الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل يجوز نسخ التلاوة دون الحكم ونسخ الحكم دون التلاوة ونسخهما معا:
"يَجُوزُ نَسْخُ1 التِّلاوَةِ" أَيْ تِلاوَةِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ "دُونَ الْحُكْمِ" الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْكَلِمَاتُ الْمَنْسُوخَةُ "وَعَكْسِهِ" أَيْ نَسْخِ الْحُكْمِ دُونَ التِّلاوَةِ، خِلافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ "وَهُمَا" أَيْ التِّلاوَةُ وَالْحُكْمُ مَعًا2.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَلَمْ تُخَالِفْ3 الْمُعْتَزِلَةُ فِي نَسْخِهِمَا مَعًا4، خِلافًا لِمَا حَكَاهُ الآمِدِيُّ5 عَنْهُمْ. اهـ.
وَأَمَّا نَسْخُ جَمِيعِ الْقُرْآنِ: فَمُمْتَنِعٌ بِالإِجْمَاعِ؛ لأَنَّهُ مُعْجِزَةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم
1 ساقطة من ش.
2 انظر تفصيل المسألة في "العدة 3/780، فتح الغفار 2/13، أدب القاضي للماوردي 1/349، المسودة ص198، كشف الأسرار 3/188، المعتمد 1/418، فواتح الرحموت 2/73، روضة الناظر ص74، الإحكام للآمدي 3/141، المحصول ج1 ق3/482، إرشاد الفحول ص189، الإيضاح ص58، أصول السرخسي 2/78، شرح تنقيح الفصول ص309، المستصفى 1/123، شرح العضد 2/194، الإشارات للباجي ص66، التلويح على التوضيح 2/36".
3 في ز ض: يخالف.
4 نقل ابن مفلح مذهب المعتزلة بجواز نسخ الحكم والتلاوة معاً نقل سليم بخلاف نقل المصنف عنهم في السطر السابق عدم تجويز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه، حيث إنهم يجوزونه في الصور الثلاثة، يدل لذلك ما أقره أبو الحسين البصري المعتزلي في المعتمد"1/418" من جواز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه وجواز نسخ التلاوة والحكم معاً، ولهذا لما حكى الآمدي في الإحكام "3/141" القول بعدم جواز نسخ التلاوة والحكم معاً عزاه لطائفة شاذة من المعتزلة لا إلى مذهبهم وجمهورهم، وكذلك فعل ابن الحاجب في عزوه ذلك القول المخالف إلى بعض المعتزلة. "شرح العضد 2/194".
5 الإحكام في أصول الأحكام 3/141.
الْمُسْتَمِرَّةُ عَلَى التَّأْبِيدِ1.
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} 2 أَيْ لا يَأْتِيه مَا يُبْطِلُهُ.
ثُمَّ فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ النَّسْخِ فِي بَعْضِهِ ثَلاثَةُ أَنْوَاعٍ:
مَا نُسِخَتْ تِلاوَتُهُ، وَحُكْمُهُ بَاقٍ.
وَمَا نُسِخَ حُكْمُهُ فَقَطْ، وَتِلاوَتُهُ بَاقِيَةٌ.
وَمَا جُمِعَ فِيهِ نَسْخُ التِّلاوَةِ وَالْحُكْمِ.
مِثَالُ الأَوَّلِ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ3 وَالشَّافِعِيُّ4 وَابْنُ مَاجَهْ5 عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ، أَوْ6 يَقُولَ قَائِلٌ: لا نَجِدُ حَدَّيْنِ7 فِي كِتَابِ اللَّهِ؛ فَلَقَدْ8 رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "وَرَجَمْنَا"9 وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلا أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: زَادَ عُمَرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، لأَثْبَتُّهَا10: "الشَّيْخُ
1 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/76، فواتح الرحموت 2/73، نهاية السول 2/170، وقد خالف في هذه المسألة مكي بن أبي طالب في كتابه "الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه" ص59، فقال:"اعلم أنه جائز أن ينسخ الله جميع القرآن، بأن يرفعه من صدور عباده، ويرفع حكمه بغير عوض..الخ".
