المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا: - شرح الأشمونى لألفية ابن مالك - جـ ١

[الأشموني، أبو الحسن]

الفصل: ‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا:

‌المفعول فيه وهو المسمى ظرفا:

"تعريف الظرف":

وتقديمه على المفعول معه لقربه من المفعول المطلق؛ بكونه مستلزما له في الواقع؛ إذ لا يخلو الحدث عن زمان ومكان؛ ولأن العامل يصل إليه بنفسه، لا بواسطة حرف ملفوظ، بخلافه.

303-

الظرف وقت أو مكان ضمنا

"في" باطراد كهنا امكث أزمنا

"الظرف" لغة الوعاء، واصطلاحا "وقت أو مكان"، أي: اسم وقت أو اسم مكان "ضمنا" معنى "في" دون لفظها "باطراد كهنا امكث أزمنا" فـ"هنا": اسم مكان، و"أزمنا": اسم زمان، وهما مضمنان معنى "في"؛ لأنهما مذكوران للواقع فيهما، وهو المكث.

والاحتراز بقيد "ضمنا في"، من نحو:{يَخَافُونَ يَوْمًا} 1، ونحو:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 2؛ فإنهما ليسا على معنى "في"، فانتصابهما على المفعول به، وناصب "حيث" يعلم محذوفا؛ لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به إجماعا.

و"بمعنى في دون لفظها"، من نحو؛ "سرت في يوم الجمعة"، و"جلست في مكانك"؛ فإنه لا يسمى ظرفا في الاصطلاح، على الأرجح.

1 النور: 37.

2 الأنعام: 124.

ص: 485

و"باطراد" من نحو: "دخلت البيت"، و"سكنت الدار"؛ مما انتصب بالواقع فيه، وهو اسم مكان مختص؛ فإنه غير ظرف؛ إذ لا يطرد نصبه مع سائر الأفعال، فلا يقال:"نمت البيت"، ولا "قرأت الدار"؛ فانتصابه على المفعول به بعد التوسع بإسقاط الخافض؛ هذا مذهب الفارسي والناظم، ونسبه لسيبويه، وقيل: منصوب على المفعول به حقيقة، وإن نحو:"دخل" متعد بنفسه، وهو مذهب الأخفش، وقيل: على الظرفية تشبيها له بالمبهم، ونسبه الشلوبين إلى الجمهور؛ وعلى هذين لا يحتاج إلى قيد "باطراد"؛ وعلى الأول يحتاج إليه خلافا للشارح.

تنبيهان: الأول: تضمن الاسم معنى الحرف على نوعين: "الأول" يقتضي البناء، وهو أن يخلف الاسم الحرف على معناه ويطرح غير منظور إليه، كما سبق في تضمن "متى" معنى الهمزة وإن الشرطية، "والثاني" لا يقتضي البناء، وهو أن يكون الحرف منظورا إليه؛ لكون الأصل في الوضع ظهوره، وهذا الباب من هذا الثاني.

الثاني: الألف في "ضمنا" يجوز أن تكون للإطلاق، وأن تكون ضمير التثنية، بناء على أن "أو" على بابها، وهو الأظهر، أو بمعنى الواو، وهو الأحسن؛ لأن كل واحد منهما ظرف، لا أحدهما، اهـ.

"الناصب للظرف":

304-

فانصبه بالواقع فيه مظهرا

كان وإلا فانوه مقدرا

"فانصبه بالواقع فيه" من فعل وشبهه "مظهرا كان" الواقع فيه، نحو:"جلست يوم الجمعة أمامك"، و"أنا سائر غدا خلف الركب" "وإلا" أي: وإن لم يكن ظاهرا، بل كان محذوفا من اللفظ: جوازا، أو وجوبا "فانوه مقدرا".

فالجواز نحو: "يوم الجمعة"، لمن قال:"متى قدمت؟ " و"فرسخين"، لمن قال:"كم سرت؟ ".

الوجوب فيما إذا وقع خبرا، نحو:"زيد عندك"، أو صلة، نحو:"رأيت الذي معك"، أو حالا، نحو:"رأيت الهلال بين السحاب"، أو صفة، نحو: "رأيت طائرا فوق

ص: 486

غصن"، أو مشتغلا عنه، نحو: "يوم الجمعة سرت فيه"، أو مسموعا بالحذف لا غير كقولهم: "حينئذ الآن"، أي: كان ذلك حينئذ واسمع الآن.

