الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرَّابع
في الْعُمْرة وَفِيهِ مَسَائِلُ
الأوْلَى: الْعُمْرَةُ فَرْض عَلَى الْمُسْتَطِيعِ كَالْحَج (1) هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الشافِعِي رَحِمَهُ الله تَعَالَى وَهُوَ نَصُّهُ في كُتُبِهِ الْجَدِيدةِ وَلَا
(1) بهذا قال أحمد في إحدى الروايتين عنه لقوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] ولقوله صلى الله عليه وسلم: "حج عن أبيك واعتمر".
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثاً أجود من هذا ولا أصح، ولحديث عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد.
قال: "نعم جهادٌ لا قتال فيه الحج والعمرة" صحيح على شرط الشيخين، ولما جاء في بعض روايات حديث في سؤال جبريل (وأن تحج وتعتمر) أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني.
قال المجد في المنتقى: إسناده ثابت. رواه أبو بكر الجوزقي في كتابه المخرج على الصحيحين، وأما ما ورد بإسناد على شرط مسلم عن جابر رضي الله عنه قلت:(يا رسول الله العمرة واجبة فريضتها كفريضة الحج) قال: "لا إلا أن تعتمر فهو خير لك" فيجاب عنه جمعاً بين الحديثين كما في الحاشية بأن (لا) نفي لمساواة فرضها لفريضة الحج فإن فرضه آكد من فرضها للإجماع وكثر ثواباً، و (خير) استعمل كثيراً في غير أفعل التفضيل (والواجب) يوصف بأن فعله خير بهذا المعنى. اهـ. ولما رواه الدارقطني من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه (الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت). =
تَجِبُ العُمرة إِلا مَرَّةَ وَاحِدةً كَالْحج (1) وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الإِْكْثَارُ (2) مِنْهَا لَا سِيَّمَا
= وقال مالك وأبو حنيفة أنها سنة في العمر وهي الرواية الثانية عن أحمد كما في المغني لابن قدامة، واستدلوا بحديث جابر رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني عن العمرة أواجبة هي؟
…
فقال: "لا وأن تعتمر خيرٌ لك" وفي رواية "أولى لك" رواه أحمد والترمذي وصححه والبيهقي وغيرهم وبحديث "الحج جهاد والعمرة تطوع". وأجاب الموجبون للعمرة عن سؤال الأعرابي بأنه حديث ضعيف وتصحيح الترمذي له مردود لأن في إسناده (الحجاج بن أرطاة)، وأكثر أهل الحديث على تضعيفه، وقال ابن حجر في التلخيص كما في أضواء البيان: وفي تصحيحه نظر كثير من أجل (الحجاج) فإن الأكثر على تضعيفه والإتفاق على أنه مدلس، وقال النووي ينبغي ألا يغتر بكلام الترمذي في تصحيحه فإنه اتفق الحفاظ على تضعيفه. وأجابوا عن حديث (الحج جهاد والعمرة تطوع) بأنه روي بأسانيد لا يصح منها شيء. قال ابن حجر في التلخيص كما في أضواء البيان بعد ذكر أسانيده: ولا يصح من ذلك شيء. اهـ. وأجاب مخالفوهم عن آية: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] بأنها لوجوب إتمام العمرة بعد الشروع فيها، من غير تعرض إلى حكم ابتداء فعلها. وأجابوا عن حديث:"الحج والعمرة فريضتان"
…
الحديث. وبأن في إسناده: "إسماعيل بن مسلم المكي" وهو ضعيف لا يحتج به. وأجابوا عما جاء في حديث سؤال جبريل (وأن تحج وتعتمر) بأن الروايات الثابتة في صحيح مسلم وغيره ليس فيها ذكر العمرة. قال صاحب الأضواء رحمه الله تعالى: وقد يجاب عن هذا بأن زيادة العدول مقبولة. اهـ. وأجابوا عن حديث عائشة رضي الله عنها بأن قوله صلى الله عليه وسلم: "عليهم جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" بأن لفظه (عليهن) ليست صريحة في الوجوب فقد تطلق على ما هو سنة مؤكدة، وإذا كان محتملاً لإرادة الوجوب والسنة المؤكدة لزم طلب الدليل بأمر خارج وقد دل دليل خارج على وجوب الحج ولم يدل دليل خارج يجب الرجوع إليه في وجوب العمرة والله أعلم.
