المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الأول: الصيغ الصريحة في الاتصال - الاتصال والانقطاع

[إبراهيم اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأولصفة رواية الراوي عمن روى عنه

- ‌المبحث الأولصيغ الأداء ودلالالتها

- ‌القسم الأول: الصيغ الصريحة في الاتصال

- ‌المبحث الثانيالرواية عن الشخص والرواية لقصته

- ‌الفصل الثانيسماع الراوي ممن روى عنه

- ‌المبحث الأولالطريق إلى معرفة سماع الراوي ممن روى عنه

- ‌الطريقة الأولى: النظر في ترجمة الراويين في كتب الجرح والتعديل، للوقوف على أنه يروي عنه

- ‌الطريقة الثانية: كلام أئمة النقد في سماع بعض الرواة ممن رووا عنه نفياً وإثباتاً

- ‌المبحث الثانياشتراط العلم بالسماع في الإسناد المعنعن

- ‌القسم الثاني: ما فيه إثبات السماع أو اللقي لوجود التصريح به، أو نفي ذلك لعدم وجوده

- ‌القسم الرابع: ما جاء عنهم من نفي السماع دون النص على الإدراك، لكن يعرف ذلك وأن اللقاء بينهما ممكن من ترجمتي الراويين

- ‌الفصل الثالثالتدليس

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأولالتدليس والإرسال

- ‌المبحث الثانيالتدليس وصورة التدليس

- ‌ هل يصح للمتأخر إذا وقف على راوٍ ورد عنه ارتكاب صورة التدليس وصفه بذلك، وإن لم يفعله المتقدمون

- ‌المبحث الثالثالتدليس والنص على السماع أو نفيه

- ‌المبحث الرابعالتدليس والتصريح بالتحديث

- ‌المبحث الخامسرواية المدلس بصيغة محتملة للسماع

- ‌ إذا أعل الأئمة إسناداً بعلة، وأغفلوا نقده بالتدليس، فهل يعني هذا انتفاءه عندهم

- ‌القرينة الثانية: أن يكون في متن الحديث أو إسناده نكارة وشذوذ

- ‌القرينة الثالثة: أن يخالف المدلس غيره، في الإسناد أو المتن

- ‌المبحث السادستعليل الإسناد بتدليس غير مدلس

- ‌الفصل الرابعموضوعات متفرقة في الاتصال والانقطاع

- ‌المبحث الأولشرط الاتصال والحديث الصحيح

- ‌المبحث الثانيدرجات الاتصال والانقطاع

- ‌المبحث الثالثمصطلحات في الاتصال والانقطاع

- ‌1 - التوقيف:

- ‌2 - التصحيح:

- ‌3 - الخبر:

- ‌4 - الألفاظ:

- ‌5 - حديثه يهوي:

- ‌6 - أحاديث بتر:

- ‌7 - الإلزاق:

- ‌المبحث الرابعالحكم على الإسناد بعد دراسة الاتصال والانقطاع

- ‌فهرسالمصادر والمراجع

الفصل: ‌القسم الأول: الصيغ الصريحة في الاتصال

‌المبحث الأول

صيغ الأداء ودلالالتها

تنقسم صيغ أداء الراوي للحديث قسمين رئيسين:

‌القسم الأول: الصيغ الصريحة في الاتصال

مثل أن يقول: سمعت فلاناً يقول، أو حدثنا فلان، أو أخبرنا فلان، أو حدثني فلان، أو رأيت فلاناً فقال كذا، ونحو ذلك من العبارات الصريحة في الاتصال، فالباحث سيحكم بداية بأن الرواية بين هذا الراوي وبين من روى عنه متصلة، يحكم عليها بالاتصال بحكم أن الصيغة التي أدى بها هذا الراوي روايته تفيد ذلك، ومع هذا فإن مجرد وجود صيغة تدل بظاهرها على الاتصال لا يكفي، لكن البحث المبدئي يقتضي أن يحكم الباحث على الرواية بالاتصال، وقد يتبين له بعد ذلك خلاف ما حكم به، فقد تكون الصيغة صريحة في الاتصال ومع هذا فالإسناد منقطع، وهذا له صور:

منها ما إذا كان الراوي كذاباً، فإن كثيراً من الكذابين يدعي السماع ممن روى عنه ويصرح بالتحديث، وهو لم يسمع منه، وقد تقدم في المبحث الأول من الفصل الأول من ((الجرح والتعديل)) ذكر عدة أخبار في تصريح الكذابين بالتحديث، وإقرارهم بأنهم لم يسمعوا شيئاً.

ومن الصور أيضاً ما يستخدمه بعض الرواة من الصيغ الموهمة للسماع وهو لا يقصد ذلك، مثل خطبنا فلان، أو جاءنا فلان، أو حدثنا فلان، وهو يقصد قومه أو أهل بلده.

ص: 15

ومنها - وهي أهمها - أخطاء الرواة، فتكون الرواية في الأصل ليس فيها تصريح بالتحديث، فيخطئ بعض رواة الأسانيد ويستبدل بها بصيغة صريحة في اللقي والسماع.

وانضم إلى ذلك منذ عصر الرواية إلى عصرنا هذا أخطاء النساخ، ثم أخطاء المطابع في العصر الحاضر، فصار لزاماً على الباحث أن يتريث في الحكم باتصال الإسناد وإن كان ظاهره الاتصال، ولا سيما إذا أخذ الإسناد من كتب غير مشهورة، مثل كتب الغرائب، وكتب الفوائد، والأجزاء الحديثية التي ليست من الكتب المشهورة، فهذه يكثر فيها وجود الأخطاء في الأسانيد، وكذلك الكتب المشهورة المنشورة دون تحقيق علمي جيد.

وسيأتي الحديث عن الصورتين الأخيرتين في المبحث الثاني من الفصل الثاني بشيء من التفصيل.

القسم الثاني: أن تأتي الرواية بصيغة محتملة للاتصال وعدمه، وهذه الصيغ كثيرة وأشهرها: عن فلان، فيقول الراوي: حدثنا فلان عن فلان، مثل أن يقول يحيى بن سعيد القطان مثلاً: حدثنا شعبة، عن قتادة، أو حدثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة، أو يقول الأعمش: حدثنا منصور، عن أبي وائل، عن ابن مسعود.

ومن الصيغ المحتملة للسماع وعدمه: (قال)، (ذكر)، (حكى)، (حدث)، وما يؤول إليها، مثل: أن فلاناً قال، أو أنه ذكر

الخ.

وكون هذه الصيغ - عدا (عن) - محتملة للسماع وعدمه أمر ظاهر، لأنها تستخدم في الأمرين كثيراً، فيقول الشخص حاكياً عن شخص شيئاً سمعه منه: قال فلان، ذكر فلان، كما يقول ذلك في حكاية قول شخص لم يسمعه منه، بل

ص: 16

قد يكون بينه وبينه أزمان متباعدة، كما نقول نحن: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا.

وأما صيغة (عن) فإنما كانت محتملة للأمرين لأنها في الأصل ليست صيغة أداء، وإنما هي بدل عن صيغ الأداء، ثم هي قد يكون الراوي نفسه عبر بها، فيقول الأعمش - مثلاً - ابتداء: عن إبراهيم، أو عن أبي وائل، أو يقول يحيى القطان: عن سفيان الثوري

، ويسوق الإسناد.

ومن النصوص في هذا ما ذكره أحمد، عن سفيان بن عيينة قال:"سمعت محمد بن المنكدر يقول غير مرة: عن جابر، قال: وكأني سمعته مرة يقول: أخبرني من سمع جابراً، فظننت أنه سمعه من ابن عقيل، حديث جابر: ((أن النبي عليه السلام أكل لحماً، ثم صلى ولم يتوضأ)) "

(1)

.

وقال عمرو بن أبي سلمة: "قلت للأوزاعي في المناولة أقول فيها: حدثنا؟ قال: إن كنت حدثتك فقل، فقلت: أقول: أخبرنا؟ قال: لا، قلت: فكيف أقول؟ قال: قل: قال أبو عمرو، وعن أبي عمرو "

(2)

.

وذكر عباس الدوري قال: "سألت يحيى بن معين عن حديث ورقاء بن عمر أنه كان يقول في أولها: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد - فقيل له (يعني لابن معين): ترى بأساً أن يخرجها إنسان فيكتب في كل حديث: ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد؟ قال: ليس به بأس "

(3)

.

(1)

. "مسند أحمد" 3: 307، و" مسائل أبي داود" ص 322.

(2)

. " تاريخ أبي زرعة الدمشقي " 1: 264، 2:723.

(3)

. "الكفاية" ص 215.

ص: 17

وقال ابن معين: "كان ابن عيينة يدلس فيقول: عن الزهري، فإذا قيل له: من دون الزهري؟ فيقول لهم: أليس لكم في الزهري مقنع؟ فيقال: بلى، فإذا استقصي عليه يقول: معمر، اكتبوا لا بارك الله فيكم"

(1)

.

وقال أبوحاتم: "عبدالله بن شوذب خراساني ثقة، وقع إلى الرملة، ويقول ابن شوذب: عن الحسن، ولم يره ولم يسمع منه"

(2)

.

وربما ذكر الراوي اسم نفسه من أجل الابتداء بـ (عن)، فيقول سفيان بن عيينة مثلاً لتلاميذه: اكتبوا: سفيان، عن عمرو بن دينار

(3)

.

وفي الأغلب الأعم فإن التعبير بصيغة (عن فلان) إنما هو من التلميذ أو من دونه، إما لأن الراوي لم يذكر صيغة أصلاً، فقد يبتدئ باسم شيخه مباشرة، كما يفعله كثير من الرواة، وخاصة عند الإملاء، أو يكون الشيخ بين تلاميذه، فيذكر المتن، وهم يذكرون الإسناد، أو العكس، ويسمونه الترقيع.

ومن النصوص في ذلك ما رواه إبراهيم الحربي، عن أبي زرعة الرازي، عن إبراهيم بن موسى الفراء الصغير، قال: سمعت جريراً يقول: "ليس هذه الأحاديث التي أحدثكم عن الأعمش سمعتها كما أحدثكم، إنما كان الأعمش يذكر الإسناد، فيقول بعض أصحابه: خبر هذا كذا، وخبر هذا كذا، فنكتبه عنهم، ويذكر الخبر فيقول بعض أصحابه: إسناد هذا كذا وكذا، فنكتبه عنهم"، قال إبراهيم الحربي: "فحدثت بذلك ابن نمير، فقال: هكذا ينبغي أن يكون

(1)

. "التمهيد" 1: 31.

(2)

. "المراسيل" ص 116.

(3)

. انظر: "التمهيد" 1: 27.

ص: 18

سماع أبي، وابن فضيل، ووكيع، ونظرائهم: مرقعاً، ولكن هؤلاء كتموا ذلك، وذاك تكلم به"

(1)

.

وقال أبوداود: "سمعت أحمد سئل عن المحدث يذكر الحديث فيقال: مَنْ دون فلان؟ فيقول: فلان - هو جائز؟ قال: نعم، قلت: يؤلفه - أعني الذي يسمع هكذا -؟ قال: يؤلفه، وهل كان شريك يحدث إلا هكذا؟ كان يذكر الحديث فيقال: من ذكره؟ فيقول: فلان، فيقال: عمن؟ فيقول: فلان"

(2)

.

وقال المروذي: "سمعت أبا عبدالله يقول: كان أبو بدر لا يقول: حدثنا، ولقد أرادوه على أن يقول: حدثنا خصيف، فأبى، وقال: أليس هو ذا أقول: خصيف؟ "

(3)

.

وقد يكون الراوي قد ذكر صيغة حين التحديث، إما صريحة في الاتصال أو في الانقطاع، أو محتملة لهذا وهذا، والغرض حينئذٍ من التعبير بـ (عن) التخفيف على رواة الحديث وكتبته، كما قال الخطيب: "إنما استجاز كتبة الحديث الاقتصار على العنعنة لكثرة تكررها، ولحاجتهم إلى كتب الأحاديث المجملة بإسناد واحد، فتكرار القول من المحدث: حدثنا فلان، عن سماعه من فلان - يشق ويصعب، لأنه لو قال: أحدثكم عن سماعي من فلان، وروى فلان عن سماعه من فلان، حتى يأتي على أسماء جميع مسندي الخبر، إلى أن يرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي كل حديث يرد مثل ذلك الإسناد

(1)

. "الكفاية" ص 71، وانظر:"المعرفة والتاريخ " 2: 829.

(2)

. "مسائل أبي داود" ص 281، و"الكفاية" ص 212.

(3)

. "علل المروذي" ص 163.

ص: 19

- لطال وأضجر، وربما كثر رجال الإسناد حتى يبلغوا عشرة وزيادة على ذلك، وفيه إضرار بكتبة الحديث، وخاصة المقلين منهم

(1)

، والحاملين لحديثهم في الأسفار، ويذهب بذكر ما مثلناه مدة من الزمان، فساغ لهم لأجل هذه الضرورة استعمال: عن فلان"

(2)

.

وما أشار إليه الخطيب فيه نصوص كثيرة عن الأئمة، من ذلك قول الوليد:"كان الأوزاعي إذا حدثنا يقول: حدثنا يحيى، قال: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان، حتى ينتهي، قال الوليد: فربما حدثت كما حدثني، وربما قلت: عن، عن، عن، تخففاً من الأخبار"

(3)

.

وروى أحمد بن محرز قال: "سمعت يحيى بن معين يقول: قال يحيى بن سعيد القطان: كل حديث سمعته من سفيان قال: حدثني وحدثنا إلا حديثين: سماك عن عكرمة، ومغيرة عن إبراهيم - ذكر يحيى بن معين الحديثين فنسيتهما-، وكل حديث شعبة قال: حدثني وأخبرني، وكل حديث عبيدالله قال: حدثني وأخبرني، فإذا حدثتك عن أحد منهم فلا تحتاج أن أقول لك: حدثني ولا أخبرني، ولا حدثنا ولا أخبرنا، فقال حبيش بن مبشر - يفسر ذلك بحضرة يحيى بن معين -: هذا بمنزلة رجلٍ قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، فإذا قال بعد ذلك: حدثنا يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، لم يحتج أن يقول: حدثنا يزيد، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وقال عبدالله بن

(1)

. يعني بالمقلين من هو قليل المال.

(2)

. "الكفاية" ص 390.

(3)

. "المعرفة والتاريخ" 2: 464، و"الكفاية" ص 390.

ص: 20

رومي اليمامي بحضرة ابن معين: هو أن يقول فيه: حدثنا، قال: حدثنا، ثم إذا قال: فلان عن فلان، كان كله حدثنا"

(1)

.

وقال محمد بن عبدالله بن عمار: "قلت له: (يعني لحفص بن غياث) ما لكم حديثكم عن الأعمش إنما هو: عن فلان، عن فلان، ليس فيه حدثنا، ولا سمعت؟ قال: فقال: حدثنا الأعمش، قال: سمعت أبا عمار، عن حذيفة يقول

، قال: وذكر حديثاً آخر مثله، قال: وكان عامة حديث الأعمش عند حفص بن غياث على الخبر والسماع"

(2)

.

وقال أبو زرعة: "سألت أحمد بن حنبل عن حديث أسباط، عن الشيباني، عن إبراهيم، قال: سمعت ابن عباس، فقال: عن ابن عباس، فقلت: إن أسباط هكذا يقول، فقال: قد علمت، ولكن إذا قلت: عن فقد خلصته، وخلصت نفسي، أو نحو هذا المعنى"

(3)

.

