الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثاني والثلاثون
(عن) حليفِ الصبر ومؤثِرِ الفقرِ (أبي سعيدٍ الخدريِّ) سعدِ بنِ مالك بن سِنان ابن عبيد الأنصاريّ الخزرجيّ (الخُدْريّ) بضم الخاء المعجمة نسبةً إلى جدّه خُدرة (1)، بمعجمة فمُهملة (2)، ووهِم من جعلها معجمة، وقيل نسبة إلى الخُدْرة (3)، - قومٌ من أهل اليمن- ابن عوف بن الحارث الخزرج (4)، أسلمَ وبايعَ المصطفى صلى الله عليه وسلم على أن لا تأخذه في الله لومةُ لائمٍ (5)،
وغزا اثني عشر غزوة، ولم يكن أحدٌ من الصحابةِ
(1) انظر: الأنساب (5/ 60).
(2)
جاء في هامش نسخة الأصل كلامٌ لابن حجرٍ الهيتميِّ وهو: ) بالدال المهملة رضي الله عنه ينبغي رضي الله عنهما؛ لأنَّ أباه كان صحابيًّا أيضًا من شهد أحدًا، وكان أبو سعيد هذا من نجباء الأنصار وفضلائهم، ومن حفَّاظ الصحابة وعلمائهم، حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم سننًا كثيرةً، روي له ألف ومئة وسبعون حديثًا، اتفقا منها على ستةٍ وأربعين، وانفرد البخاريُّ بستة عشر، ومسلمٌ باثنين وخمسين). وهو في الفتح المبين بشرح الأربعين (515).
(3)
واسمه: الأبجر بن عوف، وقيل: خُدرة أم الأبجر، قال الزبيدي: والأوَّل أصحُّ، ونقل عن شيخه الفاسي:(وبه جزم الأكثر من أئمة النسب ولم يُعرِّجوا على الثاني). انظر: تاج العروس (11/ 143).
(4)
في (ب): (بن الخزرج).
(5)
أصل هذه البيعة في الصحيحين: البخاريّ، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس (7199) ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء (1709) رواها عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وأمّا بخصوص مبايعة أبي سعيد رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم بهذا فقد قال الحافظ:(روى الهيثم بن كليب الشاشيُّ في مسنده من طريق عبد المهيمن ابن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه، عن جده، قال: بايعت النبيّ صلى الله عليه وسلم أنا وأبو ذرٍّ، وعبادة بن الصامت، ومحمد بن مسلمة، وأبو سعيد الخدريّ، وسادسٌ، على ألَّا تأخذنا في اللَّه لومةُ لائمٍ، فاستقال السادس، فأقاله). الإصابة (3/ 66) .. قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 264): (رواه الطبراني، وفيه عبد المهيمن بن عباس وهو ضعيف) وهو كما قال، فقد ضعفه الأئمة، انظر: تهذيب التهذيب (6/ 433).
الأحداثِ أفقهَ منه (1)، وكان من الرُّماة المشهورينَ المذكورينَ في الصحابة، وهو معدودٌ من أهل الصُّفَّة (2).
مات سنة أربعٍ وسبعين، ودُفن بالبقيع (3).
(أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ضَررَ) خبرٌ بمعنى النهي، أي: لا يضرَّ الرجل أخاه فَيَنْقُصُ شيئًا من حقّه (ولا ضِرارَ) فِعالٌ بكسر أوّله، وفي رواية:(إضرار)(4) قال ابن الصلاح: ولا صحَّة لها، أي: لا يجازي من ضرَّه بإدخال الضَّرر بل يعفو، فالضرر فعلُ واحدٍ، والضِّرارُ فعلُ اثنين.
أو الضَّرر: ابتداء الفعل، والضِّرار الجزاء عليه.
أو الأوَّل: إلحاقُ مفسدةٍ بالغير مطلقًا، والثاني: إلحاقها به على وجه المقابلة، / [126/ب] أي: كلٌّ منهما يقصِد ضرر صاحبه بغير جهة الاعتداء بالمثل، وحينئذٍ: فالجمعُ بينهما ليس للتأكيد بل للتأسيس (5).
(1) انظر: طبقات الفقهاء للشيرازي (51).
