المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌التنازع في العمل: - شرح الأشمونى لألفية ابن مالك - جـ ١

[الأشموني، أبو الحسن]

الفصل: ‌التنازع في العمل:

‌التنازع في العمل:

278-

إن عاملان اقتضيا في اسم عمل

قبل فللواحد منهما العمل

279-

والثان أولى عند أهل البصرة

واختار عكسا غيرهم ذا أسره

"إن عاملان" فأكثر "اقتضيا" أي: طلبا "في اسم عمل" متفقا أو مختلفا "قبل" أي: حال كونهما قبل ذلك الاسم "فللواحد منهما العمل" فيه اتفاقا.

والاحتراز بكونهما مقتضيين للعمل من نحو "من الطويل":

406-

"فأين إلى أين النجاء ببغلتي"

أتاك أتاك اللاحقون "احبس احبس"

406- التخريج: البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 267؛ وأوضح المسالك 2/ 194؛ وخزانة الأدب 5/ 185؛ والخصائص 3/ 103، 109؛ والدرر 5/ 323، 6/ 44؛ وشرح ابن عقيل ص487؛ والمقاصد النحو 3/ 9؛ وهمع الهوامع 2/ 111، 125.

المعنى: يخاطب الشاعر من سرق بغلته بقوله: إلى أين تذهب ببغلتي، ولن تنجو لأن القوم أسرعوا في أثرك، فأمسكه أيها اللاحق، ولا تدعه يفر.

الإعراب: فأين: الفاء بحسب ما قبلها، "أين": اسم استفهام مبني في محل نصب مفعول فيه، متعلق بمحذوف تقديره "تذهب". وفي رأي بعضهم أن المحذوف هو حرف الجر تقديره:"إلى أين"، وهذا الوجه ضعيف. إلى: حرف جر. أين: اسم استفهام مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر المبتدأ. النجاء: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. ببغلتي: الباء حرف جر، "بغلتي": اسم مجرور بالكسرة المقدرة، وهو مضاف، والياء ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والجار والمجرور متعلقان بـ"النجاء". أتاك: فعل ماض مبني على الفتحة المقدرة على الألف للتعذر، والكاف ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به. أتاك: توكيد لفظي للأولى. اللاحقون: فاعل "أتاك" الأولى مرفوع بالواو لأنه جمع =

ص: 450

إذ الثاني توكيد، وإلا فسد اللفظ؛ إذ حقه حينئذ أن يقول:"أتاك أتوك"، أو "أتوك أتاك"؛ ومن نحو "من الطويل":

407-

"ولو أن ما أسعى لأدنى معيشة"

كفاني ولم أطلب قليل من المال

فإن الثاني لم يطلب "قليل"، وإلا فسد المعنى؛ إذ المراد: كفاني قليل من المال ولم أطلب الملك.

= مذكر سالم. احبس: فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسر منعا من التقاء الساكنين، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:"أنت". احبس: فعل أمر مبني على السكون، وحرك بالكسرة مراعاة للروي، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:"أنت".

وجملة: "احبس" الثانية توكيد للجملة السابقة.

الشاهد فيه قوله: "أتاك أتاك" و"احبس احبس"، ففي كل من العبارتين توكيد لفظي. وإنما في الأولى تكرير للفظ الفعل ومفعوله، وفي الثانية تكرير للفظ الجملة المؤلفة من الفعل وفاعله الضمير المستتر فيه وجوبا.

407-

التخريج: البيت لامرئ القيس في ديوانه ص39؛ والإنصاف 1/ 84؛ وتذكرة النحاة ص339؛ وخزانة الأدب 1/ 327، 462؛ والدرر 5/ 322؛ وشرح شواهد المغني 1/ 342، 2/ 642؛ وشرح قطر الندى ص199؛ والكتاب 1/ 79؛ والمقاصد النحوية 3/ 35؛ وهمع الهوامع 2/ 110؛ وبلا نسبة في شرح شواهد المغني 2/ 880؛ ومغني اللبيب 1/ 256؛ والمقتضب 4/ 76؛ والمقرب 1/ 161.

اللغة والمعنى: أسعى: أجد، أعمل. أدنى معيشة: حياة عادية.

يقول: لو أنه يسعى لحياة عادية لكفاه قليل من المال، ولكنه يسعى في طلب الملك والسيادة لذلك يتوجب عليه الجد والسعي المستمر.

الإعراب: ولو: الواو: بحسب ما قبلها، لو: حرف امتناع لامتناع. أن: حرف مشبه بالفعل. ما: حرف مصدري. أسعى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للتعذر، والفاعل: أنا، والمصدر المؤول من "ما وما بعدها" في محل نصب اسم "أن". لأدنى: جار ومجرور متعلقان بخبر "أن" المحذوف، والمصدر المؤول من "أن واسمها وخبرها" في محل رفع فاعل لفعل محذوف تقديره:"لو ثبت كون سعيي". معيشة: مضاف إليه مجرور. كفاني: فعل ماض، والنون: للوقاية، والياء: في محل نصب مفعول به. ولم: الواو: حرف اعتراض، لم: حرف نفي وجزم وقلب. أطلب: فعل مضارع مجزوم، والفاعل: أنا، والمفعول به محذوف تقديره "ولم أطلب الملك

". قليل: فاعل "كفى" مرفوع. من المال: جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لـ"قليل".

وجملة "لو أسعى

" بحسب ما قبلها. وجملة "كفاني

" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم. وجملة "لم أطلب" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها اعتراضية.

والشاهد فيه قوله: "كفاني ولم أطلب قليل"، حيث جاء قوله:"قليل" فاعلا لـ"كفاني"، وليس البيت من باب التنازع، لأن من شرط التنازع صحة توجه كل واحد من العاملين إلى المعمول المتأخر مع بقاء المعنى صحيحا، والأمر ههنا ليس كذلك، لأن القليل ليس مطلوبا.

