الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الناسخ والمنسوخ من الحديث)
أي هذا مبحثه وهو النوع الثامن والأربعون من أنواع علوم الحديث، النسخ لغة يطلق على الإزالة، وعلى النقل، والتحويل، واصطلاحاً عَرَّفَهُ بقوله:
635 -
النَّسْخُ: رَفْعٌ أَوْ بَيَانٌ وَالصَّوَابْ
…
فِي الْحَدِّ رَفْعُ حُكْمِ شَرْعٍ بِخِطَابْ
(النسخ رفع) مبتدأ وخبر، أي رفع للحكم أي لتعلق الخطاب التنجيزي الحادث المستفاد تأبيده من إطلاق اللفظ، على معنى أن المزيل لحكم الأول هو الناسخ، إذ لولا وروده لاستمرّ، وهذا قول القاضي أبي بكر ومتابعيه (أو) لتنويع الخلاف (بيان) أي قيل: النسخ بيان لانتهاء أمد الحكم، وهذا قول الأستاذ أبي إسحاق ومتابعيه.
(والصواب) مبتدأ، أو خبر مقدم، أي القول الحق (في الحد) أي في تعريف النسخ متعلق بما قبله، وقوله:(رفع حكم شرع بخطاب) خبر أو مبتدأ مؤخر، محكى لقصد لفظه.
وحاصل المعنى: أن المختار في تعريف النسخ هو أنه رفع حكم شرعي بخطاب، أي رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر، فالمراد برفع الحكم قَطعُ تعلقه عن المكلفين، واحترز به عن بيان المُجْمَلِ، وبإضافته للشارع عن إخبار بعض من شاهد النسخ من الصحابة
فإنه لا يكون نسخاً، وإن لم يحصل التكليف به لمن لم يبلغه قبل ذلك إلا بإخباره، وبالحكم عن رفع الإباحة الأصلية فإنه لا يسمى نسخاً، وبالمتقدم عن التخصيص المتصل بالتكليف كالاستثناء ونحوه، وبقوله: بحكم منه متؤخر عن رفع الحكم بموت المكلف أو زوال تكليفه بجنون ونحوه، وعن انتهائه بانتهاء الوقت كقوله صلى الله عليه وسلم:" إنكم ملاقوا العدو غداً والفطر أقوى لكم فأفطروا "(1) فالصوم بعد ذلك اليوم ليس نسخاً. اهـ تدريب.
636 -
فَاعْنَ بِهِ فَإِنَّهُ مُهِمُّ
…
وَبَعْضُهُمْ أَتَاهُ فِيهِ الْوَهْمُ
(فاعن) أمر من عَنَى بكذا يَعني من باب رَمَى إذا شُغِلَ به، أو من عُنَيِ بكذا مغير الصيغة أي اشتَغِلْ، واجتَهِدْ (به) أي بمعرفة الناسخ والمنسوخ من الحديث (فإنه) أي هذا النوع (مهم) فقد مَرّ علي رضي الله عنه على قاص فقال: أتعرف الناسخ والمنسوخ؟ فقال؛ لا، فقال: هلكت وأهلكت، وقال الزهري: أعيا الفقهاء وأعجزهم أن يعرفوا ناسخ الحديث من منسوخه.
(وبعضهم) مبتدأ أي بعض من اعتنى بالتصنيف في هذا النوع (أتاه فيه الوهم) خبر المبتدإ، أي حصل له الخطأ فيه حيث أدخل فيه ما ليس منه لخفاء معنى النسخ وشرطه.
ثم ذكر ما يعرف به النسخ فقال:
637 -
يُعْرَفُ بِالنَّصِّ مِنَ الشَّارِعِ أَوْ
…
صَاحِبِهِ أَوْ عُرِفَ الْوَقْتُ، وَلَوْ
638 -
صَحَّ حَدِيثٌ وَعَلَى تَرْكِ الْعَمَلْ
…
أُجْمِعَ فَالْوَفْقُ عَلَى النَّاسِخِ دَلّ
(يعرف) بالبناء للمفعول، أي النسخ (بالنص) أي التصريح (من الشارع) أي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كقوله:" كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ". " وكنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة فكلوا ما بدا لكم ". " وكنت نهيتكم عن الظروف " الحديث. (أو) قول (صاحبه) بأن هذا
(1) أخرجه مسلم مطولًا بلفظ " إنكم مصبحوا عدوكم " جـ 3 ص 144.
منسوخ، أو نحوه، كقول جابر رضي الله عنه:" كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار ".
وشرط أهل الأصول في هذا أن يخبر بتأخره، فإن قال: هذا ناسخ لم يثبت به النسخ، لجواز أن يقوله عن اجتهاد، واعترض العراقي عليهم وصوب إطلاق أهل الحديث.
(أو عرف الوقت) أي تاريخ ورود الحديثين كحديث شدّاد بن أوس مرفوعاً: " أفطر الحاجم والمحجوم " ذكر الشافعي أنه منسوخ بحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم: " احتجم وهو محرم صائم " لأن ابن عباس إنما صَحِبَه محرماً في حجة الوداع سنة عشر، وفي بعض طرق حديث شداد أن ذلك كان زمن الفتح سنة ثمان.
ثم ذكر أن الإجماع يدل على النسخ فقال:
(ولو صح حديث) باستيفاء شروط الصحة (و) لكن (على ترك العمل) متعلق بقوله (أجمع) بالبناء للمفعول، أي أجمع العلماءُ على ترك العمل بذلك الحديث (فالوقف) بالفتح مبتدأ، أي اتفاقهم عليه (على الناسخ) متعلق بـ (ـدل) خبر المبتدإ، أي أرشد على أن هذا الحديث له ناسخ، وإن لم نقف عليه، وإنما لم نقل أن الإجماع هو الناسخ لأنه لا ينسخ ولا ينسخ، بل يستدل له به على وجود خبر معه يقع به النسخ، إذ لا ينعقد إلا بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا نسخ بعده.
ومثاله حديث الترمذي عن جابر رضي الله عنه قال: " حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فكنا نلبي عن النساء، ونرمي عن الصبيان " قال الترمذي: أجمع أهل العلم أن المرأة لا يلبي عنها غيرها.
وإنما قيد بقوله: صح أنه لا يحكم عليه بالنسخ بذلك إلا إذا عرفت صحته، وإلا فيحمل على أنه غلط.
(تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: رفع أو بيان. وقوله: وبعضهم أتاه فيه الوهم. وقوله: صح حديث.