المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: كلمة إنما: - شرح الكوكب المنير = شرح مختصر التحرير - جـ ٣

[ابن النجار الفتوحي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثالث

- ‌باب الأمر

- ‌فصل الأمر حقيقة في الوجوب

- ‌باب النهي:

- ‌باب العام:

- ‌فصل العام بعد تخصيصه:

- ‌فصل إطلاق جمع المشترك على معانيه

- ‌فَصْلٌ لَفْظُ الرِّجَالِ وَالرَّهْطِ لا يَعُمُّ النِّسَاءَ وَلا الْعَكْسَ:

- ‌فصل القران بين شيئين لفظا لا يقتضي التسوية بينهما حكما

- ‌باب التخصيص:

- ‌فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْمُخَصَّصِ الْمُتَّصِلِ

- ‌فصل المخصص المتصل الثالث الصفة

- ‌فصل المخصص المتصل الرابع الغاية:

- ‌فصل تخصيص الكتاب ببعضه وتخصيصه بالسنة مطلقا

- ‌فصل تقديم الخاص على العام مطلقا

- ‌باب المطلق:

- ‌بَابُ الْمُجْمَلِ:

- ‌بَابُ الْمُبَيَّنِ:

- ‌باب الظاهر:

- ‌بَابُ الْمَنْطُوقِ وَالْمَفْهُومِ:

- ‌فصل إذا خص نوع بالذكر مما لا يصح لمسكوت عنه فله مفهوم:

- ‌فَصْلٌ: كَلِمَةُ إنَّمَا:

- ‌بَابٌ النسخ:

- ‌فصل يجوز نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخهما معا:

- ‌فَصْلٌ يَسْتَحِيلُ تَحْرِيمُ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى:

الفصل: ‌فصل: كلمة إنما:

‌فَصْلٌ: كَلِمَةُ إنَّمَا:

"بِكَسْرٍ وَفَتْحٍ" أَيْ بِكَسْرِ هَمْزَتِهَا وَفَتْحِهَا1 "تُفِيدُ2 الْحَصْرَ""نُطْقًا" أَيْ مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ3 عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ الْمُنَى وَالْمُوَفَّقِ4 وَالْفَخْرِ مِنَّا5 وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.

وَعِنْدَ الْقَاضِي6 وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْحَلْوَانِيِّ وَالأَكْثَرُ فَهْمًا يُعْنَى بِالْمَفْهُومِ7.

وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ8 وَالآمِدِيِّ9 وَالطُّوفِيِّ10 -مِنْ أَصْحَابِنَا- وَمَنْ وَافَقَهُمْ: لا تُفِيدُ الْحَصْرَ نُطْقًا وَلا فَهْمًا، بَلْ تُؤَكِّدُ الإِثْبَاتَ

1 في ش: وفتحتها.

2 في ع: تقييد.

3 انظر "الإبهاج في شرح المنهاج 1/227 وما بعدها، معترك الأقران 1/183 وما بعدها، المحصول ج1 ق1/535، القواعد والفوائد الأصولية ص139، الإشارات للباجي ص92، شرح تنقيح الفصول ص57، نشر البنود 1/102، التمهيد للأسنوي ص57، نهاية السول 1/304، تيسير التحرير 1/102، 132".

4 روضة الناظر ص271.

5 ساقطة من ش.

6 العدة 2/479.

7 انظر: القواعد والفوائد الأصولية ص139، المسودة ص354، المستصفى 2/206، التبصرة ص239، اللمع ص26، إرشاد الفحول ص182، الآيات البينات 2/42 وما بعدها.

8 انظر: فواتح الرحموت 1/434، تيسير التحرير 1/132.

9 الإحكام في أصول الأحكام 3/97.

10 مختصر الطوفي ص125.

ص: 515

وَاخْتَارَهُ أَبُو حَيَّانِ، وَقَالَ: كَمَا1 لا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ أَخَوَاتِهَا الْمَكْفُوفَةِ2 بِمَا3 مِثْلَ: لَيْتَمَا، وَلَعَلَّمَا، وَإِذَا فُهِمَ مِنْ "إنَّمَا" حَصْرٌ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ السِّيَاقِ، لا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْبَصْرِيِّينَ.

قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ إمَامَ اللُّغَةِ 4نَقَلَ عَنْ5 أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهَا تُفِيدُهُ لِجَوَازِ "إنَّمَا الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ" 6 يَعْنِي7 قَلْبَهُ وَلِسَانَهُ أَيْ كَمَالُهُ بِهَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ8 لا بِهَيْئَتِهِ وَمَنْظَرِهِ.

ثُمَّ قَالَ نَعَمْ9 لَهُمْ طُرُقٌ فِي إفَادَتِهَا الْحَصْرَ أَقْوَاهَا نَقْلُ أَهْلِ10 اللُّغَةِ واسْتِقْرَاءَ11 اسْتِعْمَالاتِ الْعَرَبِ إيَّاهَا فِي ذَلِكَ، وَأَضعَفُهَا12 طَرِيقَةً الرَّازِيّ وَأَتْبَاعُهُ: أَنَّ "إنَّ" لِلإِثْبَاتِ وَ "مَا" لِلنَّفْيِ13، وَلا يَجْتَمِعَانِ، فَيُجْعَلُ الإِثْبَاتُ لِلْمَذْكُورِ وَالنَّفْيُ لِلْمَسْكُوتِ14

1 ساقطة من ش.

2 ساقطة من ع.

3 في ع: بم.

4 ساقطة من ش.

5 في ز: إلى، وفي ب: عنه.

6 انظر: الأمثال لأبي عبيد ص98، لسان العرب 4/458، قال ابن منظور: ومعنى المثل أن المرء يعلو الأمور ويضبطها بجنانه ولسانه.

7 ساقطة من ش.

8 في ع ض ب: الوصفين.

9 ساقطة من د.

10 في ش: عن أهل.

11 في ش: استقرار.

12 في ش: وأصبعها.

13 في ش: استعمل للنفي.

14 المحصول ج1 ق1/537.

ص: 516

وَرُدَّ بِمَنْعِ كُلٍّ مِنْ الأَمْرَيْنِ؛ لأَنَّ "إنَّ" لِتَوْكِيدِ النِّسْبَةِ، نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا نَحْوَ إنَّ زَيْدًا قَامَ، وَإِنَّ زَيْدًا لَمْ يَقُمْ، وَ "مَا" كَافَّةٌ لا نَافِيَةٌ عَلَى الْمُرَجَّحِ1، وَبِتَقْدِيرِ التَّسَلُّمِ: فَلا يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُ الْمَعْنَى فِي حَالَةِ الإِفْرَادِ أَوْ2 حَالَةِ التَّرْكِيبِ.

قَالَ السَّكَّاكِيُّ: لَيْسَ الْحَصْرُ فِي "إنَّمَا" لِكَوْنِ "مَا" لِلنَّفْيِ، كَمَا يَفْهَمُهُ3 مَنْ لا وُقُوفَ لَهُ عَلَى النَّحْوِ؛ لأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلنَّفْيِ لَكَانَ لَهَا الصَّدْرُ4.

ثُمَّ حَكَى عَنْ الرَّبَعِيِّ5: "أَنَّ"6 إنَّ لِتَأْكِيدِ7 إثْبَاتِ الْمُسْنَدِ لِلْمُسْنَدِ إلَيْهِ، وَ "مَا" مُؤَكِّدَةٌ فَنَاسَبَ مَعْنَى الْحَصْرِ8.

دلِيلُ الْقَائِلِ بِالْحَصْرِ: تَبَادُرُ الْفَهْمِ بِلا دَلِيلٍ.

وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى إبَاحَةِ رِبَا الْفَضْلِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ" وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ9 وَشَاعَ فِي الصَّحَابَةِ

1 في ز: الأرجح.

2 ساقطة من ش.

3 في ش: يفهمها، وفي مفتاح العلوم: يظنه.

4 في ش: يفهمها، وفي مفتاح العلوم: يظنه.

5 هو علي بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي، أبو الحسن، أحد أئمة النحويين وحذاقهم، صاحب التصانيف الحسان كـ"شرح الإيضاح" و "البديع" و "شرح البلغة" و "شرح مختصر الجرمي" توفي سنة 420 هـ "انظر ترجمته في بغية الوعاة 2/181، معجم الأدباء 14/78، إنباه الرواة 2/297ن مفتاح العلوم ص126".

6 زيادة يقتضيها السياق.

7 في سائر النسخ: للتأكيد.

8 مفتاح العلوم ص126.

