المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الحديث الثلاثون (عن أبي ثعلبة) بفتح المثلَّثة (الخُشَنيِّ) بضمِّ المعجمة الأولى - شرح الأربعين النووية للمناوي حـ ٢٩ - ٣٥

[عبد الرؤوف المناوي]

فهرس الكتاب

- ‌الأهمية العلمية للكتاب:

- ‌أولًا: مكانة المؤلف العلمية:

- ‌ثانيًا: مكانة الكتاب العلمية:

- ‌الدِّراسات السَّابقة:

- ‌أولا: الكتاب المحقق:

- ‌ثانيًا: المؤلف رحمه الله تعالى:

- ‌تقسيم المشروع:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌أولا تحقيق النص:

- ‌ثانيًا: ترتيب النص:

- ‌ثالثًا: عزو الآيات:

- ‌خامسًا: تراجم الرواة والأعلام:

- ‌الفصل الأوَّل: ترجمةٌ موجزةٌ للمؤلف

- ‌تمهيدٌ

- ‌المبحث الأوّل: اسمه وكنيته ونسبه ونسبته

- ‌المبحث الثاني: مولده ونشأته العلمية

- ‌المبحث الثالث: رحلاته العلمية

- ‌المبحث الرابع: شيوخه

- ‌المبحث الخامس: تلاميذه

- ‌المبحث السادس: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه

- ‌المبحث السابع

- ‌المطلب الأوَّل: عقيدته

- ‌أوَّلًا: بيان أنَّه رحمه الله على مذهب الأشاعرة في العقيدة

- ‌ثانيًا: بيان أنّه رحمه الله على مذهب أهل الطرق الصّوفية

- ‌المطلب الثاني: مذهبه الفقهيُّ:

- ‌المبحث الثامن: مؤلفاته

- ‌فمن الكتب الحديثيَّة وعلومها:

- ‌وألَّف أيضاً في الفقه عدَّةَ كتبٍ

- ‌وصنَّف في أصول الفقه عدَّة مؤلفات

- ‌وأما في السيرة النبوية، فله عدَّة مؤلفات

- ‌وألَّف في علم اللُّغة العربية وفروعها عدة مؤلفات منها:

- ‌وله مؤلَّفات في علوم أخرى متنوِّعة، منها:

- ‌المبحث التاسع: وفاته

- ‌الفصل الثاني: دراسة الكتاب

- ‌المبحث الأول: اسم الكتاب

- ‌اشتهر بين العلماء المترجمين:

- ‌المبحث الثاني: توثيق نسبته إلى مؤلفه

- ‌المبحث الثالث: سبب تأليف الكتاب، وموضوعه

- ‌المبحث الرابع: مكانة الكتاب العلمية:

- ‌أولاً: مكانة المؤلف العلميّة:

- ‌ثانياً: مكانة الكتاب العلميّة:

- ‌ثالثاً: ثناء بعض العلماء عليه:

- ‌المبحث الخامس: منهج المؤلِّف في كتابه في الجزء المحقق

- ‌المطلبُ الأوَّلُ: منهجه في تخريج الحديث، والحكم عليه:

- ‌المطلب الثاني: منهجه في شرح الحديث:

- ‌المبحث السادس: مقارنةٌ بين (شرح الأربعين النوويَّة) للمناويِّ الشافعيِّ (ت 1031 ه

- ‌المطلب الأوَّل: في الترجمة لراوي الحديث وذكر شيءٍ من مناقبه:

- ‌أوَّلًا: شرح الأربعين النووية للحافظ المناوي رحمه الله:

- ‌ثانيًا: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجبٍ الحنبليِّ رحمه الله:

- ‌ثالثًا: المنهج المبين لأبي حفصٍ الفاكهانيِّ رحمه الله:

- ‌رابعًا: الفتح المبين لابن حجرٍ الهيتميِّ الشافعيِّ رحمه الله:

- ‌المطلب الثاني: في الجانب اللغويِّ:

- ‌أوَّلًا: شرح الأربعين النوويَّة للحافظ المناوي رحمه الله

- ‌ثانيًا: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجبٍ الحنبليِّ رحمه الله:

- ‌ثالثًا: المنهج المبين لأبي حفصٍ الفاكهانيِّ رحمه الله:

- ‌رابعًا: الفتح المبين لابن حجرٍ الهيتميِّ الشافعي:

- ‌المطلب الثالث: في الصِّناعة الحديثيَّة ونقد المرويَّات:

- ‌أوَّلًا: شرح الأربعين النوويَّة للحافظ المناويِّ رحمه الله: لقد عُنِيَ المصنِّف بهذا الجانب، فمن ذلك قوله:

- ‌ثانيًا: جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجبٍ الحنبليِّ رحمه الله:

- ‌ثالثًا: المنهج المبين لأبي حفصٍ الفاكهانيِّ المالكيِّ رحمه الله:

- ‌رابعًا: الفتح المبين لابن حجرٍ الهيتميِّ الشافعيِّ رحمه الله:

- ‌المطلب الرابع: في الصناعة الفقهيَّة:

- ‌أوَّلًا: شرح الأربعين النوويَّة للحافظ المناويِّ الشَّافعيّ رحمه الله

- ‌ثانيًا: جامع العلوم والحكم لابن رجبٍ رحمه الله

- ‌ثالثًا: المنهج المبين لأبي حفصٍ الفاكهانيِّ رحمه الله:

