الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفعول المطلق:
زاد في شرح الكافية في الترجمة "وهو المصدر"، وذلك تفسير للشيء بما هو أعم منه مطلقا؛ كتفسير الإنسان بأنه الحيوان؛ إذ المصدر أعم مطلقا من المفعول المطلق؛ لأن المصدر يكون مفعولا مطلقا، وفاعلا، ومفعولا به، وغير ذلك، والمفعول المطلق لا يكون إلا مصدرا؛ نظرا إلى أن ما يقوم مقامه مما يدل عليه خلف عنه في ذلك وأنه الأصل.
"أنواع المفاعيل":
واعلم أن المفاعيل خمسة: مفعول به، وقد تقدم في باب تعدي الفعل ولزومه، ومفعول مطلق، ومفعول له، ومفعول فيه، ومفعول معه.
وهذا أول الكلام على هذه الأربعة:
"تعريف المفعول المطلق":
فالمفعول المطلق "ما ليس خبرا من مصدر مفيد توكيد عامله، أو بيان نوعه، أو عدده".
فـ"ما ليس خبرا" مخرج لنحو المصدر المبين للنوع في قولك: "ضربك ضرب أليم". و"من مصدر" مخرج لنحو الحال المؤكدة، نحو:{وَلَّى مُدْبِرًا} 1.
1 النمل: 10؛ والقصص: 31.
و"مفيد توكيد عامله، إلى آخره" مخرج لنحو المصدر المؤكد في قولك: "أمرك سير سير"، وللمسوق مع عامله لغير المعاني الثلاثة، نحو:"عرفت قيامك"، ومدخل لأنواع المفعول المطلق: ما كان منها منصوبا لكونه فضلة، نحو:"ضربت ضربا، أو ضربا شديدا، أو ضربتين"، أو مرفوعا لكونه نائبا عن الفاعل، نحو:"غضب غضب شديد".
وإنما سمي مفعولا مطلقا لأن حمل المفعول عليه لا يحوج إلى صلة؛ لأنه مفعول الفاعل حقيقة، بخلاف سائر المفعولات، فإنها ليست بمفعول الفاعل، وتسمية كل منها مفعولا إنما هو باعتبار إلصاق الفعل به، أو وقوعه لأجله، أو فيه، أو معه؛ فلذلك احتاجت في حمل المفعول عليها إلى التقييد بحرف الجر، بخلافه، وبهذا استحق أن يقدم عليها في الوضع، وتقديم المفعول به لم يكن على سبيل القصد، بل على سبيل الاستطراد والتبعية.
ولما كان المفعول المطلق هو المصدر مع ضميمة شيء آخر كما عرفت بدأ بتعريف المصدر؛ لأن معرفة المركب موقوفة على معرفة أجزائه؛ فقال:
286-
المصدر اسم ما سوى الزمان من
…
مدلولي الفعل كأمن من أمن
"المصدر: اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل" أي: اسم الحدث؛ لأن الفعل يدل على الحدث والزمان؛ فما سوى الزمان من المدلولين هو الحدث "كأمن من" مدلولي "أمن" و"ضرب" من مدلولي "ضرب".
287-
بمثله أو فعل أو وصف نصب
…
وكونه أصلا لهذين انتخب
"بمثله" ولو معنى دون لفظ "أو فعل أو وصف نصب" نحو: {فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا} 1، و"يعجبني إيمانك تصديقا"، {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} 2، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} 3.
"وكونه": أي: المصدر "أصلا" في الاشتقاق "لهذين" أي: للفعل والوصف "انتخب"
1 الإسراء: 63.
2 النساء: 164.
3 الذاريات: 1.
أي: اختير، وهو مذهب البصريين1، وخالف بعضهم؛ فجعل الوصف مشتقا من الفعل؛ فهو فرع الفرع، وذهب الكوفيون إلى أن الفعل أصل لهما، وزعم ابن طلحة أن كلا من المصدر والفعل أصل برأسه؛ ليس أحدهما مشتقا من الآخر. والصحيح مذهب البصريين؛ لأن من شأن الفرع أن يكون فيه ما في الأصل وزيادة، والفعل والوصف مع المصدر بهذه المثابة؛ إذ المصدر إنما يدل على مجرد الحدث، وكل منهما يدل على الحدث وزيادة.
288-
توكيدا أو نوعا يبين أو عدد
…
كسرت سيرتين سير ذي رشد
"توكيدا أو نوعا يبين" المصدر المسوق مفعولا مطلقا "أو عدد" أي: لا يخرج المفعول المطلق عن أن يكون لغرض من هذه الأغراض الثلاثة؛ فالمؤكد "كسرت" سيرا"، ويسمى المبهم، ومبين العدد -ويسمى المعدود- كسرت "سيرتين" و {دُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} 2، ومبين النوع كـ"سرت "سير ذي رشد" أو سيرا شديدا، أو السير الذي تعرفه"، ويسمى المختص؛ هكذا فسره بعضهم؛ والظاهر أن المعدود من قبيل المختص كما فعل في التسهيل، فالمفعول المطلق على قسمين؛ مبهم، ومختص، والمختص على قسمين: معدود وغير معدود.
