المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب الظاهر: "الظَّاهِرِ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ خِلافُ الْبَاطِنِ1، وَهُوَ "الْوَاضِحُ" - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ٣

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌باب الأمر

- ‌فصل الأمر حقيقة في الوجوب

- ‌باب النهي:

- ‌باب العام:

- ‌فصل العام بعد تخصيصه:

- ‌فصل إطلاق جمع المشترك على معانيه

- ‌فَصْلٌ لَفْظُ الرِّجَالِ وَالرَّهْطِ لا يَعُمُّ النِّسَاءَ وَلا الْعَكْسَ:

- ‌فصل القران بين شيئين لفظا لا يقتضي التسوية بينهما حكما

- ‌باب التخصيص:

- ‌فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ

- ‌فصل المخصص المتصل الثالث الصفة

- ‌فصل المخصص المتصل الرابع الغاية:

- ‌فصل تخصيص الكتاب ببعضه وتخصيصه بالسنة مطلقا

- ‌فصل تقديم الخاص على العام مطلقا

- ‌باب المطلق:

- ‌بَابُ الْمُجْمَلِ:

- ‌بَابُ الْمُبَيَّنِ:

- ‌باب الظاهر:

- ‌بَابُ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ:

- ‌فصل إذا خص نوع بالذكر مما لا يصح لمسكوت عنه فله مفهوم:

- ‌فَصْلٌ: كَلِمَةُ إنَّمَا:

- ‌بَابٌ النسخ:

- ‌فصل يجوز نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخهما معا:

- ‌فَصْلٌ يَسْتَحِيلُ تَحْرِيمُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى:

الفصل: ‌ ‌باب الظاهر: "الظَّاهِرِ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ خِلافُ الْبَاطِنِ1، وَهُوَ "الْوَاضِحُ"

‌باب الظاهر:

"الظَّاهِرِ لُغَةً" أَيْ فِي اللُّغَةِ خِلافُ الْبَاطِنِ1، وَهُوَ "الْوَاضِحُ" الْمُنْكَشِفُ.

وَمِنْهُ ظَهَرَ2 الأَمْرُ: إذَا اتَّضَحَ وَانْكَشَفَ3، وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الشَّاخِصِ الْمُرْتَفِعِ4، كَمَا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الأَشْخَاصِ: هُوَ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي تَبَادَرُ إلَيْهِ الأَبْصَارُ كَذَلِكَ فِي الْمَعَانِي.

"وَ" الظَّاهِرُ "اصْطِلاحًا"5 أَيْ فِي اصْطِلاحِ الأُصُولِيِّينَ6 "مَا" أَيْ لَفْظٌ "دَلَّ دَلالَةً ظَنِّيَّةً وَضْعًا7" كَأَسَدٍ "أَوْ عُرْفًا" كَغَائِطٍ8.

1 لسان العرب 4/523.

2في ش ز: ظهور.

3 معجم مقاييس اللغة 3/471، المصباح المنير 1/459.

4 لسان العرب 4/524.

5 انظر تعريفات الأصوليين للظاهر في "المسودة ص574، البرهان 1/416، الإشارات للباجي ص8، العدة 1/140، الحدود للباجي ص43، التعريفات للجرجاني ص76، شرح العضد 2/168، تيسير التحرير 1/136، أدب القاضي للماوردي 1/616، الإحكام للآمدي 3/52، الآيات البينات 3/98، حاشية البناني 2/52، فتح الغفار 1/112، إرشاد الفحول ص175، التلويح على التوضيح 1/124، كشف الأسرار 1/46، المستصفى 1/384، فواتح الرحموت 2/19، روضة الناظر ص178، مختصر الطوفي ص42، شرح تنقيح الفصول ص37، اللمع ص27، أصول السرخسي 1/163، شرح الحطاب على الورقات ص112".

6 في ش ز: علماء الأصول.

7 في ش: وصفاً.

8 أي للخارج المستقذر إذ غلب فيه بعد أن كان في الأصل للمكان المطمئن من الأرض. "شرح العضد 2/168".

ص: 459

فَالظَّاهِرُ الَّذِي يُفِيدُ مَعْنًى مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ، لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، فَبِسَبَبِ ضَعْفِهِ خَفِيَ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ اللَّفْظُ لِدَلالَتِهِ1 عَلَى مُقَابِلِهِ -وَهُوَ الْقَوِيُّ- ظَاهِرًا.

كَالأَسَدِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الرَّجُلُ الشُّجَاعُ مَجَازًا، لَكِنَّهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ2.

وَالْكَلامُ فِي دَلالَةِ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ لِيَخْرُجَ الْمُجْمَلُ مَعَ الْمُبَيَّنِ؛ لأَنَّهُ -وَإِنْ أَفَادَ مَعْنًى لا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ- فَإِنَّهُ لا يُسَمَّى مِثْلُهُ نَصًّا.

"وَالتَّأْوِيلُ لُغَةً: الرُّجُوعُ" وَهُوَ مِنْ آلَ يَئُولُ: إذَا رَجَعَ3.وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} 4 أَيْ طَلَبَ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مَعْنَاهُ، وَهُوَ مَصْدَرُ أَوَّلْت الشَّيْءَ، أَيْ5 فَسَّرْته، مِنْ آلَ إذَا رَجَعَ6؛ لأَنَّهُ رُجُوعٌ مِنْ الظَّاهِرِ إلَى ذَلِكَ الَّذِي آلَ إلَيْهِ فِي دَلالَتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلَاّ تَأْوِيلَهُ} 7 أَيْ مَا يَئُول إلَيْهِ بَعْثُهُمْ8 وَنُشُورُهُمْ9.

وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ "التَّأْوِيلُ" فِي الْمَعَانِي وَأَكْثَرُهُ فِي الْجُمَلِ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ "التَّفْسِيرُ" فِي الأَلْفَاظِ، وَأَكْثَرُهُ فِي الْمُفْرَدَاتِ.

"وَ" التَّأْوِيلُ "اصْطِلاحًا: حَمْلُ" مَعْنًى "ظَاهِرِ" اللَّفْظِ10 "عَلَى" مَعْنًى

1 في ع: دلالة.

2 في ز: ضعفه.

3 لسان العرب 11/32، معجم مقاييس اللغة 1/159، المصباح المنير 1/39.

4 الآية 7 من آل عمران.

5 في ش: أي.

6 لسان العرب 11/33.

7 الآية 53 من الأعراف.

8 في ش: لغيهم.

9 لسان العرب 11/33، معجم مقاييس اللغة 1/162. في ش: وتسورهم.

10 في ض ب ش: اللفظ.

ص: 460

"مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ"1.

وَهَذَا يَشْمَلُ التَّأْوِيلَ الصَّحِيحَ وَالْفَاسِدَ.

"وَزِدْ2" فِي الْحَدِّ "لِصَحِيحِهِ3" أَيْ إنْ أَرَدْت أَنْ تَحِدَّ4 التَّأْوِيلَ الصَّحِيحَ -قَوْلَك "بِدَلِيلٍ" أَيْ حَمْلَهُ بِدَلِيلٍ "يُصَيِّرُهُ" أَيْ يُصَيِّرُ الْحَمْلَ "رَاجِحًا" عَلَى مَدْلُولِهِ الظَّاهِرِ، فَيَصِيرُ5 حَدُّ التَّأْوِيلِ الصَّحِيحِ: حَمْلَ ظَاهِرٍ عَلَى مُحْتَمَلٍ مَرْجُوحٍ بِدَلِيلٍ يَصِيرُ رَاجِحًا.

وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَمْلَ بِلا دَلِيلٍ مُحَقَّقٍ، لِشَبَهٍ6 يُخَيَّلُ لِلسَّامِعِ أَنَّهَا دَلِيلٌ وَ7عِنْدَ التَّحْقِيقِ تَضْمَحِلُّ، يُسَمَّى8 تَأْوِيلاً فَاسِدًا، وَأَنَّ حَمْلَ مَعْنَى اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ لا يُسَمَّى تَأْوِيلاً، وَكَذَا حَمْلُ "الْمُشْتَرَكِ" وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُتَسَاوِي9 عَلَى أَحَدِ مَحْمَلَيْهِ أَوْ مَحَامِلِهِ لِدَلِيلٍ.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا:

"فَإِنْ قَرُبَ" التَّأْوِيلُ "كَفَى10 أَدْنَى مُرَجِّحٍ" نَحْوَ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:

1انظر تعريفات الأصوليين للتأويل في "كشف الأسرار 1/44، المستصفى 1/387، إرشاد الفحول ص176، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/53، الآيات البينات 3/99، الإحكام للآمدي 3/52، تيسير التحرير 1/144، شرح العضد 2/169، التعريفات للجرجاني ص28، البرهان 1/511، الحدود للباجي ص48".

2 في ش: ورد.

3 في ش: تصحيحه.

4 في ش: بجد. وفي ب: أن تجد.

5 في ض: فيكون.

6 في ش ز: بل لنسبة. وفي ع: لشانه بل.

7ساقطة من ش.

8في ش ز: تسمى.

9 في ز: التساوي.

10 في ش: كعن.

ص: 461

{إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ} 1 أَيْ إذَا عَزَمْتُمْ عَلَى الْقِيَامِ.

"وَإِنْ بَعُدَ" التَّأْوِيلُ مِنْ الإِرَادَةِ؛ لِعَدَمِ قَرِينَةٍ عَقْلِيَّةٍ أَوْ حَالِيَّةٍ، أَوْ مَقَالِيَّةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ "افْتَقَرَ" فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ، وَصَرْفِهِ عَنْ الظَّاهِرِ "إلَى أَقْوَى" مُرَجِّحٍ.

"وَإِنْ تَعَذَّرَ" الْحَمْلُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ "رُدَّ" التَّأْوِيلُ وُجُوبًا.

"فَمِنْ" التَّأْوِيلِ "الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ "اخْتَرْ" وَفِي لَفْظٍ: "أَمْسِكْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ" 2 عَلَى ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ، أَوْ إمْسَاكِ الأَوَائِلِ" أَيْ ابْتِدَاءِ نِكَاحِ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ إنْ كَانَ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ مَعًا، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهُنَّ مُتَفَرِّقَاتٍ عَلَى إمْسَاكِ الأَرْبَعِ الأَوَائِلِ3.

وَوَجْهُ4 بُعْدِهِ أَنَّ5 الْفُرْقَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِالإِسْلامِ لَمْ يُخَيِّرْهُ، وَقَدْ خَيَّرَهُ وَالْمُتَبَادَرُ عِنْدَ السَّمَاعِ مِنْ الإِمْسَاكِ: الاسْتِدَامَةُ6، وَالسُّؤَالُ وَقَعَ عَنْهُ وَخَصَّ التَّزْوِيجَ فِيهِنَّ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ شُرُوطَ النِّكَاحِ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، لِقُرْبِ إسْلامِهِ.

وَأَيْضًا لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ، وَلا عَنْ غَيْرِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ: أَنَّهُ جَدَّدَ النِّكَاحَ

1 الآية 6 من المائدة.

2 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني البيهقي والحاكم. "انظر بذل المجهود 10/378، عارضة الأحوذي 5/60، سنن ابن ماجه 1/628، سنن الدارقطني 3/269، سنن البيهقي 7/181، المستدرك 2/193".

3 انظر تيسير التحرير 1/145، فواتح الرحموت 2/31، الإحكام للآمدي 3/54، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/53، الآيات البينات 3/100، شرح العضد 2/169، المستصفى 1/390، البرهان 1/531، روضة الناظر ص178، مختصر الطوفي ص42.

4 في ش: ووجهه.

5 في ش: فإن. وفي ع ض ب: بأن.

6 في ز: والاستدامة.

ص: 462

وَأَيْضًا فَالابْتِدَاءُ مُحْتَاجٌ1 إلَى رِضَى مَنْ يَبْتَدِيهَا وَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ: فَارِقْ الْكُلَّ وَابْتُدِئَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ شِئْت، فَيُضَيِّعُ قَوْلَهُ "اخْتَرْ أَرْبَعًا"؛ لأَنَّهُ قَدْ لا يَرْضَيْنَ2 أَوْ بَعْضُهُنَّ.

وَأَيْضًا الأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاؤُهُ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الأَصْلِ.

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: هَذَا الْحَدِيثُ لا تَأْوِيلَ فِيهِ وَلَوْ صَحَّ عِنْدِي لَقُلْت بِهِ.

"وَأَبْعَدُ مِنْهُ" أَيْ مِنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ تَأْوِيلُهُمْ "قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ أَسْلَمَ عَنْ3 أُخْتَيْنِ "اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا 4 شِئْت" عَلَى أَحَدِ الأَمْرَيْنِ"5 يَعْنِي عَلَى ابْتِدَاءِ نِكَاحِ إحْدَاهُمَا، إنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، أَوْ إمْسَاكِ الأُولَى مِنْهُمَا، إنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَهُمَا مُفْتَرِقَتَيْنِ6.

