الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
في الإِحْصَارِ
إذَا أحْصَرَ الْعَدُوّ الْمُحْرِمَ عَنِ المضي في الحج (1) مِنْ كُلّ الطُّرُقِ فَلَهُ التحَلُل سواء كانَ وَقْت التحَلُّلِ وَاسعاً أوْ ضَيقاً. ثُمَّ إن كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعَاً
= الرأس وقلم الأَظافر ونحو ذلك فتارة تكفي عنده في ذلك فدية واحدة عن الجميع، وتارة تتعدد أسبابها، أما موجبات عدم تعدد الفدية فهي في مذهب مالك ثلاثة:
(الأول): أن يكون المحرم فعل أسباب الفدية في وقت واحد، أو بعضها بالقرب من بعض فإن لبس وتطيب وحلق في وقت واحد فعليه فدية واحدة وكذلك إن فعل بعضها قريباً من بعض، والقول الذي خرجه اللخمي بالتعدد في ذلك ضعيف لا يعول عليه.
(الثاني): أن ينوي المُحْرم فِعْل جميعها بأن ينوي اللبس والتطيب والحلق فتلزمه فدية واحدة ولو كان بعضها بعد بعض غير قريب منه.
(الثالث): أن يكون المحرم فَعَلَ محظورات الإحرام ظاناً أنها مباحة كالذي يطوف على غير وضوء في عمرته ثم يسعى ويحل ويفعل محظورات متعددة، وكمن أفسد إحرامه بالوطء ثم فعل موجبات الفدية ظاناً أن الإحرام تسقط حرمته بالفساد وجعل بعض المالكية من صور ظن الإِباحة مَنْ ظن أن الإحرام لا يمنعه من محرماته أو لا يمنعه من بعضها.
وأما ما يوجب تعدد الفدية عند المالكية فهو أن يفعل محظورات الإحرام مترتبة بعضها بعد بعض غير قريب منه فإنه تلزمه في كل محظور فدية ولو أكثر ذلك سواء كانت المحظورات من نوع واحد كمن كرر التطيب أو كرر اللبس أو كرر الحلق في أوقات غير متقاربة، والظاهر أنَ القرب بحسب العرف أو من أنواع كمن لبس مخيطاً ثم تطيب ثم حلق فإن الفدية تتعدد في جميع ذلك إنْ لم يكن بعضه قريباً من بعض، أو في وقت واحد فإن احتاج إلى لبس قميص ثم احتاج بعد ذلك إلى لبس سراويل ففدية واحدة عندهم لأن محل السراويل كأن يستره القميص قبل لبس السراويل، أما إن احتاج إلى سراويل أولا ثم احتاج بعد ذلك إلى لبس القميص ففديتان لأن القميص يستر من أعلى بدنه شيئاً ما كان يستره السراويل. اهـ أضواء البيان رحم الله مؤلفه آمين.
(1)
أي عن إتمام أركانه أو أركان العمرة، ولو عن السعي وحده فخرج ما لو مُنعَ =
فالأَفْضَلُ أنْ لَا يُعَجّلَ التحلُّلَ فَرُبّمَا زَالَ الإحْصَارُ فَأتَمَّ الحجَ وَإنْ كان الوَقْتُ ضَيْقاً فَالأَفْضَلُ أنْ يُعَجلَ التحَللَ لِئَلَاّ يَفُوتَ الْحَج. وَيَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرة التحَلُّلُ إذَا أحْصِرَ كَالْحَجّ وَلَوْ مُنِعُوا وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الْمُضِيّ إلَاّ بِبَذْلِ مَالٍ فَلَهُمُ التَحَلُّلُ (1) وَلَا يَبْذُلُونَ الْمَالَ وإنْ قَل، بَلْ يُكْرَهُ الْبَذْلُ (2) إنْ كَانَ الطالِبُ كَافِراً
= من نحو الرمي فإنه يمتنع تحلله لإمكانه بالطواف والسعي والحلق مع جبر نحو الرمي بالدم.
(فائدة): موانع إتمام النسك عند الشافعية ستة:
(الأول): الحصر العام.
(الثاني): الخاص.
(الثالث): الرق.
(الرابع): الزوجية.
(الخامس): الأبوة.
(السادس): الديْن.