(2)
أصحاب الصُّفَّة: بضمِّ الصاد وتشدد الفاء هي: مثل الظلة والسقيفة يؤوى إليها، وهي موضعٌ مظلَّل من المسجد يأوي إليه المساكين، وقيل: سمُّوا أصحاب الصُّفَّة: لأنَّهم كانوا يصفُّون على باب المسجد لأنهم كانوا غرباءَ لا منازل لهم. انظر: مشارق الأنوار (2/ 50). والقاموس المحيط (828).
(3)
انظر: الإصابة (3/ 56).
(4)
قال ابن رجب: (لا ضرر ولا ضرار، هذه الرواية الصحيحة، ضِرارٌ بغير همزة، وروي «إضرار» بالهمزة، ووقع ذلك في بعض روايات ابن ماجه والدارقطنيِّ، بل وفي بعض نسخ الموطَّإ، وقد أثبت بعضهم هذه الرواية) جامع العلوم (572). انظر: سنن الدارقطني (5/ 408). ولم أقف على تلك الرواية في سنن ابن ماجه، ولا في الموطَّإ.
(5)
ذكر في الفتحِ المبين (515): أنّ الجوهريَّ صاحب الصِّحاح قال: (هما بمعنىً)، ولم أجدْه في الصَّحاح.
قال الحَرَّالي (1): والضَّرُّ بالفتح والضم: ما يُؤلم الظاهر من الجسم وما يتصل بمحسوسه في مقابلة الأذى، وهو إيلام النفس وما يتصل بأحوالها، وتُشْعِر الضمّةُ في الضُّرِّ بأنه عن قهرٍ وعلوٍّ، والفتحة بأنه ما كان من مماثلٍ (2).
وفيه تحريم جميع أنواع الضرر إلَّا بدليل؛ لأنَّ النكرةَ في سياق النفيِ تعُمُّ (3)، وكثيرٌ ما يحذف خبر (لا) التي لنفي الجنس كما هنا (4)، أي: لا لحوقَ أو إلحاقَ، أولا فعلَ ضررٍ أو إضرارٍ بأحدٍ في ديننا، أي: لا يجوز شرعًا إلّا لموجبٍ.
وقُيِّد النَّفي بالشرع؛ لأنه بحكم القدر الإلهيِّ لا ينتفي، وقد خُصَّ منه ما ورد لحوقُهُ بأهله، كالحدود والعقوبة على الجانيْ وذبح ما يؤكَل، فإِنّها ضررٌ لاحِقٌ بأهله وهو مشروعٌ إجماعًا.
(1) هو أبو الحسن علي بن أحمد بن حسن التجيبيُّ الحرَّاليُّ، وصفه الذهبيُّ بالعلامة المتفنن، وحرَّالة: قرية من عمل مرسية، ولد بمرَّاكش، وأخذ النَّحو عن ابن خروف، ولقي العلماء، وجال في البلاد، قال الذهبيُّ:(فمن شاء فلينظر في تواليفه، فإن فيها العظائم، وكان شيخنا ابن تيمية وغيره: يحُطُّ على كلامه ويقول: تصوُّفه على طريقة الفلاسِفة). مات (637 هـ) انظر: سير أعلام النبلاء (23/ 47) وتاريخ الإسلام (14/ 246).
(2)
نظم الدُّرر للبِقاعي (2/ 79).
(3)
خلاصة الكلام في هذه القاعدة هو: أنَّ دلالة النكرة في سياق النَّفي على العموم نوعان، أحدهما: نصٌّ في العموم، وهو ما إذا بنيتْ لتركُّبِهَا مع (لا) نحو:(لا إله إلا الله)، والثاني: ظاهرةٌ في ذلك، وهو ما إذا لم تُبْن مع (لا) بل أعربتْ، نحو:(لا رجلٌ في الدار)، فإنه يصحُّ أن يقال بعده:(بل رجلان)، فدلَّت هذه القرينة على أنَّها ليست نصًّا في العموم. انظر: الغيث الهامع شرح جمع الجوامع لأبي زرعة العراقي (ص 282 (، والقواعد والفوائد الأصوليَّة لابن الَّلحام (ص 274) ، وهي هكذا مقرَّرةٌ في كتب النحويّين، انظر مثلًا: الكواكب الدُّرِّيَّة في شرح متممّة الأجروميَّة (1/ 280). ومن هنا تَعرِف ما في كلام الإمام القرافيِّ رحمه الله لمَّا قال: (وأمَّا النَّكرة في سياق النَّفي فهي من العَجَائبِ في إطلاق العلماء من النُّحاة والأصوليِّين! ، يقولون: النَّكرة في سِياق النَّفي تعُمُّ، وأكثر هذا الإطلاقِ باطلٌ) شرح تنقيح الفصول (ص: 181).
