الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْل
في آداب الإِحرام
(1)
وفيه مَسَائِلُ:
أحَدهما: السُّنَّةُ أنْ يَغْتَسلَ قَبْلَ الإِحْرَام غُسلاً يَنْوي به غُسْلَ الإِحْرَام (2)
= مذاهب العلماء في مسألة إذا جاوز شخص الميقات مريداً للنسك فأحرم دونه قال المصنف رحمه الله تعالى في مجموعه: (قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إذا جاوز الميقات مريداً للنسك فأحرم دونه أثم. فإن عاد قبل التلبس بالنسك سقط عنه الدم سواء عاد ملبياً أو غير ملب، هذا مذهبنا، وبه قال الثوري وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور. وقال مالك وابن المبارك وزفر وأحمد: لا يسقط عنه الدم بالعود. وقال أبو حنيفة: إن عاد ملبياً سقط الدم، وإلا فلا، وحكى ابن المنذر عن الحسن والنخعي: إنه لا دم على المجاوز مطلقاً، قال وهو أحد قولي عطاء، وقال ابن الزبير: يقضي حجته ثم يعود إلى الميقات فيحرم بعمرة، وحكى ابن المنذر وغيره عن سعيد بن جبير أنه لا حج والله أعلم). اهـ.
(1)
الإِحرام لغة الدخول في التحريم يقال: (أشتى) إذا دخل في الشتاء. و (أرْبَعَ) إذا دخل في (الربيع) و (أنْجَد) إذا دخل نجداً، و (أتْهَمَ) إذا دخل في تهامة، و (أصبح) و (أمسى) إذا دخل في الصباح والمساء، وشرعاً نية الدخول في النسك وسمي الدخول في النسك إحراماً لأن المحرم بإحرامه حرم على نفسه أشياء كانت مباحة كالنكاح والطيب والصيد واللباس، وجميع محرمات الإِحرام.
(2)
وكذا سائر الأغسال المسنونة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" ولتمييز العبادة عن العادة، قال بعضهم رحمه الله تعالى: إذا أراد الغسل للمسنونات نوى أسبابها إلا الغسل من الجنون والإِغماء فإنه ينوي به الجنابة.
وَهو مُسْتَحَب لكل مَنْ يَصح منهُ الإِحْرَام (1) حتى الحائض والنُّفساء (2) والصبي فإنْ أمكَنَ الحائض المقامُ بالميقاتِ حتَّى تَطْهر وَتَغْتَسلَ ثم تُحْرِم فَهُوَ أَفْضَلُ ويصحُّ مِنَ الحائضِ والنُّفَسَاء جميع أعْمَال الحج إلَاّ الطَّوافَ ورَكْعَتَيْهِ فإنْ عَجَزَ المُحْرِمُ عن الماء تَيَمَّمَ (3) وإنْ وَجَدَ ماءً لا يكفيه للْغُسْل تَوَضَّأ به ثُمَّ تَيَممَ، فَإنْ تَرَكَ الغُسْل مع إمْكَانه كُرهَ ذلك (4) وصح إحرَامُهُ ويُسْتَحَبُّ للحَاج الغسلُ (5) في عَشَرَةِ مَواضعَ: للإحْرام (6) ولدُخُول مكّة (7)
(1) أي وغيره كالمجنون والصغير وليه، وينوي عنه.
(2)
أي بنية الغسل.
(3)
هو المعتمد لأن الغسل يراد به العبادة والنظافة، فإذا تعذر أحدهما بقي الآخر، ولأن التيمم ينوب عن الواجب فالمندوب أولى وبه قالت الحنابلة رحمهم الله. وفي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لا يستحب التيمم واختاره الموفق رحمه الله تعالى وقال: والصحيح أن التيمم غير مسنون لأنه غسل غير واجب فلم يستحب التيمم له عند عدم الماء كغسل الجمعة، والفرق بين الواجب والمسنون أن الواجب شرع لإباحة الصلاة، والتيمم يقوم مقامه في ذلك، والمسنون يراد للتنظيف وقطع الرائحة والتيمم لا يحصل هذا بل يحصل شعثاً وتغبيراً. اهـ. وقالت الحنفية رحمهم الله: التيمم لغسل الإحرام عند العجز عن الماء ليس بمشروع لأنه ملوث إلا إذا أراد صلاة سنة الإحرام، فإنه يتيمم لها حينئذ، وعند المالكية رحمهم الله أن من لم يجد ماء يغتسل به للإحرام أو وجده ولكن خاف باستعماله ضرراً أو زيادته أو تأخير برء فإنه لا يتيمم للإحرام. اهـ. مفيد الأنام ونور الظلام للشيخ ابن جاسر رحمه الله تعالى.
(4)
مثله ما لو أحرم جنباً.
(5)
الغسل للعبادة والنظافة كما تقدم.
(6)
أي بحج أو عمرة أو بهما.
(7)
ولو حلالاً من بئر ذي طوى بفتح الطاء أفصح من ضمها وكسرها، وهذه البئر بمحلة جرول أمام مستشفى الولادة واسمها مكتوب على بابها للاتباع، ومثل دخول مكة دخول الحرم المكي والمدني، والمدينة المنورة والكعبة وهذا الغسل وجميع الأغسال تسن ما لم يتقدم غسل قريب مطلوب هذا حيث لم يحدث تغير كأن خرج من مكة فأحرم بعمرة =
وللوقوفِ بِعَرَفَةَ (1) وللْوُقُوف بمُزْدَلِفَةَ (2) بعدَ الصبْح يَوْمَ النَّحْرِ ولِطَوَاف الإِفَاضَةِ وللْحلق وثَلَاثَةُ أغْسَالٍ لرَمْي جمار أيامِ التَشْرِيق (3) وِلَطَوَاف الودَاع ويَسْتَوي في اسْتحْبَابَها الرجُلُ والمَرْأةُ والحائضُ (4) ومَنْ لم يجدْ ماءً فحكْمُهُ ما سَبَقَ (5).
المَسْألَة الثَّانيةُ: يُسْتَحَب أنْ يَسْتكملَ التنْظيف بحَلْق العَانة (6) وَنَتْفِ الإِبط وَقَصِّ الشَّارب وَتَقْليم الأَظفَار ونحوها ولَو حَلَقَ الإِبطَ بَدَلَ النَّتفِ ونتف العَانةَ فَلَا بأس.