(1)
تقدم الكلام عليه قريباً.
(2)
إن لم يشغله ذلك عما هو أهم منه سواء كان مكياً أو آفاقياً، وهل يباح تكرار العمرة في السنة أو يكره قال بالكراهة مالك جاء في كشاف القناع للعلامة منصور البهوتي الحنبلي: ويكره الإكثار منها والموالاة بينها نصاً واستدل مالك بأنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل التكرار: وأباحه الباقون مستدلين بحديث عائشة رضي الله عنها: (أنها أَهلت بعمرة فقدمت ولم =
فِي رَمَضَانَ (1) ثَبَتَ في الصَّحِيحِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْعُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفارَةٌ لما بَيْنَهُمَا". وفي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "عُمْرَةٌ في رَمَضَانَ تَعْدِلُ حجةُ".
= تطف بالبيت حتى حاضت فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر يسعك طوافك لحجك وعمرتك. فأبت فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج)، رواه مسلم. قال المصنف في شرحه لمسلم فيه دلالة ظاهرة على أنها كانت قارنة ولم ترفض العمرة رفض إبطال وأن قوله صلى الله عليه وسلم:"يسعك طوافك لحجك وعمرتك" تصريح بأن عمرتها باقية صحيحة مجزئة فتعين تأويل (ارفضي عمرتك) و (دعي عمرتك) على رفض العمل فيها وإتمام أفعالها مندرجة في الحج. اهـ.
قال الطبري رحمه الله تعالى في كتابه (القِرى لقاصد أم القُرى): وجه الدلالة من حديث عائشة أنه ثبت أنها قدمت محرمة بعمرة ثم أدخلت الحج عليها بأمره صلى الله عليه وسلم ثم أعمرها صلى الله عليه وسلم من التنعيم فحصلت لها العمرتان في ذلك العام ولم يكن بينهما عشرة أيام. اهـ.
أقول: وروي عن ابن المسيب كما في القرى أن عائشة اعتمرت في سنة واحدة مرتين من ذي الحليفة ومرة من الجحفة. وروي عن أنس رضي الله عنه أنه كان إذا حَمَّمَ رأسه (أي اسود بعد الحلق في الحج بنبات الشعر) والمعنى أنه كان لا يؤخر العمرة إلى المحرم بل كان يخرج إلى الميقات، ويعتمر في ذي الحجة، هكذا ذكره الجوهري وابن الأثير وقيده بالمهملة ومن عوام الرواة من يرويه بالجيم يذهب به إلى الجمة والمحفوظ بالمهملة، ووجه الدلالة على التكرار أن الظاهر من حاله أنّ هذه عادته كلما اسود شعره من حلق في نسك خرج وأتَى بآخر. اهـ.
(1)
أي لأنها فيه أفضل منها في غيره للحديث الذي سيذكره المصنف عن ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي" أخرجه ابن حبان. وفي رواية البخاري (تقضي حجة) أو (حجة معي). فإن قيل إن عُمَرَهُ صلى الله عليه وسلم الأربع وقعن في غير رمضان أي في ذي القعدة. أجيب بأن قصده عليه الصلاة والسلام رد ما كانت عليه الجاهلية من منع العمرة في الأشهر الحرم بالفعل كالقول والله أعلم.
