المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلوتسن السنن الراتبة مع الفرائض في السفر - الإيضاح في مناسك الحج والعمرة

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌التعريف بصاحب الإِيضاحرحمه الله تعالى

- ‌التعريف بصاحب الحاشية على الإيضاح

- ‌التعريف بمؤلف الإِفصاح

- ‌مقدمة صاحب الإِفصاح

- ‌مقدمة الإِيضاح

- ‌أسرار الحج وذكرياته

- ‌منافع الحج دينية ودنيوية

- ‌الباب الأولفي آداب سفره وفيه مسائل

- ‌فصلإِذَا جَمَعَ في وَقْت الأُولَى أَذَّنَ لَهَا

- ‌فصلوَيُسْتَحَب صَلَاةُ الْجَمَاعَة في السَّفَر

- ‌فصلوَتُسَنُّ السُنَنُ الرَاتِبةُ مَعَ الْفَرَائِضِ في السفَرِ

- ‌فَصْلوَالتيمُّمُ مَسْحُ الْوَجْه

- ‌فَصْلإذا صَلَّى بالتيَمم لِعَدَم الْمَاءِ الَّذِي يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ لَمْ تَلْزَمْهُ إِعَادةُ الصَّلَاة

- ‌فَصْلٌإذا لَمْ يَجِدْ ماءَ ولا تُرَاباَ صَلَّى على حَسَبِ حَالِهِ

- ‌فَصْلمما تَعُمُّ به الْبَلْوَى وَيَحْتَاجُ إلى مَعْرِفَتِهِ سَالِكُ طَرِيْقِ الْحَجِّ حُكْمُ مَنْ يَمُوتُ مَعَهُمْ

- ‌فَصْلوممَّا يَتأكدُ الوَصيةُ به أنَّهُ يَنْبَغي أَن يحْرصَ على فعل الْمَعْرُوف

- ‌فَصْلمُخْتَصَرٌ جدَّاً فيما يَتَعَلَّقُ بوجُوب الْحَجُّ

- ‌الباب الثانيفي الإحرام

- ‌فَصْلٌفي ميقات الحج

- ‌فَصْلفي آداب الإِحرام

- ‌فَصْلٌفي التلبية

- ‌فَصْلفي محرمات الإِحرام

- ‌الأَوَّل: اللُّبْسُ:

- ‌النوع الثاني: من محرمات الإحرام الطيب:

- ‌النوع الرابع: الحلق وقلم الظفر:

- ‌النوع الخامس: عَقْدُ النكاحِ:

- ‌النوع السادس: الجمَاعُ ومُقَدّماته:

- ‌فَصْلٌهذه مُحَرَّماتُ الإِحرام السَّبْعَة وما يَتَعَلَّقُ بها والمرأة كالرَّجل في جَميعها

- ‌فَصْلوما سِوَى هذه المحرمات السَّبْعة لا تحرُمُ على المُحْرم

- ‌الفصل الأولفي آداب دخولها

- ‌الفصل الثانيفي كيفية الطواف

- ‌فَرْعٌ في وَاجِبَاتِ السَّعْي وَشُرُوطِهِ وَسُنَنِهِ وَآدَابِهِ:

- ‌الفصل الرابعفي الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قَبْلَهُ وَبَعْدهُ

- ‌الفصل السادسفي الدفع إلى منى

- ‌الفصلُ السابعُفي الأعمالِ المشروعةِ بِمنى يَوْم النَّحْرِ

- ‌فَصْلٌلِلحج تَحَلُّلانِ

- ‌فَصْلفي أمورٍ تُشْرَعُ يوم النحرِ ويتعلقُ بِهِ غيرُ مَا ذكرناهُ

- ‌الفصل الثامنفيما يفعله بمنى في أيام التشريق ولياليها

- ‌الباب الرَّابعفي الْعُمْرة وَفِيهِ مَسَائِلُ

- ‌الباب الخامسفي المقام بمكة وطواف الوداع وفيه مسائل

- ‌الباب السادسفي زِيَارَةِ قَبْرِ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ وَعَظَّمَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ

- ‌الباب السابعفيما يجب على من ترك من نسكه مأموراً أو ارتكب محرماً

- ‌فَصْلٌوَأَما ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ

- ‌فَصْليَحْرُمُ التَّعَرُّضُ لصيْد حَرم المدينةِ وَأشجَارهِ

- ‌فَصْلوَيَحْرُمُ صَيْدُ وَجِّ

- ‌فَصْلٌفِيمَا إذَا فَعَلَ الْمُحْرِمُ مَحْظُورَيْنِ أوْ أكْثَرَ هَلْ يَتَدَاخَلُ

- ‌فَصْلٌفي الإِحْصَارِ

- ‌فَصْلٌمتى صارَ الصَّبِيُّ مُحَرِماً فَعَلَ ما قَدَرَ عَلَيْهِ

- ‌فَصْلٌالزائِدُ مِنْ نَفقةِ الصَّبِي

- ‌فَصْلٌيُمْنَعُ الصَّبِي الْمُحْرِمُ

- ‌فَصلإذا جامعَ الصَّبِي

- ‌فَصْلحُكْمُ الْمَجْنُونِ حُكْمُ الصَّبِي

- ‌فَصْلإذَا بَلَغَ الصبي فِي أثناءِ الْحَجّ

- ‌فَصْلٌإِحْرَامُ العبدِ صحيحٌ

- ‌فَصْلٌفي آدابِ رُجُوعِهِ مِنْ سَفَرِ حَجّهِ

- ‌فَصْلٌذكر أقضى القضاةِ الماورديُّ في الأحكامِ السلطانيةِ باباً في الولايةِ على الحجيجِ أنَا أذكرُ إِن شاءَ الله تعالى مقاصِدَهُ