وَإِنَّمَا كَانَ أَبْعَدَ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ؛ لأَنَّ النَّافِيَ لِلتَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الأَوَّلِ: هُوَ الأَمْرُ الْخَارِجُ عَنْ اللَّفْظِ، وَهُوَ شَهَادَةُ الْحَالِ، وَهُنَا انْضَمَّ إلَى شَهَادَةِ الْحَالِ مَانِعٌ

1 في شك محتاج.

2 في ش: لا يرضينه.

3 في ش: عن.

4 أخرجه بهذا اللفظ الترمذي من حديث فيروز الديلمي رضي الله عنه"عارضة الأحوذي 5/63" وأخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني والبيهقي عن فيروز الديلمي أيضاً بلفظ "طلق أيتهما شئت". وفي رواية أخرى للدارقطني والبيهقي عن فيروز الديلمي قال: أسلمت وتحتي أختان، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرني أن أمسك أيتهما شئت، وأفارق الأخرى. "انظر بذل المجهود 10/384، سنن ابن ماجه 1/627، سنن الدارقطني 3/273، سنن البيهقي 7/184".

5 انظر تيسير التحرير 1/145، فواتح الرحموت 2/21، الإحكام للآمدي 3/55، شرح العضد 2/169، البرهان 1/531، المستصفى 1/390.

6 في ش: متفرقتين.

ص: 463

لَفْظًا1وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: "أَيَّتَهُمَا شِئْتَ" فَإِنَّ بِتَقْدِيرِ2 نِكَاحِهِمَا عَلَى التَّرْتِيبِ تَعْيِينَ الأُولَى لِلاخْتِيَارِ وَ3لَفْظُ "أَيَّتَهُمَا شِئْت" يَأْبَاهُ.

وَلِلْحَنَفِيَّةِ تَأْوِيلٌ ثَالِثٌ فِي الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ لَعَلَّهُ4 أَنْ يَكُونَ هَذَا كَانَ5 قَبْلَ حَصْرِ النِّسَاءِ فِي أَرْبَعٍ، وَقَبْلَ تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِمَا6 سَبَقَ.

"وَ" تَأْوِيلُهُمْ أَيْضًا " إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا" 7 مِنْ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} 8 "عَلَى إطْعَامِ طَعَامِ سِتِّينَ".

فَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ: لَوْ رَدَّدَهَا الْمُخْرِجُ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا أَجْزَأَتْهُ.

قَالُوا: لأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْحَاجَةِ وَدَفْعُ حَاجَةِ سِتِّينَ كَحَاجَةِ وَاحِدٍ فِي سِتِّينَ يَوْمًا، فَجَعَلُوا الْمَعْدُومَ -وَهُوَ: طَعَامٌ "9- مَذْكُورًا مَفْعُولاً بِهِ، وَالْمَذْكُورُ -وَهُوَ قَوْلُهُ "سِتِّينَ"- مَعْدُومًا لَمْ يَجْعَلُوهُ مَفْعُولاً بِهِ، مَعَ ظُهُورِ قَصْدِ الْعَدَدِ لِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ وَتَضَافُرِهِمْ10 عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُحْسِنِ، وَهَذَا لا يُوجَدُ فِي الْوَاحِدِ.

1 في ع: لفظ.

2 في ش: تقدير.

3 ساقطة من ش.

4 في ش: لعله.

5 ساقطة من ش ض.

6 في ش: لما.

7 الآية 4 من المجادلة.

8 انظر "المستصفى 1/400، الآيات البينات 3/10، تيسير التحرير 1/146، حاشية البناني 2/54، الإحكام للآمدي 3/57، شرح العضد 3/169، فواتح الرحموت 2/24، البرهان 1/555، أصول السرخسي 1/239 وما بعدها".

9 في ش: إطعام.

10 في ع ز ض ب: تظافرهم.

ص: 464

وَأَيْضًا حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَعْطِيلٌ لِلنَّصِّ، وَلِهَذِهِ الْحِكْمَةِ شُرِعَتْ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلاةِ وَغَيْرِهَا.

وَأَيْضًا فَلا يَجُوزُ اسْتِنْبَاطُ مَعْنًى مِنْ النَّصِّ يَعُودُ عَلَيْهِ1 بِالإِبْطَالِ.

"وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ" الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ مِنْ التَّأْوِيلِ "تَأْوِيلُهُمْ" مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد2 وَالتِّرْمِذِيِّ3 مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الْغَنَمِ: "فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ عَلَى قِيمَتِهَا" 4 أَيْ قِيمَةِ شَاةٍ5.

