المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الْمُبَيَّنِ: مِنْ لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ "يُقَابِلُ الْمُجْمَلَ" فَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُجْمَلِ - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ٣

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌باب الأمر

- ‌فصل الأمر حقيقة في الوجوب

- ‌باب النهي:

- ‌باب العام:

- ‌فصل العام بعد تخصيصه:

- ‌فصل إطلاق جمع المشترك على معانيه

- ‌فَصْلٌ لَفْظُ الرِّجَالِ وَالرَّهْطِ لا يَعُمُّ النِّسَاءَ وَلا الْعَكْسَ:

- ‌فصل القران بين شيئين لفظا لا يقتضي التسوية بينهما حكما

- ‌باب التخصيص:

- ‌فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ

- ‌فصل المخصص المتصل الثالث الصفة

- ‌فصل المخصص المتصل الرابع الغاية:

- ‌فصل تخصيص الكتاب ببعضه وتخصيصه بالسنة مطلقا

- ‌فصل تقديم الخاص على العام مطلقا

- ‌باب المطلق:

- ‌بَابُ الْمُجْمَلِ:

- ‌بَابُ الْمُبَيَّنِ:

- ‌باب الظاهر:

- ‌بَابُ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ:

- ‌فصل إذا خص نوع بالذكر مما لا يصح لمسكوت عنه فله مفهوم:

- ‌فَصْلٌ: كَلِمَةُ إنَّمَا:

- ‌بَابٌ النسخ:

- ‌فصل يجوز نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخهما معا:

- ‌فَصْلٌ يَسْتَحِيلُ تَحْرِيمُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى:

الفصل: ‌ ‌بَابُ الْمُبَيَّنِ: مِنْ لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ "يُقَابِلُ الْمُجْمَلَ" فَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُجْمَلِ

‌بَابُ الْمُبَيَّنِ:

مِنْ لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ "يُقَابِلُ الْمُجْمَلَ" فَمَا تَقَدَّمَ لِلْمُجْمَلِ مِنْ تَعْرِيفَاتٍ فَخُذْ ضِدَّهَا فِي الْمُبَيَّنِ.

فَإِنْ قُلْتَ: الْمُجْمَلُ مَا تَرَدَّدَ بَيْنَ مُحْتَمَلَيْنِ فَأَكْثَرَ عَلَى السَّوَاءِ، فَقُلْ1: الْمُبَيَّنُ مَا نَصَّ عَلَى مَعْنًى مُعَيَّنٍ2 مِنْ غَيْرِ إبْهَامٍ.

وإنْ3 قُلْتَ: الْمُجْمَلُ مَا لا يُفْهَمُ مِنْهُ عِنْدَ الإِطْلاقِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ، فَقُلْ: الْمُبَيَّنُ مَا فُهِمَ مِنْهُ عِنْدَ الإِطْلاقِ مَعْنًى مُعَيَّنٌ، مِنْ نَصٍّ أَوْ ظُهُورٍ بِالْوَضْعِ، أَوْ بَعْدَ الْبَيَانِ.

"وَيَكُونُ" الْمُبَيَّنُ "فِي مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ" مِنْ الأَلْفَاظِ "وَ" فِي "فِعْلٍ سَبَقَ إجْمَالُهُ4 أَوْ لا" يَعْنِي أَوْ لَمْ يَسْبِقْ إجْمَالٌ5، فَإِنَّ الْبَيَانَ مِنْ حَيْثُ هُوَ يَكُونُ تَارَةً ابْتِدَاء، وَيَكُونُ تَارَةً بَعْدَ الإِجْمَالِ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا وَهَذَا، وَهُوَ وَاضِحُ الْقَصْدِ.

قَالَ الْعَضُدُ6 وَقَدْ يَكُونُ فِيمَا لا يَسْبِقُ فِيهِ7 إجْمَالٌ، كَمَنْ يَقُولُ

1 في ض: فقال.

2 في ض: مبين.

3 في ض ش: فإن.

4 في ش: إجماله.

5 في ش: إجمال أو لا.

6 في ش: القصد.

7 في شرح العضد: ولم يسبق.

ص: 437

ابْتِدَاءً: اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ1.

"وَالْبَيَانُ"2 الَّذِي هُوَ اسْمُ مَصْدَرِ بَيَّنَ "يُطْلَقُ عَلَى التَّبْيِينِ" الَّذِي هُوَ مَصْدَرُ بَيَّنَ "وَهُوَ فِعْلُ الْمُبَيِّنِ".

"وَ" يُطْلَقُ أَيْضًا "عَلَى مَا حَصَلَ بِهِ التَّبْيِينُ، وَهُوَ الدَّلِيلُ.

"وَ" يُطْلَقُ أَيْضًا "عَلَى مُتَعَلَّقِهِ" أَيْ مُتَعَلَّقِ التَّبْيِينِ "وَهُوَ الْمَدْلُولُ" أَيْ الْمُبَيَّنِ -بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ- وَعَلَى مَحِلِّهِ أَيْضًا.

إذَا تَقَرَّرَ هَذَا: "فَ" الْبَيَانُ "بِنَظَرٍ3 إلَى" الإِطْلاقِ "الأَوَّلِ" الَّذِي هُوَ التَّبْيِينُ "إظْهَارُ الْمَعْنَى" أَيْ مَعْنَى الْمُبَيَّنِ "لِلْمُخَاطَبِ" وَإِيضَاحُهُ وَمَعْنَاهُ لأَبِي الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ وَالْوَاضِحِ لابْنِ عَقِيلٍ.

وَقِيلَ: إخْرَاجُ الْمَعْنَى4 مِنْ حَيِّزِ الإِشْكَالِ إلَى حَيِّزِ التَّجَلِّي، وَهُوَ لَلصَّيْرَفِيِّ.

1 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/162.

2 انظر معاني البيان عند الأصوليين في "العدة 1/102 وما بعدها، إرشاد الفحول ص 167، المسودة ص 572 وما بعدها، شرح العضد 2/162، البرهان 1/159، الإحكام للآمدي 3/25، فواتح الرحموت 2/42، روضة الناظر ص 184، شرح تنقيح الفصول ص274، المحصول?1ق3/226، نهاية السول 2/148، مناهج العقول 2/148، اللمع ص 29، الآيات البينات 3/118، نشر البنود 1/277، المعتمد 1/317 وما بعدها، كشف الأسرار 3/104، الرسالة للشافعي ص21، المستصفى 1/364، وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67، التعريفات للجرجاني ص 26، الحدود للباجي ص41، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/115، فتح الغفار 2/119، أصول السرخسي 2/26، تيسير التحرير 3/171، الإحكام لابن حزم1/38، الحطاب على الورقات ص 109".

3 في ع ب: ينظر. وفي ش: بالنظر.

4 عند الآمدي والجويني وابن الحاجب وأبي يعلى والغزالي والشيرازي والسبكي والبصري والخطيب والبغدادي والشوكاني وغيرهم: الشيء.

