الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
التدليس والنص على السماع أو نفيه
تقدم في المبحث الأول أن الباحث حين نظره في رواية معينة لمدلِّس إنما يفعل هذا بعد ثبوت سماع ذلك الراوي ممن روى عنه، فإذا لم يثبت فالمسألة حينئذٍ تحولت إلى إثبات أصل السماع، فلا فائدة حينئذ من البحث في التدليس في الرواية المعينة، إذ السماع لم يثبت أصلاً.
وهذا أمر ظاهر، والغرض من التذكير به هنا هو أن البحث في السماع بابه واحد، فمتى وقفنا على نص من المدلِّس أنه سمع ذلك الحديث المعين من شيخه، أو تلك الأحاديث، أو نص على عدم السماع - خرج الأمر عن موضوع التدليس، فيجزم هنا بأن الراوي قد سمع، إن كان النص على السماع، أو أنه لم يسمع، إن كان النص على عدم السماع.
ومثل ذلك يقال فيما لو جاء النص على السماع أو عدمه من النقاد، فالواجب الوقوف مع كلامهم، وكذلك إذا جاء من واحد منهم ولم نقف على معارض له.
والأئمة النقاد كما اشتغلوا بالبحث في أصل سماع الراوي ممن يروي عنه، اشتغلوا كذلك في الأحاديث نفسها، وتمييز ما سمعه الراوي مما لم يسمعه، وبذلوا في سبيل ذلك جهداً كبيراً، لا يقل عما بذلوه في البحث عن أصل سماع الراوي ممن روى عنه.
وقد رأيت من الباحثين تقصيراً واضحاً في هذا الجانب، ولذا أفردت الموضوع بمبحث خاص به، وسأذكر الآن بعض نصوص الرواة فيما سمعوه أو
فيما لم يسمعوه، ثم أردفها ببعض النصوص عن النقاد.
فأما النوع الأول فمن النص على السماع ما رواه ابن المبارك قال: "قلت لإسماعيل بن أبي خالد: سمعت من زر بن حبيش غير هذا الحديث - حديث ليلة القدر -؟ قال: لا "
(1)
.
وقول أشعث بن عبدالملك الحمراني: " كل شيء حدثتكم عن الحسن فقد سمعته منه إلا ثلاثة أحاديث: حديث زياد الأعلم، عن الحسن، عن أبي بكرة: " أنه ركع قبل أن يصل إلى الصف "، وحديث عثمان البتِّي، عن الحسن، عن علي في (الخلاص)، وحديث حمزة الضبي، عن الحسن: " أن رجلاً قال: يا رسول الله! متى تحرم علينا الميتة؟ قال: إذا رويت من اللبن، وحانت ميرة أهلك " "
(2)
.
ولعل مراد الأشعث ما رواه عن الحسن مما يرويه الحسن من أحاديث عن غيره، ذلك أن يونس بن عبيد - وهو من أصحاب الحسن أيضاً - أخذ من الأشعث أشياء من كلام الحسن، وقد قيل إن الأشعث لم يسمعها من الحسن، فبينهما واسطة
(3)
.
وقول يحيى القطان: "كان سفيان (يعني الثوري) يُصَحِّح: عن واصل،
(1)
. "المعرفة والتاريخ" 3: 182.
(2)
وفي رواية عنه أنها أربعة أحاديث، انظر:"التاريخ الكبير" 1: 431، و"الكامل" 1: 361، و"تهذيب الكمال" 3:284.
(3)
. انظر: " طبقات ابن سعد " 7: 276، و"الجرح والتعديل" 1: 135، 2: 275، و"تهذيب الكمال" 3:282.
عن أبي وائل: " أن كعب المسلم رأى مع جرير قضيباً .... "، وأردته على الآخر: " لا يشفع في حدٍ
…
" فلم يحدثني به"
(1)
.
وقول سفيان بن عيينة: "لم أسمع من زياد بن علاقة إلا هذه الأربعة أحاديث، ثم حدث بحديث جرير: " بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على النصح
…
"، وحديث المغيرة: " قام النبي صلى الله عليه وسلم حتى تورمت قدماه
…
"، وحديث زياد بن علاقة، عن عمه قطبة بن مالك قال: " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الفجر
…
"، وحديث أسامة بن شريك: " حضرت الأعراب رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا يسألونه، فقال: وضع الله الحرج
…
"، "
(2)
.
وقوله أيضاً: "حديث الأعراب عن ابن بحينة سمعته من الزهري"
(3)
.
وأما النص على عدم السماع فهو كثير جداً، تقدم شيء منه آنفاً، ومنه أيضاً
(1)
"العلل ومعرفة الرجال" 3: 219.
(2)
"أخبار المكيين" ص 417.
(3)
"أخبار المكيين" ص 419، وفسر محقق الكتاب حديث (الأعراب) هذا بما رواه ابن ماجه حديث (1206)، وأحمد 5: 345، من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن الأعرج، عن ابن بحينة:" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ـ نظن أنها العصر ـ فقام في الثانية لم يجلس، فلما كان قبل أن يسلم سجد سجدتين "، لفظ أحمد.
ويشكل على هذا التفسير تسميته بحديث (الأعراب)، ولا ذكر للأعراب فيه، فإما أنه حديث آخر غيره، وإما أن في النسخة خطأ، ولاسيما أنه قد جاء للأعراب ذكر في الكتاب في النص الذي قبله.
ما رواه شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر، قال:"كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني العزل - ".
قال شعبة: " فقلت: أنت سمعته من جابر؟ قال: لا "
(1)
.
وروى الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" فلان في النار ينادي: ياحنان، يا منان "، قال أبوعوانة:"قلت للأعمش: سمعت هذا من إبراهيم؟ قال: لا، حدثني به حكيم بن جبير عنه"
(2)
.
وروى أبونعيم أيضاً، عن سفيان الثوري، عن إبراهيم بن عقبة، عن سعيد بن المسيب قال:" إذا أدخل بطنه فهو يحرِّم، ولا أقول كما قال ابن عباس "، قال عبدالرحمن بن مهدي:"سألت سفيان عن حديث إبراهيم ـ يعني ابن عقبة ـ في الرضاع ـ يعني هذا الحديث ـ فقال: لم أسمعه، حدثني معمر عنه"
(3)
.
وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضاً: " سألت سفيان عن حديث عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة (في الوتر لأهل القرآن) قال: لم أسمعه، قال: وسئل عن حديث عمرو بن مرة: "كان يعز على عبد الله أن يتكلم بعد طلوع الفجر"، قال:
(1)
"سنن النسائي الكبرى" حديث (9092)، و"مسند أحمد" 3: 368، و"مسند الطيالسي" حديث (1803)، وانظر:"مسند أحمد" 3: 309، فقد رواه ابن عيينة أيضاً، عن عمرو، عن جابر.
(2)
"معرفة علوم الحديث" ص 105.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 224.
حدثني رجل عن عمرو بن مرة"
(1)
.
وقال يحيى القطان: "سألت سفيان عن حديث أبي إسحاق، عن أبي عمرو الشيباني: " رأيت عبدالله يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة " ـ فلم يصححه لي، وقال: كتبته عن شعبة قال: حدثني أبوإسحاق
…
"
(2)
.
وقال يحيى أيضاً: "كان سفيان بن سعيد لا يصحح حديث علي بن الأقمر: " أتي أبوالدرداء بجارية
…
"، كأنه لم يسمعه"
(3)
.
وقال القطان أيضاً: "سمعت سفيان سئل عن حديث أبي إسحاق في (القارن)، فقال: لم أسمعه"
(4)
.
وذكر الدارقطني حديث محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة، عن عبدالله ابن عتبة بن مسعود، عن عمر: "ينكح العبد اثنتين، ويطلق تطليقتين
…
"، وقال: "رواه الثوري، عن محمد بن عبد الرحمن بهذا الإسناد، حدث به (يعني الثوري) بصنعاء، وقال عبد الرحمن بن مهدي: سألت سفيان عن هذا الحديث فقال: لم أسمعه من محمد، وقال علي بن المديني: حدثنا ابن عيينة قال: أنا حدثت به سفيان بن سعيد، فدل هذا على أن الثوري دلسه عن ابن عيينة، والله
(1)
" جامع التحصيل" ص 225.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال" 3: 215.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال" 3: 215.
(4)
"العلل ومعرفة الرجال" 3: 219.
أعلم"
(1)
.
وروى أبو حاتم، عن الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن ربعي، عن حذيفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقتدوا باللذين من بعدي
…
"، ثم قال أبو حاتم (والظاهرأنه ينقله عن الحميدي): "كان (يعني سفيان) يحدث به أيام الموسم عن عبد الملك بن عمير، ولم يذكر زائدة، ثم قال: لم آخذه من عبد الملك، إنما حدثناه زائدة، عن عبد الملك، وقال سفيان: إذا ذكرت لهم زائدة لم يسألوني عنه، وهذا حديث فيه فضيلة للشيخين"
(2)
.
ومراد سفيان أنه إذا ذكر زائدة نزل بالحديث درجة، فلم يسأل عن الحديث، وإذا دلسه عن عبد الملك بن عمير رغب التلاميذ فيه لكون عبد الملك من كبار شيوخه، وهو يحب أن ينشر الحديث لأن فيه فضيلة للشيخين، فلذلك يدلسه، وزائدة ثقة، فلا يضر إسقاطه.
وروى عمرو بن محمد الناقد قال: "حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار: " أن ابن الزبير كان لا يدع شيئاً إلا خالفهم فيه ـ يعني بني أمية ـ"، قال:
(1)
" علل الدارقطني " 2: 168.
وانظر حديثاً آخر لسفيان الثوري نص على أنه لم يسمعه، دلّسه، في:"الكامل" 7: 2472، و"سنن الدارقطني" 3:201.
(2)
"علل ابن أبي حاتم" 2: 379، وانظر:"سنن الترمذي" حديث (3662)، و"مسند أحمد" 5: 382، و"مسند الحميدي" حديث (449)، و"طبقات ابن سعد" 2: 334، و"مسند البزار" حديث (2827)، و"شرح المشكل" حديث (1226 - 1228)، و"شرح السنة" حديث (3894 - 3895).
فقلت: يا أبا محمد سمعته من عمرو؟
…
"، فذكر سفيان أنه سمعه من العلاء ابن عبدالرحمن، عن سلم بن قتيبة، عن عمرو بن دينار
(1)
.
وروى شعيب بن حرب، قال:"حدثنا سفيان بن عيينة بحديث عن ابن أبي نجيح، عن عطاء في الهدي قال: " ركوب يومين، ومشي يومين "، قال: فقلت لسفيان: سمعته من ابن أبي نجيح؟ فقال: أنت ممن سمعته؟ قال: فقلت له: سمعته من إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، فقال سفيان: وأنا سمعته من إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح "
(2)
.
وقال أحمد: "قال سفيان: لم أسمع منه ـ حديث عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم في (الحمام والمقبرة) "، قال أحمد:"قد حدثنا به سفيان، دلسه"
(3)
.
وقال أحمد أيضاً: "حدثنا سفيان، عن الزهري قال: "إذا " أتاها قبل أن يكفر كفر مرتين "، قيل له: سمعته من الزهري؟ قال: لا "
(4)
.
(1)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 257.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال" 3: 257.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال" 1: 192، 2: 149، وانظر:"الأم" 1: 92.
(4)
"العلل ومعرفة الرجال" 1: 187.
وانظر في أمثلة أخرى: "العلل ومعرفة الرجال" 2: 64 فقرة (1560)، 2: 292 فقرة (2298) - 2299، 3: 139 فقرة (4609 - 4610)، 3: 153 فقرة (4675)، 3: 336 فقرة (5488)، و"الضعفاء الكبير" 1: 29، و"الكفاية" ص 359، و"التمهيد" 1: 31، و"جامع التحصيل" ص 225.
وربما أتى عن المدلس بيان أنه لم يسمع جملة من الحديث ممن رواه عنه، وأنه سمع تلك الجملة بواسطة.
مثال ذلك أن يحيى بن سعيد القطان روى عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي، عن أيمن بن خريم حديثاً، وفيه شعر، ثم قال:"قال لي إسماعيل: لم أسمع هذا الشعر من عامر "
(1)
.
وروى جماعة من أصحاب سفيان الثوري منهم الفريابي، ووكيع، وإسحاق الأزرق وغيرهم، عنه، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قصة أذان بلال بالأبطح، وفيها:" فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان"
(2)
.
ورواه عبدالرزاق، عن الثوري بلفظ:" رأيت بلالاً يؤذن ويدور، ويتبع فاه ههنا وههنا، وإصبعاه في إذنيه "
(3)
، وبنحوه رواه مؤمل بن إسماعيل، عن الثوري، إلا أنه ليس فيه الدوران
(4)
.
ثم تبين أن سفيان إنما روى النص على دوران بلال، عن حجاج بن أرطاة، عن عون بن أبي جحيفة، وذكر سفيان أنه لقي بعد ذلك عون بن أبي جحيفة فلم
(1)
"جامع التحصيل" ص 173.
(2)
"صحيح البخاري" حديث (634)، و"صحيح مسلم" حديث (499)، و"سنن أبي داود" حديث (520)، و"سنن النسائي" حديث (642)، (5393)، و"مسند أحمد" 4: 308، واللفظ للفريابي عند البخاري.
(3)
"سنن الترمذي" حديث (197)، و"مسند أحمد" 4:308.
(4)
"مستخرج أبي عوانة" 1: 329.
يذكر الاستدارة، هكذا رواه عنه يحيى بن آدم
(1)
، ورواه عبدالله بن الوليد العدني في روايته لـ"جامع سفيان الثوري"، عن سفيان، عن رجل لم يسم، عن عون
(2)
.
وهكذا يقال في وضع الإصبع في الإذنين، فهو كالاستدارة معروف من رواية حجاج بن أرطاة، عن عون
(3)
.
وأما النوع الثاني - وهو نصوص النقاد فيما سمعه المدلسون، وفيما لم يسمعوه - فمن النص على السماع قول أحمد: " سمع عمرو بن دينار من ابن عباس ستة أشياء
…
- وذكرها "
(4)
.
وتوارد جمع من النقاد منهم شعبة وغيره على أن أبا إسحاق السبيعي سمع من الحارث بن عبد الله الأعور أحاديث قليلة، منهم من قال: إنها ثلاثة، ومنهم من قال: إنها أربعة، والباقي من كتاب وجده، وذلك أنه خلفه على امرأته، ونص أبو داود على أن الأحاديث التي سمعها ليس منها شيء مسند
(5)
.
(1)
"المعجم الكبير" حديث (261).
(2)
"سنن البيهقي" 1: 396.
(3)
"سنن ابن ماجه" حديث (711)، و"سنن الدارمي" حديث (1202)، و"صحيح ابن خزيمة" حديث (388)، وضعفه بتدليس الحجاج بن أرطاة.
(4)
" العلل ومعرفة الرجال " 2: 186، وانظر:" علل المروذي " ص 230.
(5)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 196، 3: 142، و"التاريخ الصغير" 1: 156، و"أحوال الرجال" ص 33، و"رسالة أبي داود إلى أهل مكة" ص 31، و"معرفة الثقات " 2: 179، و"الجرح والتعديل" 1: 148، و"الكامل" 1:86.
وروى علي بن المديني، عن يحيى القطان قال:" قال شعبة: لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أشياء، قلت ليحيى: عُدَّها، قال: قول علي رضي الله عنه: "القضاة ثلاثة "، وحديث: " لا صلاة بعد العصر "، وحديث يونس بن متى"
(1)
.
ونقل أبوداود معلقاً عن شعبة أنها أربعة، وزاد فيها:"وحديث ابن عمر في الصلاة"
(2)
.
وذكر شعبة أيضاً أن الحكم بن عتيبة لم يسمع من مقسم مولى ابن عباس إلا أربعة أحاديث، وعدها شعبة: حديث الوتر، وحديث قنوت عمر، وحديث عزمة الطلاق، وحديث جزاء مثل ما قتل من النعم، وهناك حديث واحد سمعه من عبدالحميد بن عبدالرحمن، عن مقسم، وهو حديث الرجل يأتي امرأته وهي حائض، والباقي أخذه عن مقسم من كتاب، وربما أجمل ذلك في بعض الروايات، فجاء فيها أنه سمع منه خمسة أحاديث
(3)
.
(1)
. "المراسيل" ص 171، و"الجرح والتعديل" 1: 127، و"سنن الترمذي" حديث 183.
(2)
. "سنن أبي داود " في كلامه على حديث 202.
وكذا قال يعقوب بن شيبة: إنها أربعة، نسبه إليه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" 8: 356، ولا أدري هل هو من كلامه، أو ينقله عن شعبة؟
(3)
. "مسائل أبي داود" ص 446، و"سنن الترمذي" 2: 406، 3: 227، و"العلل ومعرفة الرجال" 1: 536، و" مسائل صالح" ص 225، و"أخبار المكيين" ص 297، و"الجرح والتعديل" 1: 130، و"معرفة علوم الحديث" ص 110، و"تهذيب الكمال" 28: 462، و"شرح علل الترمذي" 2: 850، و"تهذيب التهذيب" 2: 434، وانظر:"رسالة أبي داود إلى أهل مكة" ص 30.
وقد جاء عن شعبة أيضاً أنها ستة أحاديث، لكن دون عدّ لها
(1)
.
وقال يحيى القطان: "عَدَّ عَلَيَّ سفيان (يعني الثوري) عن حبيب بن أبي ثابت: سمعت ابن عمر ـ ثلاثة ـ، يعني (حديث الضالة)، و (تأتونا بالمعضلات)، و" سئل ابن عمر وأنا أسمع عن رجل وهب لابنه ناقة
…
"، ثم قال: ليس غير هذه عن ابن عمر"
(2)
.
وقال يحيى أيضاً: "عَدَّ عَلَيَّ سفيان، عن حبيب، عن ابن عباس، اثنتين سمعها، في (الصرف)، وآخر"
(3)
.
وقال علي بن المديني: "إنما سمع الأعمش من سعيد بن جبير أربعة أحاديث، قال: " صلى بنا ابن عباس على طنفسة "، وحديث أبي موسى: " ما أحد أصبر على أذى من الله "، وقول ابن عباس: " الوتر بسبع أو خمس "، وقول سعيد بن جبير: {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر} [قال: الذكر: الذي في السماء] "
(4)
.
وقال يحيى بن معين: "سمع ابن جريج من حبيب بن أبي ثابت حديثين، وما روى عنه سوى ذلك يظنه بلغه عنه ولم يسمعها، سمع حديث أم سلمة (ما أكذب الغرائب)، والحديث الآخر حديث (الرقبى)، حدث به ابن جريج،
(1)
. "الجرح والتعديل" 1: 139.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال" 3: 220، وانظر:"إتحاف المهرة" 8: 293 - 294.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال" 3: 220.
(4)
"جامع التحصيل" ص 230، وانظر:" التعديل والتجريح" 3: 1117، و"تفسير ابن جرير" 17: 103، و"تحفة الأشراف" 6: 424، و"إتحاف المهرة" 7:113.
قال: حدثني عطاء، عن حبيب بن أبي ثابت، فلقيت حبيباً فحدثني"
(1)
.
وقال يحيى القطان: "لم يسمع ابن جريج من مجاهد إلا حديثاً واحداً: " فطلقوهن في قبل عدتهن "، ولم يسمع ابن جريج من ابن طاوس إلا حديثاً " في محرم أصاب ذرات، قال: فيها قبضات من طعام"، ولم يسمع الحجاج بن أرطاة من الشعبي إلا حديثاً: " لا تجوز صدقة حتى تقبض "، "
(2)
.
كذا قال القطان في سماع ابن جريج من مجاهد، وقال ابن معين:"لم يسمع ابن جريج من مجاهد إلا حرفاً أو حرفين"
(3)
.
وقال مرة أخرى: " سمع ابن جريج من مجاهد حرفاً واحداً في القراءة: (فإن الله لا يهدي من يضل) - قال ابن الجنيد: لا أدري كيف قرأه يحيى بن معين -، لم يسمع منه غيره، كان أتاه ليسمع منه فأتاه فوجده قد مات "
(4)
.
(1)
"تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 373، وانظر:"مصنف عبدالرزاق" حديث (16920)، و"مسند أحمد" 6:307.
(2)
"الجرح والتعديل" 1: 245، وذكر محققه أنه في نسخة: "ولم يسمع ابن جريج من طاوس
…
". وهو الصواب، فقد نص على ذلك ابن معين أيضاً، كما في " تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 372، وأما ابن طاوس - واسمه عبد الله - فقد روى عنه ابن جريج أحاديث، انظر: "تهذيب الكمال" 18: 340، 341، و"تحفة الأشراف" 5: 13 - 15.
وانظر أيضاً في سماع الحجاج بن أرطاة حديثاً واحداً من الشعبي: "المجروحين" 1: 226، ففيه ذلك عن الحجاج نفسه، لكنه لم يذكر الحديث.
(3)
. "سؤالات ابن الجنيد" ص 416.
(4)
. " سؤالات ابن الجنيد" ص 415، وانظر:" تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 372.
وقال أبو داود في ميمون المرئي: " ليس به بأس
…
، روى عن الحسن ثلاثة أشياء - يعني سماعاً -"
(1)
.
وقال أحمد: "ما سمع سفيان الثوري من أبي عون غير هذا الحديث الواحد - يعني حديث الوضوء مما مست النار - والباقي يرسلها عنه "
(2)
.
وقال أحمد: "لم يسمع هشيم من محمد بن جحادة إلا هذا الحديث الواحد: حدثنا هشيم، عن محمد بن جحادة ـ قال أحمد: سمعه منه ـ عن الحارث، عن إبراهيم: أنه كان لا يرى بأساً للمريض والشيخ الكبير أن يعتمدا في الصلاة، ويكرهه لغيرهما"
(3)
.
وذكر أحمد أيضاً أن هشيماً سمع من جابر الجعفي حديثين، والباقي مدلس، وذكر أحمد الحديثين
(4)
.
وقال أحمد بعد أن روى عن سفيان بن عيينة، عن خالد بن سلمة، عن الشعبي، عن مسروق كلاماً في حب أبي بكر وعمر وأنه من السنة ـ قال:"ولم يسمع سفيان من خالد بن سلمة إلا هذا الحديث"
(5)
.
وقال إبراهيم بن عبدالله الهروي: "لم يسمع هشيم من علي بن زيد إلا
(1)
. " سؤالات الآجري لأبي داود" 1: 439.
(2)
. "العلل ومعرفة الرجال" 3: 386، وانظر: 1: 387.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 279.
(4)
"مسائل أبي داود" ص 452، و"العلل ومعرفة الرجال" 2: 250، و"مسائل إسحاق" 2: 226، 235.
(5)
"العلل ومعرفة الرجال" 1: 452، وانظر:"المعرفة والتاريخ" 2: 813.
حديث المداراة"
(1)
.
ويلاحظ هنا أنه قد يقع اختلاف بين الأئمة في عدد الأحاديث التي سمعها المدلس من شيخه، وفي تعيينها، فمثلاً ما تقدم آنفاً عن شعبة أن قتادة سمع من أبي العالية ثلاثة أحاديث أو أربعة، ذكر البيهقي أنه سمع منه أيضاً حديثين آخرين، وفي كلامه ما يدل على أنه قد سمع غيرهما أيضاً
(2)
.
وفيما سمعه الأعمش من سعيد بن جبير تقدم عن ابن المديني أنها أربعة، وذكر ابن معين أنها خمسة، لكنه لم يعدّها
(3)
، بل جاء عن ابن معين أنه سمع من سعيد حديثاً واحداً
(4)
.
وذكر لأحمد أنه روي عن أيوب قوله: " لم يسمع قتادة من عكرمة إلا حديثين"، فقال أحمد:"باطل، قد روى عنه أحاديث "
(5)
.
وقال المروذي: "قلت لأحمد: يقولون: إن قتادة لم يسمع من عكرمة، قال: هذا لا يدري الذي قال، وأخرج إلي كتابه فيه أحاديث مما سمع قتادة من عكرمة، فإذا ستة أحاديث: سمعت عكرمة، وقال: قد ذهب من يحسن هذا، وعجب من قوم يتكلمون بغير علم، وعجب من قول من قال: لم يسمع، وقال:
(1)
"المراسيل" ص 232، وانظر:"تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 622.
(2)
"سنن البيهقي" 1: 120، وانظر ":"شرح علل الترمذي" 2: 851، و"تهذيب التهذيب" 8: 356، و"فتح الباري" 11:145.
(3)
"تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 234.
(4)
. " التعديل والتجريح " 3: 1117.
(5)
. " مسائل إسحاق " 2: 211.
سبحان الله، فهو قدم إلى البصرة فاجتمع عليه الخلق، وقال يزيد بن حازم - هذا رواه حماد بن زيد -: إن عكرمة سأل عن شيء من التفسير فأجابه قتادة "
(1)
.
وهذا الاختلاف قد يكون سببه وقوف إمام على ما لم يقف عليه غيره، أو تصحيح الإمام لتصريح بالتحديث، وتوقف غيره فيه، أو عدّ بعض الأئمة الحديث الواحد حديثين لاشتماله عليهما، أو يكون بعضهم قصد بالحديث أي من المرفوع، وغيره عدّ ماهو موقوف أيضاً.
بل ربما جاء الاختلاف عن الإمام الواحد، كما تقدم آنفاً عن شعبة فيما سمعه الحكم من مقسم، وفيما سمعه قتادة من أبي العالية، وعن ابن معين فيما سمعه الأعمش من سعيد بن جبير.
وقد يكون نص الناقد على السماع ليس في حديث أو أحاديث بعينها، وإنما هو في جملة أحاديث، كما في قول عمرو بن علي:"سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: أحاديث ابن جريج، عن ابن أبي مليكة كلها صحاح، وجعل يحدثني بها ويقول: حدثنا ابن جريج، قال: حدثني ابن أبي مليكة، فقال في واحد منها: عن ابن أبي مليكة، فقلت: قل: حدثني، قال: كلها صحاح"
(2)
.
وقال يحيى القطان أيضاً في الأعمش: " أحاديثه عن عمارة - يعني ابن عمير -، ومالك بن الحارث، وخيثمة - يعني ابن عبد الرحمن - كلها صحاح"
(3)
، يعني أنها سماع.
(1)
. " المنتخب من علل الخلال " ص 283، وانظر:" الكامل " 2: 677.
(2)
"الجرح والتعديل" 1: 241.
(3)
. " إكمال تهذيب الكمال" 6: 94.
وعلى الباحث أن يدقق جيداً في الروايات المنقولة عن الأئمة فيما سمعه راو من آخر، قبل أن يعتمد إثبات السماع، فقد روى الحكم بن عتيبة عن مقسم، عن ابن عباس حديث (إتيان الحائض)، وأعله بعض الأئمة بأنه لم يسمعه من مقسم، وإنما سمعه من عبدالحميد بن عبدالرحمن، عن مقسم، ورد ذلك أحمد شاكر معتمداً على أنه جاء عن يحيى القطان وأحمد أنه سمع منه خمسة أحاديث، وهذا منها، واستظهر أنه سمعه من عبدالحميد، عن مقسم، وسمعه من مقسم
(1)
.
وقد دلت الروايات المفصلة أن هذين الإمامين يذكران ذلك عن شعبة، وأن مراد شعبة بسماعه لحديث إتيان الحائض أي بواسطة عبدالحميد، والغرض من ذلك استثناء ما سمعه الحكم من أحاديث مقسم، سواء منه مباشرة أو بواسطة، فإن باقي أحاديثه عنه من كتاب كما تقدم، وقد ذكر أحمد أن حجاجاً روى عن الحكم، عن مقسم نحواً من خمسين حديثاً
(2)
.
وأما نص الناقد على أن الراوي لم يسمع فقد يكون جاء بصفة مجملة، فينص الناقد على عدد الأحاديث التي سمعها المدلس، فباقي رواياته عنه إذاً غير مسموعة، وبما صرح الناقد بذلك، وقد تقدمت هذه النصوص آنفاً.
وقد يكون ذلك بالنص على الحديث المعين وأن المدلس لم يسمعه، وهذا
(1)
"السنن الكبرى للنسائي" حديث (9100 - 9101)، و"سنن الدارمي" حديث (1117)، و"علل ابن أبي حاتم" 1: 50، و"سنن البيهقي" 1: 315، وتعليق أحمد شاكر على "سنن الترمذي" 1:249.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال" 1: 537.
أيضاً كثير، فمن ذلك أن الأعمش روى عن إبراهيم بن يزيد التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة "
(1)
ـ وقد قال سفيان الثوري، وشعبة:"لم يسمع الأعمش هذا الحديث من إبراهيم التيمي"
(2)
.
وكذا قال عبدالرحمن بن مهدي: إنه لم يسمعه
(3)
.
وذكر شعبة أن الحكم بن عتيبة لم يسمع من مقسم مولى ابن عباس حديث احتجامه صلى الله عليه وسلم وهو صائم
(4)
.
ولما روى شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب حديث:" أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بناس من الأنصار وهم جلوس في الطريق، فقال: إن كنتم لابدَّ فاعلين، فردوا السلام، وأعينوا المظلوم، واهدوا السبيل "- ذكر أن أبا إسحاق لم يسمعه من البراء
(5)
.
(1)
. وقد اختلف فيه على الأعمش رفعاً ووقفاً، والراجح وقفه، انظر:"مسند الطيالسي" حديث (461)، و"مصنف ابن أبي شيبة" 1: 310، و"شرح مشكل الآثار" حديث (1549 - 1552)، و"صحيح ابن حبان" حديث (1610 - 1611)، و"سنن البيهقي" 2: 437، و"علل ابن أبي حاتم" 1: 97، و"علل الدارقطني" 6:274.
(2)
"التمهيد" 1: 32.
(3)
. "علل ابن أبي حاتم" 1: 97.
(4)
"العلل ومعرفة الرجال" 3: 93، و "مسائل أبي داود" ص 446، و"أخبار المكيين" ص 298.
(5)
"سنن الترمذي" حديث (2726)، و"مسند أحمد" 4: 282، 291، 301.
وكذا قال ابن المديني: إنه لم يسمعه منه
(1)
.
وسئل يحيى القطان عن حديث سليمان التيمي، عن أنس (في القبلة للصائم)، فقال:" لا شيء، لم يسمعه "
(2)
.
وقال سفيان الثوري: "لم يسمع الأعمش حديث إبراهيم في (الضحك) "
(3)
، يعني حديث الوضوء من الضحك في الصلاة.
وقال يزيد بن هارون: "لم يسمع سليمان التيمي حديث سجود النبي عليه السلام في الظهر من أبي مجلز"
(4)
.
ولما روى أحمد حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي:" أنه قال في دية الخطأ: أخماساً، ما دون النفس " ـ عقبه بقوله: "قال يحيى بن سعيد في حديث إسماعيل هذا: لم يسمعه إسماعيل من الشعبي"
(5)
.
وروى أحمد حديث هشيم، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود:" كنا لا نتوضأ من الموطئ " ـ ثم قال: "لم يسمعه هشيم من الأعمش، ولا الأعمش سمعه من أبي وائل"
(6)
، وذكر أحمد مرة أخرى أن الأعمش يرويه
(1)
"جامع التحصيل" ص 300.
(2)
"الجرح والتعديل" 1: 237.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 67.
(4)
"مسائل أبي داود" ص 447.
(5)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 266.
(6)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 252.
عن الحسن بن عمرو الفقيمي، عن أبي وائل
(1)
.
وقال أحمد أيضاً: "لم يسمع هشيم من الزهري حديث علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يتوارث أهل ملتين شتى "، وقد حدثنا به هشيم"
(2)
.
وقال أيضاً بعد أن روى عن هشيم، عن مجالد، عن الشعبي:" أن عمر ابن الخطاب أوصى في عماله ألا يعزلوا سنة، قال: وأقروا الأشعري أربع سنين " ـ قال أحمد: "أراه سمعه هشيم من الهيثم بن عدي"
(3)
.
وقال أيضاً بعد أن روى عن هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن عبدالله بن سفيان الثقفي، عن أبيه:" أن رجلاً قال: يا رسول الله ـ وقد قال هشيم: قلت: يا رسول الله ـ مرني بأمر في الإسلام، أمراً لا أسأل عنه أحداً بعدك " ـ قال: "لم يسمعه هشيم من يعلى بن عطاء"
(4)
.
وسئل يحيى بن معين عن حديث هشيم، عن علي بن زيد، عن أيوب بن عبدالله اللخمي، عن ابن عمر قال:" وقع في سهمي يوم جلولاء جارية كأن عنقها إبريق فضة، فما ملكت نفسي أن قبلتها والناس ينظرون " ـ قال يحيى: "لم يسمعه من علي بن زيد"
(5)
.
(1)
"جامع التحصيل" ص 230، وانظر:"علل الدارقطني" 5: 110 - 111.
(2)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 265.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 255.
(4)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 256.
(5)
"تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 622.
وروى الدارمي عن عبيد الله بن موسى، عن سفيان الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن أبيه، عن ابن عباس قال:"ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً حتى دعاهم"، ثم قال: "سفيان لم يسمع من ابن أبي نجيح - يعني هذا
الحديث - "
(1)
.
وسئل البخاري عن حديث عمرو بن دينار، عن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد "، فقال:"عمرو بن دينار لم يسمع عندي من ابن عباس هذا الحديث "
(2)
.
وسيأتي في المبحث الخامس مزيد أمثلة للأحاديث التي نص الأئمة على وقوع التدليس فيها.
وأدق من ذلك أن يبينوا وقوع التدليس في الكلمة الواحدة، في متن الحديث أو إسناده، فقد اتفقت كلمة أحمد وابن معين على أن شيخهما هشيماً لم يسمع كلمة " فانحرف " في حديثه عن يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الغداة فانحرف
…
" الحديث
(3)
.
(1)
. " سنن الدارمي" حديث (2448)، وانظر:" مصنف عبد الرزاق " حديث (9427).
(2)
. " العلل الكبير " 1: 546، وانظر:" العلل ومعرفة الرجال" 2: 186، فقد عد أحمد ما سمع عمرو بن دينار من ابن عباس، وليس هذا منها.
(3)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 268، و"مسند أحمد" 4: 161، و"تاريخ الدوري عن ابن معين" 1:230.
وقال عبدالله بن أحمد: "حدثني أبي، قال: حدثنا هشيم، عن يعلى بن عطاء، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه قال: " كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فقد بايعناك " ـ سمعت أبي يقول: قد سمعه هشيم من يعلى، عن رجل من آل الشريد، وإذا لم يقل خبراً قال: عن عمرو بن الشريد"
(1)
.
ومراد أحمد أن هشيماً إذا لم يصرح بالتحديث سمى ابن الشريد، وأنه عمرو بن الشريد، وقد سمعه هكذا بواسطة عن يعلى بن عطاء، وحذفها، وإذا صرح بالتحديث عن يعلى لم يسم الرجل، لأنه هكذا سمعه من يعلى مبهماً.
