المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(6) الإيمان بالقدر أهل السنة والجماعة: يعتقدون اعتقاداً جازماً أن كل خير - الإيمان حقيقته، خوارمه، نواقضه عند أهل السنة والجماعة

[عبد الله بن عبد الحميد الأثري]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌حقيقة الإيمانعندأهل السنة والجماعة

- ‌تعريف الإيمان

- ‌الإيمان في اللغة:

- ‌الإيمان في الاصطلاح الشرعي:

- ‌الأدلة من القرآنعلى أن الأعمال جزء من الإيمان

- ‌الأدلة من السنةعلى أن الأعمال جزء من الإيمان

- ‌خلاصة القول في مسمى الإيمان:

- ‌زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌أسباب زيادة الإيمان

- ‌مراتب الإيمان

- ‌أقوال أئمةأهل السنة والجماعةفي مسمى الإيمان

- ‌الإيمان والإسلام

- ‌التلازم الظاهر بالباطن

- ‌الاستثناء في الإيمان

- ‌الاستثناء في الإسلام

- ‌(هل الإيمان مخلوق أم غير مخلوق

- ‌أركان الإيمان عند أهل السنة والجماعة

- ‌أركان الإيمان

- ‌(1)الإيمان بالله

- ‌1- توحيد الربوبية

- ‌2- توحيد الألوهية

- ‌3- توحيد الأسماء والصفات:

- ‌(2)الإيمان بالملائكة

- ‌(3)الإيمان بالكتب

- ‌(4)الإيمان بالرسل

- ‌(5)الإيمان باليوم الآخر

- ‌علامات الساعة الصغرى:

- ‌علامات الساعة الكبرى:

- ‌(6)الإيمان بالقدر

- ‌فوائد الإيمان وثمراته

- ‌من صفات أهل الإيمان

- ‌خوارم الإيمانالمعاصي وأثرها على الإيمانعند أهل السنة والجماعة

- ‌المعاصي وأثرها على الإيمان

- ‌حكم الإصرار على المعاصي:

- ‌آثار المعاصي الوخيمة على العبد:

- ‌حكم مرتكب الكبيرة:

- ‌من أسباب سقوط العقوبة عن عصاة الموحدين

- ‌طبقات عصاة الموحدين يوم الدين:

- ‌نواقض الإيمانعند أهل السنة والجماعة

- ‌تعريفات لابد منها

- ‌(1)(تعريف الناقض)

- ‌(2)(تعريف الردة)

- ‌(3)(تعريف الشرك)

- ‌الشرك الأكبر:

- ‌الشرك الأصغر:

- ‌(4)(تعريف الفسق)

- ‌(5)(تعريف الكفر)

- ‌(6)(تعريف النفاق)

- ‌الزنديق والزندقة:

- ‌ النفاق الأكبر

- ‌ النفاق الأصغر

- ‌(7)(خطورة التكفير)

- ‌(8)(التفريق بين التكفير المطلق وتكفير المعين)

- ‌(9)(موانع التكفير)

- ‌الجهل:

- ‌الخطأ:

- ‌الإكراه:

- ‌التأويل:

- ‌التقليد:

- ‌العجز:

- ‌(10)(تكفير أهل السنة والجماعة لمن ثبت كفره)

- ‌(11)(ما يمحو الكفر بعد ثبوته على المعين)

- ‌نواقض الإيمان

- ‌نواقض الإيمان وأنواعها

- ‌1- نواقض توحيد الله تعالى في ربوبيته:

- ‌2- نواقض توحيد الله تعالى في أسمائه وصفاته:

- ‌3- نواقض توحيد الله تعالى في ألوهيته:

- ‌4- نواقض عموم الدين:

- ‌الأول: نواقض الإيمان بالاعتقاد:

- ‌الثاني: نواقض الإيمان بالقول:

- ‌الثالث: نواقض الإيمان بالفعل:

- ‌الحكم بغير ما أنزل الله

- ‌أقوال أئمة أهل السنة والجماعة على أن الكفر يكونبالاعتقاد والقول والفعل

- ‌أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

الفصل: ‌ ‌(6) الإيمان بالقدر أهل السنة والجماعة: يعتقدون اعتقاداً جازماً أن كل خير

(6)

الإيمان بالقدر

أهل السنة والجماعة: يعتقدون اعتقاداً جازماً أن كل خير وشر يكون بقضاء الله وقدره، وأن الله فعال لما يريد؛ فكل شيء بإرادته، ولا يخرج عن مشيئته وتدبيره، وعلم كل ما كان وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل، وقدر المقادير للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضته حكمته، وعلم أحوال عباده، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم، وغير ذلك من شؤونهم؛ فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته.

