الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
في التلبية
(1)
الْمُسْتَحَب فيها أَنْ يقْتَصرَ على تَلْبِيَةِ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبيْكَ لَبيك لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنعْمَةَ لَكَ والْمُلكَ لا شَرِيكَ لَكَ" بِكَسْرِ الهمزةِ (2) مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الحمدَ.
ولو فُتِحَتْ جاز (3) فإنْ زَادَ عليها (4) فَقَدْ تَرَكَ الْمُسْتَحَب ولكن لا يُكْرَهُ
(1) أي في صيغتها وقوله: (لبيك) أصله (لبين لك) حذفت النون للإضافة واللام للتخفيف، وهو مفعول مطلق لفعل محذوف. والتقدير (ألبي لبين لك) فحذف الفعل وهو (ألبي) وجوباً، وأقيم المصدر مقامه، وهو مأخوذ من (لب بالمكان) يقال:(لب بالمكان) و (ألب به إلباباً) إذا أقام به والمقصود به التكثير، وإن كان اللفظ مثنى على حد قوله تعالى:{ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 4] فإن المقصود به التكثير لا خصوص المرتين بدليل {يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ (4)} ، من الكثرة لا من مرتين فقط، وقوله: اللهم أصله يا الله حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم وشذ الجمع بينهما كما قال العلامة ابن مالك رحمه الله: (والأكثر اللهم بالتعويض وشذ يا اللهم في قريض) وقوله: لبيك تأكيد للأول.
(2)
أي على الاستئناف.
(3)
هو المعتمد لكن الكسر أصح وأشهر عند الجمهور لأن الفتح يوهم التعليل والتخصيص بحال شهود الإنعام، والله سبحانه وتعالى يستحقها مطلقاً لذاته لا بواسطة شهود شيء آخر وقوله: والنعمة: المشهور فيها النصب عطفاً على الحمد، ويجوز فيه الرفع على الابتداء ويكون الخبر محذوفاً والتقدير (والنعمة كذلك) وقوله:(لك) خبر إن وقوله: (والملك) المشهور فيه النصب عطفاً على ما قبله ويجوز فيه الرفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره (كذلك). وتسن وقفة يسيرة على (الملك) ليظهر أن ما بعده ذكر للتأكيد وحكمة نفي الشريك بجميع أنواعه الرد على الجاهلية في قولهم بعده: (إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك) وليحذر الملبي في حال تلبيته من أمور يفعلها بعض الغافلين من الضحك واللعب وليكن مقبلاً على ما هو بصدده بسكينة ووقار وليشعر نفسه أنه يجب الباري سبحانه وتعالى فإنْ أقبل على الله بقلبه أقبل الله عليه وإنْ أعرض أعرض الله عنه.
(4)
أي أو نقص.
على الأَصَحِّ (1).
ويُسْتَحَب أَنْ يُصَلِّي (2) على النَّبي صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّلْبِية ويسْأَل (3) الله رِضْوَانَهُ والجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذُ به مِنَ النَّارِ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا أحَب لِنَفْسِهِ ولمَنْ أحَب. وَيُسْتَحَب الإِكْثَار مِنَ التلبِيَة وَيُسْتَحَب قَائِماً أو قاعِداً أو رَاكباً وماشياً ومُضْطَجعاً وجُنُباً وحائضاً وَيَتَأكَدُ استحبابُهَا عِنْدَ تَغَايُرِ الأَحْوَال والأَماكن والأَزْمان. وَيُسْتَحَبُّ في كُلِّ صُعُود وهُبُوط وحُدُوث أمر مِنْ ركُوب أو نزول أو اجْتِماعٍ رِفاق أو قِيَام أو قعود وعندَ السَّحَر وإقْبَال الليْل والنَّهار وَالْفَرَاغ من الصَّلَاةِ (4).
ويُسْتَحَب في المَسْجد الْحَرَام ومَسْجد الخَيْف بمنى وَمَسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَات لأَنَّهَا مواضع نُسُك ويُسْتَحَب أيضاً في سَائر الْمَساجِدِ على الأَصح (5).
ويَرْفَع بِهَا صَوْتَهُ في الْمَسَاجد على الأَصَحِّ (6) كما يَرْفَعُ في غير الْمَسَاجد
(1) لأن عمر وابنه رضي الله عنهما يزيدان: (لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك، لبيك والرغباء إليك والعمل). وحكم التلبية عند الشافعية والحنابلة: سنة، وعند الحنفية: أنها من شرط الإحرام لا يصح إلا بها كالتكبير للصلاة، وعند المالكية: واجبة، ويجب بتركها دم والله أعلم.
(2)
أي لأنه موضع شرع فيه ذكر الله تعالى فيشرع فيه ذكر (رسول الله صلى الله عليه وسلم) كالصلاة والأذان قال تعالى: {وَرَفعنَا لَكَ ذكرَكَ (4)} أي لا أذكر إلا وتذكر معي لطلبي. والأكمل صلاة التشهد وليضم إليها السلام لكراهة إفراد أحدهما عن الآخر، ويأتي بالصلاة والسلام بصوت أخفض من صوت التلبية ولا يرفعه لعدم وروده وليتميز عنه.
(3)
أي ثم يسأل.
(4)
لما روي جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي إذا رأى ركباً أو صعد أكمة أو هبط وادياً وفي أدبار المكتوبات وآخر الليل.
(5)
أي في الجديد، والقديم لا يلبي لئلا يشوش على المصلين والمتعبدين.
