المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الْمُجْمَلِ: "لُغَةً: الْمَجْمُوعُ" مِنْ أَجْمَلْتُ الْحِسَابَ1 "أَوْ الْمُبْهَمُ". قَالَ ابْنُ قَاضِي - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ٣

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌باب الأمر

- ‌فصل الأمر حقيقة في الوجوب

- ‌باب النهي:

- ‌باب العام:

- ‌فصل العام بعد تخصيصه:

- ‌فصل إطلاق جمع المشترك على معانيه

- ‌فَصْلٌ لَفْظُ الرِّجَالِ وَالرَّهْطِ لا يَعُمُّ النِّسَاءَ وَلا الْعَكْسَ:

- ‌فصل القران بين شيئين لفظا لا يقتضي التسوية بينهما حكما

- ‌باب التخصيص:

- ‌فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ

- ‌فصل المخصص المتصل الثالث الصفة

- ‌فصل المخصص المتصل الرابع الغاية:

- ‌فصل تخصيص الكتاب ببعضه وتخصيصه بالسنة مطلقا

- ‌فصل تقديم الخاص على العام مطلقا

- ‌باب المطلق:

- ‌بَابُ الْمُجْمَلِ:

- ‌بَابُ الْمُبَيَّنِ:

- ‌باب الظاهر:

- ‌بَابُ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ:

- ‌فصل إذا خص نوع بالذكر مما لا يصح لمسكوت عنه فله مفهوم:

- ‌فَصْلٌ: كَلِمَةُ إنَّمَا:

- ‌بَابٌ النسخ:

- ‌فصل يجوز نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخهما معا:

- ‌فَصْلٌ يَسْتَحِيلُ تَحْرِيمُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى:

الفصل: ‌ ‌بَابُ الْمُجْمَلِ: "لُغَةً: الْمَجْمُوعُ" مِنْ أَجْمَلْتُ الْحِسَابَ1 "أَوْ الْمُبْهَمُ". قَالَ ابْنُ قَاضِي

‌بَابُ الْمُجْمَلِ:

"لُغَةً: الْمَجْمُوعُ" مِنْ أَجْمَلْتُ الْحِسَابَ1 "أَوْ الْمُبْهَمُ".

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: هُوَ لُغَةً مِنْ الْجَمْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْيَهُودِ:"جَمَلُوهَا" 2 أَيْ خَلَطُوهَا3، وَمِنْهُ الْعِلْمُ الإِجْمَالِيُّ، لاخْتِلاطِ الْمَعْلُومِ بِالْمَجْهُولِ، وَسُمِّيَ مَا يُذْكَرُ فِي هَذَا الْبَابِ مُجْمَلاً لاخْتِلاطِ الْمُرَادِ بِغَيْرِهِ.

"أَوْ الْمُحَصَّلُ" مِنْ أَجْمَلَ الشَّيْءَ إذَا حَصَّلَهُ4.

"وَاصْطِلاحًا"5 أَيْ

1 قال في المصباح المنير "1/134": "وأجملت الشيء إجمالاً: جمعته من غير تفصيل". وانظر معجم مقاييس اللغة 1/481

2 في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم، فجملوها وباعوها وأكلوا ثمنها". "انظر صحيح البخاري3/107، صحيح مسلم 3/1207، بذل المجهود 15/162، عارضة الأحوذي 5/300، سنن النسائي 7/273، سنن ابن ماجه 2/1122، جامع الأصول 1/376.

3 إن كلمة"جملوها" في الحديث ليس معناها: خلطوها كما ذكر ابن قاضي الجبل، بل معناها: أذابوها كما ذكر شراح الحديث من أهل اللغة، يؤكد ذلك قول ابن منظور في لسان العرب "11/127": وقد جمله يجمله جملاً واجمله: أذابه واستخرج دهن. وذكر الحديث.

4 معجم مقاييس اللغة 1/481.

5 انظر تعريفات الأصوليين للمجمل في "الحدود للباجي ص45، العدو 1/142، المستصفى 1/345، الإشارات للباجي ص43، التعريفات للجرجاني ص 108، أدب القاضي للماوردي1/290، المحصول ج1ق3 231، مناهج العقول 1/189، البرهان 1/419، كشف الأسرار 1/54، شرح تنقيح الفصول ص 37، 274، الإحكام للآمدي 3/8، روضة الناظر ص 180، نشر البنود 1/273، التلويح على التوضيح 1/126، إرشاد الفحول ص167، المعتمد 1/317، اللمع ص 27، فتح الغفار 1/116، أصول السرخسي 1/168، الإحكام لابن حزم 3/385، شرح العضد 2/158، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص123، شرح الحطاب على الورقات ص109".

ص: 413

وَ1الْمُجْمَلُ فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ "مَا" أَيْ لَفْظٌ أَوْ فِعْلٌ "تَرَدَّدَ بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ".

وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ "بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ" عَمَّا لَهُ مَحْمَلٌ وَاحِدٌ كَالنَّصِّ.

وَقَوْلُهُ "عَلَى السَّوَاءِ" احْتِرَازٌ2 عَنْ الظَّاهِرِ وَعَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي لَهَا مَجَازٌ، وَشَمِلَ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ وَالْمُشْتَرَكَ وَالْمُتَوَاطِئَ.

وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ3: الْمُجْمَلُ مَا لَمْ تَتَّضِحْ دَلالَتُهُ.

وَابْنُ4 مُفْلِحٍ وَالسُّبْكِيُّ5: مَا لَهُ دَلالَةٌ غَيْرُ وَاضِحَةٍ6.

"وَحُكْمُهُ" أَيْ الْمُجْمَلِ "التَّوَقُّفُ عَلَى الْبَيَانِ الْخَارِجِيِّ"7 فَلا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِأَحَدِ مُحْتَمَلاتِهِ إلَاّ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْ لَفْظِهِ لِعَدَمِ دَلالَةِ لَفْظِهِ8 عَلَى الْمُرَادِ بِهِ، وَامْتِنَاعِ التَّكْلِيفِ بِمَا لا دَلِيلَ عَلَيْهِ.

1 ساقطة من ش.

2 في ش: احترازاً.

3 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/158.

4 في ش: وقال ابن.

5 عزو المصنف هذا التعريف للسبكي غير دقيق، وذلك لأن السبكي عرفه بنفس تعريف ابن الحاجب السابق. "انظر جمع الجوامع للسبكي مع شرحه لمحلي 2/58".

6 أي من قول أو فعل. فخرج بقوله "ماله دلالة" المهمل، إذا لادلالة له. وخرج بقوله "غير واضحة" المبين، لأن دلالته واضحة. "انظر نشر البنود1/273".

7 انظر التلويح على التوضيح 1/127، روضة الناظر ص181، مختصر الطوفي ص116.

8 ساقطة من ش.

ص: 414

"وَهُوَ" أَيْ الْمُجْمَلُ "فِي الْكِتَابِ" أَيْ الْقُرْآنِ "وَ" فِي "السُّنَّةِ"1 أَيْ الأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، خِلافًا لِدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ.

قَالَ بَعْضُهُمْ: لا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ غَيْرَهُ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِمَا لا يُحْصَى.

قَالَ دَاوُد: الإِجْمَالُ2 بِدُونِ الْبَيَانِ لا يُفِيدُ، وَمَعَهُ تَطْوِيلٌ، وَلا يَقَعُ فِي كَلامِ الْبُلَغَاءِ، فَضْلاً عَنْ كَلامِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَكَلامِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْكَلامَ إذَا وَرَدَ مُجْمَلاً، ثُمَّ بُيِّنَ وَفُصِّلَ أَوْقَعُ عِنْدَ النَّفْسِ مِنْ ذِكْرِهِ مُبَيَّنًا ابْتِدَاءً.