وملخص القول في القدر: هو ما سبق به العلم، وجرى به القلم، مما هو كائن إلى الأبد.

قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا} (1) .

وقال: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (2) .

(1) سورة الأحزاب، الآية:38.

(2)

سورة القمر، الآية:49.

ص: 159

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه)(1) .

وأهل السنة يقولون: الإيمان بالقدر لا يتم إلا بأربعة أمور، وتسمى: مراتب القدر، أو أركانه، وهذه الأمور هي المدخل لفهم مسألة القدر، ولا يتم الإيمان بالقدر إلا بتحقيق جميع أركانه؛ لأن بعضها مرتبط ببعض؛ فمن أقر بها جميعا اكتمل إيمانه بالقدر، ومن انتقص واحداً منها، أو أنكره؛ فقد اختل إيمانه بالقدر.

المرتبة الأولى: العلم:

الإيمان بأن الله تعالى عالم بكل ما كان، وما يكون، وما لم يكن، لو كان كيف يكون؛ جملة وتفصيلاً، وأنه علم ما الخلق عاملون قبل خلقهم، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأعمالهم وحركاتهم وسكناتهم، وعلم الشقي منهم والسعيد، وذلك بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً، قال الله تبارك وتعالى:

{إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (2) .

(1)(رواه الترمذي) في (كتاب القدر) باب: (ما جاء أن الإيمان بالقدر خيره وشره) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ج 2، ص 277.

(2)

سورة التوبة، الآية:115.

ص: 160

المرتبة الثانية: الكتابة:

وهي الإيمان بأن الله كتب ما سبق به علمه من مقادير المخلوقات في اللوح المحفوظ، وهو الكتاب الذي لم يفرط فيه من شيء؛ فكل ما جرى وما يجري وكل كائن إلى يوم القيامة؛ فهو مكتوب عند الله تعالى في أم الكتاب، ويسمى: الذكر، والإمام، والكتاب المبين، قال الله تبارك وتعالى:

{وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} (1) .

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

(إن أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، قال: ما أكتب؟ قال: اكتب القدر ما كان وما هو كائن إلى الأبد)(2) .

المرتبة الثالثة: الإرادة والمشيئة:

أي: أن كل ما يجري في هذا الكون فهو بإرادة الله ومشيئته الدائرة بين الرحمة والحكمة، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وسلطانه، وهم

(1) سورة يس، الآية:12.

(2)

(رواه الترمذي) في (كتاب القدر) باب: (الرضا بالقضاء) وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) ج 2، ص 299.

ص: 161

يسألون، وما وقع من ذلك؛ فإنه مطابق لعلمه السابق المكتوب في اللوح المحفوظ، فمشيئة الله نافذة، وقدرته شاملة، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن؛ فلا يخرج عن إرادته شيء.

قال تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَاّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد؛ يصرفه حيث يشاء)(2) .

المرتبة الرابعة: الخلق:

وهي الإيمان أن الله خالق كل شيء، لا خالق غيره ولا رب سواه، وأن كل ما سواه مخلوق؛ فهو خالق كل عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، قال الله تبارك وتعالى:

{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (3) .

فهو سبحانه وتعالى خالق العباد وأفعالهم، وأن كل ما يجري من خير وشر، وكفر وإيمان، وطاعة ومعصية شاءه الله، وقدره، وخلقه، قال الله تعالى:

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَاّ بِإِذْنِ الله} (4) .

(1) سورة التكوير، الآية:29.

(2)

(رواه مسلم) في (كتاب القدر) باب: (تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء) .

(3)

سورة الفرقان، الآية:2.

(4)

سورة يونس، الآية:100.

ص: 162

وقال: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَاّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا} (1) .