فالعمرة الأولى وهي التي أحصر عنها صلى الله عليه وسلم بالحديبية وقعت سنة ست من الهجرة في ذي القعدة. والثانية عمرة القضاء أي الأمر الذي قاضى عليه صلى الله عليه وسلم قريشاً وقعت سنة سبع في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= ذي القعدة. والثالثة عمرة الجعرانة وقعت في ذي القعدة سنة ثمان. والرابعة وقعت مع حجته في السنة العاشرة مبدؤها في ذي القعدة ونهايتها في ذي الحجة وبهذا يجمع بين قول أنس رضي الله عنه إنهن في ذي القعدة إلا التي مع حجته ففي ذي الحجة، وقول عائشة وابن عباس رضي الله عنهم: إنهن في ذي القعدة. فعائشة وابن عباس رضي الله عنهم أخبرا عن ابتدائها وأنس أخبر عن انتهائها. وروى ابن حبان أنّ عمرَة القضاء في رمضان وعمرة الجعرانة في شوال، قال الطبري لم ينقله أحد غيره.
وقال ابن جماعة: إنه غلط والصواب أنهما كانتا في ذي القعدة وجاء في الحاشية: وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر إحداهن في رجب وأن عائشة أنكرت عليه ذلك، وقالت: ما اعتمر رسول الله في رجب قط. فسكت ولم يراجعها، قال المحشي أي تأدباً وإلا فالمثبت مقدم على النافي لأن معه زيادة علم. اهـ.
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله تعالى في كتابه أضواء البيان: وأما إهلال المكي بالعمرة فجماهير أهل العلم على أنه لا يهل بالعمرة من مكة. بل يخرج إلى الحلّ ويحرم منه وهو قول الأئمة الأربعة وأصحابهم، وحكى غير واحد عليه الإجماع.
قال صاحب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق في الفقه الحنفي: الوقت لأهل مكة الحرم في الحج، والحل في العمرة للإجماع على ذلك. انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني في الكلام على ميقات المكي: وإنْ أراد العمرة فمن الحل لا نعلم في هذا خلافاً انتهى منه. وقال ابن حجر في فتح الباري في الكلام على ميقات أهل مكة: وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحِل كما سيأتي بيانه في أبواب العمرة. قال المحب الطبري: لا أعلم أحداً جعل مكة ميقاتاً للعمرة. انتهى محل الغرض منه.
وقال ابن القيم: إن أهل مكة لا يخرجون من مكة للعمرة، وظاهر صنيع البخاري أنه يرى إحرامهم من مكة بالعمرة حيث قال: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة، ثم ساق بسنده حديث ابن عباس المذكور، ومحل الشاهد عنده منه المطابق للترجمة هي قوله:(حتى أهل مكة من مكة). فقوله في الترجمة (باب مهل أهل مكة للحج والعمرة)، وإيراده لذلك حتى أهل مكة يهلون من مكة دليل واضح على أنه يرى أن أهل مكة يهلون من مكة للعمرة والحج معاً كما هو واضح من كلامه إذا علمت ذلك فاعلم أن دليل هذا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= القول هو عموم حديث ابن عباس المتفق عليه الذي فيه: (حتى أهل مكة يهلون من مكة).
والحديث عام بلفظه في الحج والعمرة فلا يمكن تخصيص العمرة منه إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وأما القائلون بأنه لا بد أن يخرج إلى الحل وهم جماهير أهل العلم كما قدمنا فاستدلوا بدليلين:
أحدهما: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بعائشة في عمرتها من مكة إلى التنعيم، وهو أدنى الحل. قالوا: فلو كان الإِهلال من مكة بالعمرة سائغاً لأمرها بالإِهلال من مكة، وأجاب المخالفون عن هذا بأنّ عائشة آفاقية والكلام في أهل مكة لا في الآفاقيين. وأجاب الآخرون عن هذا بأن الحديث الصحيح دلّ على أن مَنْ مَرْ بميقات لغيره كان ميقاتاً له، فيكون ميقات أهل مكة في عمرتهم هو ميقات عائشة في عمرتها لأنها صارت منهم عند ميقاتهم.
