المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(العالي والنازل) أي هذا مبحث أقسام العالي والنازل من السَّند، وبيان - شرح الأثيوبي على ألفية السيوطي في الحديث = إسعاف ذوي الوطر بشرح نظم الدرر في علم الأثر - جـ ٢

[محمد بن علي بن آدم الأثيوبي]

فهرس الكتاب

- ‌كتابةُ الحديثِ وضبْطُهُ

- ‌(صفةُ رواية الحديث)

- ‌(آداب المحدث)

- ‌مسألةفي تعريف الحافظ والمحدث والمسند وغيرها

- ‌(آداب طالب الحديث)

- ‌(العالي والنازل)

- ‌(المسلسل)

- ‌(غريب ألفاظ الحديث)

- ‌(المُصَحَّفُ وَالمُحَرَّفُ)

- ‌(الناسخ والمنسوخ من الحديث)

- ‌(مختلف الحديث)

- ‌(أسباب الحديث)

- ‌(معرفة الصحابة رضي الله عنهم

- ‌(معرفة التابعين وأتباعهم)

- ‌(رواية الأكابر عن الأصاغر، والصحابة عن التابعين)

- ‌(رواية الصحابة عن التابعين عن الصحابة)

- ‌(رواية الأقران)

- ‌(الإخوة والأخوات)

- ‌(رواية الآباء عن الأبناء وعكسه)

- ‌(السابق واللاحق)

- ‌(من روى عن شيخ ثم روى عنه بواسطة)

- ‌(الوُحدان)

- ‌(من لم يرو إلَاّ حديثًا واحدًا)

- ‌(من لم يرو إلَاّ عن واحد)

- ‌(مَن أسند عنه من الصحابة الذين ماتوا في حياته صلى الله عليه وسلم

- ‌(مَن ذكر بنعوت متعددة)

- ‌(أفراد العلم)

- ‌(الأسماء والكنى)

- ‌(أنواع عشرة من الأسماء والكنى مزيدة على ابن الصلاح والألفية) أي العراقية

- ‌(الألقاب)

- ‌(المؤتلف والمختلف)

- ‌(المتفق والمفترق)

- ‌(المتشابه)

- ‌(المشتبه المقلوب)

- ‌(من نسب إلى غير أبيه)

- ‌(المنسوبون إلي خلاف الظاهر)

- ‌(المبهَمات)

- ‌(معرفة الثقات والضعفاء)

- ‌(معرفة من خلط من الثقات)

- ‌(طبقات الرواة)

- ‌(أوطان الرواة وبلدانهم)

- ‌(التأريخ)

الفصل: ‌ ‌(العالي والنازل) أي هذا مبحث أقسام العالي والنازل من السَّند، وبيان

(العالي والنازل)

أي هذا مبحث أقسام العالي والنازل من السَّند، وبيان أفضلهما وما يلتحق بذلك من بيان الموافقة والبدل والمصافحة والمساواة وهما من صفات الإسناد فقط.

وهو النوع الثالث والأربعون من أنواع علوم الحديث. قال رحمه الله تعالى:

607 -

قَدْ خُصَّتِ الأُمَّةُ بِالإِسْنَادِ

وَهْوَ مِنَ الدِّينِ بِلا تَرْدَادِ

(قد خصت) بالبناء للمفعول (الأمة) المحمدية (بالإسناد) المتصل إلى نبيها صلى الله عليه وسلم.

والمعنى: أن الله تعالى اختص هذه الأمة بإسناد الأحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بين سائر الأمم.

قال محمد بن حاتم بن المظفر: إن الله أكرم هذه الأمة وشَرّفها وفَضَّلها بالإسناد وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد إنما هو صحف في أيدهم، وقد خلطوا بكتبهم أخبارَهُم فليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل، وبين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوها عن غير الثقات (وهو) أي الإسناد (من) جملة أمور (الدين) وسنة بالغة من سننه المؤكدة (بلا ترداد) أي من غير تردد وشك في ذلك، وفي صحيح

ص: 141

مسلم قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.