= من التنعيم واغتسل للإحرام، فلا يسن الغسل للدخول وإلا فيسن مطلقاً، ولا يضر الفصل بين الغسل والإِحرام بزمن قليل لا يغلب فيه التغيير بخلاف التيمم لأن المدار فيه على العبادة لا النظافة ويؤيد ذلك قول القاضي عياض رحمه الله إنه صلى الله عليه وسلم اغتسل بالمدينة عند خروجه لذي الحليفة ثم أحرم منها، ولو فات هذا الغسل ندب قضاؤه بعد الدخول وكذا بقية الأغسال والله أعلم.
(1)
الأفضل كون الغسل "بنمرة" بعد الزوال ويدخل وقته بالفجر كالجمعة.
(2)
أي بمشعرها ويدخل وقته بنصف الليل كغسل العيد فقوله بعد الصبح ظرف للوقوف، لا للغسل.
(3)
الظاهر دخول وقته بالفجر كغسل الجمعة بجامع أن كلا يفعل لما بعد الزوال.
(4)
لا يأتي في الحائض ما ذكر من الطواف ومثلها في هذا الباب النفساء كما أشار إليه المصنف رحمه الله فيما مر.
(5)
أي من التيمم، فإن وجد من الماء بعض ما يكفيه فالذي يتجه أنه إن كان ببدنه تغير أزاله به وإلا فإن كفى الوضوء توضأ به، وإلا غسل بعض أعضاء الوضوء، وحينئذ إنْ نوى الوضوء تيمم عن باقيه غير تيمم الغسل وإلا كفى تيمم الغسل، فإن فضل شيء عن أعضاء الوضوء غسل به أعالي بدنه.
(6)
حلق العانة وما عطف عليه محله لغير مريد التضحية في عشر ذي الحجة ووقته قبل الغسل، ويسن الجماع قبل الإِحرام ويتأكد لمن يشق عليه تركه.
الثَّالِثَةُ: يَغْسلُ رَأسَهُ بسِدر أو خطْمِيّ أو نَحوه وُيسْتَحَبُّ أن يُلَبِّدَه (1) بصَمْغ أو خطْمي أو غاسُول ونَحْوه.
الرابعة: يَتَجَرَّدُ (2) عَنْ الملْبُوس الذي يَحْرمُ عَلَى المحرم لِبْسُهُ ويَلْبَسُ إزاراً ورداءً والأفْضَلُ أنْ يكونا أبْيَضَيْن (3) جَدِيدَيْن أو نَظِيفَيْن (4) وَيُكْرَهُ المصبُوغُ (5)
(1) أي بأن يعقص شعر رأسه ويضرب عليه بصمغ أو خطمي أو غاسول أي أشنان لدفع نحو القمل وإن طال زمنه واعتاد الجنابة أو الحيض.
(2)
أي الرجل لا الخنثى لأنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله فلو أحرم في ثيابه المحيطة صح إحرامه وعليه الفدية كما سيأتي إن شاء الله في الباب السابع وصريح كلام المصنف رحمه الله أن التجرد سنة لكنه مشى في المجموع كالرافعي في العزيز أنه واجب وعند الحنفية التجرد مستحب وليس بواجب قبل الإِحرام حتى لو أحرم وهو لابس ينعقد ويكره، وعند المالكية التجرد عن المحيط واجب، وعند الحنابلة واجب وليس بشرط.
(3)
أي لقوله صلى الله عليه وسلم: "خير ثيابكم البياض" الحديث رواه الطبراني رحمه الله تعالى.
(فائدة): لا يضطبع المحرم حال الإِحرام وإنما يُسَن الاضطباع له حال الطواف وهو أن يجعل الذكر وسط ردائه تحت منكبه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر ويترك منكبه الأيمن مكشوفاً كما سيأتي، ولا بأس أن يُبَدل المحرم الإِزار والرداء بغيرهما، قال الإِمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه وقال إبراهيم النخعي: لا بأس أن يبدل المحرم ثيابه. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في الفتح أي يغير المحرم ثيابه ما شاء والله أعلم.
(4)
في بعض الكتب: (جديدين وإلا فنظيفين ويجوز إحرامه في ثوب واحد بعضه على عاتقه).
(5)
أي ولو قبل النسج على المعتمد، ومحله إن وجد البياض، وإلا فما صُبغ قبل النسج أولى مما صبغ بعده لأن هذا لم يلبسه صلى الله عليه وسلم بخلاف الأول، فقد روى البيهقي رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم كان له برد أخضر يلبسه في العيدين والجمعة، ومحله أيضاً في غير المعصفر والمزعفر لحرمة لبسهما على كلام في المعصفر وإنما كرهوا هنا المصبوغ =
وَيَلْبَسُ نعلين (1) ثمّ يَتَطَيَّبُ (2).
والأَولَى أَنْ يقْتَصر على تَطْييب بَدَنه دُون ثِيابِهِ (3) وأنْ يكونَ بالمِسْكِ (4)
= بغيرهما مطلقاً بخلافه في نحو الجمعة لأن المحرم أشعث أغبر فلم يناسبه المصبوغ مطلقاً، وهل يكره المصبوغ بعضه، وإن قل؟ قال العلامة المحقق ابن حجر المكي رحمه الله: فيه نظر، ولا يخفى أنه خلاف الأولى.
(1)
أي لما رواه أبو عوانة رحمه الله في صحيحه من قوله صلى الله عليه وسلم: "ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين" وصححه ابن المنذر رحمه الله تعالى. ويشترط في النعلين أن لا يحرمان بالإِحرام نحو التاسومة والمداس المعروف من كل ما يظهر منه رءوس الأصابع والعقب فإن فقده حسَّاً أو شرعاً واحتاج لوقاية الرجل كأن كان الحفاء غير لائق به فليلبس ما يستر الأصابع أو العقب كخف قطع أسفل كعبيه.
(2)
أي في بدن لغير الصائم والبائن فيكره لهما، إلا إذا كانت لهما رائحة يُتأذى بها وتوقفت إزالتها على تطييبهما ولغير المحِدة فيحرم عليها.