(4)
انظر: شرح ابن عقيل (1/ 377).
وعُلِمَ ممّا تقررَّ: أنّه لو ورد دليلٌ خاصٌّ بضررٍ خاصٍّ خُصِّصَ به العمومُ، على القاعدة الأصوليَّة من تقديم الخاصِّ على العامِّ، ولا نظرَ حينئذٍ لرعاية المصالح، خلافًا لما أطال به الشارح الطوفيُّ (1) هنا، وبسط الكلام عليه في نحو كرَّاسين، وزعم أنَّ المصلحة تُقدَّم على جميع الأدلَّة حتّى النصِّ والإجماعِ! (2)، ومع عدم الورود تُرَاعَى المصالحُ إثباتًا، والمفاسدُ نفيًا؛ لأن الضرر هو المفسدة، فإذا نفاها الشرع لزم إثبات النفع الذي هو المصلحة؛ لأنَّهما نقيضان لا واسطة بينهما.
وأخذ منه الشافعيّة (3) أنَّ للجار منعَ جارِه مِن وضعِ جِذعه (4) على جداره وإن
(1) التعيين (236 - 260).
(2)
أطال الطوفيُّ في هذه المسألة في شرح هذا الحديث، وقد ذهب إلى منحىً بعيدٍ لا يوافقه عليه أهل العلم رحمهم الله، من ذلك أنه رأى أنّ:(رعاية المصلحة أقوى من الإجماع، ويلزم من ذلك أنَّها أقوى أدلَّة الشرع؛ لأنَّ الأقوى من الأقوى أقوى) ص (239) وأيضًا ذهب إلى أنَّ الإجماع ليس بحجة ص (256) وإن كان قيَّد كلامه بالإجماع في العبادات والمعاملات في (ص 250)! والمصيبة العظمى: أنّه حمَّل الاِختلاف بين الأمَّة والشقاق على النصوص الشرعيًّة في ص (259)! . إلى غير هذه المسائل التي خالف فيها علماء الأمة، وقد استلَّ هذا الجزءَ بعضُ العلماء ونشروه مفردًا، منهم: جمالُ الدِّين القاسميُّ، وشرحَه ونشره في مجلَّة المنار في المجلَّد التاسع، في الجزء العاشر الصَّادر عام (1906 م).
(3)
قال النوويُّ في المنهاج (261): (والجدار بين المالِكَين قد يختصُّ به أحدهما، وقد يشتركان فيه، فالمختصُّ: ليس للآخَر وضع الجذوع عليه في الجديد)، وقال الشِربينيِّ في شرحه:(وقد يقتضي التعبير بالجديد بأنَّ مقابلَه قديمٌ محضٌ، وليس مرادًا بل هو منصوصٌ عليه في الجديد أيضًا، حكاه البويطيُّ عن الشافعيِّ، وهو من رواة الجديد). مغني المحتاج (3/ 178). وانظر: فتح العزيز (10/ 315). وذكر البغويُّ في شرح السنة (8/ 247): أنّ أكثر أهل العلم على عدم الإجبار، وأجابوا عن الخبر بجوابين: أحدهما أنّه محمول على الندب والاستحباب، وحسن الجوار، وثانيهما: ما قاله الإسنوي: أنّ الضمير في (جاره) يعود إلى المالك، وقد تعقّبه ابن التِّين بأنه إحداث قول ثالثٍ في تفسير الخبر! ثمّ تعقّب عليه ابن حجر، انظر: فتح الباري (5/ 111)، ونقل الحافظ عن البيهقيِّ من الشافعية أنّه قال:(لم نجد في السُّنن الصحيحةِ ما يعارض هذا الحكم إلا عموماتٌ لا يستنكرُ أن نخصّها). ولعلّ الأحسنَ-والله أعلم-: هو أنَّ حديث الباب - «لا ضرر ولا ضرار» - مخصَّصٌ بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، لقضاء عمرَ بن الخطَّاب رضي الله عنه، رواه مالك في الموطَّإ (2/ 742) بسندٍ صحيحٍ، والله أعلم.