"وَيَكُونُ" الإِجْمَالُ "فِي حَرْفٍ"3 نَحْوُ الْوَاوِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} 4 فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ5 تَكُونَ عَاطِفَةً، وَيَكُونَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَأْنِفَةً، وَيَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى {إلَاّ اللَّهُ} .

"وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "اسْمٍ" كَالْقُرْءِ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ،

1 انظر المحصول ج1ق3/237وما بعدها، إرشاد الفحول ص168، الآيات البينات 3/115، أدب القاضي للماوردي 1/290 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص280، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/63.

2 في ع: إلا إجمال.

3 انظر روضة الناظر ص 181، إرشاد الفحول ص 169، مختصر الطوفي ص116، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61، الآيات البينات 3/113، المستصفى 1/363، كشف الأسرار 1/55،وما بعدها، الإحكام للآمدي 3/10.

4 الآية 7 من آل عمران.

5 ساقطة من ض ب.

ص: 415

وَكَالْعَيْنِ الْمُتَرَدِّدَةِ بَيْنَ الْبَاصِرَةِ وَالْجَارِيَةِ وَعَيْنِ الْمِيزَانِ وَالذَّهَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ1.

"وَ" َكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "مُرَكَّبٍ"2 نَحْوُ "الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} 3 فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَلِيَّ، لأَنَّهُ الَّذِي يَعْقِدُ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ، لأَنَّهَا لا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا4، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجَ، لأَنَّهُ الَّذِي بِيَدِهِ دَوَامُ الْعَقْدِ وَالْعِصْمَةُ.

وَالاحْتِمَالُ الثَّانِي: هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ5 رضي الله عنه، وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ6 وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ7 رضي الله عنهما.

1 انظر "البرهان 1/421، نشر البنود 1/276، مناهج العقول 2/142، نهاية السول 2/143، روضة الناظر ص181، المحصول? 1ق3/234، اللمع ص 27، إرشاد الفحول ص 169، مختصر الطوفي ص 116، شرح تنقيح الفصول ص 274، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/60، الآيات البينات 3/111، أدب القاضي للماوردي 1/292، المستصفى 1/361، الإحكام للآمدي 3/9، فواتح الرحموت 2/32، شرح العضد 2/158".

2 انظر" روضة الناظر ص 181، نشر البنود 1/276، نهاية السول 2/144، إرشاد الفحول ص 169، مختصر الطوفي ص116، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61، الآيات البينات 3/113، أدب القاضي للماوردي 1/292، المستصفى 1/362، الإحكام للآمدي 3/10، فواتح الرحموت 2/32، شرح العضد 2/158".

3 الآية 237 من البقرة.

4 وعلى ذلك حمله الإمام مالك رحمه الله." انظر نشر البنود 1/276، أحكام القرآن لابن العربي 1/222، الإفصاح لابن هبيرة 2/138".

5 انظر شرح منتهى الإرادات 3/74، كشف القناع 5/161، المحرر 2/38، الإفصاح لابن هبيرة 2/138.

6 فواتح الرحموت 2/32، أحكام القرآن للجصاص 1/440، الإفصاح 2/138.

7 وأصحهما، وهو قوله الجديد. انظر "أحكام القرآن للكيا الهراسي 1/305، أحكام القران للشافعي 1/200، سنن البيهقي7/252، المحلي على جمع الجوامع 2/61، المهذب2/61، أحكام القرآن لابن العربي1/219".

ص: 416

"وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "مَرْجِعِ ضَمِيرٍ"1 نَحْوُ الضَّمِيرِ فِي "جِدَارِهِ" فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ2: "لا يَمْنَعَن جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ" فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ عَوْدَهُ عَلَى الْغَارِزِ، أَيْ لا يَمْنَعُهُ جَارُهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي جِدَارِ نَفْسِهِ.

وَعَلَى هَذَا: فَلا دَلالَةَ فِيهِ عَلَى الْقَوْلِ أَنَّهُ إذَا طَلَبَ جَارُهُ مِنْهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّمْكِينُ3.وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْجَارِ الآخَرِ فَيَكُونَ فِيهِ دَلالَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا4 الَّذِي عَلَيْهِ الإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ5، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ "مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاَللَّهِ لأَرْمِيَن بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ"6 وَلَوْ كَانَ الضَّمِيرُ عَائِدًا إلَى الْغَارِزِ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ.

"وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي مَرْجِعِ "صِفَةٍ"7 نَحْوُ قَوْلِك: زَيْدٌ طَبِيبٌ

1 انظر نشر البنود 1/276، إرشاد الفحول ص 169، الآيات البينات 3/114، شرح العضد 2/158، المحلى على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61.

2 صحيح البخاري 3/173، صحيح مسلم3/1230.

3 في ز ض ب: التمكن.

4 في ش: وهو.

5 انظر الإفصاح لابن هبيرة 1/381، المغني 5/36، الشرح الكبير على المقنع 5/36، القواعد لابن رجب ص 243، الإشراف للقاضي عبد الوهاب 2/18.

6 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده. "انظر صحيح البخاري 3/173، صحيح مسلم3/1230، عارضة الأحوذي 6/105، بذل المجهود 15/319، الموطأ 2/745، سنن البيهقي 6/68، مسند أحمد 2/240، سنن ابن ماجه 2/783".

7 انظر " نهاية السول 2/144، إرشاد الفحول ص 169، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/62، الآيات البينات 3/114، الإحكام للآمدي 3/11، فواتح الرحموت 2/33، شرح العضد 2/158".

ص: 417

مَاهِرٌ. فَيَحْتَمِلَ عَوْدَ "مَاهِرٌ" إلَى ذَاتِ زَيْدٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ إلَى وَصْفِهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ "طَبِيبٌ" وَلا شَكَّ أَنَّ الْمَعْنَى مُتَفَاوِتٌ بِاعْتِبَارِ الاحْتِمَالَيْنِ، لأَنَّا إنْ1 أَعَدْنَا "مَاهِرٌ"2 إلَى "طَبِيبٌ"، فَيَكُونُ مَاهِرًا فِي3 طِبِّهِ، وَإِنْ أَعَدْنَا "مَاهِرٌ"4 إلَى "زَيْدٌ"، فَتَكُونُ مَهَارَتُهُ فِي غَيْرِ الطِّبِّ، وَهُوَ مِنْ الْمُجْمَلِ بِاعْتِبَارِ التَّرْكِيبِ، صَرَّحَ بِهِ الْبِرْمَاوِيُّ وَغَيْرُهُ.

"وَ"يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "تَعَدُّدِ مَجَازٍ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ" نَحْوُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا وَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا ثَمَنَهَا" 5 لأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ، لَوْ لَمْ يَعُمَّ6 جَمِيعَ التَّصَرُّفَاتِ لَمَا7 اتَّجَهَ اللَّعْنُ فَيُقَدَّرُ8 الْجَمِيعُ، لأَنَّهُ الأَقْرَبُ إلَى الْحَقِيقَةِ9.

"وَ" يَكُونُ الإِجْمَالُ أَيْضًا فِي "عَامٍّ خُصَّ بِمَجْهُولٍ" نَحْوُ اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَاّ بَعْضَهُمْ، لأَنَّ الْعَامَّ إذَا خُصَّ بِمَجْهُولٍ صَارَ الْبَاقِي مُحْتَمَلاً. فَكَانَ مُجْمَلاً10.

"وَ" كَذَا عَامٌّ خُصَّ بِـ"مُسْتَثْنًى وَصِفَةٍ مَجْهُولَيْنِ".

1 في ع: إذا.

2 في ش ع: ماهراً.

3 ساقطة من ض ب.

4 في ش ز ع ب: ماهراً.

5 سبق تخريجه في ص413 من هذا الجزء.

6 في ش: يعلم.

7 في ش: ثم.

8 في ع ز: فتعدى.

9 انظر المحصول?1ق3//243، إرشاد الفحول ص 169، الإحكام للآمدي 3/11، 13، فواتح الرحموت 2/33، شرح العضد 2/158.

10 انظر المعتمد 1/324، شرح العضد 2/158، المحصول?1ق3/235، الإحكام للآمدي 3/11، وسبق الكلام عنها صفحة 164.

ص: 418

مِثَالُ الْمُسْتَثْنَى الْمَجْهُولِ: قَوْلُهُ1 سبحانه وتعالى: {أُحِلَّتْ 2 لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إلَاّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} 3 فَإِنَّهُ قَدْ اسْتَثْنَى مِنْ الْمَعْلُومِ مَا لَمْ يُعْلَمْ، فَصَارَ الْبَاقِي مُحْتَمَلاً، فَكَانَ مُجْمَلاً4.

وَمِثَالُ مَا خُصَّ5 بِصِفَةٍ مَجْهُولَةٍ6 نَحْوُ "مُحْصِنِينَ" فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ} 7 وَمُوجَبُ الإِجْمَالِ: أَنَّ الإِجْمَالَ8 غَيْرُ مُبَيَّنٍ9، فَكَانَ صِفَةً مَجْهُولَةً.

"وَلا إجْمَالَ فِي إضَافَةِ تَحْرِيمٍ إلَى عَيْنٍ" نَحْوُ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} 10 وَهَذَا الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ11.

1 في ش: قول.

2 في ش: وأحلت. هو غلط.

3 الآية الأولى من المائدة.

4 انظر نهاية السول 2/144، البرهان 1/421، اللمع ص 27، المعتمد 1/323، الآيات البينات 3/113، شرح العضد 2/159، الإحكام للآمدي 3/11، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/61.

5 في ع: خصص.

6 انظر المحصول?1ق3/ 235، الإحكام للآمدي 3/11، شرح العضد 2/159، العدة 1/108، المعتمد 1/323.

7 الآية 24 من النساء.

8 في سائر النسخ الخطية: الإجمال. وليس بصواب.

9 في ع: المبين.

10 الآية 3 من المائدة.

11 انظر "المسودة ص90 وما بعدها، المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص 103، المحصول?1ق3/ 241، روضة المناظر ص 181، مختصر الطوفي 1/346، الإحكام للآمدي 3/12، شرح العضد 2/159، المعتمد 1/333، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59، الآيات البينات 3/109، شرح تنقيح الفصول ص 275، إرشاد الفحول ص 169، اللمع ص28، فواتح الرحموت 2/34، التبصرة ص 201، مناهج العقول 2/143، نهاية السول 2/146".

ص: 419

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضٌ مِنْ أَصْحَابِنَا1 وَالشَّافِعِيَّةُ2 وَالأَكْثَرُ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ3.

وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ: بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْعَيْنِ غَيْرُ مُرَادٍ، لأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ 4بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ، فَإِذَا أُضِيفَ إلَى عَيْنٍ مِنْ الأَعْيَانِ يُقَدَّرُ الْفِعْلُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، فَفِي الْمَأْكُولاتِ: يُقَدَّرُ الأَكْلُ، وَفِي الْمَشْرُوبَاتِ: الشُّرْبُ وَفِي الْمَلْبُوسَاتِ: اللُّبْسُ، وَفِي الْمَوْطُوءاتِ: الْوَطْءُ. فَإِذَا أُطْلِقَ أَحَدُ هَذِهِ الأَلْفَاظِ سَبَقَ الْمَعْنَى الْمُرَادَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ، فَتِلْكَ الدَّلالَةُ مُتَّضِحَةٌ لا إجْمَالَ فِيهَا5.

1 اضطرب كلام القاضي أبي يعلى في هذه الآية، فذكر في العدة"1/106، 110" أنها غير مجملة ولا تفتقر إلى بيان، ثم ذكر فيه "1/145" أنها من المجمل.

2 انظر اللمع ص 28ن التبصرة ص 201، الآيات البينات 3/109، نهاية السول 2/146، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59.

3 يبدو أن نسبة المصنف القول بالإجمال في التحريم المضاف إلى الأعيان لأكثر الحنفية غير سليمة، وذلك لأن الحنفية يطلقون القول بعدم الإجمال في هذه القضية، وينسبون المخالفة في ذلك للكرخي وبعض المعتزلة. جاء في مسلم الثبوت"2/23":"مسألة: لا إجمال في التحريم المضاف إلى العين خلافاً للكرخي والبصري". وقال الكمال بن الهمام في التحرير: "التحريم المضاف إلى الأعيان عن الكرخي والبصري إجماله، والحق ظهوره في معين". "تيسير التحرير 1/166" وقال البزدوي في أصوله: "ومن الناس ظن أن التحريم المضاف إلى الأعيان مثل المحارم والخمر مجاز لما هو من صفات الفعل، فيصير وصف العين به مجازاً. وهذا غلط عظيم، لأن التحريم إذا أضيف إلى العين كان ذلك أمارة لزومه وتحققه، فكيف يكون مجازاً؟! ". وقد علق على ذلك صاحب كشف الأسرار بقوله: "اختلفوا في التحريم والتحليل المضافين إلى الأعيان مثل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} إلخ على ثلاثة قوال: فذهب الشيخ المصنف وشمس الأئمة وصاحب الميزان ومن تابعهم إلى أن ذلك بطريق الحقيقة كالتحريم والتحليل المضافين إلى الفعل، فيوصف المحل أولاً بالحرمة، ثم تثبت حرمة الفعل بناءً عليه، فيثبت التحريم عاماً. وذهب بعض أصحابنا العراقيين، منهمالشيخ أبو الحسن الكرخي ومن تابعه إلى أن المراد تحريم الفعل أو تحليله لاغير. وإليه ذهب عامة المعتزلة. وذهب قوم من نوابت القدرية كأبي عبد الله البصري وأصحاب أبي هاشم إلى أنه مجمل"" كشف الأسرار 2/106، وانظر أصول السرخسي 1/195".

4 في ش: يتعين.

5 انظر: المحصول?1ق3//241، روضة الناظر ص 181، المستصفى 1/346، الإحكام للآمدي 3/12، شرح العضد 2/159، المعتمد 1/333، شرح تنقيح الفصول ص 276، إرشاد الفحول ص 169، فواتح الرحموت 2/33، كشف الأسرار 2/107".

ص: 420

قَالَ الْمُخَالِفُونَ: إسْنَادُ1 التَّحْرِيمِ إلَى الْعَيْنِ لا يَصِحُّ، لأَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ2 بِالْفِعْلِ، فَلا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لأُمُورٍ لا حَاجَةَ3 إلَى جَمِيعِهَا، وَلا مُرَجِّحَ لِبَعْضِهَا، فَكَانَ مُجْمَلاً4.

قُلْنَا: الْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ، وَهُوَ الْعُرْفُ، فَإِنَّهُ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا، وَلأَنَّ الصَّحَابَةَ احْتَجُّوا بِظَوَاهِر هَذِهِ الأُمُورِ، وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَى غَيْرِهَا5، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ6 مِنْ الْمُبَيَّنِ7 لَمْ يَحْتَجُّوا بِهَا.

"وَهُوَ عَامٌّ" يَعْنِي أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُضَافَ إلَى الْعَيْنِ عَامٌّ، لأَنَّهُ إذَا احْتَمَلَ أُمُورًا مُتَعَدِّدَةً لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى تَعْيِينِ شَيْءٍ مِنْهَا قُدِّرَتْ كُلُّهَا. لأَنَّ حَمْلَهَا عَلَى بَعْضِهَا تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي8 وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيِّ وَالْفَخْرِ وَغَيْرِهِمْ، 9وَقَدَّمَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ، وَذَكَرَهُ أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ قَوْمٍ مِنْ10 الْحَنَفِيَّةِ.

قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: لا إجْمَالَ فِي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} 11 لأَنَّ الْعُرْفَ دَلَّ12 عَلَى التَّعْمِيمِ، فَيَتَنَاوَلُ الْعَقْدُ وَالْوَطْءَ.

1 في زع: إضافة إسناد.

2 في ض: تعلق.

3 ساقطة من ض ب.

4 انظر الآيات البينات 3/109، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59.

5 فمثلاً لما بلغهم تحريم الخمر أراقوها، وكسروا ظروفها. "التبصرة ص 201".

6 في ع ض ب: يكن. في ش: المتعين.

7 في ش: المتعين.

8 انظر المسودة ص 91، 94.

9 ساقطة من ز.

10 ساقطة من ش.

11 الآية 23 من النساء.

12 ساقطة من ض.

ص: 421

وَقَالَ فِي الْعَامِّ: الْعُرْفُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ الاسْتِمْتَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ النِّسَاءِ، مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدَّمَاتِهِ.

وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ1 وَالْمُوَفَّقِ2 وَالْمَالِكِيَّةِ3، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ4: انْصِرَافُ إطْلاقِ التَّحْرِيمِ فِي كُلِّ عَيْنٍ إلَى الْمَقْصُودِ اللَاّئِقِ بِهَا، لأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ لُغَةً وَعُرْفًا.

وَقِيلَ: لا عُمُومَ لَهُ أَصْلاً 5وَتُوصَفُ الْعَيْنُ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ حَقِيقَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا6 وَمَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ7، نَقَلَهُ8 الْبِرْمَاوِيُّ عَنْهُمْ فِي كَلامِهِ عَلَى الرُّخْصَةِ.

وَقَالَ التَّمِيمِيُّ وَالشَّافِعِيَّةُ9 وَصْفُ الْعَيْنِ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ مَجَازٌ.

وَرَدَّهُ ابْنُ مُفْلِحٍ وَقَالَ بَلْ تُوصَفُ الْعَيْنُ10 بِالْحِلِّ وَالْحَظْرِ حَقِيقَةً فَهِيَ مَحْظُورَةٌ عَلَيْنَا وَمُبَاحَةٌ لِوَصْفِهَا بِطَهَارَةٍ11 وَنَجَاسَةٍ وَطِيبٍ وَخَبَثٍ فَالْعُمُومُ فِي لَفْظِ التَّحْرِيمِ اهـ.

1 انظر المسودة ص95، روضة الناظر ص 181.

2 روضة الناظر ص 181.

3 المنهاج في ترتيب الحجاج للباجي ص103، شرح تنقيح الفصول ص 276، مختصر ابن الحاجب وشرح العضد عليه 2/159.

4 في ش: العلماء المعتزلة.

5 ساقطة من ش.

6 المسودة ص 93.

7 كشف الأسرار 2/106، أصول السرخسي 1/195، فواتح الرحموت 2/34.

8 في ع ض ب: ونقله.

9 نهاية السول 2/146.

10 ساقطة من د.

11 في ع: لطهارة.

ص: 422

"وَلا"1 إجْمَالَ فِي {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} 2 عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ3؛ لأَنَّ الْبَاءَ لِلإِلْصَاقِ، وَمَعَ الظُّهُورِ لا إجْمَالَ.

وَقِيلَ: 4مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مَسْحِ الْكُلِّ وَالْبَعْضِ5 وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ6.

قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَغَيْرُهُ: وَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الإِجْمَالِ فَرِيقَانِ:

الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ قَالُوا: إنَّهُ بِوَضْعِ حُكْمِ اللُّغَةِ ظَاهِرٌ فِي مَسْحِ جَمِيعِ الرَّأْسِ؛ لأَنَّ الْبَاءَ حَقِيقَةٌ فِي الإِلْصَاقِ، وَقَدْ أَلْصَقَتْ الْمَسْحَ بِالرَّأْسِ7، وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّهِ8، لا لِبَعْضِهِ، لأَنَّهُ لا يُقَالُ لِبَعْضِ الرَّأْسِ رَأْسٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا مَسْحَ جَمِيعِهِ.

وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ وَالْبَاقِلَاّنِيّ، وَابْنِ جِنِّي9 كَآيَةِ التَّيَمُّمِ10، يَعْنِي قَوْله

1 ساقطة من ش.

2 الآية 6 من المائدة.

3 انظر "المحصول?1ق3/ 247، المسودة ص178، الإحكام للآمدي 3/14، شرح العضد 2/159، نهاية السول 2/147، المعتمد 1/334، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59، الآيات البينات 3/109، إرشاد الفحول ص170، فواتح الرحموت 2/35 وما بعدها، مناهج العقول 2/146".

4 في ش: يحتمل.

5 وإذا ظهر الاحتمال يثبت الإجمال. "المحصول ?1ق3/ 246".

6 حكاية القول بالإجمال في هذه الآية عن الحنفية غير مسلمة، لأن القائل بالإجمال بعض الحنفية خلافاً لمذهبهم ورأي جمهورهم.

قال ابن عبد الشكور في مسلم الثبوت "2/35": "مسألة: لا جمال في {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} خلافاً لبعض الحنفية". ثم رد على بعض القائلين بالإجمال أدلتهم وحججهم ونقضها.

وقال ابن الهمام في التحرير: "لا جمال في {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} خلافاً لبعض الحنفية، لأنه لو لم يكن في مثله عرف يصحح إرادة البعض كمالك". "تيسير التحرير 1/167".

7 في ش: للرأس.

8 في ض: لكل.

9 انظر الإحكام للآمدي 3/14، المحصول ?1ق3/247، شرح العضد 2/159، إرشاد الفحول ص 170.

10 في ش: اليتيم.

ص: 423

سبحانه وتَعَالَى: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} 1.

وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ عُرْفَ الاسْتِعْمَالِ الطَّارِئِ عَلَى الْوَضْعِ يَقْتَضِي إلْصَاقَ الْمَسْحِ بِبَعْضِ الرَّأْسِ2، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ وَافَقَهُ3.

"وَلا" إجْمَالَ "فِي" قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ" 4 عِنْدَ الْجُمْهُورِ5.

وَقِيلَ: مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ نَفْيِ الصُّورَةِ وَالْحُكْمِ. وَأَيْضًا إذَا لَمْ يَكُنْ نَفْيُ الْمَذْكُورِ مُرَادًا فَلا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ لِمُتَعَلِّقِ الرَّفْعِ. وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ فَحَصَلَ الإِجْمَالُ6.

وَأُجِيبَ عَنْ الأَوَّلِ: بِأَنَّ نَفْيَ الصُّورَةِ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا، لِمَا فِيهِ مِنْ نِسْبَةِ كَلامِهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْكَذِبِ وَالْخُلْفِ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الْحُكْمِ.

وَعَنْ الثَّانِي -وَهُوَ احْتِمَالُ الْمُضْمَرَاتِ- بِأَنَّهُ قَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى الْمُرَادِ، إمَّا

1 الآية 6 من المائدة.

2 ولهذا فإنه إذا قال شخص لغيره"امسح يدك بالمنديل" لا يفهم أحد من أهل اللغة أنه أوجب عليه إلصاق يده بجميع المنديل، بل إن شاء يكله وإن شاء ببعضه.. ولهذا فإنه يخرج عن العهدة بكل واحد منها. وكذلك إذا قال "مسحت يدي بالمنديل" فالسامعون يجوزون أنه مسح بكله وببعضه، غير فاهمين لزوم وقع المسح بالكل أو بالبعض، بل بالقدر المشترك بين الكل والبعض، وهو مطلق المسح. "الإحكام للآمدي 3/14، وانظر المحصول?1ق3/ 247".

3 انظر أحكام القرآن للشافعي 1/44، أحكام القرآن للكيا الهراسي 3/85، شرح العضد 2/159، الإحكام للآمدي 3/14، المحصول ?1ق3/ 247.

4 سبق تخريجه في? 1 ص 512.

5 انظر "المحصول?1ق3/ 257، روضة الناظر ص 183، مختصر الطوفي ص117، المستصفى 1/348، الإحكام للآمدي 3/15، شرح العضد 2/159، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/60، الآيات البينات 3/110، إرشاد الفحول ص171، اللمع ص29، فواتح الرحموت 2/38، أصول السرخسي 1/251، مناهج العقول 2/143، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص285 وما بعدها، نهاية السول 2/145.

6 المعتمد للبصري 1/336، شرح تنقيح الفصول ص277.

ص: 424

بِالْعُرْفِ أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا سَبَقَ فِي {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ 1 الْمَيْتَةُ} 2.

"وَلا" إجْمَالَ "فِي آيَةِ السَّرِقَةِ" وَهِيَ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} 3 فِي اخْتِيَارِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ4، لأَنَّ "الْيَدَ" حَقِيقَةٌ إلَى5 الْمَنْكِبِ، وَلِصِحَّةِ إطْلاقِ بَعْضِ الْيَدِ لِمَا دُونَهُ، وَالْقَطْعُ حَقِيقَةٌ فِي إبَانَةِ الْمَفْصِلِ، فَلا إجْمَالَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا، فَإِطْلاقُهَا إلَى الْكُوعِ مَجَازٌ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى إرَادَتِهِ فِي الآيَةِ، وَهُوَ فِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ6 وَالإِجْمَاعُ7.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: الإِجْمَالُ فِي "الْيَدِ" وَفِي "الْقَطْعِ" لأَنَّ "الْيَدَ" تُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ إلَى الْكُوعِ، وَعَلَى مَا هُوَ إلَى الْمَنْكِبِ، وَعَلَى مَا هُوَ إلَى الْمَرْفِقِ، فَتَكُونُ8 مُشْتَرَكًا، وَهُوَ مِنْ الْمُجْمَلِ، وَ "الْقَطْعُ" يُطْلَقُ عَلَى الإِبَانَةِ، وَعَلَى الْجُرْحِ فَيَكُونُ مُجْمَلاً.

1 ساقطة من ش.

2 الآية 3 من المائدة.

3 الآية 38 من المائدة.

4 انظر" المسودة ص101، نهاية السول 2/148،العدة1/149، المحصول ?1ق3/ 256، الإحكام للآمدي 3/19، شرح العضد 2/160، المعتمد 1/336، التمهيد للأسنوي ص132، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/59، الآيات البينات 3/108، إرشاد الفحول ص170، فواتح الرحموت 2/39، مناهج العقول2/147.

5 في ش: في.

6 حيث روى الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده -في سارق رداء صفوان بن أمية- أن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمر بقطعه من المفصل". "سنن الدارقطني 3/205" وأخرج ابن عدي من حديث عبد الله بن عمرو قال: "قطع النبي صلى الله عليه وسلم سارقاً من المفصل". "الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/111".

7 قال ابن قدامة: "وقد روي عن أبي بكر الصديق وعمر رضي الله عنهما أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يمينه من الكوع. ولا مخالف لهما في الصحابة". فكان إجماعاًسكوتياً "انظر المغني 10/264".

8 في ع ض ب: فيكون.

ص: 425

وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لُغَوِيَّةٌ، وَ "الْيَدُ" حَقِيقَةٌ إلَى الْمَنْكِبِ، وَ "الْقَطْعُ" حَقِيقَةٌ فِي الإِبَانَةِ وَظَاهِرٌ فِيهِمَا.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ تَيَمَّمْتَ1 الصَّحَابَةُ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَنَاكِبِ2.

وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا فِي الْكُوعِ وَالْمَرْفِقِ وَالْمَنْكِبِ لَزِمَ الإِجْمَالُ، وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْهُ، عَلَى مَا سَبَقَ.

وَاسْتَدَلَّ لِلثَّانِي بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ3 الاشْتِرَاكَ وَالتَّوَاطُؤَ وَحَقِيقَةَ أَحَدِهِمَا، وَوُقُوعُ4 وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ أَقْرَبُ مِنْ الإِجْمَالِ.

"وَلا" إجْمَالَ أَيْضًا "فِي" قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} 5 عِنْدَ الأَكْثَرِ6.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَلْوَانِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ7.

وَلِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى الْقَوْلانِ8.

1 في ش: تيمم.

2 انظر أحكام القرآن للجصاص 2/387 وما بعدها، أحكام القرآن للكيا الهراسي 3/113.

3 في ع: يحمل.

4 في ع: وقوع.

5 الآية 275 من البقرة.

6 انظر المسودة ص 178، روضة الناظر ص182، مختصر الطوفي ص117، التبصرة ص200،اللمع ص28.

7 أدب القاضي للماوردي 1/293، التبصرة ص200، اللمع ص28.

وممن قال بالإجمال في الآية أيضاً الحنيفة. "انظر كشف الأسرار 1/54، أصول السرخسي 1/168، التلويح على التوضيح 1/127".

8 فقد ذكر في كتابه "العدة""1/110" أن هذه الآية غير مجملة، ولا تفتقر إلى بيان. ثم ذكر فيه "1/148" أنها من المجمل.

ص: 426

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ، وَمَنْشَأُ الْخِلافِ: أَنَّ "أَلْ" الَّتِي فِي "الْبَيْعِ" هَلْ هِيَ لِلشُّمُولِ أَوْ عَهْدِيَّةٌ، أَوْ لِلْجِنْسِ مِنْ غَيْرِ اسْتِغْرَاقٍ، أَوْ مُحْتَمِلَةٌ؟ اهـ.

قَالَ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} 1 عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: عَامٌّ خَصَّصَتْهُ السُّنَّةُ.

وَالثَّانِي: مُجْمَلٌ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ2.