قَالُوا: لأَنَّ انْدِفَاعَ الْحَاجَةِ كَمَا يَكُونُ بِالشَّاةِ يَكُونُ بِالْقِيمَةِ.

وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى بُطْلانِ الأَصْلِ؛ لأَنَّهُ إذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ لَمْ تَجِبْ الشَّاةُ فَعَادَ هَذَا الاسْتِنْبَاطُ عَلَى النَّصِّ بِالإِبْطَالِ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ.

وَرُدَّ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا إخْرَاجَ الشَّاةِ بَلْ قَالُوا بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الشَّاةِ وَقِيمَةِ الشَّاةِ وَهُوَ اسْتِنْبَاطٌ يَعُودُ بِالتَّعْمِيمِ، كَمَا فِي "وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ" 6 يَعُمُّ7 فِي الْخِرَقِ8 وَنَحْوِهَا، وَفِي "لا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ

1 في ع: إليه.

2 بذل المجهود 8/53.

3 عارضة الأحوذي 3/108.

4 انظر المستصفى 1/395، تيسير التحرير 1/146، الإحكام للآمدي 3/56، شرح العضد 2/169، فواتح الرحموت 2/22.

5 في ع: الشاة.

6أخرجه مسلم والنسائي والترمذي عن سلمان رضي الله عنه مرفوعاً، ولفظه "لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار". وأخرجه النسائي وأبو داود عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً بلفظ "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه ثلاثة أحجار فليستطب بها فإنها تجزئ عنه". "صحيح مسلم 1/224، سنن النسائي 1/38، عارضة الأحوذي 1/32، بذل المجهود 1/98".

7 في ش: ليعمم. وفي ز: يعمم.

8 في ض د: الخزف.

ص: 465

غَضْبَانُ" 1 يَعُمُّ2 فِي كُلِّ مَا يُشَوِّشُ الْفِكْرَ وَلا يَعُودُ بِالإِبْطَالِ.

وَأُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ: بِأَنَّ الشَّارِعَ لَعَلَّهُ رَاعَى أَنْ يَأْخُذَ الْفَقِيرُ مِنْ جِنْسِ مَالِ الْغَنِيِّ فَيَتَشَارَكَانِ3 فِي الْجِنْسِ فَتَبْطُلُ الْقِيمَةُ فَعَادَ بِالْبُطْلانِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَبَابُ الزَّكَاةِ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ التَّعَبُّدِ.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ4: وَأَيْضًا فَإِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ "قِيمَةَ5 شَاةٍ" يَكُونُ قَوْلُهُمْ بِإِجْزَاءِ الشَّاةِ لَيْسَ بِالنَّصِّ: بَلْ بِالْقِيَاسِ فَيَتْرُكُ الْمَنْصُوصَ ظَاهِرًا وَيَخْرُجُ، ثُمَّ يَدْخُلُ بِالْقِيَاسِ، فَهَذَا6 عَائِدٌ بِإِبْطَالِ النَّصِّ لا مَحَالَةَ. اهـ.

وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَبْعَدَ مِمَّا قَبْلَهُ: لأَنَّهُ7 يَلْزَمُ أَنْ لا تَجِبُ الشَّاةُ8 كَمَا تَقَدَّمَ، وَكُلُّ فَرْعٍ اُسْتُنْبِطَ مِنْ أَصْلٍ يَبْطُلُ بِبُطْلانِهِ.

"وَ" تَأْوِيلُهُمْ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد9 وَالتِّرْمِذِيُّ10 وَابْنُ مَاجَهْ11

1 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وغيرهم عن أبي بكرة مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 9/82، صحيح مسلم 3/1343، سنن ابن ماجه 2/776، سنن الدارقطني 4/206، سنن النسائي 8/209، بذل المجهود 15/266، عارضة الأحوذي 6/77، سنن البيهقي 10/105".

2 في ش: ليعمم. وفي ع ب: يعمم.

3 في ع: فيشتركان.

4 في ش: البروي.

5 في ز: وقيمة.

6 في ش: يلزم.

7 في ش: أنه.

8 ساقطة من ض.

9 بذل المجهود 10/79.

10 عارضة الأحوذي 5/13.

11 سنن ابن ماجه 1/605.

ص: 466

وَالدَّارَقُطْنِيّ1 عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَنْكَحَتْ2 نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" وَفِي رِوَايَةٍ "بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ". "عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالأَمَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ"3.