وأن الله تعالى الخالق المتفرد بالخلق والإيجاد؛ فهو خالق كل شيء بلا استثناء، لا خالق غيره ولا رب سواه، قال تعالى:

{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (2) .

وأن الله يحب الطاعة ويكره المعصية، ويهدي من يشاء بفضله ويضل من يشاء بعدله، قال الله تعالى:

{إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (3) .

ولا حجة لمن أضله ولا عذر له؛ لأن الله قد أرسل الرسل لقطع الحجة، وأضاف عمل العبد إليه، وجعله كسبا له، ولم يكلفه إلا بما يستطيع، قال الله تبارك وتعالى:

{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} (4) .

وقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (5) .

وقال: {لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (6) .

(1) سورة التوبة، الآية:51.

(2)

سورة الزمر، الآية:62.

(3)

سورة الزمر، الآية:7.

(4)

سورة غافر، الآية:17.

(5)

سورة الإنسان، الآية:3.

(6)

سورة النساء، الآية:165.

ص: 163

وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} (1) .

ولكن لا ينسب الشر إلى الله لكمال رحمته؛ لأنه أمر بالخير ونهى عن الشر، وإنما يكون الشر في مقتضياته وبحكمته.

قال تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} (2) .

والله سبحانه وتعالى منزه عن الظلم، ومتصف بالعدل؛ فلا يظلم أحداً مثقال ذرة، وكل أفعاله عدل ورحمة.

قال الله تعالى: {وَمَا أَنَا بِظَلَاّمٍ لِّلْعَبِيدِ} (3) .

وقال: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (4) .

وقال: {إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} (5) .

والله تعالى لا يسأل عما يفعل وعما يشاء لقوله تعالى:

{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (6) .

فالله تعالى خلق الإنسان وأفعاله، وجعل له إرادة، وقدرة، واختياراً، ومشيئة، وهبها الله له لتكون أفعاله منه حقيقة لا مجازا،

(1) سورة البقرة، الآية:286.

(2)

سورة النساء، الآية:79.

(3)

سورة ق، الآية:29.

(4)

سورة الكهف، الآية:49.

(5)

سورة النساء، الآية:40.

(6)

سورة الأنبياء، الآية:23.

ص: 164

ثم جعل له عقلاً يميز به بين الخير والشر، ولم يحاسبه إلا على أعماله التي هي بإرادته واختياره؛ فالإنسان غير مجبر بل له مشيئة واختيار؛ فهو يختار أفعاله وعقائده؛ إلا أنه تابع في مشيئته لمشيئة الله، وكل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فالله تعالى هو الخالق لأفعال العباد، وهم الفاعلون لها؛ فهي من الله خلقاً وإيجاداً وتقديراً، ومن العبد فعلاً وكسبا، قال تعالى:{لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ {28} وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَاّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (1) .

ولقد رد الله تعالى على المشركين حين احتجوا بالقدر، وقالوا:{لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ} (2) .

فرد الله عليهم كذبهم، بقوله:{قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلَاّ تَخْرُصُونَ} (3) .

وأهل السنة والجماعة:

يعتقدون أن القدر سر الله في خلقه، لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ضلالة؛ لأن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، قال تعالى:

(1) سورة التكوير، الآيتان: 28 - 29.

(2)

سورة الأنعام، الآية:148.

(3)

المرجع السابق.

ص: 165

{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} (1) .

وأهل السنة والجماعة:

يسلمون تسليماً مطلقاً لقول الله تبارك وتعالى:

{قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} (2) .

ويحاجون به من خالفهم من الفرق الضالة والمنحرفة.

وهذا هو الذي آمن به السلف الصالح من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان؛ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

(1) سورة يس، الآية:12.

(2)

سورة النساء، الآية:78.

ص: 166

نعمة الإيمان وحالاته

ص: 167

إن الإيمان نعمة عظيمة جليلة في حياة المسلم، تزكي العمر وتبارك الحياة، وتضمن الآخرة، وترفع صاحبها في الدنيا والآخرة؛ لأن فيها الحياة الحقيقية والسعادة الأخروية، وهذه النعمة لا يعرفها إلا من ذاق طعمها، ولا يحس بها إلا من عاشها.

والإيمان نور هاد مضيء يهبه الله تعالى لمن يشاء من عباده، ويصرفه عمن يشاء، قال تعالى:

{قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} (1) .

