الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع السادس: الجمَاعُ ومُقَدّماته:
فَيَحْرمُ على المحرم الوطْء (1) في القُبل والدُّبر مِنْ كل حَيَوان وَتَحْرُمُ المُبَاشَرَة (2) فيمَا دُونَ الفَرْجِ بِشَهْوَة (3)
= وأما الجواب عن حديث ابن عباس في نكاح ميمونة: فإن الروايات اختلفت في نكاحها. فروى يزيد بن الأصم عنها وهو ابن أختها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (تزوجها وهو حلال) رواه مسلم. وعن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تزوج ميمونة حلالاً وبنى بها حلالاً، وكنت الرسول بينهما) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. قال أصحابنا: وإذا تعارضت الروايات تعين الترجيح فرجحنا رواية الأكثرين أنه تزوجها حلالاً والترجيح الآخر وهو أن رواية تزوجها حلالاً من جهة ميمونة رضي الله تعالى عنها وهي صاحبة القصة، وأبي رافع، وكان السفير بينهما فهما أعرف، فاعتماد روايتهما أولى.
(فرع): إذا تزوج المحرم فنكاحه باطل عندنا وعند الجمهور، ويفرق بينهما تفرقة الأبدان بغير طلاق. وقال مالك وأحمد: يجب تطليقها لتحل لغيره بيقين لشبهة الخلاف في صحة النكاح. ودليلنا أن العقد الفاسد غير منعقد، فلا يحتاج في إزالته إلى فسخ كالبيع الفاسد وغيره، وفي هذا جواب عن دليلهم.
(فرع): قد ذكرنا أن المشهور من مذهبنا صحة رجعة المحرم، وبه قال مالك والعلماء إلا أحمد في أشهر الروايتين عنه. دليلنا أنها ليست بنكاح وإنما نهى الشرع عن النكاح والله أعلم. اهـ مختصراً.
أقول: قال العلامة منصور البهوتي الحنبلي رحمه الله تعالى في كتابه كشاف القناع: وتباح الرجعة للمحرم وتصح لأنها إمساك. اهـ. فلعل المذهب اختيار الرواية الأخرى.
(1)
والدليل على تحريم الجماع ومقدماته على المحرم. قوله تعالى: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] والرفث الجماع. ومعنى (فلا رفث): لا ترفثوا. لفظه خبر ومعناه النهي.
(2)
أي ولو لغلام. والمباشرة هي إلصاق البشرة -وهي ظاهر الجلد- بالبشرة.
(3)
الشهوة: اشتياق النفس إلى شيء، وينبغي أن يتنبه لذلك من يحج بحليلته، لا سيما عند إركابها وتنزيلها فمتى وصلت بشرته لبشرتها بشهوة أثم ولزمته الفدية، وإن لم ينزل. اهـ كردي. اهـ إعانة الطالبين.
كالمفَاخَذَة (1) والْقُبْلَة واللّمس بالْيد بَشَهْوَةٍ وَلَا يَحْرُمُ اللمس والْقُبْلَةُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَهَذَا التحْرِيم في التحِريم في الجِمَاع يَسْتَمِرُّ حَتَّى يَتَحَلَّل التَّحَلُلَيْن وكَذَا المُبَاشَرَةُ بغَيْر الجمَاع يَسْتَمر تَحْريمُهَا عَلَى الْقَوْل الأصَح وَعَلى قَوْلٍ يحل بالتَّحَلل الأَوَّل وحَيْثُ حَرَّمْنَا المُبَاشَرَةَ فيما دُونَ الفَرْج فَبَاشَرَ عَامداً عَالماً لَزِمه الْفِدْيةُ (2) ولَا يَفْسُدُ نُسُكهُ وإنْ بَاشَرَ نَاسياً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَاف سَوَاءٌ أَنزَلَ أمْ لَا.
والاسْتِمنَاء (3) بالْيَد يُوجبُ الْفِدْيةَ وَلَوْ كَرَّرَ النَظَرَ إلَى امْرأَةٍ فَأَنْزَلَ مِنْ غَيْر مُبَاشَرَةٍ وَلَا اسْتِمْنَاء فَلَا فِدْيةَ عَلَيه عندَنَا ولَا عِنْدَ أبي حَنيفَةَ ومَالك رَحمهما اللهُ وَقَالَ أحْمَدُ في روايةٍ تَجِبُ بدَنةٌ وفي رواية شاةٌ وَأمَّا الوطء في قُبُل المرأة أوْ دُبُرها أوْ دُبُر الرَّجُل وَالْبهيمةِ فَيَفْسُدُ به الحج إنْ كَانَ قَبْلَ التَّحَلل الأول (4) سوَاء قَبْل الْوُقُوف بعَرَفَةَ أَو بعده وإنْ كَانَ بين التَحْللَيْن لَمْ يفْسد الْحَج (5) وإن
(1) أي والمعانقة.
(تنبيه): يحرم على الحلال مباشرة المحرمة حيث لا يجوز له تحليلها، ويحرم على المحرمة تمكين الحلال من مباشرتها والله أعلم.
(2)
محله ما لم يجامع بعدها، وإلاّ دخل واجبها وهو الشاة في واجب الجماع من بدنة إذا كان قبل التحللين أو شاة إذا كان بين التحللين.
(3)
الاستمناء هو طلب خروج المني بيده أو بيد غيره. وقوله: يوجب الفدية أي إن أنزل، ومثله التقبيل والمباشرة ولو لذكر بشهوة بدون حائل أنزل أم لا فيهما الفدية.
(4)
يشمل من فاته الحج وهو المعتمد، كما في الحاشية فحيث جامع قبل التحلل منه بنحو الطواف المتبوع بالسعي والحلق فسد بشرط العلم والعمد والاختيار والتمييز وكذا تلزمه الفدية لو فعل شيئاً من محرمات الإحرام قبل ذلك، ولا فرق في الإِفساد والإِثم بالوطء بين الفاعل والمفعول المكلف وكذا تلزم كلاً منهما الفدية لو فعل شيئاً من محرمات الإحرام قبل ذلك.
(5)
أي ولكن تجب به شاة أو سُبْع بَدَنة أو سُبْع بقَرة أو صوم ثلاثة أيام أو التصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع. وتتكرر الفدية بتكرار الوطء.
جامَعَ في الْعُمْرَةَ قَبْل فَرَاغها فَسَدَت (1) وإذا فَسَدَ الْحَجُّ أو الْعُمْرَةُ (2) وجَبَ
(1) أي إن كانت مفردة أما القارن فعمرته تابعة لحجه صحةً وفساداً كما يحل له معظم المحظورات بعد التحلل وإن لم يأت بأفعالها. فإن جامع قبل التحلل الأول، فسد نسكاه، وإنْ كان قد أتى بصورة أعمال العمرة بتمامها كأن طاف وسعى وحلق قبل الوقوف تعدياً أو لعذر أو حلق بعده ولم يحصل التحلل الأول وإن جامع بعده لم يفسد وإن لم يأت بجميع أفعال العمرة كان رمى وحلق فقط.