الدليل الثاني: هو الإستقراء. وقد تقرر في الأصول أن الإستقراء من الأدلة الشرعية، ونوع الإستقراء المعروف عندهم بالإستقراء التام حجة بلا خلاف، وهو عند أكثرهم دليل قطعي، وأما الإستقراء الذي ليس بتام وهو المعروف عندهم بإلحاق الفرد بالأغلب فهو حجة ظنية عند جمهورهم، والإستقراء التام المذكور هو أن تتبع الأفراد يوجد الحكم في كل صورة منها ما عدا الصورة التي فيها النزاع فيعلم أن الصورة المتنازع فيها حكمها حكم الصورة الأخرى التي ليست محل النزاع، وإذا علمت هذا فاعلم أن الإستقراء التام أعني تتبع أفراد النسك دَل على أن كل نسك من حج أو قران أو عمرة غير صورة النزاع لا بد فيه من الجمع بين الحل والحرم حتى يكون صاحب النسك زائراً قادماً على البيت من خارج كما قال تعالى:{يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [الحج: 27] الآية.
فالمحرم بالحج أو القران من مكة لا بد أن يخرج إلى عرفات، وهي في الحل، والآفاقيون يأتون من الحل لحجهم وعمرتهم، فجميع صور النسك غير صورة النزاع لا بد فيها من الجمع بين الحل والحرم فيعلم بالإستقراء التام أن صورة النزاع لا بد فيها من الجمع بين الحل والحرم، وإلى مسألة الإستقراء المذكور أشار في مراقي الصعود بقوله:
ومنه الإستقراء بالجزئي
…
على ثبوت الحكم للكلي
فإنْ يعم غير ذي الشقاق
…
فهو حجة بالاتفاق
إلخ
…
وقوله: (فإن يعم
…
البيت) يعني أن الإستقراء إذا عم الصور كلها غير صورة =
الثانيةُ: لِلْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنِ الْحَجّ مِيقَاتَانِ زَمَانِي وَمَكَانِي: أمَّا الْمَكَانِيُّ فَكَمِيقَاتِ الْحَج عَلَى مَا سَبقَ إِلا في حَقِّ مَنْ هُوَ بِمَكَّةَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أهْلِها أوْ غَريباً فَإِنَّ مِيقَاتَهُ في العُمْرَةِ الْحِلُّ فَيَلْزَمُهُ أنْ يخْرُجَ إِلى طَرَفِ الْحِل وَلَوْ بِخُطْوَةِ (1).
ثُمَّ مَذْهبُ الشَّافِعِي رَحِمَهُ الله تَعَالَى أَن أَفْضَلَ جِهَاتِ الْحِلّ للإْحْرَامِ بِالعُمْرَةِ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ (2) فَإِنّ النبي صلى الله عليه وسلم أَحرم منها. ثُمَّ بَعْدَها التنعِيمُ (3)
= النزاع فهو حجة في صورة النزاع بلا خلاف (والشقاق) الخلاف. فقوله: (غير ذي الشقاق): أي غير محل النزاع. اهـ.
(1)
قال المحشي رحمه الله تعالى: ليس المراد التحديد بها بل ما يصدق بالخروج من الحرم وهو يحصل بأقل من ذلك، ولو بأن تكون رجله فيه والأخرى في الحل إذا اعتمد عليها فيما يظهر أخذاً من قولهم في الاعتكاف لو أخرج رجله من المسجد واعتمد عليها انقطع بذلك، ويحرم على الجنب ذلك في المسجد، ومن حلف لا يخرج وفعل ذلك حنث فيظهر بهذه المسائل ما ذكرته. اهـ.