(3)
أي اتفاقاً وهو المعتمد ويُباح الطيب في إزاره وردائه وغيرهما على الأصح قياساً على البدن، قال في التحفة: لكن المعتمد ما في المجموع أنه لا يندب تطيبه جزماً للخلاف القوي في حرمته، ومنه يؤخذ أنه مكروه كما هو قياس كلامهم رحمهم الله في مسائل صَرّحوا فيها بالكراهة. اهـ. ومذهب الحنابلة رحمهم الله كالشافعية رحمهم الله، وعند الحنفية رحمهم الله يتطيب، والأفضل بما لا يبقى أثره، والأولى عندهم أن يطيب ثيابه، وعند المالكية رحمهم الله يكره لمريد الإِحرام أن يتطيب، واحتجوا بحديث يعْلى بن أمية رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم -يعني ساعة- ثم قال: "اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك ما تصنع في حجتك" متفق عليه، ولأنه يمنع من ابتدائه فمنع عندهم من استدامته، وحجة الثلاثة قول عائشة رضي الله عنها:(كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت) ولما سيأتي عنها أيضاً قال العلامة الحافظ ابن عبد البر رحمه الله: لا خلاف بين جماعة أهل العلم بالسير والآثار أن قضية صاحب الجبة كانت عام حنين والجعرانة سنة ثمان، وحديث عائشة في حجة الوداع سنة عشر أي فهو ناسخ. اهـ.
(4)
أي لأنه الذي تواتر عنه صلى الله عليه وسلم التطييب به بخلاف غيره بل يكره التطيب بالزباد =
والأَفْضَلُ أنْ يَخْلطَهُ بماء الورْد أو نَحْوِه لِيذْهَبَ جِرْمه ويَجُوزُ بما يَبْقى جرْمَهُ (1) ولهُ اسْتِدَامَةُ لبس ما بقي جِرْمُهُ بعدَ الإِحْرام على المذهبِ الصَحيح ولو انْتَقَلَ الطِّيبُ بعدَ الإحْرام مِنْ مَوضع إلى مَوْضع بالْعَرَق ونحوهِ لم يَضُرّ (2) ولا فِدْيةَ عليه على الأَصَحِّ وقيلَ عليه الفِدْيةُ إنْ تركَهُ بعد انتقاله ولَوْ نَقَلَهُ باخْتيارِه أو نَزَعَ الثَّوْبَ المُطَيب ثم لبسَهُ لزمه الفديةُ (3) علَى الأَصحِّ وسَوَاء فيما ذَكَرْناهُ من الطِّيبِ الرَّجُلُ والمَرْأةُ (4) وَيُسْتَحَب للمرْأة (5) أنْ تَخْضِبَ يَدَيْها بالحنَّاء إلى الكُوعَيْن قبْلَ الإحْرَام وَتَمْسَحَ وجْهَها بشيء من الحناء لتَسْتُرَ الْبَشَرَةَ لأَنَّها مأمُورَة بكَشْفها وسَوَاء في اسْتحباب الخضاب المُزَوَّجةُ وغَيْرُها والشابَّةُ والعَجُوزُ وإذا خَضَبَتْ عَممت اليَدَين ويُكْرَهُ النَّقْش والتَّسْويدُ وَالتطْريفُ وهو
= لأن الإمام أحمد رحمه الله تعالى يقول بنجاسته، قيل: ولأنه طيب النساء. اهـ حاشية.
(1)
أي لقول عائشة رضي الله عنها الذي رواه البخاي ومسلم: (كأني أنظر إلى وبيص) أي لمعان الطيب وبريقه (في مفرق) بكسر الراء وسط رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم (وهو محرم).
(2)
لحديث عائشة رضي الله عنها الذي رواه أبو داود رحمه الله: (كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك عند الإِحرام فإذا عرقت إحدانا سال على وجهها فيراها النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها) وفي رواية: (ولا ينهانا).
(3)
إن بقيت رائحة الطيب ولو بظهورها عند رش الماء عليه وتتكرر الفدية بتكرر النقل والنزع كما يعلم مما يأتي، أما لو تعطر ثوبه بما على بدنه فتبقى ريحه فيه لم يضر نزعه ثم لبسه.
(4)
أي للحديث الذي رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها السابق: كنا نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فنضمد جباهنا بالمسك عند الإِحرام
…
الحديث.
(5)
أي غير المحدة فخرجت هي والخنثى والرجل فيحرم عليهم الخضاب إلا للضرورة والبائن فلا يسن لها الخضاب.
خضْبُ بَعْض الأصابع (1) ويُكْرَهُ لَهَا الخِضَابُ بَعْدَ الإِحْرام (2).
والخامسة: ثُم بَعْدَ فِعلهِ ما ذَكَرْنَاهُ يُصَلي ركْعَتَين يَنْوي بهما سُنةَ الإِحْرام يقْرَأ فيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1)} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} (3) فإنْ كان هُنَاكَ مَسجد صَلاهُمَا فيه فإنْ أحرَمَ في وَقت فَريضَة فصلاهَا أغْنَتْهُ عن رَكْعَتَي الإِحرام (4) ولو صَلاهُمَا مُنْفردتَيْن عن الفَريضَة كانَ أفْضَل فإنْ كَانَ الإِحْرَامُ في وَقْت كَرَاهَة الصَّلَاة لم يُصَلهِمَا (5) على الأصَحِّ ويُسْتَحَب أنْ يُؤَخرَ الإِحْرَام إلى خُرُوج وَقْت الكَرَاهَةِ ليُصَليهما.
السادسة: إذا صَلى أحْرَمَ وفي الأَفْضَلِ من وَقت الإِحْرَام قَوْلان للشَّافعِي رحمهُ اللهُ تَعالى:
أحَدُهمَا: الأفضَلُ أنْ يحرمَ عَقيبَ الصَّلَاة وَهُوَ جَالِس (6).
(1) أما الخضاب بالسواد والنقش وتطريف بعض الأصابع به وتحمير الوجنة فجائز لحليلة أذن لها حليلها، فإن كانت خليّة أو لم يأذن لها ولا علمت رضاه حرم. اهـ حاشية.
(2)
قال في الحاشية: في الكراهة نظر إنْ كان بالحناء لوجهها أو يديها وقصدت به سترهما تداركاً لما فوتته من ندب فعل ذلك قبل الإحرام بل لو قيل بالندب في هذه الصورة لم يبعد. اهـ.
