الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيمان في الاصطلاح الشرعي:
الإيمان عند السلف الصالح - أهل السنة والجماعة - هو:
التصديق الجازم، والإقرار الكامل، والاعتراف التام؛ بوجود الله تعالى وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، واستحقاقه وحده العبادة، واطمئنان القلب بذلك اطمئناناً تُرى آثاره في سلوك الإنسان، والتزامه بأوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه.
وأن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رسول الله، وخاتم النبيين، وقبول جميع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم عن ربه - جل وعلا - وعن دين الإسلام؛ من الأمور الغيبية، والأحكام الشرعية، وبجميع مفردات الدين، والانقياد له صلى الله عليه وسلم بالطاعة المطلقة فيما أمر به، والكف عما نهى عنه صلى الله عليه وسلم وزجر؛ ظاهراً وباطناً، وإظهار الخضوع والطمأنينة لكل ذلك.
وملخصه: (هو جميع الطاعات الباطنة والظاهرة) .
- الباطنة: كأعمال القلب، وهي تصديق القلب وإقراره.
- الظاهرة: أفعال البدن من الواجبات والمندوبات.
ويجب أن يتبع ذلك كله: قول اللسان، وعمل الجوارح والأركان، ولا يجزيء واحد من الثلاث إلا بالآخر؛ لأن أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان، وجزء منه.
فمسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ كما أجمع عليه أئمتهم وعلماؤهم، هو:
(تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح والأركان؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية) .
ومن أصولهم التي اتفقوا عليها في مسمى الإيمان على اختلاف عباراتهم في التعبير - إجمالاً وتفصيلاً - وذلك خوفاً من الاشتباه، أو الالتباس؛ أن الإيمان مركب من:
(قول، وعمل) . أو (قول، وعمل، ونية) . أو (قول، وعمل، ونية، واتباع السنة) .
أي: أن مسمى الإيمان يطلق عند أهل السنة والجماعة على ثلاث خصال مجتمعة، لا يجزيء أحدهما عن الآخر، وهذه الأمور الثلاثة جامعة لدين الإسلام:
(اعتقاد القلب، إقرار اللسان، عمل الجوارح) .
وبعبارة أخرى عندهم:
- قول القلب، وقول اللسان.
- عمل القلب، وعمل الجوارح.
ويمكن توضيح ذلك؛ بالتفصيل التالي:
أولاً - قول القلب: هو معرفته للحق، واعتقاده، وتصديقه، وإقراره، وإيقانه به؛ وهو ما عقد عليه القلب، وتمسك به، ولم يتردد فيه، قال الله تبارك وتعالى:
{وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {33} لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} (1) .
وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} (2) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله، وفي قلبه وزن شعيرة من خير)(3) .
قول اللسان: إقراره والتزامه.
أي: النطق بالشهادتين، والإقرار بلوازمها.
قال تعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ
(1) سورة الزمر، الآيتان: 33 - 34.
(2)
سورة الأنعام، الآية:57.
(3)
(رواه البخاري) في (كتاب الإيمان) باب: (زيادة الإيمان ونقصانه) .
مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (1) .
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2) .
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة
…
) (3) .
ثانياً: عمل القلب: نيته، وتسليمه، وإخلاصه، وإذعانه، وخضوعه، وإنقياده، والتزامه، وإقباله إلى الله تعالى، وتوكله عليه - سبحانه - ورجاؤه، وخشيته، وتعظيمه، وحبه وإرادته.
قال الله تعالى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (4) .
وقال تعالى: {وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى {19} إِلَاّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى {20} وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (5) .
(1) سورة البقرة، الآية:136.
(2)
سورة الأحقاف، الآية:13.
(3)
(رواه البخاري) في (كتاب الإيمان) باب: (فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ) .
(4)
سورة الأنعام، الآية:52.
(5)
سورة الليل، الآيات: 19-21.
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه)(1) .
عمل الجوارح:
أي فعل المأمورات والواجبات، وترك المنهيات والمحرمات.
فعمل اللسان: ما لا يؤدى إلا به؛ كتلاوة القرآن، وسائر الأذكار؛ من التسبيح، والتحميد، والتهليل، والتكبير، والدعاء، والاستغفار، والدعوة إلى الله تعالى، وتعليم الناس الخير، وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى باللسان؛ فهذا كله من الإيمان.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} (2) .
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (3) .
وعمل الجوارح: مثل الصلاة، والقيام، والركوع، والسجود، والصيام، والصدقات، والمشي في مرضاة الله تعالى؛ كنقل الخطا
(1)(رواه أبو داود) في (كتاب الأدب) باب: الغيبة) . وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود) ج 3، ص 923.
(2)
سورة فاطر، الآية:29.
(3)
سورة الأحزاب، الآية:41.
إلى المساجد، والحج، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من أعمال شعب الإيمان.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {77} {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} (1) .
وقال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا {63} وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (2) .
فهذه الخصال الثلاث:
(اعتقاد القلب، إقرار اللسان، عمل الجوارح) .
اشتمل عليها مسمى الإيمان عند أهل السنة والجماعة؛ فمن أتى بجميعها؛ فقد اكتمل إيمانه.
(1) سورة الحج، الآيتان: 77-78.
(2)
سورة الفرقان، الآيتان: 63-64.