(4)
الجِذع: بالكسر ساق النخلة، ويسمى سهم السقف جذعًا والجمع جذوع وأجذاع. المصباح المنير (1/ 94).
احتاج، وخالف الحنابلةُ (1)
تمسُّكًا بخبر: «لا يمنعْ أحدٌ جاره أن يضعَ خشبةً (2) على جداره» (3) وأجيب بأنَّه ضعيفٌ (4) لضعفِ جابرٍ الجُعفيِّ (5)،
وبفرض صحّته فقد قال
(1) مغني ابن قدامة (4/ 376) ..
(2)
اختلف في ضبط الكلمة (خشبةَ) هل هي بالإفراد (خشبةً) أم بالجمع (خشبهُ)؟ قال أبو عمر ابن عبد البرِّ: (قد روي اللفظان جميعًا في الموطَّإ عن مالك، وقد اختلف علينا فيهما الشيوخ في موطإ يحيى على الوجهين جميعًا، والمعنى واحدٌ؛ لأنَّ الواحد يقوم مقام الجمع في هذا المعنى، إذا أتى بلفظ النكرة عند أهل اللغة والعربية). التمهيد (10/ 221). وقال أبو العبّاس القرطبيُّ: (روي بتوحيد «خشبةً»، وبجمعها، قال الطحاويُّ عن روح بن الفَرَج: سألت أبا زيدٍ، والحارثَ ابن مسكين، ويونسَ بن عبد الأعلى عنه فقالوا: «خشبةً» بالنصبِ والتنوينِ واحدةٌ، قال عبد الغني: -أي: ابن سعيد الحافظ- كل الناس يقولون بالجمع إلا الطحاوي، قلت: -أي: القرطبيُّ-: وإنما اعتنى هؤلاء الأئمة بتحقيق الرواية في هذا الحرف؛ لأن أمر الخشبة الواحدة تخِفُّ على الجار المسامحةُ به). انظر: المفهم (14/ 144)، وشرح الزرقاني على الموطَّإ (4/ 68) قال الحافظ -بعد ذكر كلام ابن عبد البرِّ -:(وهذا الذي يتعيَّنُ للجمع بين الروايتين، وإلَّا فقد يختلف المعنى؛ لأنَّ أمر الخشبة الواحدة أخفُّ في مسامحة الجار بخلاف الخَشَبِ الكثير). فتح الباري (5/ 110).
(3)
أخرجه البخاريّ في كتاب المظالم، باب لا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبةَ في جداره، (3/ 132، ح 2463)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب غرز الخشب في جدار الجار (3/ 1230 ح 1609).
(4)
وهكذا أيضًا قال الشارح في فيض القدير (6/ 431) وهو غريب، فأنّى له الضّعف وهو في الصحيحين؟ ! وليس في سند البخاري (جابرٌ الجعفيّ) الذي أعلَّ به المصنف الحديث.
(5)
هو: جابر بن يزيد بن الحارث لجعفي أبو عبد الله الكوفي ضعيفٌ رافضيٌّ، انظر: التقريب (ص: 137) ..
ابن جريرٍ: (هو -وإن كان ظاهرُه الأمرَ (1) - معناه الإباحةُ والإطلاقُ؛ بدليل هذا الخبر، وخبر:«إنّ دماءكُم وأموالكم عليكم حرام» (2)) (3).
وهذا (حَدِيْثٌ حَسَنٌ) لذاته، وله طرقٌ متعدّدةٌ يرتقي بمجموعها إلى درجة الصِّحَّة (رواه ابنُ مَاجَهْ (4) والدَّارَقُطنيُّ (5) وغيرهُمَا) كالحاكمِ في مُسْتدركه (6)، والبيهقيِّ في شُعَبِه (7).
