الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعريف بصاحب الإِيضاح
رحمه الله تعالى
هو الإِمام العلامة شيخ الإِسلام أستاذ المتأخرين وحجة الله على اللاحقين والداعي إلى سبيل السالفين محرر مذهب الشافعي ومهذبه ومنقحه ومرتبه، فقيه المحدثين، ومحدِّث الفقهاء الحافظ أبو زكريا يحيى بن شرف بن موسى بن حسن بن حسين بن حزام بن محمد بن جمعة النووي الشافعي.
مولده رحمه الله تعالى:
ولد في العشر الأول من المحرم عام 631 أحد وثلاثين وستمائة ببلدة نوى (قرية من قرى دمشق بمرتفعات الجولان) وبها نشأ، وحفظ القرآن العظيم.
رحلته إلى دمشق لطلب العلم:
قال رحمه الله تعالى: فلما كان عمري تسع عشرة سنة قدم بي والدي في سنة تسع وأربعين وستمائة إلى دمشق فسكنت المدرسة الرواحية وبقيت نحو سنتين لا أضع جنبي بالأرض وأتقوَّت بجراية المدرسة لا غير، وحفظت التنبيه في نحو أربعة أشهر ونصف ثم حفظت ربع العبادات من المهذب في
باقي السنة، وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا الكمال إسحاق المغربي ولازمته فأعجب بي لما رأى من ملازمتي للاشتغال، وعدم اختلاطي بالناس وأحبني محبة شديدة، وجعلني معيد الدرس بحلقته لأكثر الجماعة. قال ابن العطار رحمه الله تعالى: ذكر الشيخ لي أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درساً على المشايخ شرحاً يعني في الدين وأصوله، والفقه وفصوله، والحديث ومصطلحه، واللغة والمنطق. قال: وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل وإيضاح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله لي في وقتي واشتغالي وأعانني عليه.
مشايخه رحمه الله تعالى:
أخذ عن إسحاق بن أحمد المغربي وعبد الرحمن بن نوح المقدسي، وعمر بن أسعد الإربلي، وخالد بن يوسف النابلسي، والضياء بن تمام الحنفي وأحمد بن سالم المصري، ومحمد بن عبد الله بن مالك الجَيّاني صاحب الألفية وعمر بن بندر التفليسي، وإبراهيم بن علي الواسطي، وأحمد بن عبد الدائم المقدسي، وإسماعيل بن أبي اليسر التنوخي، وعبد الرحمن بن سالم الأنباري، وعبد الرحمن بن محمد قُدامة المقدسي، وعبد العزيز بن محمد الأنصاري وغيرهم رحمهم الله تعالى.
تفننه في العلوم:
تفنن رحمه الله في أصناف من العلوم فقهاً، فكان المرجع والمعوَّل عليه في فقه الشافعي رحمه الله تعالى، ومتون أحاديث، وأسماء رجال، فجمع بين الرواية والدراية، فكان أول أهل زمانه معرفة، وحفظاً وإتقاناً وضبطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلماً بعِلله وصحيحه وأسانيده، فالنووي فقيه المحدِّثين،
ومحدِّث الفقهاء. بل صار علماً يشار إليه بالبنان في زمانه، ومرجعاً يعتمد عليه، غير منازَع ولا مدافَع رحمه الله تعالى.
توليته التدريس:
بعد أن اكتملت للنووي رحمه الله أدوات الحديث والفقه قام بتدريسهما في المدرسة الإِقبالية التي أنشاها جمال الدين إقبال سنة 603 هـ ثم قام بالتدريس في المدرسة الركنية التي أسسها ركن الدين منكورس، والمدرسة الخَلَفية التي أقامها خلف الدين سليمان، ثم ولي دار الحديث سنة 665 هـ فلم يأخذ من معلومها شيئاً حتى توفي رحمه الله تعالى.
تلاميذه رحمه الله تعالى:
أخذ عنه علاء الدين بن العطار، وأحمد بن إبراهيم بن مُصعَب، وأحمد بن محمد الجعفري، وأحمد بن فرح الإِشبيلي، والرشيد إسماعيل بن المعلِّم الحنفي، ومحمد بن أبي الفتح الحنبلي، وأحمد الضرير الواسطي، وسليمان بن عمر الدِّرعي، وعبد الرحمن بن محمد المقدسي، والبدر بن جماعة، ومحمد بن النقيب، ومحمد بن عبد الخالق الأنصاري، وهبة الله بن عبد الرحيم البارزي، ويوسف بن عبد الرحمن المِزِّيّ، وغيرهم رحمهم الله تعالى.
مناقبه رحمه الله تعالى:
ذكر والده أنه كان نائماً إلى جنبه وهو ابن سبع سنين، ليلة سبع وعشرين من رمضان، فانتبه نحو نصف الليل، وقال: يا أبت ما هذا الضوء الذي ملأ الدار، قال: فاستيقظنا، ولم نرَ كلنا شيئاً، فعرفت أنها ليلة القدر.