ص: 451

ويكونهما قبل من نحو: "زيد قام وقعد"؛ لأن كل واحد منهما أخذ مطلوبه، أعني ضمير الاسم السابق، فلا تنازع.

هكذا مثل الناظم وغيره وعللوا؛ وفي كل من المثال والتعليل نظر: أما المثال فظاهر، وأما التعليل فلقصور العلة؛ لأن ذلك يقتضي ألا يمتنع تقديم مطلوبهما إذا طلبا نصبا.

و"عاملان" في كلامه رفع فعل مضمر يفسره "اقتضيا"، و"عمل" مفعول به، وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة.

تنبيهات: الأول: مراده بالعاملين فعلان متصرفان، أو اسمان يشبهانهما، أو اسم وفعل كذلك؛ فالأول نحو:{آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} 1، والثاني كقوله "من الطويل":

408-

عهدت مغيثا مغنيا من أجرته

"فلم أتخذ إلا فناءك موئلا

1 الكهف: 96.

408-

التخريج: البيت بلا نسبة في تخليص الشواهد ص513؛ وشرح التصريح 1/ 316؛ والمقاصد النحوية 3/ 2.

شرح المفردات: عهدت: علمت. مغيثا: مساعدا. أجرته: ساعدته وحميته. الفناء: ساحة الدار. الموئل: الملجأ.

المعنى: يقول: لقد علمت أنك تساعد وتجير من يلتجئ إليك، لذلك لن أتخذ إلا دارك ملجأ لي.

الإعراب: "عهدت": فعل ماض للمجهول، والتاء ضمير في محل رفع نائب فاعل. "مغيثا": حال من نائب الفاعل، وقيل مفعول به ثان. "مغنيا": معطوف على "مغيثا" بحرف عطف محذوف، أو حال ثانية. "من": اسم موصول في محل نصب مفعول به لـ"مغنيا". "أجرته": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل، والهاء ضمير في محل نصب مفعول به. "فلم": الفاء حرف عطف، "لم": حرف جزم. "أتخذ": فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره "أنا". "إلا": أداة حصر. "فناءك": مفعول به منصوب، وهو مضاف، والكاف ضمير في محل جر بالإضافة. "موئلا": مفعول به ثان منصوب بالفتحة.

وجملة: "عهدت" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "أجرته" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. وجملة: "لم أتخذ

" معطوفة على جملة "عهدت".

الشاهد: قوله: "مغيثا مغنيا من أجرته" حيث تقدم عاملان، وكلاهما اسم فاعل صالح للعمل في المعمول "من أجرته"، وفي كل منهما ضمير مستتر هو فاعله، وقد أعمل الثاني لقربه، فنصب "من" على المفعولية، وأعمل الأول في ضميره، وحذف هذا الضمير، لأن في ذكره إعادة على متأخر لفظا ورتبة من غير ضرورة، ولو أعمل العامل الأول لقال:"عهدت مغيثا مغنيه من أجرته".

ص: 452

والثالث نحو: {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} 1 وقوله "من الطويل":

409-

"لقد علمت أولى المغيرة أنني"

لقيت ولم أنكل عن الضرب مسمعا

ولا تنازع بين حرفين، ولا بين حرف وغيره، ولا بين جامدين، ولا جامد وغيره؛ وعن المبرد إجازته في فعلي التعجب، نحو:"ما أحسن وأجمل زيدا"، و"أحسن به وأجمل بعمرو"، واختاره في التسهيل.

الثاني: قد يكون التنازع بين أكثر من عاملين، وقد يتعدد المتنازع فيه؛ من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:"تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين"؛ وقول الشاعر "من الطويل":

410-

طلبت فلم أدرك بوجهي فليتني

قعدت ولم أبغ الندى عند سائب

1 الحاقة: 19.

409-

التخريج: البيت للمرار الأسدي في ديوانه ص464؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 60؛ والكتاب 1/ 193؛ وللمرار الأسدي أو لزغبة بن مالك في شرح شواهد الإيضاح ص136؛ وشرح المفصل 6/ 64؛ والمقاصد النحوية 3/ 40، 501؛ ولمالك بن زغبة في خزانة الأدب 8/ 128، 129؛ والدرر 5/ 255؛ وبلا نسبة في اللمع ص271؛ والمقتضب 1/ 14؛ وهمع الهوامع 2/ 93.

اللغة: أولى: أول. المغيرة: الخيل تخرج للغارة، وهنا الفرسان. أنكل: أنكص، أرجع من الخوف. مسمع: هو مسمع بن شيبان.

المعنى: يقول: لقد علم أول من لقيت من المغيرين أني هزمتهم، ولحقت عميدهم، فلم أنكل عن ضربه بالسيف.

الإعراب: "لقد": اللام رابطة جواب القسم المحذوف، "قد": حرف تحقيق. "علمت": فعل ماض، والتاء للتأنيث. "أولى": فاعل مرفوع، وهو مضاف. "المغيرة": مضاف إليه. "أنني": حرف مشبه بالفعل، والنون للوقاية، والياء ضمير في محل نصب اسم "أن". "لقيت": فعل ماض، والتاء ضمير في محل رفع فاعل. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها سد مسد مفعولي "علم". "ولم": الواو: حرف عطف، "لم": حرف جزم. "أنكل": فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر تقديره:"أنا". "عن الضرب": جار ومجرور متعلقان بـ"أنكل". "مسمعا": مفعول به للمصدر "الضرب".

وجملة القسم المحذوفة: "أقسم" ابتدائية لا محل لها. وجملة: "لقد علمت

" جواب القسم لا محل لها من الإعراب. وجملة: "لقيت" في محل خبر "أن". وجملة: "لم أنكل" معطوفة على سابقتها.