2 الآية 42 من فصلت.
3 الموطأ 2/824.
4 ترتيب مسند الإمام الشافعي 2/81.
5 سنن ابن ماجه 2/853.
6 في الموطأ: أن. وفي مسند الشافعي: وأن.
7 في رواية الشافعي: حد الرجم.
8 في الموطأ: فقد. وفي مسند الشافعي: لقد.
9 زيادة من رواية الموطأ ومسند الشافعي.
10 في الموطأ ومسند الشافعي: لكتبتها.
وَالشَّيْخَةُ1 إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ2 عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ: آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَرَأْنَاهَا "وَوَعَيْنَاهَا"3 وَعَقَلْنَاهَا، وَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ فِي قَوْلِهِ: "الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ": الْمُحْصَنَانِ حَدُّهُمَا الرَّجْمُ بِالإِجْمَاعِ.
وَقَدْ تَابَعَ عُمَرَ جَمْعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ، كَأَبِي ذَرٍّ، فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَابْنِ حِبَّانَ "أَنَّهَا كَانَتْ فِي سُورَةِ الأَحْزَابِ" وَالْمُرَادُ: بِمَا قَضَيَا مِنْ اللَّذَّةِ.
فَهَذَا الْحُكْمُ فِيهِ بَاقٍ، وَاللَّفْظُ مُرْتَفِعٌ، لِرَجْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَاعِزًا4 وَالْغَامِدِيَّةِ5 وَالْيَهُودِيِّينَ6.
وَمِثَالُ الثَّانِي: -وَهُوَ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَبَقِيَ لَفْظُهُ، عَكْسُ7 الَّذِي قَبْلَهُ- آيَةُ الْمُنَاجَاةِ وَالصَّدَقَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا، وَلَمْ يَعْمَلْ بِهَذِهِ الآيَةِ إلَاّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
1 قال مالك في الموطأ "2/824": قوله "الشيخ والشيخة" يعني الثيب والثيبة.
2 صحيح البخاري 8/209، صحيح مسلم 3/1317.
3 زيادة من رواية البخاري ومسلم.
4 في ض ب: ماعز. وحديث رجم الرسول صلى الله عليه وسلم ماعزاً سبق تخريجه في ص224.
5 حديث رجم الغامدية أخرجه مسلم وأبو داود وأحمد عن بريدة رضي الله عنه. "انظر صحيح مسلم 3/1322، سنن أبي داود 2/462، نيل الأوطار 7/123".
6 حديث رجم اليهوديين أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنه. "انظر صحيح البخاري 8/205، صحيح مسلم 3/1326، سنن أبي داود 2/463، سنن ابن ماجه 2/854، نيل الأوطار 8/104".
7 في ش: وهو عكس.
رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ1.
فَفِي التِّرْمِذِيِّ: عَنْهُ2 أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَرَى، دِينَارًا" 3؟ قَالَ: لا يُطِيقُونَهُ، قَالَ:"نِصْفُ دِينَارٍ"؟ قَالَ: لا يُطِيقُونَهُ، قَالَ "مَا تَرَى"؟ قَالَ شَعِيرَةٌ: قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّك لَزَهِيدٌ".
قَالَ عَلِيٌّ: حَتَّى4 خَفَّفَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الأُمَّةِ بِتَرْكِ الصَّدَقَةِ5.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ "شَعِيرَةٌ" أَيْ "وَزْنُ شَعِيرَةٍ"6 مِنْ ذَهَبٍ.
وَرَوَى الْبَزَّارُ7 عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ8 عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ "مَا عَمِلَ بِهَا
1 انظر الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص368، أسباب النزول للواحدي ص235، فتح القدير للشوكاني 5/191، الدر المنثور 6/185.
2 ساقطة من ش.
3 في ش: دينار.
4 في رواية الترمذي: فهي.