ص: 438

وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ1، وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالآمِدِيُّ2 وَابْنُ الْحَاجِبِ3، إلَاّ أَنَّهُمْ زَادُوا "وَ4الْوُضُوحِ" تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: هَذَا الْحَدُّ "غَيْرُ"5 تَامٍّ، لأَنَّهُ لا يَدْخُلُ فِيهِ إلَاّ مَا كَانَ مُشْكِلاً، ثُمَّ أَظْهَرُوا مَا تَبْيِينُهُ ابْتِدَاءً مِنْ الْقَوْلِ، كَقَوْله تَعَالَى:{هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} 6 فَهَذَا لَمْ يَكُنْ مُشْكِلاً7.

قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: رُبَّمَا وَرَدَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ لِمَا لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِ أَحَدٍ.

وَأَيْضًا فَفِي التَّعْبِيرِ بِالْحَيِّزِ، وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الأَجْسَامِ، تَجَوُّزٌ فِي إطْلاقِهِ

1 قول المصنف أن إمام الحرمين تبع الصيرفي البيان بهذا التعريف غير سديد. وذلك لأن إمام الحرمين حكى هذا التعريف عن بعض من ينتسب إلى الأصوليين –على حد تعبيره- ثم رده بقوله: "وهذه العبارة وإن كانت محومة على المقصود، فليست مرضية، فإنها مشتملة على ألفاظ مستعارة -كالحيز والتجلي- وذوو البصائر لا يودعون مقاصد الحدود إلا في عبارات هي قوالب لها، تبلغ الغرض من غير قصور ولا ازدياد، يفهمها المبتدئون، ويحسنها المنتهون". "انظر البرهان 1/159".

2 الصواب أن الآمدي لم يتبع الصيرفي في هذا الحد، وإنما حكاه عنه، ثم عابه ورده لأمور ثلاثة ذكرها، أحدها أنه غير جامع. والثاني أن فيه تجوزاً. والثالث أن فيه زيادة. "انظر الإحكام في أصول الأحكام 3/25".

3 مختصر ابن الحاجب وشرحه العضد 2/162.

4 ساقطة من ز.

5 زيادة على سائر النسخ يقتضيها السياق، ويدل عليها نص القاضي في العدة.

6 لآية 116 من النحل.

7 نقل المصنف لهذا القول عن القاضي أبي يعلى فيه تغيير وتصرف، وعبارة القاضي في "العدة" بعد إيراد تعريف الصيرفي:"وفي هذه العبارة خلل، لأن هذا الوصف إنما يوجد في بعض أقسام البيان، وهو بيان المجمل الذي لا يستقل بنفسه. فأما الخطاب المبتدأ من الله تعالى ومن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن سائر المخاطبين إذا كان ظاهر المعنى بين المراد، فهو بيان صحيح، وإن لم يشمل عليه هذا الوصف. ألا ترى أن قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} وقوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} و {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} قد حصل به البيان، وإن لم يكن قبل ظهور ذلك إشكال أخرجه إلى التجلي، بل قد علمنا أن الغسل لم يكن واجباً، فبين وجبه بالآية""العدة1/105".

ص: 439

فِي1 الْمَعَانِي، وَنَحْوُهُ التَّجَلِّي.

"وَ" الْبَيَانُ بِنَظَرٍ2 "إلَى" إطْلاقِهِ عَلَى ثَانٍ، وَهُوَ مَا حَصَلَ بِهِ التَّبْيِينُ "الدَّلِيلُ".

قَالَهُ التَّمِيمِيُّ وَأَكْثَرُ الأَشْعَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ3، لِصِحَّةِ إطْلاقِهِ عَلَيْهِ لُغَةً وَعُرْفًا، مَعَ عَدَمِ مَا سَبَقَ. وَالأَصْلُ الْحَقِيقَةُ4.

"وَ" الْبَيَانُ بِنَظَرٍ5 "إلَى" إطْلاقِهِ عَلَى "ثَالِثٍ" وَهُوَ مُتَعَلَّقُ6 التَّبْيِينِ "الْعِلْمُ" الْحَاصِلُ "عَنْ دَلِيلٍ" قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ7 وَغَيْرُهُ.

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ قَالُوا: الْبَيَانُ إظْهَارُ الْمُرَادِ بِالْكَلامِ الَّذِي لا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ إلَاّ بِهِ.

قَالَ8 ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ جَمِيعِ الْحُدُودِ.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَالْعَجَبُ أَنَّهُ أُورِدَ عَلَى الصَّيْرَفِيِّ الْمُبَيَّنُ ابْتِدَاءً، وَلا شَكَّ فِي وُرُودِهِ هُنَا، بَلْ أَوْلَى. لأَنَّهُ صَرَّحَ بِتَقَدُّمِ9 كَلامٍ لَمْ يُفْهَمْ الْمُرَادُ مِنْهُ.

وَأَيْضًا الْبَيَانُ قَدْ يَرِدْ عَلَى فِعْلٍ، وَلا يُسَمَّى مِثْلُ ذَلِكَ كَلامًا.

1 في ش: على.

2 في ش ع ب: ينظر، وفي د: بالنظر.

3 انظر المعتمد للبصري 1/317.

4 في ش: "و" الحقيقة.

5 في ش ع ب: ينظر، وفي د: بالنظر.

6 وفي ش: إطلاقه على.

7 انظر المعتمد 1/318، وفي ز: البصيري.

8 في ع: قاله.

9 في ش ض ب: بتقديم.

ص: 440

"وَيَجِبُ" الْبَيَانُ "لِمَا أُرِيدَ فَهْمُهُ" مِنْ دَلائِلِ الأَحْكَامِ. يَعْنِي إذَا1 أُرِيدَ بِالْخِطَابِ إفْهَامُ الْمُخَاطَبِ بِهِ لِيَعْمَلَ بِهِ وَجَبَ أَنْ يُبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى حَسَبِ مَا يُرَادُ بِذَلِكَ الْخِطَابِ، لأَنَّ الْفَهْمَ شَرْطٌ لِلتَّكْلِيفِ، فَأَمَّا مَنْ لا يُرَادُ إفْهَامُهُ ذَلِكَ فَلا يَجِبُ الْبَيَانُ لَهُ بِالاتِّفَاقِ2.

وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ لا يَجِبُ الْبَيَانُ فِي الْخِطَابِ إذَا كَانَ خَبَرًا لا يَتَعَلَّقُ بِهِ تَكْلِيفٌ، وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي التَّكَالِيفِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهَا.

"وَيَحْصُلُ" الْبَيَانُ "بِقَوْلٍ" بِلا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ3، وَالْقَوْلُ: إمَّا مِنْ اللَّهِ سبحانه وتعالى، أَوْ مِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.