الشاهد: قوله: "لقيت

الضرب مسمعا" حيث تقدم عاملان: الفعل "لقيت" والاسم "الضرب" وتأخر المعمول عنهما "مسمعا"، وكلا العاملين يطلب المعمول المتأخر مفعولا به، وقد أعمل الثاني لقربه فنصب "مسمعا" على المفعولية.

410-

التخريج: البيت للحماسي في حاشية يس على التصريح 1/ 316؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 7/ 270. =

ص: 453

الثالث: اشترط في التسهيل في المتنازع فيه أن يكون غير سببي مرفوع، فنحو:"زيد قام وقعد أخوه"، وقوله "من الطويل":

411-

"قضى كل ذي دين فوفى غريمه"

وعزة ممطول معنى غريمها

= اللغة: طلبت: سعيت للحصول

لم أدرك: لم أنل. الندى: العطاء. سائب: اسم رجل.

الإعراب: طلبت: فعل ماض، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. فلم: "الفاء": حرف عطف، و"لم": حرف نفي وجزم وقلب. أدرك: فعل مضارع مجزوم وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره "أنا". بوجهي: جار ومجرور متعلقان بـ"طلبت" أو "أدرك"، وهو مضاف، و"الياء": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. فليتني: "الفاء": حرف استئناف، "ليتني": حرف مشبه بالفعل، و"النون": للوقاية، و"الياء": ضمير في محل نصب اسم "ليت". قعدت: فعل ماض، و"التاء": ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل. ولم: "الواو": حرف عطف، و"لم": حرف نفي وجزم وقلب. أبغ: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:"أنا". الندى: مفعول به منصوب. عند: ظرف متعلق بـ"أبغ" وهو مضاف. سائب: مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة "طلبت": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لم أدرك": معطوفة على سابقتها. وجملة "فليتني قعدت" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة "قعدت": في محل رفع خبر "ليت". وجملة "لم أبغ": معطوفة على سابقتها.

الشاهد: قوله: "طلبت فلم أدرك

ولم أبغ الندى عند سائب" حيث ورد التنازع بين أكثر من عاملين، فالعوامل المتنازعة هي "طلبت" و"أدرك" و"أبغ"، والمعمولان المتنازع فيهما هما "الندى" و"عند" والمشهور أن يعمل العامل الأخير فيهما.

411-

التخريج: البيت لكثير عزة في ديوانه ص143؛ وخزانة الأدب 5/ 233؛ والدرر 5/ 326؛ وشرح التصريح 1/ 318؛ وشرح شواهد الإيضاح ص90؛ وشرح المفصل 1/ 8؛ والمقاصد النحوية 3/ 3؛ وهمع الهوامع 2/ 111؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 282، 7/ 255؛ والإنصاف 1/ 90؛ وأوضح المسالك 2/ 195؛ ولسان العرب 14/ 334 "ركا"؛ ومغني اللبيب 2/ 417.

اللغة والمعنى: قضى الدين: وفاه. الغريم: الدائن. ممطول: مسوف، أي يوعد بالوفاء مرة بعد مرة. معنى: معذب.

يقول: لقد وفى كل ذي دين غريمه حقه إلا عزة فإنها تماطل موعودها وتعذبه في ما وعدته.

الإعراب: قضى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. كل: فاعل مرفوع، وهو مضاف. ذي: مضاف إليه مجرور بالياء لأنه من الأسماء الستة، وهو مضاف. دين: مضاف إليه مجرور. فوفى: الفاء: حرف عطف، وفى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر، والفاعل: هو. غريمه: مفعول به منصوب، وهو مضاف، والهاء: ضمير في محل جر بالإضافة. وعزة: الواو: حالية، عزة: مبتدأ مرفوع. ممطول: خبر المبتدأ مرفوع. معنى: خبر ثان للمبتدأ مرفوع. غريمها: نائب فاعل لاسم المفعول "معنى" مرفوع، وهو مضاف، و"ها": ضمير في محل جر بالإضافة.

وجملة "قضى كل ذي

" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "وفى غريمه" =

ص: 454

محمول على أن السببي مبتدأ، والعاملان قبله خبران عنه، أو غير ذلك مما يمكن، بخلاف السببي المنصوب، كما مر، ولم يذكر هذا الشرط أكثر النحويين، وأجاز بعضهم في البيت التنازع.

"والثان" من المتنازعين "أولى" بالعمل من الأول "عند أهل البصرة" لقربه، "واختار عكسا" من هذا، وهو أن الأول أولى لسبقه "غيرهم ذا أسره" أي: غير البصريين، وهم الكوفيون، مع اتفاق الفريقين على جواز إعمال كل منهما1.

تنبيه: سكتوا عن الأوسط عند تنازع الثلاثة، وحكى بعضهم الإجماع على جواز إعمال كل منها؛ ومن إعمال الأول قوله "من الطويل":

412-

كساك ولم تستكسه فاشكرن له

أخ لك يعطيك الجزيل وناصر

= الفعلية معطوفة على "قضى

" وجملة "عزة ممطول

" الاسمية في محل نصب حال.

والشاهد فيه قوله: "ممطول معنى غريمها" حيث تنازع عاملان، وهما قوله:"ممطول" و"معنى" معمولا واحدا، وهو قوله:"غريمها". وقيل: لا تنازع فيه، فـ"غريمها" مبتدأ، و"ممطول معنى" خبر "إن"، أو "ممطول" خبر، و"معنى" صفة له أو حال من ضميره.

1 انظر المسألة الثالثة عشرة في الإنصاف في مسائل الخلاف ص83-96.

412-

التخريج: البيت لأبي الأسود الدؤلي في ديوانه ص166، 309؛ وأنباه الرواة 1/ 58؛ ودرة الغواص ص157؛ وحماسة البحتري ص149؛ وسمط اللآلي ص166؛ وشرح التصريح 1/ 316.