- ‌فَصْلٌنَختم به الكتاب وإن لم يكنْ له اختصاص بالمناسك

الفصل: ‌فصلوتسن السنن الراتبة مع الفرائض في السفر

‌فصل

إِذَا جَمَعَ في وَقْت الأُولَى أَذَّنَ لَهَا

(1) ثُمَّ أقَامَ لكُل وَاحِدَة مِنْهُمَا وَعلى قَوْلٍ لَا يُؤَذنُ، وإنْ جَمَعَ في وَقْت الثانِية فَكَذَلِكَ على الأَصَح وَعَلَى قَوْلٍ لَا يُؤَذّنُ وعلى قَوْلٍ إنْ رجا حُضُورَ جَمَاعَة أذَّنَ وَإِلَا فَلَا.

‌فصل

وَيُسْتَحَب صَلَاةُ الْجَمَاعَة في السَّفَر

وَلَكِنْ لَا تَتأكَّدُ كَتَأكُدِهَا في الْحَضَر (2).

‌فصل

وَتُسَنُّ السُنَنُ الرَاتِبةُ مَعَ الْفَرَائِضِ في السفَرِ

كما تُسَنُ في الْحَضَرِ فَمَنْ جَمَعَ بينَ الظهْرِ وَالْعَصْرِ صلى أوَلاً سُنةَ الظهْرِ التي قَبْلَهَا ثُمَّ صَلَّى الظهْرَ ثم العصر ثُم سُنةَ الظهر التي بَعْدَهَا ثُمَّ سُنةَ الْعَصْر (3).

(1) هو المعتمد.

(2)

أي لوجوبها كفاية عند الشافعي وأبي حنيفة، وعيناً عند أحمد، وليست الجماعة شرطاً في صحة الصلاة عنده، وسُنة عند مالك وندبها في السفر.

(3)

هذا هو الأوْلى وكذا يقال في المغرب والعشاء، وكذا يجوز غير ذلك ما لم يقدم سنة بعدية على فرضها، أو يخلل بسنة بين الفرضين في جمع التقديم أو يقدم قَبْلية للثانية على الأولى فيه أيضاً، فيما يظهر لأن وقت الثانية براتبتها القبلية إنما يدخل بعد فعل الأولى.

ص: 75

فصل

لِلْمُسَافر إلى مَسَافَة تَبْلُغُ مَرْحَلَتَيْن فَصَاعِداً (1) أن يَمْسَحَ عَلى خُفَّيْه ثَلَاثَةَ أيام وَلَيَالِيهِنَّ (2) ابْتدَاؤهَا مِنْ حينِ يُحْدثُ (3) بَعْدَ لُبْسه ولا يَجُوزُ المَسْحُ إلَاّ على خُف سَاتر لمحَل الفرض مِنْ رِجْلَيْه ويُشْتَرَطُ سَتْرُهُمَا مِنْ أسْفَل (4) ومِنَ الْجَوَانِبِ الأَرْبَع وَلَا يُشْتَرَطُ سَتْرُهُمَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَلَا يَضُرُ إذا حَصَلَ السَتْرُ الْمَشْرُوطُ لَوْ كَانَ يُرَى كَعْبَاهُ من فَوْقه.

ولا يَجُوزُ الْمَسْحُ إِلَاّ أنْ يَلْبَسَهُ على طَهَارَة كاملَة وَلَهُ أنْ يُصَلِّي بالمَسْحِ الوَاحد ما شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ والنَّوافل (5) مَا لم تَنْقَضِ الْمُدَّةُ ولا يَجُوزُ الْمَسْحُ في غُسْل الجَنَابةِ ولا غَيْره مِنَ الأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ والمَسْنُونَة فَإنْ أَجْنَبَ (6) أو

(1) أي سفراً تقصر فيه الصلاة، وقد مَرت شروطه قريباً فراجعها.

(2)

أي المتصلة بهن سواء أسبق اليوم الأول ليلته أم لا. فلو أحدث في أثناء ليله اعتبر قدر ماضيها من الرابعة وعلى هذا القياس يقال في اليوم، وفي مدة المقيم ولو أقام بعد يوم وليلة، وقبل الثلاث انتهى مسحه فلا يستوفيها، ومتى مسح في الحضر ولو أحد خفيه فهو كالمقيم عند الأئمة الثلاثة، وكالمسافر عند الإِمام أبي حنيفة.

(3)

أي من انتهاء حدثه اتفاقاً، ورواية عن أحمد من وقت اللبس.

(4)

فارق ستر العورة، فإن الواجب فيه الستر من الأعلى والجوانب دون الأسفل.

(5)

محله في غير دائم الحدث كالمستحاضة، والسلس، أما دائم البول فإنْ أحْدَثَ غير حدثه الدائم جاز له المسح ثم إنْ أحدث قبل أنْ يصلي فرضاً بوضوء اللبس مَسَحَ، واستباح فرضاً ونوافل، وإنْ أحدث بعد ذلك مسح لنفل فقط لأن مسحه مرتب على طهره، وطهره لا يفيد أكثر من ذلك، فلو أراد فرضاً آخر وجب النزع والطهر الكامل لأنه محدث بالنسبة لما زاد عن فرض ونوافل، أما حدثه فلا يحتاج معه إلى استئناف طهر إلا إذا أخر الصلاة بعد الطهر لغير مصلحتها، وحدثه مستمر، فهو حينئذ كغير حدثه.