- ‌رابعًا: الفتح المبين لابن حجرٍ الهيتميِّ الشافعيِّ رحمه الله:

- ‌المبحث السابع: موارده في كتابه في الجزء المحقَّق

- ‌المطلب الأوَّل: المصادر التي سمَّى المُناويُّ مؤلِّفيها، وفيه فروعٌ

- ‌الفرع الأوَّل: الكتب المؤلَّفة في الحديث وعلومه ما يلي:

- ‌الفرع الثاني: الكتب المؤلَّفة في الفقه ما يلي:

- ‌الفرع الثالث: الكتب المؤلَّفة في العقيدة ما يلي:

- ‌الفرع الرابع: الكتب المؤلَّفة في اللغة والغريب ما يلي:

- ‌الفرع الخامس: الكتب المؤلفَّة في التراجم ما يلي:

- ‌الفرع السادس: كتب عامَّة:

- ‌المطلب الثاني: مصادر اكتفى المُناويّ بتسمية مؤلفيها، ولم أهتدِ إلى الكتاب المراد:

- ‌المبحث الثامن: وصف النسخ الخطِّيَّة للكتاب:

- ‌المطلب الأول: وصف النسخة الأصل (ز)

- ‌من مميزات النسخة الأصل:

- ‌المطلب الثاني: وصف النسخة الثانية (ب):

- ‌الحديث التاسع والعشرون

- ‌الحديث الثلاثون

- ‌الحديث الحادي والثلاثون

- ‌الحديث الثاني والثلاثون

- ‌الحديث الثالث والثلاثون

- ‌الحديث الرابع والثلاثون

- ‌الحديث الخامس والثلاثون

- ‌الخاتمة، وفيها أهمُّ النتائج والتوصيات:

- ‌ثبت المصادر والمراجع

الفصل: ‌ ‌الحديث الثلاثون (عن أبي ثعلبة) بفتح المثلَّثة (الخُشَنيِّ) بضمِّ المعجمة الأولى

‌الحديث الثلاثون

(عن أبي ثعلبة) بفتح المثلَّثة (الخُشَنيِّ) بضمِّ المعجمة الأولى وفتح الثانية وكسر النون، نسبة إلى خُشَينَة (1) مصغّرًا بَطنٌ من قُضَاعة (2)(جُرثُوم) بضمِّ الجيم ثم راءٌ (3) ومثلثّة، وقيل: جرثومةُ، وقيل: جرثمٌ، وقيل غيرُ ذلك (4)، قال ابن رَسْلان (5):

والأكثرُ

(1) هكذا في النسختين الخطِّيتين: (خشينة) بالتاء، والصواب الذي في: الطبقات الكبرى لابن سعدٍ (1/ 249)، وطبقات خليفة بن خيَّاطٍ (ص 199) -بخلاف ما وقع فيه في (ص 577) - والتاريخ الكَبير لابن أبي خيثمة (2/ 762) والمؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 260) والاستيعاب لابن عبد البرِّ (1/ 269) والإكمال لابن ماكولا (2/ 467) والأنساب للسمعانيِّ (5/ 139): أنَّه بضمِّ الخاء وفتح الشين المعجمتين وفي آخرها النون: (خشينٌ) نسبةً إلى خُشَينِ ابن النمر من قضاعة، وهذا الصواب هو الذي وقع في فيض القدير للشارح نفسه (5/ 42)! وأمَّا (خُشَينةُ) فلم أرَ من نسب أبا ثعلبة رضي الله عنه إليها غير ما وقع في طبقات خليفة بن خياطٍ وفي بعض مطبوعات (أسد الغابة) في الموطنين السابقين، وانظر: المؤتلف والمختلف للدارقطني (2/ 683) ، فالواقع هنا في شرح الأربعين إمَّا أنَّه سبق قلمٍ من المصنِّف، أو من الناسخ، أو تابع فيه المصنِّفُ الهيتميَّ في الفتح المبين (492) والله أعلم.

(2)

شِعبٌ عظيم يشتمل على قبائلَ كثيرة، منهم كلبٌ وبَلِيٌّ وجُهينةَ وغيرها، وقد اختلف في قُضاعة، فقيل: إنَّه من مَعدٍّ، وقيل من اليمن. انظر: اللُّباب في تهذيب الأنساب (3/ 43).

(3)

في الأصل: (زا) والمثبت من (ب).

(4)

انظر: الإصابة (7/ 50).

(5)

رَسْلَان: بفتح الراء ثم سكون المهملة، وقد تزاد ألفٌ قبل الراء، وذكر السخاوي أنه بالهمزة كما بخطه -أي: المترجَم له- وقد تحذفُ في الأكثر، وهو الذي على الألسِنة .. وهو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الحسين بن علي بن أرسلان، المقدَسِيُّ، الرمليُّ، الشافعيُّ، وصنَّف تصانيف نافعةً منها: شرح سنن أبي داود، وغيره. تُوفِّي سنة (844 هـ) انظر: الضوء اللامع (283 - 284) والبدر الطالع (1/ 49).

ص: 124

على أنَّ اسمه: (جُرهُم) بضمِّ الجيم والهاء (1).

