الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان والإسلام
اختلف أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإسلام والإيمان على قولين: هل هما بمعنى واحد، أم أن أحدهما غير الآخر؟ والمتتبع للآيات القرآنية والأحاديث النبوية؛ يجد أن اسم الإيمان تارة يذكر مفرداً غير مقرون باسم الإسلام، وتارة يذكر مقروناً به، وكذلك العكس؛ فإنهما أحياناً يكونان بمعنى واحد فهما مترادفان، وتارة يراد من أحدهما معنى يغاير لمعنى الآخر؛ فيكونان متغايرين.
والذي عليه أكثر العلماء؛ أن مسمى الإسلام غير مسمى الإيمان، وبينهما فرق؛ فباعتبار الحقيقة اللغوية يفترق الإسلام والإيمان وباعتبار الحقيقة الشرعية يتضمن الإيمان الإسلام؛ لأن بينهما تلازماً في الوجود، فكل واحد منهما مكمل للآخر بحيث لا ينفكان عن بعضهما، وأنهما إذا اجتمعا اختلفا في مدلولهما، وإذا افترقا اجتمعا في مدلولهما، وأنه إذا وجد أحدهما في نص دون الآخر فهو لازم له، وإن اجتمعا في نص واحد فكل منهما يفسر بمعناه المذكور، قال الله تبارك وتعالى:
بمعنى أنه إذا اجتمعا باللفظ افترقا بالمعنى، أي: إذا قرن الإسلام والإيمان في نص:
فيراد بالإسلام الأعمال الظاهرة من العبادات: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، أي: الاستسلام لله تعالى، والخضوع والإنقياد له - سبحانه - بالعمل.
ويراد بالإيمان الاعتقادات الباطنة، وهي الإيمان بالله تعالى، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، أي: تصديق القلب وإقراره ومعرفته.
وإذا افترقا في نص اجتمعا؛ فيشمل كل واحد منهما الدين كله؛ من أصوله وفروعه؛ من اعتقاداته وأفعاله الظاهرة والباطنة.
أي: إذا جاء ذكر الإسلام مفرداً، أو الإيمان مفرداً فالمراد بهما الدين كله، بما فيه من إسلام، وإيمان، واستسلام، وشعائر، وشرائع، ومناهج، وأحكام، قال الله تعالى:
(1) سورة الحجرات، الآية:14.
{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ} (1) .
وقال: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ} (2) .
وقال: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3) .
وقال: {وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (4) .
وقال: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ {7} وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (5) .
(1) سورة آل عمران، الآية:19.
(2)
سورة المائدة، الآية:3.
(3)
سورة آل عمران، الآية:85.
(4)
سورة المائدة، الآية:5.
(5)
سورة الحديد، الآيتان 7-8.
(6)
سورة الحجرات، الآية:15.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(الإيمان بضع وسبعون، أوبضع وستون شعبة؛ فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)(1) .
وعن عمر رضي الله عنه قال:
بينما نحن عند رسول الله ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد؛ حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً.
(1) سورة الحجرات، الآية:15.
قال: صدقت؛ فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال:
أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال:
أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال:
ما المسؤول عنها بأعلم بها من السائل.
قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال:
أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء؛ يتطاولون في البنيان) . ثم انطلقت فلبثت ملياً، ثم قال:
يا عمر أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) (1) .
(1)(رواه مسلم) في (كتاب الإيمان) باب: (بيان الإيمان والإسلام والإحسان) .
فمثل الإسلام من الإيمان؛ كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى؛ فالشهادة للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة غير الشهادة لله بالوحدانية والعبادة، ومثل لفظ الفقير إذا أطلق دخل فيه المسكين، وإذا أطلق لفظ المسكين تناول الفقير، وإذا قرن بينهما؛ فأحدهما غير الآخر.
كذلك الإسلام والإيمان؛ إذ لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له، ولا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه.
وبهذا التفصيل يحصل الجمع بين الأدلة، وهذا هو القول الوسط، وبه تجتمع النصوص الشرعية.
ويمكن القول إن الخلاف بين السلف في هذه المسألة خلاف لفظي يسير؛ لأن الجميع متفقون على أن العمل يدخل في مسمى الإيمان، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأنهم لا يخرجون أهل المعاصي من الإيمان إلى الكفر؛ وإذا أخرجوهم من الإيمان إلى الإسلام؛ فلم يقولوا إنه لا يبقى معهم شيء من الإيمان؛ بل يبقى معهم أصل الإيمان.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(لو قدر أن الإسلام يستلزم الإيمان الواجب، فغاية ما يقال: إنهما متلازمان؛ فكل مسلم مؤمن، وكل مؤمن مسلم.
وهذا صحيح إذا أريد أن كل مسلم يدخل الجنة معه الإيمان الواجب، وهو متفق عليه؛ إذا أريد أن كل مسلم يثاب على عبادته؛ فلابد أن يكون معه أصل الإيمان فما من مسلم إلا وهو مؤمن، وإن لم يكن هو الإيمان الذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم عمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وعمن يفعل الكبائر، وعن الأعراب وغيرهم.
فإذا قيل: إن الإسلام والإيمان التام متلازمان، لم يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر؛ كالروح والبدن، فلا يوجد عندنا روح إلا مع البدن، ولا يوجد بدن حي إلا مع الروح، وليس أحدهما الآخر؛ فالإيمان كروح، فإنه قائم بالروح ومتصل بالبدن.
والإسلام كالبدن، ولا يكون البدن حياً إلا مع الروح، بمعنى أنهما متلازمان، لا أن مسمى أحدهما هو مسمى الآخر، وإسلام المنافقين كبدن الميت، جسد بلا روح، فما من بدن حي إلا وفيه
روح..؛ فكل من خشع قلبه، خشعت جوارحه، ولا ينعكس، ولهذا قيل: إياكم وخشوع النفاق، وهو أن يكون الجسد خاشعاً، والقلب ليس بخاشع؛ فإذا صلح القلب صلح الجسد كله، وليس إذا كان الجسد في عبادة يكون القلب قائماً بحقائقهما) (1) .
(1)(مجموع الفتاوى) ج 7، ص 367.