"ما ينوب عن المصدر في المفعولية المطلقة":
289-
وقد ينوب عنه ما عليه دل
…
كجد كل الجد، وافرح الجذل
"وقد ينوب عنه" أي: عن المصدر في الانتصاب على المفعول المطلق "ما عليه" أي: ما على المصدر "دل" وذلك ستة عشر شيئا، فينوب عن المصدر المبين "للنوع" ثلاثة عشر شيئا:
1 انظر المسألة الأولى من الإنصاف في مسائل الخلاف ص6-16.
2 الحاقة: 14.
الأول: كليته "كجد كل الجد"، ومنه {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} 1، وقوله "من الطويل":
420-
"وقد يجمع الله الشتيتين بعدما"
…
يظنان كل الظن أن لا تلاقيا
الثاني: بعضيته، نحو:"ضربته بعض الضرب".
الثالث: نوعه، نحو:"رجع القهقري"، و"قعد القرفصاء".
الرابع: صفته، نحو:"سرت أحسن السير، وأي سير".
الخامس: هيئته، نحو:"يموت الكافر ميتة سوء".
السادس: مرادفه، نحو:"قمت الوقوف""وافرح الجذل"، ومنه قوله "من الرجز":
421-
يعجبه السخون والبرود
…
والتمر حبا ما له مزيد
1 النساء: 129.
420-
التخريج: البيت للمجنون في ديوانه ص243؛ وشرح التصريح 1/ 328؛ والمقاصد النحوية 3/ 42؛ وبلا نسبة في الخصائص 2/ 448؛ ولسان العرب 2/ 48 "شتت".
شرح المفردات: الشتيتان: اللذان تفرقا.
المعنى: يقول: إن الله تعالى قادر على أن يجمع الشمل بعد تفرقه، بعد أن ظن أن اللقاء أصبح مستحيلا.
الإعراب: "وقد": الواو بحسب ما قبلها، "قد": حرف تقليل. "يجمع": فعل مضارع مرفوع. "الله": اسم الجلالة فاعل مرفوع. "الشتيتين": مفعول به منصوب بالياء لأنه مثنى. "بعد": ظرف زمان متعلق بـ"يجمع" منصوب بالفتحة، "ما": حرف مصدري. "يظنان": فعل مضارع مرفوع بثبوت النون، والألف ضمير في محل رفع فاعل. والمصدر المؤول من "ما" وما بعدها في محل جر بالإضافة. "كل": مفعول مطلق نائب عن مصدره، وهو مضاف. "الظن": مضاف إليه مجرور. "أن": حرف مشبه بالفعل مخفف، واسمه ضمير الشأن المحذوف تقديره:"أنه" أي الحال والشأن. "لا": النافية للجنس. "تلاقيا": اسم "لا" مبني في محل نصب، والألف للإطلاق. وخبر "لا" محذوف تقديره:"أن لا تلاقي لهما". والمصدر المؤول من "أن" وما بعدها سد مسد مفعولي "يظنان".
وجملة: "يجمع الله" بحسب ما قبلها. وجملة "يظنان" صلة الموصول الحرفي لا محل لها من الإعراب. وجملة "لا تلاقيا" في محل رفع خبر "أن".
الشاهد: قوله: "يظنان كل الظن" حيث نصب "كل" على أنه مفعول مطلق نائب عن المصدر.
421-
التخريج: الرجز لرؤبة في ملحق ديوانه ص172؛ والمقاصد النحوية 3/ 45؛ وبلا نسبة في شرح المفصل 1/ 112؛ واللمع في العربية ص133. =
السابع: ضميره، نحو:"عبد الله أظنه جالسا"؛ ومنه: {لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} 1.
الثامن: المشار به إليه، نحو:"ضربته ذلك الضرب".
التاسع: وقته، كقوله "من الطويل":
422-
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
…
"وبت كما بات السليم مسهدا"
= اللغة: السخون: الساخن من المرق. البرود: البارد.
الإعراب: يعجبه: فعل مضارع مرفوع، و"الهاء": ضمير متصل في محل نصب مفعول به. السخون: فاعل مرفوع بالضمة. البرود: "الواو": حرف عطف، و"البرود": معطوف على "السخون" مرفوع بالضمة. حبا: مفعول مطلق منصوب. ما: حرف نفي. له: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم. مزيد: مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.
وجملة "يعجبه
…
": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. وجملة "ما له مزيد": في محل نصب نعت "حبا".