(3)
وجه مناسبتهما اشتمالهما على إخلاص التوحيد بالقصد إلى الله تعالى المتأكد على المحرم مراعاته.
(4)
مثلها كل نافلة فتجزىء عنها في إسقاط الطلب وكذا في حصول الثواب إنْ نويت نظير ما مر من صلاة الاستخارة. اهـ حاشية.
(5)
هو المعتمد لتأخر سببهما.
(6)
وبه قال الأئمة أبو حنيفة وأحمد وداود رحمهم الله، قال في الحاشية ويدل له حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم:(أهل في دبر الصلاة) رواه الأربعة وحسنه الترمذي وصححه =
والثاني: أنْ يُحْرِمَ إذا ابْتَدأ السير راكباً كان أو ماشياً (1) وهذا هو الصَّحيحُ (2) فَقَدْ ثَبَتَ فيه أحادِيثُ مُتَّفَقٌ على صحتهَا والحديثُ الواردُ بالأَوَّلِ فيه ضعْفٌ ويُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَقْبِلَ القبلَةَ عنْدَ الإِحْرَام. وَأما المكّيُّ فإنْ قُلْنَا الأَفْضَلُ أنْ يُحْرمَ من بَاب دَاره صَلَّى رَكْعَتَين في بيته ثُمَّ يُحْرمُ عَلَى بابه ثُمَّ يَدْخُلُ المسجد ويَطُوفُ ثُمَّ يَخْرُجُ، وإنْ قُلْنَا يُحْرمُ مِنَ المسْجد دَخَلَ المسجد وطَافَ ثم صَلَّى رَكْعَتَين ثُمَّ يُحْرمُ قَريباً مِنَ الْبَيْت كما سَبقَ (3).
= الحاكم على شرط مسلم لكن ضعفه البيهقي وجزم به المصنف هنا. وقال السبكي رحمه الله: لولا كثرة الأحاديث واشتهارها بإحرامه صلى الله عليه وسلم عند إنبعاث راحلته لكان في هذا زيادة علم عليها. اهـ.
(1)
هذا معنى انبعاث الراحلة الوارد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما المروي في الصحيحين: (لم أرَ رسوله الله صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته).
(2)
وبه قال الإمام مالك والجمهور وقال الإمام أبو حنيفة والإمام أحمد وداود رحم الله الجميع إذا فرغ من الصلاة وهو القول الأوَل للشافعي رحمه الله وقد تقدم مع دليله.
(3)
المعتمد ما تقدم في التعليق على الباب الثاني في الإحرام مع أنه يُسَن له أي المكي أولاً ركعتا الإِحرام بالمسجد ثم يأتي إلى باب داره فيحرم عند أخذه في السير بنفسه أو دابته إذ الإِحرام لا يُسَن عقب الركعتين بل عند الخروج إلى عرفة ثم يدخل المسجد محرماً لطواف الوداع المسنون له ولكل من أراد الخروج من مكة لغير مسافة القصر إلى غير وطنه.
فَصْلٌ
في صفة الإِحرام (1) وما يكون بعده
صفَةُ الإِْحْرَام أنْ يَنْويَ بقْلبهِ الدُّخُولَ في الحَج والتلَبس به (2) وإنْ كانَ مُعْتمراً نَوَى الدُّخُولَ في العُمْرَة وَإنْ كانَ قَارناً نَوَى الدُّخُولَ في الْحَج وَالْعُمْرَةِ وَالْوَاجِبُ أنْ يَنْوِيَ هَذَا بقلْبه (3) ولا يجبُ التلَفظُ به ولا التلبيةُ ولكن الأفْضلُ أنْ يتلَفّظ به بلسَانه وأَن يُلبّي (4) لأَنَّ بَعْضَ العُلَماء قال: لَا يصح الإِحْرَامُ حَتى يُلبي (5) وبه قَالَ بَعْضُ (6) أصْحَاب الشَّافعي رَحمَهُمُ الله تَعَالَى فالاحْتِيَاطُ أنْ
(1) أي الصفة المحصلة للإحرام وهو إما يطلق ويراد به النية ومنه قولهم الإحرام ركن، أو الصفة المحصلة للداخل في النسك بشرط النية وهي التي يفسدها الجماع قبل التحلل وتبطلها الردة وليست التجرد. ومنه قولهم لا يصح الإِحرام إلا بالنية وقد تقدم الكلام على هذا مستوفى في التعليق على الباب الثاني.
(2)
هذا بالنسبة لمريد التعيين، أما مريد الإطلاق فصفة إحرامه أن ينوي بقلبه الدخول في النسك من غير تعيين حج ولا عمرة كما سيذكر إن شاء الله تعالى.
(3)
لعموم حديث: (إنما الأعمال بالنيات) متفق عليه من رواية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(4)
مستقبلاً القبلة لفعله صلى الله عليه وسلم ولنقل الخلف عن السلف وهو مذهب الحنابلة وأبي يوسف كالشافعية.
(5)
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: لا ينعقد الإحرام إلا بالنية مع التلبية أو مع سوق الهدي واحتج بأنه صلى الله عليه وسلم (لَبّى) وقال: "لتأخذوا عني مناسككم" وحمل الأولون أحاديث التلبية على الاستحباب وعند المالكية حقيقة الإحرام نية النسك وينعقد بمجرد النية على الراجح عندهم ولو لم يحصل قول ولا فعل يتعلقان به من تلبية وتجرد من المحيط ومقابل هذا قول العلامة خليل رحمه الله تعالى مع قول أو فعلٍ تعلقا به، وحكى الخطابي رحمه الله وجوب التلبية عن مالك رحمه الله تعالى.
(6)
قال أبو عبد الله الزبير من الشافعية المتقدمين لا ينعقد الإِحرام إلا بالنية والتلبية كما لا تنعقد الصلاة إلا بالنية والتكبير.