(2)
الجعرانة بكسر الجيم وسكون العين المهملة وتخفيف الراء وهو الأشهر وصوبه المصنف في تهذيبه، ونقله عن الشافعي رضي الله عنه وأئمة اللغة ومحققي المحدثين وبكسر العين وتشديد الراء، وعليه عامة المحدثين لكن عدّه الخطابي في تصحيفهم. وقال صاحب المطالع: كلا اللغتين صواب: هي ضاحية في الحل قريبة من مكة، سميت باسم امرأة سماها في مفيد الأنام بريطة بنت سعد كانت تلقب بالجعرانة.
قال في القاموس: وهي المرادة من قوله تعالى: {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا} بالجعرانة ماء شديد العذوبة معدني. قال الفاكهي يقال أنه صلى الله عليه وسلم حفر موضعه بيده الشريفة المباركة فانبجس فشرب منه وسقى الناس أو غرز رمحه فنبع، قال الواقدي كمجاهد وإحرامه صلى الله عليه وسلم بها من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى وكانت ليلة الأربعاء لثنتي عشرة بقين من ذي القعدة. اهـ حاشية مختصراً بزيادة. وفي كشاف القناع للعلامة البهوتي الحنبلي رحمه الله تعالى تقديم الإحرام من التنعيم على الإحرام من الجعرانة في الأفضلية. اهـ.
(3)
التنعيم: الموضع المعروف بمساجد عائشة رضي الله عنها، وإنما قدم الاعتمار =
ثُمَّ الْحُدَيبِيَّةُ (1) وَلَوْ أَحْرَمَ بِالعُمْرَةِ في الْحَرَمِ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ (2) وَيَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إِلَى الْحِلِّ مُحْرِمَاً (3) ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِق وَقَدْ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ بَلْ طَافَ وَسَعَى وَحَلَقَ فَفِيهِ قَوْلَانِ للِشَّافِعِيّ رَحِمَهُ الله تَعَالَى أَصَحُّهُمَا تَصِحُّ عُمْرَتُهُ وَتُجْزِيه لكِنْ عَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِهِ الإِْحْرَامَ مِنْ مِيقَاتِهِ وَهُوَ الْحِلُّ (4) والثَّانِي لَا تُجْزِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ (5) وَلَا يَزَالُ مُحْرِماً حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ وَالله أعلمُ.
وَأَمَّا الْمِيقَاتُ الزَّمَانِي فجمِيعُ السَّنَةِ وَقْتٌ لِلْعُمْرَةِ (6) فيجُوزُ الإِْحْرَامُ بِهَا فِي كُلّ وَقْت مِنْ غَيْرِ كَرَاهَة وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ وأيّامِ التَّشْرِيقِ لِغَيْرِ الْحَاجّ وَأَمَّا
= منه على الاعتمار من الحديبية مع كونها أبعد منه لأمره صلى الله عليه وسلم السيدة عائشة رضي الله عنها بالاعتمار منه وتؤيده رواية الفاكهي وغيره رحمهم الله تعالى كأبي داود في مراسيله عن ابن سيرين أنه صلى الله عليه وسلم وَقتَ لأهل مكة أي لعمرتهم كما في رواية التنعيم.
(1)
الحديبية: كدُويْهية وقد تُشَدد الياء الثانية
…
اسم للبئر المعروفة ببئر شُمَيْس، ويطلق عليها الآن الشميسي، أو اسم لشجرة حدباء كانت بيعة الرضوان تحتها وقد قطعها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته لما رأى الناس يتعلقون بها سداً لذريعة الشرك. نسأل الله العافية منه آمين.
(2)
والأفضل أنْ يؤخر إحرامه إلى الحل والله أعلم.
(3)
أي من أي جهة كانت كما تقدم ليجمع بين الحل والحرم كما في الحج فإنه يخرج إلى عرفة وهي من الحل، ويلزمه الخروج قبل التلبس بشيء من أعمال العمرة وإلا لزمه الدم، وإنْ خرج نظير مَا مَرّ فيمن جاوز الميقات بلا إحرام.
(4)
وهذا قول أحمد وأصحاب الرأي وأبي ثور وابن المنذر.