فالإيمان منحة ربانية يمنها الله تعالى على عباده المؤمنين الصادقين برحمته وبفضله وعطائه، فمن وجده فقد وجد الخير كله، ومن فقده فقد كل شيء، ولم ينفعه أي شيء، قال تعالى:

{يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَاّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} (2) .

(1) سورة الرعد، الآية:27.

(2)

سورة الحجرات، الآية:17.

ص: 169

والإيمان نعمة يشعر بها من آمن بالله تعالى رباً، وبرسوله صلى الله عليه وسلم نبياً، وأطاع الله، وأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل فيما أمر به، وانتهى عما نهي عنه، باطناً وظاهراً؛ فإذا فعل ذلك كان من المؤمنين الصادقين، وحشر في زمرتهم ومع خيرتهم، قال تعالى:

{وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (1) .

وللإيمان مع المؤمنين المتقين الصادقين العاملين بأوامر الله تعالى بإخلاص، والمتبعين لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ حالات وصفات يهبها الله تعالى لهم بفضله ورحمته، منها:

كتابة الإيمان في القلوب:

يكتب الله سبحانه وتعالى الإيمان في قلوب عبادة كتابة دائمة ثابتة؛ فلا يفارقهم ما داموا مع الله - جل وعلا - فإذا ثبت ورسخ واستقر في القلوب، لا يقوى أحد على محوه أبداً؛ لأنه هبة الله - جل وعلا - لعباده الصالحين العاملين، قال تعالى:

(1) سورة النساء، الآية:69.

ص: 170

{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) .

حلاوة الإيمان في القلوب:

يجد المؤمن حلاوة الإيمان في قلبه، ويذوقها ويسعد بها، وإذا ذاقها سيبقى يطلبها ويشتاق إليها، وإذا عاش معها تتحول حياته إلى سعادة واستقرار دائم.

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

(ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يلقى في النار)(2) .

(1) سورة المجادلة، الآية:22.

(2)

(رواه البخاري) في (كتاب الإيمان) باب: (من كره أن يعود في الكفر) .

ص: 171

طعم الإيمان في القلوب:

الإيمان رغم كونه أمراً معنوياً، له طعم لذيذ حلو طيب؛ يجده ويذوقه المؤمن في قلبه وكيانه.

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

(ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان: من كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان أن يلقى في النار أحب إليه من أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه)(1) .

وقال: (ذاق طعم الإيمان؛ من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا)(2) .

نور الإيمان في القلوب:

الإيمان نور مشرق مضيء؛ يشرق قلب المؤمن، ثم يضيء جوارحه وطريقه، ثم ينعكس على حياته، ويجعله من أسعد

(1)(رواه مسلم) في كتاب (الإيمان) باب: (بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان) .

(2)

(رواه مسلم) في كتاب (الإيمان) باب: (الدليل على أن من رضي الله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا، فهو مؤمن) .

ص: 172

الناس إطلاقاً، ثم ينير طريقه إلى جنة الخلد التي تجري من تحتها الأنهار، والتي نعيمها دائم لا يفنى.

ونور الإيمان ينبع من نور الله جل وعلا، قال تعالى:

{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَاّ شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ {35} فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال {36} رِجَالٌ لَاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} (1) .

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (2) .

(1) سورة النور، الآيات: 35- 37.

(2)

سورة الحديد، الآية:28.

ص: 173

محبة الإيمان في القلوب:

محبة الإيمان غامرة ظاهرة بدهية فطرية؛ جبل الإنسان عليها، وإذ استقرت محبته في قلب المؤمن عكست على ظاهره نوره، ولا يبقى لنقيضه مكان فيه، ونقيضه هو الكفر والفسوق والعصيان.

والله سبحانه وتعالى هو الذي يحبب الإيمان إلى عباده الصالحين العاملين، ويكره إليهم نقيضه، قال تعالى:

{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} (1) .

زينة الإيمان في القلوب:

الإيمان زينة جميلة لصاحبه في الدنيا والآخرة؛ ولن يبدو صاحبه جميلاً بدونه، وهذه الزينة يهبها الله تعالى لمن يشاء من عباده، ويضاعفها عليهم، ويقذفها في قلوبهم، قال تعالى:

{وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ {7} فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (2) .