9 هذا لفظ مسلم. "انظر صحيح مسلم 3/1218"، أما البخاري فلم يخرجه بهذا اللفظ، وإنما أخرجه بلفظ "لا ربا إلا في النسيئة""صحيح البخاري 3/98".

ص: 517

وَلَمْ1 يُنْكَرْ، وَعَدَلَ إلَى دَلِيلٍ.

لَكِنْ قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْ أُسَامَةَ بِلَفْظِ:"لَيْسَ الرِّبَا إلَاّ فِي النَّسِيئَةِ" كَمَا فِي مُسْلِمٍ2. فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُسْتَنَدُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُمْ قَدْ رَوَوْا أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ لَمَّا وَافَقُوهُ كَانَ كَالإِجْمَاعِ.

"وَقَدْ""تَرِدُ" إنَّمَا "لِتَحْقِيقِ مَنْصُوصٍ، لا لِنَفْيِ غَيْرِهِ" نَحْوُ "إنَّمَا الْكَرِيمُ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ".

"وَ" لَفْظُ "تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ" يُفِيدُ الْحَصْرَ نُطْقًا3؛ لأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى ضَمِيرٍ4 عَائِدٍ إلَى الصَّلاةِ، وَفِيهَا السَّلامُ5.

وَبِهِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَلَى تَعْيِينِ لَفْظَيْ6 التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:

"تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ7" وَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ لِمَنْعِهِمْ الْمَفَاهِيمَ

1 في ض: فلم.

2 الحديث بهذا اللفظ غير موجود في صحيح مسلم، وقد روى مسلم نحوه عن أسامة بن زيد مرفوعاً "لا ربا فيما كان يداً بيد". "صحيح مسلم 3/1218" وروى البخاري والنسائي عن أسامة مرفوعاً "لا ربا إلا في النسيئة""صحيح البخاري 3/98، سنن النسائي 247".

3 انظر: نشر البنود 1/102ن البرهان 1/478، روضة الناظر ص272، المسودة ص363، شرح تنقيح الفصول ص57 وما بعدها، المستصفى 2/207.

4 في ش: مميز.

5 في ش: اللام.

6 في ع: لفظتي.

7 أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد وإسحاق وابن شيبة والبزار عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً، وأخرجه الحاكم وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً. "انظر: بذل المجهود 1/153، عارضة الأحوذي 1/15، سنن ابن ماجه 1/101، المستدرك 1/132، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/126، شرح السنة للبغوي 3/17ن مسند الإمام أحمد 1/123، 129".

ص: 518

وَرُدَّ بِأَنَّ التَّعْيِينَ مُسْتَفَادٌ مِنْ الْحَصْرِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ، فَإِنَّ التَّحْرِيمَ مُنْحَصِرٌ فِي التَّكْبِيرِ كَانْحِصَارِ زَيْدٍ فِي صَدَاقَتِك، إذَا قُلْت: صَدِيقِي زَيْدٌ1.

أَمَّا إذَا كَانَ الْخَبَرُ نَكِرَةً، نَحْوَ زَيْدٌ قَائِمٌ، فَالأَصَحُّ أَنَّهَا لا تُفِيدُ الْحَصْرَ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ:"الصِّيَامُ جُنَّةٌ" 2 فَإِنَّهُ لا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ أَيْضًا جُنَّةً3.

"وَ"لَفْظُ "صَدِيقِي" زَيْدٌ "أَوْ الْعَالِمُ زَيْدٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ" كَقَوْلِك: الْقَائِمُ زَيْدٌ "وَلا قَرِينَةَ عَهْدٍ يفِيدُ4 الْحَصْرَ نُطْقًا" مِنْ صِيَغِ الْحَصْرِ الْمُعْتَبَرِ، مَفْهُومُهُ حَصْرُ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ5.

وَلَهُ َصِيغَتَانِ6:

إحْدَاهُمَا: نَحْوُ صَدِيقِي زَيْدٌ قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ، مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ "صَدِيقِي" عَامٌّ، فَإِذَا أُخْبِرَ7 عَنْهُ بِخَاصٍّ -وَهُوَ زَيْدٌ- كَانَ حَصْرًا لِذَلِكَ الْعَامِّ، وَهُوَ الأَصْدِقَاءُ كُلُّهُمْ فِي الْخَبَرِ، وَهُوَ زَيْدٌ، إذْ لَوْ بَقِيَ مِنْ أَفْرَادِ الْعُمُومِ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الْخَبَرِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ أَعَمَّ مِنْ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ لا يَجُوزُ.

قَالَ الْغَزَالِيُّ: لا لُغَةً وَلا عَقْلاً، فَلا تَقُولُ: الْحَيَوَانُ إنْسَانٌ8، وَلا الزَّوْجُ

1 انظر: البرهان 1/480، شرح تنقيح الفصول ص58.

2 أخرجه البخاري ومسل والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك في الموطأ وأحمد في مسنده. "انظر: صحيح البخاري 3/31، صحيح مسلم 2/806، الموطأ 1/310، سنن النسائي 4/135، سنن ابن ماجه 1/525، عارضة الأحوذي 3/294، مسند الإمام أحمد 1/196، 3/341، 396، 399".

3 شرح تنقيح الفصول ص59.

4 في ش ض: تفيد.

5 انظر شرح تنقيح الفصول ص58، البرهان 1/480.

6 في ش: صورتان وصيغتان.

7 في ش: حصر.

8 في ع ب: الإنسان حيوان.

ص: 519

عَشَرَةٌ، بَلْ أَنْ يَكُونَ الْمُبْتَدَأُ أَخَصَّ أَوْ مُسَاوِيًا1.

وَالصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ: الْعَالِمُ زَيْدٌ وَنَحْوُهُ، كَالْقَائِمِ زَيْدٌ، إذَا جُعِلَتْ اللَاّمُ لِلْحَقِيقَةِ أَوْ لِلاسْتِغْرَاقِ لا لِلْعَهْدِ، وَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَالصِّيَغِ الَّتِي قَبْلَهُمَا2.

"وَيَحْصُلُ حَصْرٌ" أَيْضًا "بِنَفْيٍ"3 سَوَاءٌ كَانَ النَّفْيُ بِمَا أَوْ بِغَيْرِهَا4، كَلا، وَلَمْ، وَإِنْ، وَلَيْسَ "وَنَحْوُهُ" أَيْ نَحْوُ النَّفْيِ، كَالاسْتِفْهَامِ "وَاسْتِثْنَاءٌ تَامٌّ وَمُفَرَّغٌ5، وَفَصْلُ مُبْتَدَأٍ مِنْ خَبَرٍ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ"6.

فَمِثَالُ النَّفْيِ: "لا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ7 يُبَيَّتُ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ8 ".

وَمِثَالُ نَحْوِ النَّفْيِ، وَهُوَ الاسْتِفْهَامُ {فَهَلْ يُهْلَكُ إلَاّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ9} 10.

وَمِثَالُ الاسْتِثْنَاءِ: لا إلَه إلَاّ اللَّهُ، وَمَا لِي سِوَى11 اللَّهِ، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:

1 انظر: المستصفى 2/207، فواتح الرحموت 1/434، شرح العضد 2/183، إرشاد الفحول ص182، الإحكام للآمدي 1/98، نهاية السول 1/305، تيسير التحرير 1/102، 134.

2 في ش: قبلهما.

3 انظر: معترك الأقران 1/182 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص57، نشر البنود 1/102، الإحكام للآمدي 3/99، إرشاد الفحول ص182.

4 في ع: غيرها.

5 معترك الأقران 1/182 وما بعدها.

6 معترك الأقران 1/186.

7 في ش: لا.

8 سبق تخريجه في ج1 ص210.

9 في ش: الظالمون.

10 الآية 35 من الأحقاف.

11 في ش: إله سوى.

ص: 520

رَضِيت بِك اللَّهُمَّ رَبًّا فَلَنْ أُرَى

أَدِينُ إلَهًا غَيْرَك اللَّهَ وَاحِدًا

وَمِثَالُ فَصْلِ الْمُبْتَدَأِ مِنْ الْخَبَرِ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ} 1 فَإِنَّهُ لَمْ يُسْقَ إلَاّ لِلإِعْلامِ بِأَنَّهُمْ الْغَالِبُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ2.

وَكَذَا قَوْله تَعَالَى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ 3 هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} 4 {إنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} 5 وَلأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُوضَعْ إلَاّ لِلإِفَادَةِ، وَلا فَائِدَةَ فِي مِثْلِ قَوْله تَعَالَى:6 {وَلَكِنْ كَانُوا هُمْ الظَّالِمِينَ} 7 سِوَى الْحَصْرِ.

"وَيُفِيدُ الاخْتِصَاصَ" بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ8 مُقَدَّمٌ لِيُفِيدَ "وَهُوَ الْحَصْرُ" جُمْلَةٌ اسْمِيَّةٌ وَقَعَتْ بَيْنَ الْفِعْلِ وَفَاعِلِهِ9 "تَقْدِيمُ" بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ يُفِيدُ "الْمَعْمُولِ"10 بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ.

وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 11 أَيْ نَخُصُّك بِالْعِبَادَةِ وَالاسْتِعَانَةِ، وَهَذَا12 مَعْنَى الْحَصْرِ.

1 الآية 173 من الصافات.

2 في ش: قومهم.

3 في ز ض ب: المشركين.

4 الآية 43 من غافر.

5 الآية 5 من الشورى.

6 ساقطة من ع ز ب.

7 الآية 76 من الزخرف.

8 في ش: مضاف.

9 في ش: وفاعله و.

10 انظر: معترك الأقران 1/189 وما بعدها، شرح تنقيح الفصول ص57، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 1/256، الآيات البينات 2/42.

11 الآية 5 من الفاتحة.

12 في ش: وهو.

ص: 521

وَسَوَاءٌ فِي الْمَعْمُولِ الْمَفْعُولُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي {إيَّاكَ نَعْبُدُ} وَالْحَالُ وَالظَّرْفُ وَالْخَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُبْتَدَأِ، نَحْوُ تَمِيمِيٌّ أَنَا وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ1 الْمَثَلِ السَّائِرِ2.

وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ3 الْفَلَكِ الدَّائِرِ، وَقَالَ: لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ4.

وَإِنْكَارُهُ عَجِيبٌ، فَكَلامُ الْبَيَانِيِّينَ طَافِحٌ بِهِ، وَبِهِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا5 وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ6 عَلَى تَعْيِينِ لَفْظَيْ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ، بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:"تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ" وَهُوَ يُفِيدُ الاخْتِصَاصَ قَالَهُ الْبَيَانِيُّونَ.

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَأَبُو حَيَّانَ، فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ: إنَّ تَوَهُّمَ النَّاسِ لِذَلِكَ وَهَمٌ، وَتَمَسُّكَهُمْ بِنَحْوِ {بَلْ 7 اللَّهَ

1 هو ضياء الدين، نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير الشيباني الجزري، أبو الفتح، الكاتب البليغ. قال ابن العماد:"انتهت إليه كتابة الإنشاء والترسل". اشتغل بالفنون المختلفة، ولكن غلبت عليه العلوم الأدبية، وصنف فيها تصانيف مشهورة منها "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر" و "الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور" و "والرسائل البديعة" توفي سنة 637 هـ، "انظر ترجمته في طبقات الشافعية للأسنوي 1/133، شذرات الذهب 5/187، بغية الوعاة 2/315، وفيات الأعيان 5/25".

2 المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر 2/38 وما بعدها.

3 هو عبد الحميد بن هبة الله بن محمد بن أبي الحديد المدائني المعتزلي، عز الدين، أبو حامد، أحد غلاة الشيعة، كان أديباً متضلعاً في فنون الأدب متقناً لعلوم اللسان، شاعراً مجيداً، متكلماً جدلياً نظاراً، من كتبه "شرح نهج البلاغة" و "الفلك الدائر على المثل السائر" و "الحواشي على المفصل". توفي سنة 655هـ وقيل غير ذلك. "انظر ترجمته في البداية والنهاية 13/199، فوات الوفيات 2/259، ذيل مرآة الزمان 1/62، روضات الجنات للخوانساري 5/20".

4 الفلك الدائر على المثل السائر ص250.

5 المغني لابن قدامة 1/505، الشرح الكبير على المقنع 1/505، كشاف القناع 1/385.

6 المهذب للشيرازي 1/77، شرح السنة للبغوي 3/18، المجموع للنووي 3/289.

7 في ش: بل هم.

ص: 522

فَاعْبُدْ} 1 ضَعِيفٌ لِوُرُودِ {فَاعْبُدْ اللَّهَ} 2 فَيَلْزَمُ أَنَّ الْمُؤَخَّرَ يُفِيدُ عَدَمَ الْحَصْرِ، لكَوْنِهِ3 يَقْتَضِيهِ.