(5)
أي ليجمع بين الحل والحرم وهو القول الثاني لأحمد.
(6)
أي بالاتفاق بين الأئمة رحمهم الله تعالى ورحمنا معهم آمين إلا الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى فإنه كره فعلها يوم عرفة ويوم النحر، وأيام التشريق كما في بداية المجتهد لابن رشد رحمه الله تعالى.
الْحَاجُّ فَلَا يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِالعُمْرَةِ مَا دَامَ مُحْرِماً بِالْحَجُّ وَكَذَا لَا يَصِحُّ إِحْرَامُهُ بِهَا بَعْدَ التحللَيْن مَا دَامَ مُقيماً بِمنى للرَّمْي (1) فَإِذَا نَفَر مِنْ مِنى النفْرَ الثانِي أوْ الأَوَّلِ جَازَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِيمَا بقِيَ مِنْ أيّامِ التشْرِيقِ لكِنْ الأَفْضَلُ أنْ لَا يَعْتَمِرَ حَتى تَنْقَضِيَ أيامُ التشْرِيقِ.
الثَّالثةُ: صِفَةُ الإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ كَصِفَتِهِ في الْحَج في اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ للإْحْرَامِ (2) والتطَيبِ والتنْظِيفِ وَمَا يَلبَسهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنَ اللباسِ وَالتطَيبِ والصيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِي اسْتِحْبَابِ التَّلْبِيةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا سَبقَ. فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَكَّةَ أَحْرَمَ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ حِينَ يَبْتَدِىءُ بالسَّيْرِ كَمَا سَبَقَ فِي إِحْرَامِ الْحَجّ، وَإِنْ كَانَ فِي مكَّةَ وَأَرَادَ الْعُمْرَةَ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيُصَلي رَكْعَتَيْنِ وَلْيَسْتَلِمَ الحَجَرَ (3) ثُم يَخْرُجُ مِنَ الْحَرَمِ إِلَى الْحِلّ فَيَغْتَسِلُ هُنَاكَ للإْحْرَامِ (4)
(1) أي لأن الوقت مستحق لبقية النسك وهي المبيت والرمي فلا يصرف لنسك آخر. أقول: جاء في مفيد الأنام عن القاضي أبي يعلى الحنبلي رحمه الله تعالى أنه قال: لو تحلل من الحج يوم النحر ثم أحرم فيه بعمرة فليس بمتمتع. قال صاحب مفيد الأنام رحمه الله تعالى: فعبارته صريحة في صحة عمرته يوم النحر بعد التحلل الأخير من الحج فعلى هذا يكون الممنوع ما إذا أحرم بالعمرة وهو متلبس بالحج، أما إذا حل منه التحلل الأخير صح الاعتمار إذ ليس فيه إدخال للعمرة على الحج، على أني لم أطّلع على أن أحداً من السلف أو ممن يعتد بقوله اعتمر وهو في تلك الحالة التي بقي عليه فيها بعض مناسك الحج من الرمي والمبيت ليالي منى والله أعلم. اهـ.
(2)
فإذا اغتسل في الحرم وخرج إلى أدنى الحل من أي جهة كانت وكان ذلك الغسل ينسب للإحرام كفاه في أصل السنة، وإذا اغتسل للإحرام في الحل كفاه عن غسل دخول مكة والله أعلم.
(3)
أي الأسود، ويقبله ويسجد عليه نظير ما مَرّ.
(4)
ولو اغتسل في الحرم وخرج إلى الحل وكان ذلك الغسل ينسب للإحرام كفاه =
ويلبسُ ثَوْبَيْ الإِْحْرَامِ وَيُصَلّي رَكْعَتَيْنِ وَيُحْرِمُ بِالعُمْرَةِ إِذَا سَارَ وَيُلَبي، وَكُل هذِهِ الأُمُورِ عَلَى مَا سَبقَ في الحَجِّ.