اللغة: كساك: أعطاك كسوة، أي ما تلبسه. تستكسه: تطلب منه أن يعطيك كساء. الجزيل: الكثير. ناصر: معين.

المعنى: يقول: لقد كساك أخ كريم، وأعطاك كثيرا دون أن تطلب منه، فاشكره على ما أعطاك وأنعم عليك.

الإعراب: كساك: فعل ماض، و"الكاف": ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب مفعول به. ولم: "الواو": حرف عطف، "لم": حرف نفي وجزم وقلب. تستكسه: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة، و"الهاء": ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره. "أنت". فاشكرن:"الفاء": حرف عطف، "اشكرن": فعل أمر مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد، و"النون": للتوكيد، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:"أنت". له: جار ومجرور متعلقان بـ"اشكر". أخ: فاعل مرفوع بالضمة. لك: جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت لـ"أخ". يعطيك: فعل مضارع مرفوع بالضمة، و"الكاف": ضمير متصل مبني في محل نصب مفعول به، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازًا تقديره:"هو". الجزيل: مفعول به ثان منصوب بالفتحة. وناصر:"الواو: حرف عطف، و"ناصر": معطوف على "أخ" مرفوع بالضمة.

وجملة "كساك": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "لم تستكسه": معطوفة على سابقتها. وجملة "اشكرن": معطوفة على سابقتها. وجملة "يعطيك": في محل رفع نعت "أخ". =

ص: 455

ومن إعمال الثالث قوله [من البسيط] :

413-

جئ ثم حالف وقف بالقوم إنهم

لمن أجاروا ذوو عز بلا هون

280-

وأعمل المهمل في ضمير ما

تنازعاه والتزم ما التزما

281-

كيحسنان ويسيء ابناكا

وقد بغى واعتديا عبداكا

"وأعمل المهمل"منها وهو الذي لم يتسلط على الاسم الظاهر مع توجهه إليه في المعنى "في ضمير ما تنازعاه والتزم" في ذلك "ما التزما" من مطابقة الضمير للظاهر، ومن

= الشاهد: قوله: "كساك ولم تستكسه فاشكرن له"حيث تنازع ثلاثة عوامل "كساك" و"تستكسه"، و"اشكرن" على معمول واحد هو "أخ"، فأعمل الأول، وأضمر في العاملين الأخيرين، وفي هذا رد على ابن عصفور الذي قال: إذا جمع العرب في كلام واحد ثلاثة عوامل، وأخروا عنها معمولا واحدًا اعملوا الثالث منها، وأهملوا الأول والثاني.

413-

التخريج: البيت بلا نسبة في تذكرة النحاة ص 338.

اللغة: جئ: تعال. حالف: آخ وعاهد. العز: الغلبة. الهون: الذل.

المعنى: يقول لمخاطبه: تعال وحالف قومي لأنهم قادرون على حماية من يجيرهم، ومنع الأعداء من أن يمسوهم بأذى.

الإعراب: جئ: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:"أنت". ثم: حرف عطف. حالف: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:"أنت". وقف: "الواو": حرف عطف، "قف": فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:"أنت". بالقوم: جار ومجرور متعلقان بـ"قف". إنهم: حرف مشبه بالفعل، و"هم": ضمير متصل مبني في محل نصب اسم "إن". لمن: جار ومجرور متعلقان بمحذوف يدل عليه قوله: "ذوو عز". أجاروا: فعل ماض، و"الواو": ضمير متصل في محل رفع فاعل. ذوو: خبر "إن" مرفوع بالواو لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وهو مضاف، عز: مضاف إليه مجرور بالكسرة. بلا: "الباء": حرف جر، و"لا": حرف نفي. هون: اسم مجرور بالكسرة، والجار والمجرور متعلقان بـ"عز" أو بمحذوف نعت "عز".

وجملة "جئ": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "حالف": معطوفة على سابقتها. وجملة "قف": معطوفة على سابقتها. وجملة "أجاروا": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

الشاهد: قوله: "جئ ثم حالف وقف بالقوم" حيث تقدم ثلاثة عوامل هي: "جئ" و"حالف" و"قف"، وتأخر معمول واحد هو "القوم". والأول والثاني من هذه العوامل الثلاثة يطلبان هذا المعمول مفعولا به، والثالث يطلبه ليصل إليه بالباء، وقد أعمل الشاعر العامل الثالث في هذا المعمول وحذف من العاملين: الأول والثاني ما يقتضيانه.

ص: 456

امتناع حذف هذا الضمير حيث كان عمدة؛ وسواء في ذلك كان الأول هو المهمل "كيحسنان ويسيء ابناكا" أم الثاني "و" ذلك نحو: "قد بغى واعتديا عبداكا" وهذا المثال الثاني متفق على جوازه، والأول منعه الكوفيون؛ لأنهم يمنعون الإضمار قبل الذكر في هذا الباب؛ فذهب الكسائي ومن وافقه إلى وجوب حذف الضمير من الأول -والحالة هذه- للدلالة عليه، تمسكا بظاهر قوله "من الطويل":

414-

تعفق بالأرطى لها وأرادها

رجال فبذت نبلهم وكليب

وقال الفراء: إن اتفق العاملان في طلب المرفوع فالعمل لهما، ولا إضمار، نحو:"يحسن ويسيء ابناكا"؛ وإن اختلفا أضمرته مؤخرا، نحو:"ضربني وضربت زيدا هو"، والمعتمد ما عليه البصريون، وهو ما سبق؛ لأن العمدة يمتنع حذفها، ولأن الإضمار قبل الذكر قد جاء في غير هذا الباب، نحو:"ربه رجلا"، وقد سمع أيضا في هذا الباب، من ذلك ما حكاه سيبويه من قول بعضهم:"ضربوني وضربت قومك"، ومنه

414- التخريج: البيت لعلقمة الفحل في ديوانه ص38؛ والرد على النحاة ص95؛ وشرح التصريح 1/ 321؛ ولسان العرب 10/ 254 "عفق"، 14/ 353 "زبي"؛ والمقاصد النحوية 3/ 15؛ وبلا نسبة في تذكر النحاة ص357؛ وجمهرة اللغة ص936؛ والمقرب 1/ 251.