(6)

خرج به ما لو تنجست رجْلُهُ في الخف، وأمْكَنَ غَسْلَهَا فيه فإن له إتمام المدة لعدم الأمر بالنزع للنجاسة بخلاف نحو الجنابة.

ص: 76

حَاضَت الْمَرأةُ في أثْنَاء الْمُدة وَجَبَ نَزْعُهُ واسْتئنَافُ اللبْس على طَهَارَة فَلَوْ غَسَلَ رجْلَيْه. في الْخُف ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ وصَحَتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ حَتَّى يَسْتَأنف اللبْس عَلَى طَهَارَة.

وَصِفَةُ الْمَسْح الْمُخْتَار أن يَمْسَحَ أعْلَاهُ وأسْفَلَه (1) خُطُوطاً فإن اقْتَصَرَ على جزْءٍ يَسير مِنْ أعْلاهُ أجْزأهُ (2) وإنْ اقْتَصَرَ على أسْفَله أوْ حَرْفه (3) لَمْ يُجْزه على الأصَح وَسَوَاءٌ مَسَحَهُ بيَده أو بعُود أوْ بخرْقَة (4) أو غَيْر ذلكَ فَكُلهُ جائزٌ ولو قَطَّر الْمَاء عليه أو وضَعَ يَدَهُ عليه ولم يُمرَّها أوْ غَسَله أجْزَأه عَلَى الأَصَح لكن يُكْرَهُ الغُسْلُ وإذا انْقَضَتْ الْمُدَةُ أو ظَهَرَ شَيْءٌ مِن رجْلِهِ (5) في مَحَل الْفَرْضِ خَلَعَ الْخُفَّيْنِ ثُمَّ يَنْظُرُ فإن كان مُحْدثاً اسْتَأنَفَ الْوُضوءَ وإنْ كان على طَهَارَةِ الْغُسْلِ فلا شيءَ عليه فَيَسْتأنِفَ اللبْسَ على تلكَ الطهَارَةِ إن شَاءَ وإن كانَ عَلَى طَهَارَة مَسْح فَيَنْبَغِي (6) أنْ يَسْتأنف الْوُضوء فَإن اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِ

(1) أي عند الأئمة الثلاثة، وعند الإمام أحمد أعلاه فقط.

(2)

أي بشرط أن لا يكون على ظاهر الجزء شعر، فإنْ كان ومسحه لم يجز جَزْماً.

قال في الحاشية كذا قيل، وفيه نظر ولا يبعد تخريجه على مسح شعر الرأس في الوضوء. اهـ.

(3)

أي أو عقبه.

(4)

الظاهر اشتراط فعله وهو ظاهر إنْ كان غافلاً عن النية، وإلا لم يشترط، فتعريض الخف لنحو مطر يجزىء مطلقاً، وانغساله، وانمساحه لا يُجزىء إلا إنْ كان مستحضراً للنية أخْذاً مما قاله الفقهاء في نظير ذلك من الوضوء.

(5)

أي ولو بالقوة كأنْ انحلت شرجه، وإنْ لم يظهر من الرجل شيء. هذا وبقي للمسح على الخفين شروط منها: كونه طاهراً، ومنها: كونه قوياً، ومنها: أنْ يمنع نفوذ الماء لو صب عليه.

(6)

أي يندب خروجاً من خلاف مَنْ اعتبر في الوضوء الموالاة.

ص: 77

الْقَدَمَيْن أجْزَأهُ عَلَى الأصَح والأَفْضَلُ أنْ يَسْتَأنِفَ الْوُضوءَ (1) وإنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الفصل في مَسْح الْخُف لأنهُ ممَا يَحْتَاجُ إليه الْمُسَافِر لتَوْفِير ماءِ الطهَارَةِ وَتَخْفيف أمْرها وَمَسَائلُ الباب كَثِيرَة لكن قد أشَرْتُ إلى مقاصِدها والله أعْلَمُ.

فَصْل

يجوزُ التنفلُ في السَفَر طَويلاً كان أوْ قَصيراً (2) على الرَّاحلة (3) ومَاشياً إلى أي جِهة تَوَجَّهَ. وَيَسْتَقْبِلُ الْمَاشي القِبْلَةَ عِنْدَ الإِْحْرام وَالرُكُوع والسُّجُود (4) وَلَا يَشْتَرِطُ اسْتِقبالها في غَيْر هذه الْمَواضِعِ لكن يُشْتَرَطُ أن لَا يَسْتَقْبل غيرَ جهةِ مَقْصِدِهِ إلا إلى الْقِبْلَة ويُشْتَرَطُ أنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ على الأَرْضِ وَالرَّاكِبُ الْمُتَمَكِّنُ (5) مِنْ تَوجيهِ الدابةِ إلى الْقِبْلَة يَلْزَمُهُ الاسْتِقْبال عندَ الإِحْرَام بالصَلَاة لا غير فإنْ لم يَتَمَكَّنْ (6) بأنْ كانت دابتُهُ مَقْطُورَةً أو صَعْبةً (7) لم يُشْتَرَطْ الاسْتِقْبال في شيءٍ إلَاّ أنْ يَكُونَ في هَوْدج يَتَمَكَنُ فيه من اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فَيُشْتَرَطَ

(1) هو تكرار لقوله، فينبغي أنْ يستأنف الوضوء تأكيداً.