(2)
أي بالوطء بشرط العلم والعمد والاختيار والتمييز. وكون الوطء قبل التحللين في الحج وفي العمرة قبل تمامها. هذا إذا كانت مفردة وإلا فهي تابعة للحج كما تقدم، ولا فرق في إفساد ما ذكر وفي الإثم بالوطء بين الفاعل والمفعول المكلف، وأما الفدية فلا تلزم إلا الرجل المواقع لأنه لم يؤمر بالكفارة في الحديث في إفساد الصوم إلا هو ولأن الكفارة غرم مالي يتعلق بالجماع فيختص بالرجل الواطىء كالمهر فلا يجب على الموطوءة.
وعند العلامة المحقق ابن حجر المكي رحمه الله تعالى في فدية الجماع تفصيل وهو لزوم الكفارة للرجل إنْ كان زوجاً محرماً مكلفاً وإلا فعليها حيث لم يكرهها وكذا لو زنت أو مكنت غير مكلف.
وفي الكردي ما نصه: والذي يتلخص مما اعتمده الشارح -يعني ابن حجر المكي في كتبه- أن الجماع في الإحرام ينقسم على ستة أقسام:
(أحدها): ما لا يلزم به شيء لا على الواطىء ولا على الموطوءة ولا على غيرها، وذلك إنْ كانا جاهلين معذورين بجهلهما أو مكرهين أو ناسيين للإحرام أو غير مميزين.
(ثانيها): ما تجب به البدنة على الرجل الواطىء فقط، وذلك فيما إذا استجمع الشروط من كونه عاقلاً بالغاً عالماً متعمداً مختاراً وكان الوطء قبل التحلل الأول والموطوءة حليلته سواء كانت محرمة مستجمعة للشروط أم لا.
(ثالثها): ما تجب به البدنة على المرأة فقط وذلك فيما إذا كانت هي المحرمة فقط وكانت مستجمعة للشروط السابقة أو كان الزوج غير مستجمع للشروط وإن كان محرماً.
(رابعها): ما تجب به البدنة على غير الواطىء والموطوءة وذلك في الصبي المميز إذا كان مستجمعاً للشروط فالبدنة على وليه.
(خامسها): ما تجب به البدنة على كل من الواطىء والموطوءة وذلك فيما إذا زنى =
عليه المُضِيُّ في فاسده (1) وَيَجبُ قَضَاؤُه (2) وتَلْزَمه (3) بَدَنَةٌ فإنْ لم يَجِدْ فَبقرَةٌ.
وسَيَأتي إِيضَاحُ الْبَدنَة (4) في باب الدماء في آخر الكتَاب إن شاء الله
= المحرم بمحرمة أو وطئها بشبهة مع استجماعهما شروط الكفارة.
(سادسها): ما تجب فيه فدية مخيرة بين شاة أو إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين أو صوم ثلاثة أيام وذلك فيما إذا جامع مستجمعاً لشروط الكفارة السابقة بعد الجماع المفسد أو جامع بين التحللين. هذا ملخص ما جرى عليه الشارح تبعاً لشيخ الإسلام زكريا واعتمد الشمس الرملي والخطيب الشربيني تبعاً لشيخهما الشهاب الرملي أنه لا فدية على المرأة مطلقاً. اهـ إعانة الطالبين.
(1)
أي فيعمل ما كان يعمله قبل الإفساد، ويجتنب ما كان يجتنبه قبله وإلا لزمته الفدية، فعلم أنه يحرم الجماع ثانياً قبل التحلل منه ويجب به شاة كما تقدم.
(2)
أي إن كان ما أفسده غير قضاء، وإلا فالواجب قضاء واحد بخلاف البدنة فتتكرر بحسب تكرر الإفساد.
(3)
أي المحرم سواء كان ذكراً أو أنثى إذ هو المحدث عنه في جميع هذا النوع بدليل قول المصنف في آخر المحرمات والمرأة كالرجل في جميعها. والله أعلم.
(4)
حاصله كما في الحاشية مع زيادة واختصار. أنه يجب به (أي بالجماع المفسد للنسك) بدنة فبقرة فسبع شياه، ومثلها سُبع من سَبع بدنات كما هو ظاهر فطعام مجزىء في الفطرة بقيمة البدنة بالنقد الغالب بسعر مكة في غالب الأحوال كما في الكفاية عن النص وغيره لكن خالفه جمع متأخرون فقالوا: يعتبر سعرها حال الوجوب.
قال في التحفة: وأوجه منهما اعتبار حالة الأداء لما يأتي في الكفارات ومصرف ذلك مساكين الحرم، والمستوطن أولى فإن عجز صام عن كل مد يوماً ويكمل المنكسر وواجب الطعام غير مقدر فلا يتعين لكل مسكين مد لكن الأفضل أن لا يزاد كل على مدين ولا ينقص عن مد فإنْ عجز صام عن كل مد يوماً ويكمل المنكسر، واحتج لوجوب البدنة بأن عمر وابنه عبد الله أفتيا بذلك وكذا ابن عباس وأبو هريرة رضي الله تعالى عن الجميع.
وأما الرجوع إلى البقرة والسبع من الغنم فلأنهما في الأضحية كالبدنة وأما الرجوع إلى الإطعام فلأن الشرع عدل في جزاء الصيد من الحيوان إلى الإطعام فرجع إليه هنا عند العذر، فلو تصدق بالدراهم لم يجزه، ويجزىء في الإِبل والغنم الذكر والأنثى.
تَعَالَى وَيَجبُ القَضَاء على الْفَوْر (1) هذا إذا جَامَعَ عامداً عالماً بالتَّحْريم فَإن كانَ نَاسياً (2) أو جَاهلاً بالتحْريمِ أَو جُومِعَت المَرْأَةُ مُكْرَهَةً (3) لم يَفْسد الحجُّ على الأَصَح (4) ولا فدْيةَ أيضاً على الأَصَح.
(1) أي ولو في سنة الإفساد إن أمكن كما لو أفسد المحرم نسكه ثم أحصر وتحلل والوقت باقٍ لزمه قضاؤه من سنته فوراً أو شرط التحلل بمرض فتحلل ثم شفي والوقت باقٍ فله قضاؤها من سنته وتسمية ما ذكر قضاء إنما هو بالمعنى اللغوي المجوز لإطلاق الأداء على القضاء وعكسه ومثل الحج في وجوب قضائه فوراً كل عبادة تعدى بإخراجها عن وقتها وكل كفارة تعدى بسببها فيجب أداؤهما فوراً.
(تتمة): قال في الحاشية (فرع) للمفرد المفسد لأحد النسكين أن يقضيه مع الآخر قراناً أو تمتعاً، وللمتمتع والقارن القضاء إفراداً، ولا يسقط بذلك الدم وعلى القارن المفسد بدنة، ودم للقران وعليه دم آخر في القضاء وإن كان مفرداً كما في الروضة.
