الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نواقض الإيمان
قد علمنا فيما سبق - من هذه الرسالة - مضمون الإيمان عند أهل السنة والجماعة: تعريفه، وحقيقته، وشروطه، وأركانه، ومراتبه، ودرجاته، وثمراته، وصفات أهله، وخوارمه.
وعرفنا كل ذلك على النحو الذي بينه الله تعالى في كتابه العزيز، وبينه لنا رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة، من خلال أقوال وفهم أئمة السنة والجماعة.
فتبين أن الملتزمين العاملين بأوامر الله تعالى، والمتباعدين عن نواهيه؛ هم الصادقون حقاً وصدقاً في دعوى الإيمان.
والسعيد من تمسك وعمل بهذا الإيمان الذي كان يؤمن به النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون ومن تبعهم بإحسان.
والشقي من صرف عن هذا الإيمان، وترك العمل، أو ترك بعضه، أو تهاون فيه؛ بمداخل الشيطان وخطواته؛ من جهل، وتأويل، وشبهة، واتباع للهوى؛ فهو في الحقيقة من الكاذبين الغاشين لأنفسهم لا غير.
فإذا تبينت لنا حقيقة الإيمان على النحو الذي رضيه لنا الله تعالى، وجب علينا أن نعرف أن هذه الحقيقة لها نواقض تنقض عراها، عروة عروة؛ حتى تعري صاحبها منها، فالعبد المسلم قد يتصف بحقيقة الإيمان كما بينها أهل السنة والجماعة، ولكن قد يطرأ عليه اعتقاد أو قول أو عمل أو شك؛ يخرجه من حقيقة الإيمان إلى دائرة الكفر، وهو لا يشعر!
ونواقض الإيمان الاعتقادية والقولية والعملية التي يكفر بها صاحبها؛ كثيرة جداً لا يمكن حصرها هنا في هذه الرسالة، ولذلك سأورد أصول هذه النواقض، وبعض الأمثلة عليها (1) .
كما يجب أن نعلم قبل ذلك؛ أن الإيمان حقيقة كلية بأركانها ومسماها لا تقبل التجزئة، وتندرج تحتها فروع كثيرة، يجب الإيمان بجميعها جملة واحدة كما أمرنا الله تعالى؛ فإنكار أي فرع من فروعها، أو مسألة منها؛ هو كفر ببقية الفروع والمسائل، وخروج من دائرة الإيمان إلى حظيرة الكفر.
(1)(() ومن شاء البسط في معرفة أدلة نواقض الإيمان أكثر؛ فعليه الرجوع إلى مصادرها في كتب عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي كثيرة ومتوفرة، ولله الحمد والمنة، وقد ذكرت بعضها في نهاية هذه الرسالة.
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً {150} أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} (2) .
ففي هذه النصوص - وغيرها كثيرة - دلالة واضحة وصريحة على أن الإيمان والالتزام يجب أن يكون كلياً غير منقوص، والإيمان لا يقبل التجزئة في عناصره وأركانه ومسماه.
والإيمان ينتقض بانتقاض عنصر واحد من عناصره، فمن طعن في مسألة جزئية من مسائله، أو استحل المعصية؛ كأنما طعن في الإيمان كله.
(1) سورة البقرة، الآية:85.
(2)
سورة النساء، الآيتان: 150- 151.
فالإيمان ليس أجزاء مفرقة مبعثرة نستطيع أن نأخذ من أركانها وعناصرها ما نشاء، ونترك ما نشاء، ثم نبقي في دائرة الإيمان!
فإن من قال قولاً، أو فعل فعلاً، أو اعتقد أمراً؛ يدل على إنكار شيء من عناصر الإيمان أو أجزائه أو أركانه؛ فقد نقض إيمانه، وخرج من دائرة الإسلام، وتنطبق عليه أحكام الردة؛ ولو آت ببعض أجزاء الإيمان.
وإذا لم يتب يكون من المخلدين في النار، والعياذ بالله.