(1)
حاصل ما في التحلل أنه ينقسم إلى أربعة أقسام:
(أحدها): امتناعه وذلك فيما إذا علم زوال الإِحصار في الحج في مدة يمكن إدراك الحج بعدها وفي العمرة في ثلاثة أيام أو كان ثمة طريق آخر ووجدت الاستطاعة في سلوكه أو حبس المحرم في حق يتمكن من أدائه أو أمنهم الصادون ووثقوا بقولهم، وإن صدوهم عن مكة امتنع التحلل قبل الوقوف بعرفة، وإن صدوهم عن عرفة فقط كان التحلل بعمل عمرة.
(ثانيها): أولوية ترك التحلل وذلك في العمرة مطلقاً وفي الحج إن كان الوقت واسعاًَ ورجى زوال الإحصار.
(ثالثها): عكس الثاني وذلك في الحج إذا كان وقته ضيقاً بحيث يخشى فوات الحج لو صبر.
(رابعها): إباحة التحلل وهو الأصل فيه. اهـ رحم الله قائله آمين.
(2)
أي ولا يحرم كالهدية لأن مصلحة تتميم النسك اقتضت المسامحة بذلك مع أن الصغار غير محقق هذا إذا كان الطالب كافراً أما إذا كان مسلماً فلا يكره
لأنَّ فيه صَغاراً عَلَى الإِسْلَامِ، وَإِنْ احْتَاجُوا إلى قتال فَلَهُمْ التحَللُ وَلَا يَلْزَمُهُمُ الْقِتَالُ سَوَاء كَانَ الْعَدُوّ مُسْلِمِينَ أوْ كُفارا قَلِيلاً أوْ كَثِيراً، لكِنْ إنْ كَانَ في الْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ فالأَوْلَى أنْ يقاتِلُوا الْكُفارَ، وَإنْ كَانَ فِيهِمْ ضَعْفٌ فالأَوْلَى أنْ يَتَحَلّلوا وَمَتَى قَاتَلُوا فَلَهُمْ لُبْسُ الدُّرُوعِ وَالْمَغَافِرِ وَعَلَيْهِمُ الْفِدْيةُ كَمَنْ لَبِسَ لِحَرّ أوْ بَرْدٍ وَسَوَاء في جَوَازِ التحَللِ أحَاطُوا بِهِمْ مِنْ الْجَوَانِبِ أوْ مَنَعُوهُمْ مِنَ الذهّابِ دُونَ الرُجُوعِ، ثُم إنَّهُ يلزم الْمُتَحَللَ بِالإِحْصار ذَبْحُ شَاة (1) يُفَرّقُهَا حَيْثُ أُحصِرَ وَلَا يَعْدِلُ عَنِ الشَّاةِ إلى بَدَلِهَا إنْ وَجَدهَا، فَإِنْ لَمْ يجِدْهَا فَالأَصَحُّ أَنهُ يَأتِي ببَدَلِهَا وَهُوَ إخْرَاجُ طَعَام بِقِيمَتِها فإنْ عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلّ مُدّ يَوْماً (2) وَاعْلَمْ أنَّ التحَلُّلَ يَحْصُلُ بِثَلَاثَةِ أشْيَاءَ: ذَبْحٍ وَنِيَّةِ التحَللِ بِذَبْحِهَا وَالْحَلْقِ (3) إذا قُلْنَا بِالأَصَح أنهُ نُسُكٌ وَلَا يَحْصُلُ إلَاّ بِاجْتِمَاع هذِهِ الثلَاثَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الشَّاةَ وَكَانَ يُطْعِمُ بَدَلَهَا تَوَقَّفَ التحَللُ عَلَيْهِ كَتَوقفِهِ عَلَى الذَّبْح وَكَذَا إنْ كَانَ يَصُومُ (4) عَلَى الأَصَح، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الشَّاةِ وَبَدَلِهَا ثَبَتَت الشَّاة أوْ بَدَلُهَا في ذِمَّتِهِ وَجَازَ لَهُ التَّحَللُ في الْحَالِ بِالنّيةِ والْحَلْقِ عَلَى الأَصَحّ وَفِي قَوْل: لَا يَتَحَلَّلُ حَتَّى يأتِي بِالشَّاةِ أوْ بَدَلِهَا.