وظاهره: أنّ الكلَّ رووه من حديث أبي سعيدٍ، والأمرُ بخلافه، بل ابنُ ماجه رواه [من حديث ابن عباسٍ (8) وعُبادةَ بن الصامت (9)، والدارقطنيُّ (10) والحاكمُ (11) رَوَيَاهُ](12) من حديث أبي سعيدٍ، ورواه أحمدُ أيضًا عن ابن عباسٍ (13) وعُبادةَ (14)،
(1) في الأصل: (ظاهر الأمر) ولعل ما في (ب) أحسن.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحجِّ، باب حجَّة النبيّ صلى الله عليه وسلم (2/ 886، رقم 1218).
(3)
تهذيب الآثار (2/ 784).
(4)
سنن ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب من بَنى في حقّه ما يضرُّ بجاره (2/ 784، ح 2341) من حديث ابن عبّاسٍ لا من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنهما، كما سيبيِّنه المصنف رحمه الله.
(5)
سنن الدارقطني (4/ 51).
(6)
المستدرك (2/ 66).
(7)
السنن الكبرى (6/ 114). ولم أجده في الشعب.
(8)
المصدر السابق.
(9)
أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب الأحكام، باب من بنى في حقّه ما يضرّ بجاره (2/ 784، ح 2340).
(10)
سنن الدارقطني (4/ 51، ح 3079).
(11)
المستدرك (2/ 66).
(12)
ما بين معقوفتين زيادةٌ من (ب).
(13)
مسند أحمد (5/ 55، ح 2865).
(14)
مسند أحمد (37/ 436، 22778).
وإسناد أحمدَ صحيحٌ، فقد قال الحافظ الهيثميُّ: / [127/أ](رجاله ثقاتٌ)(1)(2)(مسندًا) أي: متَّصلًا مرفوعًا (3).
(ورواه) الإمامُ المشهورُ صدرُ الصُّدورِ (مالك) بن أنسٍ الحِمْيريُّ (4) الأصبَحِيُّ (5) شيخُ الشافعيّ، أحدُ أركانِ الإسلام (6)، وإمامُ دار الهجرة، روى الترمذيُّ (7) مرفوعًا: «يوشك أن تضربَ الناس آباط (8)
الإبل في طلب العلم فلا يجدونَ
(1) لم أقف على كلامه.
(2)
وهذا فيه نظر؛ فلا يلزم من كونِ رجاله ثقاتٍ صحَّتُه؛ لأنَّه يمكن أن يكون منقطعًا أو معضلًا أو مرسلًا أو معلَّلًا أو شاذًّا مع ثقة الرجال.
(3)
فسَّر المسند ما جمع بين اتصال الإسناد -ظاهرًا- مع الرفع، وهو تعريف الحاكم في معرفة علوم الحديث (ص 143) وجزم به الحافظ ابن حجر في النزهة (140 - 141).
(4)
الحِميَريّ: بكسر الحاء وسكون الميم وفتح الياء المثناة من تحتها وفي آخرها راء: هذه النسبة إلى (حِمْيَرٍ) على وزن (دِرهمٍ) ، وهي من أصول القبائل التي باليمن، وممن ينسب إليها أبو إسحاق كعب بن ماتع الحِميَريِّ وهو المعروف بكعب الأحبار. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب (1/ 393). و (حمِير) من قبائل (سبأ) العشرة، وفي سنن الترمذيّ عن فروة بن مُسَيْكٍ رضي الله عنه:(قال رجل: يا رسول الله، وما سبأٌ، أرضٌ أو امرأةٌ؟ قال: ليس بأرضٍ ولا امرأةٍ، ولكنَّه رجلٌ ولد عشرةً من العرب فتيامَنَ منهم ستّةٌ، وتشاءَمَ منهم أربعةٌ، فأمَّا الذين تشاءموا: فلخْمٌ، وجذام، وغسَّان، وعاملة، وأما الذين تيامنوا: فالأزدُ، والأشعريُّون، وحمِيرٌ، ومِذْحجٌ، وأنمارٌ، وكِندة. قال الترمذيّ: (هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ). سنن الترمذي (5/ 214). وجوّده ابن كثير في تفسيره (6/ 504).
(5)
الأَصْبَحِيّ: بفتح الألف وسكون الصَّاد المهملة وفتح الباء المنقوطة بواحدة وفي آخرها حاء مهملة: هذه النسبة إلى ذي أصبحَ واسمه: الحارث بن عوف بن مالك بن زيد بن شدَّاد، وهو من يَعْرُبَ بن قحطان. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب (1/ 69)
(6)
في وصف الإمامِ مالكٍ رحمه الله بكونه أحد أركان الإسلام مبالغة لا تخفى! .
