابها إن كانت شرطية على حذف مضاف، إما من المبتدإ، أو من الرابط المقدر، أي فِعلَ من رَوَى أجزه، أو من رَوَى أجز فعله.
وحاصل المعنى: أنه إذا سمع بعض حديث عن شيخ وبعضه عن آخر، فروى جملته عنهما مبيناً أن بعضه عن أحدهما، وبعضه عن الآخر جاز ولو لم يبين ما سمعه من كل منهما بالتعيين.
(وحذف شخص) مبتدأ، أي إسقاط واحد من هذين الرجلين وقوله:(حظلا) بالبناء للمفعول والألف إطلاقية، أي منع، خبر المبتدإ.
(مجرحاً) خبر مقدم لقوله: (يكون) ذلك المحذوف (أو معدلاً) عطف على الخبر، وهمزة التسوية مقدرة، والجملة في تأويل المصدر مبتدأ حذف خبره، أي كونه مجروحاً أو معدّلاً سواء في منع حذفه، بل يجب ذكرهما مبيناً أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر.
وحاصل المعنى: أن حذف أحد هذين الرجلين ممنوع سواء كان مجروحاً أو ثقة، بل يجب ذكرهما جميعاً مبيناً أن بعضه عن أحدهما وبعضه عن الآخر، وكذا لا يجوز ذكرهما ساكتاً عن ذلك.
(وحيث جرح واحد) منهما موجود (لا تقبلا) أيها المحدث ذلك الحديث، هكذا نسخة ابن شاكرٍ بلا الناهية، وعليها فالألف بدل من نون التوكيد، وفي نسخة الشارح لن تقبلا، فالفعل عليها مبني للمفعول، والألف للإطلاق، أي لن تقبل الرواية.
والمعنى: أنه إذا كان أحدهما مجروحاً لا يحتج بذلك الحديث، لأنه ما من جزء منه إلا ويجوز أن يكون عن ذلك المجروح.
وحاصل معنى الأبيات الثلاثة: أنه إذا كان الحديث وارداً عن رجلين ثقتين، أو عن ثقة وضعيف، فالأولى أن يذكرهما معاً لجواز أن يكون فيه شيء لأحدهما لم يذكره الآخر، فإن اقتصر على أحدهما جاز لأن الظاهر اتفاق الروايتين، والاحتمال المذكور نادر.
وأما إذا كان الحديث بعضه عن رجل وبعضه عن آخر من غير أن تميز رواية كل منهما فلا يجوز حذف أحدهما سواء كان ثقة أم مجروحاً لأن بعض المروي لم يروه من أبقاه قطعاً ويكون الحديث كله ضعيفاً إذا كان أحدهما مجروحاً لأن كل جزء من الحديث يحتمل أن يكون من رواية المجروح.
وأما إذا كانا ثقتين فإنه حجة لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة.
ومن أمثلته حديث الإفك في الصَّحِيح من رواية الزهري، قال: حدثني عروة، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عائشة، قال: وكُلُّ قد حدثني طائفة من حديثها، ودخل حديث بعضهم في بعض، وأنا أوعى لحديث بعضهم من بعض، ثم ذكر الحديث.
(تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله " وفصَّل الخطيب إن اطمأن أنها المسموع " وقوله " وما به تُعَبِّدَا " وقولها " واللغات " وقوله " ثالثها ترك كليها " وقوله " وفصلا مختلف بمستقلّ وبلا " وقوله " والترك جائزاً رأوا " وقوله " في الأصح. وابن خزيمة " البيت وقوله " الحاكم اخصص " البيت، وقوله " أو بطوله ".
ولما أنهى صفة رواية الحديث أتبعها بذكر آداب المحدث لمناسبة بينهما ظاهرة، فقال: