المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيدرجات الاتصال والانقطاع - الاتصال والانقطاع

[إبراهيم اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الأولصفة رواية الراوي عمن روى عنه

- ‌المبحث الأولصيغ الأداء ودلالالتها

- ‌القسم الأول: الصيغ الصريحة في الاتصال

- ‌المبحث الثانيالرواية عن الشخص والرواية لقصته

- ‌الفصل الثانيسماع الراوي ممن روى عنه

- ‌المبحث الأولالطريق إلى معرفة سماع الراوي ممن روى عنه

- ‌الطريقة الأولى: النظر في ترجمة الراويين في كتب الجرح والتعديل، للوقوف على أنه يروي عنه

- ‌الطريقة الثانية: كلام أئمة النقد في سماع بعض الرواة ممن رووا عنه نفياً وإثباتاً

- ‌المبحث الثانياشتراط العلم بالسماع في الإسناد المعنعن

- ‌القسم الثاني: ما فيه إثبات السماع أو اللقي لوجود التصريح به، أو نفي ذلك لعدم وجوده

- ‌القسم الرابع: ما جاء عنهم من نفي السماع دون النص على الإدراك، لكن يعرف ذلك وأن اللقاء بينهما ممكن من ترجمتي الراويين

- ‌الفصل الثالثالتدليس

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأولالتدليس والإرسال

- ‌المبحث الثانيالتدليس وصورة التدليس

- ‌ هل يصح للمتأخر إذا وقف على راوٍ ورد عنه ارتكاب صورة التدليس وصفه بذلك، وإن لم يفعله المتقدمون

- ‌المبحث الثالثالتدليس والنص على السماع أو نفيه

- ‌المبحث الرابعالتدليس والتصريح بالتحديث

- ‌المبحث الخامسرواية المدلس بصيغة محتملة للسماع

- ‌ إذا أعل الأئمة إسناداً بعلة، وأغفلوا نقده بالتدليس، فهل يعني هذا انتفاءه عندهم

- ‌القرينة الثانية: أن يكون في متن الحديث أو إسناده نكارة وشذوذ

- ‌القرينة الثالثة: أن يخالف المدلس غيره، في الإسناد أو المتن

- ‌المبحث السادستعليل الإسناد بتدليس غير مدلس

- ‌الفصل الرابعموضوعات متفرقة في الاتصال والانقطاع

- ‌المبحث الأولشرط الاتصال والحديث الصحيح

- ‌المبحث الثانيدرجات الاتصال والانقطاع

- ‌المبحث الثالثمصطلحات في الاتصال والانقطاع

- ‌1 - التوقيف:

- ‌2 - التصحيح:

- ‌3 - الخبر:

- ‌4 - الألفاظ:

- ‌5 - حديثه يهوي:

- ‌6 - أحاديث بتر:

- ‌7 - الإلزاق:

- ‌المبحث الرابعالحكم على الإسناد بعد دراسة الاتصال والانقطاع

- ‌فهرسالمصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثانيدرجات الاتصال والانقطاع

‌المبحث الثاني

درجات الاتصال والانقطاع

من الأدلة التي يستند إليها من يرجح رأي مسلم في مسألة رواية الثقة عن شخص أمكن لقاؤه له ولم يثبت دليل خطابي خارج عن أصل القضية، فهو يقول: إن الأخذ بقول الجمهور يؤدي إلى رد أحاديث كثيرة، وهذا معناه تعطيل جملة من السنة النبوية.

فهذا دليل خطابي لا يقدم ولا يؤخر في المسألة، فلو افترضنا أن ما ذكره صحيح فما المانع من التزامه؟ فقد ردت أحاديث كثيرة جداً بأسباب أخرى، ولو فتح هذا الباب لأدى ذلك إلى إلغائها أيضاً، ولذهبت جهود أئمة الحديث سدى.

ثم إن القول بأن الأخذ برأي الجمهور معناه تعطيل جملة من السنة النبوية غير صحيح، كما قال ابن رجب:"فإن قال قائل: هذا يلزم منه طرح أكثر الأحاديث، وترك الاحتجاج بها، قيل: من ههنا عظم على مسلم رحمه الله، والصواب أن ما لم يرد فيه السماع من الأسانيد لا يحكم باتصاله، ويحتج به مع إمكان اللقي، كما يحتج بمرسل أكابر التابعين، كما نص عليه الإمام أحمد"

(1)

.

وهذا الذي قاله من الأهمية بمكان، وليس خاصاً بمسألة الانقطاع، فهو جارٍ أيضاً في جرح الرواة وتعديلهم كما تقدم شرحه، فما ضعف بسبب اختلال شرط من شروط الصحة ليس معناه طرحه بالكلية، وعليه فليس الحكم على

(1)

"شرح علل الترمذي" 2: 597.

ص: 407

تلك الأحاديث بأنها غير متصلة بموجب لطرحها، فقد تعضد غيرها، ويعضدها غيرها، ويحتج بها مع أدلة أخرى، وقد يحتج بها استقلالاً من يرى العمل بما فيه ضعف غير شديد إذا لم يكن في الباب ما يدفعه، أو لسبب آخر.

ومن هذا الباب قول أبي داود وهو يصف "سننه": "وإن من الأحاديث في كتابي "السنن" ما ليس بمتصل، وهو مرسل ومدلَّس، وهو - إذا لم توجد الصحاح - عند عامة أهل الحديث على معنى أنه متصل، وهو مثل الحسن، عن جابر، والحسن، عن أبي هريرة، والحكم، عن مقسم "

(1)

.

وقد ذكر أبو زرعة حديث حفص بن غياث، عن محمد بن قيس، عن حبيب بن أبي ثابت قال:"كان عمر لا يجيز نكاحاً في عام سنة - يعني مجاعة -"، قيل لأبي زرعة: ما ترى في هذا؟ قال: "هو مرسل، ولكن عن عمر، أهاب أن أرد قوله"

(2)

.

وقد مر بنا في الفصل الثاني من "الجرح والتعديل" مراتب الجرح والتعديل، وتبين من عرضها أن درجات الأحاديث تختلف بحسب اختلاف درجات رواتها، ومثل هذا يقال في شرط (الاتصال)، فما حكم له بالاتصال هو على درجات، وما حكم عليه بالانقطاع فهو على درجات أيضاً، وإن كان الأئمة لم ينصوا على درجات للاتصال والانقطاع، لكن يمكن للباحث أن يتلمس هذا من صنيعهم وتطبيقهم.

(1)

. " رسالة أبي داود إلى أهل مكة" ص 30.

(2)

. "المراسيل" ص 29.

ص: 408

فأما درجات الاتصال فإن إثبات سماع راوٍ من آخر ظاهر جداً أنه يختلف باختلاف قوة دليل ذلك الثبوت، فحال من اتفق الأئمة على ثبوت سماعه ممن روى عنه، واشتهاره بالأخذ عنه واستفاضة ذلك - ليس كحال من ثبت سماعه عندهم بحديث واحد صرح فيه بالتحديث، وإن لم يجر خلاف في نفي السماع.

ثم دون ذلك من جرى بين الأئمة خلاف في سماعه ممن روى عنه، وإن ترجح ثبوت السماع.

وعلى هذا فاتصال حديث من رواية عروة بن الزبير ـ مثلاً ـ أو القاسم بن محمد، أو عمرة بنت عبدالرحمن، ونحوهم ممن استفاض لقاؤه لعائشة وسماعه منها، ليس كاتصال حديث من رواية مجاهد، أو عكرمة، عن عائشة، وقد جرى بين الأئمة خلاف في سماعهما منها

(1)

.

ومثل ذلك يقال في حديث معين بعد ثبوت أصل السماع، فحديث يرويه مدلس قد صرح فيه بالتحديث وثبت عنه ليس في الاتصال كحديث لم يصرح فيه المدلس بالتحديث، وإن كانت عنعنته مقبولة، إما لكونه قليل التدليس، أو لكونه يروي ذلك الحديث عن شيخ أكثر عنه جداً، أو لسبب آخر أوجب قبول عنعنته في ذلك الحديث، أو لكون دارس الإسناد يذهب إلى أن الأصل في رواية المدلس بصيغة محتملة هو الاتصال ما لم يتبين في الحديث المعين أنه دلسه.

وأيضاً ورود تصريح المدلس بالتحديث من طرق متعددة أقوى من وروده من طريق واحد يتطرق إليه الاحتمال، ثم هذا الطريق الواحد قد يكون قوياً

(1)

انظر: "تحفة التحصيل" ص 232، 294، 295.

ص: 409

جداً، وقد يكون دون ذلك.

وتبرز الاستفادة من معرفة درجات الاتصال عند التعارض، والحاجة إلى الموازنة والترجيح، وقد يحتاج إليها وإن لم يكن هناك تعارض، مثل كون الحديث فرداً في حكم مهم تعم به البلوى، ونقل المكلف عن البراءة الأصلية فيه يحتاج إلى دليل قوي.

وأما درجات الانقطاع فيمكن وضع درجات له كما سبق في الاتصال، أي باعتبار قوة القول بالانقطاع وضعفه، فرواية راوٍ عن شخص لم يدركه، ليست في الانقطاع كرواية راوٍ عن شخص قد أدركه، ورواية راوٍ عن شخص أدركه ولكن لا يمكن سماعه منه، ليست كرواية راوٍ عن شخص أدركه وأمكن سماعه منه، لكن لم يثبت سماعه، فإن بعض الأئمة - كما تقدم في الفصل الثاني- يحكم لمثل هذه الحالة بشروط معينة بالاتصال.

ويدخل في ذلك وجود الاختلاف بين الأئمة في الحالة المعينة وعدمه، فرواية راوٍ عن شخص قد اتفق على أنه لم يدركه ليست كرواية راوٍ عن شخص قيل إنه أدركه، ورواية راوٍ عن شخص قد اتفق على أنه أدركه ولم يسمع منه ليست كرواية راوٍ عن شخص أثبت أئمة له سماعاً منه، وإن ترجح عدمه.

كما يمكن وضع درجات للانقطاع باعتبار مرتبة الساقط من الإسناد، إذ من المتقرر أن شرط اتصال الإسناد يرجع في نهاية الأمر إلى الشرطين الأولين، وهما عدالة الرواة وضبطهم، فإذا أمكن معرفة درجة الساقط تحديداً أو تقريباً فالحكم على الإسناد حينئذٍ يكون بحسب درجة هذا الساقط.

ويتهيأ في أحيان كثيرة معرفة الساقط من الإسناد في الحديث المعين على وجه التحديد، إما بوروده في رواية أخرى، أو بنص إمام من أئمة هذا الشأن،

ص: 410

ثم قد يكون ثقة وقد يكون ضعيفاً أو كذاباً، وقد يكون مجهولاً، أو مبهماً غير مسمى، بل في أحيان كثيرة يكون الدليل على وجود انقطاع في الإسناد هو نفسه الدليل المعرف بالساقط من هو.

وقد تقدم في الفصل الثالث أمثلة كثيرة على تسمية الساقط من إسناد أحاديث معينة.

ومن أمثلة ذلك أيضاً حديث شعبة، وابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر في (العزل)، الماضي في المبحث الثالث من الفصل الثالث، وقد نص عمرو على أنه لم يسمعه من جابر، والواسطة بينهما عطاء بن أبي رباح، هكذا رواه سفيان بن عيينة - في المشهور عنه - عن عمرو

(1)

.

وروى أحمد قال: "حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة، عن الحكم: "أن ابن عمر حلف على مملوك له يطلق امرأته، فأبى، فكفر عن يمينه"، قال شعبة: أراه بلغه - يعني الحكم - عن أبان بن أبي عياش"

(2)

.

وأبان متروك الحديث

(3)

.

وروى جماعة عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن أبي جعفر الرازي، عن

(1)

. " صحيح البخاري" حديث (5208 - 5209)، و"صحيح مسلم" حديث (1440)، و"سنن الترمذي" حديث (1137)، و"سنن النسائي الكبرى" حديث (9093)، و"سنن ابن ماجه" حديث (1927).

(2)

. "العلل ومعرفة الرجال" 2: 110.

(3)

. "تهذيب التهذيب" 1: 97.

ص: 411

يزيد بن أبي مالك، عن أبي سباع، عن واثلة بن الأسقع قصة شراء ناقة معيبة

(1)

، ذكر لأحمد فقال:"أبو جعفر لم يسمع من هذا، إنما روى هذا عن محمد بن سعيد -والله أعلم-، فترك محمد بن سعيد، وقال: عن يزيد"، ثم ذكر أحمد حال محمد ابن سعيد، وأنه متروك الحديث، يقال: إن أبا جعفر المنصور صلبه على الزندقة

(2)

.

ويتنبه هنا إلى عبارات يستخدمها الأئمة قد يفهم منها تسمية الواسطة جزماً، وليس الأمر كذلك، كما في قول أحمد بعد أن روى عن هشيم، عن أبي بشر، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد أنه كان يقول:((تذاكروا الحديث، فإن الحديث يهيج بعضه بعضاً)) ـ قال أحمد: "لم يسمعه هشيم من أبي بشر، هذا حديث شعبة"

(3)

، فقد يفهم من هذه العبارة أن هشيماً سمعه من شعبة، عن أبي بشر، والعبارة لا تؤدي ذلك، إذ قد يكون هشيماً لم يسمعه من شعبة أيضاً، وإنما رواه عنه بواسطة.

