الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
في تعريف الحافظ والمحدث والمسند وغيرها
.
574 -
وَذَا الْحَدِيثِ وَصَفُوا، فَاْخْتَصَّا
…
بِحَافِظٍ كَذَا الْخَطِيبُ نَصَّا
(وذا الحديث) أي صاحب الحديث مفعول مقدم لقوله: (وصفوا) بالبناء للفاعل، أي أهل الحديث، وفي نسخة الشارح وذو بالواو فهو مبتدأ، ووصفوا خبره بتقدير رابط، أي وصف أهل الحديث صاحبَ الحديث، أو صاحبُ الحديث وصفوه.
ثم بيّن ما وصف به فقال: (فاختصا) بالبناء للفاعل، أو المفعول لأنه يلزم ويتعدى فإذا كان متعدياً يبنى للمفعول، وفي نسخة الشارح فخصا بالبناء للمفعول (بحافظ) متعلق بما قبله، أي بهذا الوصف وهو اسم فاعل من حفظ الشيء إذا منعه من الضياع والتلف (كذا) أي مثل هذا التنصيص (الخطيب) أبو بكر الحافظ أحمد بن علي بن ثابت البغدادي (نصا) بألف الإطلاق، أي عَيَّن اختصاص صاحب الحديث بالحافظ، ثم ذكر كلام الخطيب فقال:
575 -
وَهْوَ الَّذِي إِلَيْهِ التَّصْحِيحِ
…
يُرْجَعُ وَالتَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ
(وهو) أي الحافظ في اصطلاح المحدثين (الذي إليه) متعلق بيرجع (في التصحيح) أي تصحيح الحديث متعلق بيرجع أيضاً (يرجع) بالبناء
للمفعول (والتعديل) عطف على التصحيح، أي الحكم بعدالة الرواة (والتجريح) أي الحكم بجرحهم.
576 -
أَنْ يَحْفَظَ السُّنَّةَ مَا صَحَّ وَمَا
…
يَدْرِي الأَسَانِيدَ وَمَا قَدْ وَهِمَا
577 -
فِيهِ الرُّوَاةُ زَائِدًا أَوْ مُدْرَجَا
…
وَمَا بِهِ الإِعْلالُ فِيهَا نَهَجَا
(أن) مصدرية (يحفظ) صاحب الحديث (السنة) النبوية، وكذا الآثار المروية، وأن وصلتها في تأويل المصدر مجرور بالباء السببية، والجار والمجرور متعلق بيرجع أي يرجع إليه بسبب حفظه السنة إلخ (ما صح) بدل مما قبله، أي الذي صح منها يعني: بحفظه صحيح الأحاديث (وما) عطف على السنة أي يحفظ ما (يدري) به (الأسانيد) من علم الرجال (و) يحفظ أيضاً (ما قد وهم) كغلط وزنا ومعنى (فيه الرواة زائداً) حال مما أي حال كونه زائداً (أو مدرجاً) في المتن، أو في الإسناد (و) يحفظ أيضاً (ما به الإعلال فيها) أي الأسانيد (نَهَجَا) أي بَانَ يقال: نَهَجَ الطريقُ يَنهَجُ بفتحتين نهوجاً، وَضَحَ واستبانَ وأنهج بالألف مثله، ونهجته أنهجه أوضحته، يستعملان لازمين ومتعددين، قاله في المصباح.
قلت: والمناسب هنا اللزوم أي يحفظ الشيء الذي اتضح به الإعلال في الأسانيد يعني: أنه يعرف علم علل الأحاديث.
578 -
يَدْرِي اصْطِلاحَ الْقَوْمِ وَالتَّمَيُّزَا
…
بَيْنَ مَرَاتِبِ الرِّجَالِ مَيَّزَا
579 -
فِي ثِقَةٍ وَالضَّعْفِ وَالطِّبَاقِ
…
كَذَا الْخَطِيبُ حَدَّ لِلإِطْلاقِ
(يدري) أي يعرف معرفة تامة والجملة حال من فاعل يحفظ (اصطلاح القوم) أي مصطلحات المحدثين التي تضمنتها كتبهم كهذه، وأصلها، وابن الصلاح.
(و) يدري أيضاً (التميزا) أي التفاوت التى (بين مراتب الرجال) فإنها تتفاوت، وفي نسخة والتمييز بياءين، أي يدري التمييز بين مراتبهم، وقوله:(ميزا) حال من فاعل يدري أي حال كونه ميزا لذلك، وضابطاً له، وقوله:
(في ثقة والضعف) متعلق بالتمييز، أي يدري التمييز بين مراتبهم في صفة الثقة والضعف، لأن صفة الثقة والضعف متفاوتة كما مر في باب ألفاظ التعديل والتجريح.
فالمراد بالثقة هنا معناها المصدري، يقال: وثقت به أثق بالكسر فيهما وثوقاً إذا ائتمنته، ويقال: هو وهي وهم وهنَّ ثقة، لأنه مصدر، وقد يجمع في الذكور والإناث فيقال: ثقات أفاده في المصباح.
(والطباق) أي يدري أيضاً تباين طبقاتهم، فالطباق بالكسر جمع طبقة وهو كما يأتي في الأصل عبارة عن القوم المتشابهين، وفي الاصطلاح قوم تقاربوا في السن والإسناد، أو في الإسناد فقط، يعنى: أن هذا الحافظ يعرف تفاوت مراتبهم في الطبقات إذ يتفق اسمان في اللفظ فيظن أحدُهما الآخرَ فيتميز ذلك بمعرفة طبقاتهما.