(2)

المتجه ضبط القصر بميل ونحوه، أو يخرج لمحل لو كان به لم تلزمه الجمعة لعدم سماع النداء، وهو محمول على الأول، وشرط السفر أنْ يكون مباحاً، والمقصد معيناً، فلو خرج في معاطف الطريق، أو عدل ولو لغير زحمة، أو توجه لمقصده في غير الطريق يضر إذ الشرط سلوك صوب المقصد لا طريقه.

(3)

بخلاف مَنْ بهودج أو سفينة لا يحتاج إليه في مسيرها فعليه إتمام الأركان مُستَقْبِلاً، أما مسيرها فيصلي لجهة مقصده لصعوبة ذلك عليه.

(4)

أي والجلوس بين السجدتين بخلاف الاعتدال فإنه مُلْحَق بالقيام.

(5)

أي المتيسر له ذلك.

(6)

بأنْ تعسر عليه بحيث إنه تحصل له مشقة وإن قلت.

(7)

أو لا يسهل انحرافه عليها لعجزه.

ص: 78

اسْتِقْبَالُها (1) هَذَا حُكْمُ النَّوافِلِ. أمَّا الْفَرَائِض فَلَا تَجُوزُ إلى غيرِ الْقِبْلَةِ بحال ولا يَجُوزُ أنْ يُصَلِّيهَا مَاشياً وإنْ كَان مُسْتَقْبلاً، ولا تَصِحُّ مِنَ الراكب المُخِل بِالْقِيَامِ أو الرُّكُوع أو السُّجُودِ أو غيرها فإنْ أتَى بهذه الأَرْكَان واسْتَقْبلَ القِبْلَةَ فإن كان في هَوْدَجٍ أو سَرير أو نحوهما على دَابة فصَلَّى وَهِيَ وَاقِفَة غَيْر سائَرة صَحَّتْ صَلَاتُهُ على الْمَذْهبِ الصَّحيح الذي ذَهَبَ إليه كَثير مِنْ أصْحابنَا. ومنهُمْ مَنْ قَال لَا يَصِحُّ (2) وبه قَطَعَ إمامُ الْحَرَمَيْن، فإنْ كانتِ الدَّابة سائرَةً لم تَصح (3) الْفَرِيضَةُ على الْمَذْهَبِ الصحيح الذي نَصَّ عليهِ الشَّافعي رحمه الله وَالجَمَاهِيرُ رحمهم الله وَقِيلَ: تَصِح الْفَرِيضةُ في السَّفِينَةِ الْجَارِية (4) وفي الزوْرَقِ الْمَشْدُودِ على السَّاحل بِلَا خلاف والأصَحُ أنها تصحُ أيضاً على السَّرِيرِ الذي يَحْملُهُ الرِّجَالُ وفي الأَرْجُوحَة الْمَشْدُودة والزورق الْجَاري للمقيم بمثل بَغْدَادَ ونَحْوها، هذا كُلُّهُ إذا لم يكنْ ضَرُورَة (5) قال أصحابُنا: فَإِنْ خَافَ الانْقطاعَ عن رُفقَته (6) لَوْ نَزَلَ لَهَا أو خَاف عَلَى نَفْسِهِ أو ماله فَلَهُ أن يُصلِّيَ الْفَرِيضَة على

(1) وتمام الأركان مستقبلاً كما مَر.

(2)

أي لأنه في قوة الماشي.

(3)

قال في الحاشية: محله كما قاله العلامة المتولي رحمه الله تعالى ما إذا لم يكن لها مَنْ يلزم لجامها بحيث لا تختل الجهة، وإلا جاز، وهو ظاهر، ويؤيده فرقهم بين الصلاة على الدابة السائرة، والسرير الذي يحمله رجال بأنها لا تثبت على حالة فلا تراعى الجهة بخلافهم، فإنْ قلت: سير الدابة منسوب إليه بخلاف سير حَمَلةِ السير قلت: ممنوع بدليل صحة طوافه محمولاً بشرطه الآتي.

(4)

وإنْ حولته الريح عن القبلة بتحول السفينة، لكنْ يجب عليه أن ينحرف فوراً للقبلة، ويبني.

(5)

من الضرورة صلاة شدة الخوف، وعَجْز نحو مصلوب عمن يوجهه.

(6)

أي وإن لم يتضرر به قياساً على التيمم لما فيه من الوحشة، والمراد بالرفقة هنا المنسوبون إليه لا كل الركب لحصول الوحشة بفراقهم فقط.

ص: 79

الرَّاحِلَة (1) وَتَجِبُ الإِعادَة (2) وَحُكْمُ الْمَنْذُورة والجَنازَة (3) حُكْمُ المكتوبةِ.