(7)
أخرجه الترمذيّ في أبواب العلم، باب ما جاء في عالم المدينة (4/ 344، ح 2680).
(8)
الآباط: جمع (الإبط) بسكون الباء، وهو ما تحت الجَنَاح، مختار الصحاح (ص 11)، وتاج العروس (19/ 123). والمقصود هنا: أجهدها في السير ..
عالمًا أعلمَ من عالم المدينة» (1).
حمله ابن عيينةَ وغيرُهُ على مالك (2).
(1) أخرجه الترمذيُّ -كما سبق- والنسائيّ في الكبرى (4/ 263، ح 4277) وأحمد (13/ 358، ح 7980) وابن حبَّان (9/ 53، ح 3736) والحاكم (1/ 168، ح 307) كلّهم من طريق سفيان بن عيينة، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، روايةً:«يوشِكُ أن يضرب الناس أكبادَ الإبل» . لكنَّ ابنَ عيينةَ وابن جريج وأبا الزبير كلَّهم يدِّلس، وبذا أعلَّ ابن القطَّان في بيان الوهم والإيهام (4/ 305). وله علَّةٌ أخرى وهو: الانقطاع بين أبي صالح السمّان وبين أبي الزبير، وبه تعقَّب ابنُ الملقّن على الذهبيّ في موافقته للحاكم بكونه على شرط مسلم بقوله:(على شرطِ مسلمٍ)، فقد قال ابن الملقّن:(قلت: إنَّما لم يخرجه مُسْلمٍ، لأنه سأل البخاري عنه؟ فقال: له علَّة، وهي أن أبا الزبير لم يسمع من أبي صالح) مختصر تلخيص الذهبي (1/ 84). هذا على خلافٍ حكاه محقّق المختصر هل التعقّب لابن الملقن أم للذهبيّ نفسه؟ ، فيبدو ضعف الحديث لما فيه من العلل السابقة، ولكن له شاهدٌ عند ابن عديّ في الكامل (1/ 175) والطبراني في الكبير- عزا له الهيثمي في المجمع (1/ 134) - من حديث سعيد بن أبي هند عن أبي موسى الأشعريّ، ولكن فيه محمد بن عبد الله بن عقيل قال الهيثمي:(وهو ضعيفٌ عند الأكثرين) وفيه خلافٌ شديد، قال فيه الحافظ:(صدوق) انظر: التقريب (984). وفيه علّةٌ أخرى أيضًا وهو أن سعيد بن أبي هند لم يسمع من أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه. قاله أبو حاتمٍ في المراسيل (57). وانظر أيضًا: سير أعلام النبلاء (8/ 51). وممن ضعَّف الحديث: الألباني في الضعيفة (10/ 384).
(2)
وقد اختلفت الرواية عن سفيان بن عيينة، فتارةً فسّره بمالك بن أنس، وتارةً بالعمريّ الزاهد، ونقل القاضي عياض عن سفيان قوله:(قال سفيان بن عيينة من غير طريق واحدٍ: نرى أن المراد بهذا الحديث مالك بن أنس) ثم قال القاضي عياضٍ: (وهذا هو الصحيح عن سفيان رواه عنه الثقات والأئمة: ابن مهدي، ويحيى بن معين، وعليّ بن المديني، والزبير بن بكَّار، وإسحاق بن أبي إسرائيل، وذُؤيبِ بن غَمامة السَّهمي وغيرهم كلهم سمع سفيانَ يقول في تفسير الحديث إذا حدثَّهم به: هو مالكٌ، أو أظنه، أو أحسبه، أو أُراه، وكانوا يرونه، قال ابن مهدي: يعني سفيان بقوله: (كانوا يرونه) التابعين). ترتيب المدارك (1/ 71). وممّن فسّر الحديث بمالكٍ غير ابنِ عيينة: عبد الرزاق الصنعاني، انظر: سنن الترمذيّ (4/ 344، ح 2680). ورجّحه العلائيُّ في بغية الملتمس في سُباعيات حديث الإمام مالك بن أنس (67). بل ذكر أن هذا الحديث من آحاد معجزات نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال الشافعيُّ: (مالك حجَّة الله على خلقه بعد التابعين)(1).