ينْوِيَ بقَلبه ويقُولَ بلسانه وَهُوَ مُسْتَحضرٌ نية القلْب: نَوَيْتُ الحجّ وأَحرمت به لله تَعَالى لَبيْكَ اللَّهُمَّ لَبيْكَ إلَى آخر التلبية، وإنْ كَانَ حَجهُ عَنْ غَيْره فَلْيقُل: نَوَيْتُ الحَج عَنْ فُلَان وَأحْرَمْتُ به لله تَعَالَى عَنْهُ لبيكَ عَنْ فُلَان إلَى آخر التَّلْبِية. قَال الشَّيْخُ أبُو مُحَمَّد الجُويني: وَيُسْتَحَب أنْ يُسَميَ في هَذه التلبية ما أحْرَمَ به من حَج أوْ عُمْرة فَيقُول: لَبيكَ اللَّهُمَّ بحجة لبيكَ إلَى آخرها (1) أو لبيكَ اللَّهُمَّ بعُمرة أو بحَجَّة وعُمْرة قالَ: ولا يَجْهَرُ بهذه التلْبية (2) بل يُسْمعُهَا نفسه بخلاف ما بَعْدها فإنّه يَجْهَرُ به وأما ما بعدَ هذهِ التلبيةِ فهل الأَفْضَلُ أنْ يذْكُرَ ما أَحْرَمَ به في تَلْبيته (3) أم لا؟ فيه خِلَافٌ (4) والأَصَحُّ أنَّهُ لا يَذكُرُه وقد وَرَدَ الأَمْرَان في الحديثِ وأَحَدُهمَا (5) مَحْمولٌ على الأَفْضَلِ والآخَر (6) لبيَان الجَوَاز.
(فرع): لو نوى الحج ولبى بعمرة أو نوى العمرة ولبّى بالحج أو نَواهُمَا وَلَبّى بأحَدِهما أو عكْسُهُ فالاعْتِبَار ما نَوَاهُ دُونَ ما لَبى به.
(1) صوبه المصنف رحمه الله في الأذكار وأقره في المجموع وقال: لأنه الموافق للأحاديث.
(2)
أي التلبية الأولى.
(3)
أي التي بعد الأولى.
(4)
قال الإِمام أبو محمد الجويني رحمه الله تعالى كما في المجموع: هذا الخلاف فيما سوى التلبية الأولى، فأما الأولى التي عند ابتداء الإِحرام فيستحب أن يسمى فيها ما أحرم به من حج أو عمرة وجهاً واحداً، قال: ولا يجهر بهذه التلبية بل يسمعها نفسه بخلاف ما بعدها، فإنه يجهر.
(5)
هو ما رواه البيهقي عن نافع بإسناد صحيح قال: سئل ابن عمر رضي الله تعالى عنه: أيسمي أحدنا حَجاً أو عمرة؟ فقال: أتنبئون الله بما في قلوبكم؟ إنما هي نية أحدكم.
(6)
هو ما رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لبيك بحجة وعمرة".
(فرع): لو نَوَى حَجتَيْن أو عُمْرَتين انْعَقَدَت إحْدَاهُما ولم تَلْزَمْهُ الأخرى.
(فرع): لهُ فيما يُحْرِمُ به أربعة أوجهٍ (1): الإِفْرَاد والتَّمتعُ وَالقِرَانُ والإِطْلَاقُ. فأَمَّا الإِفْرَادُ فهُوَ أنْ يُحْرمَ بالْحَج في أشْهُرِهِ مِنْ ميقَات طَريقهِ ثُمَّ إِذا فَرَغَ منْهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّة زَادَها الله شَرَفاً فأحْرَمَ بالْعُمْرَة مِنْ أَدْنَى الْحِل وَيَفْرُغُ فهذ صُورَته المُتفَق عليها ولَهُ صُوَرٌ مُخْتَلَفٌ فيها سَيَأتي بيانها إنْ شَاءَ الله تعالى.
وأَمّا المُتَمَتعُ فهو الذي يُحْرِمُ بالعُمْرَةِ مِنْ ميقَاتِ بَلَدِهِ (2) ويَفْرُغ منها ثم يُنْشىءُ الْحَج مِنْ مَكَةَ (3) يُسمَّى متمَتِّعاً لاسْتمتاعه بمَحْظُورات الإِحْرام بينَ الحج والعُمرَةِ فإنَّهُ يَحِل له جميعُ المحظُورات إذا فَرَغ مَنْ العُمْرَة سَوَاءٌ كان ساقَ هَدْياً أم لم يَسُقْه (4). وأَمَّا القِرَانُ فهو أن يُحْرِمَ بالحجِّ والْعُمْرَة جَميعاً فَتَنْدَرجُ أفعالُ العُمْرَة في أفعال الحج ويَتَّحَدُ الميقَاتُ والفعلُ فَيُجْزِي عنهما طَوافٌ واحدٌ وسَعيٌ واحدٌ وَحَلْقٌ واحد ولا يزيدُ على ما يفْعَلُهُ مُفْرِدُ الحَج
(1) قال في الحاشية: زاد ابن جماعة رحمه الله خامساً وهو الإِحرام بما أحرم به الغير ولا زيادة لأن ما أحرم به الغير لا يخلو عن هذه الأربعة. اهـ.
(2)
مثله ما إذا جاوز ميقات بلده مريداً للنسك ثم أحرم وقد بقي بينه وبين مكة أو الحرم مرحلتان.
(3)
شرط في وجوب الدم لا في تسميته متمتعاً إذ لو عاد وأحرم بالحج من الميقات كان متمتعاً ولا دم عليه.
(4)
فُهم من هذا الكلام إن هذا وجه تسميته متمتعاً لا لإلزامه بالدم لأن سبب لزوم الدم له كونه ربح ميقاتاً كما يأتي وقوله لاستمتاعه أي لتمكنه من ذلك وإن لم يفعله.
أصْلاً (1) ولو أحْرَمَ بالْعُمْرَة وَحْدَها في أشْهُر الحَج (2) ثُم أحْرَمَ بالحَجِّ قَبْلَ الشُرُوع في طَوَافها (3) صَحَ إحْرَامُهُ به أيضاً وصارَ قارِناً (4) ولا يَحْتَاجُ إلى نيةٍ للقِران ولو أحْرَمَ بالْحَجّ أوّلاً ثم أحْرَمَ بالعُمْرَةِ قبل شُرُوعِهِ في أفعال الحج لم يصحّ إحْرامُه بها على القوْل الصَّحيح (5) ولو أحرَمَ بالعُمرةِ قبلَ أشْهُر الْحجِّ ثمَّ أحْرَمَ بالحَجِّ في أشْهُره قبل شُرُوعه في طَوَاف العُمْرة صَحّ إحْرَامُهُ به وصَارَ قارناً على الأصَحِّ.