(فرع): إذا صلَّى النَافِلَة على دَابة عَلَيْهَا سرج أو نَحوهُ لم يلْزَمْهُ وضْعُ الجَبْهة على عُرْف الدَّابة ولا على السَّرْج والْقَتَبِ في الرُّكُوع وَالسجُود بل يكْفيه أن يَنْحَني للركوع وَالسُّجُود إلى طَريقه ويكون سُجُودُهُ أَخْفَضَ من ركُوعه ويجبُ التمْييزُ بَيْنَهُما إذا تَمَكَن وَلَا يَجبُ أن يبلُغَ غَايةَ وُسْعه في الانْحناء، وَيُشْتَرَطُ أن يَكونَ مَا يُلَاقي بَدَنَ الْمُصَلي رَاكباً وثِيابه مِنَ السِّرج وغيره طَاهِراً ولَوْ بالت الدَّابةُ أو وَطَئَتْ نَجَاسَةً أو كان عَلَى السِّرج نَجَاسَةٌ فَسَتَرَهَا وَصَلَّى عليه لم يَضُر (4) وكَذَا لَوْ أوْطَأَها الرَّاكب نَجَاسَةَ لم يَضُر على الأصَح ولو وَطىءَ المُصَلي نَجَاسَةً (5) عَمْداً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ولا يُكَلَّفُ التَّحَفُّظَ وَالاحْتياط في المَشْي ويُشْتَرَطُ الاحْتراز عن الأَفْعَال التي لا يَحْتَاجُ إليها، فلو رَكَضَ الدَّابةَ للحاجة جازَ ولو أجْرَاها بلا عُذْر أوْ كان ماشياً فَعَدا (6) بلا عُذْر بَطَلَتْ على الأصَحِّ.

(1) أي والماشي الخائف مثل الراكب، فيصليها حينئذ ماشياً كالنافلة.

(2)

هذا هو المذهب، لكن اختار في المجموع من جهة الدليل أن كل صلاة وجب فعلها في الوقت مع خلل لا يجب قضاؤها.

(3)

أي وإن أمكنه إتمام القيام على الدابة.

(4)

أي لأنه لم يلاق النجاسة بخلاف ما لو دمي فمها أو تنجس عضو منها أو ما عليها ولجامها بيده.

(5)

أي ولو يابسة عمداً ولو قلت ولم يجد معدلاً عنها أو كانت معفوّاً عنها، أخذاً مما يأتي في نجاسة المطاف ومثله لو وطئها سهواً، وهي رطبة غير معفو عنها أخذاً من أن ذرق الطير في المساجد لا يضر إذا عَمَّتْ به البلوى كطين الشارع الرطب.

(6)

المراد بالعَدْو: زيادته على عادته في مشيه وإن كان دون العدو.

ص: 80

وَيُشْتَرَطُ في التنفل راكباً وماشياً دَوَامُ السَّفَر والسيْر (1) فلو بلَغ المنزلَ (2) في خلال الصَّلاة اشْتُرط إتمامُها إلى القبلة مُتَمَكِّناً وينزلُ إن كان راكباً، ولو مرَّ بقَرية مُجْتازَاً (3) فَلهُ إتمامُ الصَّلاة راكباً وحيثُ قُلْنَا يجبُ النُّزولُ فأمكَنَهُ الاسْتِقْبَالُ وإتمَامُ الأركان عليها وهي وَاقِفَةٌ جازَ ولو انْحَرَفَ المُصَلِّي ماشياً عن جهة مَقْصده أوْ حَرَف دَابَّتَهُ عَنْهَا (4) فإن كَانَ إلَى جهَة القبلة لم يَضُرُّهُ وإنْ كَانَ غَيْرها عَمْداً (5) لَمْ تَصح صَلَاتُه وإنْ كَانَ نَاسياً (6) أوْ غَالطاً يَظُنُّ أنَّها طَرِيقُهُ، فَإنْ عَادَ إلَى الْجِهَةِ على قُرْب لَمْ تَبطل وإن عَادَ بَعْدَ طُولٍ بَطَلَتْ عَلَى الأصَحّ وَإن انحَرَفَ بجماح الدَّابَّة فَالأَصحُّ أَنه إنْ عَادَ عَلَى قُرْب لَمْ تَبْطُلْ وَإنْ طَالَ بَطَلَتْ.

(فرع): إذَا لَمْ يقْدِر عَلَى يقين الْقبلةِ فإِنْ وَجَدَ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ علم (7)

(1) فلو انقطع سيره كان نزل في أثناء صلاته وجب عليه إتمامها للقبلة قبل ركوبه.

(2)

أي الذي يريد النزول فيه وإن لم يكن مقصده.

(3)

أي ماراً وليست القرية وطنه.

(4)

أي أو انحرف عليها ولو بركوبه مقلوباً.

(5)

أي وإنْ كان مكرهاً لندوره.

(6)

في هذه الصورة لا يسجد للسهو وهي مستثناة من قاعدة ما أبطل عمده يسجد لسهوه، وإنْ كانت أكثرية.

(7)

مثله محاريب جادة أي طريق المسلمين وقراهم القديمة إن نشأ أو مَر بها قرون، أي جماعات من المسلمين، وسلمت من الطعن، وإن صغرت وخربت بخلاف خربة أمكن بناء كفار لها، وطريق استوى نشوء أو مرور الفريقين به، ويمتنع على قادر على اليقين كأعمى ومن في ظلمة إذا قدر على مس الكعبة، أو المحراب المعتمد الأخذ بقول مخبر عن علم ما لم يصل لحد التواتر أو يكون نشأ بمكة أو بذلك المسجد، وارتسم في ذهنه من الأمارات ما يحصل به اليقين من غير مس فحينئذ لا يجب عليه المس فيما يظهر بل له اعتماد تلك الأمارات فإنها تفيد ما يفيده المس، فالمحراب لا يصير معتمداً =