فَالأَوَّلُ: نَحْوُ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} 4 فَإِنَّهُ مُبَيِّنٌ لِقَوْله تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} 5 إذَا6 قُلْنَا إنَّ الْمُرَادَ بِالْبَقَرَةِ بَقَرَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ.

1 في ز: إذ.

2 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67، مناهج العقول 2/160، الآيات البينات 3/119، نشر البنود 1/277، شرح تنقيح الفصول ص285، وما بعدها، المحصول?1ق3/ 331، نهاية السول 2/160، المعتمد 1/358.

3 انظر "المسودة ص 573، مختصر الطوفي ص119، العدة 1/110، 112، إرشاد الفحول ص173، أصول السرخسي 2/27، فواتح الرحموت 2/45، تيسير التحرير 3/175، الإحكام لابن حزم 1/72، نهاية السول 2/150، اللمع ص29، المعتمد 1/337، نشر البنود 1/278، مناهج العقول 2/149، المستصفى 1/367، الفقيه والمتفقه للخطيب 1/115، الآيات البينات 3/119، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67، المحصول?1ق3/ 261، شرح تنقيح الفصول ص278، روضة الناظر ص184".

4 الآية 69 من البقرة.

5 الآية 67 من البقرة.

6 في ش: إن.

ص: 441

وَالثَّانِي: كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ1 وَغَيْرُهُ2 عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا "فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ، وَالْعُيُونُ 3 أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا4 الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ " وَرَوَى مُسْلِمٌ نَحْوَهُ عَنْ جَابِرٍ5، وَهُوَ مُبَيِّنٌ لِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} 6.

وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْمِثَالِ: أَنَّ السُّنَّةَ تُبَيِّنُ مُجْمَلَ الْكِتَابِ، وَهُوَ كَثِيرٌ، كَمَا فِي الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْبَيْعِ وَالرِّبَا، وَغَالِبِ الأَحْكَامِ الَّتِي7 جَاءَ تَفْصِيلُهَا فِي السُّنَّةِ.

"وَفِعْلٍ" يَعْنِي: أَنَّ الْبَيَانَ يَحْصُلُ بِالْفِعْلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهِ مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ8، وَالْمُرَادُ: فِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ شِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ.

1 صحيح البخاري 2/155.

2 سبق تخريج الحديث في ص 365 من هذا الجزء.

3 زيادة من صحيح البخاري.

4 العثري: هو الزرع لايسقيه إلا ماء المطر. "المصباح المنير 1/466" ويقال للنخل الذي لايحتاج في سقيه إلى تعب بدالية وغيرها عثري، كأنه عثر على الماء عثراً بلا عمل من صاحبه. "لسان العرب 4/541".

5 ولفظه " فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقي بالسانية نصف العشر". "صحيح مسلم 2/675".

6 الآية 1414 من الأنعام.

7 في ع ز ض ب: الذي

8 انظر "مناهج العقول 2/149، المحصول?1ق3/ 269، شرح تنقيح الفصول ص281، روضة الناظر ص184، المسودة ص573، مختصر الطوفي ص 119،العدة 1/118، الإحكام للآمدي 3/27، إرشاد الفحول ص 173، التبصرة ص247، أصول السرخسي 2/27، فواتح الرحموت 2/45، شرح العضد 2/162، تيسير التحرير 3/175، الإحكام لابن حزم 1/72، الآيات البينات 3/119، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/119، المعتمد 1/338، نشر البنود 1/278، المستصفى 1/366 وما بعدها، اللمع ص 29، نهاية السول 2/151، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/67".

ص: 442

دَلِيلُ الْمُعْظَمِ -كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ1 وَغَيْرُهُ -: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَيَّنَ الصَّلاةَ وَالْحَجَّ بِالْفِعْلِ، وَقَالَ:"صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" وَقَالَ: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ".

رَوَى الأَوَّلَ الْبُخَارِيُّ2 مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ3. وَرَوَى الثَّانِيَ مُسْلِمٌ4 مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

لا يُقَالُ: إنَّ الَّذِي وَقَعَ بِهِ5 الْبَيَانُ قَوْلٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ " صَلُّوا " وَ " خُذُوا " لأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا دَلَّ الْقَوْلُ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ بَيَانٌ، لا أَنَّ6 نَفْسَ الْقَوْلِ وَقَعَ بَيَانًا.

وَأَيْضًا فَالْفِعْلُ مُشَاهَدٌ. وَالْمُشَاهَدَةُ أَدَلُّ7، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِالْبَيَانِ.

وَفِي الْحَدِيثِ8 "لَيْسَ الْخَبَرُ كَالْمُعَايَنَةِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ9 بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، وَابْنُ حِبَّانَ10 وَالطَّبَرَانِيُّ، وَزَادَ فِيهِ: "فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ

1 مختصر ابن الحاجب مع شرحه للعضد2/162.

2 صحيح البخاري 1/162.

3 هو الصحابي الجليل مالك بن الحويرث بن أشيم الليثي، أبو سليمان. قال النووي:"روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة عشر حديثاً، اتفقا على حديثين، وانفرد البخاري بحديث، وثبت في الصحيحين انه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شببة متقاربين، أقاموا عند النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ليلة، ثم أذن لهم بالرجوع إلى أهلهم، وأمرهم أن يعلموهم دينهم".

وقال ابن عبد البر: سكن البصرة ومات بها سنة 94هـ. "انظر ترجمته في أسد الغابة 5/20، الاستيعاب3/1349، طرح التثريب 1/94، تهذيب الأسماء واللغات 2/80، صحيح البخاري 1/162".

4 صحيح مسم 2/943.

5 في ش: في.

6 في ش: لأن.

7 في ش: أولى.

8 سبق تخريجه في? 2 ص337.

9 مسند الإمام أحمد 1/215، 217.

10موارد الظمان ص 510.

ص: 443

عَلَيْهِ السَّلامُ عَمَّا صَنَعَ قَوْمُهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَلَمْ يُلْقِ الأَلْوَاحَ، فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ أَلْقَى الأَلْوَاحَ".

فَيَحْصُلَ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ "وَلَوْ" كَانَ ذَلِكَ الْفِعْلُ1 كُلُّهُ "كِتَابَةً أَوْ إشَارَةً"2.

قَالَ صَاحِبُ الْوَاضِحِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ: لا أَعْلَمُ خِلافًا فِي أَنَّ الْبَيَانَ يَقَعُ بِالإِشَارَةِ وَالْكِتَابَةِ. اهـ.

مِثَالُ الْكِتَابَةِ: الْكُتُبُ الَّتِي كُتِبَتْ، وَبُيِّنَ فِيهَا الزَّكَوَاتُ3 وَالدِّيَاتُ4 وَأُرْسِلَتْ مَعَ عُمَّالِهِ.

وَمِثَالُ الإِشَارَةِ: قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "الشَّهْرُ هَكَذَا، وَهَكَذَا، وَهَكَذَا" -وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الْعَشَرَةِ، وَقَبَضَ الإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ5- يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ.