وَوَجْهُ بُعْدِ هَذَا التَّأْوِيلِ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَيْسَتْ بِامْرَأَةٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَقَدْ أُلْزِمُوا بِسُقُوطِ هَذَا التَّأْوِيلِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّ الصَّغِيرَةَ لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا كَانَ الْعَقْدُ عِنْدَهُمْ صَحِيحًا لا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ.

فَلَمَّا أُلْزِمُوا بِذَلِكَ فَرُّوا إلَى حَمْلِهِ عَلَى الأَمَةِ فَأُلْزِمُوا بِبُطْلانِهِ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ4: "فَلَهَا الْمَهْرُ" وَمَهْرُ الأَمَةِ إنَّمَا هُوَ5 لِسَيِّدِهَا6.

فَفَرُّوا مِنْ ذَلِكَ إلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ فَقِيلَ لَهُمْ: هُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ؛ لأَنَّ حَمْلَ صِيغَةِ الْعُمُومِ الصَّرِيحَةِ وَهِيَ "أَيْ"7 الْمُؤَكَّدَةُ بِمَا مَعَهَا فِي قَوْلِهِ "أَيُّمَا" عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ لا تَخْطُرُ بِبَالِ الْمُخَاطَبِينَ غَالِبًا فِي غَايَةِ الْبُعْدُ.

"وَ" تَأْوِيلُهُمْ أَيْضًا "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ" رَوَاهُ أَبُو

1 سنن الدارقطني 3/221.

2 في ش: أنكحت.

3 انظر "شرح العضد 2/170، الإحكام للآمدي 3/58، فواتح الرحموت 2/25، روضة الناظر ص179، مختصر الطوفي ص43، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/54، الآيات البينات 3/102، تيسير التحرير 1/147، البرهان 1/517، المستصفى 1/402".

4 في تتمة الحديث: "فإن دخل بها، فلها المهر بما استحل من فرجها". انظر مراجع تخريج الحديث السابقة.

5 ساقطة من ع.

6 في ز: للسيد.

7 ساقطة من ض.

ص: 467

دَاوُد1 وَالتِّرْمِذِيُّ2، وَالنَّسَائِيُّ3 وَابْنُ مَاجَهْ4 عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى خِلافٍ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ "عَلَى" صَوْمِ "الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ"5 بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فِي صِحَّةِ الْفَرْضِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ6.

قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: فَجَعَلُوهُ كَاللُّغْزِ فِي حَمْلِهِمْ الْعَامَّ عَلَى صُورَةٍ نَادِرَةٍ فَإِنْ ثَبَتَ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الْحُكْمِ7 بِدَلِيلٍ -كَمَا قَالُوا - فَلْيُطْلَبْ لِهَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلٌ قَرِيبٌ عَنْ8 هَذَا التَّأْوِيلِ9 مِثْلُ نَفْيِ الْكَمَالِ.

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَهُوَ أَقْرَبُ مِنْ التَّأْوِيلِ السَّابِقِ10

1 بذل المجهود 11/330.

2 عارضة الأحوذي 3/263.

3 سنن النسائي 4/166.

4 سنن ابن ماجه 1/542.

5انظر: المستصفى 1/409، تيسير التحرير 1/148، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/55، الآيات البينات 3/12، البرهان 1/525، الإحكام للآمدي 3/59، فواتح الرحموت 2/26، شرح العضد 2/171، روضة الناظر ص180، مختصر الطوفي ص43.

6 ساقطة من ع ض.

7 وهو صحة صوم الفرض بنية النهار.

8 في ش: من.

9 انظر مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد 2/169، 171.

10ثم قال: "ولكنه مردود من وجهين. أحدهما: أنحمل اللفظ على نفي الكمال غير ممكن في القضاء والنذر، وهما من متضمنات الحديث، وإذا تعين حمل اللفظة على حقيقتها في بعض المسميات تعين ذلك في سائرها، فإن الإنسان الفصيح ذا الجد لا يرسل لفظة وهو يبغي حقيقتها من وجه ومجازها من وجه.

فإن قالوا: ليس القضاء والنذر مقصودين كما ذكرتم. قلنا" نعم. ولكن الشاذ لا يعني باللفظ العام تخصيصاً واقتصاراً وانحصاراً عليه، ولا يمتنع أن يشمله العموم مع الأصول.