شرح المفردات: تعفق: لجأ واستتر. الأرطى: نوع من الشجر. بذت: فاقت وغلبت. النبل: السهام. الكليب: جماعة من الكلاب.

المعنى: يصف الشاعر صيد البقرة الوحشية بقوله: إن الرجال والكلاب قد استتروا بشجر الأرطى لاصطياد البقرة الوحشية، فاستطاعت بفضل سرعتها وقوتها أن تنجو منهم، فقد فاتت سهامهم وعجزت عن اللحاق بها كلابهم.

الإعراب: "تعفق": فعل ماض، "بالأرطى": جار ومجرور متعلقان بـ"تعفق". "لها": جار ومجرور متعلقان بـ"تعفق". "وأرادها": الواو حرف عطف، "أرادها": فعل ماض، و"ها" ضمير في محل نصب مفعول به. "رجال": فاعل "أراد" مرفوع. "فبذت": الفاء حرف عطف، "بذت": فعل ماض، والتاء للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره "هي". "نبلهم": مفعول به منصوب، وهو مضاف، "هم": ضمير في محل جر بالإضافة. "وكليب": الواو حرف عطف، "كليب": معطوف على "رجال" مرفوع بالضمة.

وجملة: "تعفق" ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "أرادها" معطوفة على جملة "تعفق". وجملة: "بذت

" معطوفة على جملة "تعفق".

الشاهد: قوله: "تعفق

وأرادها رجال" حيث أعمل عاملين هما: "تعفق" و"أرادها" في معمول واحد "رجال"، فأعمل الثاني في المعمول، وحذف ضمير "الرجال" من "تعفق"، ولو أظهره لقال: "تعفقوا وأرادها رجال".

ص: 457

قوله "من الطويل":

جفوني ولم أجف الأخلاء إنني

لغير جميل من خليلي مهمل1

وقوله "من البسيط":

415-

هوينني وهويت الغانيات إلى

أن شبت فانصرفت عنهن آمالي

وقوله "من الطويل":

416-

وكمتا مدماة كأن متونها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

1 تقدم بالرقم 381.

415-

التخريج: البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 283؛ وتخليص الشواهد ص515؛ المقاصد النحوية 3/ 31.

اللغة: هوينني: أحببنني. الغانيات: ج الغانية، وهي الفتاة التي استغنت بجمالها عن الزينة. انصرفت عنهن آمالي: أي أنه لم يبق له فيهن مأرب.

المعنى: يقول: إنه أحب الغانيات وأحببنه، ولكنه لما كبر وشاب شعر رأسه صرف همه عنهن، ولم يبق له فيهن مأرب.

الإعراب: هوينني: فعل ماض، و"النون" الأولى ضمير متصل في محل رفع فاعل، و"النون" الثانية للوقاية، و"الياء": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. وهويت: "الواو": حرف عطف، و"هويت": فعل ماض، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع فاعل. الغانيات: مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم. إلى: حرف جر. أن: حرف نصب ومصدري. شبت: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل. فانصرفت: "الفاء": حرف عطف، و"انصرفت": فعل ماض، و"التاء": للتأنيث. عنهن: جار ومجرور متعلقان بـ"انصرف". آمالي: فاعل مرفوع، وهو مضاف، و"الياء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة.

وجملة "هوينني": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "هويت الغانيات": معطوفة على سابقتها. والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها في محل جر بحرف الجر. والجار والمجرور متعلقان بـ"هويت". وجملة "انصرفت": معطوفة على جملة سابقة.

الشاهد: قوله: "هوينني وهويت الغانيات" حيث تنازع عاملان على معمول واحد، والعامل الأول "هوينني" يطلبه فاعلا، والآخر "هويت" يطلبه مفعولا به، وقد أعمل الشاعر العامل الثاني في المعمول، وأعمل العامل الأول في ضميره، ولم يحذف هذا الضمير لكونه فاعلا فلا يجوز حذفه، وهذا يدل على جواز الإضمار قبل الذكر في باب الاشتغال إذا دعت الضرورة إلى ذلك.

416-

التخريج: البيت لطفيل الغنوي في ديوانه ص23؛ وأمالي ابن الحاجب ص443؛ والرد على النحاة ص97؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 183؛ وشرح المفصل 1/ 78؛ والكتاب 1/ 77؛ ولسان العرب =

ص: 458

ولا حجة فيما تمسك به المانع؛ لاحتمال إفراد ضمير الجمع؛ وقد أجاز ذلك البصريون في الأحوال كلها، تقول:"ضربني وضربت الزيدين"، كأنك قلت:"ضربني من"، على ما لا يخفى.

282-

ولا تجئ مع أول قد أهملا

بمضمر لغير رفع أوهلا

283-

بل حذفه الزم إن يكن غير خبر

وأخرنه إن يكن هو الخبر

"ولا تجئ مع أول قد أهملا بمضمر لغير رفع" وهو النصب لفظا أو محلا "أوهلا" أي: جعل أهلا "بل حذفه الزم إن يكن غير خبر" في الأصل؛ لأنه حينئذ فضلة فلا حاجة إلى إضمارها قبل الذكر، فتقول:"ضربت وضربني زيد"، و"مررت ومر بي عمرو"؛ وأما قوله

= 2/ 81 "كمت"، 4/ 413 "شعر"، 14/ 270 "دمي"؛ والمقاصد النحوية 3/ 24؛ وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص515؛ وتذكرة النحاة ص344؛ والمقتضب 4/ 75.