(1) سورة الحجرات، الآية:7.

(2)

سورة الحجرات، الآية: 7- 8.

ص: 174

الإيمان كشجرة راسخة في القلوب:

إنه كشجرة طيبة، مباركة، كريمة، خيرة، نافعة، مثمرة، حية، راسخة، قوية، ثابتة، نامية؛ أصلها ثابت، جذورها ضاربة في أعماق الأرض، وهكذا الإيمان في قلب المؤمن؛ يرسخ في أعماق القلب، ويثمر ثماراً يانعة هي الطاعات والحسنات، قال تعالى:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء {24} تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ {25} وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} (1) .

الإيمان يتبوأ في القلوب:

تبوؤ الإيمان في الأصل أمر معنوي، ولكن عندما يتبوأ الإيمان في القلب المؤمن يتحول إلى أمر محسوس يدركه المؤمن ويلمحه، ويصبح له (بيت الإيمان) أي: أن الإيمان يكون له داراً ومنزلاً وقراراً، يقيم فيه.

(1) سورة إبراهيم، الآيات: 24 - 26.

ص: 175

وقال تعالى عن الأنصار حين تبوؤا الدار قبل المهاجرين فامتلكوها، وتبوؤا الإيمان فتمكنوا منه:

{وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) .

نداء الإيمان في القلوب:

نداء الإيمان محبب إلى قلوب المؤمنين الصادقين العاملين المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نداء الفطرة، ويحمل أعظم رسالة، ويؤدي أفضل وظيفة، إنه الداعي إلى الله تبارك وتعالى وإلى الخير كله، وإلى النور والطمأنينة، والحياة السعيدة في الدنيا، ويبشر بالحياة الكريمة الأبدية في الآخرة، قال تعالى:

{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ} (2) .

(1) سورة الحشر، الآيات:9.

(2)

سورة آل عمران، الآية:193.

ص: 176

الإيمان ينفع صاحبه في الدنيا والآخرة:

ينفع صاحبه في حياة الدنيا؛ وهذا ملحوظ في أهل الإيمان، أهل الطاعة، والفضل، والقيم، والأخلاق؛ من المؤمنين الصالحين.

وينفع صاحبه يوم الحساب، يوم الحسرة والندامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، يوم يخسر الكافرون أنفسهم وأهليهم وأموالهم، ومن حولهم، يومها يتبوأ المؤمنون مكانهم في جنات الخلد خالدين فيها أبداً، قال تعالى:

{هَلْ يَنظُرُونَ إِلَاّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ} (1) .

قال: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (2) .

(1) سورة الأنعام، الآية:158.

(2)

سورة يونس، الآية:98.

ص: 177

للإيمان مجالس يزداد فيه ويتجدد:

مجالس الإيمان: هي الجلسات الإيمانية المباركة التي يجتمع فيها أهل الإيمان والطاعة من المؤمنين العاملين الصادقين؛ يذكرون فيها الله تعالى، ويتدارسون كتابه ويتدبرونه، ويفقهون سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأحكام شرعه لكي يطبقوها، ويتواصون فيها بالحق والصبر، ويحيون فيها إيمانهم ويعيشونه، فيزدادون إيماناً على إيمانهم، وتنزل عليهم الرحمة والبركة والسكينة، قال تعالى:

{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا 28} } (1) .

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)(2) .

(1) سورة الكهف، الآية:28.

(2)

سور (رواه مسلم) في (كتاب الذكر والدعاء) باب: (فضل الاجتماع على تلاوة القرآن) .

ص: 178

الإيمان يعلو ولا يعلى عليه:

الإيمان الصادق الرباني: هو أساس كل خير، ومنبع العزة، ومصدر الكرامة، والشرف، والسيادة، يعيش صاحبه عزيزاً، سعيداً، قوياً، ثابتاً على طريق الحق، وقد وعد الله عز وجل أهل الإيمان والطاعة بالنصر والتمكين في الأرض، قال تعالى:

{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} 139 {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {140} وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} (1) .

الإيمان شعب ودرجات:

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)(2) .

(1) سورة آل عمران، الآيات: 139- 141.

(2)

(رواه مسلم) في (كتاب الإيمان) باب: (بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها) .

ص: 179