وقال العارف الأستاذ ياسين بن يوسف الزركشي: رأيت الشيخ وهو ابن عشر
سنين بنوى والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي حبه، ووضعه أبوه في مكان فكان لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يقرئه القرآن فوصيته به خيراً، وقلت: هذا الصبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: منجم أنت؟! قلت: لا وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده فحرص عليه إلى أن ختم القرآن، وقد ناهز الاحتلام.
كراماته رحِمه الله تعالى:
منها أنها أضاءت أصبعه له بإذن الله تعالى لما فقد وقت التصنيف ما يُسرِجه عليه.
شمائله رحمه الله تعالى:
كان على جانب عظيم من الورع والزهد، قال الذهبي رحمه الله تعالى: كان عديم الميرة والرفاهية والتنعم مع التقوى والقناعة والورع والمراقبة لله تعالى في السر والعلانية، وترك رعونات النفس من ثياب حسنة ومأكل طيب، وتجمل في هيئة، بل طعامه جِلْف (1) الخبز بأيسر إدام، ولباسه ثوب خام، وسختِيانية (2) لطيفة. وكان لا يأكل من فاكهة دمشق لما في ضياعها (3) من الحيلة والشبهة، وكان يتقوت مما يأتي من بلده من عند والديه، ولا يأكل إلا
(1) الجلف: الجاف الشديد.
(2)
السختيانية: جبة تلبس فوق الثوب.
(3)
الضياع: جمع ضيعة بفتح الضاد وسكون الياء وهي الحديقة، أو القطعة المزروعة من الأرض.
أكلة واحدة في اليوم والليلة بعد العشاء الآخرة، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، ولم يتزوج، وكان كثير السهر في العبادة والتصنيف، ولذا قال ابن السبكي رحمهما الله تعالى: إنه كان سيداً حصوراً وزهداً، لم يبال بخراب الدنيا، إذا صير دينه ربعاً معموراً له الزهد والقناعة، ومتابعة السالفين من أهل السنّة والجماعة، والمصابرة على أنواع الخير، لا يصرف ساعة في غير طاعة.
كانت عليه سكينة ووقار في البحث مع العلماء وفي غيره، وكان آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، يواجه بهما المملوك والأمراء، ويكتب إليهم الرسائل ناصحاً بالعدل فى الرعية، وإبطال المكوس (1)، وردّ الحقوق إلى أربابها. قال أبو العباس بن فرج رحمه الله تعالى: كان الشيخ قد صارت إليه ثلاث مراتب، كل مرتبة منها لو كانت لشخص شُدت إليه الرحال. المرتبة الأولى: العلم، الثانية: الزهد، الثالثة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: إنه قام على الظاهر في دار العدل في قضية الغوطة لما أراد وضع الأملاك على بساتينها فردّ عليهم ذلك، ووقى الله شرها بعد أن غضب السلطان، وأراد البطش به، ثم بعد ذلك أحبه وعظمه، حتى كان يقول: أنا أفزع منه.
وفاته رحمه الله تعالى:
سافر في آخر عمره إلى بلده نوى بعدما حج وزار القدس ووصل الخليل فمرض بها عند والديه وتوفي ليلة الأربعاء لست بقين من رجب سنة 676 هـ ست وسبعين وستمائة، ولما بلغ نعيه إلى دمشق أسف عليه
(1) المكوس: بضم الميم جمع مَكس وهو ما يفرضه الحاكم من الإتاوة عن السلع التي تباع أو تجلب وغير ذلك.
المسلمون أسفاً شديداً، وتوجه قاضي القضاة عز الدين محمد بن الصائغ وجماعة من أصحابه إلى نوى للصلاة عليه ورثاه جماعة كثيرون، فرحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
مصنفاته رحمه الله تعالى:
شرح مسلم، ورياض الصالحين، والأذكار، والأربعون النووية وشرحها، وتهذيب الأسماء واللغات، وطبقات الفقهاء، والتبيان، والمناسك الصغرى، والكبرى، والمنهاج، ودقائقه، والفتاوى، وتصنيف في الاستسقاء، وتصنيف في استحباب القيام لأهل الفضل ونحوهم، وتصنيف في قسمة الغنائم، وتصحيح التنبيه، والنكت عليه، والإيجاز، والإرشاد، والتقريب، والمبهمات، ومناقب الشافعي، وخلاصة الإِحكام في مهمات الأحكام، وبستان العارفين، وجامع السنة، وروضة الطالبين التي عليها المعوّل في الترجيح وبقولها المقول في التصحيح. هذه مؤلفاته التي أتمها رحمه الله تعالى.
ومن مؤلفاته التي لم يتمها المجموع شرح المهذب، وصل فيه إلى أثناء الربا وهو أجل مؤلفاته لو كان تمامه على يديه، التحقيق شرح مطول على التنبيه، التنقيح شرح الوسيط، الإِشارات وهو كتاب على الروضة كالدقائق على المنهاج، وشرح قطعة من صحيح البخاري وقطعة من سنن أبي داود وغير ذلك.
مما ينسب إلى الإِمام النووي رحمه الله تعالى:
بادر إلى حفظ الحديث وكَتبه
…
واجهد على تصحيحه في كُتبه
واسمعه من أشياخه نقلاً كما
…
سمعوه من أشياخهم تسعد به