في أشياء كثيرة جداً من هذا القبيل، يبين فيها الأئمة أن المدلس لم يسمع الحديث أو الكلمة فيه ممن روى عنه.
وقد كان للإمام أحمد تتبع دقيق لما دلسه شيخه هشيم، فجاء عنه النص على كثير من أحاديثه التي دلسها
(2)
، وكذلك يحيى بن معين
(3)
.
واشتهر بذلك أيضاً سعيد بن منصور، بالنسبة لهشيم، قال الطحاوي: "هو
(1)
"العلل ومعرفة الرجال" 2: 276، وانظر:"صحيح مسلم" حديث (2231)، و"سنن النسائي الكبرى" حديث (8715)، و"سنن ابن ماجه" حديث (3544).
(2)
ينظر: "مسائل أبي داود" ص 388 - 389، 396، 399، 408، 448، و"العلل ومعرفة الرجال" 1: 300، 347، 2: 245 - 284، 3: 216، و"مسائل إسحاق" 2: 209، و"العلل الكبير" 2:965.
(3)
. تقدم شيء من كلامه، وانظر:" تاريخ الدوري عن ابن معين " 2: 175.
أضبط الناس لألفاظ هشيم، وهو الذي ميز للناس ما كان هشيم يدلس به من غيره "
(1)
.
وكذلك محمد بن عيسى المعروف بابن الطباع، قال البخاري:"قال لي علي: سمعت عبدالرحمن ويحيى يسألانه عن حديث هشيم، وما أعلم أحداً أعلم به منه"
(2)
.
وأعود إلى تأكيد ما ذكرته في أول هذا المبحث من أن وقوفنا على نص على السماع أو عدمه، من المدلس، أو من غيره من النقاد - مخرج للحديث عن موضوع التدليس، بالنسبة لنا، فقد كفيناه، وأن الباب واحد في متابعتنا للرواة وللنقاد في إثبات أصل السماع أو نفيه، وفي إثبات سماع الحديث المعين أو نفيه.
وهذه القاعدة مأثورة عن النقاد أنفسهم في نقد الأحاديث، فروى أبو إسحاق، عن الحارث بن عبد الله، عن علي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي، إني أحب لك ما أحب لنفسي .... "الحديث، قال أبو داود في نقده له:"أبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث، ليس هذا منها "
(3)
.
وقال الترمذي بعد أن روى حديث الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس:" بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة في سرية، فوافق ذلك يوم الجمعة .... "، فإنه روى قول شعبة فيما سمعه الحكم من مقسم، ثم قال
(1)
. " شرح معاني الآثار" 1: 387، وانظر:" المعرفة والتاريخ" 2: 666.
(2)
. " التاريخ الكبير " 1: 203، وانظر:"تاريخ بغداد" 2: 395، و"تهذيب الكمال" 26:261.
(3)
. " سنن أبي داود " حديث (908)، و"سنن الترمذي" حديث (282)، و"سنن ابن ماجه" حديث (894)، و"مسند أحمد" 1:146.
الترمذي: "وليس هذا الحديث فيما عَدَّ شعبة، فكأن هذ الحديث لم يسمعه الحكم من مقسم"
(1)
.
وبهذا أيضاً نقد الترمذي حديث الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمنى الظهر والفجر، ثم غدا إلى عرفات "
(2)
.
وأين هذا من صنيع أحد الباحثين، فقد مر به هذا الحديث من طريق عبدالرحمن بن محمد المحاربي، عن الحجاج، عن الحكم به، ثم قال:"حسن، عبدالرحمن بن محمد المحاربي، والحجاج ـ هو ابن أرطاة ـ مدلسان، وقد عنعنا، إلا أنهما قد توبعا"، ولم يتعرض لانقطاعه بين الحكم ومقسم.
ومن تطبيقات ذلك أن سفيان الثوري نص ـ كما تقدم ـ على ثلاثة أحاديث سمعها حبيب بن أبي ثابت من ابن عمر، وقد روى عن ابن عمر أحاديث غير هذه
(3)
، فهي مما لم يسمعه.
ومثله نص ابن المديني على أن الأعمش سمع من سعيد بن جبير أربعة أحاديث ذكرها، وقد جاء عنه من روايته عن سعيد غير هذه الأربعة
(4)
، فلم يسمعها إذاً.
وكذلك ما ذكره ابن معين من أن ابن جريج سمع من حبيب بن أبي ثابت
(1)
"سنن الترمذي" حديث (527).
(2)
"سنن الترمذي" حديث (880).
(3)
انظر: "تحفة الأشراف" 5: 329 - 330، و"إتحاف المهرة" 8: 293 - 294.
(4)
انظر: "إتحاف المهرة" 7: 153، 166 - 167.
حديثين، وقد جاء عنه غيرهما
(1)
.
وظاهر جداً أن الاستفادة من كلامهم هو في حال النص على الأحاديث، لا ذكر عددها فقط، ذلك أن كثيراً مما ورد عنهم فيه عددها دون النص عليها، فالفائدة منه حينئذٍ محدودة، إذ كل حديث ورد بصيغة محتملة يحتمل أن يكون من العدد الذي سمعه، ويحتمل ضد ذلك، اللهم إلا في حالات معينة، يمكن الاستفادة من كلامهم فيها وإن لم ينصوا على الأحاديث المسموعة أو غير المسموعة، كأن يذكروا صفة للأحاديث التي سمعها، فيكون ما عداها غير مسموع، ومثاله أحاديث أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث بن عبد الله، فقد نص أبو داود - كما تقدم آنفاً - أنه ليس من مسموعه ما هو مسند، وعلى هذا فكل ما جاء بهذا الطريق من المرفوع فهو منقطع.
وكأن يذكر الإمام أن المدلس سمع من شيخه حديثاً، ثم يوقف له على تصريح بالسماع في حديث مما روي عنه، فيغلب على الظن أن ذلك الحديث هو الذي عناه الإمام، وأن ما عداه ليس من مسموعه عنه.
