المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القسم الثاني: شرح الأشموني على ألفية بن مالك المسمى" منهج - شرح الأشمونى لألفية ابن مالك - جـ ١

[الأشموني، أبو الحسن]

الفصل: ‌ ‌القسم الثاني: شرح الأشموني على ألفية بن مالك المسمى" منهج

‌القسم الثاني: شرح الأشموني على ألفية بن مالك المسمى" منهج المسالك إلى ألفية بن مالك

"

‌مدخل

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد حمد الله على ما منح من أسباب البيان، وفتح من أبواب التبيان، والصلاة والسلام على من رفع بماضي العزم قواعد الإيمان، وخفض بعامل الجزم كلمة البهتان، مُحَمَّدٍ المنتخب من خلاصة معد ولباب عدنان، وعلى آله وأصحابه الذين أحرزوا قصبات السبق في مضمار الإحسان، وأبرزوا ضمير القصة والشان، بسنان اللسان ولسان السنان، فهذا شرح لطيف بديع على ألفية ابن مالك، مهذب المقاصد واضح المسالك، يمتزج بها امتزاج الروح بالجسد، ويحل منها محل الشجاعة من الأسد، تجد نشر التحقيق من أدراج عباراته يعبق، وبدر التدقيق من أبراج إشاراته يشرق، خلا من الإفراط الممل، وعلا عن التفريط المخل، وكان بين ذلك قوامًا، وقد لقبته بـ"منهج المسالك، إلى ألفية ابن مالك"، ولم آل جهدا في تنقيحه وتهذيبه، وتوضيحه وتقريبه. والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به من تلقاه بقلب سليم، إنه قريب مجيب، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وإليه أنيب.

ص: 15

"شرح مقدمة الألفية":

"بسم الله الرحمن الرحيم"

1-

قالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابن مالك

أحمد ربي الله خير مالك

هو الإمام، العلامة أبو عبد الله، جمال الدين بن عبد الله "ابْنُ مالِك" الطائي نسبا، الشافعي مذهبا، الجياني منشأ، الأندلسي إقليما، الدمشقي دارا ووفاة لاثنتي عشرة ليلة خلت من شعبان عام اثنين وسبعين وستمائة، وهو ابن خمس وسبعين سنة "أَحْمَدُ رَبي اللَّهَ خَيْرَ مَالِك" أي: أثني عليه الثناء الجميل، اللائق بجلال عظمته، وجزيل نعمته التي هذا النظم من آثارها، واختار صيغة المضارع المثبت لما فيها من الإشعار بالاستمرار التجددي وقصد بذلك الموافقة بين الحمد والمحمود عليه، أي: كما أن آلاءه تعالى لا تزال تتجدد في حقنا دائما كذلك نحمده بمحامد لا تزال تتجدد، وأيضا فهو رجوع إلى الأصل؛ إذ أصل "الحمد لله": أحمد أو حمدت حمد الله؛ فحذف الفعل اكتفاء بدلالة مصدره عليه، ثم عدل إلى الرفع لقصد الدلالة على الدوام والثبوت، ثم أدخلت عليه "أل" لقصد الاستغراق.

و"الرب" المالك. و"الله" علم على الذات الواجب الوجود -أي: لذاته- المستحق لجميع المحامد، ولم يسم به سواه، قال تعالى:{هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} 1 أي: هل تعلم أحدا تسمى الله غير الله، وهو عربي عند الأكثر، وعند المحققين أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكر في القرآن، في ألفين وثلثمائة وستين موضعا، واختار الإمام النووي تبعا لجماعة أنه الحي القيوم، قال: ولهذا لم يذكر في القرآن إلا في ثلاثة مواضع: في البقرة، وآل عمران، وطه. والله أعلم.

تنبيه: أوقع الماضي موقع المستقبل تنزيلا لمقوله منزلة ما حصل: إما اكتفاء

1 مريم: 65.

ص: 17

بالحصول الذهني، أو نظرًا إلى ما قوي عنده من تحقق الحصول وقربه، نحو:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ} 1.