وأمّا الإِطْلَاقُ فَهُوَ أنْ يَنْوِيَ نَفْسَ الإِحْرَام ولا يقصدُ الحَجَّ ولا الْعُمْرَة ولا القِرَانَ فَهُوَ جائزٌ بِلَا خِلاف (6) ثُم يُنْظرُ فإنْ كان إحْرَامُهُ في أشْهُر الحَج فَلَهُ صَرْفُهُ إلى مَا شَاء مِنْ حَج أو عُمْرَة أو قِرَانٍ (7) وَيكُونُ الصَّرْفُ والتَّعْيينُ بالنيَّة
(1) وكذا عند الحنابلة والمالكية لقول عائشة رضي الله عنها: (وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً) متفق عليه، وعند الحنفية طوافان وسعيان، وإذا فعل القارن محظوراً فعليه فديتان والله أعلم.
(2)
مثله الإِحرام بالعمرة قبل أشهر الحج ثم إدخاله عليها في أشهره كما سيصرح به.
(3)
أي ولو بخطوة بخلاف مقدمته كاستلام الحجر وكذا النية لا تضر.
(4)
هو المعتمد وشمل كلام المصنف رحمه الله ما لو أفسد العمرة ثم أدخل عليها الحج فينعقد إحرامه به فاسداً ويلزمه المضي وقضاء النسكين وعليه بدنة ودم للقِران، وبحث العلامة عبد الرؤوف حرمة إدخاله عليها حينئذ لأنه تلبس بعبادة فاسدة.
(5)
لأنه لا يستفيد بالإدخال شيئاً بخلاف الأول فإنه يستفيد به الوقوف والرمي إلى آخره.
(6)
لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه المتفق عليه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف أهللت؟ " قال قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أحسنت".
(7)
أي إنْ صلح الوقت للحج والعمرة فإن لم يصلح الوقت لهما بأن فات وقت =
بالْقَلْب لا باللفظ ولَا يُجْزيه الْعَمَلُ قبلَ النية (1) وإنْ كَانَ إحْرَامُهُ قَبْلَ أَشْهُر الحج انعقَدَ إحْرَامُهُ عُمْرَة.
واعلم أَنْ هَذ الأَوْجُهَ الأَرْبَعَةَ جَائِزَة باتفاق الْعُلمَاء رحمهم الله (2) وأَمَا الأَفْضَلُ مِنْ هذه الأَوْجُه فَهُوَ الإِفْرَاد (3) ثَُم التَّمَتُّعُ ثُمَّ القِرْانُ والتعيْينُ عند
= الحج صرفه للعمرة وجوباً عند العلامة الرملي رحمه الله، وعند العلامة ابن حجر يجوز
صرفه للحج فيتحلل بعمل عمرة ولا تجزئه عن عمرة الإسلام أو ضاق الوقت بأن كانوا لا
يصلون لعرفة قبل طلوع فجر يوم النحر كان كمن أحرم بالحج حينئذ فمقضي ما مَرّ انصرافه للعمرة عند الرملي وصرفه لما شاء عند ابن حجر .. ولو أفسد الإِحرام قبل الصرف فأيما صرف إحرامه إليه كان فاسداً حيئذ.
(1)
أي الصارفة حتى لو طاف ثم صرف الإِحرام للحج لم يقع الطواف عن القدوم إلا من جهة أنه تحية البيت لعدم توقفها على إحرام فلا يجزئه السعي بعد هذا الطواف وليس له إعادته ليسعى بعده لسقوط طلبه بفعله الأول فتعين تأخير السعي إلى بعد طواف الإفاضة والله أعلم.
(2)
لحديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مَنْ أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل" الحديث، ولحديث أبي موسى رضي الله عنه المتفق عليه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف أهللت؟ " قال قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: "أحسنت".
(3)
أي عند الشافعية والمالكية وعند الحنفية القران أفضل وعند الحنابلة التمتع أفضل وسبب اختلافهم: اختلافهم فيما فعل به عليه الصلاة والسلام. فالشافعية والمالكية اعتمدوا حديث عائشة: (وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج) وحديث جابر رضي الله عنه المتفق عليه قال: (أهللنا -أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالحج خالصاً وحده) الحديث، واعتمد الحنفية من الأحاديث حديث أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً وغيره من الأحاديث، واعتمد الحنابلة حديث الصحيحين:(لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم).
الإِحْرَام أفضَلُ مِنَ الإِطْلَاق (1).
واعلم أن القِرَانَ أفْضَلُ مِنْ إفْرَاد الحجِّ مِنْ غَيْر أنْ يَعْتمرَ بَعْدَهُ في سنَته (2) فإن تأخيرَ الْعُمْرَة عن سنةِ الْحَجِّ مَكْرُوه.
ويَجِبُ عَلَى الْقَارن والمتمتِّع دَمُ شاة (3) فَصَاعداً (4) صفَتُهَا صفةُ الأُضحية ويُجْزيه سُبْعُ بَدنَة أو سُبْع بقَرَة فإنْ لم يَجِد الْهَدْيَ في مَوضعه أو وَجَدَهُ بأكْثَر من ثمن المثل (5) لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أيَّام في الحَجِّ وسَبْعَة إذا رَجَعَ إلى أهله
(1) أي لأنه إذا عين عرف ما دخل فيه، وقيل: الإطلاق لأنه أحوط فإنه ربما عرض مرض أو إحصار فيصرفه إلى ما هو أسهل عليه.
(2)
أي ما بقي من شهر ذي الحجة الذي هو شهر حجه.
(3)
أما وجوب الدم على المتمتع لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وأما وجوبه على القارن فلأن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم أوجباه ولأنه إذا وجب على المتمتع لأنه جمع بين النسكين في وقت أحدهما فلأن يجب على القارن وقد جمع بينهما في الإحرام أولى.
(تنبيه): الدم الواجب حيث أطلق فهو شاة فإنْ كان من الضأن فجذع ذو سنة، فإن أجذع قبلها بعد ستة أشهر كفى، وإن كان من المعز فذو سنتين، أو سُبع بدنة أو بقرة ملكه حياً وسن الأولى خمس سنين والثانية كالمعز، والسبع يقوم مقام الشاة في سائر الدماء إلا في جزاء المثل من صيد وشجر بل لا تجزىء البدنة عن شاته لاعتبار المثل فلو نحر بدنة أو بقرة عن سبع شياه لزمته بأسباب مختلفة جاز والله أعلم.