الشاهد: قوله: يعجبه
…
حبا ما له مزيد" حيث نصب المصدر الذي من معنى الفعل، وليس من لفظه على أنه مفعول مطلق، لأن الحب بمعنى الإعجاب.
1 المائدة: 1.
422-
التخريج: البيت للأعشى في ديوانه ص185؛ وخزانة الأدب 6/ 163؛ والخصائص 3/ 322؛ والدرر 3/ 61؛ وشرح المفصل 10/ 102؛ وشرح شواهد المغني 2/ 576؛ والمحتسب 2/ 121؛ والمقاصد النحوية 3/ 57؛ والمنصف 3/ 8؛ وبلا نسبة في همع الهوامع 1/ 188.
اللغة: اغتمضت: سكنت. أرمد: أصابهما الرمد. المسهد: القلق الذي لا يستطيع إلى النوم سبيلا.
المعنى: لقد اغتمضت عيناك أي سكنت سكون العين الرمداء، ونمت نوم اللديغ القلق الذي جفاه النوم.
الإعراب: ألم: "أ": حرف استفهام، "لم": حرف نفي وقلب وجزم: تغتمض: فعل مضارع مجزوم بالسكون الظاهرة. عيناك: فاعل مرفوع بالألف لأنه مثنى وحذفت النون للإضافة و"الكاف": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. ليلة: نائب مفعول مطلق منصوب بالفتحة الظاهرة وهو مضاف. أرمدا: مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف على وزن أفعل والألف للإطلاق. وبت: "الواو": حرف عطف، "بت": فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالتاء المتحركة، و"التاء": ضمير متصل في محل رفع اسمها. كما: "الكاف": حرف جر، و"ما": مصدرية، والمصدر المؤول منها ومن الفعل "بات" مجرور بالكاف. والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمصدر محذوف يقع مفعولا مطلقا للفعل "بت". بات: فعل ماض ناقص مبني على الفتحة الظاهرة. السليم: اسمها مرفوع بالضمة الظاهرة، وحذف خبره لدلالة خبر الأول عليه. مسهدا: خبر "بت" منصوب بالفتحة الظاهرة. =
أي: اغتماض ليلة أرمدا، وهو عكس:"فعلته طلوع الشمس"، إلا أنه قليل.
العاشر: "ما" الاستفهامية، نحو:"ما تضرب زيدا"؟
الحادي عشر: "ما" الشرطية، نحو:"ما شئت فاجلس".
الثاني عشر: آلته، نحو:"ضربته سوطا"، وهو يطرد في آلة الفعل دون غيرها، فلا يجوز:"ضربته خشبة".
الثالث عشر: عدده، نحو:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} 1.
وزاد بعض المتأخرين اسم المصدر العلم، نحو:"بر برة"، و"فجر فجار".
وفي شرح التسهيل أن اسم المصدر لا يستعمل مؤكدا ولا مبينا.
وينوب عن المصدر المؤكد ثلاثة أشياء:
الأول: مرادفه، نحو:"شنئته بغضا"، و"أحببته مقة"، و"فرحت جذلا".
الثاني: ملاقيه في الاشتقاق، نحو:{وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} 2، {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا} 3؛ والأصل: إنباتا، وتبئلا.
الثالث: اسم مصدر غير علم، نحو:"توضأ وضوءا"، و"اغتسل غسلا"، و"أعطى عطاء".
290-
وما لتوكيد فوحد أبدا
…
وثن واجمع غيره وأفردا
"وما" سيق من المصادر "لتوكيد فوحد أبدا"؛ بمنزلة تكرير الفعل، والفعل لا يثنى ولا يجمع؛ "وثن واجمع غيره" أي: غير المؤكد، وهو المبين "وأفردا" لصلاحيته لذلك؛ أما العددي فباتفاق، نحو:"ضربته ضربة، وضربتين، وضربات". واختلف في
= وجملة "ألم تغتمض عيناك": ابتدائية لا محل لها. وجملة "وبت": معطوفة على تغتمض. وجملة "بات": صلة الموصول الحرفي لا محل لها.
والشاهد فيه قوله: "ليلة أرمدا" فقد نصب ليلة على النيابة عن مصدر فكانت نائب مفعول مطلق وليست طرفا، على التقدير "ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة أرمد".
1 النور: 4.
2 نوح: 17.
3 المزمل: 8.
النوعي؛ فالمشهور الجواز نظرا إلى أنواعه، نحو:"سرت سيري زيد الحسن والقبيح"؛ وظاهر مذهب سيبويه المنع، واختاره الشلوبين.