وبحث البلقيني أنه في المتمتع يلزمه دمان آخران، دم للقران الذي التزمه بالإفساد ودم للتمتع الذي فعله، وهو متجه، لكن صرح الشيخان بأنه لا قرق بين المتمتع والقارن، ولو فات القارن الحج فأتت العمرة وعليه دمان للفوات والقران وقضاء كقضاء المفسد فيما مَرّ. اهـ.
(2)
في معنى الناسي كما في الحاشية من أحرم عاقلاً ثم جن أو أغمى عليه. وفي معنى الجاهل من رمى جمرة العقبة قبل نصف الليل ظاناً أنه بعده وحلق ثم جامع فلا فدية عليه كما في المجموع. (فإن قيل): يجب القضاء على من ظن دخول الليل أو بقاءه فافطر وتسحر ثم ظهر أنه أكل نهاراً ولم يجب القضاء هنا.
أجيب: كما في الحاشية بأن علامة الليل أو النهار من شأنها أن تكون ظاهرة لكل أحد فخطؤه مع ذلك يشعر بمزيد تقصير بخلاف دخول نصف الليل الثاني فإنه لا يعرفه إلا الفذ النادر فلا تقصير هنا، وأيضاً فقضاء الحج صعب فسقط بأدنى عذر والله أعلم.
(3)
مثلها الرجل إذا جامع مكرهاً لأن الأصح تصور إكراهه عليه كما في المجموع.
(4)
مقابله الفساد ووجوب الفدية فيسن في الصور الثلاث إخراج البدنة والقضاء =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= خروجاً من الخلاف، ويقال بنظيره في كل مسألة فيها خلاف لم يخالف سنة صحيحة أو يضعف مدركه جداً كأن يخالف قياساً جلياً.
(تتمة): جاء ما يأتي في الحاشية: إذا جامع زوجته أو أمته فسد حجها بأن كانت طائعة عالمة بالتحريم ذاكرة للإحرام ولزمه الأذن لها في القضاء وعليه لها ما زاد من النفقة بسبب السفر، وإن لم يسافر معها، وإذا عضبت أو ماتت لزمه أن يستأجر من ماله من يحج عنها فوراً، وإذا خرجا معاً سُن، وقيل: وجب أن يفترقا من حين الإحرام إلى التحلل الثاني، ومكان الجماع آكد.
والمراد بالافتراق أن لا يخلو بها بحيث يتمكن من وقاعها أو مقدماته بل وأن لا ينظر إليها إن خشي أنه يؤدي إلى ذلك. ولو أحرم مجامعاً لم ينعقد أو حال النزع انعقد صحيحاً لأن النزع ليس بجماع، ولو ارتد في نسكه بطل من أصله ولا مضي ولا قضاء وإن أسلم فوراً. اهـ.
مذاهب العلماء رحمهم الله تعالى في مسائل من مباشرة المحرم المرأة ونحوها
قال المصنف رحمه الله تعالى في مجموعه:
(أحداها): إذا وطئها في القبل عامداً عالماً بتحريمه قبل الوقوف بعرفات، فسد حجه بإجماع العلماء، وفيما يجب عليه خلاف لهم، فمذهبنا أن واجبه بدنة كما سبق، وبه قال مالك وأحمد وهو مذهب جماعات من الصحابة رضي الله عنهم. وقال أبو حنيفة: عليه شاة لا بدنة، وقال داود: هو مخير بين بدنة وبقرة وشاة.
(الثانية): إذا وطئها بعد الوقوف بعرفات قبل التحللين فسد حجه وعليه المضي في فاسده وبدنة والقضاء هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: لا يفسد، ولكن عليه بدنة، وعن مالك رواية: أنه لا يفسد، دليلنا أنه وطىء في إحرام كامل فأشبه الوطء قبل الوقوف. احتجوا بالحديث:"الحج عرفة فمن أدرك عرفة فقد تم حجه". قال أصحابنا: هذا متروك الظاهر بالإِجماع فيجب تأويله وهو محمول على أن معناه فقد أمن الفوات.
(الثالثة): إذا وطىء بعد التحلل الأول وقبل الثاني لم يفسد حجه عندنا، ولكن عليه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الفدية، ووافقنا أبو حنيفة في أنه لا يفسد. وقال مالك: إذا وطئ بعد جمرة العقبة وقبل الطواف لزمه أعمال عمرة ولا يجزئه حجه لأن الباقي عليه أعمال عمرة، وهي الطواف والسعي والحلق، وقالا: فيلزمه الخروج إلى الحل ويحرم بعمرة ويلزمه الفدية، وعن أحمد روايتان: الفدية هل هي شاة أو بدنة؟
(الرابعة): إذا وطئ في الحج وطئاً مفسداً لم يزل بذلك عقد الإِحرام بل عليه المضي في فاسده والقضاء، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والجمهور، وقال الماوردي والعبدري: هو قول عامة الفقهاء. وقال داود: يزول الإحرام بالفساد ويخرج منه بمجرد الإفساد وحكاه الماوردي عن ربيعة أيضاً قال وعن عطاء نحوه قال: واستدلوا بحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَد" رواه مسلم. قالوا: والفاسد ليس مما عليه أمره. وقياساً على الصلاة والصوم، واستدل أصحابنا بإجماع الصحابة ولأنه سبب يجب به قضاء الحج فوجب أن لا يخرج به من الحج كالفوات، والجواب عن الحديث أن الذي عليه ليس أمر صاحب الشرع إنما هو الوطء، وهو مردود، وأما الحج فعليه أمر صاحب الشرع "وأما" قياسهم على الصوم والصلاة فجوابه أنه يخرج منهما بالقول فكذا بالإفساد بخلاف الحج، ولأن محظورات الصلاة والصوم تنافيهما بخلاف الحج.
(الرابعة): إذا وطئ امرأته وهما محرمان فسد حجهما وقضيا وفرق بينهما في الموضع الذي جامعها فيه فلا يجتمعان بعد التحلل. وهل التفريق واجب أو مستحب؟ فيه قولان أوجهان عندنا (أصحهما) مستحب.
قال مالك وأحمد واجب، وزاد مالك فقال: يفترقان من حيث يحرمان ولا ينتظر موضع الجماع، وقال عطاء وأبو حنيفة: لا يفرق بينهما ولا يفترقان، ومما قال بالتفريق عمر وعثمان وابن عباس وسعيد بن المسيب والثوري وإسحق وابن المنذر، واحتج أبو حنيفة بالقياس على الوطء في نهار رمضان، فإنهما إذا قضيا لا يفترقان واحتج أصحابنا بأن ما قلناه قول الصحابة، ولأنه لا يؤمن إذا اجتمعا أن يتذكرا ما جرى فيتوقا إليه فيفعلاه، والجواب عن قياسه على الصوم أنه زمنه قصير، فإذا تاق أمكنه الجماع بالليل بخلاف الحج.