5 ونص الحديث في سنن الترمذي: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} المجادلة/12 قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ترى؟ ديناراً". قال: لا يطيقونه. قال: "فنصف دينار"؟ قلت: لا يطيقونه. قال: "فكم"؟ قلت: شعيرة. قال: "إنك لزهيد". قال: فنزلت {أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ} الآية "المجادلة/13" قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه. "سنن الترمذي مع شرح عارضة الأحوذي 12/186" وقد ذكر الشوكاني هذا الحديث وقال عنه إنه أخرجه أيضاً ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر والنحاس وابن مردويه عن علي رضي الله عنه. "فتح القدير 5/191".
6 زيادة من كلام الترمذي في سننه.
7 هو أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، أبو بكر، الحافظ المعروف صاحب المسند الكبير. قال الدارقطني: ثقة يخطيء ويتكل على حفظه، وقال في المغني: صدوق. توفي سنة 292 هـ "انظر ترجمته في شذرات الذهب 2/209، طرح التثريب 1/30، تذكرة الحفاظ 2/653".
8 هو عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري الصنعاني، أبو بكر، العلامة الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وروى عن أبيه وابن جريج ومعمر وسفيان ومالك والأوزاعي وخلائق، وروى عنه الأئمة أحمد وإسحاق وابن معين وابن المديني وخلائق، قيل لأحمد: أرأيت أحسن حديثاً منه؟ قال: لا. وقال: من سمع منه بعد ما ذهب بصره، فهو ضعيف السماع، كان يلقن بعدما عمي. ولد سنة 126هـ، وتوفي سنة211هـ. "انظر ترجمته في طرح التثريب 1/78، شذرات الذهب 2/27، شرح علل الترمذي لابن لاجب2/585، تاريخ يحيى بن معين 2/363، تذكرة الحفاظ 1/364".
أَحَدٌ غَيْرِي حَتَّى نُسِخَتْ" وَأَحْسَبُهُ قَالَ "وَمَا كَانَتْ إلَاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ"1.
وَمِثَالٌ آخَرُ لِهَذَا الْقِسْمِ: الاعْتِدَادُ فِي الْوَفَاةِ بِالْحَوْلِ2، نُسِخَ بِقَوْله تَعَالَى:{يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} 3 عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ4.
وَمِثَالُ الثَّالِثِ: -وَهُوَ مَا نُسِخَ لَفْظُهُ وَحُكْمُهُ مَعًا- مَا5 رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: "كَانَ مِمَّا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ6 "عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ مُحَرِّمَاتٍ7" فَنُسِخَتْ8 بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ"9 فَلَمْ يَبْقَ لِهَذَا اللَّفْظِ حُكْمُ الْقُرْآنِ، لا فِي الاسْتِدْلالِ وَلا فِي غَيْرِهِ10.
1 فتح القدير للشوكاني 5/191، الدر المنثور للسيوطي 6/185.
2 ساقطة من ض. والآية المنسوخة قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} البقرة /240.
3 الآية 224 من البقرة.
4 انظر أحكام القرآن للجصاص 1/414، فتح القدير للشوكاني 1/259، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص153، الدر المنثور 1/309.
5 ساقطة من ض.
6 زيادة من صحيح مسلم.
7 ساقطة من ش ز. وفي صحيح مسلم: يحرمن.
8 في ش ع ب ز: فنسخن. وفي صحيح مسلم: ثم نسخن.
9 صحيح مسلم 2/1075.
10 انظر الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص44، 45، 60.
فَلِذَلِكَ1 كَانَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا جَوَازَ مَسِّ الْمُحْدِثِ مَا نُسِخَ لَفْظُهُ، سَوَاءٌ نُسِخَ حُكْمُهُ أَوْ لا.
وَوَجْهُ ابْنِ عَقِيلٍ الْمَنْعُ لِبَقَاءِ2 حُرْمَتِهِ، كَبَيْتِ الْمَقْدِسِ نُسِخَ كَوْنُهُ قِبْلَةً، وَحُرْمَتُهُ بَاقِيَةٌ. وَالْجَوَازُ لِعَدَمِ حُرْمَةِ كَتْبِهِ فِي الْمُصْحَفِ.