(ابنِ ناشزٍ)(2) وقيل: لاشزٍ، وقيل: لاشرٍ، وقيل: لاشقٍ، وقيل غيرُ ذلك (3)، والأكثر على أنَّ اسمه (ناشمٌ) بالنون ومعجمةٍ مكسورةٍ وميمٍ: صحابيٌّ مشهورٌ، خرَّج له الجماعة، حُكيَ عنه أنَّه قال: إنِّي لأرجو أن لا يخنُقنيَ اللهُ كما أراكم تُخنَقُون عند الموت (4)، فبينما هو يُصَلِّيْ قُبِضَ وهو ساجدٌ [سنة خمسٍ وسبعين](5)(6).

(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ اللهَ -تعالى- فَرَضَ فرائض) أي: أوجبها على عباده، وألزمهم القيامَ بها، والفرض كالإيجاب (7)، [لكنِ الإيجابُ](8)

(1) ذكر ابن رسلان رحمه الله اسم (أبي ثعلبة) في موطنين في شرحه على سنن أبي داود قال في (12/ 308): (جرثوم)، وزاد في (15/ 438):(جرثوم بن ناشرٍ الخشنيِّ) ، ولم أقف في شرحه على السنن -بعد البحث- ما يدلُّ على ما ذكره المؤلِّف رحمه الله فلعلَّه في كتاب آخر له، والله أعلم.

(2)

في حاشية النسخة الأصل: (قوله: ابن ناشرٍ، قال ابن حجرٍ في شرحه: وفي اسمه واسم أبيه أقوالٌ غير ذلك نحو الأربعين رضي الله عنه، ممن بايع تحت الشجرة، وضرب له صلى الله عليه وسلم بسهمه يوم خيبر، وأرسله إلى قومه فأسلموا، نزل الشام ومات أول إمرة معاوية، وقيل: في إمرة يزيد، وقيل: في أوَّل إمرة عبدالملك سنة خمس وتسعين، انتهى لفظه). وهو في الفتح المبين (492).

(3)

انظر: الإصابة (7/ 50).

(4)

أخرجه ابن أبي عاصمٍ في الآحاد والمثاني (2628) ، وأبو نعيم في الحلية (2/ 30) ، وابن عساكرٍ في تاريخه (66/ 104).

(5)

ما بين معقوفتين زيادة من نسخة (ب).

(6)

انظر في ترجمته: الاستيعاب (2927) وأسد الغابة (5751). الإصابة (9672).

(7)

قال ابن النجَّار في شرح الكوكب المنير (1/ 178): (ويرادف الفرض الواجب شرعًا في عرف الشرع على الصحيح عند أصحابنا والشافعية والأكثرِ؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} أي: أوجبه). وانظر: المحصول للرازي (97)، نهاية السُّول شرح منهاج الأصول (34).

(8)

ما بين معقوفتين زيادة من نسخة (ب).

ص: 125

يقال اعتبارًا بوقوعه وثبوته، والفرض بقطع الحكم فيه، ومنه يقال لما ألزم الحاكم من النفقة: فرضٌ، ذكره الراغب (1)(2)، وهو بيانٌ لأصل مدلوله (3)،

وفي اصطلاح أهل الأصول -ويرادفه الواجب عند الشافعية (4) -: الفعل المطلوب طلبًا جازمًا، وقال الحنفية: الفرض ما ثبت بقطعيٍّ، والواجب ما ثبت بظنِّيٍّ (5).

ثم الفرائض: إما فرائضُ أعيانٍ كالصلوات الخمس، والزكاة، والصوم.

أو كفايةٍ: كصلاة الجنازة، وردِّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

(فلا تُضَيِّعوها) بالترك أو التهاون فيها حتى يخرج وقتها، بل أوقِعُوها في أوقاتها المقدَّرة لها كما أمركم الله، وفيه دليلٌ على أنَّه يبدأ أوَّلًا (6) بالفرائض، ويبدأ من الفرائض

(1) الرَّاغب: اختلف الناس في اسمه، كما اختلف في عقيدته وفي سنة وفاته، فقيل: اسمه الحسين بن محمد بن المفضل، وقيل غيره، ومن كتبه:(المفردات في ألفاظ القرآن) وهو أشهرها، ودُرَّة التأويل، وغيرها. واختلف في سنة وفاته، ورجَّح السيوطيّ أنه توفِّي في أوائل المائة الخامسة. انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 120) ، وبغية الوعاة (2/ 297).

(2)

مفردات غريب القرآن (630).

(3)

قال ابن فارسٍ في مقاييس اللغة: (4/ 488): (فرض) الفاء والراء والضاد أصل صحيح يدل على تأثير في شيء من حزٍّ أو غيره، فالفرض: الحزُّ في الشيء، يقال: فرضت الخشبة، ومن الباب: اشتقاق الفرض الذي أوجبه الله تعالى، وسُمِّي بذلك: لأنَّ له معالمَ وحدودًا، ومن الباب: ما يَفرِضه الحاكم مِن نفقةٍ لزوجةٍ أو غيرها، وسمِّي بذلك لأنَّه شيءٌ معلومٌ يبِيْنُ كالأثر في الشيء) ..