291-
وحذف عامل المؤكد امتنع
…
وفي سواه لدليل متسع
"وحذف عامل" المصدر "المؤكد امتنع" لأنه إنما جيء به لتقوية عامله وتقرير معناه، والحذف ينافي ذلك، ونازع في ذلك الشارح1 "وفي حذف عامل "سواه لدليل متسع" عند
1 الشارح: الذي نازع في هذا الكلام هو العلامة أبو عبد الله بدر الدين محمد بن الناظم، قال في شرحه على ألفية والده "ص137":"يجوز حذف عامل المصدر إذا دل عليه دليل، كما يجوز حذف عامل المفعول به وغيره، ولا فرق في ذلك بين أن يكون المصدر مؤكدا أو مبنيا، والذي ذكره الشيخ رحمه الله "يريد والده ابن مالك صاحب الألفية" في هذا الكتاب وفي غيره أن المصدر المؤكد لا يجوز حذف عامله.
قال في شرح الكافية: لأن المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله وتقرير معناه، وحذفه مناف لذلك؛ فلم يجز؛ فإن أراد أن المصدر المؤكد يقصد به تقوية عامله وتقرير معناه دائما، فلا شك أن حذفه مناف لذلك القصد، ولكنه ممنوع ولا دليل عليه، وإن أراد أن المصدر المؤكد قد يقصد به التقوية والتقرير، وقد يقصد به مجرد التقرير؛ فمسلم، ولكن لا نسلم أن الحذف مناف لذلك القصد؛ لأنه إذا أجاز أن يقرر معنى العامل المذكور بتوكيده بذلك المصدر فلأن يجوز أن يقرر معنى العامل المحذوف لدلالة قرينة عليه أحق وأولى، ولو لم يكن معنا ما يدفع هذا من القياس لكان في دفعه بالسماع كفاية؛ فإنهم يحذفون عامل المؤكد حذفا جائزا إذا كان خبرا عن اسم عين في غير تكرير ولا حصر، نحو:"أنت سيرا"، وحذفا واجبا في مواضع يأتي ذكرها "يريد في قول الناظم والحذف حتم مع آت بدلا من فعله، إلخ" نحو: "سقيا ورعيا" و"حمدا وشكرا لا كفرا"؛ فمنع مثل هذا إما لسهو عن وروده وإما للبناء على أن المسوغ لحذف لعامل منه نية التخصيص، وهي دعوى على خلاف الأصل، ولا يقتضيها فحوى الكلام، ولم يخالف أحد في جواز حذف عامل المصدر المبين للنوع أو العدد، فلذلك قال: وفي سواه لدليل متسع؛ ومن أمثلته قولك لمن قال: "ما ضربت زيدا": "بلى ضربتين"، ولمن قال:"ما تجد في الأمر": "بلى، جدا كثيرا"، ولمن قال:"أي سير سرت": سيرا سريعا، ولمن تأهب للحج:"حجا مبرورا"، ولمن قدم من سفر:"قدوما مباركا"؛ ثم إن حذف عامل المصدر على نوعين: جائز، وواجب؛ فالجائز كما في الأمثلة المذكورة، والواجب إذا كان المصدر بدلا من اللفظ بالفعل، كما قال: والحذف حتم -إلخ"، اهـ كلامه.
وقال العلامة الصبان في الفصل بين الكلامين: "ورد بأن الحذف مناف للتوكيد مطلقا؛ لأن التوكيد يقتضي الاعتناء بالمؤكد، والحذف ينافي ذلك؛ فدعواه الأولوية مردودة، وما ذكره وإن كان من أمثلة المؤكد مستثنى من عموم قوله: وحذف عامل المؤكد امتنع؛ لنكات، كما يدل على ذلك قوله بعد: والحذف حتم، إلخ؛ وفيه أن نحو: "أنت سيرا"؛ لا دليل على استثنائه لعدم تحتم حذف عامله؛ فالجواب بالنسبة إليه لا ينهض، مع أن الخليل وسيبويه يجيزان الجمع بين الحذف والتأكيد، ورد ابن =
الجميع، كأن يقال:"ما ضربت"؛ فتقول: "بلى ضربا مؤلما"، أو:"بلى ضربتين"، وكقولك لمن قدم من سفر:"قدوما مباركا"، ولمن أراد الحج أو فرغ منه:"حجا مبرورا"، فحذف العامل في هذه الأمثلة وما أشبهها جائز؛ لدلالة القرينة عليه، وليس بواجب.
292-
والحذف حتم مع آت بدلا
…
من فعله كندلا اللذ كاندلا
"والحذف حتم" أي: واجب "مع" مصدر "آت بدلا من فعله"؛ لأنه لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل منه.
وهو على نوعين: واقع في الطلب، وواقع في الخبر.
فالأول: هو الواقع أمرا أو نهيا "كندلا اللذ كاندلا" في قوله "من الطويل":
على حين ألهى الناس جل أمورهم
…
فندلا زريق المال ندل الثعالب1
فـ"ندلا": بدل من اللفظ بـ"اندل"، والأصل:"اندل يا زريق المال: أي اختطفه، يقال: ندل الشيء؛ إذا اختطفه، ومنه: {فَضَرْبَ الرِّقَابِ} 2، أي: فاضربوا الرقاب؛ وتقول: "قياما لا قعودا": أي: قم ولا تقعد.