وَوَجْهُ3 الْجَوَازِ فِي الْكُلِّ: أَنَّ التِّلاوَةَ حُكْمٌ، وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ الأَحْكَامِ: حُكْمٌ آخَرُ، فَجَازَ نَسْخُهُمَا، وَنَسْخُ أَحَدِهِمَا كَغَيْرِهِمَا4.
وَقَالَ الْمَانِعُونَ: التِّلاوَةُ مَعَ حُكْمِهَا مُتَلازِمَانِ، كَالْعِلْمِ مَعَ الْعَالَمِيَّةِ، وَالْحَرَكَةِ مَعَ التَّحْرِيكِيَّةِ5، وَالْمَنْطُوقِ مَعَ الْمَفْهُومِ6.
7رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْعَالَمِيَّةُ وَالْحَرَكَةَ هِيَ التَّحْرِيكِيَّةُ8 وَمُنِعَ أَنَّ الْمَنْطُوقَ لا يَنْفَكُّ عَنْ الْمَفْهُومِ.
سَلَّمْنَا الْمُغَايَرَةَ، وَأَنَّ الْمَنْطُوقَ لا يَنْفَكُّ9، فَالتِّلاوَةُ أَمَارَةُ الْحُكْمِ ابْتِدَاءً لا دَوَامًا10، فَلا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهَا نَفْيُهُ، وَبِالْعَكْسِ.
1 في ش: فكذلك.
2 في ش: ببقاء.
3 في ز ض ع: وجه.
4 انظر شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/1994.
5 في ش ز: التحركية.
6 انظر شرح العضد 2/194.
7 في ش: وذلك بإن العلم.
8 في ش: التحركية.
9 أي ولو سلمنا جدلاً بذلك، فلا يلزم من نسخ أحدهما دون الأخر الانفكاك. "شرح العضد 2/194".
10 قال العضد: "أي يدل ثبوت التلاوة على ثبوت الحكم، ولا يدل على دوامه، ولذلك فإن الحكم قد يثبت بها مرة واحدة، والتلاوة تتكرر أبداً، وإذا كان كذلك، فإن نسخ التلاوة وحدها، فهو نسخ لدوامها، وهو غير الدليل. وإذا نسخ الحكم وحده فهو نسخ للدوام، وهو غير مدلول، فلا يلزم إنفكاك الدليل والمدلول، بخلاف العالمية مع العلم والمنطوق مع المفهوم إن ثبتا لتلازمهما ابتداء ودوماً. "شرح العضد على ابن الحاجب 2/194".
قَالُوا: بَقَاءُ التِّلاوَةِ1 يُوهِمُ بَقَاءَ الْحُكْمِ، فَيُؤَدِّي إلَى التَّجْهِيلِ2، وَإِبْطَالِ فَائِدَةِ الْقُرْآنِ3.
رُدَّ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ4 ثُمَّ لا جَهْلَ مَعَ الدَّلِيلِ لِلْمُجْتَهِدِ، وَفَرْضُ الْمُقَلِّدِ التَّقْلِيدُ5، وَالْفَائِدَةُ الإِعْجَازُ وَصِحَّةُ الصَّلاةِ6 بِهِ7.
"وَ" يَجُوزُ نَسْخُ "قُرْآنٍ، وَ" نَسْخُ "سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ بِمِثْلِهِمَا8، وَ" نَسْخُ "سُنَّةٍ بِقُرْآنٍ، وَ" نَسْخُ "آحَادٍ" مِنْ السُّنَّةِ، وَهِيَ الْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُتَوَاتِرِ "بِمِثْلِهِ" أَيْ بِحَدِيثٍ غَيْرِ مُتَوَاتِرٍ "وَ" نَسْخُ آحَادٍ "بِمُتَوَاتِرٍ"9.
1 أي دون الحكم. "شرح العضد 2/194".
2 وهو قبيح، فلا يقع من الله تعالى. "شرح العضد 2/194".