(4)

وهو رأيُ الإمام مالكٍ، وكثيرٍ من الحنابلة، وتقييده بـ (الشافعية) لعلَّه أراد إخراج متأخِّري المالكية؛ فربَّما أطلقوا الواجب على المسنون المؤكّد، أمَّا الحنابلة فلهم روايتان، حكاهما ابن قدامة، وقال ابن رجب:(وأكثر النصوص عن أحمدَ تفرِّق بين الفرض والواجب) ثمَّ قال: (لا يقولُ فرضًا إلَّا ما ورد في الكتاب والسنة تسميته فرضًا)، انظر: روضة الناظر (1/ 103)، نفائس الأصول (235)، جامع العلوم والحكم (523) ، ونثر الورود في شرح مراقي السعود (53).

(5)

كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (1/ 45).

(6)

في (ب): أولا يبدأ بالفرائض.

ص: 126

بالآكد فالآكد؛ لأنَّ الفرائضَ كثيرة: كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك، لكن قد تفضُل بعض هذه الأمور على غيرها، وما فَضَلَ على الغير فالمحافظة عليه آكدُ، مع أنَّ المحافظة على الكُلِّ واجبةٌ، وفيه فضلُ العلم على غيره من الأعمال؛ لأنَّه لا يعلم هذا وأمثاله إلَّا به.

(وحدَّ حدودًا) جمع حدٍّ، وهو لغة: الحاجز بين شيئين: الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، سميت العقوبة حدًّا لكون ذلك يحجز الفاعل عن المعاودة.

قال الراغب: وتطلق الحدود ويُراد بها نفس المعاصيْ؛ لقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} (1) وعلى فعلٍ فيه شيءٌ مقدّرٌ، / [123/أ] ومنه:{وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ} (2) كأنَّها لمَّا فَصَلت بين الحلال والحرام سُمِّيتْ حدودًا؛ لما تقرَّر أنَّ الحدَّ الحاجزُ، فمنها ما زُجِر عن فعله، ومنها ما زُجِر عن الزيادة عليه والنقص منه (3)، وحينئذٍ فقوله هنا:(وحدَّ حدودًا) ليس المرادُ به نفسَ المعاصي؛ لأنَّه يأتي في قوله: (وحرّم أشياء)، فإما أنَّ المراد: بيَّن لكم أمورًا وأذِن في فعلها واجبةً ومندوبةً ومباحةً وأمر بالوقوف عندها، (فلا تعدَّوها) أي: فلا تتجاوزوها إلى فعل ما نُهيتم عنه، وعليه فما قبله وبعده من ذكر العامِّ بعد الخاصِّ وعكسه (4).

(1) سورة البقرة: (187).

(2)

سورة البقرة: (229).

(3)

هذا الكلام لم أقف عليه من كلام الراغب في المفردات، ولكن وجدت النصَّ هذا في فتح الباري (12/ 58).

(4)

قوله: (العامّ بعد الخاصِّ) هو أن يردَ عامٌّ يشتمل على أفراد، ثم يعطفَ عليه فردٌ من تلك الأفراد التي اشتمل عليها، فمثلًا قوله صلى الله عليه وسلم:«وحدَّ حدودًا فلا تنتهكوها» دلَّت على أنَّه فرض فرائض قد حدَّها -وقد سبقت هذه الجملة- ودلَّت أيضًا على أنَّ الله حرَّم أشياء وحدَّها -وهذه ستأتي في الجملة الآتية- فصارت من قبيل ذكر الخاصِّ بعد العامِّ بالنظر إلى ما قبلها، ومن قبيل ذكر العامّ بعد الخاصِّ بالنظر إلى ما بعدها، وهذان الأسلوبان يبحثهما البلاغيون في آخر علم المعاني، ويجعلونهما من أسباب الإطناب في الكلام المحمود، انظر: بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح (2/ 348).

ص: 127

وإمَّا أنَّ المعنى: جعل لكم حواجزَ وزواجَر مُقَدَّرةً تحجزكم عمَّا لا يرضاه (فلا تعتدُوها) أي: لا تُجَاوزوا القدرَ الذي قدَّره الشَّارعُ فلا تزيدوا عليه، ولا تنقصُوا منه، لكنْ للحاكم أنْ يزيدَ لمصلحةٍ خاصَّةٍ، وتكون الزيادة تنكيلًا وزجرًا كما جلدَ عمرُ في الخمر ثمانين (1).

(وحرّمَ أشياءَ) أي: منع من قِرْبانها وارتكابها كشهادة الزُّور، وأكلِ مال اليتيم، والرِّبا.

(فلا تنتهكوها) أي: لا ترتكبوها مُقتحمين لها غيرَ مبالين بها.

(وسَكَت عنْ أشياءَ) لم يذكر حكمها (رحمةً بِكم) مفعولٌ لأجله؛ أي: فعل ذلك لأجل رحمته، ورِفقِهِ بكم، وتخفيفه عنكم حال كون ذلك (غيرَ نسيانٍ) للنصِّ على حكمها؛ إذ لا يضلُّ ربِّي ولا يَنْسَى؛ ولهذا تلا المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث أبي الدرداء (2):{وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (3).

(فلا تبحثوا عنها) أي: فلا تستكشفوا عن أحوالها ولا تسألوا عنها كما قال

(1) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب ما جاء في ضرب شارب الخمر (6773) ومسلم كتاب الحدود، باب حدّ الخمر (1706) عن أنس رضي الله عنه.