(فائدة): قد يجب الدم على غير محرم كالدم اللازم للمستأجر بسبب تمتع الأجير وقرانه عنه بإذنه، وكالدم اللازم للولي بسبب تمتع الصبي وقِرانه وإحصاره، وارتكاب المميز لسائر المحظورات.
(4)
أي فبقرة فواحدة من الإبل وليس مراده فشاتين فأكثر لأن الزائد على الواحدة لا يقع واجباً.
(5)
مثله ما لو احتاج إليه أو إلى ثمن مثله كما سيأتي في باب الدماء آخر الكتاب.
وإِنَّمَا يَجِبُ الدَّمُ على المُتَمَتع بأرْبَعة شُرُوط: أن لا يَعُودَ إلى ميقَات بَلَده لإحْرَام الحَج (1) وأنْ يكُونَ إِحْرَامهُ بالعُمْرَة في أشْهُر الْحَج (2) وأنْ يَحُجَّ من عامِهِ وأنْ لا يكون مِنْ حاضري المسْجِد الْحَرَام (3) وهم أهْلُ الْحَرَم ومَنْ كانَ منه عَلَى أقَل مِنْ مَرْحَلَتَيْن (4).
(1) أي إن كان إحرامه بالعمرة، وإلا بأن جاوز ميقات بلده غير مريد للنسك ثم أحرم من حيث عَن له لم يحتج للعود إلا لمحل إحرامه أو مثل مسافته لأنه ميقاته فلا يكلف أبعد منه، وكعوده لميقات بلده -عوده لمثل مسافته أو لميقات آخر- ولو أقرب منه أو إلى مرحلتين من الحرم قبل تلبسه بنسك ولو بعض طواف القدوم بأن أحرم بالحج خارج مكة مثلاً ثم دخل إليها ثم طاف بعض طواف القدوم ثم خرج إلى الميقات بعد طواف القدوم سواء أعاد إليه، وأحرم منه أم عاد إليه محرماً إذ القصد قطع تلك المسافة محرماً.
فإن قيل: كما تقدم يسقط الدم عن المتمتع إذا عاد أي إلى ميقات ولو أقرب، ولا يكفي المجاوز العود إلى الأقرب.
أجيب كما تقدم: إنما سقط الدم عن المتمتع بعوده لميقات أقرب لأن المدار على كونه ربح ميقاتاً ورجوعه إلى الأقرب محقق انتفاؤه والمدار في المجاوز للميقات على الإِساءة أصالة وانتفاؤها بالرجوع إلى الأقرب لا يتحقق فوجب الرجوع إلى ميقاته أو إلى مثله والله أعلم.
(فرع): أحرم آفاقي بالعمرة في أشهر الحجٍ وأتمها ثم قرن من عامه لزمه دمان كما قاله البغوي رحمه الله دم للتمتع ودم للقران خلافاً للسبكي والإِسنوي وغيرهما رحمهما الله المصوبين لزوم دم واحد للتمتع فقط لأن من وصل مكلة فقرن فهو حاضر، وعلى تقدير عدم لحوقه بالحاضر فدم التمتع والقران متجانس فيتداخلان.
(2)
يفهم منه أنه لو أحرم آخر جزء من رمضان لم يلزمه دم، وهو كذلك بل له ثواب عمرة في رمضان لكن دون ثواب من أتى بجميع أفعالها فيه.
(3)
أي حين إحرامه بالعمرة بأن لا يكون حال تلبسه متوطناً بالحرم أو قريباً منه.
(4)
هو المعتمد عند الشافعية رحمهم الله تعالى. وقال مالك رحمه الله تعالى: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= حاضروا المسجد الحرام هم أهل مكة وذي طوى وما كان مثل ذلك من مكة. وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: هم أهل المواقيت فمنْ دونهم إلى مكة، وعنده لا يقع منهم التمتع وكره مالك ذلك والحنابلة كالشافعية رحم الله الجميع ورحمنا معهم آمين.
قال في الحاشية: والعبرة بالوطن فلو توطن غريب محلاً بينه وبين الحرم دون مرحلتين فلا دم أو مكي محلاً بينه وبين الحرم مرحلتان فالدم ولا أثر لمجرد نية الاستيطان ومَنْ له مسكنان أحدهما قريب من الحرم اعتبر ما إقامته به أكثر ثم ما به أهله وماله دائماً أو غالباً، فإن كان كل بمحل اعتبر الأهل كما ذكره المحب الطبري رحمه الله وحصر المراد بهم الزوجة والأولاد والمحاجير ثم ما عزم على الرجوع إليه للإقامة فيه ثم ما خرج منه، فإن استويا في كل شيء اعتبر محل إحرامه، ويؤخذ من اعتبارهم رحمهم الله فيمن له مسكنان ما إقامته به أكثر أن من لمسكنه طريقان إلى الحرم، إحداهما على دون مرحلتين، والأخرى على مرحلتين اعتبر ما يكون سلوكه له أكثر ويحتمل أنه حاضر مطلقاً لأن منزله يصدق عليه أنه على دون مرحلتين، ولا نظر لكونه يصدق عليه أنه على أكثر من ذلك لأن الأصل براءة الذمة من الدم. اهـ.
مذاهب العلماء في مسائل مأخوذة من مجموع المصنف رحمه الله تعالى
(منها): إذا أحرم شخص بالعمرة في غير أشهر الحج، وفعل أفعالها في أشهره فالأصح عند الشافعية أنه ليس عليه دم التمتع، وهو قول جابر بن عبد الله رضي الله عنه وقتادة وأحمد وإسحق وداود والجمهور رحمهم الله. وقال الحسن والحاكم وابن شُبرمة: يلزمه.
(ومنها): إذا عاد المتمتع لإحرام الحج إلى الميقات سقط عنه دم التمتع عند الشافعية وقال الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا يسقط.
(ومنها): قال ابن المنذر رحمه الله: أجمع العلماء على أن من دخل مكة بعمرة في أشهر الحج مريداً للمقام بها ثم حج من مكة أنه متمتع يعني وعليه الدم.