3 قال العضد: لا نحصار فائدة اللفظ في إفادة مدلوله، فإذا لم يقصد به ذلك، فقد بطلت فائدته، والكلام الذي لا فائدة فيه يجب أن ينزه عنه القرآن. "شرح العضد 2/194".
4 أي على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، وهي باطلة.
5 أي لا يسلم قولهم بأنه يؤدي إلى التجهيل، قال العضد: لأنه إنما يكون كذلك لو لم ينصب عليه دليل، وأما إذا نصب فلا، إذا المجتهد يعلم بالدليل، والمقلد يعلم بالرجوع إليه، فينتفي الجهل. "شرح العضد 2/194".
6 في ض: ذلك.
7 هذا جواب على دعوى القائلين بان نسخ الحجم مع بقاء التلاوة يزيل فائدة القرآن، وذلك لقيام فائدته بكونه معجزاً بفصاحة لفظه، وكونه يتلى للثواب، وتصح به الصلوات.
8 في ع ض ب: بمثلها.
9 انظر تحقيق هذه المسائل في روضة الناظر ص84 وما بعدها، فواتح الرحموت2/76 وما بعدها كشف الأسرار 3/175 وما بعدها، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص67 وما بعدها، الاعتبار للحازمي 24-29، التبصرة ص272ن شرح تنقيح الفصول ص311 وما بعدها، العدة.
3/802، المسودة ص205، أدب القاضي للماوردي 1/346 وما بعدها، فتح الغفار 2/133 وما بعدها، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/79، الرسالة للشافعي ص106 وما بعدها، المستصفى 1/124، شرح العضد 2/195 وما بعدها، التلويح على التوضيح 2/34 وما بعدها، الإحكام لابن جزم 4/477، أصول السرخسي 2/67 وما بعدها، المحصول ج1 ق3/495 وما بعدها، اللمع ص32 وما بعدها، الآيات البينات 3/139، الإحكام للآمدي 3/146 وما بعدها، المعتمد 1/422 وما بعدها، إرشاد الفحول ص190، نهاية السول 2/181 وما بعدها، شرح البدخشي 2/179".
أَمَّا مِثَالُ نَسْخِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ: فَنَسْخُ1 الاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ فِي الْوَفَاةِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ2 كَمَا سَبَقَ.
وَأَمَّا مِثَالُ نَسْخِ مُتَوَاتِرِ السُّنَّةِ بِمُتَوَاتَرِهَا: فَلا يَكَادُ يُوجَدُ؛ لأَنَّ كُلَّهَا آحَادٌ: وإمَّا3 فِي4 أَوَّلِهَا، وَإِمَّا5 فِي آخِرِهَا، وَإِمَّا مِنْ أَوَّلِ إسْنَادِهَا إلَى آخِرِهِ، مَعَ أَنَّ6 حُكْمَ نَسْخِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ جَائِزٌ عَقْلاً وَشَرْعًا.
7وَمِثَالُ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْقُرْآنِ مَا كَانَ مِنْ تَحْرِيمِ مُبَاشَرَةِ الصَّائِمِ أَهْلَهُ لَيْلاً نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى8: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ}
1 في ز: نسخ.
2 في ض: وعشرا.
3 في ش: أو.
4 في: من.
5 في ش: أو في.
6 ساقطة من ض.
7 ساقطة من ش.
8 الآية 187 من البقرة. وانظر تحقيق المسألة في "أحكام القرآن للجصاص 1/226، الإيضاح لناسخ القران ومنسوخه ص122، الاعتبار للحازمي ص138، فتح القدير للشوكاني 1/187".
وَأَمَّا نَسْخُ الآحَادِ مِنْ السُّنَّةِ بِمِثْلِهَا فَكَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ1، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا"2.
رَوَاهُ3 التِّرْمِذِيُّ بِزِيَادَةٍ: "فَإِنَّهَا4 تُذَكِّرُكُمْ5 الآخِرَةَ" وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ6.