"وَ" وَالْبَيَانُ "الْفِعْلِيُّ أَقْوَى" مِنْ الْبَيَانِ الْقَوْلِيِّ، لأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ أَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْقَوْلِ، وَأَسْرَعُ إلَى الْفَهْمِ، وَأَثْبَتُ فِي الذِّهْنِ، وَأَعْوَنُ6 عَلَى

1في ش: الفعل كله.

2 انظر: "اللمع ص29، الفقيه والمتفقه 1/120، روضة الناظر ص184، العدة 1/114، مختصر الطوفي ص119، إرشاد الفحول ص172، المعتمد 1/337، شرح تنقيح الفصول ص278 وما بعدها، المحصول ج1ق3/ 262، 264، البرهان 1/164، الإحكام لابن حزم 1/72، 74".

3 في ض ب: الزكاة.

4 مثل كتابه صلى الله عليه وسلم الذي بعثه مع عمرو بن حزم إلى أهل اليمن، وبين فيه الفرائض والسنن والديات. وقد سبق تخريجه في ج1 ص253، وكتابه صلى الله عليه وسلم في الصدقات الذي أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم والدارقطني. "انظر بذل المجهود 8/50، سنن الدارقطني 2/116، عارضة الأحوذي 3/106، المستدرك 1/392".

5 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عمر مرفوعاً، وأخرجه ابن ماجه والنسائي عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً. "انظر صحيح البخاري 3/34، صحيح مسلم 2/760، بذل المجهود 11/105، سنن النسائي 4/113 وما بعدها، سنن ابن ماجه 1/530".

6 في ش: وعون.

ص: 444

التَّصَوُّرِ1 وَقَدْ عَرَّفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَثَلَ ابْنِ آدَمَ وَأَجَلَهُ وَأَمَلَهُ بِالْخَطِّ الْمُرَبَّعِ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ2.

"وَ" َحْصُلُ الْبَيَانُ أَيْضًا "بِإِقْرَارٍ عَلَى فِعْلٍ" أَيْ إقْرَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى3 فِعْلِ بَعْضِ أُمَّتِهِ، لأَنَّهُ دَلِيلٌ مُسْتَقِلٌّ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِغَيْرِهِ4 كَغَيْرِهِ مِنْ الأَدِلَّةِ5.

"وَكُلُّ مُقَيَّدٍ مِنْ" جِهَةِ "الشَّرْعِ بَيَانٌ"6 وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْبَيَانُ، تَتَنَاوَلُ مَا سَبَقَ وَمَا يَأْتِي بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ذَكَرَ ذَلِكَ الطُّوفِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ7.

وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ:

مِنْهَا: التَّرْكُ، مِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ فِعْلاً8 قَدْ أُمِرَ بِهِ، أَوْ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ فِعْلُهُ

1 انظر منهاج العقول 2/150، المعتمد 1/339، روضة الناظر 185، مختصر الطوفي ص119، نهاية السول 2/151.

2 ونصه: عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط حطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، وقال:"هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به، أو قد أحاط به، وهذا الذي يخرج هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وأن أخطأه هذا نهشه هذا". "صحيح البخاري 8/110، وانظر جامع الأصول 1/287".

3 في ز: في.

4 ساقطة من ش.

5 انظر اللمع ص29، الفقيه والمتفقه 1/119، المسودة ص573، روضة الناظر ص185، العدة 1/127، المستصفى 1/367، الإحكام لابن حزم 1/72، مختصر الطوفي ص119.

6 انظر نشر البنود 1/283.

7 مختصر الطوفي ص119.

8 في ض ب: فعل.

ص: 445

فَيَكُونَ تَرْكُهُ لَهُ مُبَيِّنًا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ1، وَذَلِكَ كَمَا أَنَّهُ قَيْلَ2 لَهُ {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} 3 ثُمَّ إنَّهُ كَانَ يُبَايِعُ وَلا يُشْهِدُ، بِدَلِيلِ الْفَرَسِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ الأَعْرَابِيِّ ثُمَّ أَنْكَرَ الْبَيْعَ، فَعُلِمَ أَنَّ الإِشْهَادَ فِي الْبَيْعِ غَيْرُ وَاجِبٍ.

وَصَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم التَّرَاوِيحَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ تَرَكَهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ4، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، إذْ يَمْتَنِعُ تَرْكُهُ5 الْوَاجِبِ.

وَمِنْهَا: السُّكُوتُ بَعْدَ السُّؤَالِ عَنْ حُكْمِ الْوَاقِعَةِ. فَيُعْلَمَ أَنَّهُ لا حُكْمَ لِلشَّرْعِ فِيهَا6، كَمَا رُوِيَ أَنَّ7 زَوْجَةَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ8 جَاءَتْ بِابْنَتَيْهَا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدٍ، قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَك يَوْمَ أُحُدٍ، وَقَدْ أَخَذَ عَمُّهُمَا مَالَهُمَا، وَلا يُنْكَحَانِ إلَاّ بِمَالٍ، فَقَالَ:"اذْهَبِي حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيك".

فَذَهَبَتْ ثُمَّ نَزَلَتْ9 آيَةُ الْمِيرَاثِ {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} 10 فَبَعَثَ خَلْفَ

1 انظر شرح تنقيح الفصول ص279، المحصول ج1ق3/ 267، نهاية السول 2/151، المسودة ص573.

2 في ش: قال الله.

3 الآية 282 من البقرة.

4 أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ومالك في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها. "انظر صحيح البخاري 3/58، صحيح مسلم 1/524، سنن النسائي 3/164، بذل المجهود 7/150، الموطأ 1/113".

5 في ش ز: ترك.

6 شرح تنقيح الفصول ص279، المحصول ج1ق3/ 268.

7 في ع ز ض ب: عن.

8 هو الصحابي الشهيد سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي. قال أهل السير: كان نقيب بني الحارث بن الخزرج، هو وعبد الله بن رواحة، وكان كاتباً في الجاهلية، شهد بيعة العقبة الأولى والثانية، وقتل يوم أحد شهيداً. "انظر ترجمته في أسد الغابة 2/348، الاستيعاب 2/589، تهذيب الأسماء واللغات 1/210".

9في ض: انزلت.

10 الآية 11 من النساء.

ص: 446

الْمَرْأَةِ وَابْنَتَيْهَا وَعَمِّهِمَا فَقَضَى فِيهِمْ بِحُكْمِ1 الآيَةِ2.

فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ، وَإِلَاّ لَمَا جَازَ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، كَمَا يَأْتِي.