(2)

هو حديث: (ما أحلَّ الله في كتابه فهو حلالٌ، وما حرَّم فهو حرامٌ، وما سكت عنه فهو عَفوٌ، فاقبلوا من الله عافيته: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} أخرجه البزَّار في مسنده (10/ 26) والدارقطني في سننه (3/ 59) والطبرانيّ في مسند الشاميين (3/ 209) والحاكم في المستدرك (2/ 406) وعنه البيهقيّ في السنن الكبرى (10/ 21) من طرقٍ عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن أبي الدّرداء مرفوعًا. وقال الحاكم: (صحيح الإسناد)، ووافقه الذهبي، وقال البزار:(إسناده صالح). وعاصم بن رجاء، قال الحافظ في التقريب:(3058)(صدوق يهِم). ولذلك قال الهيثميّ في مجمع الزوائد (1/ 171): (وإسناده حسنٌ، ورجاله موثَّقون)، وقوّى هذا الحديث الألبانيّ في الصحيحة (5/ 326).

(3)

سورة مريم: (64).

ص: 128

تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} (1) وهذا يحتمل اختصاصه بزمن المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ البحث عما لم يذكر حكمه قد يكون سببًا للتشديد بإيجابٍ أو تحريمٍ؛ بدليل حديث: «إن أعظم المسلمين جُرْمًا من سأل عن شيء لم يحرم فحُرِّم لأجل مسألته» (2).

ويحتمل العمومَ بشهادة خبر: «من حُسْن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» (3) والنهيِ عن قيلَ وقالَ، وكثرة السؤال (4).

(1) سورة المائدة: (101).

(2)

رواه البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه (7289). ومسلم في صحيحه في كتاب الفضائل باب توقيره صلى الله عليه وسلم (2358).

(3)

هذا الحديث هو الحديث الثاني عشر من أحاديث الأربعين، وخلاصة الكلام فيه: أنَّه اختلف فيه على الوصل والإرسال: فأخرجه الترمذيّ في أبواب الزهد تحت باب (2318) ومالك (2628) والرامهرمزي في المحدث الفاصل (90) من طرق عن الزهري عن عليّ بن الحسين مرسلًا. وأخرجه الترمذيّ أيضًا في أبواب الزهد تحت باب (2317) وابن ماجه في كتاب الفتن باب كفّ اللسان عن الفتنة (3976) وابن حبان (229) كلهم من طريق الأوزاعي عن قرة بن حيوئيل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال الترمذيّ:(حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه) ثم ساق المرسل من طريق مالك، ثم قال:(وهكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري عن الزهري عن علي بن حسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مالك مرسلًا، وهذا عندنا أصحّ من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة). وقال ابن عبد البرّ: (والمرسل عن عليِّ بن حسينٍ أشهر وأكثر) التمهيد (9/ 195 - 198)، وممن رجح الإرسال أيضًا: الإمام أحمد وابن معين والبخاري وقال: (لا يصح إلا عن عليِّ بن حسين مرسلًا). انظر: جامع العلوم والحكم (207).

(4)

رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: لا يسألون الناس إلحافا، (1477) ومسلم في كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة (1715).

ص: 129

ومعنى سكوتِهِ تعالى عنها: أنَّه لم يُنْزِلْ (1) حكمَهَا لرسوله كما تقرَّر؛ فلم ينطقْ فيه بأمرٍ ولا نهيٍ ولا تحريمٍ ولا تحليلٍ، فيُردُّ حكمُه إلى أصلٍ من أصول الشرع، لا أنَّه -تعالى- سكت عنها حقيقةً لاستحالته عليه -تعالى-؛ إذ الكلام من صفاته النفسيَّة (2) القديمة الذاتية التي لا تنفكّ عنه (3).

(1) في (ب): لم يتركْ.

(2)

في (ب): النفسانيَّة. وفي هامشها: النفسيَّة.

(3)

قول الشارح رحمه الله: (إذ الكلام من صفاته النفسية

) مخالفٌ لمعتقد أهل السنة والجماعة الذين أطبقوا على أن الكلام يتناول اللفظ والمعنى جميعًا، كما يتناول لفظ الإنسان للروح والبدن معًا، وأنّ القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال بالكلام النفسيّ يقول أولًا بخلق القرآن، ثم يثبت لله الكلام النفسيَّ لأنه لا بدّ له من إثبات صفة كلامٍ.