(1) أي في موضع الإِحصار وله إرسالها إلى الحرم كما في الحاشية وحينئذ فلا يحل إلا بعد علمه بنحرها.
(2)
ويجبر المنكسر.
(3)
أي ثم الحلق فلا بد من تقديم الذبح عليه لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة الحديبية: "قوموا فانحروا ثم احلقوا" ولا بد من مقارنة النية لكل من الذبح والحلق والله أعلم.
(4)
قال في الحاشية: المعتمد كما في المجموع وغيره أن التحلل لا يتوقف على الصوم بل له التحلل حالاً بالحلق مع النية لطول زمنه فتعظم المشقة في مصابرة الإحرام لفراغه.
(فَرْعٌ): لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ التَّحَلُّلُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَبْرَأ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِماً بِحَج أَوْ عُمْرَةٍ (1)، فَإِذَا بَرِىءَ فَإِنْ كَانَ مُحْرِماً بِعُمْرَة أتَمَّهَا وَإِنْ كَانَ بِحَج أْتَمهُ، وإنْ كَانَ قَدْ فَاتَهُ تَحَللَ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَعَلَيْهِ الْقَضاءُ، هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِط التَّحَللَ بِالْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ عِنْدَ إِحْرَامِهِ (2) أَنهُ إذَا مَرِضَ تَحَللَ أوْ شَرطَ التَّحَلّلَ لِغَرَضٍ آخَر (3) كَضَلالٍ عَنِ الطَّرِيقَ أوْ ضَيَاعِ النّفَقَةِ أوْ الْخَطَأِ في الْعَدَدِ أو نَحْوِ ذَلِكَ فَالصَّحِيحُ أنهُ يَصِحُ شَرْطُهُ وَلَهُ التَّحَلُّلُ، وإذَا تَحَللَ إن كانَ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِالْهَدْي لزمَهُ الهدْيُ وَإِنْ كَانَ شَرَطَ التَّحَلُّلَ بِلَا هَدْيٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْهَدْيُ وَإِنْ أطْلَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ أيْضاً على الأصَحّ وَلَوْ شَرَطَ أنْ يقْلِبَ حَجهُ عُمْرَةً عِنْدَ المَرَضِ (4) جَازَ (5) ولَوْ قَالَ: إِذَا مرضْتُ صِرْتُ حَلَالاً صَارَ حَلَالاً بِنَفْسِ الْمَرَضِ عَلَى الأَصَحّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشافِعِي رَحِمَهُ الله تَعَالَى.
(فرعٌ): الحصرُ الخاصُّ الذي يتَّفقُ لواحدٍ أَوْ شِرْذِمَةٍ من الرُّفقةِ ينظرُ فِيهِ، فإنْ لمْ يكُنْ المحرمُ معذوراً كمنْ حُبِسَ في دينٍ يتمكنُ من أدائِهِ لمْ يَجُزْ لهُ التحلُّلُ بَلْ عليهِ أن يُؤديَ الدَّيْنَ ويمضِي في حَجّهِ، فإنْ فَاتَهُ الْحَجُّ في
(1) أي أو بهما أو إحراماً مطلقاً أو كإحرام زيد لو قال: إن كان زيد محرماً.
(2)
بيَّن به أنّ شرط التحلل بنحو المرض لا يؤثر إلا إنْ اقترن بالإِحرام.
(3)
قال في الحاشية: منه الحيض على الأوجه بل هو أشق من كثير من الأعذار. اهـ.
(4)
مثله كما قاله العلامة البلقيني رحمه الله تعالى كما في الحاشية: ما لو شرط انقلابه عمرة عند العذر، فإذا وجد إنقلب وفي الحالتين تجزئه تلك العمرة عن عمرة الإِسلام.
(5)
قال في عمدة الأبرار كما في التحفة والنهاية زاد فيها: والأوجه لا يلزمه في هذه الحالة الخروج إلى أدنى الحل ولو يسيراً إذ يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء. اهـ ومثله في شرح العباب خلافاً للبلقيني. اهـ.
