الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مراتب الإيمان
علمنا مما سبق أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل؛ يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، وأهله متفاوتون فيه على حسب علمهم وعملهم.
فالإيمان يزيد بالطاعات والأعمال الصالحة إلى ما شاء الله تعالى؛ حتى يوصل صاحبه درجة الصديقين، ويرفعه إلى الدرجات العليين، وهذه المرتبة تسمى (حقيقة الإيمان) .
وكذلك ينقص الإيمان بالمعاصي؛ حتى لا يبقى منه شيء ينفع صاحبه عند الله سبحانه وتعالى يوم الحساب.
إذن فللإيمان حد أدنى من أخل به ذهب إيمانه، ولن ينجو صاحبه من الخلود في النار! والعياذ بالله.
وهذه المرتبة تسمى الإسلام فإن الإيمان - عند أهل السنة والجماعة - مراتب ودرجات ومنازل، والمؤمنون فيه على طبقات متفاوتون في مراتب إيمانهم؛ فمنهم من معه أصل الإيمان، ومنهم من عمل بحقائقه واستكمل
الإيمان، وبلغ درجات الكمال الواجب، أو المستحب؛ فهؤلاء معهم (حقيقة الإيمان) .
فمراتب الإيمان - عند أهل السنة والجماعة - كالآتي:
المرتبة الأولى: (أصل الإيمان) :
ويسمى أيضاً (الإيمان المجمل) أو (مطلق الإيمان) .
وهذه المرتبة من الإيمان غير قابلة للنقصان؛ لأنها حد الإسلام، والفاصل بين الإيمان والكفر، وهذا النوع واجب على كل من دخل دائرة الإيمان، وشرط في صحته، وبه تثبت الأحكام الشرعية؛ لأن اسم الإيمان وحكمه يشمل كل من دخل فيه، وإن لم يستكمله، ولكن معه الحد الأدنى منه، هو ما يصح به إسلامه، ومرتكب الكبائر داخل في هذا المعنى، والمنفي عنه ليس اسم الإيمان والدخول فيه، وإنما المنفي هو حقيقته وكماله الواجب؛ فهو لا يسلب مطلق الإيمان، أي أصله، ولا يعطى الإيمان المطلق التام.
وهذا الإيمان يتحقق بالتصديق والانقياد المجمل، وتوحيد الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله، واستحقاقه - سبحانه - وحده للعبادة، واتباع أوامره ونواهيه، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذه المرتبة لا يشترط فيه وجود العلم التام بالإيمان.
فإذا عمل بهذا كله؛ فقد حقق أصل الإيمان الذي ينجو به من الكفر، ومن الخلود في النار، ومصيره يكون إلى الجنة؛ إن مات عليه، وإن قصر في بعض الواجبات، أو اقترف بعض المحرمات.
وصاحب هذه المرتبة يدخل في دائرة الإسلام، أو الإيمان المقيد، وكذلك يدخل فيه من أسلم من أهل الطاعة ممن لم تدخل حقائق الإيمان في قلوبهم، ويدخل فيه - أيضاً - أهل الكبائر عموماً، ويسمى صاحبه: مؤمنا ناقص الإيمان، أو فاسقاً، أو عاصياً.. إلخ.
المرتبة الثانية (الإيمان الواجب) :
ويسمى أيضاً (الإيمان المفصل) أو (الإيمان المطلق) أو (حقيقة الإيمان) .
وهذه المرتبة تكون بعد مرتبة (أصل الإيمان) ويكون صاحبها ممن يؤدي الواجبات ويتجنب الكبائر والمنكرات، ويلتزم بكل تفصيلات الشريعة؛ تصديقاً والتزاماً وعملاً، ظاهراً وباطناً؛ حسب استطاعته، وبقدر ما يزيد علمه وعمله يزداد إيمانه، وإذا ارتكب بعض الصغائر؛ يكفر عنه حسناته واجتنابه للكبائر، ولكن المتورع عن الصغائر أكمل إيماناً ممن يقع فيها.
وصاحب هذه المرتبة؛ موعود بالجنة بلا عذاب؛ وينجو من الدخول في النار؛ إن مات على ذلك، ويدخل في عداد المؤمنين الأبرار الذين قال الله تبارك وتعالى فيهم:
المرتبة الثالثة (الإيمان المستحب) :
ويسمى أيضاً (الإيمان الكامل بالمستحبات) .
وهذه المرتبة تكون بعد مرتبة (الإيمان الواجب) وهي مرتبة (الإحسان) وصاحبها لا يكتفي بعمل الواجبات وترك المنكرات؛ بل يضيف إلى ذلك فعل المستحبات، واجتناب المكروهات والمشتبهات؛ بقدر ما ييسر الله تعالى له ذلك.
(1) سورة الأنفال، الآية:4.
(2)
سورة الحجرات، الآية:15.
ويتفاوت أصحاب هذه المراتب، بقدر تفاوتهم بالعلم والعمل، ويقابل ذلك تفاوتهم في درجات العلى من جنة الخلد.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن هذه المراتب:
{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ {32} جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (1) .
السابق بالخيرات:
هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، وهو الفاعل للواجبات والمستحبات، التارك للمحرمات، والمتورع عن المكروهات، والمجتنب للمحظورات والمشتبهات، وهو صاحب (الإيمان الكامل المستحب) .
المقتصد:
المكتفي بفعل الواجبات، واجتناب المحظورات، وإن لم يحافظ على المسنونات، ولا تورع عن المكروهات، وهو صاحب (الإيمان الواجب) .
(1) سورة فاطر، الآيتان: 32 و 33.
الظالم لنفسه:
هو المفرط في بعض الواجبات، والمرتكب لبعض المحرمات والمعاصي التي لا تصل إلى الكفر، أو الشرك الأكبر، وهو صاحب (الإيمان المجمل) .
قال الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
(السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يدخل الجنة برحمة الله، والظالم لنفسه وأصحاب الأعراف يدخلون الجنة بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم (1) .
(1) انظر: (تفسير الطبري) ج 11، 189 و (تفسير ابن كثير) .