تنبيهان: الأول: العامل المقدر في هذه المواضع، سوى الصلة، استقر أو مستقر، وأما الصلة فيتعين فيها تقدير: استقر؛ لأن الصلة لا تكونن إلا جملة، كما عرفت.

الثاني: الضمير في "فانصبه" للظرف، وهو اسم الزمان أو المكان، وفي "فيه" لمدلوله، وهو نفس الزمان أو المكان؛ وأراد بالواقع دليله من فعل وشبهه؛ لأن الواقع هو نفس الحدث، وليس هو الناصب، والأصل فانصبه بدليل الواقع في مدلوله، فتوسع بحذف المضاف من الأول والثاني؛ لوضوح المقام. انتهى.

305-

وكل وقت قابل ذاك وما

يقبله المكان إلا مبهما

306-

نحو الجهات والمقادير وما

صيغ من الفعل كمرمى من رمى

"وكل" اسم "وقت قابل ذاك" النصب على الظرفية، مبهما كان أو مختصا.

والمراد بالمبهم ما دل على زمن غير مقدر، كحين ومدة ووقت؛ تقول:"سرت حينا، ومدة ووقتا".

وبالمختص ما دل على مقدر: معلوما كان، وهو المعرف بالعلمية؛ كـ"صمت رمضان"، و"اعتكفت يوم الجمعة"، أو بـ"أل"، كـ"سرت اليوم"، و"أقمت العام"، أو بالإضافة، كـ"جئت زمان الشتاء، ويوم قدوم زيد"؛ أو معلوم؛ وهو النكرة، نحو:"سرت يوما، أو يومين، أو أسبوعا، أو وقتا طويلا".

"وما يقبله المكان إلا" في حالتين:

الأولى: أن يكون "مبهما" لا مختصا؛ والمراد هنا بالمختص ما له صورة وحدود محصورة، نحو: الدار، والمسجد، والبلد، وبالمبهم ما ليس كذلك "نحو الجهات" الست، وهي: أمام، ووراء، ويمين، وشمال، وفوق، وتحت، وما أشبهها في الشياع؛ كناحية،

ص: 487

ومكان، وجانب "و" نحو:"المقادير" كفرسخ، وبريد، وغلوة، تقول:"جلست أمامك، وناحية المسجد، وسرت فرسخا".

"و" الثانية "ما صيغ من" مادة "الفعل" العامل فيه "كمرمى من" مادة "رمى" تقول: "رميت مرمى زيد"، و"ذهبت مذهب عمرو"، و"قعدت مقعد بكر"؛ ومنه:{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} 1.

307-

وشرط كون ذا مقيسا أن يقع

ظرفا لما في أصله معه اجتمع

"وشرط كون ذا" المصوغ من مادة الفعل "مقيسا أن يقع ظرفا لما في أصله معه اجتمع" أي: لما اجتمع معه في أصل مادته، كما مثل؛ وأما قولهم:"هو مني مزجر الكلب، ومناط الثريا"2، و"عمرو مني مقعد القابلة، ومعقد الإزار"3، ونحوه: فشاذ؛ إذ التقدير هو مني مستقر في مزجر الكلب، فعامله الاستقرار، وليس مما اجتمع معه في أصله، ولو أعمل في المزجر زجر، وفي المناط ناط، وفي المقعد قعد؛ لم يكن شاذا.

تنبيهان: الأول: ظاهر كلامه أن هذا النوع من قبيل المبهم، وظاهر كلامه في شرح الكافية أنه من المختص، وهو ما نصه عليه غيره، وأما النوع الذي قابله فظاهر كلام الفارسي أنه من المبهم، كما هو ظاهر كلام الناظم، وصححه بعضهم؛ وقال الشلوبين: ليس داخلا تحت المبهم، وصحح بعضهم أنه شبيه بالمبهم، لا مبهم.

الثاني: إنما استأثرت أسماء الزمان بصلاحية المبهم منها والمختص للظرفية عن أسماء المكان لأن أصل العوامل الفعل ودلالته على الزمان أقوى من دلالته على المكان؛ لأنه يدل على الزمان بصيغته وبالالتزام، ويدل على المكان بالالتزام فقط؛ فلم يتعد إلى كل أسمائه، بل يتعدى إلى المبهم منها؛ لأن في الفعل دلالة عليه في الجملة، وإلى المختص الذي صيغ من مادة العامل؛ لقوة الدلالة عليه حينئذ. اهـ.

1 الجن: 9.