وجملة "هو ابن مالك" معترضة بين "قال" ومقوله، لا محل لها من الإعراب، ولفظ "رب" نصب تقديرًا على المفعولية، والياء في موضع الجر بالإضافة، والله نصب بدل من "رب" أو بيان، و"خير" نصب أيضًا بدل أو حال على حد:"دعوت الله سميعًا" وموضع الجملة نصب مفعول لقال، ولفظها خبر، ومعناها الإنشاء، أي: أُنشئ الحمد.

2-

مصليا على النبي المصطفى

وآله المستكملين الشرفا

"مُصَلِّيًا" أي: طالبًا من الله صلاته، أي: رحمته "عَلَى النَّبيِّ" -بتشديد الياء- من النبوة-أي: لأنه مخبر عن الله تعالى، فعلى الأول هو فعيل بمعنى مفعول، وعلى الثاني بمعنى فاعل. و"مصليًا" حال من فاعل "أحمد" منوية لاشتغال مورد الصلاة بالحمد، أي: ناويًا الصلاة على النبي "الْمُصْطَفَى" مفتعل من الصفوة، وهو: الخلوص من الكدر، قلبت تاؤه طاء لمجاورة الصاد، ولامه ألفًا لانفتاح ما قبلها؛ ومعناه المختار "وَآلِهِ" أي: أقاربه من بني هاشم والمطلب "الْمُسْتَكْمِلِينَ" باتباعه "الشَّرَفَا" أي: العلو.

"لفظة آل":

تنبيه: أصل "آل": أهل: قلبت الهاء همزة، كما قلبت الهمزة هاء في "هراق" الأصل "أراق" ثم قلبت الهمزة ألفًا لسكونها وانفتاح ما قبلها، كما في "آدم"، و"آمن" هذا مذهب سيبويه. وقال الكسائي: أصله "أول" كجمل، من آل يؤول: تحركت الواو وانفتح ما قبلها قلبت ألفًا. وقد صغروه على "أهيل" وهو يشهد للأول، وعلى "أويل" وهو يشهد للثاني: ولا يضاف إلا إلى ذي شرف، بخلاف "أهل"، فلا يقال "آل الإسكاف" ولا ينتقض بـ"آل فرعون" فإن له شرفًا باعتبار الدنيا، واختلف في جواز إضافته إلى المضمر: فمنعه الكسائي والنحاس، وزعم أبو بكر الزبيدي، أنه من لحن العوام، والصحيح جوازه. قال عبد المطلب "من مجزوء الكامل":

1-

وانصر على آل الصليـ

ـب وعابديه اليوم آلك

1 النحل: 1.

1-

التخريج: البيت لعبد المطلب بن هشام في الأشباه والنظائر 2/ 207؛ والدرر 5/ 31؛ وبلا نسبة في الممتع في التصريف 1/ 349؛ وهمع الهوامع 2/ 50.

اللغة: انصر: ساعد. آل: أتباع، أصحاب. وآل الصليب: أي: المسيحيون. آلك: أتباعك. =

ص: 18

وفي الحديث: "اللهم صل على محمد وآله".

3-

وأستعين الله في ألفيه

مقاصد النحو بها محويه

"وَأَسْتَعِينُ اللَّهَ فِي" نظم قصيدة "أَلْفِيَّه" أي: عدة أبياتها ألف أو ألفان، بناء على أنها من كامل الرجز أو مشطوره، ومحل هذه الجملة أيضًا نصب عطفًا على جملة "أحمد". والظاهر أن "في" بمعنى على، لأن الاستعانة وما تصرف منها إنما جاءت متعدية بـ"على"، قال تعالى:{وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ} {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} 2 أو أنه ضمن "أستعين" معنى "أستخير" ونحوه مما يتعدى بـ"في"، أي: وأستخير الله في ألفية "مَقَاصِدُ النَّحْوِ" أي: أغراضه وجل مهماته "بهَا" أي: فيها "مَحْويَّهْ" أي: محوزة.