وَأُجِيبَ: لا يَسْتَلْزِمُ حَصْرًا وَلا 4عَدَمَهُ وَلا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إفَادَةِ5 الْحَصْرِ إفَادَةُ نَفْيِهِ لا سِيَّمَا وَ "مُخْلِصًا" فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا} 6 مُغْنٍ عَنْ إفَادَةِ الْحَصْرِ7.

وَقَالَ أَبُو حَيَّانَ فِي أَوَّلِ8 تَفْسِيرِهِ9 فِي رَدِّ دَعْوَى الاخْتِصَاصِ: إنَّ سِيبَوَيْهِ قَالَ: إنَّ التَّقْدِيمَ لِلاهْتِمَامِ وَالْعِنَايَةِ10، فَهُوَ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ كَمَا فِي ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَضَرَبَ عَمْرًا زَيْدٌ، فَكَمَا أَنَّ هَذَا لا يَدُلُّ عَلَى الاخْتِصَاصِ، فَكَذَلِكَ مِثَالُنَا.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ تَشْبِيهَ سِيبَوَيْهِ إنَّمَا هُوَ11 فِي أَصْلِ الإِسْنَادِ، وَأَنَّ التَّقْدِيمَ يُشْعِرُ بِالاهْتِمَامِ وَالاعْتِنَاءِ وَلا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الاخْتِصَاصِ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْفَلَكِ الدَّائِرِ12: الْحَقُّ أَنَّهُ لا يَدُلُّ عَلَى الاخْتِصَاصِ إلَاّ

1 الآية 66 من الزمر.

2 الآية 2 من الزمر.

3 في ش: بكونه.

4 في ش: عدم إفادة الحصر إفادة حصره.

5 ساقطة من ض.

6 الآية 2 من الزمر.

7 معترك الأقران 1/190.

8 ساقطة من ش.

9 البحر المحيط لأبي حيان 1/16.

10 في ض: والغاية.

11 في ز: هو على، وفي ش: هو في.

12 الفلك الدائر على المثل السائر ص257 وما بعدها.

ص: 523

بِالْقَرَائِنِ، وَالأَكْثَرُ فِي الْقُرْآنِ التَّصْرِيحُ بِهِ مَعَ عَدَمِ الاخْتِصَاصِ نَحْوَ:{إنَّ لَك أَنْ لا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى} 1 وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِ، فَإِنَّ حَوَّاءَ كَذَلِكَ.

وَكَوْنُ الاخْتِصَاصِ هُوَ الْحَصْرَ -كَمَا فِي الْمَتْنِ- هُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ.

وَخَالَفَ السُّبْكِيُّ2، فَقَالَ: لَيْسَ مَعْنَى الاخْتِصَاصِ الْحَصْرَ، خِلافًا لِمَا يَفْهَمُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ؛ لأَنَّ الْفُضَلاءَ -كَالزَّمَخْشَرِيِّ3- لَمْ يُعَبِّرُوا فِي نَحْوِ ذَلِكَ إلَاّ بِالاخْتِصَاصِ. اهـ.

"وَأَقْوَاهَا" أَيْ أَقْوَى الْمَفَاهِيمِ "اسْتِثْنَاءٌ، فَ4" يَلِيهِ "حَصْرٌ بِنَفْيٍ، فَ5" يَلِيهِ "مَا قِيلَ: إنَّهُ مَنْطُوقٌ، فَ6" يَلِيهِ "حَصْرُ مُبْتَدَأٍ" فِي خَبَرٍ "فَ7" يَلِيهِ "شَرْطٌ، فَصِفَةٌ مُنَاسِبَةٌ، فَ" صِفَةٌ هِيَ "عِلَّةٌ، فَغَيْرُهَا" أَيْ فَصِفَةٌ غَيْرُ عِلَّةٍ "فَعَدَدٌ، فَتَقْدِيمُ مَعْمُولٍ" وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

1 الآية 118 من طه.

2 المراد به الوالد "تقي الدين علي بن عبد الكافي بن علي السبكي" في كتابه "الاقتناص في الفرق بين الحصر والاختصاص".

"انظر جمع الجوامع وحاشية الآيات البينات للعبادي عليه 2/42، معترك الأقران للسيوطي 1/191، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 10/304".

3 في الكشاف "4/112" حيث قال في قوله تعالى في أول سورة التغابن {لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ} : قدم الظرفان ليدل بتقديمها على معنى اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل".

4 في ش ع ض ب: و.

5 في ش ب: و.

6 في ش ض: و.

7 في ش: و.

ص: 524