ومثله قول أحمد أيضاً في حديث رواه عن هشيماً، عن أيوب أبي العلاء، عن عطاء:((أنه سئل عن الملاح يكون في السفينة فيها أهله وتنوره، قال: يصلي أربعاً)) ـ قال أحمد: "لم يسمعه هشيم من أبي العلاء، هذا حديث أبي شهاب ـ يعني الحناط ـ، كان يرويه أبوشهاب"

(4)

.

(1)

. "مسند أحمد" 3: 491، و"المعجم الكبير" 22: حديث (217)، و"المستدرك" 2: 9، و"سنن البيهقي" 5: 320، و"تاريخ بغداد" 11:144.

(2)

. "علل المروذي" ص 105.

(3)

"العلل ومعرفة الرجال" 2: 254.

(4)

"العلل ومعرفة الرجال" 2: 275.

ص: 412

وإذا لم يتهيأ تسمية الساقط من الإسناد في الحديث المعين فقد يتهيأ تسميته في جملة ما يرويه الراوي عن ذلك الشيخ الذي أسقط من دونه، إما بتسميته على وجه التعيين، أو بتسمية عدد من الرواة، وقد تقدم في الفصل الثاني ذكر أمثلة لذلك.

ومن أمثلته أيضاً أحاديث يرويها خلاس بن عمرو، عن علي، وهو لم يسمع منه في قول جمهور العلماء، وإنما يحدث من صحيفة، قال أبوداود:"كانوا يخشون أن يكون خلاس يحدث عن صحيفة الحارث الأعور"

(1)

.

ومثله رواية محمد بن سيرين، عن ابن عباس عدة أحاديث، وهو لم يسمع منه، وإنما سمع من عكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس، كذا قال خالد الحذاء، وشعبة، وغيرهما

(2)

، وأخرج البخاري منها حديثاً واحداً في المتابعات، وساق بعده طريقين آخرين إلى عكرمة، عن ابن عباس، واستظهر ابن حجر أن

(1)

"سؤالات الآجري لأبي داود" 2: 145، وانظر:"طبقات ابن سعد" 7: 149، و"العلل ومعرفة الرجال" 1: 430، و"مسائل صالح" ص 71، 232، و"المراسيل" ص 55، و"الجرح والتعديل" 1: 236، 3: 402، و"الضعفاء الكبير" 2: 28، و"تحفة الأشراف" 7: 370، و"إتحاف المهرة" 11: 373 - 375، و "تهذيب التهذيب" 3: 176، و"تحفة التحصيل " ص 96.

(2)

"مسائل أبي داود" ص 455، و"تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 520، و"علل ابن المديني" ص 60، و"المعرفة والتاريخ" 2: 55، و"مسند البزار" 1: 73، و"المراسيل" ص 187، وانظر:"العلل ومعرفة الرجال" 1: 487، 2:534.

ص: 413

يكون البخاري قصد بإيرادهما الإشارة إلى الانقطاع في السند الأول

(1)

.

وأحاديث يرسلها معاوية بن قرة عن ابن عباس وغيره، وهنها شعبة، يرى أنها عن شهر بن حوشب

(2)

، وشهر بن حوشب مختلف فيه كثيراً، وكان شعبة يضعفه

(3)

.

وأحاديث يرويها عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس، ذكر أبوحاتم، وابن حبان، أنه أخذها عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، وكذا نص على ذلك أحمد في أحاديث منها، وقد سئل عباد نفسه عن شيء منها فأخبر بذلك

(4)

، وإبراهيم بن أبي يحيى متروك الحديث، كذبه أئمة

(5)

.

ومن الأمثلة أيضاً أحاديث يرويها الحسن بن ذكوان، عن حبيب بن أبي ثابت، وهو لم يسمع منه، فهذه الأحاديث أخذها من أحد المتروكين المتهمين، وهو عمرو بن خالد الواسطي، عنه، كذا قال أحمد، وابن معين، وابن صاعد،

(1)

"صحيح البخاري" حديث (5404 - 5405)، و "فتح الباري" 9:545.

(2)

"الجرح والتعديل" 1: 131، 169.

(3)

"تهذيب التهذيب" 4: 369.

(4)

"الجرح والتعديل" 6: 86، و"علل ابن أبي حاتم" 2: 260، 316، و"الضعفاء الكبير" 3: 136، و"المجروحين" 2: 166، و "شرح علل الترمذي" 2: 826، وانظر:"سؤالات الآجري لأبي داود" 2: 138.

(5)

"تهذيب التهذيب" 1: 158.

ص: 414

وابن عدي، وغيرهم

(1)

.

ومثل ذلك رواية ابن جريج أيضاً عن صفوان بن سليم، وهو لم يسمع منه، قال أبومسعود أحمد بن الفرات:"رأيت عند عبدالرزاق، عن ابن جريج، عن صفوان بن سليم أحاديث حساناً، فسألته عنها، فقال: أي شيء تصنع بها؟ هي أحاديث إبراهيم بن أبي يحيى "، قال أبو مسعود:"كان ابن جريج يدلسها عن إبراهيم بن أبي يحيى، فتركتها ولم أسمعها"

(2)

.

وقال أبوحاتم: "ابن جريج يدلس عن ابن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم غير شيء"

(3)

.

ونقل ابن المديني عن يحيى بن سعيد القطان قوله: "لم يسمع سعيد - يعني ابن أبي عروبة - من حماد، ولا من أبي بشر، ولا من هشام بن عروة، ولا من يحيى بن سعيد شيئاً، إنما كان يأخذها عن البري"

(4)

.

والبري هو عثمان بن مقسم البري، فقيه مشهور، لكنه متروك الحديث

(5)

.

وقال أحمد في رواية مطرف بن طريف، عن الحسن البصري: "مطرف لم

(1)

"تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 114، و"سؤالات الآجري لأبي داود" 2: 91، و"المراسيل" ص 46، و"الضعفاء الكبير" 1: 223، و"الكامل" 5: 1776، و"معرفة علوم الحديث" ص 109.

(2)

. "ضعفاء أبي زرعة" ص 743.

(3)

"علل ابن أبي حاتم" 1: 418.

(4)

. "معرفة الرجال" 2: 184.

(5)

. له ترجمة مطولة في "الكامل" 5: 1804 - 1807، و"لسان الميزان" 4: 155 - 158.

ص: 415

يسمع من الحسن شيئاً، إنما يروي عن إسماعيل بن مسلم، عنه"

(1)

.

وإسماعيل هذا هو البصري نزيل مكة، وهو ضعيف

(2)

.

وقال عبد الله بن أحمد: "سئل (يعني أباه) عن حديث الفريابي، عن سفيان، عن القاسم بن عبدالرحمن: "أن عمر صلى بهم - يعني بالناس - وهو جنب"، فقال أبي: سفيان لم يسمع من القاسم بن عبدالرحمن، إنما روى عن أشعث - يعني ابن سوار - عنه"

(3)

.

وأشعث هذا ضعيف الحديث

(4)

.

وذُكر لأبي حاتم، وأبي زرعة، حديثٌ من رواية الثوري، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، فقالا:"هذا هو جعفر بن أبي وحشية، ولم يدرك الثوري جعفر ابن أبي وحشية، إنما يروي الثوري، عن شعبة، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية"

(5)

.

وسئل أبو حاتم عن حديث لموسى بن عقبة، عن أبي إسحاق السبيعي، خالف فيه موسى إسرائيل بن يونس، فقال: "إسرائيل أحفظ، وموسى بن عقبة يروي هذه الأحاديث عن رجل يقال له: عبد الله بن علي، عن أبي إسحاق،

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" 1: 335.

(2)

"تهذيب التهذيب" 1: 331.

(3)

. "العلل ومعرفة الرجال" 3: 57.

(4)

. "تهذيب التهذيب" 1: 352.

(5)

. "علل ابن أبي حاتم" 1: 264.

ص: 416

وعبد الله هذا رجل مجهول"

(1)

.

وسئل أحمد عن معمر هل سمع من يحيى بن سعيد الأنصاري، فقال:"لا أراه، ولكن كان عندهم ابن محمد بن عباد بن جعفر، فأراه سمع منه، وكان رباح يحدث عنه"

(2)

.

ومراد أحمد أن ابن محمد بن عباد - واسمه جعفر - كان في اليمن، وكان رباح بن زيد الصنعاني يحدث عنه، فالظاهر أن معمراً كذلك، إنما سمع أحاديث يحيى بن سعيد بواسطته.

وقد ذكر أبو حاتم في ترجمة جعفر هذا أن معمراً يروي عنه

(3)

.

وقال أحمد أيضاً في أحاديث يرويها هشيم عن القاسم الأعرج: "هشيم لم يسمع من القاسم الأعرج شيئاً، إنما سمعها من أصبغ الوراق"

(4)

، وأصبغ هو ابن زيد، وقد قواه أكثر الأئمة

(5)

.

فهذه الأمثلة كلها فيمن لم يسمع ممن روى عنه، وأما من سمع منه غير أنه روى عنه أحاديث بواسطة وأسقطها، فمثاله رواية حميد الطويل، عن أنس بن مالك أحاديث كثيرة، وهو إنما سمع منه القليل، والباقي سمعها بواسطة ثابت البناني، وهو ثقة ثبت غير مدلس، قال شعبة: "لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة

(1)

. " علل ابن أبي حاتم" 1: 357، وانظر:"الجرح والتعديل" 5: 114.

(2)

. "العلل ومعرفة الرجال" 2: 36، وانظر:"جامع التحصيل" ص 350.

(3)

. "الجرح والتعديل" 2: 487.

(4)

"العلل ومعرفة الرجال" 2: 144، و"المراسيل" ص 231.

(5)

"تهذيب التهذيب" 1: 361.

ص: 417

وعشرين حديثاً، والباقي سمعها من ثابت، أو ثبته فيها ثابت"

(1)

.

وقال مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة:"عامة ما يروي حميد، عن أنس، سمعه من ثابت ـ يعني البناني ـ عنه"

(2)

.

وقال ابن خراش: "يقال: إن عامة حديثه عن أنس إنما سمعه من ثابت"

(3)

.

وقال ابن حبان: "سمع من أنس ثمانية عشر حديثاً، وسمع الباقي من ثابت فدلس عنه"

(4)

.

قال ابن عدي معقباً على ما قاله شعبة: "ما ذكر عنه أنه لم يسمع من أنس إلا مقدار ما ذكر، وسمع الباقي من ثابت عنه ـ فإن تلك الأحاديث يميزها من كان يتهمه أنها عن ثابت، عنه، لأنه قد روى عن أنس، وقد روى عن ثابت، عن أنس أحاديث، فأكثر ما في بابه أن الذي رواه عن أنس البعض مما يدلسه عن أنس، وقد سمعه من ثابت، وقد دلَّس جماعة من الرواة عن مشايخ قد رأوهم"

(5)

.

وقد قيل: إنه يدلس عن غير ثابت أيضاً كقتادة

(6)

، ولذا قال البرديجي:

(1)

"تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 136، و"الكامل" 2: 684، و "تهذيب الكمال" 7:360.

(2)

"الكامل" 2: 684، و "تهذيب الكمال" 7:360.

(3)

"تهذيب الكمال" 7: 359.

(4)

"الثقات" 4: 148.

(5)

"الكامل" 2: 684.

(6)

"تعريف أهل التقديس" ص 86، و"هدي الساري" ص 399.

ص: 418

"لا يحتج من حديث حميد إلا ما قال: حدثنا أنس"

(1)

.

والذي يظهر أن تدليسه عن غير ثابت قليل، فإن تبين شيء منه فذاك، وإلا فالأصل سماعه من أنس، أو تدليسه عن ثابت، والله أعلم.

ورواية هشام بن حسان، عن الحسن، وعطاء، فهو يرسل عنهما

(2)

، وما يرسله عن الحسن أخذه من كتب حوشب بن عقيل، وهو ثقة، وما يرسله عن عطاء شيء منه أخذه من قيس بن سعد، وهو ثقة أيضاً، قال ابن المديني: قال بعضهم: "كتب هشام بن حسان أخذها من حوشب، وأحاديث عطاء شيء منه في المناسك عن قيس بن سعد"

(3)

.

وقال أيضاً: " أحاديث هشام، عن الحسن عامتها تدور على حوشب"

(4)

.

وقال أبوداود: "كانوا يرون أنه أخذ كتب حوشب"

(5)

.

ورواية يونس بن عبيد، عن الحسن البصري، فهو من أصحاب الحسن، وقد روى عنه أشياء لم يسمعها منه، وإنما أخذها من أشعث بن عبدالملك الحمراني، وهو ثقة، قال شعبة: "عامة تلك الدقائق ـ يعني مسائل الدقائق ـ التي حدث بها يونس ـ يعني ابن عبيد ـ عن الحسن، إنما كانت عن أشعث ـ

(1)

"شرح علل الترمذي" 2: 582.

(2)

" تهذيب التهذيب" 11: 34 - 37.

(3)

. "المعرفة والتاريخ" 2: 53.

(4)

. "علل ابن المديني" ص 63.

(5)

"سؤالات الآجري لأبي داود" 1: 392.

ص: 419

يعني ابن عبدالملك ـ"

(1)

.

وقال أحمد في أشعث: "كان عالماً بمسائل الحسن الرقاق، ويقال: ما روى يونس فقال: نبئت عن الحسن ـ إنما أخذه من أشعث بن عبدالملك"

(2)

.

ثم إن الأشعث لم يسمعها من الحسن أيضاً، فبينهما حفص بن سليمان المنقري، كما قال شعبة:"إنما فقه مسائل يونس، عن الحسن؛ لأنه كان - يقال -: أخذها من أشعث، وإنما كثرة علم الأشعث لأن أخته كانت تحت حفص بن سليمان مولى بني منقر، وكان قد نظر في كتبه، وكان حفص أعلمهم بقول الحسن"

(3)

.

وقال إسماعيل بن علية: "كنا نرى أن يونس سمعها من أشعث، وأشعث من حفص"

(4)

.

وحفص بن سليمان هذا ثقة، من قدماء أصحاب الحسن، ومن المقدمين فيه، بل قدمه ابن المديني على جميع أصحابه

(5)

.

ورواية ابن جريج، عن داود بن الحصين، وصالح بن نبهان مولى التوأمة، قال ابن المديني: "كل ما في كتاب ابن جريج: أخبرت عن داود بن الحصين،

(1)

"الجرح والتعديل" 1: 134، و"الكامل" 1: 360، وفيه:"وهذه الرقائق، وهذه الطرف التي يرويها يونس، عن الحسن ـ هي عن الأشعث".

(2)

"الجرح والتعديل" 2: 275.

(3)

. "طبقات ابن سعد" 7: 276، و"تهذيب الكمال" 3: 282، وفيه: "لأنه كان يقول

".

(4)

. "المعرفة والتاريخ" 2: 61.

(5)

. "المعرفة والتاريخ" 2: 53، و"تهذيب التهذيب" 2:402.

ص: 420

وأخبرت عن صالح مولى التوأمة ـ فهو من كتب إبراهيم بن أبي يحيى"

(1)

.

ورواية الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، قال ابن المبارك:"كان الحجاج مدلساً، كان يحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب مما يحدثه محمد العرزمي، والعرزمي متروك الحديث، لا نقر به"

(2)

.

وقال أبونعيم: "لم يسمع الحجاج من عمرو بن شعيب إلا أربعة أحاديث، والباقي عن محمد بن عبيدالله العرزمي"

(3)

.

وكذا قال ابن معين: "إنه يدلس عن عمرو بن شعيب بإسقاط العرزمي"

(4)

.

ويصلح أن يكون هذا قاعدة في عنعنة الحجاج بن أرطاة، فإذا روى عن رواة هم من شيوخ العرزمي هذا يكون قد أسقطه، قال ابن المبارك أيضاً:"رأيت الحجاج بن أرطاة يحدث في مسجد الكوفة، والناس مجتمعون عليه، وهو يحدثهم بأحاديث محمد بن عبيدالله العرزمي، يدلسها حجاج عن شيوخ العرزمي، والعرزمي قائم يصلي ما يقر به أحد، والزحام على الحجاج"

(5)

.

ومثله ما يرويه ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب بالعنعنة، فإنه يسقط القاسم

(1)

"معرفة علوم الحديث" ص 107.

(2)

"الضعفاء الصغير" ص 32، و"التاريخ الكبير" 2: 378، و"التاريخ الصغير" 2: 110، و"الضعفاء الكبير" 2:278.

(3)

"المراسيل" ص 48.

(4)

"الجرح والتعديل" 3: 156، وانظر:" مسند أحمد " 2: 208.

(5)

"الكامل" 2: 642.

ص: 421

ابن عبد الله العمري، وهو يضع الحديث، وإسحاق بن أبي فروة، وهو متروك الحديث، متهم، والمثنى بن الصباح، وهو ضعيف مختلط

(1)

.

وكذا رواية هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم النخعي، أحاديث منكرة المتون، فإنه يدلسها عن راوٍ متروك الحديث، وهو إبراهيم بن عطية، وربما ذكره لكن يبهمه فيقول: أخبرنا صاحب لنا، قال عباس الدوري:"سألت يحيى عن أحاديث يرويها هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم: ((النظر في مرآة الحجام دناءة))، و ((إذا بلي المصحف دفن))، وأشباه هذه الأحاديث ـ فقال: سمعها هشيم من إبراهيم بن عطية الواسطي، عن مغيرة، قلت ليحيى: إبراهيم هذا سمع من المغيرة هذه الأحاديث؟ قال: كان إبراهيم هذا لا يساوي شيئاً، وينبغي أن يكون قد سمع من مغيرة، فهشيم إنما سمع هذه الأحاديث منه عن مغيرة، وكان يقول: مغيرة، هكذا قال يحيى، أو شبيه بهذا"

(2)

.

ومراد ابن معين أن إبراهيم هذا سمع من مغيرة في الجملة، لا أنه سمع منه هذه الأحاديث.

وأما تسمية عدد من الوسائط بين الراوي ومن روى عنه، فإن كانوا كلهم ثقات أو كلهم ضعفاء فكما لو كان المسمى واحداً، وإن كان فيهم ثقات وضعفاء فيتوقف فيه، وما يتوقف فيه فمآله دائماً إلى الرد حتى يثبت نقيضه.

(1)

. "الجرح والتعديل" 5: 146، و"الضعفاء الكبير" 2: 294، 296، و"المجروحين" 2: 12، و"تهذيب الكمال" 15: 491 - 493.

(2)

"تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 621، وانظر:"العلل ومعرفة الرجال" 2: 280، و"مسائل أبي داود" ص 388 فقرة (1865)، (1868).

ص: 422

ومن أمثلة ذلك رواية معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس تفسيره، فإن علياً لم يسمع منه بالاتفاق، وقد سمى بعض العلماء الواسطة بينهما، فقيل: الواسطة بينهما مجاهد، وقيل: مجاهد وعكرمة، وقيل: مجاهد وسعيد بن جبير، والثلاثة أئمة ثقات، ولهذا يعدّ هذا الطريق ـ رغم انقطاعه ـ أقوى الطرق في التفسير إلى ابن عباس، وقد اعتمدها البخاري كثيراً فيما يعلقه عن ابن عباس

(1)

.