(الخامسة): إذا أحرم بالحج أو بالعمرة من موضع قبل الميقات ثم أفسده لزمه في =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= القضاء الإحرام من ذلك الموضع، وبه قال ابن عباس وسعيد بن المسيب وأحمد وإسحق
وابن المنذر رضي الله عنهم. وحكى ابن المنذر عن النخعي أنه يحرم من المكان الذي جامع فيه.
وقال مالك وأبو حنيفة: إن كان حاجاً كفاه الإحرام من الميقات، وإن كان معتمراً فمن أدنى الحل، واحتجا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة:"ارفضي عمرتك ثم أمرها أن تحرم من التنعيم بالعمرة" رواه البخاري ومسلم. واحتج أصحابنا بأنها مسافة وجب قطعها في أداء الحج فوجب في القضاء كالميقات، وأما حديث عائشة فإنها صارت قارنة فأدخلت الحج على العمرة.
ومعنى (ارفضي عمرتك) أي دعي إتمام العمل فيها واقتصري على أعمال الحج فإنها تكفيك عن حجك وعن عمرتك، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لها في صحيح مسلم وغيره:"طوافك وسعيك يجزئك لحجك وعمرتك" فهذا تصريح بأنها لم تبطلها من أصلها، بل أعرضت عن أعمالها منفردة لدخولها في أعمال الحج، وقد بسطت هذا التأويل بأدلته الصحيحة الصريحة في شرح صحيح مسلم رحمه الله تعالى والله أعلم.
(السادسة): قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يلزم من فسد حجه بدنة. وبه قال ابن عباس وعطاء وطاووس ومجاهد ومالك وأبو ثور والثوري وإسحق إلا أن الثوري وإسحاق قالا: إن لم يجد بدنة كفاه شاة، وعندنا وعند آخرين إن لم يجد بدنة فبقرة فإن فقدها فسبع من الغنم فإن فقدها أخرج بقيمة البدنة طعاماً، فإن فقد صام عن كل مدٍ يوماً، وعن أحمد رواية أنه مخير بين هذه الخامسة، وسبق بيان مذهب أبي حنيفة في المسألة الأولى والثانية. ودليلنا آثار الصحابة.
(السابعة): إذا وطىء القارن فسد حجه وعمرته ولزمه المضي في فاسدهما وتلزمه بدنة للوطء، وشاة بسبب القرآن. فإذا قضى لزمه أيضاً شاة أخرى سواء قضى قارناً أم مفرداً؛ لأنه توجب عليه القضاء قارناً، فإذا قضى مفرداً لا يسقط عنه دم القران.
قال العبدري: وبهذا كله قال مالك وأحمد، وقال أبو حنيفة: إن وطىء قبل طواف العمرة فسد حجه وعمرته وعليه المضي في فاسدهما، والقضاء وعليه شاتان شاة لإفساد الحج وشاة لإفساد العمرة ويسقط عنه دم القران، فإن وطىء بعد طواف العمرة فسد حجه، وعليه القضاء وذبح شاة ولا تفسد عمرته فيلزمه بدنة بسببها، ويسقط عنه دم =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= القران. قال ابن المنذر: وممن قال يلزمه هدي واحد عطاء وابن جريج ومالك، والشافعي وإسحق وأبو ثور وقال الحاكم: يلزمه هديان.
(الثامنة): إذا أفسد المحرم والمحرمة حجهما بالوطء فقد ذكرنا الخلاف في مذهبنا أنه هل يلزمهما بدنة أو بدنتان، قال ابن المنذر: وأوجب ابن عباس وابن المسيب والضحاك والحاكم وحماد والثوري وأبو ثور على كل واحد منهما هدياً، وقال النخعي ومالك: على كل واحد منهما بدنة، وقال أصحاب الرأي إن كان قبل عرفة فعلى كل واحد منهما شاة، وعن أحمد روايتان:(إحداهما) يجزئهما هدي و (الثانية) على كل واحد منهما هدي. وقال عطاء وإسحق لزمهما هدي واحد.
(التاسعة): إذا جامع مراراً فقد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه يجب في المرة الأولى بدنة وفي كل مرة بعدها شاة، قال ابن المنذر: وقال عطاء ومالك وإسحق: عليه كفارة واحدة، وقال أبو ثور: لكل وطء بدنة، وقال أبو حنيفة: إن كان في مجلس واحد فدم وإلا فدمان، وقال محمد: إن لم يكن كفر عن الأول كفاه لهما كفارة وإلا فعليه للثاني كفارة أخرى. دليلنا أن الثاني مباشرة محرمة مستقلة لم تفسد نسكاً فوجبت فيها شاة كالمباشرة بغير الوطء.
(العاشرة): لو وطىء امرأة في دبرها أو لاط بِرَجُل أو أتى بهيمة، فقد ذكرنا أن الصحيح عندنا أنه يفسد حجه وعمرته بكل واحد من هذا، وقال أبو حنيفة: البهيمة لا تفسد، ولا فدية، وفي الدبر روايتان، وقّال داود: لا تفسد البهيمة واللواط.
(الحادية عشرة): لو وطئها فيما دون الفرج لم يفسد حجه عندنا، وعليه شاة في أصح القولين وبدنة في الآخر، سواء أنزل أم لا. وكذا قال جمهور العلماء: لا يفسد، وممن قاله الثوري وأبو حنيفة وأبو ثور، قال سعيد بن جبير والثوري وأحمد وأبو ثور وعليه بدنة، وقال أبو حنيفة: دم. وقال ابن المنذر: عندي عليه شاة. وقال عطاء والقاسم بن محمد والحسن ومالك وإسحق رحمهم الله: إن أنزل فسد حجه ولزمه قضاؤه. وعن أحمد في فساده روايتان، وأما إذا قبلها بشهوة فهو عندنا كالوطء فيما دون الفرج فلا يفسد الحج وتجب شاة في الأصح وبه قال ابن المسيب وعطاء وابن سيرين والزهري وقتادة ومالك والثوري وأحمد وإسحق وأبو حنيفة وأبو ثور، وقال ابن المنذر رحمه الله: روينا ذلك عن ابن عباس، وروينا عنه أنه يفسد حجه، وعن عطاء رواية أنه يستغفر الله تعالى ولا شيء عليه، وعن سعيد بن جبير أربع روايات:(إحداها) كقول ابن =
النوع السابع: إتلاف (1): الصيد:
فيحرم بالإِحرام إتلاف كل حيوان بري وحشي أو في أصله وحشي (2) مأكول (3) وسواء المستأنس (4) وغيره والمملوك وغيره فإن أتلفه (5) لزمه الجزاء
= المسيب رحمه الله و (الثانية) عليه بقرة و (الثالثة) يفسد حجه و (الرابعة) لا شيء عليه بل يستغفر الله تعالى.
(الثانية عشرة): لو ردَّد النظر إلى زوجته حتى أمنى لم يفسد حجه ولا فدية عليه وبه قال أبو حنيفة وأبو ثور. وقال الحسن البصري ومالك: يفسد حجه وعليه الهدي.