وَمِنْهَا: أَنْ يَسْتَدِلَّ الشَّارِعُ اسْتِدْلالاً عَقْلِيًّا، فَتَبِينُ3 بِهِ الْعِلَّةُ، أَوْ مَأْخَذُ4 الْحُكْمِ، أَوْ فَائِدَةٌ مَا إذْ5 الْكَلامُ فِي بَيَانِ الْمُجْمَلِ وَمُحْتَمَلاتُهُ بِالْفَرْضِ6 مُتَسَاوِيَةٌ، فَأَدْنَى مُرَجِّحٍ يَحْصُلُ بَيَانًا مُحَافَظَةً عَلَى الْمُبَادَرَةِ إلَى الامْتِثَالِ، وَعَدَمِ الإِهْمَالِ لِلدَّلِيلِ7.

قَالَهُ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَتَابَعَهُ الْعَسْقَلانِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَزَادَ الأَخِيرُ.

"وَالْفِعْلُ وَالْقَوْلُ" الصَّادِرَانِ مِنْ الشَّارِعِ "بَعْدَ مُجْمَلٍ، إنْ صَلَحَا" أَيْ صَلَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ بَيَانًا "وَاتَّفَقَا" فِي غَرَضِ الْبَيَانِ، بِأَنْ لا يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ8 "فَالأَسْبَقُ" مِنْهُمَا "إنْ عُرِفَ بَيَانٌ" لِلْمُجْمَلِ "وَالثَّانِي" مِنْهُمَا "تَأْكِيدٌ" لِلأَسْبَقِ9

1 في ش: بحكم الله تعالى.

2 أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث صحيح. "انظر عارضة الأحوذي 8/243، بذل المجهود 13/163، سنن ابن ماجه 2/908، مسند الإمام أحمد 3/352".

3 في ش: تتبين، وفي د: فتتبين.

4 في ش: يأخذ.

5 في ض ب: إذا.

6 في ش: بالغرض.

7 انظر نشر البنود 1/278، شرح تنقيح الفصول ص279، المحصول ج1ق3/ 267، نهاية السول 2/151.

8 في ع: تناف واتفاقاً.

9 قال الآمدي: إلا إذا كان دون الأول في الدلالة، لاستحالة تأكيد الشيء بما هو دونه في الدلالة. اهـ. انظر تحقيق المسألة في "المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/68، الآيات البينات 3/120، الإحكام للآمدي 3/28، المحصول ج1ق3/ 272، نشر البنود 1/279، تيسير التحرير 3/176، المعتمد 1/339، شرح تنقيح الفصول ص281، منهاج العقول 2/150".

ص: 447

"وَإِنْ جُهِلَ" الأَسْبَقُ مِنْ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ "فَأَحَدُهُمَا" فَقَطْ1 هُوَ الْمُبَيِّنُ فَلا يُقْضَى عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بِأَنَّهُ الْمُبَيِّنُ، بَلْ يُقْضَى بِحُصُولِ الْبَيَانِ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ نَطَّلِعْ عَلَيْهِ، وَهُوَ الأَوَّلُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ وَالثَّانِي فِي نَفْسِ الأَمْر2ِ تَأْكِيدٌ3 وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ4.

وَقَالَ الآمِدِيُّ: يَتَعَيَّنُ لِلتَّقْدِيمِ غَيْرُ الأَرْجَحِ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُبَيِّنَ، لأَنَّ الْمَرْجُوحَ لا يَكُونُ تَأْكِيدًا5 لِلرَّاجِحِ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ6.

وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُؤَكِّدَ الْمُسْتَقِلَّ لا يَلْزَمُ فِيهِ ذَلِكَ، كَالْجُمَلِ الَّتِي يَذْكُرُ بَعْضُهَا بَعْدَ بَعْضِ لِلتَّأْكِيدِ، وَأَنَّ التَّأْكِيدَ يَحْصُلُ بِالثَّانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ7 أَضْعَفَ

1 ساقطة من ش.

2 ساقطة من ش.

3 في د: تأكيداً.

4 انظر "المحصول ج1ق3/ 273، تيسير التحرير 3/176، المعتمد 1/339، إرشاد الفحول ص173، شرح العضد 2/163، نهاية السول 2/151، فواتح الرحموت 2/46، الآيات البينات 3/120، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/68، منهاج العقول 2/150".

5 في ش: توكيداً.

6 الإحكام في أصول الأحكام 3/28 باختصار وتصرف، وعبارة الآمدي:"وإن جعل ذلك –أي تقدم أحدهما- قلا يخبو: إما إن يكونا متساويين في الدلالة، أو أحدهما أرجح من الأخر على حسب اختلاف الوقائع والأقوال والأفعال. فإن كان الأول: فأحدهما هو البيان، والآخر مؤكد من غير تعيين. وإن كان الثاني: فالأشبه أن المرجوح هو المتقدم، لأنا لو فرضنا تأخر المرجوح امتنع أن يكون مؤكداً للراجح، إذ الشيء لا يؤكد بما هو دونه في الدلالة، والبيان حاصل بدونه، فكان الاتيان به غير مفيد، ومنصب الشارع منزه عن الاتيان بما لا يفيد، ولا كذلك فيما إذا جعلنا المرجوح مقدماً، فإن الاتيان بالراجح بعده يكون مفيداً للتأكيد، ولا يكون معطلاً".

7 في ش: كان.

ص: 448

بِانْضِمَامِهَا إلَى الأُولَى، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمُؤَكِّدِ أَقْوَى فِي الْمُفْرَدَاتِ1.

"وَإِنْ""لَمْ يَتَّفِقَا" أَيْ الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ "كَمَا لَوْ طَافَ" النَّبِيُّ "صلى الله عليه وسلم بَعْدَ آيَةِ الْحَجِّ" حَالَ كَوْنِهِ 2"مَرَّتَيْنِ" أَيْ طَوَافَيْنِ3 "وَأَمَرَ" مَنْ حَجَّ "قَارِنًا بِمَرَّةٍ" أَيْ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ4"فَقَوْلُهُ" الَّذِي هُوَ أَمْرُهُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ "بَيَانٌ" سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ طَوَافُهُ5 مَرَّتَيْنِ أَوْ بَعْدَهُ، لأَنَّ الْقَوْلَ يَدُلُّ عَلَى الْبَيَانِ بِنَفْسِهِ بِخِلافِ الْفِعْلِ. فَإِنَّهُ لا يَدُلُّ إلَاّ بِوَاسِطَةِ انْضِمَامِ الْقَوْلِ إلَيْهِ، وَالدَّالُ بِنَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ الدَّالِ بِغَيْرِهِ6.

لا يُقَالُ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْفِعْلَ أَقْوَى فِي الْبَيَانِ، لأَنَّا نَقُولُ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْقَوْلَ أَقْوَى فِي الدَّلالَةِ عَلَى الْحُكْمِ، وَالْفِعْلُ أَدَلُّ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ، فَفِعْلُ الصَّلاةِ أَدَلُّ مِنْ

1 نحو " جاءني القوم كلهم". "انظر شرح العضد 2/163".

2 ساقطة من ش ز.