ومراد أحمد أن أسباط يخطئ في جعله رواية إبراهيم سماعاً من ابن عباس، فأبدل بها أحمد صيغة عن، ستراً عليه، ولكي لا يظن موافقته على الخطأ.

وقال أحمد في محمد بن سيرين: "لم يسمع من ابن عباس شيئاً، كلها يقول: نبئت عن ابن عباس"

(4)

، والموجود في رواياته عن ابن عباس أكثره بالعنعنة أو

(1)

. "معرفة الرجال" ص 215، وانظر:"تاريخ الدوري" 1: 306.

(2)

. تهذيب الكمال" 7: 63.

(3)

. "أسئلة البرذعي لأبي زرعة" ص 768، وانظر:" مسند أحمد " حديث (2049).

(4)

. "العلل ومعرفة الرجال" 1: 487، 2: 595، و"المراسيل" ص 186.

ص: 21

بصيغة (أن)، والقليل منه فيه ما ذكره أحمد

(1)

.

وقال عبدالله بن أحمد: "قال أبي: رأيت سنيداً عند حجاج بن محمد، وهو يسمع منه كتاب "الجامع" - يعني لابن جريج -، فكان في الكتاب: ابن جريج قال: أخبرت عن يحيى بن سعيد، وأخبرت عن الزهري، وأخبرت عن صفوان بن سليم، فجعل سنيد يقول لحجاج: قل يا أبا محمد: ابن جريج، عن الزهري، وابن جريج، عن يحيى بن سعيد، وابن جريج، عن صفوان بن سليم، فكان يقول له هكذا.

ولم يحمده أبي فيما رآه يصنع بحجاج، وذمَّه على ذلك، قال أبي: وبعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذه؟ يعني قوله: أخبرت وحدثت عن فلان"

(2)

.

قال ابن حجر بعد أن ذكر هذه القصة: "وحكى الخلال عن الأثرم نحو ذلك. ثم قال الخلال: وروي أن حجاجاً كان منه هذا في وقت تغيره، ويرى أن أحاديث الناس عن حجاج صحاح، إلا ما روى سنيد"

(3)

.

وروى المروذي قال: " قال أحمد: كان ابن إسحاق يدلس، إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد يبين، إذا كان سماعاً قال: حدثني، وإذا لم يكن قال: قال، ثم قال: يقول: قال أبو الزناد، قال فلان، قال: وتنظر في كتاب يزيد بن هارون: عن

(1)

. انظر: "تحفة الأشراف" 5: 231، و" أطراف المسند" 2: 272، 3:260.

(2)

. "العلل ومعرفة الرجال" 2: 551.

(3)

. "تهذيب التهذيب" 4: 244.

ص: 22

أبي الزناد، كلها"

(1)

.

وقد جاء في نص واحد عن حماد بن زيد الابتداء بها من المحدث، والتعبير بها عن صيغة أخرى للشيخ، فقال عفان:"جاء جرير بن حازم إلى حماد بن زيد فجعل يقول: حدثنا محمد قال: سمعت شريحاً، حدثنا محمد قال: سمعت شريحاً، فجعل حماد يقول: يا أباالنضر: عن محمد، عن شريح، عن محمد، عن شريح"

(2)

.

فاتضح مما تقدم أن صيغة (عن) محتملة للسماع وعدمه، إذ قد تكون هي أصل الرواية فهي في نفسها محتملة للسماع وعدمه، وقد تكون مبدلة عن صيغ صريحة في الاتصال أو الانقطاع أو عن صيغ محتملة.

وقد تحدث المعلمي عن استخدام (عن) في الرواية فذكر أنها كلها من تعبير من دون الراوي

(3)

، والذي يظهر ما تقدم آنفاً أنها قد تكون من إنشاء الراوي نفسه، وإن كان الأغلب الأعم أنها من تعبير من دونه.

وذكر أيضاً أنها مبدلة إما من صيغة صريحة كحدثنا، وسمعت، أو من صيغة محتملة كحدث وقال، ولا يحتمل أن تكون مبدلة من صيغة صريحة في الانقطاع مثل بلغني عن فلان، لأن فعل هذا من تدليس التسوية، لكن المعلمي رجع مرة أخرى فسلَّم بوقوع ذلك، حيث يكون الراوي معروفاً بالتدليس، فالراوي إذا كان كذلك، لا فرق بين أن تكون روايته بـ (عن)، أو مصرحاً

(1)

. "علل المروذي" ص 38.

(2)

. "العلل ومعرفة الرجال" 3: 79، وانظر أيضاً: 2: 536.

(3)

. "التنكيل" 1: 82.

ص: 23

بالانقطاع

(1)

.

والذي ظهر لي أنها تستخدم بدلاً عن الصيغ الصريحة في الانقطاع مع المدلس ومع غيره، وقد تقدم في الأمثلة آنفاً ما يوضح ذلك، ويأتي له أمثلة تطبيقية في أماكن أخرى من هذا الكتاب.

بل إنها تستخدم مع إسقاط راو في وسط الإسناد، ثم تجعل الرواية بين من دونه ومن فوقه بـ (عن)، سواء كان بقصد التدليس، كما يفعله من يدلس تدليس التسوية، وسيأتي هذا بأمثلته، أو بغير قصد التدليس، كما يفعله مالك وغيره

(2)

.

قال الجياني بعد أن تكلم على حديث أسقط فيه وهب بن جرير بن حازم أحد رواته، وربما ذكره:" وإنما كان يسقطه وهب بن جرير بن حازم في بعض الأحايين، ويسوقه معنعناً: على طريق التخفيف، وتقريب الإسناد، أو تزيينه"

(3)

.

وسيأتي في المبحث الثاني أنها تستخدم بغير قصد الرواية، فليست مبدلة عن صيغة أداء أصلاً.

فالخلاصة أن من قال: إن الرواة لا يبدلون (عن) إلا من صيغ صريحة في الاتصال، أو محتملة - لم يحرر قوله هذا جيداً، والله أعلم.

ولما كانت هذه الصيغ محتملة للسماع وعدمه فقد شدد بعض الأئمة، فرأوا أن لا يقبل إلا ما فيه تصريح بالتحديث، وقد حكى هذا المذهب الحارث

(1)

. "التنكيل" 1: 82، 227 - 229.

(2)

. "النكت على كتاب ابن الصلاح" 2: 618 - 621.

(3)

. "تقييد المهمل" 2: 655.

ص: 24

المحاسبي - فيما نقله عنه ابن حجر - عن جماعة لم يسمهم، قال:"لابد أن يقول كل عدل في الإسناد: حدثني أو سمعت، إلى أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا لم يقولوا كلهم ذلك أو لم يقله إلا بعضهم فلا يثبت، لأنه عرف من عادتهم الرواية بالعنعنة فيما لم يسمعوه"

(1)

.

ونقل الزركشي عن أبي العباس بن سريج حكايته عن الظاهرية أو من ذهب منهم إليه

(2)

.

ونسبه الرامهرمزي إلى بعض المتأخرين من الفقهاء، ولم يسمهم

(3)

.

وكذا نسبه ابن الصلاح إلى من لم يسمه فقال: "الإسناد المعنعن - وهو الذي يقال فيه: فلان عن فلان - عدّه بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع، حتى يتبين اتصاله بغيره"

(4)

.

وممن اشتهر عنه هذا المذهب شعبة بن الحجاج، ومن أقواله في ذلك:"كل حديث ليس فيه حدثنا وأخبرنا فهو مثل الرجل بالفلاة معه البعير ليس له خطام"

(5)

، وقوله:"كل حديث ليس فيه حدثنا أو أخبرنا فهو خل وبقل"

(6)

،

(1)

. "النكت على كتاب ابن الصلاح" 2: 584.

(2)

. "البحر المحيط " 4: 317.

(3)

. "المحدث الفاصل" ص 450، و" الكفاية" ص 290.

(4)

. "مقدمة ابن الصلاح" ص 152.