وقال سفيان الثَّوري: الإسناد سلاح المؤمن، وقال سفيان بن عيينة:

حدَّثَ الزهريُّ يوماً بحديث فقلت: هاته بلا إسناد فقال الزهري: أترقى السطح بلا سلم.

608 -

وَطَلَبُ الْعُلُوِّ سُنَّةٌ، وَمَنْ

يُفَضِّلُِ النُّزُولَ عَنْهُ مَا فَطَنْ

(وطلب العلو) مبتدأ خبره قوله: (سنة) نبوية وقيل: سلفية، والأول: أولى أي طلب الإنسان علو الإسناد الذي هو قلة الوسائط في السَّند، أو في السماع، أو الوفاة كما يأتي سنة مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه حديث أنس رضي الله عنه في مجيء ضمام بن ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يسمع منه مشافهة ما سلف سماعه له من رسوله إليهم إذ لو كان العلو غير مستحب لأنكر عليه صلى الله عليه وسلم سؤاله عما أخبر به رسوله عنه وترك اقتصاره على إخباره له.

وقد رحل فيه العلماء قديماً وحديثاً إلى الأقطار البعيدة طلباً للعلو.

(ومن) شرطية أو موصولة (يفضل) مجزوم إن كانت شرطية وتحرك لامها بالكسرة لالتقاء الساكنين، أو مرفوع إن كانت موصولة، أي الذي يفضل (النزول) ضد العلو (عنه) أي عن العلو، وهو بعض أهل النظر محتجاً له بأن الإسناد كلما زاد عدده زاد الاجتهاد في معرفة أحوال الرواة فيكثر الثواب فيه (ما) نافية (فطن) كفرح ونصر وكرم فطناً مثلثة وبالتحريك وبضمتين وفطونة وفطانة وفطانية حَذِقَ أفاده في " ق " والأنسبُ هنا كونه كنصر لئلا يلزم عيب السناد، وإن كان مغتفراً للمولدين. والجملة جواب من بتقدير الفاء أو خبرها.

وحاصل المعنى: أن من فضل النزول على العلو فما فهم المقصود من العلو إذ المقصود منه الصحة إذ قلةُ الوسائط يُقِلُّ الخلل وكثرتها بالعكس.

ص: 142

وما علل به من كثرة الثواب لكثرة التعب في معرفة أحوال الرواة غير سديد إذ التعب ليس مقصوداً لذاته بل المقصود من الرواية هو الصحة، وهي في قلة الوسائط أتم منها في كثرتهم.

وشبهه العراقي بمن يقصد المسجد للجماعة فيسلك الطريق البعيدة لتكثير الخُطَا رغبة في كثرة الأجر، وإن أداه سلوكها إلى فوت الجماعة التي هي المقصود.

609 -

وَقَسَّمُوهُ خَمْسَةً كَمَا رَأَوْا:

قُرْبٌ إِلَى النَّبِيِّ أَوْ إِمَامٍ اْوْ

610 -

بِنِسْبَةٍ إِلَى كِتَابٍ مُعْتَمَدْ

يُنْزَلُ لَوْ ذَا مِنْ طَرِيقِهِ وَرَدْ

(وقسموه) أي قسم العلماءُ العلوَّ، وأول من قسمه أبو الفضل ابن طاهر وتبعه ابن الصلاح وغيره (خمسة) بالنصب مفعول مطلق على النيابة أي تقسيماً خمسة لكن بين كلامَي المذكورَينِ اختلاف في ماهية بعضها، وقوله (كما رأوا) الكاف للتعليل أي إنما قسموه خمسة لما استبان لهم مما يقتضي ذلك، ثم هي ترجع إلى علو مسافة، وهي قلة الوسائط، وهي الثلاثةُ الأوَلُ، وإلى علو صفة، وهما الأخيران، أشار إلى الأول وهو العلو المطلق بقوله:(قرب) خبر لمحذوف أي أولها قرب المحدث (إلى النبي) صلى الله عليه وسلم من حيث العدد.

يعني: أن أول الأقسام ويسمى علواً مطلقاً هو القرب من النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر لسائر الأسانيد، أو لإسناد آخر، فأكثر لذلك الحديث بعينه، وهذا العلو هو الأفضل إن صح إسناده وإلا فلا اعتبار به.