اللغة: كمتا: جمع أكمت وكميت وهو الذي يخالط حمرته سواد. مدماة: شديدة الحمرة كأنها مغطاة بالدم. متونها: ظهورها. المذهب: المموه بالذهب. استشعرت: لبسته شعارا وهو ما يلي الجسد من الثياب.

المعنى: يصف خيلا بأنها ذات لون أحمر مائل إلى الذهبي بسبب انعكاس أشعة الشمس على عرقها.

الإعراب: "وكمتا": "الواو": عاطفة، "كمتا": اسم معطوف على "الخيل" في بيت سابق نصه:

جلبنا من الأعراف أعراف غمرة

وأعراف لبني الخيل يا بعد مجلب

"مدماة": صفة لـ"كمتا" منصوبة بالفتحة. "كأن": حرف مشبه بالفعل. "متونها": اسم "كأن" منصوب بالفتحة، و"ها" ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "جرى": فعل ماض مبني على الفتح، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هو". "فوقها": مفعول فيه ظرف مكان منصوب بالفتحة، و"ها": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. "واستشعرت": "الواو": حرف عطف، "استشعرت": فعل ماض مبني على الفتح، و"التاء": تاء التأنيث الساكنة، و"الفاعل": ضمير مستتر تقديره "هي". "لون": مفعول به منصوب بالفتحة. "مذهب": مضاف إليه مجرور بالكسرة.

وجملة "كأن متونها

": في محل نصب صفة لـ"كمتا". وجملة "جرى": في محل رفع خبر "كأن". وجملة "استشعرت": معطوفة على جملة "جرى".

الشاهد فيه قوله: "جرى واستشعرت لون" حيث تقدم عاملان "جرى" و"استشعرت"، وتأخر عنهما معمول واحد "لون"، الأول يطلبه فاعلا، والثاني يطلبه مفعولا، وقد أعمل الثاني.

ص: 459

"من الطويل":

417-

إذا كنت ترضيه ويرضيك صاحب

"جهارا فكن في الغيب أحفظ للود"

فضرورة.

"وأخرنه إن يكن هو الخبر"؛ لأنه منصوب فلا يضمر قبل الذكر، وعمدة في الأصل فلا يحذف، فتقول:"كنت وكان قائما إياه"، و"ظنني وظننت زيدا عالما إياه".

أما امتناع الإضمار مقدما فادعى الشارح الاتفاق عليه، وفي دعواه نظر؛ فقد حكى ابن عصفور ثلاثة مذاهب: أحدها جوازه كالمرفوع وفي كلام والده في الكافية وشرحها ميل إلى جواز إضمار المنصوب مطلقا مقدما، واحتج له، وهو أيضا ظاهر كلام التسهيل.

وأما الحذف فمنعه البصريون، وأجازه الكوفيون؛ لأنه مدلول عليه بالمفسر، وهو

417- التخريج: البيت بلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 218؛ وأوضح المسالك 2/ 203؛ وتخليص الشواهد ص514؛ والدرر 5/ 319؛ وشرح التصريح 1/ 322؛ وشرح شواهد المغني 2/ 745؛ وشرح ابن عقيل ص279؛ ومغني اللبيب 1/ 333؛ والمقاصد النحوية 3/ 21؛ وهمع الهوامع 2/ 110.

اللغة والمعنى: في الغيب: في الغياب.

يقول: إذا كنت تتصافى الود بينك وبين صديقك، ورضي كل منكما بالآخر علانية، فعليك أن تكون في غيابه أشد حرصا على هذه المودة، أو العهد.

الإعراب: إذا: ظرف يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه. كنت: فعل ماض ناقص، والتاء: ضمير في محل رفع اسم "كان". ترضيه: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل، والفاعل: أنت، والهاء: ضمير في محل نصب مفعول به. ويرضيك: الواو: حرف عطف. يرضيك: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل، والكاف: في محل نصب مفعول به. صاحب: فاعل مرفوع بالضمة. جهارا: اسم منصوب على نزع الخافض، أو مفعول مطلق منصوب، أو ظرف متعلق بـ"يرضيك". فكن: الفاء: رابطة لجواب الشرط، كن: فعل أمر ناقص، واسمه ضمير مستتر تقديره: أنت. في الغيب: جار ومجرور متعلقان بـ"أحفظ". أحفظ: خبر "كن" منصوب. للود: جار ومجرور متعلقان بـ"أحفظ".

وجملة "كنت ترضيه

" الفعلية في محل جر بالإضافة. وجملة "ترضيه" الفعلية في محل نصب خبر "كنت". وجملة "يرضيك" الفعلية معطوفة على جملة "ترضيه". وجملة "كن في الغيب أحفظ للود" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها جواب شرط غير جازم.

والشاهد فيه قوله: "ترضيه ويرضيك صاحب" حيث تنازع كل من العاملين: "ترضيه" و"يرضيك" الاسم الذي بعدهما، وهو قوله:"صاحب"، والأول يطلبه مفعولا، والثاني يطلبه فاعلا، وقد أعمل فيه الثاني فرفعه على الفاعلية، وعمل فيه الأول، فنصب ضميره، وعاد الضمير على متأخر لفظا ورتبة.

ص: 460

أقوى المذاهب؛ لسلامته من الإضمار قبل الذكر ومن الفصل.