وقال أحمد في شأن هذه النسخة: "لو أن رجلاً رحل إلى مصر، فانصرف منها بكتاب التأويل لمعاوية بن صالح، ما رأيت رحلته ذهبت باطلاً "

(2)

.

وبضد ذلك ما تقدم ذكره في المبحث الرابع من الفصل الثالث في الحديث عن تدليس التسوية، حيث سمى العلماء عدداً من الضعفاء والمتروكين يسقطهم الوليد بن مسلم بين الأوزاعي، وعطاء بن أبي رباح، وبين الأوزاعي، ونافع مولى ابن عمر.

ومثله رواية ابن جريج، عن المطلب بن عبدالله ـ وهو لم يسمع منه ـ، فقد ذكر ابن المديني أنه كان يأخذ أحاديثه عن ابن أبي يحيى، عنه

(3)

.

(1)

. انظر: " شرح معاني الآثار " 3: 280، و"تهذيب التهذيب" 7: 340، و"الإتقان" 2:188.

(2)

"شرح معاني الآثار" 3: 280، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس 1: 461، و"إعراب القرآن" للنحاس 3: 104، و" تاريخ بغداد " 1: 428، و"تهذيب الكمال" 20: 490، و "فتح الباري" 8: 438، و "تهذيب التهذيب" 7: 340، و"الإتقان" 2:188.

(3)

"الكفاية" ص 358، وانظر:" المعرفة والتاريخ " 2: 825.

ص: 423

وقال الدارقطني: "لم يسمع ابن جريج من المطلب بن عبدالله بن حنطب شيئاً، ويقال: كان يدلسه عن ابن أبي سبرة أو غيره من الضعفاء"

(1)

.

وابن أبي سبرة هو أبوبكر بن عبدالله بن محمد بن أبي سبرة، متروك الحديث، ورماه أحمد بالوضع

(2)

.

ورواية الأعمش، عن مجاهد، فإن بينهما في أحاديث يدلسها عنه جماعة من الضعفاء والمتروكين، منهم ليث بن أبي سليم، قال عبدالله بن أحمد:"قلت لأبي: أحاديث الأعمش، عن مجاهد ـ عمن هي؟ قال: قال أبوبكر بن عياش: قال رجل للأعمش: ممن سمعته ـ في شيء رواه عن مجاهد ـ؟ قال: مر كزاز مر ـ بالفارسية ـ، حدثنيه ليث، عن مجاهد"

(3)

.

وذكر ابن المديني أن أحاديثه التي يدلسها عن مجاهد هي عن أبي يحيى القتات، وحكيم بن جبير، وهؤلاء

(4)

.

وكذلك رواية الأعمش، عن أنس، فإنه لم يسمع منه، وذكر ابن المديني أن ما يرويه عن أنس سمعه من يزيد الرقاشي، وأبان

(5)

، ويزيد، وأبان متروكا

(1)

"تحفة التحصيل" ص 212.

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" 1: 51، و "تهذيب التهذيب" 12:27.

(3)

"العلل ومعرفة الرجال" 1: 255.

(4)

. " إكمال تهذيب الكمال " 6: 92. وانظر في تدليس الأعمش عن مجاهد: " الكفاية " ص 359، و"التمهيد" 1: 32.

(5)

. "تاريخ بغداد" 9: 4.

ص: 424

الحديث

(1)

.

وبين الدرجتين من كان فيمن يسقطهم الراوي ثقات وضعفاء، أو غير معروفين، كما في رواية الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس تفسيره، فإنه لم يسمع منه، وروى شعبة عن عبدالملك بن ميسرة قوله:"الضحاك لم يسمع من ابن عباس، إنما لقي سعيد بن جبير بالري فسمع منه التفسير"

(2)

.

وسئل أحمد: ممن سمع التفسير؟ فقال: "يقولون: سمعه من سعيد بن جبير"

(3)

.

فهذان ثقتان، لكن جاء في رواية عن شعبة، عن عبدالملك بن ميسرة قوله:"قلت للضحاك: أسمعت من ابن عباس؟ قال: لا، قلت: فهذا الذي ترويه عمن أخذته؟ قال: عنك، وعن ذا، وعن ذا"

(4)

.

ومثله زكريا بن أبي زائدة في الشعبي، فقد كان يدلس عن فراس بن يحيى

(5)

، وفراس ثقة

(6)

.

وروى أبوداود عن أحمد قوله: "كان عند زكريا كتاب فكان يقول فيه: سمعت الشعبي، ولكن زعموا كان يأخذ عن جابر، وبيان، ولا يسمي ـ يعني

(1)

. "تهذيب التهذيب" 1: 97، 11:309.

(2)

"المراسيل" ص 95.

(3)

"المراسيل" ص 96.

(4)

"المراسيل" ص 95، و "الجرح والتعديل" 4: 459، 8:333.

(5)

"سؤالات الآجري لأبي داود" 1: 322 - 323.

(6)

"تهذيب التهذيب" 8: 259.

ص: 425

ما يروي من غير ذاك الكتاب يرسلها عن الشعبي ـ"

(1)

، وجابر هو الجعفي متروك الحديث

(2)

، وبيان هو ابن بشر ثقة ثبت

(3)

.

وقال أبوحاتم: "يقال: إن المسائل التي يرويها زكريا لم يسمعها من عامر، إنما أخذها من أبي حريز"

(4)

، وأبوحريز هو عبدالله بن الحسين الأزدي، مختلف فيه

(5)

.

وكذا مغيرة بن مقسم في إبراهيم النخعي، فقد قال أحمد:"عامة حديثه عن إبراهيم مدخول، عامة ما روى عن إبراهيم إنما سمعه من حماد، ومن يزيد ابن الوليد، والحارث العكلي، وعن عبيدة وغيره ـ وجعل يضعف حديثه عن إبراهيم وحده ـ"

(6)

.

والحارث هو ابن يزيد ثقة

(7)

، وحماد هو ابن أبي سليمان، ثقة في إبراهيم وتغير حفظه في الآخر

(8)

، ويزيد مستور

(9)

، وعبيدة هو ابن المعتب ضعيف

(1)

"سؤالات أبي داود" ص 298، و"سؤالات الآجري لأبي داود" 1:323.

(2)

"تهذيب التهذيب" 2: 46.

(3)

"تهذيب التهذيب" 1: 506.

(4)

"الجرح والتعديل" 3: 594.

(5)

"تهذيب التهذيب" 5: 187.

(6)

"العلل ومعرفة الرجال" 1: 207، و "الجرح والتعديل" 7:229.

(7)

"تهذيب التهذيب" 2: 163.

(8)

"تهذيب التهذيب" 3: 16.