وأشار إلى الثاني، وهو العلو النسبي بقوله:(أو) قرب إلى (إمام) من أئمة الحديث ذي صفات علية من حفظ وفقه وضبط، كالأعمش وابن جريجٍ والأوزاعي وشعبة والثَّوري مع صحة الإسناد إليه أيضاً، وإن كثر العدد بعده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وأشار إلى الثالث، وهو علو نسبي أيضاً بقوله:(أو) قرب مقيد (بنسبة

ص: 143

إلى) رواية (كتاب معتمد) كالكتب الستة ونحوها من الكتب المعتبرة، وسماه ابن دقيق علو التنزيل.

(ينزل) بالبناء للمفعول أي ينسب إلى النزول أو للفاعل أي ينزل الراوي (لوذا) أي هذا الحديث (من طريقه) أي طريق ذلك الكتاب متعلق متعلق بـ (ـورد) أي نُقِلَ.

وحاصل المعنى: أننا لو روينا الحديث من طريق كتاب من تلك الكتب يقع أنزل مما لو رويناه من غير طريقها، قال العراقي: وقد يكون عالياً مطلقاً أيضاً كحديث ابن مسعود مرفوعاً: " يوم كلم الله موسى عليه السلام كان عليه جبة صوف "(1) الحديث رواه الترمذي عن علي بن حُجْر عن خَلَفِ بن خليفة فلو رويناه من طريق الترمذي وقع بيننا وبين خلف تسعة فإذا رويناه من جزء ابن عرفة وقع بيننا وبينه سبعة بعلو درجتين، فهذا مع كونه علواً بالنسبة فهو أيضاً علو مطلق، ولا يقع اليوم لأحد هذا الحديث أعلى من هذا اهـ.

ثم إن هذا النوع هو النوع تقع فيه الموافقات والأبْدَال والمساواة والمصافحات وإليه أشار بقوله:

611 -

فَإِنْ يَصِلْ لِشَيْخِهِ مُوَافَقَهْ

أَوْ شَيْخِ شَيْخٍ: بَدَلٌ، أَوْ وَافَقَهْ

612 -

فِي عَدَدٍ فَهْوَ الْمُسَاوَاةُ، وَإِنْ

فَرْدًا يَزِدْ مُصَافَحَاتٌ فَاْسْتَبِنْ

(فإن يصل) الراوي (لشيخه) أي شيخ صاحب الكتاب كشيخ أحد الأئمة الستة مثلاً (موافقة) خبر لمحذوف مع الرابطة والجملة جواب إن، أي فهو موافقة.

وحاصل المعنى: أن الراوي إذا روى حديثاً في أحد الكتب المذكورة بسند نفسه من غير طريقها بحيث يجتمع مع صاحب الكتاب في شيخه مع علو هذا الطريق الذي رواه منه على ما لو رواه من طريق صاحب الكتاب

(1) ضعيف جداً. انظر ضعيف الجامع الصغير للألباني.

ص: 144

فهذا يسمى موافقة لاتفاقه مع صاحب الكتاب في شيخه، مثاله: حديث رواه البخاري عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن حميد عن أنس مرفوعاً: " كتاب الله القصاص " فإذا رويناه من جزء الأنصاري تقع موافقة للبخاري في شيخه مع علو بدرجة.

(أو) يصل إلى (شيخ شيخ) لأحد الأئمة الستة مثلاً مع وجود العلو أيضاً (بدل) بفتحتين خبر لمحذوف أي فهو بدل أي يسمى به.

وحاصل المعنى: أنه إذا كانت الموافقة لشيخ شيخ أحد الأئمة الستة فهذا يسمى بدلاً.

مثاله: حديث ابن مسعود الذي مر آنفاً، وسمى بدلاً لوقوعه من طريق راو بَدَلَ الراوي الذي روى عنه أحد الستة.

وقد يسمونه موافقة مقييدة فيقال: هو موافقة في شيخ شيخ الترمذي مثلاً.