تنبيهات: الأول: اقتضى كلامه أنه يجاء بضمير الفضلة مع الثاني المهمل، نحو:"ضربني وضربته زيد"، و "مر بي ومررت بهما أخواك"؛ لدخوله تحت قوله:"وأعمل المهمل في ضمير ما تنازعاه"، ولم يخرجه، ومنه قوله "من الطويل":

418-

إذا هي لم تستك بعود أراكة

تنخل فاستاكت به عود إسحل

وأنه يجوز حذفه لمفهوم قوله: "والتزم ما التزما"، وهذا لم يلتزم ذكره؛ لأنه فضلة،

418- التخريج: البيت لعمر بن أبي ربيعة في ملحق ديوانه ص498؛ والرد على النحاة ص97، وشرح المفصل 1/ 79؛ والكتاب 1/ 78؛ ولطفيل الغنوي في ديوانه ص65؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 188؛ ولعمر أو لطفيل أو للمقنع الكندي في المقاصد النحوية 3/ 32؛ ولعبد الرحمن بن أبي ربيعة المخزومي أو لطفيل الغنوي في شرح شواهد الإيضاح ص89؛ وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب 1/ 444؛ والدرر 1/ 222؛ وهمع الهوامع 1/ 66.

اللغة: تستاك: تستعمل السواك لتنظيف الأسنان. الأراك: نوع من الشجر يؤخذ من أعواده السواك. تنخل: تم اختياره بدقة. إسحل: نوع من الشجر طيب الرائحة.

المعنى: يقول: إذا لم تنظف أسنانها بعود الأراك نظفتها بعود إسحل.

الإعراب: إذا: ظرف زمان يتضمن معنى الشرط، متعلق بجوابه. هي: ضمير منفصل في محل رفع فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، تقديره:"إذا لم تستك". لم: حرف نفي وجزم وقلب، تستك: فعل مضارع مجزوم، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:"هي". بعود: جار ومجرور متعلقان بـ"تستك"، وهو مضاف. أراكة: مضاف إليه مجرور بالكسرة. تنخل: فعل ماض للمجهول. فاستاكت: "الفاء": حرف عطف، "استاكت": فعل ماض، و"التاء": للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره:"هي". به: جار ومجرور متعلقان بـ"استاك". عود: نائب فاعل مرفوع بالضمة، وهو مضاف. إسحل: مضاف إليه.

وجملة "إذا هي

": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة الفعل المحذوف في محل جر بالإضافة. وجملة "لم تستك": تفسيرية لا محل لها من الإعراب. وجملة "تنخل": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.

الشاهد: قوله: "تنخل فاستاكت به عود "إسحل" حيث تنازع عاملان معمولا وهو "عود"، والعامل الأول "تنخل" يطلبه ليكون نائب فاعل له، والثاني ليتعدى إليه بحرف الجر "الباء"، وقد أعمل الشاعر العامل الأول "تنخل" فرفعه على أنه نائب فاعل له، وأضمر ضمير هذا المعمول مع العامل الثاني. ولو أنه أعمل العامل الثاني لقال: "تنخل فاستاكت بعود إسحل" على أن يكون في "تنخل" ضمير مستتر تقديره: هو يعود إلى "عود إسحل" المتأخر.

ص: 461

ومنه قوله "من مجزوء الكامل":

419-

بعكاظ يعشي الناظريـ

ـن إذا هم لمحوا شعاعه

وخص بعضهم حذفه بالضرورة كالبيت؛ لأن في حذفه تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه لغير معارض.

الثاني: كلامه هنا مخالف للتسهيل من وجهين: "الأول" جزمه بحذف الفضلة من الأول المهمل، "والثاني" جزمه بتأخير الخبر، ولم يجزم بهما في التسهيل، بل أجاز التقديم.

الثالث: يشترط لحذف الفضلة من الأول المهمل أمن اللبس؛ فإن خيف وجب

419- التخريج: البيت لعاتكة بنت عبد المطلب في الدرر 5/ 315؛ وشرح التصريح 1/ 320؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص743؛ والمقاصد النحوية 3/ 11؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 5/ 284؛ وأوضح المسالك 2/ 199؛ وشرح ابن عقيل ص280؛ ومغني اللبيب 2/ 611؛ والمقرب 1/ 251؛ وهمع الهوامع 2/ 109. وقبله قولها:

سائل بنا في قومنا

وليكف من شر سماعه

قيسا وما جمعوا لنا

في مجمع باق شناعه

اللغة والمعنى: عكاظ: سوق تجتمع فيه القبائل العربية فيتفاخرون ويتناشدون الشعر ويتابعون، وهو بين الطائف ونخلة. يعشي: يضعف البصر. لمحوا: نظروا بسرعة. شعاعه: هنا لمعانه.

يقول: إذا نظر القوم إلى سلاح قومي بعكاظ لزاغ بصرهم من شدة لمعانه.

الإعراب: بعكاظ: جار ومجرور متعلقان بقولها "جمعوا" الذي في البيت الذي قبل بيت الشاهد. يعشي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. الناظرين: مفعول به منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. إذا: ظرف يتضمن معنى الشرط متعلق بجوابه. هم: ضمير منفصل في محل رفع فاعل لفعل محذوف يفسره ما بعده، أو توكيد للضمير المتصل بالفعل المقدر "لمحوا" الذي يفسره ما بعده. لمحوا: فعل ماض، والواو: فاعل. شعاعه: فاعل "يعشي" مرفوع، وهو مضاف، والهاء: في محل جر بالإضافة.

وجملة "يعشي الناظرين" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية. وجملة "هم لمحوا" الفعلية في محل جر بالإضافة. وجملة "

لمحوا" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها تفسيرية.

والشاهد فيه قوله: "يعشي الناظرين إذا هم لمحوا شعاعه" حيث تنازع الفعلان "يعشي" و"لمحوا" معمولا واحدا هو قوله: "شعاعه"، فأعمل الشاعر العامل الأول، فجعل "شعاعه" فاعلا، وأعمل العامل الثاني في ضميره، ثم حذف هذا الضمير ضرورة، والتقدير:"يعشي الناظرين شعاعه إذا لمحوه"، وهذا التقدير شاذ لأن فيه تهيئة العامل للعمل ثم حذفه بلا سبب.