وأول من عُرف من أهل القبلة بأنَّه قال بخلق القرآن: الجعد بن درهم (ت 124 هـ) وأخذها عنه الجهم بن صفوان (ت 128 هـ) ثم تلقَّفها بشر المريسي (ت 218 هـ) وهو كان عين الجهميَّة وعالمهم في عصره، كما قال الذهبي في السبر (10/ 200) ثم أخذها عنه أحمد بن أبي دؤاد (ت 240 هـ) وهو الذي أغرى المأمونَ العباسيَّ بالمحنة، وإجبار الناس على القول بخلق القرآن، فافتتن خلقٌ كثير، وثبت إمام أهل السنة أحمد ابن حنبلٍ وجماعة قليلةٌ، وترخَّص آخرون، رحمهم الله أجمعين، فهذه هي بدايةُ إنكار كلام الله تعالى بالحرف، ولكن هل سُبق الجعدُ بهذه المقالة؟ ذكر ابن عساكرٍ وغيره خبرًا مفاده أنّ الجعد أخذ هذا عن بيانِ بن سمعان، عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، عن خاله لبيد -وهو اليهوديّ الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم وكان يقول بخلق التوراة، انظر: البداية والنهاية (9/ 350) وهذه المسألة من أُمَّهات مسائل الاعتقاد، وقد وقع خلاف الناس فيها قديمًا، حتى ذكر ابن أبي العز الحنفي رحمه الله أنَّ أقوال الناس في الكلام بلغت تسعة، انظر: شرح العقيدة الطحاوية (1/ 172) وقد أُفردت فيها المصنفات والمؤلفات، من أشهرها: الحيدة في الرد على المريسي للكناني (240 هـ) والرد على الجهميَّة والزنادقة للإمام أحمد (241 هـ) والرد على الجهميَّة لعثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ) ورسالة أبي نصر السجزي (444 هـ) المسمَّاة بـ (رسالة إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت)، ورسالتا ابن قدامة رحمه الله (620 هـ) حكاية المناظرة في القرآن مع =

ص: 130

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بعض أهل البدع، ورسالة: الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم، والتسعينيَّة لشيخ الإسلام ابن تيميَّة (728 هـ) وغيرها، ولا يخلو منها كتابٌ من الكتب المؤلفة في المعتقد.

وخلاصة مذهب أهل السنة والجماعة هو ما قاله الإمام أبو جعفر الطحاويُّ الحنفيُّ (321 هـ): (وإن القرآن كلام الله منه بدأ بلا كيفية قولًا، وأنزله على رسوله وحيًا، وصدّقه المؤمنون على ذلك حقًّا، وأيقنوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمَّه الله وعابه وأوعده بسقر، حيث قال تعالى: (إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ)

فلما أوعد الله بسقر لمن قال: (إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) علِمنا وأيقنَّا أنه قول خالق البشر ولا يشبه قول البشر). وأما من قال بالكلام النفسيّ فالرد عليهم من أوجه:

أوّلًا: الأدلَّة المتكاثرة التي يقول الله عز وجل عن نفسه بإثبات القول والكلام، مثل قوله تعالى

{أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} وقال: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} ولا يمكن سماع الكلام النفسيِّ، وكذلك الأدلة الواردة في النداءِ والمناجاة، قال ابن القيم في الكافية الشافية= النونيّة (ص: 46):

إنَّ النِّدا الصَّوتُ الرَّفيعُ وضدُّه

فهو النجاء، كلاهما صوتان

ثانيًا: أنَّ ما في النفس لا يسمَّى كلامًا لقوله صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به» وهو في الصحيحين، ففرَّق صلى الله عليه وسلم بين حديث النَّفس وبين الكلام؛ ولذا أجمعوا على بطلان الصلاة بالكلام العمد لغير مصلحة الصلاة، بخلاف حديث النفس في الصلاة، ممَّا يدلُّ أنَّها ليست بكلامٍ.

ثالثًا: إطباق المسلمين كلِّهم عربهِم وعجمِهم على نسبة هذا القرآن إلى الله تعالى، فيقولون:(قال الله تعالى) ولا يقولون ولا مرَّة: قال محمد، وقال جبريل، والصفة إذا قامت بمحلٍّ أضيف إليها، فلو كان القرآن كلامًا لغير الله تعالى أضيف إليه.

رابعًا: تناقضهم واضطرابهم في تعيين قائل هذا القرآن الموجود بين أيدي المسلمين المبدوء بالفاتحة والمختوم بالناس، فمرة قالوا: هو من قول جبريل، وتارة نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وحينًا أضافوه إلى اللوح المحفوظ، وهذا كلُّه مصادم ومخالفٌ لكلام الله تعالى، وقد توعد الله من قال ذلك حين قال:{ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26)} نظر: التسعينيَّة لابن تيميَّة (2/ 432).

ص: 131

قال بعض الشُّرَّاح (1): لكنّ الأصحَّ أنَّ ما سكت عنه هو الذي / [123/ب] عفَا عنه، ووسَّع الأمر فيه على عباده، وفُهِمَ من سكوته عن ذلك رحمةً لنا -مع النهي عن البحث عنه-: أنَّه لا حكمَ قبل ورود الشَّرع، وهو الأصحُّ (2).

وهذا الحديث تمسَّك به من يقتصر -كالظَّاهرية- على ظاهر الَّلفظ وينفي ما عداه ممَّا يفهم منه بإشارةٍ أو مُوافقةٍ أو مُخالفةٍ أو قياسٍ أو غيره، وما لاحكم له في النصوص يردُّوه إلى حكم ما قبل الشرع.

قال الطُّوفيُّ: (وهو ظاهر الحديث؛ لأنَّه نهْيٌ عن البحث عمَّا سكت عنه، فيكونُ على خلاف الشرع، فيكونُ مردودًا عملًا بخبر (3): «كلُّ عملٍ ليس عليه أمرنا فهو ردٌّ» وهذا الاستدلال ظنِّيٌّ، وأدلَّة القياسِ قاطعةٌ فلا يعارضها الظَّنُّ) (4).