(في) كتاب (الموطّإ مُرسلًا عن عُمَر بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم فأسقط أبا سعيدٍ) الخدريٍّ (وله طرقٌ يقوِّي بعضها بعضًا).
قال الحافظ العلائيُّ (2): (له طرقٌ وشواهدُ يرتقيْ بمجموعِها إلى درجة الصحة)(3).
وأخرجه ابن أبي شيبة من وجهٍ آخر قويٍّ (4).
والحديث الليِّنُ يقوى بالشواهد المفصّلةِ (5) حتى يبلغَ درجة ما يجِبُ العمل به؛ (6)
(1) انظر: بغية الملتمس في سباعيات حديث الإمام مالك بن أنس للعلائيِّ (69) وتهذيب التهذيب (10/ 8).
(2)
هو الحافظ المحدّث الفقيه صلاح الدين أبو سعيد خليل بن الأمير كيكلدي، العلائي الدمشقي الشافعيّ، ولد سنة (694 هـ) في دمشق وطلب العلم على شيوخ جهابذة بلغوا (سبع مئة) شيخٍ جمعهم في كتابه:(آثار الفوائد المجموعة)، ومن أبرزهم: شيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ المزي، والحافظ الذهبيّ، ومن أشهر تلاميذه: الحافظ ابن كثير، وتاج الدين السبكي، وغيرهم. ومؤلفاته وصلت الخمسين مؤلّفًا من أشهرها: جامع التحصيل في أحكام المراسيل، وكتاب المختلطين، وبغية الملتمِس وغيرها. توفي (761 هـ) انظر: الدرر الكامنة (2/ 213) وطبقات الشافعية الكبرى (10/ 35).
(3)
هكذا أيضًا في فيض القدير (6/ 431) ونقل عنه الألباني في الإرواء (3/ 413).
(4)
ذكره الزيلعيُّ في نصب الراية (4/ 384). ولم أقف عليه في المصنف.
(5)
كذا في النسختين، وفي الفتح المبين (523):(المنفصلة).
(6)
قال ابن الصلاح في تأصيل ذلك: (ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوهٍ، بل ذلك يتفاوت: فمنه ضعف يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئًا من ضعف حفظ راويه،
…
ومن ذلك ضعفٌ لا يزول بنحو ذلك، لقوّة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب، أو كون الحديث شاذًّا، وهذه جملةٌ تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك، فإنه من النفائس العزيزة. والله أعلم). مقدمة ابن الصلاح (34).
كالمجهول من الناس إذا زكِّيَ صارَ عدلًا تقبل شهادته وروايته، ثم الشاهد قد يكون كتابًا كأنْ يوافقَ الحديثَ ظاهرُ آيةٍ (1)، أو عمومٌ فيقوى بها، وقد يكون سُنّةً إمَّا من ذلك الحديث أو غيره (2)، وفي المثل:
لا تخاصمْ بواحدٍ أهلَ بيتٍ
…
فَضَعيفانِ يغلبانِ قَويَّا (3)
وقال الآخر:
إن القِداحَ إذا اجتمعْنَ فَرامَها
…
بالكسرِ ذُوْ حَنَقٍ وَبطشٍ أيْدِ: (4)
عَزَّتْ فلم تُكْسَرْ، وإن هي بُدِّدت
…
فَالوهنُ والتكسيرُ للمتبدِّد (5)
فكذا الأسانيدُ الليّنةُ إذا اجتمعتْ حصل منها إسنادٌ قويٌّ، كما قال الشافعي في قلَّتين متنجّستين ضُمَّت إحداهما [إلى](6) الأخرى صارتا طاهرتين حيث لا تغيُّرَ (7)(8).
(1) انظر تقوية المرسل لموافقته ظاهر القرآن في الفتاوى الكبرى لابن تيمية (2/ 289).
(2)
كذا في نسخة (ب) وأما الأصل ففيه: (وقد يكون سُنّةً إمّا عن ذلك حديثٍ أو غيره) ولا يخفى ما في العبارة، والأوضح عبارة ابن حجر الهيتمي -وعليه اعتمد المصنف في كثير من الشرح- قال:(وقد يكون سنّةً عن راوي ذلك الحديث أو غيره) الفتح المبين (523).