الحبسِ لزمهُ الْمَسِير إلَى مَكَّةَ وَيَتَحَلَّلُ بِعَمَلِ عُمْرَةٍ (1) وَيَلْزَمُهُ القضاءُ كما تقدَّمَ، وإنْ كَانَ معذوراً كَمَنْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ ظُلْماً أوْ بدَيْنٍ لا يَتَمَكَنُ مِنْ أدائِهِ جازَ لَهُ التحلُّلُ.
(1) يفهم منه أنها غير مجزئة عن عمرة الإسلام وهو كذلك.
مسائل من مذاهب العلماء في الإِحصار مأخوذة من المجموع
(الأولى): المحرم بالحج له التحلل إذا أحصره عدو بالإجماع ويلزمه دم وهو شاة هذا مذهب الشافعية ومذهب أبي حنيفة وأحمد والجمهور لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} وتقرير الآية الكريمة فإن أحصرتم فلكم التحلل وعليكم ما استيسر من الهدي، ومذهب مالك لا دم على المحصر إذا لم يكن ساقه معه قبل الإحصار. أقول: ووافق الجمهور أشهب كما في أضواء البيان وبداية المجتهد ونهاية المقتصد. (الثانية): إذا أحرم بالعمرة وأحصر فله التحلل عند الشافعية والجمهور، ومنعه مالك لأنها تفوت دليل الجمهور {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} الآية ونزلت عام الحديبية حين كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه محرمين فذبحوا الهدايا وتحللوا، وحديث هذه القصة في الصحيح مشهورة.
(الثالثة): يجوز عند الشافعية التحلل بالإحصار قبل الوقوف وبعده سواء أحصر عن الكعبة فقط أو عن عرفات فقط أو عنهما، وقال أبو حنيفة: لا يتحلل بالإِحصار بعد الوقوف فإنْ أحصر بعد الوقوف عن الكعبة وعرفات تحلل وإنْ أحصر عن إحداهما لم يجز له التحلل. دليل الشافعية: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} الآية ولم يفرق.
(الرابعة): ذبح هدي الإحصار عند الشافعية والحنابلة حيث أحصر سواء كان في الحرم أو غيره، وقال أبو حنيفة: لا يجوز ذبحه إلا في الحرم، قال: ويجوز قبل يوم النحر. وقال الصاحبان: لا يجوز قبله. دليل الشافعية والحنابلة الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم نحر هديه هو وأصحابه بالحديبية وهي خارج الحرم.
(الخامسة): إذا تحلل بالإحصار فإنْ كان حجه فرضاً بقي كما كان قبل هذه السنة، وهذا مجمع عليه، وإن كان تطوعاً لم يجب قضاؤه عند الشافعية، وبه قال مالك وأحمد وقال أبو حنيفة يلزمه قضاء التطوع أيضاً. =
(فرع): إذَا تحللَ المحْصَرُ إنْ كانَ نُسُكُهُ تَطوعاَ فلا قضاءَ عليهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ تَطَوُّعاَ نُظِرَ إنْ لَمْ يكُنْ مستقراً كَحجةِ الإسلام في السنةِ الأولى مِنْ سنِي الإِمكانِ فلا حَج عليهِ إلا أنْ يجتمعَ فيه شروطُ الاستطاعةِ بعدَ ذلِكَ، وإنْ كان مستقراً كحجةِ الإِسلامِ فِيْمَا بعد السنةِ الأولَى وكالقضاء والنَّذْرِ فَهُوَ باقٍ في ذِمتِهِ، وَسَوَاء في هذَا كُلهِ الحَصْرُ العامُّ والْخَاصُّ عَلَى الأَصَحِّ وقِيلَ يجِبُ القضاءُ في الْخَاص.
(فرعٌ): لَوْ صُدَّ عَنْ طريق وَهُنَاكَ طَرِيقٌ آخرُ يتمكَّنُ مِنْ سلوكِهِ بأنْ يَجِدَ شَرَائِطَ الاسْتِطاعةِ فيهِ لزمَهُ سلوكُهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ التحلُّلُ سواء طالَ ذلكَ الطريقُ أمْ قَصُرَ، وسواءٌ رَجَا الإدراكَ أمْ خَافَ الْفَوَاتَ أمْ تَيقنَهُ، فَإنْ أُحْصِرَ في ذِي الحجةِ وَهُوَ بالشَّامِ أو بالعراقِ مثلاً فيجبُ الْمُضِي والتحللُ بِعَملِ عُمْرَةِ، فَإِنْ سَلَكَ الطرِيقَ الثاني فَفَاتَهُ الْحَج نُظِرَ إنْ كَانَ الطرِيقانِ سواءَ لزِمهُ القضاءُ لأنه فَوات مَحْض وإنْ كانَ في الطَّرِيقِ الثاني سببٌ حَصَلَ الفواتُ بِهِ كطول أو خشُونَة أوْ غَيرِهِمَا لَمْ يجبِ الْقَضَاءُ عَلَى الأَصَح لأنَّهُ مُحْصرٌ ولعدمِ تَقْصِيرِهِ.
