الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(طبقات الرواة)
أي هذا مبحثها وهو النوع التاسع والثمانون من أنواع علوم الحديث. وهو من المهمات، وبينه وبين التاريخ عموم وخصوص وجهي، فيجتمعان في التعريف بالرواة، وينفرد التاريخ بالحوادث، والطبقات بما إذا كان في البدريين مثلاً من تأخرت وفاته عمن لم يشهدها، لاستلزامه تقديم المتأخر الوفاة، وقد بينهما بعض المتأخرين بأن التاريخ ينظر فيه بالذات، إلى المواليد والوفيات، وبالعَرَضِ إلى الأحوال، والطبقات ينظر فيها بالذات إلى الأحوال وبالعَرَض إلى المواليد، ولكن الأول أشبه، قاله السخاوي.
والطبقات جمع طبقة وهي في الأصل عبارة عن القوم المتشابهين، وفي الاصطلاح ما أشار إليه الناظم بقوله:
949 -
وَالطَّبَقَاتُ لِلرُّوَاةِ تُعْرَفُ
…
بِالسِّنِّ وَالأَخْذِ وَقَدْ تَخْتَلِفُ
950 -
فَالصَّاحِبُونَ بِاعْتِبَارِ الصُّحْبَهْ
…
طَبَقَةٌ وَفَوْقَ عَشْرٍ رُتْبَهْ
(والطبقات للرواة) أي رواة الأحاديث مبتدأ خبره جملة قوله (تعرف) في الاصطلاح (بالسن) أي باشتراك المتعاصرين في السن ولو تقريباً وبـ (ـالأَخْذِ) عن المشايخ، وربما اكتفوا بالاشتراك في التلاقي، وهو غالباً ملازم للاشتراك في السن (وقد تختلف) أي الطبقات فرب شخصين يكونان من طبقة واحدة، لتشابههما بالنسبة إلى جهة، ومن طبقتين بالنسبة
إلى جهة أخرى لا يتشابهان فيها، ولذا قال ابن الصلاح: والباحث الناظر في هذا الفن يحتاج إلى معرفة المواليد، والوفيات، ومن أخَذُوا عنه، ومن أُخذَ عنهم، ونحو ذلك، (فـ) ـإذا كان كذلك من اختلاف الطبقات باختلاف الجهات، وأردت بيانه فأقول لك:(الصاحبون) أي الصحابة رضي الله عنهم (باعتبار) اشتراكهم في (الصحبة) للنبي صلى الله عليه وسلم (طبقة) واحدة (و) باعتبار تفاوتهم في سوابقهم ومراتبهم، فهم، (فوق عشر رتبة) تميز منصوب، أي من جهة المرتبة، يعني: أنه إذا نظرنا إلى تفاوت رتبتهم فهم فوق عشر طبقات كما تقدم في معرفة الصحابة، فأنس بن مالك وأمثاله من صغار الصحابة رضي الله عنهم مع العشرة، وغيرهم، من أكابر الصحابة، من طبقة واحدة، باعتبار الصُّحْبَةِ، وإذا نظرنا إِلى السوابق والمراتب فهو دونهم بطبقات.
وعلى النظر الأول عمل ابن حبان وغيره فالصحابة طبقة أولى، والتابعون طبقة ثانية، وأتباع التابعين طبقة ثالثة، وهلمَّ جَرَّا، وعلى النظر الثاني فعل ابن سعد في الصحابة ومن بعدهم، حيث عدد في كل الطباق منهم، قال الحافظ: ولكل وجه، قال السخاوي: ومنهم من يجعل كما قاله ابن كثير: كُلَّ طبقة أربعين سنة، واستشهد له بحديث ضعيف.
ثم ذكر فائدته فقال:
951 -
وَمِنْ مُفَادِ النَّوْعِ أَنْ يُفَصَّلا
…
عِنْدَ اتِّفَاقِ الاِسْمِ وَالَّذِي تَلا
(ومن مفاد) أي فائدة معرفة هذا (النوع) خبر مقدم (أن) مصدرية (يفصلا) بالبناء للمفعول والألف للإطلاق وهو في تأويل المصدر مبتدأ مؤخر أي التفصيل والتمييز بين المتشابهين (عند اتفاق الاسم) أي اسم الراويين (والذي تلا) أي تبع الاسم، والمراد به الكنية، ونحوها، مما تقدم في المتفق والمفترق، وإنما قال تلا لأنها تتلو الاسم في الذكر، لأنه يذكر أولًا، ثم تذكر هي بعده.
ومن فائدته أيضاً: إمكان الاطلاع على تبيين التدليس، والوقوف على حقيقة المراد من العنعنة، هل هي محمولة على السماع، أو مرسلة، أو منقطعة إلى غير ذلك، وصنف في الطبقات جماعة كمسلم، وخليفة بن خياط، وطبقاتُ ابن سعد عظيم كثير الفوائد.
(تَتِمَّة): قوله: وقد تختلف إلى آخر الباب من زياداته.