وقال عطاء: عليه الحج من قابل، وعن ابن عباس روايتان:(إحداهما) عليه بدنة و (الثانية) دم، وقال سعيد بن جبير وأحمد وإسحق: عليه دم.
(الثالثة عشرة): إذا وطىء المعتمر بعد الطواف وقبل السعي فسدت عمرته وعليه المضيّ في فاسدها والقضاء والبدنة وبه قال أحمد وأبو ثور لكنهما قالا: عليه القضاء والهدي، وقال عطاء: عليه شاة ولم يذكر القضاء وقال الثوري وإسحاق: يريق دماً وقد تمت عمرته، وقال ابن عباس رضي الله عنه: العمرة والطواف، واحتج إسحاق بهذا، وقال أبو حنيفة: إن جامع بعد أن طاف بالبيت أربعة أشواط لم تفسد عمرته وعليه دم، وإن كان طاف ثلاثة أشواط فسدت وعليه إتمامها والقضاء ودم. قال ابن المنذر: وأجمعوا على أنه لو وطىء قبل الطواف فسدت عمرته، أما إذا جامع بعد الطواف والسعي وقبل الحلق فقد ذكرنا مذهبنا فساد العمرة إن قلنا إن الحلق نسك وهو الأصح، قال ابن المنذر: ولا أحفظ هذا عنْ غير الشافعي، وقال ابن عباس والثوري وأبو حنيفة: عليه دم وقال مالك عليه الهدي، وعن عطاء أنه يستغفر الله تعالى ولا شيء عليه. قال ابن المنذر: قول ابن عباس أعلى.
(1)
المراد بالإتلاف هنا التعرض ليشمل التطيير.
(2)
أي وإنْ بَعُد.
(3)
أي لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: 96].
(4)
منه الدجاج الحبشي وإن ألف البيوت. قال ابن جماعة رحمه الله تعالى: لأن أصله وحشي.
(5)
أي أو أزمنه وإن كان مكرهاً لكن له الرجوع على المكره بكسر الراء، فالمكره بفتح الراء طريق في الضمان.
فإن كان مملوكاً لزمه الجزاء لحق الله تعالى والقيمة للمالك (1) وَلَوْ تَوَحّشَ إنسيّ لم يَحْرُمْ نَظَرَاً لأَصْله ولَوْ تَوَلّدَ مِنْ مَأكُولٍ وَغَيْره أو من إنْسي وغَيْره كالْمُتولد بَيْنَ الظَّبي والشَّاة حَرُمَ إتْلَافُهُ ويَجبُ به الجَزاء احْتَياطاً ويَحْرُم الجَرَادُ ولا يَحْرُمُ السَّمَك وصَيْدُ البَحْر (2) وهوَ ما لا يَعيشُ إلاّ في البَحْر فأَمَّا ما يَعيشُ في البر والبحر فَحَرَام (3) وأمَّا الطُّيُور المائية التي تَغُوصُ في الماء وتَخْرجُ فَحَرام ولا يَحْرُم ما ليس مَأكُولاً ولا ما هو مُتَوَلِّدٌ من مأكُولٍ وغيره.
(فرع): بيضُ الصَّيْد المأكُول ولَبنُهُ حَرَام ويَضمنهُ بقيمته (4) فإن كانت
(1) قد ألغز ابن الوردي رحمه الله تعالى في هذا فقال:
عندي سؤال حسنٌ مستطرف
…
فرع على أصلين قد تفرعا
قابض شيء برضا مالكه
…
ويضمن القيمة والمثل معا
ومراده بالأصلين أن المثل يضمن بمثله والمتقوم بقيمته. وقد أجاب بعضهم بقوله:
جواب هذا أن شخصاً محرماً
…
أعاره الحلال صيداً فاقنعا
أقبضه إياه ثم بعد ذا
…
قد أتلف المحرم هذا فاسمعا
فيضمن القيمة حقاً للذي
…
أعاره والمثل لله معاً
(2)
أي ولو كان البحر أو نحو البئر في الحرم وبه قال الجمهور، وعن أحمد: روايتان الجواز والمنع. وبالمنع قال صاحب مفيد الأنام: لأنه حرمي أشبه صيد الحرم ولأن حرمة الصيد للمكان فلا فرق. اهـ.
(3)
أي كالبري الوحشي المأكول تغليباً لجهة التحريم والمراد بالبحري ما لا يعيش إلا في الماء ولو نحو بئر كما تقدم أو نهر وإنما لم يحرم لأن اصطياده يدل غالباً على الاضطرار والمسكنة بخلاف صيد البر فيحرم لأن اصطياده يدل غالباً على الترفه وهو مناف للإحرام.
(4)
قال في الحاشية: ما ذكره في اللبن هو المعتمد حيث حلب له فإن حلبه هو حرم قطعاً، ولو نقص المحلوب بالحلب ضمن نقصه أيضاً فيقوم قبل النقص وبعده ويؤخذ التفاوت بينهما مع قيمة اللبن وتقييد البيض بكونه بيض مأكول يقتضي أن بيض ما =
البيضَةُ مَذِرَةَ (1) فأَتْلَفَهَا فلا شَيْء عليه إِلا أن تكُون بيضةَ نَعَامة فَيضمَنُهَا بقيمتها لأن قِشْرهَا يُنْتَفعُ به ولو نَفرَ صَيْداً عن بيضتهِ (2) التي حَضَنَهَا فَفَسَدَتْ لزِمهُ قيمتها ولو كَسَرَ بَيْضَ صَيْدٍ فيها فَرْخ له روح فَطَارَ وسَلِم فَلَا ضَمَانَ وإن ماتَ فعليه مثلُه مِنَ النَّعَمَ إنْ كان له مثْل وإِلا فَعَلَيْه قيمَتُهُ.
(فرع): كما يَحْرُمُ عليه إتْلَافُ الصَيْدِ فَيَحرمُ عليه إتلافُ أَجزَائه (3) ويَحْرُمُ عليه الاصْطيادُ وَالاستيلَاءُ والأصَحُّ أَنهُ لا يملكُه بالشِّراء والهبةِ والْوَصيةِ ونَحوها (4).
= لا يؤكل ولو بأن كان أحد أصوله غير مأكول لا ضمان ولا حرمة فيه، والأوجه خلاف فيحرم ويضمن كأصله لا سيما إن قلنا بجواز أكله وهو المعتمد. اهـ مختصراً.
(1)
أي بأن صارت دماً. وقال أهل الخبرة: إنها فسدت فلا يتأتى فرخ لنجاستها حينئذ أما إذا لم تكن كذلك فهي طاهرة على المعتمد ففيها الضمان.
(2)
أي أو نقلها من موضع إلى موضع آخر. نعم لو باض في فراشه ولم يمكنه دفعه إلا بالتعرض للبيض فتعرض له ففسد لم يضمنه - كما في الحاشية.
(3)
أي ويضمنها أي ولو نحر شعرة (فإن قيل): لِمَ لَمْ يضمن ورق الشجرة الحَرَمية كَما يأتي.