(5)

. "المجروحين" 1: 37، و "سير أعلام النبلاء" 7:225.

(6)

. "الجعديات" 1: 13، و"المجروحين" 1: 92، و"الكامل 1: 89، و" المحدث الفاصل" ص 517، و"الكفاية" ص 283.

ص: 25

وفي لفظ له: "كل حديث ليس فيه: سمعت، قال: سمعت - فهو خل وبقل"

(1)

.

وكان رحمه الله قد خبر الرواة، وهاله كثرة الإرسال عندهم، فكان يقول:"لو أتيت محدثاً عنده خمسة أحاديث أصبت ثلاثة لم يسمعها"

(2)

.

وكان يوصي بسؤال الرواة عن سماعهم، لاحتمال الإرسال، فكان يقول:"وقِّفوهم، يصدقوا أو يكذبوا"

(3)

.

وذكر ابن عبدالبر أن شعبة رجع عن قوله هذا

(4)

، لكنه مع حكاية الرجوع هذه قد اشتهر بتفقد السماع في الأسانيد، كما سيأتي في المبحث الثاني من الفصل الثاني.

وروى سفيان بن عيينة قال: حدثنا عمرو بن دينار، قال: أخبرني عمرو بن أوس الثقفي، أن عبدالرحمن بن أبي بكر أخبره "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم"

(5)

، ثم قال سفيان: "وهذا بابة شعبة: أخبره، أن

(1)

. "الكفاية" ص 316.

(2)

. "الكامل" 1: 91، و" الجامع لأخلاق الراوي" 2:295.

(3)

. "الجعديات" 1: 8.

(4)

. "التمهيد" 1: 13.

(5)

. "صحيح البخاري" حديث (1784)، (2985)، و"صحيح مسلم" حديث (1212)، و"سنن الترمذي" حديث (934)، و"سنن ابن ماجه" حديث (2999)، و"مسند أحمد" 1: 197، و"مسند الحميدي" حديث (563)، و"سنن الدارمي" حديث (1869)، والإسناد عند بعضهم معنعن كله أو بعضه، وهذا مثال لما تقدم من تصرف الرواة في صيغ التحديث.

ص: 26

النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أمره، يقول: متصل"

(1)

، وفي لفظ له:"كان شعبة يعجبه مثل هذا الإسناد - يعني: أخبرني، قال: أخبرني-"

(2)

.

ولا شك أن ما ذهب إليه هؤلاء أكثر احتياطاً للسنة النبوية، وأقرب إلى التثبت فيها، ولكن اشتراط ذلك يؤدي إلى مفسدة أعظم، إذ قد كثر من الرواة - كما تقدم آنفاً - عدم التصريح بالتحديث تخففاً خشية طول الإسناد، فاشتراط ذلك حينئذٍ يؤدي إلى مفسدة عظمى، وهي طرح كثير من السنن الثابتة، قال ابن رشيد:"مقتضى النظر كان التوقف في هذا المعنعن حتى تُعلم صحةُ سماعه في كل حديث حديث، لما علم من أئمة الصناعة نقلاً من أنهم كانوا يكسلون أحياناً فيرسلون، وينشطون تارة فيسندون، لكن لما تعذر ذلك وشق تعرفه مشقة لا خفاء بها اقتنع بما ذكرناه من معرفة السماع في الجملة، مع السلامة من وصمة التدليس، معتضداً ذلك بقرينة شهادة بعضهم على بعض بقولهم: فلان عن فلان، المفهمة قصد الاتصال"

(3)

.

وقال أيضاً: "وهذا المذهب - وهو اشتراط التحديث في كل رواية - وإن قلَّ القائل به بحيث لا يسمى ولا يعلم - فهو الأصل الذي كان يقتضيه الاحتياط

، ولو اشترط ذلك لضاق الأمر جداً، ولم يتحصل من السنة إلا النزر اليسير، فكأن الله تعالى أتاح الإجماع عصمة لذلك، وتوسعة علينا،

(1)

. "مسند الحميدي" حديث (563).