(6)
محله إن لم يشوش الرجل على نحو قارىء أو ذاكر أو مصل أو طائف أو نائم فإن شوش على واحد من هؤلاء برفع صوته أو بفوق ما يسمع نفسه حرم عليه إن =
وقيل: لَا يَرْفَعُ في المَسَاجد وقيلَ: يَرْفَعُ في المساجد الثلَاثَةِ دُونَ غَيْرها.
ولا يُلَبي في حَال طَوَاف القُدُوم (1) والسَّعْي على الأصَح لأَنَّ لهما أذْكاراً مَخْصُوصَةً وأمَّا طَوافُ الإفاضَة فلا يُلَبي فيه بلا خِلَاف لخُروج وقْت التَّلبية ويُسْتَحَب للرَّجُل رَفَعُ صَوْته بالتلْبية (2) بحيثُ لا يُضِرُّ (3) بِنَفْسه ويكُونُ صَوْتُهُ دُونَ ذلك في صَلَاتِهِ على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَقِبها وَأما المَرْأةُ فلا تَرْفَعُ صَوتها بها بَلْ تَقْتَصِرُ على إسْمَاعهَا نَفْسَهَا فإنْ رَفَعَتْهُ كره (4) ولم يَحْرم (5).
ويُستَحَب تكْرَارُ التلْبية في كُل مَرة ثَلَاثَ مَرَّات (6) وَيَأتي بها مُتَوَاليةً لَا يقْطَعها بِكَلَامٍ وَلَا غَيْرِهِ (7).
= كثر التشويش وإلا كره، والدليل على رفع الصوت بالتلبية ما رواه الترمذي رحمه الله عن جلاد بن السائب عن أبيه رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال والتلبية". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(1)
وكذا لا يلبي في طواف الوداع يوم خروجه لعرفة وتكره التلبية في مواضع النجاسات كغيرها من الأذكار.
(2)
أي إلا المقترنة بالإحرام كما مر في قول المصنف: (ولا يجهر بها) وينبغي أن يكون صوته بالدعاء عقب التلبية والصلاة والسلام دون صوته بهما.
(3)
بضم أوله وكسر ثانيه؛ من أضر بخلاف يضره من ضر فإنه بفتح أوله وضم ثانيه.
(4)
أي إن كانت وحدها أو بحضرة نحو محرم ومثلها الخنثى.
(5)
وإنما حرم رفع صوت المرأة بالأذان لأنه يندب الإصغاء إليه. وهنا في التلبية لم يحرم كما نص عليه المصنف رحمه الله تعالى لأن كل أحد مشتغل بتلبية نفسه.
(6)
أي ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو ثم يلبي ثلاث مرات ثم يصلي ثم يدعو وهذا هو الأكمل، فلو أتى بالتلبية مرات عديدة، أو دون ثلاث ثم صلى ثم دعا كان آتياً بأصل السنة.
(7)
يستثنى منه كما تقدم سكتة لطيفة عند قوله: (والملك) وحكمة هذه السكتة =
فإنْ سَلمَ عليه رَدَّ عليه السلام باللفْظِ (1) نَصَّ عليه الشَّافعي وأصْحَابُهُ رَحَمهُمُ اللهُ تَعالى وَيُكْرَهُ أنْ يُسَلمَ عليه في هذه الحالة وإذا رَأى (2) شيئاً فَأعْجَبَهُ (3) فَالسُنةُ أَنْ تقُولَ: لبيكَ إنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَة ومَنْ لا يُحْسنُ التَّلْبيةَ بالْعَرَبِيّة يُلَبِّي بلسَانه، وَيَدْخُلُ وَقْتُ التلْبية مِنْ حِيْن يُحْرِمُ ويَبْقى إلى أنْ يَشْرَعَ (4) في التَّحلل وَسَيَأتي بيانُ هذا وَاضحاً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالى.
= كما قال في الحاشية: والله أعلم: الإشعار بأن لا شريك لك بعدها، إنما أتى به للتتميم والتأكيد للاستغناء عنه بما سبقه. اهـ.
(1)
أي يسن له ذلك وإن كره السلام عليه كما سيأتي، وتأخير الرد إلى فراغ التلبية أحب كما في المؤذن، ويفرق بين عدم وجوب الرد عليهما، وبين وجوبه على القارىء لتفويته لشعارهما. والله أعلم.
(2)
أي أدرك، ليشمل الإدراك بحواسه الخمس.
(3)
قال في الحاشية: أو أَساءه للاتباع فيهما، لكن الوارد فيه عند الإعجاب بأمته صلى الله عليه وسلم يوم عرفة:(لبيك إن العيش عيش الآخرة)، وعند الإساءة في حفر الخندق لما رآهم وقد نهكت أبدانهم واصفرت ألوانهم:(اللهم إن العيش عيش الآخرة) وحينئذ فيؤخذ أن مَنْ كان في نسك يأتي بالتلبية في الحالتين، ومَنْ ليس في نسك يأتي بـ (اللهم إن العيش عيش الآخرة) فيهما وهو ظاهر، وإنْ لم أرَ مَنْ صرح بذلك. وحكمته أنها تحمل في الإعجاب على الشكر، وفي الإساءة على الصبر إذْ معناه: إن الحياة المطلوبة الهنية الدائمة هي حياة دار الآخرة، وقيل معناه العمل بالطاعة.
(4)
أي إلى رمي أول حصاة من جمرة العقبة.
(فرع): قال في المجموع: مذهبنا استحباب التلبية في كل مكان وفي الأمصار والبراري. قال العبدري: إظهار التلبية في الأمصار ومساجدها لا يكره وليس لها موضع تختص به. قال: وبه قال أكثر الفقهاء. قال: وقال أحمد: هو مسنون في الصحارى، قال: ولا يعجبني أنْ يلبي في المصر، والله أعلم.