أجيب بأن قطْع الورقة لا يضر الشجرة بخلاف نحو الشعر لأن إزالته تضر الصيد، ولأن يقيه من نحو الحر والبرد.
(4)
أي من كل سبب اختياري بخلاف الإرث، ورده عليه بعيب فإنه يملكه ولا يزول ملكه إلا بإرساله فوراً فإن أخره عصى بالتأخير لوجوب الفورية (فإن قيل): مَنْ أحرم وبملكه صيد يزول ملكه عنه بمجرد إحرامه فَلِمَ هنا لا يزول إلا بإرساله.
(أجيب) -كما في الحاشية- بأن اختيار المحرم للإرسال مع منافاته لبقاء الصيد في ملكه رضاء بزواله أي من شأنه ذلك وإنْ جهل زوال الملك بالإِحرام وعذر بجهله فيما يظهر من كلام الفقهاء رحمهم الله تعالى بخلاف الوارث ونحوه فإنه لا اختيار له، ويصح بيعه قبل إرساله، ولا يسقط عنه الجزاء إلا بإرسال المشتري وإلا فلا وإن مات بيد المشتري والله أعلم.
فإن قَبَضهُ بَعْقِد الشِّراء (1) دَخَلَ في ضَمَانه فإنْ هَلَكَ في يده لَزِمَهُ الجَزَاءُ لِحَق الله تعالى والقيمَة لمالكه فإنْ رَدّهُ عليه سقطت القِيمة ولم يَسْقُطْ الْجَزَاءُ إلا بالإِرْسال وإنْ قَبَضَهُ بعقْد الهبة أو الْوَصِيةِ فهو كَقَبْضه بعَقْد الشرَاءِ إلَاّ أنه إذا هَلَكَ في يَدِه لم تَلْزَمْهُ قيمتُه للآدمي على الأَصَح لأنَّ ما لا يُضْمَنُ في الْعَقْد الصحيح لا يُضْمَنُ في الفاسِدِ كالإِجَارة ولو كان يَمْلُكُ صَيْداً فَأَحْرمَ زَالَ ملْكَهُ عَنْهُ (2) على الأصَح وَلَزِمَهُ إرْسَالُهُ (3) ولا يَجب تَقْدِيمُ الإِرسال على الإِحْرَام بِلَا خِلَافٍ.
(فرع): ويَحْرُمُ على المُحْرم (4) الإِعانة (5) على قتْل الصَّيْد بدلَالةٍ أو
(1) أي أو العارية أو الوديعة. نعم لو تلف بيد الوديع بلا تفريط ضمنه بالجزاء فقط كما يأتي.
(2)
قال في الحاشية: قد يشكل عليه دخول الحلال به للحرم فإنه لا يزول به (أي عند الشافعية بخلاف غيرهم فإنه يزول كما سيأتي) مع منافاة الحرم للاصطياد كالإحرام.
ويجاب بأن الإحرام مانع قائم بذات المحرم فنافى بقاءه في ملكه، لأن فيه ترفُّهاً لا يليق بالمحرم بخلاف الدخول به للحرم، إنه لم يقم بسببه بذات الداخل مانع ينافي بقاءه في ملكه إذ المنافي لحرمة الحرم إيجاد الاصطياد فيه لإبقاء الملك عند الدخول. اهـ. بزيادة ما بين القوسين.
(3)
أي وإن تحلل، وحيث لزمه الإرسال ملكه آخذه، ولو قبل إرساله لأنه صار مباحاً، ويضمنه إن مات قبل الإرسال، وإنْ عجز عنه كما في الحاشية لأنه ينسب لنوع تقصير حيث لم يقدمه على إحرامه مع إمكان تقديمه والله أعلم.
(4)
وكذا الحلال في الحرم إنْ لم يكن الصيد مملوكاً بأنْ صاده حلال في الحل ودخل به الحرم فلا يحرم التعرض له إلا من حيث كونه ملكاً للغير.
(5)
أي والتنفير لغير ضرورة، فإن باض على فراشه فلا يضمن ما تولد من نفاره كما تقدم فيما لو باض بفراشه وأخذاً مما يأتي في صياله.
إعارَة آلة أو بصيَاح ونحو ذلك (1) فلو نَفر (2) صيداً (3) فَعَثَر وَهَلَكَ به أو أَخَذَهُ سَبع أو انْصَدَمَ بِجَبَل أو شجرة ونحْوها لزمَهُ الضمان سَواء قَصَدَ تَنْفيرَهُ أم لا ويكونُ في عهدة التنْفيرِ حتى يَعُودَ الصَّيْدُ إلَى عَادَتِهِ في السُّكُون (4) فَإنْ هَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ هَلَكَ فِي حَالِ نفَارِهِ بآفة سمَاوية فلا ضَمَانَ عَلَى الأَصح.
(فرع): النَّاسي والْجَاهل (5) كَالْعَامد (6) في وُجُوب الْجَزَاء وَلَا إثْمَ عَلَيْهِمَا بخلَاف الْعَامد وَلَوْ صالَ عَلَى المُحْرم صَيْد في الْحل أو في الْحَرَم
(1) أي ولو لحلال اتفاقاً وإنما الخلاف في الجزاء وقوله ونحو ذلك كالإشارة وهي أخف الدلالات.
(2)
أي إنسان حلال بالحرم أو محرم مطلقاً أي سواء كان بالحرم أو بالحل.
(3)
أي صيداً حرمياً أو كان المنفر محرماً، وإن كان ساهياً أو دخل الحل فقتله حلال لا محرم تقديماً للمباشرة وقياس ما مَرّ أن المنفر يكون طريقاً.
(تنبيه): يحرم على الحلال أنْ يدل المحرم على الصيد، وإن اختص المحرم بالجزاء، وكذا يختص المحرم بالجزاء أيضاً فيما لو أمسك الصيد فقتله الحلال، أو أمسكه الحلال فقتله المحرم والله أعلم.
(4)
أي بأنْ يرجع سالماً إلى موضعه أو يسكن غيره ويألفه.
(5)
أي المميز فلا ضمان على غير المميز وهذا خارج عن قاعدة الإتلاف لأن هذا حق الله تعالى فسومح فيه غير المميز كالمجنون والصبي والمغمى عليه والنائم بخلاف الناسي والجاهل فإنهما يعقلان فينسبان إلى التقصير، ويستثنى من الجاهل كما في الحاشية لو باض الصيد أو فرخ في فراشه جاهلاً به فانقلب عليه حال نومه، فأتلفه. نعم إن علم به قبل النوم ثم انقلب عليه بعده ضمنه إنْ سهلت عليه تنحيته.
(6)
أي خلافاً للإمام مجاهد رحمه الله فإنه أخذ بمفهوم الآية وهي قوله تعالى: {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] الآية. وحجة الجمهور قضاء عمر رضي الله عنه بالجزاء على المخطىء ولم ينكر أحد عليه وحملوا التعمّد على أنه خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له.