ص: 81

اعْتَمَدَه (1) وَلَمْ يَجْتَهِدْ بِشَرْطِ عَدَالةِ الْمُخْبِرِ سَوَاء فيه الرَجُلُ والمَرْأة وَالْعَبْدُ وَلَا يَعْتَمد الْكَافر (2) ولا الفَاسِقَ وَلَا الصبي وإنْ كان مُرَاهقاً، وَسَوَاءْ في وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْخَبَرِ الإِخبار مِمَّن هُوَ مِنْ أهْلِ الاجْتِهاد وَغَيْرِهِ (3) فَإنْ لم يَجِدْ مَنْ يُخْبرهُ فَإنْ كَانَ يقْدِرُ عَلَى الاجْتِهَادِ لَزمَه وَاسْتَقْبَلَ مَا ظَنهُ قِبْلَةً وَلَا يَصِحُّ الاجْتِهَاد إلَا بأدلة الْقبلَةِ (4) وَهِيَ كَثِيرَة أقْواها الْقُطْبُ (5) وَأضْعَفُهَا الريحُ وَلَا يَجُوزُ لهَذا الْقَادر التقليد (6) فَإنْ فَعَلَ لَزمَهُ الْقَضَاءُ وَإنْ أصَابَ القبلة لأنهُ عَاصٍ

= للأعمى حتى يمتنع عليه بالخبر والتقليد بحضرته إلا إن كان رأى المحراب قبل العمى أو أخبره عدد التواتر ولو فساقاً أو كفاراً.

(1)

ويلزمه سؤاله إذْ لا مشقة فيه، ثم لو فرض أن في السؤال مشقة لبعد المكان مثلاً لم يجب على الأوجه.

(2)

أي إلا في تعلم الأدلة منه حتى تحصل له مكانة علمية يستقل بها باستخراج القبلة من غير اعتماد على ما أخبره به الكافر فله حينئذ العمل بعلمه.

(3)

أي لأنه لم يقلد مجتهداً بل صدق مخبراً.

(4)

ويجب تعلمها حيث لم يكن هناك عارف سفراً وحضراً.

(5)

أي الشمالي، ويختلف باختلاف الأقاليم. ففي مصر يجعله المصلي خلف أذنه اليسرى، وفي العراق وما وراء النهر خلف اليمنى وباليمن قبالته مما يلي جانبه الأيسر، وبالشام وراءه ولبعضهم:

قطب السماء اجعله خلف أذن يسرى

بمصر والعراق خلف الأخرى

بالشام خلفاً وأماماً باليمن

مواجهاً به تكن مستقبلن

والقطب نجم صغير في بنات نعش الصغرى كما قال أهل اللغة، وقول أهل الهيئة أنه نقطة صغيرة تدور عليها الكواكب، وهي وسطها مخالف لما ذكر في التسمية لا في الحقيقة، والمرجح في التسمية لأهل اللغة.

(6)

إذ المجتهد لا يقلد مجتهداً ولو تغير اجتهاده عمل بالراجح عنده من الأول والثاني، ولو في الصلاة، فإنْ استويا تخير، إلا إذا كان التغير في الصلاة فلا يتخير بل يعمل بالأول لأنه التزم جهة فلا يتحول إلا بالأرجح، وفي المجموع وجوب العمل بالثاني ولو مع التساوي ويجب إعادة الاجتهاد لكل فرض عيني إن نسي الدليل الأول.

ص: 82

مُفرِّطٌ فإنْ ضَاقَ الوقْتُ صلَّى كَيْفَ كَانَ وَتَلْزَمُهُ الإِعَادَةُ، وَلَوْ خَفِيَتْ الدَّلَائِل على المُجْتَهد لغَيْم أو ظُلْمَةٍ أو لتعارضِ الأدلةِ فَالأصح أنهُ لا يقلد بَلْ يُصَلّي كيف كان ويعيدُ، وأمَا إنْ لَمْ يقْدِرْ على الاجتهادِ لعَجْزِهِ عن تعلم أدلةِ القبْلةِ كالأَعْمَى والْبصيرِ الذي لَا يَعْرِفُ الأدلَّة فَيَجِبُ تَقْلِيدُ مُكلَّفٍ مُسْلم عَارفٍ بأدلَّة القبْلةِ سَوَاءٌ فيه الرَّجُلُ والمرأةُ والحرُّ وَالعبدُ وَالتَّقليدُ هو قَبُولُ قَوْل المستَند إلى الاجتهَاد ولو اختلفَ عَلِيه اجتهَاد رجُلَين قَلدَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا (1) والأولى تقليدُ الأوثقِ الأَعْلَم (2) وأمَّا القَادرُ على تَعَلُّم الأَدلَّة فَهُوَ كالعَالِمِ بِها فَلَا يَجُوزُ لَهُ التقليد، فإنْ قَلدَ قَضَى لتَقْصِيرِهِ (3) ولو صَلَى ثم تَيقّنَ الخَطَأ في القبلة لزمَهُ الإِعادةُ على الأَصَحّ ولو ظنَّ الخطأ لم تلزمه الإِعَادَة حتى لو صلى أرْبَع صلَوات (4) إلى أرْبَع جهَات فَلَا إعادَةَ عليه.

(1) أي قبل الصلاة، فإن دخل فيها مقلداً فقال له آخر: أخطأ بك الأول، فإنْ كان عنده أعرف من الأول أو قال له: أنت مخطىء قطعاً وإنْ لم يكن أعرف وجب عليه التحول إنْ بان له الصواب مقارناً للقول بأنْ أخبره به وبالخطأ معاً، فإن لم يبين مقارناً بطلت ويجب إعادة التقليد لكل فرض عيني إن نسي، كما تقدم في الاجتهاد.