"تعريف علم النحو":

تنبيه: النحو في الاصطلاح هو: العلم لمستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها، قاله صاحب المقرب. فعلم أن المراد هنا بالنحو ما يرادف قولنا:"علم العربية" لا قسيم الصرف. وهو مصدر أريد به اسم المفعول أي: المنحو، كالخلق بمعنى المخلوق. وخصته غلبة الاستعمال بهذا العلم، وإن كان كل علم منحوًا، أي: مقصودًا، كما خصت الفقه بعلم الأحكام الشرعية الفرعية وإن كان كل علم فقهًا، أي: مفقوهًا، أي: مفهومًا. وجاء في اللغة لمعان خمسة: القصد، يقال: نحوت نحوك، أي: قصدت قصدك، والمثل، نحو: مررت برجل نحوك، أي:

= المعنى: يطلب الشاعر من ربه أن يحمي المسلمين من أعدائهم.

الإعراب: وانصر: "الواو": حرف عطف، "انصر": فعل أمر مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره:"أنت". على آل: جار ومجرور متعلقان بـ"انصر"، وهو مضاف. الصليب: مضاف إليه مجرور بالكسرة. وعابديه: "الواو": حرف عطف، "عابديه": معطوفة على "آل" مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم، وهو مضاف، و"الهاء": ضمير متصل في محل جر بالإضافة. اليوم: ظرف زمان منصوب متعلق بـ"انصر". آلك: مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف، و"الكاف": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة.

وجملة "انصر

": معطوفة على جملة سابقة.

الشاهد: فيه قوله: "آلك" حيث أضاف كلمة "آل" إلى الضمير، وهذا جائز.

1 الفرقان: 4.

2 يوسف: 18.

ص: 19

مثلك، والجهة، نحو: توجهت نحو البيت، أي: جهة البيت، والمقدار، نحو: له عندي نحو ألف، أي: مقدار ألف، والقسم، نحو: هذا على أربعة أنحاء أي: أقسام، وسبب تسمية هذا العلم بذلك ما روي أن عليًا رضي الله تعالى عنه لما أشار على أبي الأسود الدؤلي أن يضعه وعلمه الاسم والفعل والحرف وشيئًا من الإعراب قال:"انح هذا النحو يا أبا الأسود".

4-

تقرب الأقصى بلفظ موجز

وتبسط البذل بوعد منجز

"تُقَرِّبُ" هذه الألفية للأفهام "الأَقْصَى" أي: الأبعد من المعاني "بِلَفْظٍ مُوجَزِ" الباء بمعنى مع، أي: تفعل ذلك مع وجازة اللفظ، أي: اختصاره "وَتَبْسُطُ" أي: توسع "الْبَذْلَ" -بالمعجمة- أي: العطاء، وهو إشارة إلى ما تمنحه لقارئها من كثرة الفوائد "بِوَعْدٍ مُنْجِزِ" أي: موفى سريعًا.

"الفرق بين "وعد" و"أوعد"":

تنبيه: قال الجوهري: أوعد -عند الإطلاق- يكون للشر، ووعد للخير، وأنشد "من الطويل":

2-

وإني وإن أوعدته أو وعدته

لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

2- التخريج: البيت لعامر بن الطفيل في ديوانه ص58؛ ولبعض الطائيين في الجنى الداني ص434؛ وبلا نسبة في الدرر 4/ 246؛ وهمع الهوامع 2/ 44.

اللغة: أوعد: هدد، وعد بالشر، وعده بالأمر: تعهد له بأن يبلغه إياه. أخلف الوعد: لم ينجز ما وعد به. أنجز: أتم.

المعنى: يعبر الشاعر عن مكارم أخلاقه فيقول: إنه إذا توعد أحدا شرا أخلف، وإذا وعده خيرا وفى بوعده.