والحقُّ: أنَّ ما لم يرد فيه نصٌّ خاصٌّ أو عامٌّ: إن كان داخلًا في ذلك النصِّ ممَّا يؤخذ منه بإشارةٍ أو مُساواةٍ أو أوَّليٍّ أو مُخالفةٍ أو إلحاقًا لحكم المسكوت عنه بحكم المنطوق ونحوه؛ فالبحث عنه حقٌّ يتعيَّن على المجتهد بيانُهُ، وإلَّا فهو من التَّعمُّقِ والتنطُّعِ

(1) هو ابن حجر الهيتمي كما في الفتح المبين (496).

(2)

هذه المسألة مشهورة عند العلماء بـ (حكم أفعال العقلاء قبل ورود الشرع) وهل المقصود بالأفعال جميع أفعال العبد الاختياريّة والاضطراريّة؟ خلافٌ في تحرير محلِّ النزاع، والمسألة طرفٌ من المسألة الشهيرة بـ (التحسين والتقبيح العقليِّ) وستأتي بتفصيل أكثر إن شاء الله، وفي مسألة الحكم قبل ورود الشَّرع -إجمالًا- ثلاثة أقوال: أولاها أنَّ أفعال العقلاء قبل الشرع على الإباحة، وهو قول بعض أصحاب المذاهب والمعتزلة، الثاني: أنّها على الحظر، وهو قول بعض أصحاب المذاهب لبعض المعتزلة أيضًا، والثَّالث: أنَّها على الوقف حتى يرد خطاب الشرع وهو قول كثير من العلماء والمحقِّقين، وقال الزركشيّ عن هذا القول:(إنَّه معتقد أهل السنة، وإجماع الأئمَّة الأربعة وأصحابهم). انظر: البرهان (1/ 13) المستصفى (45) البحر المحيط (1/ 154) المعتمد للبصريّ (2/ 315). وانظر تفاصيل الأدلَّة وما يتعلَّق بها في كتاب: التحسين والتقبيح العقليَّان وأثرهما في مسائل أصول الفقه للدكتور عائض الشهراني (98 - 122).

(3)

في الأصل بدون الباء (خبر) والمثبت من (ب).

(4)

التعيين في شرح الأربعين (1/ 230).

ص: 132

والبحثِ عمَّا لا يَعنيْ، قال المصطفى:«هلك المتنطِّعون» (1) أي: المتعمِّقون، جمع متنطِّعٍ، وهو المتعمِّق البحَّاث.

وهذا (حديثٌ حسنٌ) بل وصحيحٌ، فقد صحَّحه ابنُ الصَّلاح (2)، وقول أبي حاتمٍ وأبي زرعة:(روايةُ مكحولٍ لم يسمعْ من أبي ثعلبة) معارَضٌ بقول ابن معينٍ: سمع (3)، والمثبِت مقدّمٌ على النافي.

(رواه الدارقطنيُّ)(4) إمامُ العلماء (5) الحافظُ الجليل (6) عليُّ بن عمر البغداديُّ (وغيرُه) كأبي نُعيمٍ وغيره (7).

وهذا أصلٌ عظيمٌ في أصول الدين؛ لأنَّه جمع فيه الدِّين في أربع كلماتٍ، فمن أدَّى الواجبات، وتجنَّب المحرَّمات، ووقف عند الحدود، وترك ما غاب عنه، فقد استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدِّين، وحاز الثواب، وفاز بالنَّجاة من العقاب؛ لأن الشَّريعة لا

(1) أخرجه مسلم في كتاب العلم، باب «هلك المتنطعون» (2670).

(2)

لم أقف على تصحيحه، وهذا الحديث وأمثاله ممَّا صحَّحه ابن الصَّلاح مخالفٌ لما اشتهر عنه من إغلاق باب الاجتهاد في التصحيح والتحسين، ومخالفته لقوله أحسن في الإلزام من تصحيح أقرانه للأحاديث. وانظر: تدريب الراوي (1/ 158).

(3)

ذكر جمعٌ من أهل العلم أنّ مكحولًا لم يسمع من أبي ثعلبة، منهم أبو مسهرٍ الدمشقيُّ وأبو نعيمٍ الحافظ، وأما قول الشارح رحمه الله:(بأن ابن معين قال: سمع) فلم أقف عليه، ولكن الذي في (جامع التحصيل) للعلائيِّ أن ابن معين قال:(سمع مكحول من واثلة بن الأسقع)، وقال آخرون: بل لم يسمع منه، فلعل الشارح -والله أعلم- ظنّ خلافهم في سماعه من واثلة بن الأسقع أنَّه كان في سماع مكحول من أبي ثعلبة، وقد ذكر العلائيُّ أن مكحولًا روى عن أبي ثعلبة الخشنيِّ، قال:(وهو معاصرٌ له بالسِّن والبلد، فيحتمل أن يكون أرسل كعادته وهو يدلِّس أيضًا). جامع التحصيل (ص: 285). تهذيب التهذيب (12/ 49).

(4)

سنن الدارقطني (5/ 325).

(5)

في (ب): (إمام العلل).

(6)

في الأصل: (الحبل) ، وكأنَّها صحِّفت من الجليل، أو من الجبل.