(3)
البيت من بحر (الخفيف)، ولم أقف عليه منسوبًا.
(4)
أي: وكسرٍ شديد، فالأيْد هو القوة، كما قال الله تعالى:{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} الذاريات: (47) أي: بقوّةٍ. وروي في البيت: (ذو حنقٍ وكَسْرٍ أيْدٍ).
(5)
انظر: التعازي لابن المبرّد (285). شرح القصائد السبع لأبي بكر الأنباري (464) ونسبهما ابن المبرّد إلى عبد الملك بن مروان، وأنها في وصيته في موته، وهما من بحر (الكامل).
(6)
ما بين المعقوفين زيادة من (ب).
(7)
الأمّ للشافعيِّ (1/ 18).
(8)
وهذا الحديث روي من طرقٍ كثيرة أقتصر على أمثلها -ولا يخلو واحدٌ منها من مقالٍ- وهي: حديث أبي سعيد الخدريّ، وعبادة بن الصامت، وابن عباس: فأمَّا حديث أبي سعيد: فرواه موصولًا: الدارقطني في السنن (4/ 51 ح 3079) والحاكم في المستدرك (2/ 66، ح 2345) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن أبي سعيد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الخدريِّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار، من ضرَّ ضره الله، ومن شق شقَّ الله عليه» ، وقال الحاكم:(صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه). ورواه مرسلًا: مالك في الموطَّإ (4/ 1078، ح 600) عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه أبو سعيدٍ.
وأمّا حديث عُبادة: فرواه ابن ماجه في سننه (2/ 784، ح 2341) من طريق موسى بن عقبة، عن إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة، عن جدِّ أبيه عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قضى أن لا ضرر، ولا ضرار)، وإسحاق قال فيه البخاريّ:(أحاديثه معروفةٌ، إلا أنه لم يلق عبادة) تهذيب التهذيب (1/ 256)، وقال الحافظ:(مجهول الحال، أرسل عن عبادة) التقريب (103). وكونه مجهول حالٍ فائدة زادها في التقريب ولم يذكرها في التهذيب.
وأما حديث ابن عباس: فرواه ابن ماجه أيضًا (2/ 784، ح 2341) وأحمد (5/ 55، ح 2865) من طريق عبد الرزاق عن معمرٍ عن جابر الجعفيِّ عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا، قال:«لا ضرر ولا ضرار» ، وجابرٌ هو ابن يزيد الجعفيّ، وهو ضعيفٌ إلّا أنّ له جابرًا الآن وهو ما رواه ابن أبي شيبة -ذكره الزيلعي في نصب الراية (4/ 384) - حدثنا معاوية بن عمرو ثنا زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس، مرفوعًا. ورواية سماك عن عكرمة خاصَّةً (مضطربة، وقد تغيّر بأخرة)، انظر: تقريب التهذيب (255). والحقُّ أنَّ الحديث له طرقٌ كثيرةٌ تجبُر بعضُها بعضًا؛ ولذا حسَّن النوويُّ الحديث، وكذا شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/ 262) فقد حسّنه لطرقه وشواهده الكثيرة، وقال ابن رجبٍ في شرحه:(وقد ذكر الشيخ رحمه الله -أي: النوويّ- أنَّ بعض طرقه تقوّى ببعض، وهو كما قال، وقال الشافعي في المرسل: إنه إذا أسند من وجه آخر، أو أرسله من يأخذ العلم عن غير من يأخذ عنه المرسل الأول فإنه يقبل، وقد استدلَّ الإمام أحمد بهذا الحديث، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار») انظر: جامع العلوم (571).
[5 - «عنِ ابن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لو يعطى النَّاس بدعواهم لَادَّعَى رِجَالٌ أَمْوالَ قَوْمٍ ودِمَاءَهُمْ، لَكِنِ البيِّنَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمِيْنُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» ، حديثٌ حسنٌ، رواهُ البَيْهَقيُّ وَغَيْرُهُ هَكَذَا، وَبَعْضُهُ فِيْ الصَّحِيْحَيْن].