(تنبيه): تقييد الموافقة والبدل بالعلو هو الذي ذكره ابن الصلاح قال: ولو لم يكن ذلك عالياً فهو أيضاً موافقة وبدل لكن لا يطلق عليه اسم الموافقة والبدل لعدم الالتفات إليه. قال العراقي: وفي كلام غيره إطلاق ذلك مع عدم العلو فإن علا قالوا موافقة عالية، وبدل عال. اهـ باختصار.

(أو وافقه) أي وافق الراوي صاحب الكتاب (في عدد) أي عدد إسنادهما (فهو) أي الوفاق المذكور (المساواة) أي يسمى بها.

وحاصل المعنى: أنه إذا كان بين الراوي وبين الصحابي أو مَن قَبْلَ الصحابي إلى شيخ أحد الستة كما بين أحد الستة وبين ذلك الصحابي أو من قبله على ما ذكر أو يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم كما بين أحد الأئمة الستة وبين النبي صلى الله عليه وسلم من العدد فهو المساواة، وهي مفقودة الآن، إلا بأن يكون عدد ما بين الراوي الآن وبين النبي صلى الله عليه وسلم كعدد ما بين الستة وبين النبي صلى الله عليه وسلم قاله العراقي.

قال السخاوي: والمساواة بالنسبة لأصحاب الكتب الستة ومن في

ص: 145

طبقتهم مفقودة الآن، نعم يقع لنا ذلك مع مَنْ بَعْدَهم كالبيهقي والبغوي في شرح السنة ونحوهما، بل قد وقعت لي المساواة مع بعض أصحاب الستة في مطلق العدد لا في متن متحد، وذلك أنه وقع بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث عشرة رواة، وكذا وقع للترمذي والنسائي حديث عشاري. اهـ باختصار.

(وإن فرداً) أي راوياً واحداً (يزد) صاحب الكتاب (مصافحات) خبر لمحذوف مع الرابطة، أي فهو مصافحات، وإنما جمعه لأنه يكون له، أو لشيخه، أو شيخ شيخه.

وحاصل المعنى: إنه إن زاد أحد الستة مثلاً راوياً واحداً على الراوي الذي وقع له ذلك الحديث سمى مصافحة بمعنى أن الراوي كأنه لقي أحد الأئمة الستة وصافحه بذلك، ومع كونه مصافحة له فهو مساواة لشيخه، فإن كانت المساواة لشيخ شيخه كانت المصافحة لشيخه، أو لشيخ شيخ شيخه كانت المصافحة لشيخ شيخه، وسمى مصافحة لجريان العادة غالبا بها بين المتلاقيين (فاستبن) أي اطلب بيان الأمر واتضاحه على الوجه الذي بيناه.

ولما أنهى الكلام على علو المساوفة شرع يذكر علو الصفة، وهما النوعان الأخيران فذكر الأول وهو القسم الرابع فقال:

613 -

وَقِدَمُ الْوَفَاةِ أَوْ خَمْسِينَا

عَامًا تَقَضَّتْ أَوْ سِوَى عِشْرِينَا

(وقدم) خبر لمحذوف أي رابعها قدم الوفاة بكسر ففتح، أي تقدم موت الراوي عن شيخ على وفاة راو آخر عن ذلك الشيخ.

مثاله: من سمع سنن أبي داود على الزكي عبد العظيم أعلى ممن سمعه على النجيب الحراني، ومن سمعه على النجيب أعلى ممن سمعه على ابن خطيب المِزَّة، والفخر ابن البخاري، وإن اشترك الأربعة في رواية الكتاب عن شيخ واحد، وهو ابن طبرزد لتقدم وفاة الزكي على النجيب، ووفاة النجيب على من بعده، قال القاضي زكريا:

وقضية ذلك أنه يكون أعلى إسناداً سواء تقدم سماعه، أو اقترن، أو

ص: 146

تأخر، لأن متقدم الوفاة يعز وجود الرواة عنه بالنظر لمتأخر الوفاة فيُرغَبُ في تحصيل مرويه لكن الأخذ بالقضية المذكورة محله في غير تأخر السماع له أخذاً مما يأتي في القسم الخامس.