فَقَتَلَهُ للدَّفْع عَنْ نَفْسه (1) فَلَا ضَمَانَ وَلَوْ رَكِبَ إنسانٌ صيداً وصال على محرم ولم يمكن دفعه إلاّ بقتل الصيد فقتله وجب الجزاء على الأصح لأن الأذى ليس من الصيد، ولو وطئ المحرم الجراد عامداً أو جاهلاً فأتلفه فعليه الضمان ويأثم العامد دون الجاهل ولو عم الجراد المسالك ولم يجد بُدّاً من وطئه فلا ضمان عليه على الأصح ولَو اضطُر إلَى ذَبح صَيْد لشدَّة الجُوع جَاز أَكلُه وعَليه الجَزاء لأنَّه أتلَفَهُ لمنفعة نفْسِهِ مِنْ غير إيذاءٍ مِنَ الصَّيد.
ولو خَلصهُ الْمُحرم مِنْ فَم سَبُع أوْ هرَّة ونَحْوِهما أو أخذه لِيُدَاويه ويَتعَهَّدَهُ فَهَلَكَ في يَده فَلا ضَمَانَ على الأَصَح.
(فرع): يَحْرُمُ على الْمُحْرِم أَنْ يَستَوْدعَ الصَّيْدَ وأنْ يَسْتَعِيره فإن خالَفَ وقَبَضَهُ كان مَضْمُوناً عليه بالْجَزَاء والقِيمة للمالك فإن رَدَّهُ للمالك سَقَطَتْ القيمةُ ولم يَسْقُط ضَمَانُ الْجَزَاء حَتَّى يُرسِله المالك.
(فرع): ولو كان المحرم راكبَ دابةِ فتلف صَيْد بِرَفْسها أو عَضّها أو بالت في الطريق فزلق صَيْدٌ فَهَلَكَ لزمه ضَمَانه، ولو انْفَلتتْ الدابةُ فأتلفت صيْدَاً فلا شيءَ عليه (2).
(فرع): يَحْرُمُ على المُحْرِم أكْلُ صَيْد ذبَحهُ هو (3) أو صادَهُ غَيرهُ له بإذنِهِ أو بغير إذْنِهِ أو أَعان عليهِ أو كان لَهُ تَسبب فيه (4) فَإنْ أكل منهُ عَصَى ولا جَزَاء
(1) أي أو عضوه أو ماله.
(2)
أي وإن فرط. والفرق بينه وبين انحلال الكلب بتقصيره أن ربطه يقصد به غالباً دفع الأذى، فإذا انحل بتقصيره فوت الغرض بخلاف ما هنا والله أعلم.
(3)
أي لغير الاضطرار.
(4)
أي في اصطياده ولو بدلالة خفية فتنبه الصائد له.
عليه بسَبَب الأَكْل (1) ولو صادَهُ حَلالٌ لا للمحرم (2) ولا تَسَببَ فيه جازَ له الأَكْلُ منه ولا جَزَاء عليه ولو ذَبَحَ المُحْرِم (3) صَيْداً صَارَ مَيْتَة على الأَصَحِّ فَيَحْرُم على كُل أحد أكْلُه (4) وإذا تَحَللَ هو من إحْرامِهِ لم يَحل لهُ ذلك الصَّيْدُ.
(فرع): هذا الَّذي ذَكَرْتُهُ نُبَذٌ لا يَسْتَغْني الْحاجُّ (5) عن مَعْرِفَتها وَسَيأتي تَمَامُ ما يَتَعَلَّقُ بصيَدْ الْحَرَمِ وأَشْجارِهِ ونَبَاتِه وَبَيانُ الجَزَاءِ والْفِدْيةِ في آخر الكتَاب إن شاءَ الله تعالى.
(1) مما ذبحه أو صِيدَ له ولو بإذنه أو بسبب دلالته أو إعانته.
(2)
محترز قوله: (له).
(3)
أو الحلال في الحرم.
(4)
بخلاف كسر المحرم أو الحلال في الحرم بيض الصيد وحلب لبنه، وقتله للجراد فإنه لا يحرم على الغير فإنْ حِلَّها لا يتوقف على تذكية بخلاف الحيوان فإنه لا يباح إلا بها وهو ليس من أهلها لقيام معنى به، وهو الإحرام أو حلول الحلال في الحرم والله أعلم.
(5)
أي والمعتمر والقارن: وإنما عبر بالحاج لأنه الغالب أو أنه أراد به ما يشمل الكل إذْ القارن يسمى حاجاً أيضاً وإن زاد بالعمرة والمعتمر يسمى حَاجاً إذ العمرة تسمى حجاً أصغر.
مذاهب الأئمة رحمهم الله تعالى في مسائل تتعلق بالصيد في حق المحرم مأخوذة من المجموع
(إحداها): إذا قتل المحرم الصيد عمداً أو خطأ أو نسياناً لإحرامه لزمه الجزاء عندنا - وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد والجمهور.
(الثانية): إذا قتل المحرم صيداً لزمه جزاؤه ثم قتل صيداً آخر لزمه للثاني جزاء آخر، هذا مذهبنا وبه قال مالك وأبو حنيفة وعن أحمد روايتان.
(المسألة الثالثة): ما صاده المحرم أو صاده له حلال بأمره أو بغير أمره أو كان من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= المحرم فيه إشارة أو دلالة أو إعانة بإعارة آلة أو غيرها. فلحمه حرام على هذا المحرم، فإن صاده حلال لنفسه ولم يقصد المحرم ثم أهدى منه للمحرم أو باعه أو وهبه فهو حلال للمحرم أيضاً هذا مذهبنا. وبه قال مالك وأحمد وداود وقال أبو حنيفة: لا يحرم عليه ما صيد له بغير إعانة منه.
(المسألة الرابعة): إذا ذبح المحرم صيداً في الحل لم يحل له أكله بالإجماع. وفي تحريمه على غيره عندنا قولان الأَصح التحريم، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد ويكون ميتة.
(المسألة الخامسة): إذا ذبح المحرم صيداً وكل منه لزمه الجزاء بالذبح ولا يلزمه بالأكل منه شيء. هذا مذهبنا. وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد، وقال أبو حنيفة: عليه الجزاء بالذبح، وعليه قيمة ما أكل، ووافقنا في صيد الحرم أنه إذا قتله المحرم وكله لا يلزمه إلا جزاء واحد، دليلنا القياس على صيد الحرم ولأنه أكل ميتة فأشبه سائر الميتات.
(المسألة السادسة): إذا دل المحرم حلالاً على صيد فقتله أثم الدال ولا جزاء على واحد منهما ولو دل محرم محرماً على صيد فقتله فالجزاء على القاتل دون الدال هذا مذهبنا وبه قال مالك وقال أبو حنيفة على كل منهما جزاء دليلنا قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ} [المائدة: 95] فأوجب الجزاء على القاتل فلا يجب على غيره ولا يلحق به غيره لأنه ليس في معناه.
(المسألة السابعة): إذا قتل صيداً مملوكاً فعليه الجزاء لله تعالى وقيمته للمالك هذا مذهبنا كما تقدم وبه قال أبو حنيفة وأحمد ومالك رحمه الله.