= عقيل المنازعة بأن جميع الأمثلة التي ذكرها ليست من المؤكد، بل المصدر فيها نائب مناب الفعل عوض منه دال على ما يدل عليه؛ ويدل على ذلك أنه يمتنع الجمع بينهما، ولا شيء من المؤكدات يمتنع الجمع بينه وبين المؤكد، وأنه لا خلاف في عدم عمل المصدر المؤكد، واختلفوا في عمل المصدر الواقع موقع الفعل. والصحيح أنه يعمل، ولا يخفى أن دليله الأول لا يأتي في نحو:"أنت سيرا"، وأنه يلزم على كلامه زيادة أقسام المصدر على الثلاثة المذكورة على قوله: توكيدا أو نوعا، إلخ؛ إلا أن يكون مراده أن تلك الأمثلة ليست من المؤكد الآن وإن كانت منه بحسب الأصل"، اهـ كلامه.
والخلاصة أن اعتراض ابن الناظم على أبيه بورود حذف عامل المصدر المؤكد لا مدفع له ولم يتم لأحد ممن انتصر للناظم دليل ينهض ردا على ذلك، وما زعمه عن ابن عقيل من أن هذه الأمثلة التي أوردها ابن الناظم ليست من المصدر المؤكد الآن وإن كانت منه بحسب الأصل؛ فإنه كلام لا يتم، ودعوى الشذوذ لا تصح لأن هذا وارد في الكلام الفصيح الجاري على ألسنة العرب بدون ضرورة" "عن حاشية محمد محيي الدين عبد الحميد".
1 تقدم بالرقم 14.
2 محمد: 4.
كذا أطلق الناظم، وخص ابن عصفور الوجوب بالتكرار، كقوله "من الوافر":
423-
فصبرا في مجال الموت صبرا
…
"فما نيل الخلود بمستطاع"
أو دعاء، نحو:"سقيا"، و"رعيا"، و"جدعا"، و"كيا"، أو مقرونا باستفهام توبيخي، نحو:"أتوانيا وقد جد قرناؤك؟ " وقوله "من الوافر":
424-
"أعبدا حل في شعبي غريبا"
…
ألوما لا أبا لك واغترابا
423- التخريج: البيت لقطري بن الفجاءة في تخليص الشواهد ص298؛ وشرح التصريح 1/ 331؛ والمقاصد النحوية 3/ 51.
المعنى: يقول مخاطبا نفسه: لا تخافي من الموت في المعارك، فكل نفس ذائقة الموت، ولا يسعها أن تبقى خالدة.
الإعراب: "فصبرا": الفاء بحسب ما قبلها، "صبرا": مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره: "اصبري". "في مجال": جار ومجرور متعلقان بـ"صبرا"، وهو مضاف. "الموت": مضاف إليه مجرور. "صبرا": توكيد للأولى. "فما": الفاء استئنافية، و"ما": حرف نفي، أو من أخوات "ليس". "نيل": مبتدأ، أو اسم "ما" مرفوع، وهو مضاف. "الخلود": مضاف إليه مجرور. "بمستطاع": الباء حرف جر زائد، "مستطاع": خبر المبتدأ أو خبر "ما" مجرور لفظا ومرفوع محلا على أنه خبر المبتدأ، أو منصوب محلا على أنه خبر "ما".
وجملة: "صبرا" بحسب ما قبلها. وجملة: "ما نيل
…
" استئنافية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله: "فصبرا في مجال الموت صبرا" حيث جاء المصدر "صبرا" بمعنى فعل الأمر "اصبري"، فهو مفعول مطلق لفعل محذوف.
424-
التخريج: البيت لجرير في ديوانه ص650؛ وإصلاح المنطق ص221؛ والأغاني 8/ 21؛ وجمهرة اللغة ص1181؛ وخزانة الأدب 2/ 183؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 98؛ وشرح التصريح 1/ 331، 2/ 171، 289؛ والكتاب 1/ 339، 334؛ ولسان العرب 1/ 503 "شعب"؛ ومعجم ما استعجم ص799، 861؛ والمقاصد النحوية 3/ 49، 4/ 506؛ وبلا نسبة في رصف المباني ص52.
شرح المفردات: شعبي: اسم جبل يقع في طريق مكة من البصرة.
المعنى: يتساءل الشاعر متعجبا: إن هذا العبد يظهر لؤمه في موطن غربته، فكأنه قد جمع بين اللؤم والاغتراب، وهذا منتهى الصفاقة والنفاق.