وَهُنَا سُؤَالٌ، وَهُوَ: أَنَّ اللَّفْظَ فِي كُلٍّ مِنْ الآيَتَيْنِ3 مُفْرَدٌ مُعَرَّفٌ، فَإِنْ عَمَّ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ فَلْيَعُمَّ فِي الاثْنَيْنِ4، أَوْ الْمَعْنَى فَلْيَعُمَّ فِيهِمَا أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَعُمَّ لا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ وَلا الْمَعْنَى فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ، مَعَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي آيَةِ الْبَيْعِ: الْعُمُومُ، وَفِي آيَةِ الزَّكَاةِ: الإِجْمَالُ.

وَجَوَابُهُ: أَنَّ5 فِي ذَلِكَ سِرًّا6، وَهُوَ أَنَّ حِلَّ الْبَيْعِ عَلَى وَفْقِ الأَصْلِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الْحِلُّ، وَالْمَضَارِّ الْحُرْمَةُ بِأَدِلَّةٍ شَرْعِيَّةٍ، فَمَهْمَا حُرِّمَ الْبَيْعُ فَهُوَ7 خِلافُ الأَصْلِ.8

وَأَمَّا الزَّكَاةُ: فَهِيَ خِلافُ الأَصْلِ، لِتَضَمُّنِهَا أَخْذَ مَالِ الْغَيْر9ِ بِغَيْرِ إرَادَتِهِ، فَوُجُوبُهَا عَلَى خِلافِ الأَصْلِ، وَالأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي الْبَابِ مُشْعِرَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى.

1 الآية 43 من البقرة، وقد ودرت في مواطن أخرى من الكتاب العزيز.

2 أنظر خلاف الأصوليين في الآية في "التبصرة ص198، الإحكام للآمدي 3/11، أدب القاضي للماوردي 1/297، اللمع ص28".

3 في ش: الآيتين.

4 في ش: الآيتين.

5 في ش: أنهما.

6 في ش: سواء.

7 في ب: فهي.

8 ساقطة من ب.

9 في ز: ماللغير.

ص: 427

فَلِذَلِكَ اعْتَنَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَيَانِ الْمُبَايَعَاتِ الْفَاسِدَةِ كَالنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ1، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُلامَسَةِ2، وَغَيْرِ ذَلِكَ، بِخِلافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَنِ فِيهَا بِبَيَانِ مَا لا زَكَاةَ فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى وُجُوبَهَا فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ -كَالرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ- فَقَدْ ادَّعَى حُكْمًا عَلَى خِلافِ الدَّلِيلِ.

وَأَمَّا تَرَدُّدُ الشَّافِعِيِّ فِي آيَةِ الْبَيْعِ: هَلْ الْمُخَصِّصُ أَوْ الْمُبَيِّنُ لَهَا الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ، دُونَ الزَّكَاةِ؟ فَلأَنَّهُ تَعَالَى3 عَقَّبَهُ4 عَلَى الْبَيْعِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَحَرَّمَ الرِّبَا} 5 وَالرِّبَا6 مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ اللُّغَوِيَّةِ7، وَلَمْ يُعَقِّبْ آيَةَ الزَّكَاةِ بِشَيْءٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

1 حديث النهي عن بيع حبل الحبلة أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ عن ابن عمر رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 3/93، صحيح مسلم 3/1153، بذل المجهود 15/38، عارضة الأحوذي 5/236، سنن النسائي 7/257، سنن ابن ماجه 2/740، الموطأ2/653، شرح السنة للبغوي 8/136".

2 حديث النهي عن بيع المنابذة والملامسة أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي ومالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه وأخرجه أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "انظر صحيح البخاري 3/92، صحيح مسلم 3/1151، بذل المجهود 15/36، عارضة الأحوذي 6/45، سنن النسائي 7/228، الموطأ 2/666، شرح السنة للبغوي 8/129".

3 ساقطة من ع ز ض ب.

4 في ش: عقب.

5 الآية 275 من البقرة.

6 ساقطة من ش.

7 قال الشافعي في كتابه "أحكام القرآن""1/135": قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} فاحتمل إحلال الله البيع معنيين "أحدهما" أن يكون أحل كل بيع تبايعه المتابيعان -جائزي الأمر فيما تبايعاه- عن تراض منها. وهذا أظهر معانيه. "والثاني" أن يكون الله أحل البيع إذا كان مما لم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم المبين عن الله معنى ما أراد فيكون هذا من الجملة التي أحكم الله فرضها بكتابه وبين كيف هي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. أو من العام الذي أراد به الخاص، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أريد بإحلاله منه وما حرم، أو يكون داخلاً فيمها. أو من العام الذي أباحه إلا ما حرم على لسان نبيه منه ومافي معناه. كما كان الضوء فرضاً على كل متوضىء لاخفين عليه لبسهما على كمال الطهارة. وأي هذه المعاني كان فقد ألزمه الله خلقه بما فرض من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيوع تراضى بها المتابيعان استدللنا على أن الله أراد بما أحل من البيوع ما لم يدل على تحريمه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم دون ما حرم على لسانه".

وقال الجويني في "البرهان""1/422": "تردد جواب الشافعي في أن قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} من المجملات. وسبب تردده أن لفظ الربا مجمل، وهو مذكور في حكم الاستثناء عن البيع، والمجهول إذا استثني من المعلوم انسحب على الكلام كله إجمال".

ص: 428

"وَلا" إجْمَالَ أَيْضًا "فِي" قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لا صَلاةَ إلَاّ بِطُهُورٍ" 1 "وَنَحْوُهُ" كَ "لا صَلاةَ إلَاّ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ" 2 "لا نِكَاحَ إلَاّ بِوَلِيٍّ" 3 "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ"4.

وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ وَنَحْوِهَا مِمَّا فِيهِ نَفْيُ ذَوَاتٍ وَاقِعَةٍ: تَتَوَقَّفُ5 الصِّحَّةُ فِيهَا عَلَى إضْمَارِ شَيْءٍ.

فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً6، بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِثُبُوتِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ.

1 رواه بلفظ "لا صلاة" الدال على نفي العبادة لفوات أحد شروطها وهو الطهارة -وهو موطن الاستشهاد في المسألة- أبو داود وابن ماجه والدارقطني والطبراني والحاكم. "انظر بذل المجهود-/148-المستدرك1/146، سنن ابن ماجه 1/140، سنن الدارقطني 1/73، تخريج أحاديث المناهج للعراقي ص291، 295". وقد مر الحديث من قبل بلفظ "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" مع تخريجه في? 1 ص 471.

2 رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عبادة بن الصامت مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 1/192، صحيح مسلم1/295، بذل المجهود 5/42، عارضة الأحوذي 2/46، سنن النسائي2/106، سنن ابن ماجه 1/273، جامع الأصول 6/223".

3 سبق تخريجه في? 2 ص 551.

4 سبق تخريجه في? 2 ص 210.

5 في ش: توقف.

6 انظر "المحصول?1ق3/ 249، روضة الناظر ص182، مختصر الطوفي ص117، نشر البنود 1/275، نهاية السول 2/144، المناهج في ترتيب الحجاج ص 103، المسودة ص 107، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص117، المعتمد 1/335، المستصفى 1/351، الإحكام للآمدي 3/17، شرح العضد 2/160، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/ 59، الآيات البينات 3/110، شرح تنقيح الفصول ص276، إرشاد الفحول ص170، اللمع ص 28، فواتح الرحموت 2/38،التبصرة ص 203، مناهج العقول 2/143".