وَلَا يَزَالُ يُلَبي حَتَّى يَدخلَ مَكَّة فيَبْدَأُ بِالطَّوَاف وَيقْطَعُ التَّلبِيَةَ حِينَ يَشْرَعُ في الطَّوَافِ فَيَرْمُلُ في الطَّوْفَاتِ الثلَاثِ الأوَلِ. مِنَ السَّبْعِ وَيَمْشِي فِي الأَرْبَعِ كَمَا سَبقَ في طَوَافِ الْقُدُومِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَيَسْعَى بينَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا وَصَفْنَاهُ فِي الْحَجّ فَإِذَا تَمَّ سَعْيُهُ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ فَإِذا فَعَلَ ذَلِكَ تَمَّتْ عُمْرَتُهُ وَحَل مِنْهَا حَلَاّ كَامِلاً وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْء وَلَيْسَ لَهَا إِلا تَحَللٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ اسْتُحِب لَهُ أن يَنْحَرَهُ بَعْدَ السَّعْي وَقَبْلَ الْحَلْقِ وَحَيْث نَحَرَ مِنْ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ لكِن الأَفْضَلُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ (1) لأنّهَا مَوْضِعُ تَحَلُّلِهِ كَمَا سَبق لِلْحَاجّ النَّحْرُ بِمِنى لأَنَّهَا مَوْضِعُ تُحَلّلِهِ.
وَأَرْكَانُ العُمْرَةِ أَرْبَعَةٌ (2): الإِْحْرَامُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ إِذَا قُلْنَا بِالأَصَح إِنّهُ نُسُكٌ.
= في أصل السنة وإذا اغتسل في الحل كفاه عن غسل الإِحرام وعن غسل دخول مكة كما تقدم والله أعلم.
(1)
أما الآن فالنحر عند المروة لا يتمكن منه المعتمر خصوصاً بعد تشييدها بهذا البناء الذي لم يسبق له مثيل، وأصبح طول المسعى من أول الصفا حتى آخر المروة وعرضه من الميلين الأخضرين إلى الميلين الأخضرين المقابلين لهما مكملاً للمسجد الحرام في إقامة صفوف المصلين به كما هو مشاهد حتى خارج المسعى تقام فيه صفوف المصلين فعليه ينحر المعتمر حيث تيسر له من مكة أو الحرم وفق الله حكومتنا السعودية لما فيه الخير للبلاد والعباد آمين.
(2)
والخامس الترتيب في الكل وهو مفهوم من كلام المصنف ولذلك لم يعده أيضاً من أركان الحج مع أنه منها في معظم الأركان إذ لا ترتيب بين الحلق والطواف.
وَوَاجِبَاتُهَا التقَيدُ بِالإِْحْرَامِ مِنَ الْمِيْقَاتِ وَسُنَنُهَا ما زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَالله أَعْلَمُ.
الرَّابِعَةُ: لَوْ جَامَعَ قَبْلَ التَّحَللِ فَسَدَتْ عُمْرَتهُ حَتى لَوْ طَافَ وَسَعَى وحَلَقَ شَعْرَتَيْنِ فَجَامَعَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ الشَّعْرَةَ الثالِثَةَ فَسَدَتْ عُمْرَتهُ (1) وَحُكْمُ فَسَادِهَا كَالْحَج فَيَجِبُ الْمُضِيُّ في فَاسِدِهِا وَيَلْزَمُه الْقَضَاءُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ.
(1) قال المصنف رحمه الله تعالى في المجموع: قال ابن المنذر: ولا أحفظ هذا عن غير الشافعي. وقال ابن عباس وأبو حنيفة عليه دم، وقال مالك عليه الهَدْي. اهـ مختصراً. وقال الشيخ عبد الله الجاسر الحنبلي رحمه الله تعالى في مفيد الأنام 1/ 175: ولا يفسد العمرة الوطء بعد الفراغ من السعي وقبل الحلق كالوطء في الحج بعد التحلل الأول. اهـ.