ثم هذا في العلو المفاد من تقدم الوفاة مع الالتفات لنسبة شيخ إلى شيخ، أما العلو لا مع الالتفات لشيخ آخر فقد اختلف في وقته وإليه أشار بقوله:

(أو خمسينا) عطف على الوفاة أي تقدم خمسين (عاماً تقضت) بالضاد المعجمة أي انصرمت. اهـ " ق " وفي نسخة المحقق بالصاد المهملة أي بلغت نهايتها، وهو قريب من معنى الأول، أي مضت تلك الخمسون من وقت وفاة الشيخ.

وحاصل المعنى: أن الذي تقدم كان بالنسبة لوفاة الراوي مع راو آخر، وأما العلو الذي يستفاد من مجرد وفاة الشيخ لا مع الالتفات لأمر آخر: فقد اختلفوا فيه، فقيل: مُضِيُّ خمسين سنة من تاريخ وفاة الشيخ، وهذا قول الحافظ ابن جوصي، قال: إسناد خمسين سنة من موت الشيخ إسناد علو.

(أو سوى) أي إلا (عشرينا) سنة أي من الخمسين، يعني: ثلاثين سنة من وفاة الشيخ، وهذا للحافظ ابن منده، قال: إذا مر على الإسناد ثلاثون سنة فهو عال.

قال ابن الصلاح: وهذا أوسع من الأول.

ثم ذكر ثاني أقسام علو الصفة وهو خامس الأقسام فقال:

614 -

وَقِدَمُ السَّمَاعِ ............

....................

(وَقِدَمُ السَّمَاعِ) خبر لمحذوف أيضاً، أي وخامسها علو قدم السماع لأحد رواته بالنسبة لراو آخر اشترك معه في السماع عن شيخه، أو لراو سمع من رفيق لشيخه، وذلك بأن يكون سماع أحدهما من ستين مثلاً

ص: 147

والآخر من أربعين، ويتساوى العدد إليهما، فالأول أعلى سواء تقدمت وفاته على الآخر أم لا؟.

وهذا كما نبّه عليه ابن الصلاح يقع التداخل بينه وبين القسم الذي قبله، ولذا جعلها ابن طاهر، ثم ابن دقيق العيد واحداً، وزاد العلو إلى صاحبي الصَّحِيحين، ومصنفي الكتب المشهورة، وجعله ابن طَاهِرٍ قسمين: أحدهما: العلو إلى الشيخين وأبي داود وأبي حاتم ونحوهم، والآخر: العلو إلى كتب مصنفة لأقوام كابن أبي الدنيا والخطابي.

ولما أنهى الكلام على أقسام العلو شرع يذكر ضده وهو النزول فقال:

.............. وَالنُّزُولُ

نَقِيضُهُ فَخَمْسَةً مَجْعُولُ

(والنزول) مبتدأ خبره (نقيضه) أي ضده (فخمسة) الفاء فصيحة و " خمسة " بالنصب مفعول ثاني لقوله (مجعول) أي إذا عرفت أن النزول ضد العلوّ وأردت معرفة أقسامه، فهو مجعول خمسة، أي جُعِلَ خمسة أقسام مِثْلَه، فما من قسم إلا وضده قسم من أقسام النزول، فتفصيلها يدرك من تفصيل أقسام العلو المتقدم.

615 -

وَإِنَّمَا يُذَمُّ مَا لَمْ يَنْجَبِرْ

لَكِنَّهُ عُلُوُّ مَعْنًى يَقْتَصِرْ

(وإنما يذم) بالبناء للمفعول أي إنما ذَمَّ العلماءُ النزولَ (ما) مصدرية ظرفية (لَمْ يَنْجَبِرْ) أي مدة عدم انجباره بصفة مرجحة.

والمعنى: أن العلماء ذموا النزول، قال علي بن المديني وغيره: إنه شؤم، وقال ابن معين: إنه قرحة في الوجه، فهذا إذا لم ينجبر النزول بصفة مرجحة، كزيادة الثقة في رجاله على العالي، أو كونهم أحفظ أو أضبط أو أفقه، أو كونه متصلاً بالسماع بخلاف العلو في ذلك، فهذا نزول في الظاهر، وفي المعنى أنه علوّ مختار على العلو كما أشار إليه بقوله:

(لكنه) أي هذا النزول المنجبر، والاستدراك مما يتوهم أنه لما كان

ص: 148

مختاراً على العلو يثبت له وصف العلو المطلق (علو معنى) أي من حيث المعنى (يقتصر) عليه لا يتعداه إلى الظاهر.