ص: 429

فَإِنَّهُ إذَا اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ صَحَّ نَفْيُهُ حَقِيقَةً، لأَنَّ الشَّرْعِيَّ هُوَ1 تَامُّ الأَرْكَانِ مُتَوَفِّرُ الشُّرُوطِ، وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم لِلْمُسِيءِ فِي صَلاتِهِ:"ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ" 2 وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ النَّفْيِ نَفْيَ الْحَقِيقَةِ، فَلا يَحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ. فَلا إجْمَالَ.

"وَيَقْتَضِي ذَلِكَ" وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ3 مُجْمَلاً "نَفْيَ الصِّحَّةِ"4.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَجْهُ عَدَمِ الإِجْمَالِ: أَنَّ عُرْفَ الشَّارِعِ5 فِيهِ نَفْيُ الصِّحَّةِ أَيْ6 لا عَمَلٌ شَرْعِيٌّ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِعُرْفِ اللُّغَةِ، نَحْوُ:"لا عِلْمَ إلَاّ مَا نَفَعَ"، وَ "لا بَلَدَ إلَاّ بِسُلْطَانٍ" و "َلا حُكْمَ إلَاّ لِلَّهِ"7.

وَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُهَا، وَأَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ إضْمَارٍ، فَنَفْيُ الصِّحَّةِ أَوْلَى، لأَنَّهُ يَصِيرُ كَالْعَدَمِ، فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ الْمُتَعَذِّرَةِ، وَلَيْسَ هَذَا إثْبَاتًا لِلُّغَةِ بِالتَّرْجِيحِ، بَلْ إثْبَاتًا8 لأَوْلَوِيَّةِ9 أَحَدِ الْمَجَازَاتِ، كَالصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ وَالإِجْزَاءِ بِعُرْفِ اسْتِعْمَالٍ10. اهـ.

1 ساقطة من ش.

2 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم. "انظر صحيح البخاري 1/201، صحيح مسلم 1/298، بذل المجهود 5/117، عارضة الأحوذي 2/95، سنن النسائي 3/50، سنن ابن ماجه 1/336، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/143".

3ساقطة من ش.

4 انظر المسودة ص 107.

5 في ض: الشرع.

6 في ض: أو.

7 وكل ذلك نفي لما لاينتفي، وهو صدق، لأن المراد منه نفي مقاصده. "المستصفى 1/354".

8 في ش: اثباتاً.

9 في ض: لأولية.

10في ز: استعماله.

ص: 430

وَقِيلَ: إنَّهُ مُجْمَلٌ. لأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ. وَقِيلَ: لأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى نَفْيِ الصُّورَةِ بَاطِلٌ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ، وَالأَحْكَامُ مُتَسَاوِيَةٌ.

"وَعُمُومُهُ مِنْ الإِضْمَارِ" أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى دَلالَةِ الإِضْمَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ دَلالَةِ الاقْتِضَاءِ، وَالإِضْمَارُ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَقِيلَ: عَامٌّ فِي نَفْيِ الْوُجُودِ وَالْحُكْمِ.

وَقِيلَ: عَامٌّ فِي نَفْيِ الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ.

"وَمِثْلُهُ" أَيْ مِثْلُ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لا صَلاةَ إلَاّ بِطُهُورٍ" وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ"1.

قَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ: قَالَ 2صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" مِنْ هَذَا الْبَابِ، لأَنَّ الأَعْمَالَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرَهُ مَحْذُوفٌ.

وَاخْتَلَفُوا: هَلْ هُوَ الصِّحَّةُ؟ فَيَكُونَ التَّقْدِيرُ3: إنَّمَا الأَعْمَالُ صَحِيحَةٌ، أَوْ الْكَمَالُ؟ فَيَكُونَ تَقْدِيرُهُ: إنَّمَا الأَعْمَالُ كَامِلَةٌ.

قَالَ: وَالأَظْهَرُ إضْمَارُ الصِّحَّةِ.

"وَمَا اُسْتُعْمِلَ" أَيْ وَأَيُّ لَفْظٍ اُسْتُعْمِلَ "لِمَعْنًى" وَاحِدٍ "تَارَةً" وَاسْتُعْمِلَ "لآخَرِينَ4" تَارَةً "أُخْرَى، وَلا ظُهُورَ" فِي وَاحِدٍ مِنْهَا5 مُجْمَلٌ فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَصْحَابِنَا، وَقَالَهُ الْغَزَالِيُّ6

1انظر المسودة ص 107، روضة الناظر ص 183. والحديث سبق تخريجه في ?1 ص 491.

2 في ش: قال.

3 في ش: التقدير.

4 في ش: في آخر.

5 في ش: احد.

6 المستصفى 1/355.

ص: 431

وَابْنُ الْحَاجِبِ1 وَجَمْعٌ2.

وَقَالَ الآمِدِيُّ: ظَاهِرٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ3، وَحَكَاهُ عَنْ الأَكْثَرِ4.

وَجْهُ إجْمَالِهِ: تَرَدُّدُهُ بَيْنَ الْمَعْنَى وَالْمَعْنَيَيْنِ، وَمَحِلُّهُ: إذَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ.

وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنْ يُنْظَرَ: إنْ كَانَ الْمَعْنَى أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ عُمِلَ بِهِ جَزْمًا، لِوُجُودِهِ فِي الاسْتِعْمَالَيْنِ، وَيُوقَفُ الآخَرُ لِلتَّرَدُّدِ فِيهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ التَّاجِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ5.

قَالَ الْمَحَلِّيُّ: هَذَا مَا ظَهَرَ لَهُ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ مُرَادُهُمْ أَيْضًا6.

ثُمَّ قَالَ: مِثَالُ الأَوَّلِ: حَدِيثٌ رَوَاهُ7 مُسْلِمٌ8 "لا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلا يُنْكَحُ" بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ، فَإِنَّهُ إنَّ حُمِلَ عَلَى الْوَطْءِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ9 مَعْنًى وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لا يَطَأُ وَلا يُوطَأُ أَيْ لا يُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ وَطْئِهِ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْعَقْدِ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ مَعْنَيَانِ بَيْنَهُمَا قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ، وَهُوَ أَنَّ الْمُحْرِمَ لا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ وَلا يَعْقِدُ لِغَيْرِهِ.

1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/161.

2 انظر إرشاد الفحول ص171، فواتح الرحموت 2/40ـ نهاية السول 2/160.

3 في الإحكام: ما يفيد معنيين. وفي ش: المعينين. وفي ز: المعنى.

4 الإحكام في أصول الأحكام للآمدي 3/21.

5 جمع الجوامع مع شرحه للمحلي وحاشية البناني 2/65.

6 المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/65.

7ساقطة من شرح المحلي.

8 انظر صحيح مسلم 2/1230.

9 في ش: به.

ص: 432

وَمِثَالُ الثَّانِي: حَدِيثُ مُسْلِمٍ1 أَيْضًا "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا" أَيْ بِأَنْ تَعْقِدَ لِنَفْسِهَا أَوْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّهَا فَيَعْقِدَ لَهَا وَلا يَجْبُرْهَا، وَقَدْ قَالَ بِصِحَّةِ2 عَقْدِهَا لِنَفْسِهَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَبَعْضُ3 أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ4، لَكِنْ إذَا كَانَتْ فِي مَكَان لا وَلِيَّ فِيهِ وَلا5 حَاكِمَ6.