2 فلان بمزجر الكلب: يعني أنه بعيد من مجلس الناس، أو لئيم، وفلان مني مناط الثريا: شديد البعد. "انظر ثمار القلوب ص395؛ ولسان العرب 7/ 421 "نوط".

3 أي: قريب.

ص: 488

"الظرف المتصرف وغير المتصرف":

308-

وما يرى ظرفا وغير ظرف

فذاك ذو تصرف في العرف

309-

وغير ذي التصرف الذي لزم

ظرفية أو شبهها من الكلم

"وما يرى" من أسماء الزمان أو المكان "ظرفا" تارة "وغير ظرف" أخرى "فذاك ذو تصرف في العرف" النحوي؛ كيوم، ومكان، تقول:"سرت يوم الجمعة"، و"جلست مكانك"؛ فهما ظرفان، وتقول:"اليوم مبارك"، و"مكانك طاهر"، و"أعجبني اليوم ومكانك"، و"شهدت يوم الجمل"، و"أحببت مكان زيد"؛ فهما في ذلك غير ظرفين؛ لوقوع كل منهما في الأول مبتدأ، وفي الثاني فاعلا، وفي الثالث مفعولا به، وكذا ما أشبهها.

"وغير ذي التصرف" منهما هو "الذي لزم ظرفية أو شبهها من الكلم" أي: غير المتصرف -وهو الملازم للظرفية- على نوعين:

ما لا يخرج عنها أصلا، كقط وعوض، تقول:"ما فعلته قط"، و"لا أفعله عوض".

وما يخرج عنها إلى شبهها، وهو الجر بالحرف، نحو: قبل وبعد ولدن وعند.

فيقضي عليهن بعدم التصرف مع أن "من" تدخل عليهن؛ إذ لم يخرجن عن الظرفية إلا إلى ما يشبهها؛ لأن الظرف والجار والمجرور سيان في التعلق بالاستقرار والوقوع خبرا وصلة وحالا وصفة.

ثم الظرف المتصرف منه منصرف، نحو: يوم وشهر وحول، ومنه غير منصرف، وهو غدوة وبكرة، علمين لهذين الوقتين: قصد بهما التعيين، أو لم يقصد. قال في شرح التسهيل: ولا ثالث لهما، لكن زاد في شرح الجمل لابن عصفور "ضحوة" فقال: إنها لا تنصرف للتأنيث والتعريف.

والظرف غير المتصرف منه منصرف وغير منصرف، فالمنصرف نحو: سحر وليل ونهار وعشاء وعتمة ومساء وعشية، غير مقصود بها كلها التعيين، وغير المنصرف نحو: سحر مقصودا به التعيين؛ ومن العرب من لا يصرف عشية في التعيين.

ص: 489

"نيابة المصدر عن الظرف":

310-

وقد ينوب عن مكان مصدر

وذاك في ظرف الزمان يكثر

"وقد ينوب عن" ظرف "مكان مصدر" فينتصب انتصابه، نحو:"جلست قرب زيد"، أي: مكان قربه؛ ولا يقاس على ذلك؛ لقلته، فلا يقال:"آتيك جلوس زيد"، تريد مكان جلوسه. "وذاك في ظرف الزمان يكثر" فيقاس عليه؛ وشرطه إفهام تعيين وقت أو مقدار، نحو:"كان ذلك خفوق النجم، وطلوع الشمس"، و"انتظرته نحر جزور، وحلب ناقة"؛ والأصل وقت خفوق النجم، ووقت طلوع الشمس، ومقدار نحر جزور، ومقدار حلب ناقة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

تنبيه: قد يحذف أيضا المصدر الذي كان الزمان مضافا إليه؛ فينوب ما كان هذا المصدر مضافا إليه: من اسم عين، نحو:"لا أكلمه القارظين"1، و"لا آتيه الفرقدين"2، والأصل مدة غيبة القارظين، ومدة بقاء الفرقدين. اهـ.

خاتمة: مما ينوب عن الظرف أيضا: صفته، وعدده، وكليته أو جزئيته، نحو:"جلست طويلا من الدهر شرقي مكان"، و"سرت عشرين يوما ثلاثين بريدا"، و"مشيت جميع اليوم جميع البريد، أو كل اليوم كل البريد، ونصف اليوم نصف البريد، أو بعض اليوم بعض البريد".

1 أي: لا أكلمه أبدا. والقارظان: رجلان غادران حييهما لجني القرظ، فلم يعودا.

2 أي: لا آتيه أبدا. والفرقدان: نجمان في السماء لا يغربان. وقيل: هما كوكبان في بنات نعش الصغرى.

ص: 490