(المسألة الثامنة): إذا قتل القارن صيداً لزمه جزاء واحد كما لو تطيب أو لبس تلزمه فدية واحدة هذا مذهبنا وبه قال مالك وأحمد في أصح الروايتين عنه، وقال أبو حنيفة: عليه جزاءان لأنه أدخل النقص على الحج والعمرة بقتل الصيد فوجب جزاءان كما لو قتل المفرد في حجه وفي عمرته. دليلنا أن المقتول واحد فوجب جزاء كما لو قتل المحرم صيداً في الحرم، فإنه وافقنا أنه يجب عليها جزاء واحد مع أنه اجتمع فيه حرمتان و (أما) ما قاس عليه فالمقتول هناك اثنان.
(المسألة التاسعة): يجب الجزاء -أي القيمة- على المحرم بإتلاف الجراد عندنا وعند أحمد. قال العبدري: وهو قول أهل العلم كافة إلا الإِصطخري فقال: لا جزاء فيه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لأنه من صيد البحر واحتج له بحديث أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أصبنا سرباً من جراد فكان رجل يضرب بسوطه وهو محرم فقيل له: إن هذا لا يصلح فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنما هو من صيد البحر) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، واتفقوا على تضعيفه لضعف أبي المهزم واحتج لمن أوجب فيه الجزاء بقصة كعب الأحبار في قتله الجرادتين وهو محرم نسياناً فلما قدم المدينة قص القصة على عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقال عمر: ما جعلت على نفسك يا كعب؟ قال: درهمين، قال: بخ، درهمان خير من مائة جرادة اجعل ما جعلت في نفسك. رواه الشافعي بإسناده الصحيح والحسن والبيهقي عن عبد الله بن أبي عمارة وبإسنادهما الصحيح عن القاسم بن محمد قال: كنت جالساً عند ابن عباس رضي الله عنهما فسأله رجل عن جرادة قتلها وهو محرم فقال ابن عباس: فيها قبضة من طعام، ولتأخذن بقبضة من جرادات، ولكن ولو.
قال الشافعي رحمه الله والأئمة والمسلمين والمسلمات- قوله: (ولتأخذن بقبضة من جرادات) أي إنما فيها القيمة. وقوله: (ولو) يقول: تحتاط فتخرج أكثر مما عليك بعد أنْ أعلمتك أنه أكثر مما عليك. (الجواب) عن حديث أبي هريرة في الجراد أنه من صيد البحر أنه حديث ضعيف كما سبق، ودعوى أنه بحري لا تقبل بغير دليل، وقد دلت الأحاديث الصحيحة والإِجماع أنه مأكول فوجب جزاؤه كغيره والله أعلم.
(المسألة العاشرة): كل طائر وصيد حرم على المحرم يحرم عليه بيضه، فإن أتلفه ضمنه بقيمته. هذا مذهبنا وبه قال أحمد. وقال المزني: لا جزاء في البيض، وقال مالك: يضمنه بعشر ثمن أصله. قال ابن المنذر: اختلفوا في بيض الحمام، فقال الشافعي: فيه قيمته وقال مالك: يجب فيه عشر ما يجب في أمه. قال: واختلفوا في بيض النعام فقال الشافعي وأحمد: فيه القيمة. وقال مالك: فيه عُشْر ثمن البدنة. دليلنا أنه جزء من الصيد لا مثل له من النعم فوجبت فيه القيمة كسائر المتلفات التي لا مثل لها وذكر البيهقي رحمه الله تعالى فيه باباً فيه أحاديث وآثار، وليس فيها ثبات عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(المسألة الحادية عشرة): إذا أحرم الشخص وفي ملكه صيد فقد ذكرنا أن الأصح عندنا أنه يلزمه إرساله ويزول ملكه عنه، وقال مالك وأبو حنيفة وأحمد لا يزول ملكه ولكن يجب إزالة يده الظاهرة عنه، فلا يكون ممسكاً له في يده، ويجوز أن يتركه في بيته وقفصه، وقال مالك وأحمد وأصحاب الرأي: ليس عليه إرسال ما كان في منزله، وقال =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= مالك وأحمد وأصحاب الرأي: إن كان في يده صيد لزمه إرساله، وقال أبو ثور: ليس له إرسال ما في يده. قال ابن المنذر: وهذا صحيح.
(الثانية عشرة): قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: أجمع أهل العلم على أن صيد البحر مباح للمحرم اصطياده وكله وبيعه وشراؤه قال: واختلفوا في قوله تعالى: {وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] فقال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم: هو ما لفظه البحر، وقال ابن المسيب: صيده ما اصطدت وطعامه ما تزودت مملوحاً. (قلت): وأما طير الماء فقال الأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي وعوام أهل العلم: هو من صيد البر، فإذا قتله المحرم لزمه الجزاء والله أعلم. اهـ.
(الثالثة عشرة): قال العبدري رحمه الله تعالى: الحيوان ضربان: أهلي ووحشي.
فالأهلي يجوز للمحرم قتله إجماعاً، والوحشي يحرم عليه إتلافه إن كان مأكولاً أو متولداً من مأكول وغيره وإن كان مما لا يؤكل وليس متولداً من مأكول وغيره. هذا مذهبنا وبه قال أحمد. وقال أبو حنيفة: عليه الجزاء إلا في الذئب. قال ابن المنذر: ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: "خمس لا جناح على مَنْ قتلهن في الإِحرام: الغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور والحدأة" قال: فأخذ بظاهر هذا الحديث الثوري والشافعي وأحمد وإسحق غير أن الإمام أحمد لم يذكر الفأرة. قال: وكان مالك يقول: الكلب العقور ما عقر الناس وعدا عليهم كالأسد والنمر والفهد والذئب. قال: فأما ما لا يعدو من السباع ففيه الفدية. قال: وأجمعوا على أن السبع إن ابتدر المحرم فقتله فلا شيء عليه، واختلفوا فيمن بدأ السبع فقال مجاهد والنخعي والشعبي والثوري وأحمد وإسحق: لا يقتله، وقال عطاء وعمرو بن دينار والشافعي وأبو ثور: لا بأس بقتله في الإحرام عدا عليه أو لم يعد، قال ابن المنذر: وبه أقول.
وقال أصحاب الرأي: عليه قيمته إلا أن تكون قيمته كثر من الدم فعليه دم إلا الكلب والذئب فلا شيء عليه، وإن ابتدأهما. قال: وأجمعوا على أنه لا شيء عليه في قتل الحية. قال: وأباح أكثرهم قتل الغراب في الإحرام، منهم مالك والشافعي وأحمد وإسحق وأبو ثور وأصحاب الرأي.
وقال بعض أصحاب الحديث: إنما يباح الغراب الأبقع دون سائر الغربان. (وأما) الفأرة فأباح الجمهور قتلها ولا جزاء فيها، ولا خلاف فيها بين العلماء إلا ما حكاه ابن =