3 حيث روى الدارقطني عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قارناً، فطاف طوافين وسعى سعيين. "سنن الدارقطني 2/263" وروى الدارقطني أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنه أنه جمع بين حجته وعمرته معاً وقال سبيلهما واحداً، فطاف بهما طوافين وسعى بهما سعيين، وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت". "سنن الدارقطني 2/258، وانظر الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/35".

4 حيث روى الترمذي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من احرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد عنهما حتى يحل منهما جميعاً". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. "انظر عارضة الأحوذي 4/173، سنن ابن ماجه 2/990، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/35".

5 في ز طواف.

6 انظر "المحصول ج1ق3/ 275، نشر البنود 1/280، التبصرة ص249، تيسير التحرير 3/176، منهاج العقول 2/150، الإحكام للآمدي 3/29، شرح العضد 2/163، إرشاد الفحول ص173، نهاية السول 2/151، فواتح الرحموت 2/47، المسودة ص126، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/68، الآيات البينات 3/121، شرح تنقيح الفصول ص281".

ص: 449

وَصْفِهَا بِالْقَوْلِ لأَنَّ فِيهِ الْمُشَاهَدَةَ، وَأَمَّا اسْتِفَادَةُ وُجُوبِهَا1 أَوْ نَدْبِهَا2 أَوْ غَيْرِهِمَا: فَالْقَوْلُ أَقْوَى لِصَرَاحَتِهِ.

وَقِيلَ: الْمُقَدَّمُ3 هُوَ الْبَيَانُ4.

"وَفِعْلُهُ" الَّذِي هُوَ طَوَافُهُ مَرَّتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ قَوْلِهِ5 أَوْ بَعْدَهُ "نَدْبٌ، أَوْ وَاجِبٌ مُخْتَصُّ6 بِهِ" يَعْنِي: أَنَّ فِعْلَهُ الْمَذْكُورَ يُحْمَلُ حِينَئِذٍ عَلَى النَّدْبِ، أَوْ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُخْتَصِّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قُوَّةِ دَلالَةِ الْقَوْلِ7.

"وَيَجُوزُ كَوْنُ الْبَيَانِ أَضْعَفَ دَلالَةً" مِنْ الْمُبَيِّنِ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ8.

وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِتَبْيِينِ السُّنَّةِ لِمُجْمَلِ الْقُرْآنِ.

1 في ش: وجودها.

2 في ش: تدبرها.

3 في سائر النسخ: المقدم.

4 وهو قول أبي الحسين البصري المعتزلي. "انظر المعتمد 1/340".

5 في ض: قبله.

6 في ش: يختص.

7 انظر فواتح الرحموت 2/47، الآيات البينات 3/121، منهاج العقول 2/150، شرح العضد 2/163، نشر البنود 1/280، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/69.

8 انظر نشر البنود 1/278، روضة الناظر ص185، العدة 1/125، مختصر الطوفي ص119، نهاية السول 2/161، المعتمد 1/340.

وللآمدي في المسألة تفصيل حسن يقول فيه: "والمختار في ذلك أن يقال: أما المساواة في القوة، فالواجب أن يقال: إن كان المبين مجملاً، كفى في تعيين أحد احتماليه أدنى ما يفيد الترجيح. وإن كان عاماً أو مطلقاً، فلا بد وأن يكون المخصص والمقيد في دلالته أقوى من دلالة العام على صورة التخصيص ودلالة المطلق على صورة التقييد. وإلا فلو كان مساوياً لزم الوقف. ولو كان مرجوحاً لزم منه إلغاء الراجح بالمرجوح، وهو ممتنع". "الإحكام للآمدي 3/31، وانظر شرح العضد 2/163".

ص: 450

وَقِيلَ: لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ أَقْوَى1.

وَقِيلَ: لا بُدَّ مِنْ التَّسَاوِي2.

"وَلا تُعْتَبَرُ مُسَاوَاتُهُ" أَيْ مُسَاوَاةُ الْبَيَانِ لِلْمُبَيَّنِ "فِي الْحُكْمِ" وَعَدَمِهِ3.

قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: لا تُعْتَبَرُ مُسَاوَاةُ الْبَيَانِ لِلْمُبَيَّنِ فِي الْحُكْمِ، قَالَهُ فِي التَّمْهِيدِ: وَغَيْرِهِ، لِتَضَمُّنِهِ صِفَتَهُ، وَالزَّائِدُ بِدَلِيلٍ، خِلافًا لِقَوْمٍ.

فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، لأَنَّ الأَوْلَى فِي ضَعْفِ الدَّلالَةِ وَقُوَّتِهَا، وَهَذِهِ فِي مُسَاوَاةِ الْبَيَانِ لِلْمُبَيِّنِ فِي الْحُكْمِ وَعَدَمِهِ.

وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي قَبْلَهَا مُمَثَّلَةٌ بِتَبْيِينِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ فِي الرُّتْبَةِ، لا فِي الدَّلالَةِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِ الرُّتْبَةِ ضَعْفُ الدَّلالَةِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الأَضْعَفُ رُتْبَةً أَقْوَى دَلالَةً، كَتَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لأَنَّهُ أَخَصُّ فَيَكُونُ أَدَلَّ.

"وَلا يُؤَخَّرُ" أَيْ لا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ "عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ"4 وَصُورَتُهُ:

1 انظر الآيات البينات 3/120، شرح العضد 2/163.

2 انظر فواتح الرحموت 2/48، تيسير التحرير 3/173 وما بعدها.

3 الإحكام للآمدي 3/31.

وحقيقة المسألة كما قال الرازي في "المحصول": "هل إذا كان المبين واجباً كان بيانه واجباً كذلك؟ قال به قوم. فإن أرادوا به أن المبين إذا كان واجباً. فبيانه بيان لصفة شيء واجب، فصحيح. وإن أرادوا به أنه يدل على الوجوب كما يدل المبين، فغير صحيح، لأن البيان إنما يتضمن صفة المبين، وليس يتضمن لفظاً يفيد الوجوب، ألا ترى أن صورة الصلاة ندباً وواجباً صورة واحدة!! وإن أرادوا أنه إذا كان المبين واجباً، كان بيانه واجباً على الرسالة للشافعي، وإذا لم يكن تضمن فعلاً واجباً أو لم يتضمن، وإلا كان تكليفاً بما لا يطاق". "المحصول ج1ق3/ 276، وانظر المعتمد 1/340".

4 انظر تحقيق المسألة في "المعتمد 1/342، اللمع ص29، الفقيه والمتفقه 1/121، العدة 3/724، مختصر الطوفي ص119، روضة الناظر ص185، البرهان 1/166، المسودة ص181، منهاج العقول 2/152، فواتح الرحموت 2/49، المستصفى 1/368، شرح العضد 2/164، الإحكام للآمدي 3/32، المحصول ج1ق3/ 279، إرشاد الفحول ص173، الآيات البينات 3/122، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/69، تيسير التحرير 3/174، كشف الأسرار 3/108، الإحكام لابن حزم 1/75، نهاية السول 2/156".