= (السادسة): مذهب الشافعية: لا يجوز التحلل بالمرض ونحوه كضلال عن الطريق أو ضياع نفقة من غير شرط وبه قال مالك وأحمد في رواية والدليل حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب فقال: يا رسول الله إني أريد الحج وإني شاكية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني وكانت تحت المقداد" رواه البخاري ومسلم، وقال أبو حنيفة وعطاء والثوري وأبو ثور وداود في الرواية الأخرى: يجوز التحلل بالمرض وبكل عذر يحدث مطابقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى" رواه النسائي وأجاب السابقون بأن نفس المرض ونحوه لا يبيح التحلل إلا إذا اشترط لحديث البخاري ومسلم السابق عن عائشة (دخل النبي صلى الله عليه وسلم على ضباعة) الحديث فلو كان المرض يبيح التحلل ما احتاجت إلى شرط والله أعلم.
(فرعٌ): لَا فَرْقَ في جَواز التَّحَللِ بالإِحْصَارِ بَيْنَ أَنْ يَتفِقَ ذلك قَبْلَ الْوُقُوفِ أوْ بَعْدَهُ وَلَا بَيْنَ الإِحْصَارِ عَنِ الْبَيْتِ فَقَطْ أوْ عَنِ الوُقُوفِ أوْ عَنْهُمَا، فَإِذَا تَحَللَ بِالإِحْصَارِ الْوَاقع بَعْدَ الوقوفِ فَلَا قضاءَ عَلَيْهِ عَلَى المذهبِ الصّحِيحِ كَمَا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَالله أعْلَمُ.
الباب الثامن
فِي حَجّ الصَّبِيّ وَالْعَبْدِ وَالْمَرأةِ (1) وَمَنْ في مَعْنَاهُم (2)
اعْلَمْ أَنّ الصَّبِيَّ (3) لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَج وَلكِنْ يَصِحُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الأَوَّلِ ثُمَّ إِنْ كَانَ مُمَيِّزاً أحْرَمَ بَإِذْنِ وَلِيهِ فَإِنْ أحْرَمَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الأَصَح (4)، وَلَوْ أحْرَمَ عَنْهُ (5) وَلِيُّهُ صَحَّ عَلَى الأَصَحِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَيزاً أحْرَمَ عَنْهُ وَليهُ (6) سواء كَانَ الْوَلي حَلَالَا أوْ مُحْرِماً وَسَوَاءٌ كَانَ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ أمْ لَا وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الصَّبِيّ (7) وَمُوَاجَهَتُهُ بِالإِحْرَامِ على الأصَحّ، وَالْمَجْنُونُ
(1) أي سواء كانت حرة أو أمة لم يذكر المصنف رحمه الله من أحكامها هنا إلا وجوب استئذان الزوج أو السيد إنْ كانت مزوجة، وبقية أحكامها قد قدمها أول الكتاب.
(2)
أي من الأجزاء والجند المرصدين للحرب.
(3)
ومثله الصَّبِية.
(4)
فارق الصوم لأنه لا يفتقر إلى مال والحج يفتقر إليه والصبي محجور عليه فيه.
(5)
أي عن المميز وليه وقوله صَح: هو المعتمد كما في الحاشية خلافاً لما في شرح مسلم.
(6)
صفة إحرام الولي عن الصبي كما في المجموع هي أنْ ينوي جعله محرماً فيصير محرماً بمجرد ذلك.
(7)
فلو كان الولي بالميقات والصبي بدمشق مثلاً ونوى عنه الولي صح لكنه يكره لاحتمال ارتكاب الصبي محظوراً لعدم علمه بالإِحرام.