الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: (قال الحافظ العلائيُّ: "له طرقٌ وشواهدُ يرتقيْ بمجموعِها إلى درجة الصحة"، وأخرجه ابن أبي شيبة من وجهٍ آخر قويٍّ، والحديث الليِّنُ يقوى بالشواهد المفصّلةِ حتى يبلغَ درجة ما يجِبُ العمل به؛ كالمجهولِ من الناس إذا زكِّيَ صارَ عدلًا تقبل شهادته وروايته، ثم الشَّاهدُ قد يكون كتابًا كأنْ يوافقَ الحديثُ ظاهرَ آيةٍ، أو عمومٌ فيقوى بها، وقد يكون سُنّةً إمَّا من ذلك الحديث أو غيره، وفي المثل:
لا تخاصمْ بواحدٍ أهل بيتٍ
…
فَضَعيفانِ يغلبانِ قَويَّا
وقال الآخر:
إن القِداحَ إذا اجتمعْنَ فَرامَها
…
بالكسرِ ذُوْ حَنَقٍ وَكَسْرٍ أيْدِ:
عَزَّتْ فلم تُكْسَرْ، وإن هي بُدِّدت
…
فَالوهنُ والتكسيرُ للمتبدِّد
فكذا الأسانيدُ الليّنةُ إذا اجتمعتْ حصل منها إسنادٌ قويٌّ، كما قال الشافعي في قلّتين متنجّستين ضُمَّت إحداهما إلى الأخرى: صارتا طاهرتين حيث لا تغيُّرَ) (1).
وقوله أيضًا: وهذا «حديث حسن» وصحيحٌ أيضًا كما ذكر هو وغيره في موضعٍ آخر، وقال الحافظ ابن حجر:(إسناده جيِّدٌ)(2).
ثانيًا: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجبٍ الحنبليِّ رحمه الله:
اعتنى المصنِّف عنايةً بالغةً بجانب الصناعة الحديثيَّة، ونقد المرويَّات، فله القِدح المعلَّى، ولقد فاق بذلك بقيَّة الشروح، ويكفي الحافظ ابن رجبٍ أنَّه شرح علل الترمذيِّ بشرحٍ نفيسٍ بلغ فيه الغاية، ورسم فيه قواعد الأئمة، وقد ذكر شيئًا من عنايته الحديثيَّة في المقدِّمة فقال:(وأشير إشارةً لطيفةً قبل الكلام في شرح الحديث إلى إسناده؛ ليعلم بذلك صحَّته وقوّته وضعفه، وأذكر بعض ما روي في معناه من الأحاديث -إن كان في ذلك الباب شيءٌ غير الحديث الذي ذكره الشيخ- وإن لم يكن في الباب غيره، أو لم يكن يصحُّ فيه غيره، نبَّهت على ذلك كلِّه)(3).
(1) ص (156 - 157) من هذا الكتاب.
(2)
ص (148) من هذا الكتاب.
(3)
جامع العلوم والحكم (19).
ومن ذلك قوله أيضًا: (هذا الحديث خرَّجه الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه من رواية معمرٍ عن عاصم بن أبي النَّجود، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل، وقال الترمذيُّ: حسن صحيح.
وفيما قاله رحمه الله نظرٌ من وجهين: أحدهما: أنه لم يثبت سماع أبي وائل من معاذ، وإن كان قد أدركه بالسِّنِّ وكان معاذ بالشام، وأبو وائل بالكوفة، وما زال الأئمة - كأحمد وغيره - يستدلون على انتفاء السماع بمثل هذا، وقد قال أبو حاتم الرازيُّ في سماع أبي وائل من أبي الدرداء: قد أدركه، وكان بالكوفة، وأبو الدرداء بالشام، يعني: أنه لم يصحَّ له سماعٌ منه، وقد حكى أبو زرعة الدمشقيُّ عن قوم أنَّهم توقَّفوا في سماع أبي وائل من عمر أو نفوه، فسماعه من معاذ أبعدُ.
والثاني: أنه قد رواه حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النَّجود، عن شهر بن حوشب، عن معاذ، خرجه الإمام أحمد مختصرا، قال الدارقطني: وهو أشبه بالصواب؛ لأن الحديث معروف من رواية شهر على اختلاف عليه فيه.
قلت: رواية شهرٍ عن معاذ مرسلةٌ يقينًا، وشهرٌ مختلفٌ في توثيقه وتضعيفه، وقد خرَّجه الإمام أحمد من رواية شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ، وخرجه الإمام أحمد أيضًا من رواية عروة بن النزال أو النزال بن عروة، وميمون بن أبي شبيب، كلاهما عن معاذ، ولم يسمع عروة ولا ميمون من معاذ، وله طرقٌ أخرى عن معاذ كلُّها ضعيفةٌ) (1).
وقال أيضًا في حديث أبي ثعلبة الخشنيِّ: (هذا الحديث من رواية مكحول عن أبي ثعلبة الخشنيِّ، وله علتان: إحداهما: أن مكحولا لم يصحَّ له السماع من أبي ثعلبة، كذلك قال أبو مسهرٍ الدمشقيُّ وأبو نعيمٍ الحافظ وغيرهما.
والثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة، ورواه بعضهم عن مكحول من قوله، لكن قال الدارقطني: الأشبه بالصواب المرفوع، قال: وهو أشهر، وقد حسَّن الشيخ رحمه الله هذا الحديث، وكذلك حسَّن قبله الحافظ أبو بكر بن السمعاني في أماليه) (2).
(1) جامع العلوم والحكم (135).
(2)
جامع العلوم والحكم (150).