الإعراب: "أعبدا": الهمزة للنداء، "عبدا": منادى منصوب بالفتحة. "حل": فعل ماض، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره "هو". "في شعبى": جار ومجرور متعلقان بـ"حل". "غريبا": حال منصوب. "ألؤما": الهمزة للاستفهام، "لؤما": مفعول مطلق منصوب. "لا": نافية للجنس. "أبا": اسم "لا" منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. "لك": اللام زائدة، والكاف في محل جر بالإضافة لـ"أبا"، ويجوز اعتبار =
والثاني: ما دل على عامله قرينة وكثر استعماله، كقولهم عند تذكر النعمة:"حمدا وشكرا لا كفرا"، وعند تذكر الشدة:"صبرا لا جزعا"، وعند ظهور معجب:"عجبا"، وعند الامتثال:"سمعا وطاعة"، وعند خطاب مرضي عنه:"افعل ذلك وكرامة ومسرة"، وعند خطاب مغضوب عليه:"لا أفعل ذلك ولا كيدا ولا هما"، و"لا فعلت ذلك ورغما وهوانا".
293-
وما لتفصيل كإما منا
…
عامله يحذف حيث عنا
"وما" سيق من المصادر "لتفصيل" أي: لتفصيل عاقبة ما قبله "كإما منا" من قوله تعالى: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} 1 "عامله يحذف حيث عنا" أي: حيث عرض؛ لما ذكر من أنه بدل من اللفظ بعامله، والتقدير: فإما تمنون وإما تفادون.
294-
كذا مكرر وذو حصر ورد
…
نائب فعل لاسم عين استند
"كذا مكرر وذو حصر ورد" كل منهما "نائب فعل لاسم عين استند"، نحو:"أنت سيرا سيرا"، و"إنما أنت سيرا"، و"ما أنت إلا سيرا"؛ فالتكرار عوض من اللفظ بالفعل، والحصر ينوب مناب التكرير، فلو لم يكن مكررا ولا محصورا جاز الإضمار والإظهار، نحو:"أنت سيرا"، و"أنت تسير سيرا". والاحتراز باسم العين عن اسم المعنى، نحو:"أمرك سير سير"، فيجب أن يرفع على الخبرية هنا؛ لعدم الاحتياج إلى إضمار فعل هنا، بخلافه بعد اسم العين؛ لأنه يؤمن معه اعتقاد الخبرية؛ إذ المعنى لا يخبر به عن العين إلا
= لك جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت لاسم "لا"، وخبرها محذوف. "واغترابا": الواو حرف عطف، "اغترابا" معطوف على "لؤما" أي مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره:"تغترب اغترابا".
وجملة: "حل
…
" في محل نصب نعت "عبدا". وجملة: "ألؤما
…
" استئنافية لا محل لها من الإعراب. وجملة: "لا أبا لك" اعتراضية لا محل لها من الإعراب.
الشاهد قوله: "ألوما واغترابا" فقد اشتملت هذه العبارة على مصدر واقع بعد همزة استفهام دالة على توبيخ، والعامل في هذا المصدر محذوف وجوبا.
1 محمد: 4.
مجازا، كقوله "من البسيط":
425-
"ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت"
…
فإنما هي إقبال وإدبار
أي: ذات إقبال وإدبار.
295-
ومنه ما يدعونه مؤكدا
…
لنفسه أو غيره فالمبتدا
296-
نحو "له على ألف عرفا"
…
والثان كـ"ابني أنت حقا صرفا"
"ومنه" أي: ومن الواجب حذف عامله "ما يدعونه مؤكدا" وهو إما مؤكد "لنفسه أو
425- التخريج: البيت للخنساء في ديوانها ص383؛ والأشباه والنظائر 1/ 198؛ وخزانة الأدب 1/ 431، 2/ 34؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 282؛ والشعر والشعراء 1/ 354؛ والكتاب 1/ 337؛ ولسان العرب 7/ 305 "رهط"، 11/ 538 "قبل"، 14/ 410 "سوا"؛ والمقتضب 4/ 305؛ والمنصف 1/ 197؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 2/ 387، 4/ 68؛ وشرح المفصل 1/ 115؛ والمحتسب 2/ 43.
اللغة: ترتع: ترعى. ادكرت. تذكرت. الإقبال: ضد الإدبار.
المعنى: يقول: إن هذه الناقة ترعى ما دامت ناسية ولدها، فإذا تذكرته أصابتها رعدة واضطراب، فتقبل وتدبر لا يقر لها قرار.
الإعراب: ترتع: فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي
…
". ما: حرف مصدري. رتعت: فعل ماض، و"التاء": للتأنيث. حتى: حرف ابتداء وغاية. إذا: ظرف زمان يتضمن معنى الشرط، متعلق بجوابه. ادكرت: فعل ماض، و"التاء": للتأنيث، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره: "هي". فإنما: "الفاء": رابطة لجواب الشرط، "إنما": أداة حصر. هي: ضمير منفصل مبني في محل رفع مبتدأ. إقبال: خبر المبتدأ مرفوع بالضمة. وإدبار: "الواو": حرف عطف، و"إدبار": معطوف على "إقبال" مرفوع بالضمة.