ص: 451

أَنْ يَقُولَ "صَلُّوا غَدًا" ثُمَّ لا يُبَيِّنُ لَهُمْ فِي غَدٍ كَيْفَ يُصَلُّونَ وَنَحْوُ ذَلِكَ. لأَنَّهُ تَكْلِيفٌ بِمَا لا يُطَاقُ.

وَجَوَّزَهُ مَنْ أَجَازَ تَكْلِيفَ الْمُحَالِ1.

وَالتَّفْرِيعُ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، لأَنَّ الْعِلَّةَ فِي عَدَمِ وُقُوعِ التَّأْخِيرِ عَنْ وَقْتِ الْعَمَلِ: أَنَّ الإِتْيَانَ بِالشَّيْءِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ مُمْتَنِعٌ، فَالتَّكْلِيفُ بِذَلِكَ تَكْلِيفٌ بِمَا2 لا يُطَاقُ، فَلا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.

وَإِلَاّ جَازَ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ3، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

"وَلِمَصْلَحَةٍ" يَعْنِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ لِمَصْلَحَةٍ "هُوَ" الْبَيَانُ "الْوَاجِبُ أَوْ4 الْمُسْتَحَبُّ، كَتَأْخِيرِهِ" لِلأَعْرَابِيِّ "الْمُسِيءِ فِي صَلاتِهِ إلَى ثَالِثِ مَرَّةٍ"5 وَلأَنَّ الْبَيَانَ

1 شرح تنقيح الفصول ص282.

2 في ش: ما.

3 وتوضيح ذلك كما قال الشوكاني: أن من جوز التكليف بما لا يطاق، فهو يقول بجوازه فقط لا بوقوعه. فكان عدم الوقوع متفقاً عليه بين الطائفتين. ولهذا نقل أبو بكر الباقلاني أجماع أرباب الشرائع على امتناعه. "إرشاد الفحول ص173، وانظر تيسير التحرير 3/174، نشر البنود 1/280".

4 في ش ض ب: و.

5 حيث روى الشيخان وأصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل". فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل". ثلاثاً فال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلمني! فقال: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها". والحديث سبق تخريجه في ص430 من هذا الجزء.

ص: 452

إنَّمَا يَجِبُ لِخَوْفِ فَوْتِ الْوَاجِبِ الْمُؤَقَّتِ1 فِي وَقْتِهِ2.

"وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهُ" أَيْ الْبَيَانِ "وَتَأْخِيرُ تَبْلِيغِهِ" أَيْ تَبْلِيغِ النَّبِيِّ "صلى الله عليه وسلم الْحُكْمَ إلَى وَقْتِهَا" أَيْ وَقْتِ الْحَاجَةِ، حَكَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ3، وَذَكَرَهُ الْمَجْدُ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا4، فَهُوَ جَائِزٌ، وَوَاقِعٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُبَيَّنُ ظَاهِرًا يُعْمَلُ بِهِ، كَتَأْخِيرِ بَيَانِ التَّخْصِيصِ، وَبَيَانِ التَّقْيِيدِ، وَبَيَانِ النَّسْخِ أَوْ لا، كَبَيَانِ الْمُجْمَلِ.

وَعَنْهُ لا يَجُوزُ ذَلِكَ5، وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ6.

فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مُجْمَلٌ إلَاّ وَالْبَيَانُ مَعَهُ، وَكَذَا غَيْرُ الْمُجْمَلِ.

وَاسْتُدِلَّ لِلْقَوْلِ الأَوَّلِ -الَّذِي هُوَ الصَّحِيحُ- بِقَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {فَأَنَّ

1 في ش: الوقت.

2 انظر المسودة ص182.

3 انظر: نشر البنود 1/281، التمهيد للأسنوي ص130، المحصول ج1ق3/ 280، البرهان 1/166، روضة الناظر ص185، مختصر الطوفي ص119، العدة 3/725، الفقيه والمتفقه 1/122، التبصرة ص207، كشف الأسرار 3/108، اللمع ص29، تيسير التحرير 3/174ن نهاية السول 2/156، منهاج العقول 2/152، شرح تنقيح الفصول ص282، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/69، الآيات البينات 3/123، إرشاد الفحول ص174، الإحكام للآمدي 3/32، شرح العضد 2/164، المستصفى 1/368، فواتح الرحموت 2/49، الإحكام لابن حزم 1/75".

4 المسودة ص178.

5 انظر المسودة ص179.

6 انظر: نشر البنود 1/281، البرهان 1/166، روضة الناظر ص185، مختصر الطوفي ص119، العدة 3/725، المسودة ص179،المعتمد 1/342، إرشاد الفحول ص174، الإحكام للآمدي 3/32".

ص: 453

لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} 1 ثُمَّ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ2 أَنَّ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ.

وَلأَحْمَدَ 3وَأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ "أَنَّهُ لَمْ يُخَمِّسْهُ"4.

وَلَمَّا أَعْطَى بَنِي الْمُطَّلِبِ مَعَ بَنِي هَاشِمٍ مِنْ سَهْمِ ذِي الْقُرْبَى، وَمَنَعَ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ سُئِلَ، فَقَالَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلَبِ "شَيْءٌ"5 وَاحِدٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ6.

وَلأَحْمَدَ7 وَأَبِي دَاوُد8 وَالنَّسَائِيِّ9 بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ "إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونِي 10 فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلا إسْلامٍ" وَلَمْ يُنْقَلْ بَيَانُ إجْمَالٍ مُقَارِنٍ، وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ، وَالأَصْلُ عَدَمُهُ.

"وَ" يَجُوزُ أَيْضًا "التَّدَرُّجُ11 بِالْبَيَانِ" بِأَنْ يُبَيِّنَ تَخْصِيصًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْمُحَقِّقِينَ12فَيُقَالُ مَثَلاً "اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ" ثُمَّ يُقَالَ

1 الآية 41 من الأنفال.

2 صحيح البخاري 4/112، صحيح مسلم 3/1371.

3 في ش: وروى أحمد وأبو.

4 أي السلب. انظر بذل المجهود 12/314، مسند الإمام أحمد 4/90، 6/26.

5 زيادة من صحيح البخاري.

6 صحيح البخاري 4/111.

7 مسند الإمام أحمد 4/81.

8 بذل المجهود 13/282.

9 سنن النسائي 7/119، وكلمة "النسائي" ساقطة من ش.

10 في ش: يفارقونا.

11 في ش: التدرج.

12 انظر المستصفى 1/381، الإحكام للآمدي 3/49، نهاية السول 2/161، شرح العضد 2/167.

ص: 454

"سَلَخَ1 الشَّهْرُ" ثُمَّ يُقَالُ "الْحَرْبِيِّينَ" ثُمَّ يُقَالَ "إذَا كَانُوا رِجَالاً ".