(9)

"التاريخ الكبير" 8: 366، و "الجرح والتعديل" 9: 293، حيث لم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، و"ثقات ابن حبان" 7:627.

ص: 426

مختلط

(1)

، قال أحمد:"ترك الناس حديثه، قال له رجل: هذا رأي إبراهيم؟ قال: لا، إنما قست على رأيه"

(2)

.

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن الأئمة قد يذكرون واسطة بين راوٍ وآخر، إما شخصاً واحداً أو أكثر، ويكون غرضهم بيان أنه لم يسمع منه، وهذا كثير جداً، وقد تقدم شرحه وذكر أمثلته في المبحث الأول من الفصل الثاني، لكن لا يصح أن تجعل هذه الواسطة هي التي بينهما في كل رواية ترد عنه وليس بينهما أحد، إذ غرض الأئمة من ذكرها هو إقامة الدليل على أنه لم يسمع منه لا أكثر، وقد يكون هناك غيرها ممن لم يسم، ولكن لا بأس أن يستأنس بها استئناساً، كما قال يحيى القطان:"أما مجاهد، عن علي ـ فليس به بأس، قد أسند عن ابن أبي ليلى، عن علي"

(3)

.

ومراد يحيى أن ما يرسله مجاهد عن علي رضي الله عنه ليس به بأس، رغم أنه منقطع، لأن مجاهداً قد روى عن علي بواسطة عبدالرحمن بن أبي ليلى غير ما أرسله

(4)

، وعبد الرحمن ثقة، فلا يبعد أن يكون قد أسقطه فيما يرسله.

قال ابن رجب معقباً على كلمة القطان: "من عرف له إسناد صحيح إلى من أرسل عنه فإرساله خير ممن لم يعرف له ذلك"

(5)

.

(1)

"تهذيب التهذيب" 7: 86.

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" 2: 549.

(3)

"الجرح والتعديل" 1: 244.

(4)

. " تحفة الأشراف " 7: 424 - 425.

(5)

"شرح العلل" 1: 534.

ص: 427

وإذا لم يتهيأ تسمية الواسطة في الحديث المعين، أو في جملة ما يرويه الراوي عمن أرسل أو دلس عنه ـ فالدرجة الثالثة أن يعرف بالقرائن حال من يسقطهم هذا المرسل أو المدلس عادة.

وعن طريق هذا وضع الأئمة مراتب للمراسيل، ينص الأئمة على مبررات تفريقهم بينها

(1)

، وعلى الباحث أن ينظر فيها حين يريد الحكم على مرسل أمامه، ما درجته؟ وهل يصلح للاعتضاد أو لا؟ ومثل ذلك يقال في التدليس.

ومن أمثلة حكم الأئمة على مرسل بدراسة حال من أرسله ما يرويه سعيد ابن المسيب، عن عمر بن الخطاب، فقد مات عمر وهو صغير، سمع منه خطبته ينعي النعمان بن مقرن، لكن حال سعيد في نفسه وجلالته، وكونه عرف عنه أنه لا يرسل إلا عن الثقات، واعتناءه بشأن عمر بن الخطاب وقضاياه وجمعه لها حتى كان ابن عمر يسأله عن شأن أبيه ـ أوجب ذلك كله قوة لما يرسله عنه، قال أحمد لما سئل: سعيد بن المسيب، عن عمر ـ حجة؟ :"هو عندنا حجة، وقد رأى عمر وسمع منه، وإذا لم يقبل سعيد، عن عمر، فمن يقبل؟ "

(2)

.

(1)

"المراسيل" ص 3 - 7، و"العدة في أصول الفقه" 3: 920 - 924، و"الموقظة" ص 26 - 28، و "جامع التحصيل" ص 99 - 102، و "شرح علل الترمذي" 1: 529 - 557.

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" 2: 461، و"التاريخ الكبير" 3: 510، و"المراسيل" ص 71 - 73، و"تهذيب الكمال" 11: 73، و"سير أعلام النبلاء" 4: 221، و"شرح علل الترمذي" 1: 539، 552، 555، و "تهذيب التهذيب" 4:84.

ص: 428

ومثله رواية أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود، عن أبيه، فجمهور الأئمة على أنه لم يسمع من أبيه، وقد توارد عدد منهم على تقوية حديثه عن أبيه، وعللوا ذلك، قال ابن رجب بعد أن ذكر حديثاً بهذا الإسناد:"وأبوعبيدة وإن لم يسمع من أبيه ـ إلا أن أحاديثه عنه صحيحة، تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه، قاله ابن المديني وغيره"

(1)

.

ونقل أيضاً عن ابن المديني قوله في حديث يرويه أبوعبيدة، عن أبيه:"هو منقطع، وهو حديث ثبت"

(2)

.

وقال يعقوب بن شيبة: "إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة، عن أبيه في المسند ـ لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه، وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر"

(3)

.

وقال الشافعي في حديث لطاوس، عن معاذ بن جبل:"طاوس لم يلق معاذاً، لكنه عالم بأمر معاذ وإن لم يلقه، لكثرة من لقيه ممن أخذ عن معاذ، وهذا لا أعلم من أحد فيه خلافاً"، قال السخاوي بعد أن ذكر هذا:"وتبعه البيهقي وغيره"

(4)

.

ومثل ذلك يقال في تدليس سفيان بن عيينة، فقد تتبع الأئمة من يسمي إذا

(1)

"فتح الباري" 5: 187.

(2)

"شرح العلل" 1: 544.

(3)

"شرح علل الترمذي" 1: 544، وانظر:"شرح معاني الآثار" 1: 95، و"سنن الدارقطني" 1: 145، و "النكت على كتاب ابن الصلاح" 1:398.

(4)

"فتح المغيث" 1: 163.

ص: 429

دلّس ثم طولب بالسماع، فوجدوهم ثقات، حتى قال ابن حبان بعد أن بين مذهبه في التوقف في عنعنة المدلس: "إلا أن يكون المدلس يعلم أنه ما دلَّس قط إلا عن ثقة، فإذا كان كذلك قبلت روايته وإن لم يبين السماع، وهذا ليس في الدنيا إلا لسفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلَّس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بيّن سماعه عن ثقة مثل نفسه، والحكم في قبول روايته لهذه العلة ـ وإن لم يبين السماع فيها ـ كالحكم في رواية ابن عباس إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يسمع منه

"

(1)

.

وقول ابن حبان: "عن ثقة مثل نفسه" ـ أي في مطلق كونه ثقة، لا أن المقصود أن كل من أسقطهم ابن عيينة فهم في درجته، هذا هو الظاهر ـ والله أعلم ـ، فقد أسقط مرة إبراهيم بن نافع، بينه وبين ابن أبي نجيح

(2)

، وإبراهيم هذا ثقة، لكنه لا يقارن بابن عيينة

(3)

.