وجملة: "ترتع": ابتدائية لا محل لها من الإعراب. والمصدر المؤول من "ما" وما بعدها في محل جر بإضافة اسم الزمان إليها، تقديره:"ترتع مدة رتعها". وجملة "ادكرت": في محل جر بالإضافة. وجملة "إنما هي
…
": جواب شرط غير جازم لا محل لها من الإعراب.
الشاهد: قوله: "هي إقبال وإدبار" حيث أخبر عن اسم العين وهو الضمير العائد إلى الناقة باسم المعنى "الإقبال" و"الإدبار". وللعلماء في هذا الشاهد ثلاثة تخريجات:
1-
أن يكون الكلام على تقدير مضاف محذوف، والأصل: فإنما هي ذات إقبال وذات إدبار.
2-
أن يكون الكلام على تأويل المصدر بالمشتق، فكأنها قالت: فإنما هي مقبلة مدبرة.
3-
أن يجعل الكلام من قبيل المبالغة أي أن الشاعرة رأت أن المحدث عنه قد بلغ في هذا الوصف مبلغا لا يؤدي المشتق مقداره، فجعلته هو نفس المعنى.
غيره؛ فالمبتدا" من النوعين -وهو المؤكد لنفسه- هو الواقع بعد جملة هي نص في معناه، وسمي بذلك لأنه بمنزلة إعادة الجملة؛ فكأنه نفسها "نحو: له علي ألف عرفا"، أي: اعترافا، ألا ترى أن "له علي ألف" هو نفس الاعتراف "والثان" -وهو المؤكد لغيره- هو الواقع بعد جملة تحتمل غيره فتصير به نصا، وسمي بذلك لأنه أثر في الجملة، فكأنه غيرها؛ لأن المؤثر غير المؤثر فيه "كابني أنت حقا صرفا" فـ"حقا": رفع ما احتمله "أنت ابني" من إرادة المجاز.
297-
كذاك ذو التشبيه بعد جمله
…
كـ"لي بكا بكاء ذات عضله"
و"كذاك" مما يلتزم إضمار ناصبه المصدر المشعر بالحدوث "ذو التشبيه بعد جمله" حاوية معناه وفاعله غير صالح ما اشتملت عليه للعمل فيه "كلي بكا بكاء ذات عضله" أي: ممنوعة من النكاح، و"لزيد ضرب ضرب الملوك"، و"له صوت صوت حمار"؛ فالمنصوب في هذه الأمثلة قد استوفى الشروط السبعة، بخلاف ما في نحو:"لزيد يد يد أسد"؛ لعدم كونه مصدرا، ونحو:"له علم علم الحكماء"؛ لعدم الإشعار بالحدوث، ونحو:"له صوت صوت حسن"؛ لعدم التشبيه، ونحو:"صوت زيد صوت حمار"؛ لعدم تقدم جملة، ونحو:"له ضرب صوت حمار"؛ لعدم احتواء الجملة قبله على معناه، ونحو:"عليه نوح نوح الحمام"؛ لعدم احتوائها على صاحبه؛ فيجب رفعه في هذه الأمثلة ونحوها؛ وقد ينتصب في هذا الأخير، لكن على الحال.
وبخلاف ما في نحو: "أنا أبكي بكاء ذات عضلة"، و"زيد يضرب ضرب الملوك"، حيث يتعين كون نصبه بالعامل المذكور في الجملة قبله، لا بمحذوف؛ لصلاحية المذكور للعمل فيه.
وإنما لم يصلح المشتملة عليه الجملة -في نحو: "لي بكا"، و"لزيد ضرب"- للعمل؛ لأن شرط إعمال المصدر أن يكون بدلا من الفعل، أو مقدرا بالحرف المصدري والفعل، وهذا ليس واحدا منهما.
تنبيه: مثل "له صوت صوت حمار" قوله "من الكامل":
426-
ما إن يمس الأرض إلا منكب
…
منه وحرف الساق طي المحمل
لأن ما قبله بمنزلة "له طي"؛ قاله سيبويه:
خاتمة: المصدر الآتي بدلا من اللفظ بفعله على ضربين:
الأول: ما له فعل، وهو ما مر.
والثاني: ما لا فعل له أصلا، كـ"بله"؛ إذا استعمل مضافا، كقوله "من الكامل":
427-
تذر الجماجم ضاحيا هاماتها
…
بله الأكف كأنها لم تخلق
426- التخريج: البيت لأبي كبير الهذلي في خزانة الأدب 8/ 194؛ وشرح أبيات سيبويه 1/ 324؛ وشرح أشعار الهذليين 3/ 1073؛ وشرح التصريح 1/ 334؛ وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص90؛ وشرح شواهد الإيضاح ص147؛ وشرح شواهد المغني 1/ 227؛ والشعر والشعراء 2/ 676؛ والكتاب 1/ 359؛ والمقاصد النحوية 3/ 54؛ وللهذلي في الخصائص 2/ 309؛ وبلا نسبة في الأشباه والنظائر 1/ 246؛ والإنصاف 1/ 230؛ والمقتضب 3/ 203، 232.