"وَمَا لَهُ" أَيْ وَأَيُّ لَفْظٍ لَهُ "مُجْمَلٌ7" لُغَةً وَشَرْعًا، كَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلاةٌ" 8 فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَالصَّلاةِ فِي الأَحْكَامِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلاةٌ لُغَةً، لأَنَّ مَعْنَاهَا لُغَةً: الدُّعَاءُ، فَسُمِّيَ صَلاةً، لِمَا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ.

فَعِنْدَ9 أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ10: يُحْمَلُ عَلَى الْمَحْمَلِ الشَّرْعِيِّ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بُعِثَ لِتَعْرِيفِ الأَحْكَامِ لا اللُّغَةِ11، وَفَائِدَةُ التَّأْسِيسِ أَوْلَى.

وَأَيْضًا لَيْسَ فِي الطَّوَافِ حَقِيقَةً الصَّلاةُ الشَّرْعِيَّةُ، فَكَانَ مَجَازًا.

وَالْمُرَادُ: أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّلاةِ فِي الطَّهَارَةِ وَالنِّيَّةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا12.

1 صحيح مسم 2/1037.

2 ساقطة من شرح المحلي.

3 في شرح المحلي: وكذلك بعض.

4 في شرح المحلي: أصحابنا.

5 في ز: ولا حكم.

6 المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/65 وما بعدها.

7 في ش: مجمل.

8 سبق تخريجه في ص104 من هذا الجزء.

9 في ع: وعتد.

10 انظر" الإحكام للآمدي 3/22، شرح العضد 2/161، إرشاد الفحول ص 172، نهاية السول 2/161، الآيات البينات 3/115، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/63 ومابعدها".

11 في ش: للغه.

12 في ش: وغيرها.

ص: 433

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ "إلَاّ أَنَّ اللَّهَ أَحَلَّ 1 فِيهِ الْكَلامَ" فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَوْنُهُ صَلاةً فِي الْحُكْمِ إلَاّ مَا اُسْتُثْنِيَ، وَلأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ الْمُسَمَّى الشَّرْعِيُّ لِلَّفْظِ حَقِيقَةً رُدَّ إلَيْهِ بِتَجَوُّزٍ، مُحَافَظَةً عَلَى الشَّرْعِيِّ مَا أَمْكَنَ.

وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ مُجْمَلٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ وَالْمُسَمَّى اللُّغَوِيِّ2.

أَوْ3 يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، تَقْدِيمًا لِلْحَقِيقَةِ عَلَى الْمَجَازِ.

وَكَالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:

"أَوْلَهُ4 حَقِيقَةٌ لُغَةً وَشَرْعًا، فَلِلشَّرْعِيِّ5" يَعْنِي أَنَّ خِطَابَ الشَّرْعِ6 إذَا وَرَدَ بِلَفْظٍ لَهُ حَقِيقَةٌ فِي اللُّغَةِ وَحَقِيقَةٌ فِي الشَّرْعِ، كَالْوُضُوءِ وَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ7 عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ8.لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَبْعُوثٌ لِبَيَانِ الشَّرْعِيَّاتِ، وَلأَنَّهُ كَالنَّاسِخِ الْمُتَأَخِّرِ. فَيَجِبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ.

1 ساقطة من ض.

2 المستصفى 1/357.

3 في ش: و.

4 ساقطة من ش.

5 في ش: فالشرعي.

6 في ش: الخطاب الشرعي.

7 في ض ب: الشرعي.

8 انظر" المسودة ص177، التبصرة ص195، نهاية السول 1/311، الإحكام للآمدي 3/23، شرح العضد 2/161، إرشاد الفحول ص172، المستصفى 1/358، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/63، الآيات البينات 3/115، فواتح الرحموت 2/41، شرح تنقيح الفصول ص 112، 114، التمهيد للأسنوي ص61، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ص123، مناهج العقول 1/309".

ص: 434

وَلِذَلِكَ ضَعَّفُوا حَمْلَ حَدِيثِ: "مَنْ أَكَلَ لَحْمَ جَزُورٍ فَلْيَتَوَضَّأْ 1 " عَلَى التَّنْظِيفِ بِغَسْلِ الْيَدِ، وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ2 التَّوَضُّؤَ3 مِنْهُ لِضَعْفِ الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِذَلِكَ.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: هَذَا أَرْجَحُ الْمَذَاهِبِ فِي الْمَسْأَلَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ، إلَاّ أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إرَادَةِ الشَّرْعِيِّ.

قَالَ: لأَنَّ الشَّرْعِيَّ مَجَازٌ. وَالْكَلامُ لِحَقِيقَتِهِ4، حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ5 عَلَى الْمَجَازِ.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ، وَإِلَى اللُّغَةِ مَجَازٌ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ لا لَهُ.

وَقِيلَ: 6هُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ7 مُجْمَلٌ8.

"فَ" عَلَى الْقَوْلِ الأَوَّلِ "إنْ تَعَذَّرَ" الْحَمْلُ عَلَى9 الشَّرْعِيِّ "فَالْعُرْفِيِّ" أَيْ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرْفِيِّ، لأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ إلَى الْفَهْمِ، وَلِهَذَا اعْتَبَرَ الشَّارِعُ الْعَادَاتِ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ.

1 أخرجه مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه مرفوعاً، وأخرجه أبو داود والترمذي وأحمد في مسنده عن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعاً "انظر صحيح مسلم 1/275، بذل المجهود 2/94، عارضة الأحوذي 1/133، مسند أحمد 4/288، 4/303".

2 شرح النووي على صحيح مسلم 4/49.

3 في ش: الوضوء.

4 في ش: على الحقيقة. وفي ع: للحقيقة. وفي ض: حقيقة. وفي ب: الحقيقة.

5 في ش: دليل عليه لا له.

6 ساقطة من ش.

7 في ش: أي.

8 انظر العدة 1/143، المسودة ص 177.

9 ساقطة من ش.

ص: 435

فَإِنْ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ عَلَى الْعُرْفِيِّ "فَاللُّغَوِيِّ" يَعْنِي فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ، كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلّ"1.

حَمَلَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي2 وَالشَّرْحِ3 وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَعْنَى "فَلْيَدَعْ".

وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ: مَا رَوَى أَبُو دَاوُد4 "فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدَعْ" وَيَكُونُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُرَادُهُ اللُّغَةُ.

فَإِنْ تَعَذَّرَ أَيْضًا الْحَمْلُ عَلَى اللُّغَوِيِّ "فَالْمَجَازِ5" يَعْنِي فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ، لأَنَّ الْكَلامَ إمَّا حَقِيقَةٌ وَإِمَّا مَجَازٌ، وَقَدْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَمَا بَقِيَ إلَاّ الْمَجَازُ فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ6، وَالأَقْوَالُ السَّابِقَةُ فِي7 مَجَازٍ مَشْهُورٍ وَحَقِيقَةٍ لُغَوِيَّةٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

1 رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأبو داود عن ابن عمر رضي عنه. "انظر صحيح مسلم 2/1054، بذل المجهود 16/67"، وقد روى البخاري ومالك في الموطأ الشطر الأول منه عن ابن عمر رضي الله عنه:"إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها". "انظر صحيح البخاري 7/31، الموطأ 2/546".

2 المغني 8/108.

3 الشرح الكبير على المقنع 8/109.

4 بذل المجهود 16/68.

5 في ش: فالجازي.

6انظر المحصول?1ق1/ 577، مناهج العقول 1/309 وما بعدها، نهاية السول 1/311 وما بعدها.

7 في ع: المجاز مشهوره.

ص: 436