والذي يحقق هذا أنه لو حمل لفظه على نوع من الصوم، ثم حمل فيه على نفي الكمال، لما كان اللفظ عاماً أصلاً، وكان مختصاً بنوع واحد، وهو من أعم الصيغ كما تقدم تقديره. والدليل عليه أن ما ذكروه من أن الرسول عليه السلام لم يرد القضاء والنذر مذهباً لذي مذهب، فإنه إذا امتنع قبول التأويل من غير دليل، فلأن يمتنع من غير مذهب أولى". "البرهان 1/528".

ص: 468

"وَ" تَأْوِيلُهُمْ أَيْضًا قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ1 وَابْنُ حِبَّانَ2 مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ" عَلَى التَّشْبِيهِ3 وَنَصَبُ4 "ذَكَاةَ أُمِّهِ" عَلَى تَقْدِيرِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ، فَنُصِبَ عَلَى إسْقَاطِ الْخَافِضِ، وَهُوَ كَافُ التَّشْبِيهِ.

قَالَ ابْنُ عَمْرُون5: تَقْدِيرُهُمْ حَذْفُ الْكَافِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُ قَوْلِك: زَيْدٌ6 عَمْرًا، أَيْ كَعَمْرٍو وَأَيْضًا فَحَذْفُ حَرْفِ الْخَفْضِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّوَسُّعِ فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ: فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ، أَيْ وَقْتَ ذَكَاةِ أُمِّهِ، فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مُقَامَهُ وَهَذَا دَلِيلُ الْجَمَاعَةِ؛ لأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا يَكُونُ وَقْتًا لِلأَوَّلِ إذَا أَغْنَى الْفِعْلُ الثَّانِي عَنْ الأَوَّلِ.

1 مسند الإمام أحمد 3/31، 39، 45، 53.

2 موارد الظمآن ص265.

3 أي مثل ذكاتها أو كذكاتها، فيكون المراد بالجنين "الحي" لحرمة الميت عند الإمام أبي حنيفة. انظر "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/55، الآيات البينات 3/102"

4 في ش: ونصبوا.

5 هو محمد بن محمد بن علي بن عمرون الحلبي النحوي، أبو عبد الله، جمال الدين، قال الفيروزابادي: إمام في العربية، أقرأها مدة بحلب، وصنف "شرح المفصل ولم يتمه، توفي سنة 649 هـ. "انظر ترجمته في بغية الوعاة 1/231، البلغة في تاريخ أئمة اللغة ص246، طبقات النحاة واللغويين لابن قاض شهبة ص254".

6 في ش: زيداً.

ص: 469

وَيُرَجِّحُ هَذَا التَّقْدِيرَ مُوَافَقَتُهُ لِرِوَايَةِ الرَّفْعِ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ وَهِمُوا رِوَايَةَ النَّصْبِ وَقَالُوا: الْمَحْفُوظُ الرَّفْعُ كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ1 وَغَيْرُهُ، إمَّا لأَنَّ "ذَكَاةَ" الأَوَّلَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَ "ذَكَاةَ" الثَّانِيَ هُوَ الْمُبْتَدَأُ، أَيْ ذَكَاةُ أُمِّ الْجَنِينِ ذَكَاةٌ لَهُ، وَإِلَاّ لَمْ يَكُنْ لِلْجَنِينِ مَزِيَّةٌ، وَحَقِيقَةُ الْجَنِينِ مَا كَانَ فِي الْبَطْنِ.

فَعُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُذَكَّى كَذَكَاةِ أُمِّهِ، بَلْ إنَّ ذَكَاةَ أُمِّهِ ذَكَاةٌ لَهُ كَافِيَةٌ عَنْ تَذْكِيَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ2 "ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ".

"وَ"َ أْوِيلُهُمْ أَيْضًا قَوْلَهُ سبحانه وتعالى فِي آيَتَيْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ: {وَلِذِي الْقُرْبَى} 3: عَلَى الْفُقَرَاءِ" دُونَ الأَغْنِيَاءِ "مِنْهُمْ" أَيْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى4.

قَالُوا: لأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ الْخَلَّةِ، وَلا خَلَّةَ مَعَ الْغِنَى5.

فَعَطَّلُوا لَفْظَ الْعُمُومِ مَعَ ظُهُورِ أَنَّ الْقَرَابَةَ هِيَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَلَوْ مَعَ الْغِنَى، لِتَعْظِيمِهَا وَتَشْرِيفِهَا مَعَ إضَافَتِهِ بلَاّمُ التَّمْلِيكِ.

وَلا يَلْزَمُنَا نَحْنُ الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ ذَلِكَ فِي الْيَتِيمِ، لِلْخِلافِ فِيهِ.