(2)

قد يفهم منه أنه لو كان أحدهما أوثق والآخر أعلم استويا لأن كلاً منهما فيه معنى ليس في الآخر فهو كإمامة الأعمى والبصير.

(3)

محل حرمة التقليد ووجوب القضاء فيمن وجب عليه تعلم أدلتها عيناً بأن أراد سفراً ليس فيه عارف بها، أما إذا وجب تعلمها على الكفاية كالمقيم في محل فيه محراب معتمد أو عارف، وكالمسافر في نحو ركب الحجيج أو أقل منه وعلم أن فيه عارفين بالأدلة، ثلاثة فأكثر، وكالمسافرين قرى يمكنه معرفة القبلة بمحاريبها فله التقليد، ولا يقضي إذا لا تقصير منه.

(4)

أي أو صلاة واحدة كل ركعة لجهة بشرط أن يبين له الصواب في ظنه مقارناً لظهور الخطأ، وإلا بطلت لمضي بعضها إلى غير قبلة محسوبة.

ص: 83

فَصْل

إذَا عَدِمَ الماء طَلَبَهُ (1) فَإنْ لَمْ يَجِدْهُ تَيممَ وَلو وَجَدَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إليه لعَطَشه (2) أو عَطَشِ رَفيقِهِ أو دابته أو حَيَوَانٍ مُحْتَرمِ (3) تَيَمَّمَ ولم يَتَوَضأ سَوَاءٌ في ذلك الْعَطَشُ في يَوْمِهِ أو فِيمَا بَعْدَهُ وقبل وُصُوله إلى ماء آخَرَ. قال أصْحَابُنَا: ويَحْرُمُ عليه الْوضُوء في هذا الْحَال لأَن حُرْمَةَ النَّفْس آكَدُ ولا بَدَلَ

(1) أي وجوباً بنفسه أو بمأذونه الثقة ويكفي واحد من جمع وإنما يعتد به في الوقت ومحل وجوب الطلب إنْ توهم وجود الماء، فإن تيقن فقده فلا طلب لأنه عبث، ثم إن كان بمستوٍ كفى النظر حواليه لجهاته الأربع مع تأمل محل خضرة وطير، وإنْ لم يكن بمستوٍ صعد أو هبط ثم نظر حواليه إلى حد الغوث وهو ما تسمع فيه رفقته استغاثته مع ما هم عليه من الاشتغال والتفاوض، هذا إنْ أمن على محترم من نفس ومال واختصاص ولم يخش انقطاعاً ولم يضق وقت وإلا لم يجب التردد هذا كله إنْ توهم الماء، فإنْ تيقنه بمحل فإنْ كان على نحو نصف فرسخ وأمن ما مر واتسع الوقت وجب طلبه وإلا فلا، لكن لو كان المال الذي يخاف عليه هنا قدراً يجب بذله في تحصيل الماء ثمناً أو أجرة لم يمنع الوجوب، ومثله الاختصاص وإن كثر على الأوجه، وفارق ما مَر بأن الماء ثم متوهم فلا يضيع لأجله محقق بخلافه هنا، أما إذا تيقنه فوق نصف فرسخ فلا يلزمه طلباً مطلقاً ولو تيقنه آخر الوقت، ولو في منزله الذي هو فيه أول الوقت فالصبر أفضل، وإلا فالتعجل، ويجب تجديد الطلب لكل صلاة إن توهم حدوث الماء وإلا فلا.

ولو وجد الماء ببئر ولا دلو معه لزمه إدلاء ثوبه غير ساتر العورة ليبتل فيعصر ماءه ليتوضأ به إن لم ينقص ببله أزيد من ثمن مثل الماء، فإن لم يصل إلا بمشقة لزمه إن لم ينقص أكثر من الأزيد من أجرة الآلة وثمن الماء والله أعلم.

(2)

المراد بحاجة العطش الخوف منه أو من نحو مرض أو بطء بُرْء مما يأتي، ولا يجوز تيمم عطشان عاصٍ بسفر، وشربه للماء حتى يتوب وإلا وجب تقديم الطهارة بالماء.

(3)

المراد بالحيوان المحترم: ما حرم قتله، وغيره ما جاز قتله كتارك الصلاة بشروطه المعروفة والزاني المحصن والمرتد والكلب العقور.

ص: 84

للشرْب وللْوضُوء بَدَلٌ، وهذه المسَأَلة مما يَنبَغِي حفظُها وإشَاعَتُهَا فإنَّ كَثيرينَ مِنَ الحُجَّاج وَغَيْرِهم يُخطِئونَ فيها ويَتَوضَّأ أحَدهمْ مع علْمِهِ بِحَاجَةِ الناسِ إلى الشُّرْبِ وهذَا الوُضُوء حَرَامٌ لَا شَكَ فِيه وَالْغُسْلُ عَنِ الْجَنَابةِ وعن الحَيْضِ وغيرِهما كالْوُضُوء فيما ذَكَرْنَاهُ.