وَوَجْهُ الشَّاهِدِ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُنْت نَهَيْتُكُمْ" فَصَرَّحَ بِأَنَّ النَّهْيَ مِنْ السُّنَّةِ، وَلَهُ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ.
وَأَمَّا نَسْخُ الآحَادِ مِنْ السُّنَّةِ بِالْمُتَوَاتِرِ مِنْهَا: فَجَائِزٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ.
"وَ" يَجُوزُ "عَقْلاً لا شَرْعًا" نَسْخُ سُنَّةٍ "مُتَوَاتِرَةٍ بِآحَادٍ" عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا.
وَقَالَ الطُّوفِيُّ7 مِنْ أَصْحَابِنَا وَالظَّاهِرِيَّةُ8: يَجُوزُ.
1 هو الصحابي الجليل بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي. أسلم قبل بدر ولم يشهدها، وكان فارساً شجاعاً، سكن المدينة ثم البصرة ثم مرو، وتوفي بها سنة 62هـ، وهو آخر من توفي من الصحابة بخراسان، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وأربعة وستون حديثاً. "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/133، شذرات الذهب 1/70، اصد الغابة 1/209، طرح التثريب 1/36".
2 صحيح مسلم 2/672، وقد سبق تخريجه في ج2 ص554.
3 في ش: ورواه.
4 ساقطة من ع ز ض ب.
5 لفظ الترمذي: تذكر.
6 سنن الترمذي مع شرح عارضة الأحوذي 4/274.
7 مختصر الطوفي ص71، وقد تابع الطوفي في ذلك ابن قدامة في الروضة. "انظر الروضة ص86" وقد عللا رأيهما بجواز النسخ متواتر السنة بآحادها عقلاً بأنه لا يمتنع في العقل أن يقول الشارع تعبدتكم بالنسخ بخبر الواحد. أما شرعاً فلا يجوز لإجماع الصحابة على امتناعه.
8 الإحكام في أصول الأحكام لابن جزم 4/477.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ الْبَاجِيُّ، وَلَكِنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: لا يَجُوزُ بَعْدَهُ إجْمَاعًا1؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ الآحَادَ بِالنَّاسِخِ إلَى أَطْرَافِ الْبِلادِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْقُرْطُبِيُّ الْمَالِكِيُّ.
"وَ" يَجُوزُ أَيْضًا2 عَقْلاً لا شَرْعًا نَسْخُ "قُرْآنٍ بِمُتَوَاتِرٍ" مِنْ السُّنَّةِ، قَالَهُ الْقَاضِي3 وَغَيْرُهُ4.
وَقِيلَ: لا يَجُوزُ عَقْلاً.
قَالَ ابْنُ الْبَاقِلَاّنِيِّ مِنْهُمْ5 مَنْ مَنَعَهُ تَبَعًا لِلْقَدَرِيَّةِ فِي الأَصَحِّ. اهـ.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ مَنْعُهُ.
وَهَذَا6 7الْخِلافُ فِي الْجَوَازِ عَقْلاً.
وَأَمَّا الْجَوَازُ شَرْعًا: فَالْمَشْهُورُ عَنْ الإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله مَنْعُهُ8، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ9 وَأَكْثَرُ أَصْحَابِهِ10، وَالظَّاهِرِيَّةُ11 وَغَيْرُهُمْ.
1 الإشارات للباجي ص74، قال الباجي:"والدليل على ذلك ما ظهر من تحول أهل قباء إلى مكة بخبر واحد، فقد كانوا يعلمون استقبال بيت المقدس من دين النبي صلى الله عليه وسلم".
2 ساقطة من ز.
3 العدة 3/801.
4 انظر المسودة ص204، المعتمد للبصري 1/424، الإحكام للآمدي 3/153، اللمع ص33، أدب القاضي للماوردي 1/344.
5 في ز: منعهم.
6 في ش: فهذا.
7 في ش: الجواز في الخلاف.
8 انظر العدة 3/788، المسودة ص202، روضة الناظر ص84.
9 الرسالة للشافعي ص106.
10 انظر التبصرة ص264، أدب القاضي للماوردي 1/343.