(2)

. "مسند الحميدي" حديث (563)، و"سنن الدارمي" حديث (1869)، و" الجعديات"

1: 14، وانظر:"حلية الأولياء" 7: 153.

(3)

. "السنن الأبين" ص 31.

ص: 27

والحمد لله"

(1)

.

وقال أيضاً: "وأما من حيث النظر، فكان الأصل كما قدمنا: ألا يقبل

إلا ما علم فيه السماع حديثاً حديثاً، عند من لا يقول بالمرسل، لاحتمال الانفصال، إلا أن علماء الحديث رأوا أن تتبع طلب لفظ صريح في الاتصال يعز وجوده

"

(2)

.

وقد حكى الإجماع على قبول الإسناد المعنعن في الجملة غير واحد من الأئمة، منهم الخطيب، وابن عبدالبر، وابن رشيد، وغيرهم

(3)

.

وفسر ابن حجر حكاية الإجماع مع وجود الخلاف السابق بأنه إجماع بعد انقراض الخلاف

(4)

.

وأما ابن رشيد فعكس القضية، فقال بعد أن نقل ما تقدم عن الرامهرمزي أنه قول لبعض الفقهاء المتأخرين:"وإذ بان أنه قول لبعض الفقهاء المتأخرين، فهو مسبوق بإجماع علماء الشأن"

(5)

.

ومع هذا الإجماع فلا يزال التصريح بالتحديث أقوى من عدمه، كما قال الخطيب: "وقول المحدث: حدثنا فلان، قال: حدثنا فلان - أعلى منزلة من قوله: حدثنا فلان، عن فلان، إذ كانت (عن) مستعملة كثيراً في تدليس ما

(1)

. "السنن الأبين" ص 44 - 47.

(2)

. "السنن الأبين" ص 62.

(3)

. " الكفاية " ص 291، و"التمهيد" 1: 12، 13، و"السنن الأبين" ص 47.

(4)

. "النكت" 2: 584.

(5)

. "السنن" الأبين" ص 49.

ص: 28

ليس بسماع"، ثم أخرج عن بشر بن بكر قوله: "ذهب أهل العراق بحلاوة الحديث، يقولون: عن فلان، عن فلان، ولا يقولون: حدثنا ولا أخبرنا"

(1)

.

ومثل ذلك قول أحمد في ثنائه على محدثي البصرة: "ما رأيت قوماً سود الرؤوس في هذا الشأن مثل أهل البصرة - يعني الحديث والألفاظ - كأنهم تعلموه من شعبة"

(2)

، وفي مقابل ذلك قوله في أهل الكوفة:"أهل الكوفة ليس لحديثهم نور، لا يذكرون الأخبار"

(3)

.

وروى ابن محرز قال: "سمعت علي بن المديني يقول: حدثني حبان بن هلال، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني يعلى بن حكيم، أن يوسف بن ماهك حدثه، أن عبدالله بن عصمة حدثه أن حكيم بن حزام حدثه: "أن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نهاه عن بيع ماليس عنده"، قال حبان: هذا الدست بدست"

(4)

.

(1)

. "الكفاية" ص 289.

(2)

. "سؤالات أبي داود" ص 200.

(3)

. "سؤالات أبي داود" ص 200، وليس في المطبوع حرف النفي (لا)، وهو في المخطوطة كأنه موجود فوق السطر، وبه يتم المعنى فيما أرى.

(4)

. "معرفة الرجال" 2: 186.

والحديث أخرجه النسائي كما في "تحفة الأشراف" 4: 71، وابن الجارود حديث (602)، والطحاوي 4: 41، وابن حبان حديث (4983)، من طرق عن يحيى بن أبي كثير به، وانظر:"إتحاف المهرة" 4: 325.

ص: 29

ومعناها: يداً بيد، والدست بالفارسية: اليد

(1)

.

(1)

. "الألفاظ الفارسية المعربة" لأدي شير الأشوري، ذكر ذلك أحمد شاكر في حاشيته على كتاب "المعرب" للجواليقي ص 285.

ص: 30