(7)

حلية الأولياء (9/ 17).

ص: 133

تخرج عن هذه الأربعة (1).

وقال الطُّوفيُّ: (الحديث من جوامع الكلم الوجيزة البليغة المتضمنة (2) جميع قواعد الشرع حكمًا وإباحةً؛ إذ الحكم الشرعي إمَّا مسكوتٌ عنه أو متكلَّم به، وهو إما: مأمورٌ به وجوبًا أو ندبًا، أو منهيٌّ عنه تحريمًا أو كراهةً، أو مباحٌ: فالواجب حقُّه أن لا يُضَيَّعَ كالإيمان والإسلام، وما وجب من خصالهما، والحرام أن لا يقارب، كالكفر والزنا والرِّبا (3) والسرقة والقذف والسِّحر وشهادة الزور وأكل مال اليتيم، والحدود حقُّها أن تقام على أهلها من غير محاباةٍ ولا تعدٍّ؛ لهذا ورد (4) في حديث: / [124/أ]«حدٌّ يُقام في الأرض خيرٌ من مطرٍ أربعين صباحًا» (5)). (6).

(1) هذا النصُّ في الجواهر البهيَّة في شرح الأربعين النوويَّة في (ص 208).

(2)

في (ب): لتضمنه.

(3)

كلمة (الرِّبا) مكرَّرة في نسخة (ب).

(4)

في الأصل: (أورد) ولعل ما في (ب) أقرب.

(5)

أخرجه النسائي في المجتبيى في كتاب قطع السارق، باب الترغيب في إقامة الحدّ (8/ 75 رقم 4904) وابن ماجه في كتاب الحدود، باب إقامة الحدود (2/ 848، رقم 2538) ، وأحمد في المسند (14/ 352) والبخاريُّ في التاريخ الكبير (2/ 213) كلُّهم من طريق جرير بن يزيد عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظ النسائيّ (ثلاثين صباحًا)، وتابعَ عيسى بن يزيدَ على الرفع: جرير بن عبد الحميد عن جرير بن يزيد به ذكرها الدارقطني في العلل (11/ 212) وهو حديثٌ ضعيفٌ؛ لضعف جرير بن يزيد البجليِّ، قال في التقريب: ضعيف (917). وأضف إلى ذلك مخالفة يونسَ بن عبيدٍ لعيسى وجرير بن عبد الحميد، فرواه عن جرير بن يزيد عن أبي زرعة عن أبي هريرة موقوفًا، أخرجها النسائيّ في الكبرى (7/ 19) قال: وهذا الصواب، وقال الدارقطني (11/ 213):(هو الصحيح).

(6)

التعيين في شرح الأربعين (228).

ص: 134

وقال بعضهم (1): ليس في أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم حديثٌ واحدٌ أجمع بانفراده للأصول والفروع مثله، ومن امتثل وصيَّة المصطفى وعمل به فقد حاز الثَّواب، وأمن العقاب؛ لأنَّ من أدَّى الفرائض، واجتنب المحارم، ووقف عند الحدود، وترك البحث عمَّا غاب [عنه](2)، فقد استوفى أقسام الفضل، وأوفى حقوق الدِّين؛ لأنَّ الشرائع لا تخرج عن هذه الأنواع). أمَّا الفرائض: فالواجبات من صلاةٍ وصومٍ وزكاةٍ وحجٍّ وغيرها، وأما المحرَّمات: فالمنهيَّات من زنًا وسرقةٍ وشربِ خمرٍ وظلمٍ وبَغْيٍ وغيرها، والحدود: هي المواقِف التي حدَّها لعباده، والمقادير التي بيَّنها في الطاعات، أي: على أحد الوجهين المارَّين، فحفظ العبادة بأسبابها وشروطها وأوقاتها، وامتثال العقود المشروعة (3) لأحكامها مع الشرائط المرعية في محالِّها وذواتها، واتباع المأذونات مع الوقوف على نهاياتها في حدود الدِّين، وقد مدح الله الحافظين لحدوده، وذمَّ المعتدين لها، وأمَّا ما سكت عنه فهو ما عَفَا عنه ووسَّع الأمر فيه على عباده.

(1) نقل أول الكلام ابن حجر الهيتمي في الفتح المبين (498) ثم قال: (ومِن ثَمَّ قال ابن السمعاني: ومن عمل به فقد حاز الثواب

). وقوله: (ليس في أحاديث المصطفى

) انظر: جامع العلوم والحكم (522) الجواهر اللؤلؤيَّة في شرح الأربعين النوويَّة للجرداني (453).

(2)

ساقط من الأصل.

(3)

في (ب): (وامتثال العقود المشروعة) بدون واو.

ص: 135

[3: عن أبي العبَّاس سهل بن سعد السَّاعديِّ رضي الله عنه، قال: جاءَ رجلٌ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! دُلَّني عَلَى عَمَلٍ إِذا عَمِلتُهُ أَحَبَّنيَ اللهُ وَأَحَبَّنِيَ النَّاسُ؛ فَقَالَ: (ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّك الله، وازهدْ فيما عندَ النَّاس يُحبَّك الناسُ). حديثٌ حسنٌ، رواه ابن ماجَه وغيره بأسانيدَ حسنةٍ.]

ص: 136