11 حكاية المصنف عن الظاهرية أنهم يقولون بعدم جواز نسخ القرآن بمتواتر السنة شرعاً فيها نظر، وذلك لقول ابن حزم في "إحكامه":"وقال طائفة: والقرآن ينسخ بالقرآن وبالسنة، والسنة تنسخ بالقرآن وبالسنة، قال أبو محمد: وبهذا نقول وهو الصحيح، وسواء عندنا السنة المنقولة بأخبار الآحاد، كل ذلك ينسخ بعضه بعضاً، وينسخ الآيات من القرآن، وينسخه الآيات من القرآن""الإحكام 4/477".
وَقِيلَ: يَجُوزُ1، وَهُوَ رِوَايَةٌ2 عَنْ أَحْمَدَ3، وَاخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَقِيلٍ، وَأَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ4. وَالْمَالِكِيَّةِ5 وَغَيْرِهِمْ6 وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ، وَحَكَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ7.
"وَيُعْتَبَرُ" لِصِحَّةِ النَّسْخِ "تَأَخُّرُ8 نَاسِخٍ" عَنْ مَنْسُوخٍ، وَإِلَاّ لَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهِ اسْمُ نَاسِخٍ.
"وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ" أَيْ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: "الإِجْمَاعُ" عَلَى أَنَّ هَذَا نَاسِخٌ9 لِهَذَا، كَالنَّسْخِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ سَائِرَ
1 ساقطة من ب.
2 في ب: في رواية.
3 انظر المسودة ص202.
4 انظر كشف الأسرار 3/157 وما بعدها، أصول السرخسي 2/67 وما بعدها، فتح الغفار 2/134، التلويح على التوضيح 2/34ن فواتح الرحموت 2/78.
5 انظر الإشارات للباجي ص71، شرح تنقيح الفصول ص313.
6 انظر "الاعتبار للحازمي ص26وما بعدها، الإيضاح لمكي بن أبي طالب ص68، المسودة ص202، التبصرة ص265، البرهان 2/1107، روضة الناظر ص84، المعتمد 1/429، 2/1014، اللمع ص33، المحصول ج1 ق3/519، الإحكام للآمدي 3/153ن المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/78، الآيات البينات 3/139، إرشاد الفحول ص191، نهاية السول 2/181، شرح البدخشي 2/179، المستصفى 1/124".
7 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/197.
8 في ز: تأخير.
9 في ز: النسخ.
الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ1.
وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ2: أَنَّ زِرَّ بْنَ حُبَيْشٍ3 قَالَ لِحُذَيْفَةَ أَيُّ سَاعَةٍ تَسَحَّرْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: هُوَ النَّهَارُ، إلَاّ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ4 وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ طُلُوعَ الْفَجْرِ يُحَرِّمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ، مَعَ بَيَانِ ذَلِكَ مِنْ قَوْله تَعَالَى:{كُلُوا وَاشْرَبُوا} الآيَةَ5.
قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّ الإِجْمَاعَ مُبَيِّنٌ لِلْمُتَأَخِّرِ، وَإِنَّهُ نَاسِخٌ لا6 إنَّ الإِجْمَاعَ هُوَ النَّاسِخُ.
1 انظر "العدة 3/، الاعتبار للحازمي ص، إرشاد الفحول ص197، الآيات البينات 3/167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93، العضد على ابن الحاجب 2/196، اللمع ص34، أدب القاضي للماوردي 1/364، الإحكام للآمدي 3/181، روضة الناظر ص89، مختصر الطوفي ص83، فتح الغفار 2/136، فواتح الرحموت 2/95، المستصفى 1/128".
2 هو أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد، أبو بكرن الخطيب البغدادي، الحافظ الكبير، أحد الأئمة الأعلام، وصاحب التصانيف القيمة الكثيرة، من أهم كتبه "تاريخ بغداد" و "الكفاية في علم الرواية" و "موضع أوهام الجمع والتفريق" و "تقييد العلم" توفي سنة 463هـ "انظر ترجمته في شذرات الذهب 3/311، طبقات الشافعية للسبكي 4/29، طبقات الشافعية للأسنوي 1/201، الفكر السامي 2/329، النجوم الزاهرة 5/87، تبيين كذب المفتري ص268".