ومن خَيلَتْ لهُ نَفْسُهُ أَن الْوُضُوءَ في هذا الْحَالِ فَضِيلَةٌ فَهُوَ شَدِيدُ الخَطَأ وإنَّمَا فَضيلَةُ الْوُضُوء إذا لم يَكُنْ هُناكَ مُحْتَاجٌ للشُّرْبِ وَسَواءٌ كَانَ المُحْتَاجُ للْعَطَشِ رَفِيقَه الْمُخالطَ له أوْ الرَّكْبَ أوْ أحَداً مِنَ القَافِلَة أوْ الرَّكْب، فلَوْ امْتَنَعَ صَاحِبُ الماءِ مِنْ بَذْلِهِ وهُوَ غَيْرُ مُحْتاج إليه للعَطَشِ وهناك مُضْطَر إليهِ للْعَطَشِ كان للمُضْطَرِّ أَخْذُهُ قَهْراً ولهُ أنْ يقاتِلَ عليه فإنْ قَتَلَ أحدهُمَا صَاحِبَهُ كان صَاحِبُ المَاءِ مُهْدرَ الدَم لا قَصَاص فيه وَلَا ديةَ ولا كَفارةَ وكان الْمُضْطَرُّ مَضْمُوناً بالقِصَاص أوْ الدِّية وَالكَفارة. ولو احتاج صاحِبُ الماء إليهِ لعَطَشِ نَفْسِهِ كان مُقَدَّماً على غَيْره ولو احْتَاجَ إليه الأجْنَبِي للْوضُوء وكانَ المالكُ مُسْتَغْنِياً عَنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذلُهُ له وَلَا يَجُوزُ للأجْنَبِيِّ أَخْذُهُ قَهْراً لأنهُ يمكِنُهُ التَّيَممُ.

وَاعْلَمْ أنهُ مهْمَا احْتَاجَ إليه لعَطَش نَفْسَه أوْ رَفِيقِه أوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ في ثاني الحال قَبْلَ وُصُولهمْ إلى مَاء آخَرَ فَلَهُ التيمم ويُصَلي وَلَا يُعيدُ ولو لم يَجد الماءَ وَوجَدَهُ يُبَاعُ بثَمَن المثْل وهُوَ وَاجدٌ للثمَن فاضلاً عَما يَحْتَاجُ إلَيْه (1) في سَفَره ذَاهباً ورَاجعاً لَزِمَهُ شرَاؤهُ، وإن كان يُبَاعُ بأكْثَرَ من ثمنِ الْمثْل لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ سَوَاء قَلَّتْ الزيادَة (2) أمْ كَثُرَتْ لكنْ يُستحَب شِرَاؤهُ وَثَمَنُ الْمِثْل هُوَ قِيمَتُهُ في ذلكَ في تِلْكَ الْحَالة.

(1) أي لنفسه أو لمحترم تلزمه مؤنته، ولا يجب استقراض ثمن الماء، وإن كان له مال غائب ولا اتهابه ولا قبول ذلك بخلاف الماء لقلة المنة فيه.

(2)

أي في شراء الماء وآلة الاستقاء لأن في التكليف بالشراء بكثر من المثل مشقة على النفوس لا تحتملها في العادة.

ص: 85

فَصْلٌ

وَإِذَا لَمْ يَجِدْ المَاءَ وَجَبَ عَلَيْه طَلَبُهُ مِمَّنْ يَعْلَمُهُ (1) عِنْدَهُ بهبة أوْ ثَمَن (2) فإنْ وُهِبَ لهُ (3) لَزمَهُ قَبُوله وإنْ بَعَثَ مِنْ يَطْلُبُهُ له كَفَاه عَن الطلَب بنفْسه (4) وَلَوْ وَجَدَ بَعْضَ مَاءٍ لَا يكْفيه لزمَهُ استعمالُهُ على الأصَحّ ثُمَّ تَيَمَّمَ للْباقي.

فَصْلٌ

ولا يَجُوزُ التَيَمُّمُ إِلا بتُرَابٍ (5) طَاهر مُطْلَقٍ (6) له غُبار يَعْلَقُ بالْعُضْو فَإنْ تَيَمَّمَ بتُرَابٍ مَخْلُوطٍ برَمْل (7) جازَ وإنْ تَيَمَّمَ برَمْلٍ مَحْضٍ (8) أوْ بِتُرَاب مَخْلوطٍ أوْ نحوه لم يَصحَّ (9) ويُسْتَحَب للْمُسَافر أنْ يَسْتَصْحِبَ معه تُرَاباً في خِرقَةٍ ونحوها ليَتَيمَّم به إذَا لَمْ يجِد في أرْضه تُرَاباً.

(1) أو يتوهمه أو يظنه.

(2)

كأن يقول: مَنْ عنده ماء يبيعه.

(3)

ولو باتهابه.

(4)

أي لحصول الطلب المتوقف عليه التيمم عند فقد الماء.

(5)

دخل في اسم التراب ما يؤكل تداوياً كالأرمني أو سفهاً كالأبيض لا نحو طين مشوي، وصح وأثم بتراب المسجد والأراضي الموقوفة والمملوكة التي علم من مالكها عدم الرضا، وقوله "طاهر": أي لا ما اختلط بنجاسة، أو تنجس بها.

(6)

مطلق أي طهور فلا يكفي مستعمل وهو ما بقي بعضوه أو تناثر منه بعد إمساسه البشرة لا ما بقي بعدما تيمم منه، من خرقه، ولا ما تغير طعمه، أو لونه أو ريحه بنحو خل أو ماء وردٍ جَفا وبقي غباره.

(7)

أي لا يلصق بالعضو.

(8)

أي لا غبار له مطلقاً أو له لكن لم يتحقق وصول التراب المعتبر تحققه إلى العضو فيما بعد.

(9)

كذا مذهب أحمد وقال مالك وأبو حنيفة: يجوز التيمم بالأرض وأجزائها ولو بحجر لا تراب عليه، ورمل لا غبار فيه، وزاد مالك ويجوز بما اتصل بالأرض كالنبات.

ص: 86