(كذا) أي مثل هذا التعريف مفعول مطلق لحَدِّ. (الخطيب) أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، مبتدأ خبره جملة (حد) أي عَرَّفَ ذا الحديثِ (للإطلاق) أي لأجل أن يطلق عليه اسم الحافظ.
ثم ذكر تعريف الحافظ المزي للحافظ فقال:
580 -
وَصَرَّحَ الْمِزِّيُّ أَنْ يَكُونَ مَا
…
يَفُوتُهُ أَقَلَّ مِمَّا عَلِمَا
(وصرح) أي بَيَّن من التصريح، يقال: صرح بما في نفسه أخلصه للمعنى المراد، أو أذهب عنه احتمالات المجاز والتأويل، أفاده في المصباح.
(الْمِزِّيُّ) الإمام الحافظ الأوحد محدث الشام جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد ِ الرحمن بن يوسف القضَاعي ثم الكلبي الشافعي ولد بحلب سنة 654 هـ ومات يوم السبت 12 صفر سنة 742 هـ عن 88 سنة.
والمزي: بكسر الميم نسبة إلى مِزَّةَ قرية كبيرة غَنَّاءُ في وسط بساتين دمشق.
يعني: أن الحافظ المزي بَيَّنَ في تعريف الحافظ بـ (أن يكون ما يفوته) من الرجال وتراجمهم وأحوالهم وبلدانهم (أقل) خبر يكون (مما علما) بالبناء للفاعل والألف للإطلاق، أي من الذي علمه من ذلك.
يعني: أنه قال لما سأله تلميذه الحافظ السبكي عن حد الحافظ أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم ليكون الحكم للغالب.
ولما أنهى الكلام على الحافظ شرع يبين المحدث فقال:
581 -
وَدُونَهُ مُحَدِّثٌ أَنْ تُبْصِرَهْ
…
مِنْ ذَاكَ يَحْوِي جُمَلاً مُسْتَكْثَرَهْ
(ودونه) أي الحافظ في الرتبة خبر مقدم لقوله: (محدث) أي المحدث في اصطلاحهم دون الحافظ رتبة، ثم بيّن تعريفه بقوله:(أن) مصدرية (تبصره) أي تعرفه (من ذاك) الذي تقدم في تعريف الحافظ متعلق بـ (يحوي) أي يجمع يقال: حويت الشيء أحويه حَوَايَة، واحتويت عليه: إذا ضممته واستوليت عليه قاله في المصباح (جملاً) وفي نسخة جملة مفعول به ليحوي (مستكثرة) أي معدودة بأنها كثيرة.
يعني: أن المحدث من يجمع جملاً كثيرة من صفات الحافظ إن لم يجمعها كلها.
ثم بيّن المسند وهو دون المحدث فقال:
582 -
وَمَنْ عَلَى سَمَاعِهِ الْمُجَرَّدِ
…
مُقْتَصِرٌ لا عِلْمَ سِمْ بِالْمُسْنِدِ
(ومن) مفعول مقدم، أو مبتدأ أي الذي أو شخص (على سماعه)(المجرد) عن معرفة ما ذكر في الحافظ والمحدث، والجار متعلق بـ (مُقْتَصِرٌ) خبر لمحذوف أي هو، والجملة صفة، أو صلة لمن أي الذي أو شخص هو مقتصر على السماع المجرد، وقوله:(لا علم) تصريح بما علم من قوله المجرد إيضاحاً، أي لا علم له بتلك الأمور المشترطة قبلُ، والجملة حال مِنْ مَنْ (سم) أمر من وسم الشيء يسم كوعد يعد إذا جعل له علامة (بالمسند) بكسر النون متعلق بسم.
يعني: أن من كان مقتصراً على السماع المجرد اجعل المُسنِدَ علامة له يعرف بها. فالمسند هو الذي يقتصر على سماع الأحاديث وإسماعها من غير معرفة بعلومها أو إتقان لها.
ثم ذكر أعلى الكل وهو أمير المؤمنين في الحديث فقال:
583 -
وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ لَقَّبُوا
…
ذَوِي الْحَدِيثِ قِدَمًا ذَا مَنْقَبُ
(وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) متعلق بـ (لقبوا) أي العلماء أي سموا (ذوي الحديث) أي أصحاب الحديث (قدما) بكسر ففتح كعنب هو ضد الحديث. اهـ " ق " أي في قديم الزمان، وفي نسخة المحقق:" أئمة الحديث قدماً نسبوا " وعليها فلا بد من تسكين الدال للوزن.
(ذا) أي هذا اللقب (منقب) بفتحتين أي مفخر لهم.
وحاصل معنى البيت: أن العلماء لقبوا أصحاب الحديث في قديم الزمان بأمير المؤمنين في الحديث وهو لقب شريف يُفتَخَرُ به، ولهذا لم يظفر به إلا الأفذاذ النوادر الذين هم أئمة هذا الشأن والمرجع إليهم فيه، كشعبة بن الحجاج وسفيان الثَّوري وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل والبخاري والدارقطني في المتأخرين، وكالحافظ ابن حجر. وهو مأخوذ من حديث رواه الطبراني وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم ارحم خلفائي " قلنا: يا رسول الله: ومن خلفاؤك، قال:" الذين يأتون من بعدي يروون أحاديثي وسنتي "(1).
(تَتِمَّة): هذه المسألة من زيادات الناظم على العراقي.
ولما أنهى الكلام على آداب المحدث وتوابعه أتبعه بآداب طالب الحديث فقال:
(1) قلت: هكذا قالوا في مأخذ هذا اللقب، لكن الحديث باطل، كما بينه الشيخ الألباني في الضَّعِيفة جـ 2 ص 2، فلا يصلح أن يستند إليه.