(ومنها): إذا خرج المكي إلى بعض الآفاق لحاجة ثم عاد وأحرم بالعمرة منه أو من ميقاته وحج من عامه فلا دم عليه عندنا، وقال طاووس: يجب. اهـ. قال ابن قدامة =
فَإنْ فُقدَ أحَدُ هذه الشُّرُوطِ فَلا دَمَ عَلَيه وهُوَ مُتَمَتعٌ على الأَصَح وقيل. يَكُونُ مفْرداً وإنمَا يَجِبُ الدَّمُ على الْقَارنِ بَشْرَطَين أنْ لا يَعُودَ إلى الميقَات (1) بعد دُخُول مَكَّةَ (2) وقيل: يَوْم عَرَفَةَ (3) وأنْ لا يكُونَ مِنْ حاضرِي الْمَسْجِد الْحَرَام.
= رحمه الله في مغنيه: وإن أحرم الآفاقي بعمرة في غير أشهر الحج ثم أقام بمكة فاعتمر من التنعيم في أشهر الحج وحج من عامه فهو متمتع عليه دم، نص عليه أحمد.
(1)
أي الذي أحرم منه أو إلى مثل مسافته أو ميقات آخر من المواقيت الخمسة أو مرحلتين من الحرم نظير ما مر في المتمتع الملحق به القارن.
(2)
يفهم أنه لو عاد قبل دخول مكة لم يسقط الدم وهو على الأوجه لوجوب قطع كل المسافة بين مكة والميقات لكل من النسكين، وأنه لو أحرم بالعمرة من الميقات ودخل مكة ثم رجع إليه قبل الطواف فأحرم بالحج لم يلزمه دم وإن كان قارناً.
(3)
أي وقبل الوقوف بعرفة فلو كاد بعده استقر الدم. قال في الحاشية رحمه الله: ومقتضى كلامه أنه لو عاد قبل يوم عرفة فلا دم، وإنْ طاف للقدوم. قال بعضهم: وهو المذهب، ونوزع بما لا يجدي، وقياسه أن العود ينفعه وإن سعى بعد طواف القدوم، فإنْ قلت: مر في المتمتع أن عوده إنما يفيد إذا كان قبل التلبس بنسك وقد ألحقوا القارن به في أكثر أحكامه فما المعنى الذي أوجب عدم لحوقه به هنا. قلت: القياس واضح على مقابله الذي مَرّ، فيجاب: بأنه قد مَرّ لك أن من جاوز الميقات ثم عاد بعد الشروع في الطواف لم ينفعه العود، أي لأنه أخذ في أسباب التحلل حقيقة إنْ كان متمتعاً، وإلا ففيما يشبهها فلم يشرع له لئلا يتأدى النسك بإحرام ناقص، إذا علمته فطواف المتمتع بقسميه السابقين وقع بعد تحلله من أحد نسكيه، وقد مر أن كلاً منهما له دخل في إيجاب الدم فكأنه وقع بعد فعل بعض التحلل فلم ينفعه العود. وذلك بخلاف القارن فإن طوافه وقع قبل دخول شيء من أسباب تحلل نسكيه فينفعه العود لزوال النقص به حينئذ مع عدم تقصيره، ومن ثم لم ينظروا في حقيقته لوجود ما يشبهها منه بخلاف مجاوز الميقات، وأما السعي بعده فقد وقع بطريق التبع مع أنه لا دخل له حينئذ في التحلل بخلاف وقوفه بعرفة لأنه شروع في أسباب التحلل فلم ينفع العود بعده ونفع قبله انتهى.
(فرع): لَوْ أحْرَمَ عَمْرو بما أحْرَمَ به زَيْدٌ جاز (1) للأَحاديثِ الصَّحيحَة في ذلك (2) ثُم إنْ كانَ زَيْدٌ مُحْرِماً انْعَقَدَ لَعَمْرو مثْلُ إحْرَامه (3) إنْ كانَ حَجاً فَحَج وإنْ كَانَ عُمْرَةً فَعُمْرَةٌ وإنْ كَانَ قِراناً فَقِرانٌ وإنْ كَانَ مُطلَقاً انْعَقَدَ إحْرَام عَمْرو أيضاً مُطْلَقاً ويَتَخَيرُ في صَرْفِهِ إلى ما شَاءَ كما يَتَخَيرُ زَيْدٌ وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُهُ إلى ما يَصْرِفُ إليهِ زَيْدٌ إلا إذا أرَادَ كإِحْرَامِ زَيْدٍ بَعْدَ تَعْيينه.
ولو كانَ زَيْدٌ أحرَمَ مُطلَقاً ثُم بينَهُ قَبْلَ إِحْرَامِ عَمروٍ فَالأَصَحُّ أنَّهُ يَنْعَقِدُ إِحْرَامُ عَمرو مُطلَقاً (4).
والثاني يَنْعَقِدُ معيناً، ولَو كَانَ إحرَامُ زَيدٍ فَاسداً انعَقَدَ لعَمروٍ إحرامٌ مُطلَقٌ عَلَى الأَصَحِّ (5) وَلَو كانَ زَيْدٌ غَيْرَ مُحْرِم انْعَقَدَ لعَمْرو إحْرَام مُطْلَقٌ ويَصْرِفُهُ إلى ما شَاءَ سَوَاءٌ كانَ يَظُنُّ أَن زيداً مُحْرم أمْ يَعْلَمُ أنَّهُ غيرُ مُحْرِم بأنْ يَعْلَمَ أنهُ مَيتٌ والله أعْلَمُ.
(1) قال المصنف رحمه الله في المجموع: جاز بلا خلاف.
(2)
(منها): حديث أبي موسى الأشعري السابق المتفق عليه قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كيف أهللت؟ " قال: قلت: لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أحسنت.
(ومنها): حديث مسلم وغيره عن جابر رضي الله عنه: أن علياً قدم من اليمن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بم أهللت؟ " فقال: بِمَ أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فاهدِ وامكث حراماً".
(3)
محله كما يعلم من آخر كلام المصنف إن صح إحرامه بخلاف ما إذا أحرم بفاسد أو كان غير محرم أو كافراً أو أتى بصورة الإحرام ولو مفصلاً، فإنه ينعقد لعمرو مطلقاً في كل ذلك لأنه قصده بصفة فإذا بطلت بقي أصله. انتهى حاشية.
(4)
أي ما لم يقصد أنه مثله حالاً.
(5)
ومقابل الأصح لا ينعقد لأن الفاسد لاغ.