ص: 462

التأخير، نحو:"استعنت واستعان علي زيد"؛ لأنه مع الحذف لا يعلم هل المحذوف مستعان به أو عليه.

الرابع: قوله: "غير خبر" يوهم أن ضمير المتنازع فيه إذا كان المفعول الأول في باب "ظن" يجب حذفه، وليس كذلك، بل لا فرق بين المفعولين في امتناع الحذف ولزوم التأخير، نحو:"ظننت منطلقة وظنتني منطلقا هند إياها"، فـ"إياها": مفعول أول لـ"ظننت"، ولا يجوز تقديمه، وفي حذفه ما سبق، ولذلك قال الشارح: لو قال بدله:

واحذفه إن لم يك مفعول حسب

وإن يكن ذاك فأخره تصب

لخلص من ذلك التوهم.

لكن قال المرادي: قوله: "مفعول حسب" يوهم أن غير مفعول حسب يجب حذفه وإن كان خبرا، وليس كذلك؛ لأن خبر "كان" لا يحذف أيضا، بل يؤخر كمفعول "حسب"، نحو:"زيد كان وكنت قائما إياه"، وهذا مندرج تحت قول المصنف:"غير خبر"، ولو قال:

بل حذفه إن كان فضلة حتم

وغيرها تأخيره قد التزم

لأجاد.

قلت: وعلى هذا أيضا من المؤاخذة ما على بيت الأصل من عدم اشتراطه أمن اللبس، كما أسلفته، فكان الأحسن أن يقول:

واحذفه لا إن خيف لبس أو يرى

لعمدة فجئ به مؤخرا

الخامس: قاس المازني وجماعة المتعدي إلى ثلاثة على المتعدي إلى اثنين، وعليه مشى في التسهيل؛ فتقول على هذا عند إعمال الأول:"أعلمني وأعلمته إياه إياه زيد عمرا قائما"، ويختار إعمال الثاني، نحو:"أعلمني وأعلمت زيدا عمرا قائما إياه إياه"، و"أعلمت وأعلمني زيد عمرا قائما إياه إياه".

ص: 463

284-

وأظهر ان يكن ضمير خبرا

لغير ما يطابق المفسرا

285-

نحو أظن ويظناني أخا

زيدا وعمرا أخوين في الرخا

"وأظهر أن يكن ضمير خبرا" أي: في الأصل "لغير ما يطابق المفسرا" أي: في الإفراد والتذكير وفروعهما؛ لتعذر الخوف بكونه عمدة والإضمار بعدم المطابقة، فتعين الإظهار، وتخرج المسألة من هذا الباب.

"نحو أظن ويظناني أخا زيدا وعمرا أخوين في الرخا" على إعمال الأول، فزيدا وعمرا أخوين: مفعولا "أظن"، و"أخا": ثاني مفعولي يظناني، وجيء به مظهرا لتعذر إضماره؛ لأنه لو أضمر فإما أن يضمر مفردا مراعاة للمخبر عنه في الأصل وهو الياء من "يظناني"؛ فيخالف مفسره -وهو "أخوين"- في التثنية، وإما أن يثنى مراعاة للمفسر؛ فيخالف المخبر عنه، وكلاهما ممتنع عند البصريين، وكذا الحكم لو أعملت الثاني، نحو:"يظناني وأظن الزيدين أخوين أخا"، وأجاز الكوفيون الإضمار على وقف المخبر عنه، نحو:"أظن ويظناني إياه الزيدين أخوين"، عند إعمال الأول وإهمال الثاني، وأجازوا أيضا الحذف، نحو:"أظن ويظناني الزيدين أخوين".

تنبيه: وجه كون هذه المسألة من هذا الباب هو أن الأصل: "أظن ويظنني الزيدين أخوين"، فتنازع العاملان "الزيدين"؛ فالأول يطلبه مفعولا، والثاني يطلبه فاعلا، فأعلمنا الأول؛ فنصبا به الاسمين، وأضمرنا في الثاني ضمير "الزيدين"، وهو الألف، وبقي علينا المفعول الثاني يحتاج إلى إضماره؛ فرأينه متعذرا لما مر، فعدلنا به إلى الإظهار، وقلنا "أخا" فوافق المخبر عنه، ولم تضره مخالفته لأخوين؛ لأنه اسم ظاهر لا يحتاج إلى ما يفسره.

خاتمة: لا يتأتى التنازع في التمييز، وكذا الحال1، خلافا لابن مغط، وكذا نحو:

1 قال محمد محيي الدين عبد الحميد:

"إنما لم يجز التنازع في التمييز والحال لأن التنازع فيما يؤدي إلى فوات شرطهما، ألست ترى أن الحال والتمييز يجب في كل منهما أن يكون نكرة، والتنازع يقتضي أن يضمر ضمير المعمول المتنازع فيه مع العامل المهمل، وكيف يكون واحد من الحال والتمييز ضميرا".

ص: 464

"ما قام وقعد إلا زيد"، وما ورد مما ظاهره جواز ذلك مؤول، ويجوز فيما عدا ذلك من المعمولات1. والله تعالى أعلم.

1 قال محمد محيي الدين عبد الحميد:

"أجمعوا على جواز التنازع في المفعول فيه؛ تقول: "صمت وسرته اليوم"؛ على تقدير إعمال الأول، وتقول: "صمت وسرت اليوم"، على تقدير إعمال الثاني، وتحذف من الأول؛ فإذا أردت تقديره جئت باسم مقترن بـ"في"؛ لأن الظرف منصوب على تقدير "في"؛ واختلفوا في المفعول لأجله؛ فزعم بعضهم أنه يجوز التنازع فيه، ومال إليه العلامة الصبان، وليس ما ذهب إليه سديدا؛ لأن تجويزهم التنازع في المفعول فيه مبني على توسعهم في الظروف ما لا يتوسعونه في غيرها؛ والله أعلم".

ص: 465