الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
في آدابِ رُجُوعِهِ مِنْ سَفَرِ حَجّهِ
اعلم أن مُعْظَمَ الآدَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ الأَولِ في سَفَرِهِ مَشْرُوعَة في رُجُوعِهِ مِنْ سَفَرِهِ وَيُزَادُ هُنَا آداب:
أحدها: السُّنَّةُ أنْ يقَولَ مَا ثَبَتَ في الحديثِ عن ابنِ عُمَر رضي الله عنهما أنَّ رسُول الله صلى الله عليه وسلم كانَ إذَا قَفَل (1) مِنْ حَج أوْ عُمْرَةٍ كَبرَ عَلَى كُل شَرَفٍ (2) ثَلَاثَ تكْبِيرَاتٍ ثُمّ يقَولُ: "لَا إلهَ إلاّ الله وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الملكُ وَلَهُ الحمدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قدير، آئبون (3) تائبونَ عابدونَ ساجدونَ لِرَبنَا حَامِدُونَ، صدَقَ الله وَعْدَه (4) وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَه". رَوَاهُ البخاريُ ومسلم في صَحيحَيْهِمَا، وَفِي صحيحِ مسلمٍ عن أنسٍ رضي الله عنه قَالَ: أقْبَلْنَا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَتى إذَا كُنا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ: "آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ" فَلَمْ يَزَلْ يقَولُ ذَلِكَ حَتى قَدِمْنَا المدينةَ.
= (السادسة): إذا حج بمال حرام أو راكباً دابة مغصوبة أثِم وصح حجه، وأجزأه عند الشافعية وبه قال أبو حنيفة ومالك والعبدري وكثر الفقهاء وقال أحمد: لا يجزئه. دليل المصححين أن الحج أفعال مخصوصة والتحريم لمعنى خارج عنها والله أعلم.
(1)
أي رجع.
(2)
أي مرتفع من الأرض.
(3)
آئبون أي راجعون بهمزتين بينهما ألف الثانية منهما مكسورة، ويجوز إبدالها ياءً وأصل آئبون آوبون اسم فاعل من الأوب وهو الرجوع فقلبت الواو همزة معناه راجعون.
(4)
أي ما وعد به من إظهار دينه بقوله: {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً} وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55] وهذا في الغزو ومناسبته للحج قوله تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [الفتح: 27].
الثاني: يُسْتَحَبّ إذَا قَرُبَ مِنْ وَطَنِهِ أنْ يَبْعَثَ قُدَّامَهُ مَنْ يُخْبِرُ أهْلَه (1) كَيْ لَا يقْدَم عَلَيْهِم بَغْتَة فَهَذَا هُوَ السُّنّةُ.
الثالث: إذَا أشْرَفَ عَلَى بَلَدهِ فَحَسَن أنْ يقُولَ: اللَّهُم إنّي أسْألُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا واسْتُحِبَّ أنْ تقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ لنا بِهَا قَرَاراً (2) وَرِزْقاً حَسَناً، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا جَنَاها (3) وأعِذْنَا مِنْ وَبَالها وَحَبِّبْنَا إلَى أهْلِهَا وَحَبّبْ صَالِحِي أهْلِهَا إلَيْنَا، فَقَدْ رَوَيْنَا هذَا في الْحديثِ وَقَدْ أوْضَحْتُهُ في كِتَابِ الأَذْكَارِ (4).
الرابع: إذَا قَدمَ فَلَا يَطْرُق أهْلَهُ في الليْلِ (5) بَلْ يَدْخُلُ الْبَلْدَه غُدْوَةَ وَإِلاّ فَفِي آخِرِ النَّهَارِ.
(1) ظاهر هذا أن الإرسال خاص بمن له حليلة والله أعلم.
(2)
فإن قيل: إنّ طلب القرار إنما ورد في المدينة الشريفة -على ساكنها صلى الله عليه وسلم وإخوانه الأنبياء والمرسلين والآل والصحب والأمة أجمعين أفضل الصلاة وأزكى السلام- للحث على سكناها فهو خاصٌّ بها.