مثال ذلك أن جمهور العلماء على سماع الحسن البصري من ابن عمر، كأحمد، وابن المديني، وابن معين، وأبي زرعة، وأبي حاتم
(2)
، ونفاه ابن حبان،
(1)
انظر: "المعجم الكبير" حديث (725)، و"الدعاء" للطبراني حديث (2118)، و"أمالي المحاملي" ص 216، و"معجم الشيوخ" للصيداوي ص 262.
(2)
"مسائل صالح" ص 189، و"تاريخ الدوري" 2: 111، و"سؤالات ابن الجنيد" ص 99، و"معرفة الرجال" 2: 202، و"المراسيل" ص 45، 46، و "الجرح والتعديل" 3:41.
والحاكم
(1)
، وذكر بهز بن أسد شيخ أحمد أن الحسن سمع من ابن عمر حديثاً واحداً
(2)
.
ويظهر أن إثبات السماع من قبل الأئمة الذين أثبتوه مبني على هذا الحديث، فقد أشار إليه أحمد، وابن المديني، وابن معين في كلامهم.
والحديث هو ما أخرجه أحمد، عن إسحاق بن يوسف، والطحاوي من طريق يزيد بن زريع، كلاهما عن عبدالله بن عون، عن الحسن قال:" دخلنا على عبد الله بن عمر بالبطحاء فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن إن ثيابنا هذه يخالطها الحرير وهو قليل، قال: دعوا الحرير قليله وكثيره "
(3)
، ولا يثبت من تصريح الحسن بالسماع من ابن عمر غير هذا الحديث.
وللحسن عن ابن عمر عدة أحاديث غير هذا
(4)
، فلم يسمعها منه إذاً.
وليس الأمر مختصاً بالحديث الواحد، كما في حال الحسن البصري مع ابن عمر، بل كل ما جاءنا عن النقاد فيه عدٌّ لما سمعه المدلس من شيخه، دون النص عليه، وأمكن بالتتبع معرفة تلك الأحاديث المسموعة، فيكون الباقي أيضاً خارج موضوع التدليس، وهي منقطعة جزماً.
مثال ذلك سماع الأعمش من مجاهد، فهو قليل السماع منه، سمع منه
(1)
"المجروحين" 2: 163، و"معرفة علوم الحديث" ص 111.
(2)
"المراسيل" ص 32، 34، 36، 45.
(3)
" مسائل صالح" ص 190، "شرح معاني الآثار" 4:249.
(4)
"تحفة الأشراف" 5: 332، و"إتحاف المهرة" 8: 296 - 298، و"المرسل الخفي" 4: 1665 - 1666.
أحاديث معدودة - كما سيأتي في المبحث الخامس -، فلو تصدى باحث لاستقراء مرويات الأعمش عن مجاهد، لتحديد المسموع وغير المسموع - أمكن تطبيق هذه القاعدة عليه.
ولابد من الإشارة أيضاً إلى أن حكم الناقد على حديث معين بأن المدلس لم يسمعه، قد يكون اجتهاداً من الناقد يخالفه فيه غيره من النقاد، وقد يقوم عند الباحث نفسه، ما يدل على أنه قد سمعه، كتصريح بتحديث، كما يقع ذلك في إثبات أصل السماع، فيحتاج الباحث حينئذٍ إلى النظر والموازنة.
مثال ذلك حديث عمرو بن دينار، عن ابن عباس في القضاء بالشاهد واليمين، فقد تقدم في أول هذا المبحث عن أحمد ما يدل على أنه لم يسمعه، فإن أحمد نص على الأحاديث التي سمعها، وليس هذا منها، وتقدم قريباً نص البخاري على أنه لم يسمعه، والحديث أخرجه مسلم من هذا الطريق أصلاً في بابه
(1)
، وقواه جماعة من الأئمة
(2)
.
وذكر العلائي عن أبي نعيم قوله في: "حديث سفيان، عن عمرو بن مرة، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن البراء: "قنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح " - لم يسمعه سفيان من عمرو، دلسه ".
واستظهر العلائي أن المقصود سفيان الثوري
(3)
.
والحديث أخرجه مسلم في "صحيحه"، من رواية الثوري، وشعبة، عن
(1)
" صحيح مسلم " حديث (1712).
(2)
انظر: " التلخيص الحبير " 4: 225.
(3)
" جامع التحصيل " ص 226.
عمرو بن مرة
(1)
، وجاء تصريح الثوري بسماعه من عمرو في غير "صحيح مسلم" من غير طريق
(2)
.
وقال الأثرم: "سمعت أبا عبد الله ذكر حديث هشيم، عن ابن شبرمة، عن الشعبي في (الذي يصوم في كفارة ثم يوسر)، فقال: لا أراه سمعه من ابن شبرمة، قيل لأبي عبدالله عن أبي جعفر محمد بن عيسى: إنه يقول فيه: قال: أخبرنا ابن شبرمة، فكأنه تعجب، ثم قال: هذا قال لي إنسان: إنه لم يسمعه، وإنه عن رجل، عن ابن شبرمة، قلت لأبي عبد الله: إنهم يغلطون عليه، ويقولون في كثير من حديثه، وقلت له: ألا إن أبا جعفر عالم بهذا، فقال: نعم، أبو جعفر كيِّس فهم "
(3)
.
ومراد الأثرم - فيما يظهر - أن هشيماً لما كان مشهوراً بالتدليس مكثراً منه صاروا يتهمونه به في أحاديث قد سمعها، يغلطون عليه، ثم عقبه بأن أبا جعفر محمد بن عيسى - وهو المعروف بابن الطباع - عالم بما سمعه هشيم وما دلسه.
(1)
" صحيح مسلم" حديث (678).
(2)
" سنن النسائي " حديث (1075)، و"سنن النسائي الكبرى" حديث (663)، و"مسند أحمد" 4:299.
(3)
" تاريخ بغداد " 2: 395، و"تهذيب الكمال" 26:261.