الإعراب: وإني: "الواو": بحسب ما قبلها، "إني": حرف مشبه بالفعل، و"الياء": ضمير متصل في محل نصب اسم "إن". وإن: "الواو": حالية، "إن": حرف زائد. أوعدته: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به. أو: حرف عطف. وعدته: فعل ماض، و"التاء": ضمير في محل رفع فاعل، و"الهاء": ضمير في محل نصب مفعول به. لمخلف: "اللام": حرف توكيد، "مخلف": خبر "إن" مرفوع بالضمة. إيعادي: مفعول به لـ"مخلف" منصوب بالفتحة المقدرة على =

ص: 20

5-

وتقتضي رضا بغير سخط

فائقة ألفية ابن معط

"وَتَقْتَضِي" أي: تطلب، لما اشتملت عليه من المحاسن "رِضا" محضًا "بِغَيْرِ سُخْط" يشوبه "فَائِقَةً أَلْفِيَّةَ" الإمام العلامة أبي الحسن يحيى "ابْنِ مُعْط" بن عبد النور الزواوي الحنفي، الملقب زين الدين، سكن دمشق طويلًا، واشتغل عليه خلق كثير، ثم سافر إلى مصر وتصدر بالجامع العتيق لإقراء الأدب، إلى أن توفي بالقاهرة في سلخ ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وستمائة، ودفن من الغد على شفير الخندق، وبقرب تربة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، ومولده سنة أربع وستين وخمسمائة.

تنبيه: يجوز في "فائقة" النصب على الحال من فاعل "تقتضي"، والرفع خبرًا لمبتدأ محذوف، والجر نعتًا لألفية، على حد {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ} 1 في النعت بالمفرد بعد النعت بالجملة، والغالب العكس، وأوجبه بعضهم.

6-

وهو بسبق حائز تفضيلا

مستوجب ثنائي الجميلا

7-

والله يقضي بهبات وافره

لي وله في درجات الآخره

"وَهْوَ" أي: ابن معط "بِسَبْق" الباء للسببية، أي: بسبب سبقه إياي "حَائِزٌ تَفْضِيلا" علي "مُسْتَوْجِبٌ" علي "ثَنَائِيَ الجَمِيلا" عليه؛ لما يستحقه السلف من ثناء الخلف. و"ثنائي" مصدر مضاف إلى فاعله، وهو الياء، والجميل: إما صفة للمصدر، أو معمول له "وَاللَّهُ يَقْضِي" أي: يحكم "بهبَاتٍ" جمع هبة، وهي: العطية، أي: عطيات "وَافِرَهْ" أي: تامة "لِي

= ما قبل الياء، وهو مضاف، و"الياء": ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة. ومنجز موعدي: تعرب إعراب "مخلف إيعادي".

وجملة: "إني لمخلف" بحسب ما قبلها. وجملة: "إن أوعدته

" حالية. وجملة: "وعدته" معطوفة على جملة "أوعدته".

الشاهد: فيه مجيء "أوعد" عند إطلاقه للشر، ومجيء "وعد" عند إطلاقه للخير. فالشاعر يفتخر بنفسه، فيقول: إنه إذا توعد غيره أن ينزل به شرا خلف بوعده، وهذا الخلف محمدة، أما إذا وعده خيرا وفى بوعده.

1 الأنعام: 92، 155.

ص: 21

وَلَهُ فِي دَرَجَاتِ الآخِرَهْ" الدرجات: قال في الصحاح: هي الطبقات من المراتب، وقال أبو عبيدة: الدرج إلى أعلى، والدرك إلى أسفل، والمراد مراتب السعادة في الدار الآخرة، ولفظ الجملة خبر ومعناها الطلب.

تنبيه: وصف "هبات" وهو جمع بـ"وافرة" وهو مفرد لتأوله بجماعة، وإن كان الأفصح وافرات؛ لأن هبات جمع قلة، والأفصح في جمع القلة مما لا يعقل وفي جمع العاقل مطلقا المطابقة، نحو:"الأجذاع انكسرن، ومنكسرات، والهندات والهنود انطلقن، ومنطلقات" والأفصح في جمع الكثرة مما لا يعقل الإفراد نحو: "الجذوع انكسرت، ومنكسرة".

خاتمة: بدأ بنفسه لحديث "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعا بدأ بنفسه"، رواه أبو داود، وقال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام:{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} 1 وعن موسى عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي} 2، وكان الأحسن أن يقول رحمه الله تعالى:

والله يقضي بالرضا والرحمه

لي وله ولجميع الأمه

لما عرفت، ولأن التعميم مطلوب.

1 إبراهيم: 41؛ ونوح: 28.

2 الأعراف: 151.

ص: 22