وحاصل المعنى: أن هذا النزول المنجبر بِمُرجّحٍ، نزول في الظاهر، علوًّ في المعنى عند المحققين كما أشار إليه السلفي حيث يقول (من بحر الخفيف):

ليسَ حُسن الحديثِ قُربَ رِجَال

عِنْدَ أربابِ عِلْمِهِ النُّقَّادِ

بَلْ عُلُوُّ الحَدِيثِ بَينَ اولي الحِفْـ

ـظِ وَالِإتْقَانِ صِحَّة الإسنَادِ

وَإذا مَا تَجَمَّعَا فِي حَدِيث

فَاغْتَنِمْهُ فَذَاكَ أقْصَى الْمُرَادِ

ولبعضهم (من البسيط):

عِلْمُ النُّزولِ اكْتُبُوهُ فَهْوَ يَنْفَعُكُمْ

وَتَرْكُكُمْ ذَاكُمُ ضَرْبٌ مِنَ الْعَنَتِ

إنَ النُّزولَ إِذَا مَا كَانَ عَنْ ثَبَتٍ

أعْلَى لَكُمْ مِنْ عُلُوِّ غَيرِ ذِي ثَبَتِ

ثم ذكر تفصيلاً للإمام الحافظ محمد بن حبان البستي صاحب الصَّحِيح وهو تفصيل حسنٌ فقال:

616 -

وَلاِْبِن حِبَّانَ: إِذَا دَارَ السَّنَدْ

مِنْ عَالِمٍ يَنْزِلُ أَوْ عَالٍ فَقَدْ

617 -

فَإِنْ تَرَى لِلْمَتْنِ فَالأَعْلامُ

وَإِنْ تَرَى الإِسْنَادَ فَالْعَوَامُ

(ولابن حبان) خبر مقدم، أي كائن للحافظ المتقن الحجة أبي حاتم محمد بن حبان البستي صاحب الصَّحِيح، وقوله:(إذا دار السَّند) إلخ مبتدأ مؤخر لقصد لفظه، أي إذا كان سند الحديث دائراً (من) بين (عالم ينزل) سنده لكثرة عدده (أو) بمعنى الواو (عال) أي رجل عال سنده لقلة عدده، وجملة (فقد) صفة لعال أي فاقد علماً، بأن كان عامِيّا (فإن ترى) أيها المحدث أي تنظر (للمتن) أي إلى متن الحديث (فالأعلام) مبتدأ خبره محذوف أي أولى، أي الفقهاء الذين هم كالأعلام أولى من العوام الذين هم أعلى سنداً، والجملة جواب إن.

ص: 149

(وإن ترى الإسناد) أي تنظر أيها المحدث إلى سند ذلك المتن وثبتت ألف " ترى " في الموضعين على حد قول الشاعر (من بحر الطويل):

وَتَضْحَكُ مِنّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ

كأنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أسِيراً يَمَانِيَاً

وهو ضرورة على قول.

(الإسناد) أي إسناد ذلك المتن (فالعوام) جمع عامة خلاف الخاصة، وخففت الميم للوزن، مبتدأ خبره محذوف، أي أولى.

وحاصل المعنى: أن ابن حبان له تفصيل حسن، وهو أن النظر إن كان للسند فالشيوخ أولى، وإن كان للمتن فالفقهاء، أولى، وبالجملة فالمعتبر إنما هو العلو المعنوي وهو قوة الراوي.

ولذا قال وكيع لأصحابه: الأعمش أحب إليكم عن أبي وائل عن عبد الله أم سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله؟ فقالوا: الأعمش عن أبي وائل أقرب، فقال: الأعمش شيخ، وسفيان عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة فقيه عن فقيه عن فقيه.

(تَتِمَّة): الزيادات في هذا الباب قوله: قد خصت الأمة البيت.

وقوله: لكنه علو معنى إلى آخر الباب.

ص: 150