فَإِنْ عَلَّلُوا بِالْفَقْرِ وَلَمْ تَكُنْ قَرَابَةٌ عَطَّلُوا لَفْظَ "ذِي الْقُرْبَى"، وَإِنْ

1 معالم السنن 4/121.

2 الحديث بهذا اللفظ غير موجود في السنن الكبرى للبيهقي، وقد جاء فيها نص قريب منه عن ابن عمر موقوفاً:"إذا نحرت الناقة فذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره، وإذا خرج من بطنها حياً، ذبح حتى يخرج الدم من جوفه". "انظر السنن الكبرى 9/335".

3 الآية 41 من الأنفال. والآية 7 من الحشر.

4 انظر: البرهان 1/553، تيسير التحرير 1/148، المستصفى1/407، الإحكام للآمدي 3/60، فواتح الرحموت 2/28، شرح العضد 2/171.

5 في ع: الغناء.

ص: 470

اعْتَبِرُوهُمَا مَعًا فَلا يَبْعُدُ وَغَايَتُهُ: تَخْصِيصُ عُمُومٍ، كَمَا فَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي تَخْصِيصِ الْيَتَامَى بِذَوِي الْحَاجَةِ.

"وَ" مِنْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ تَأْوِيلُ "الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ" مَتْنَ حَدِيثٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ1 وَأَبُو دَاوُد2 وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ3 وَالطَّبَرَانِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ4 - وَقَالَ: لا نَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إلَاّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ5 عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ وَرُوِيَ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ، وَمِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ6 وَهُوَ "مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ" عَلَى عَمُودَيْ نَسَبِهِ"7.

وَإِنَّمَا كَانَ بَعِيدًا: لِقِصَرِ اللَّفْظِ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ مَدْلُولاتِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ وَغَيْرُهُ: لِعُمُومِ اللَّفْظِ وَظُهُورِ قَصْدِهِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى حُرْمَةِ الْمَحْرَمِ وَصِلَتِهِ.

1 ساقطة من ش.

2 بذل المجهود 16/282.

3 سنن ابن ماجه 2/843.

4 تحفة الأحوذي 4/603.

5 المراد به هنا: الإمام الحافظ حماد بن سلمة بن دينار البصري، أبو سلمة. قال ابن المبارك: دخلت البصرة فما رأيت أحد أشبه بمالك الأول من حماد بن سلمة، وقال ابن معين: من خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد. توفي سنة 167هـ. "انظر ترجمته في طبقات الحفاظ للسيوطي ص87، تذكرة الحفاظ 1/02، شذرات الذهب 1/262، حلية الأولياء 6/249".

6 عبارة الترمذي في سننه بعد ذكر الحديث: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة. وقد روى عضهم هذا الحديث عن قتادة عن الحسن عن عمر. شيئاً من هذا". "انظر تحفة الأحوذي 4/603".

7 وهم الأصول والفروع. انظر تحقيق المسألة في "البرهان 1/539، المستصفى 1/405، الآيات البينات 3/106، الإحكام للآمدي 3/60، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/57".

ص: 471

قَالَ الْكُورَانِيُّ: فَإِنْ قُلْت لِمَا1 وَجَّهَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، إذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّأْوِيلُ صَحِيحًا عِنْدَكُمْ؟ قُلْت: لَمَّا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لا يَزُولُ إلَاّ بِالْعِتْقِ قَاسَ عِتْقَ الأُصُولِ وَالْفُرُوعِ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ، إذْ لا تَجِبُ عِنْدَهُ إلَاّ لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ أَوْ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْوَارِدِ فِي مُسْلِمٍ2 "لا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدَهُ إلَاّ أَنْ يَجِدَهُ عَبْدًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ" أَيْ بِنَفْسِ الشِّرَاءِ وَقَدْ وَافَقَهُ الْخَصْمُ عَلَى هَذَا، وَبِالآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي عِتْقِ الْوَلَدِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى:{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} 3 وَجْهُ الدَّلالَةِ: أَنَّهُ سبحانه وتعالى أَبْطَلَ إثْبَاتَ الْوَلَدِيَّةِ بِإِثْبَاتِ الْعُبُودِيَّةِ فَعُلِمَ أَنَّهُمَا لا يَجْتَمِعَانِ.

1 في ش: لما.

2 صحيح مسلم 2/1148.

3 الآية 26 من النساء.

ص: 472