وَقِيلَ: يَجُوزُ ذَلِكَ2 فِي الْمُجْمَلِ، وَأَمَّا فِي الْعُمُومِ: فَعَلَى الْخِلافِ.

وَقِيلَ: يَجُوزُ إذَا عَلِمَ الْمُكَلَّفُ فِيهِ بَيَانًا مُتَوَقِّعًا.

وَقِيلَ: لا يَجُوزُ مُطْلَقًا لأَنَّ قَضِيَّةَ الْبَيَانِ أَنْ يُكْمِلَهُ3 أَوَّلاً.

وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِوُقُوعِهِ، وَالأَصْلُ عَدَمُ4 مَانِعٍ5.

"وَ" عَلَى الْمَنْعِ6 "يَجُوزُ تَأْخِيرُ إسْمَاعِ مُخَصِّصٍ مَوْجُودٍ" عِنْدَنَا وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ7.

وَمَنَعَهُ أَبُو الْهُذَيْلِ8 وَالْجُبَّائِيُّ.

1 كذا في سائر النسخ. ولعل الصواب: إذا انسلخ.

2 ساقطة من ز.

3 في ز ض: يكلمه.

4 في ض: عدمه.

5 في ش: المانع. وفي ض: على المنع.

6 أي بناء على القول بمنع تأخير البيان إلى وقت الحاجة. "انظر شرح العضد 2/167".

7 انظر "شرح العضد 2/167، الإحكام للآمدي 3/9، المعتمد 1/360، نهاية السول 2/161، الآيات البينات 3/127 وما بعدها، المستصفى 2/152، فواتح الرحموت 2/51، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/73، تيسير التحرير 3/175، شرح تنقيح الفصول ص286، المحصول ج1ق3/ 334".

8 هو محمد بن الهذيل البصري، المعروف بالعلاف، مولى عبد القيس، أحد رؤوس المعتزلة وشيوخه، وصاحب المصنفات الكثيرة في مذهبهم. قال البغدادي:"وفضائحه تترى، تكفره فيها سائر فرق الأمة من أصحابه في الاعتزال من غيرهم". وذكر ابن النديم أنه لحقه في أخر عمره خرف، إلا أنه كان لا يذهب عليه أصول المذهب، ولكنه ضعف عن مناهضة المناظرين وحجاج المخالفين. توفي سنة 226هـ وقيل سنة 235 هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة للقاضي عبد الجبار ص254، الفهرست لابن النديم ص203، الفرق بين الفرق للبغدادي ص121، شذرات الذهب 2/85".

ص: 455

وَوَافَقَا1 عَلَى الْمُخَصِّصِ الْعَقْلِيِّ2.

وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوِّزُونَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ سَمَاعُهُ، بِخِلافِ الْمَعْدُومِ. وَسَمِعَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ3} 4 وَلَمْ تَسْمَعْ الْمُخَصِّصَ5، وَسَمِعَ الصَّحَابَةُ الأَمْرَ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ إلَى الْجِزْيَةِ6، وَلَمْ يَأْخُذْ عُمَرُ الْجِزْيَةَ مِنْ الْمَجُوسِيِّ7 حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَهَا مِنْهُمْ8 رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ9.

"وَيَجِبُ اعْتِقَادُ الْعُمُومِ، وَالْعَمَلُ بِهِ فِي الْحَالِ" يَعْنِي قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُخَصِّصٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا10.

1 في ش: ووافق.

2 انظر المعتمد 1/360.

3 في ش: أموالكم.

4 الآية 11 من النساء.

5 ولذلك طلبت ميراثها مما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعموم الآية. يوضح ذلك ما رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث، ما تركناه صدقة". "انظر صحيح البخاري 8/185، صحيح مسلم 3/1381، بذل المجهود 13/266، سنن النسائي 7/120".

6 في قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} التوبة/29.

7 لأنه لم يسمع مخصصه وهو قوله عليه الصلاة والسلام في شأن المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه. "الموطأ 1/278".

في ش: المجوسي.

8 في صحيح البخاري: من مجوس هجر.

9 صحيح البخاري 4/117.

10 انظر المسودة ص109، العدة 2/525، روضة الناظر ص242، مختصر الطوفي ص105ن الرسالة للشافعي ص295، 322، 341.

ص: 456

وَمَحِلُّهُ: إنْ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى1 طَرِيقِ تَعْلِيمِ الْحُكْمِ، وَإِلَاّ فَلا لِمَنْعِ بَيَانِ2 تَأْخِيرِ تَأْخِيرِ التَّخْصِيصِ مِنْهُ.

وَقِيلَ يَجِبُ ذَلِكَ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَإِلَاّ فَلا.

وَعَنْهُ لا يَجِبُ اعْتِقَادُ3 الْعُمُومِ، حَتَّى يُبْحَثَ عَنْ الْمُخَصِّصِ4، اخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ5.

وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ بِأَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ مُوجِبٌ لِلاسْتِغْرَاقِ، وَالْمُخَصِّصَ مُعَارِضٌ وَالأَصْلُ عَدَمُهُ.

وَمَثَارُ6 الْخِلافِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ: التَّعَارُضُ بَيْنَ الأَصْلِ وَالظَّاهِرِ، وَلَهُ مَثَارٌ7 آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ التَّخْصِيصَ هَلْ هُوَ مَانِعٌ، أَوْ عَدَمُهُ شَرْطٌ؟!

فَالصَّيْرَفِيُّ جَعَلَهُ مَانِعًا، فَالأَصْلُ8 عَدَمُهُ، وَابْنُ سُرَيْجٍ: جَعَلَهُ شَرْطًا، فَلا9 بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهِ

1 في ش: عن.

2 ساقطة من ز.

3 ساقطة من ش.

4 فإن وجد، حمل اللفظ على الخصوص، وإن لم يوجد، حمل حينئذ على العموم. "العدة 2/526، المسودة ص109، روضة الناظر 242".

5 انظر "شرح العضد 2/168، الإحكام للآمدي 3/50، البرهان 1/408، المحصول ج1ق3/ 29، المستصفى 2/157، منهاج العقول 2/91، نهاية السول 2/92، اللمع ص15، التبصرة ص119، إرشاد الفحول ص139، فواتح الرحموت 2/267، تيسير التحرير 1/230".

6 في ش: ومثال.

7 في ش: مثال.

8 في ش: لأن الأصل.

9 في ش: ولا بد.

ص: 457

"وَكَذَا كُلُّ دَلِيلٍ مَعَ مُعَارِضِهِ" يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِكُلِّ دَلِيلٍ سَمِعَهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ مُعَارِضِهِ فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ1.

وَالْخِلافُ جَارٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي لَفْظِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ2.

وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى3 أَنَّهُ يَجِبُ عِنْدَ سَمَاعِ الْحَقِيقَةِ طَلَبُ الْمَجَازِ.

1 انظر المسودة ص110، 111.

2 انظر المستصفى 2/157.

3 ساقطة من ش.

ص: 458