أجيب: كما في الحاشية بأن كل أحد لا يتيسر له سكناها. ولئن سلم وروده فيها فلا يقتضي أنه مِنْ خواصها بل يقاس عليها غيرها في ذلك لأن النفوس تنزع إلى أوطانها، فإذا وصلت إليها طلب منها أنْ تسأل الله القرار فيها حذراً من تشتتها إذا انتقلت إلى غيرها والله أعلم.
(3)
بفتح الجيم هو ما يجتنى من الثمرة، والمراد منها هنا ما يشمل المعنوية كالحسية.
(4)
كتاب الأذكار للمصنف رحمه الله تعالى أحسن كتاب في الأذكار النبوية دنيوية وأخروية ودينية، وكل كتاب يأتي بعده فهو عالة عليه فيجب على كل شخص اقتناؤه ولذا قيل (بعْ الدار واشتر الأذكار) ورحم الله القائل:
ورحم الله النواوي الإمام
…
لجمعه أذكار سيد الأنام
فطالعوه يا ذوي الدراية
…
فإن فيه الخير والكفاية
(5)
مستدرك وإلا فالطروق خاص بالليل. قال في المصباح: كل ما أتى ليلاً فقد =
الخامس: إذا وَصَلَ مَنْزِلَهُ فالسُّنَّةُ أنْ يَبْتَدِىءَ بِالمَسْجِدِ فَيُصَلّي فِيهِ ركعتين (1)، وإذَا دَخَلَ مَنزِلَهُ صَلَّى أيْضاً رَكْعَتَيْنِ وَدَعَا وَشَكَرَ الله تعالَى.
السادس: يُسْتَحَب لِمَنْ يُسَلِّمُ عَلَى الْقَادِمِ مِنَ الْحجّ أنْ يقُولَ: قَبِلَ الله حَجَّكَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَأخْلَفَ نَفَقَتَكَ. رَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما عَنِ النبِي صلى الله عليه وسلم وَعن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ للْحَاج وَلمِنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ". قَالَ الحاكمُ: وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِم.
السابع: يُسْتَحَب أنْ يقُولَ: إذَا دَخَلَ بيتَهُ مَا رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الأَذْكَارِ عَنِ ابنِ عباس رضي الله عنهما قَالَ: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذَا رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ فَدَخَلَ عَلَى أهْلِهِ قَال تَوْباً تَوْباً (2) لربنا أَوْباً لَا يغادرُ حَوْباً. قُلْتُ: تَوْباً تَوْباً، سؤال التوبةِ أيْ نَسْألُك تَوبة كَامِلَة (3) وَلَا يُغَادِرُ حَوْباً أيْ لَا يَتْرُكُ إثْماً.
= طرق وهو طارق ولعله جرد الفعل عن جزء معناه، وأراد به مطلق الإتيان وقضيته مع قوله قبل يستحب إذا قرب من وطنه أن يبعث إليهم أن طروقهم ليلاً خلاف السنة وإن أرسل من يخبرهم بقدومه وهو ظاهر لما في القدوم ليلاً من المشقة وإنْ وجد المخبر المذكور وظاهر أنّ الإٍرسال كما تقدم خاص بمن له حليلة والإٍتيان نهاراً غير مختص بذلك وأن الكلام فيمن لم يشق عليه تأخير القدوم إلى النهار والله أعلم.
(1)
أي للحديث المتفق عليه وهو أنه صلى الله عليه وسلم: "كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين".
(2)
أي أتوب توباً والتكرار للتأكيد، والتوبة منه صلى الله عليه وسلم خضوع لمولاه سبحانه أو تشريع للأمة وقوله: أوْباً أي رجوعاً وقوله (لا يغادر) أي لا يترك وقوله: (حوباً) هو بضم الحاء وفتحها وهو أحسن لمناسبة أوْباً ومن الضم قوله تعالى: {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)} أي ذنباً عظيماً.
(3)
أو نتوب إلى ربنا توباً ونرجع إليه رجوعاً لا يترك ذنباً ولا إثماً، وفقنا الله لمرضاته ولمتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم آمين.