وأسقط مرة وائل بن داود، وولده بكر بن وائل، بينه وبين الزهري

(4)

،

(1)

"صحيح ابن حبان" 1: 161، وانظر:"العلل ومعرفة الرجال" 3: 257 فقرة (5137)، و"تاريخ الدوري عن ابن معين" 1: 290، و"سؤالات الحاكم للدارقطني" ص 175، و"معرفة علوم الحديث" ص 105، و"الكفاية" ص 359، 362، و"التمهيد" 1:31.

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" 3: 257 - 258.

(3)

"تهذيب التهذيب" 1: 174.

(4)

"سنن الترمذي" حديث (1095 - 1096)، و"مسند أحمد" 3: 110، و"مسند الحميدي" حديث (1184)، و"المنتقى" حديث (727)، و"تحفة الأشراف" 1:377.

ص: 430

وبكر صدوق، ووائل ثقة

(1)

.

وأسقط مرة العلاء بن عبدالرحمن، وسلم بن قتيبة، بينه وبين عمرو بن دينار

(2)

، والعلاء، وسلم بن قتيبة صدوقان

(3)

.

وبضد ذلك من عرف عنه أنه يروي عن الضعفاء والمتروكين والمجهولين، ويكثر ذلك منه، فمتى حكم على إسناد هو فيه بالانقطاع ضعف جداً، فلا يصلح للاعتضاد، كما هو حال ابن جريج، ومحمد بن إسحاق

(4)

، وبقية بن الوليد

(5)

، والوليد بن مسلم

(6)

، ومروان بن معاوية الفزاري

(7)

، وعيسى بن موسى غنجار

(8)

، وغيرهم.

قال أحمد: "بعض هذه الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث

(1)

"تهذيب التهذيب" 1: 488، 11:109.

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" 2: 257.

(3)

"تهذيب التهذيب" 4: 133، 7:186.

(4)

"علل المروذي" ص 62، و"سؤالات أبي داود" ص 214، و "جامع التحصيل" ص 130، و"تهذيب التهذيب" 9: 43، 45.

(5)

"تهذيب التهذيب" 1: 473 - 478.

(6)

"تهذيب الكمال" 31: 96.

(7)

"تاريخ الدوري عن ابن معين" 2: 556، و"الكفاية" ص 366.

(8)

"ثقات ابن حبان" 8: 492، و"معرفة علوم الحديث" ص 106، و"تعريف أهل التقديس" ص 131.

ص: 431

موضوعة، كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذه ـ يعني قوله: أخبرت، وحدثت عن فلان"

(1)

.

وقال أيضاً: "إذا قال ابن جريج: قال فلان، وقال فلان، وأخبرت ـ جاء بمناكير، وإذا قال: أخبرني، وسمعت، فحسبك به"

(2)

.

وقال أيضاً: "إذا قال ابن جريج: قال ـ فاحذروه، وإذا قال: سمعت، أو سألت، جاء بشيء ليس في النفس منه شيء"

(3)

.

وقال الدارقطني: "يتجنب تدليسه، فإنه وحش التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة، وغيرهما"

(4)

.

ويقرب من هؤلاء سليمان الأعمش إذا دلس، فإنه يسقط الضعفاء والمتروكين كثيراً، وربما أسقط ثقة، قال الأزدي: "فنحن نقبل تدليس ابن عيينة ونظرائه، لأنه يحيل على مليء ثقة، ولا نقبل من الأعمش تدليسه، لأنه يحيل على غير مليء، والأعمش إذا سألته: عمن هذا؟ قال: عن موسى بن طريف، وعباية بن ربعي

"

(5)

.

فمن عرف عنه إسقاط المتروكين فما يدلسه أو يرسله يكون شديد الضعف

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" 2: 551.

(2)

"سير أعلام النبلاء" 6: 328.

(3)

"سير أعلام النبلاء" 6: 328.

(4)

"سؤالات الحاكم للدارقطني" ص 175.

(5)

"الكفاية" ص 362، و"تهذيب السنن" 1:23.

ص: 432

لا يصلح للمتابعة، وإن لم يعرف الساقط في رواية معينة.

مثاله رواية ابن جريج، عن مجاهد، قال ابن الجنيد:"سألت يحيى بن معين قلت: ابن جريج سمع من مجاهد شيئاً؟ قال: حرفاً أو حرفين، قلت: فمن بينهما (يعني فيما يدلسه عن مجاهد)؟ قال: لا أدري"

(1)

.

وبين هؤلاء وأولئك جماعة من الرواة يسقطون فيما يرسلونه أو يدلسونه الثقات وغيرهم.

وأعود إلى تأكيد ما بدأت به هذا المبحث من أن الانقطاع ليس على درجة واحدة، بل هو متفاوت جداً، فإذا عرف هذا لم يكن مستغرباً أن نجد في "الصحيح" ما صورته الانقطاع، واحتف به ما يجعله في حكم المتصل

(2)

، وكذلك أن نجد من أحاديث المدلسين ما يحتمل أو يترجح أنه وقع فيه تدليس، لكن يتسامح فيه لأنه ليس عليه الاعتماد

(3)

.

ويستغرب جداً من باحث يأتي إلى إسناد فيه إرسال أو تدليس من يكثر منه إسقاط الضعفاء والمتروكين ثم يعضده بغيره، أو يعضد غيره به.

والأمر في مثل هذا ظاهر جداً، وذلك باستحضار ما تقدم من أن شرط الاتصال يعود في النهاية إلى شرطي العدالة والضبط، فإعطاء المنقطع حكماً لائقاً

(1)

. "سؤالات ابن الجنيد" ص 364.

(2)

"صحيح البخاري" حديث (723)، (2896)، (5081)، و"صحيح مسلم" حديث (433)، و "فتح الباري" 2: 209، 6: 88، 9:124.

(3)

انظر مثلاً: "صحيح البخاري" حديث (722 - 723)، و"صحيح مسلم" حديث (311)، (433)، (435)، و "الجرح والتعديل" 1:157.

ص: 433

به يرجع إلى تحديد الساقط على التعيين أو التقريب، ومن الأمر البدهي في هذا العلم جعل الرواة على طبقات، فمنهم من يعتمد عليه في نفسه، ومنهم من لا يعتمد عليه، ثم هذا الثاني قد يصلح أن يعتضد بغيره أو يعضد غيره، وقد لا يصلح لذلك، فالسقط في الإسناد يرجع إلى هذه المراتب ولابد، والله أعلم.

ص: 434