شرح المفردات: المنكب: مجتمع رأس الكتف والعضد. المحمل: حمالة السيف.
المعنى: يقول: إن ذلك الفتى لضمور بطنه، وضعف جسمه، إذا اضطجع على الأرض لا يمسها منه إلا المنكب وطرف الساق.
الإعراب: "ما": حرف نفي. "إن": زائدة. "يمس": فعل مضارع مرفوع. "الأرض": مفعول به منصوب. "إلا": أداة حصر. "منكب": فاعل مرفوع. "منه": جار ومجرور متعلقان بمحذوف نعت "منكب". "وحرف": الواو حرف عطف، "حرف": اسم معطوف على "منكب" مرفوع، وهو مضاف. "الساق": مضاف إليه مجرور. "طي": مفعول مطلق منصوب، وهو مضاف. "المحمل": مضاف إليه مجرور. وقيل: "طي المحمل" مركب إضافي منصوب على أنه مصدر تشبيهي على ما قرره سيبويه، وذكره المؤلف عنه.
الشاهد: قوله: "طي المحمل" حيث نصب "طي" بفعل محذوف دل عليه السياق تقديره: "طوي طي".
427-
التخريج: البيت لكعب بن مالك في ديوانه ص245؛ وخزانة الأدب 6/ 211، 214؛ والدرر اللوامع 3/ 187؛ وشرح شواهد المغني ص353؛ ولسان العرب 13/ 478 "بله"؛ وبلا نسبة في أوضح المسالك 2/ 217؛ وتذكرة النحاة ص500؛ والجنى الداني ص425؛ وخزانة الأدب 6/ 232؛ وشرح التصريح 2/ 199؛ وشرح المفصل 4/ 48؛ ومغني اللبيب ص115؛ وهمع الهوامع 1/ 236.
اللغة والمعنى: تذر: تترك. الجماجم: ج الجمجمة، وهي عظم الرأس. ضاحيا: بارزا للشمس. هاماتها: رؤوسها. بله: مصدر معناه "الترك"، أو اسم فعل بمعنى "اترك". =
في رواية خفض "الأكف" فبله حينئذ: منصوب نصب "ضرب الرقاب"، والعامل فيه فعل من معناه، وهو "اترك"؛ لأن "بله الشيء" بمعنى: ترك الشيء؛ فهو على حد النصب في نحو: "شنئته بغضا"، و"أحببته مقة".
ويجوز أن ينصب ما بعد "بله"؛ فيكون اسم فعل بمعنى: "اترك"، وهي إحدى الروايتين في البيت، وسيأتي في بابه.
ومثل "بله" المضاف: ويله، وويحه، وويسه، وويبه، وهي كنايات عن الويل. وويل: كلمة تقال عند الشتم والتوبيخ، كثرت حتى صارت كالتعجب؛ يقولها الإنسان لمن يحب ولمن يبغض، ونصبها بتقدير: ألزمه الله، وهو قليل، ولذلك لم يتعرض له هنا.
= يقول: إن سيوفنا تقطع الرؤوس وتذروها على الأرض، فدع الأكف لأنها بالقطع أولى.
الإعراب: تذر: فعل مضارع مرفوع، والفاعل: هي. الجماجم: مفعول به منصوب. ضاحيا: حال منصوب. هاماتها: فاعل لاسم الفاعل "ضاحيا" مرفوع، وهو مضاف، و"ها": في محل جر بالإضافة. بله: مفعول مطلق لفعل محذوف والتقدير: اترك بله الأكف، و"بله" مضاف. الأكف: مضاف إليه مجرور. كأنها: حرف مشبه بالفعل، و"ها": اسمها. لم: حرف نفي وجزم وقلب. تخلق: فعل مضارع للمجهول مجزوم، وحرك بالكسر للضرورة الشعرية، ونائب الفاعل: هي.
وجملة "تذر الجماجم" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها ابتدائية، أو استئنافية. وجملة "بله الأكف" الفعلية لا محل لها من الإعراب لأنها استئنافية. وجملة "كأنها لم تخلق" الاسمية في محل نصب حال. وجملة "لم تخلق" الفعلية في محل رفع خبر "كان".
والشاهد فيه قوله: "بله الأكف"، حيث جاء "بله" مصدرا منصوبا بفعل من معناه، وللبيت رواية أخرى هي بنصب "الأكف"، فيكون إعراب "بله": اسم فعل أمر بمعنى "اترك" والفاعل
…
أنت، و"الأكف" مفعول به منصوب بالفتحة.