3 هو زر بن حبيش بن حباشة بن أوس الأسدي الكوفي، التابعي الكبير، المخضرم، قال النووي:"أدرك الجاهلية، وسمع عمر وعثمان وعلياً وابن مسعود وآخرين من كبار الصحابة، وروى عنه جماعات التابعين، منهم الشعبي والنخعي وعدي بن ثابت، واتفقوا على توثيقه وجلالته، توفي سنة8 هـ، وهو ابن مائة وعشرين سنة". "انظر ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات 1/197، شذرات الذهب 1/91، تاريخ يحيى بن معين 2/172".
4 أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد في مسنده. "سنن النسائي 4/116، سنن ابن ماجه 1/541، مسند الإمام أحمد 5/396".
5 الآية 187 من البقرة.
6 في ض ب: لأن.
"وَ" الْوَجْهُ الثَّانِي: مِنْ طَرِيقِ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ1 قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ: "كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا"2.
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا: أَنْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى خِلافِ مَا كَانَ مُقَرَّرًا بِدَلِيلٍ، بِحَيْثُ لا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى3 تَأَخُّرِ أَحَدِهِمَا، فَيَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ.
"وَ" الْوَجْهُ الثَّالِثُ: 4 "فِعْلُهُ" صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ5 فِي ظَاهِرِ كَلامِ الإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ6 وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي7 وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ8.
1 في ز: النسخ.
2 سبق تخريجه في ج2 ص554.
وانظر كلام العلماء على هذه المسألة في "العدة 3/829 وما بعدها، الاعتبار للحازمي ص10، إرشاد الفحول ص197، الآيات البينات 3/167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93، العضد على ابن الحاجب 2/196، الإحكام لابن حزم 4/459، اللمع ص34، أدب القاضي للماوردي 1/364، الإحكام للآمدي 3/181، روضة الناظر ص88، مختصر الطوفي ص83، فتح الغفار 2/136، فواتح الرحموت 2/95، المستصفى 1/128، المعتمد 1/451".
3 في ش: مع.
4 في ش ب: الثاني.
5 انظر إرشاد الفحول ص192، 197، الإحكام لابن حزم 4/483.
قال ابن حزم: "إن كل ما فعله عليه السلام من أمور الديانة أو قاله منها فهو وحي من عند الله عز وجل بقوله تعالى: {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ مَا يُوحَى إِلَيَّ} وبقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} والله تعالى يفعل ما يشاء، فمرة ينزل أوامره بوحي يتلى، ومرة بوحي بنقل ولا يتلى، ومرة بوحي يعمل به ولا يتلى ولا ينقل، ومرة يأتيه جبريل بالوحي، لا معقب لحكمه، وجائز نسخ كل ذلك بالقرآن، وكل ذلك سواء ولا فرق.
6 انظر المسودة ص228، العدة 3/838.
7 العدة 3/838.
8 انظر اللمع ص33. قال الشيرازي: والدليل على جوازه أن الفعل كالقول في البيان، فكما يجوز بالقول جاز بالفعل.
وَقَدْ جَعَلَ الْعُلَمَاءُ مِنْ ذَلِكَ نَسْخَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِأَكْلِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الشَّاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ1 وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ2 ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ.
وَمَنَعَ ابْنُ عَقِيلٍ الْقَوْلَ بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم، وَحُكِيَ عَنْ التَّمِيمِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ3، لأَنَّ دَلالَتَهُ دُونَهُ4.
"وَ" الْوَجْهُ الرَّابِعُ: مِنْ طُرُقِ مَعْرِفَةِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ "قَوْلُ الرَّاوِي" لِلنَّاسِخِ "كَانَ كَذَا وَنُسِخَ، أَوْ رُخِّصَ فِي كَذَا ثُمَّ نُهِيَ عَنْهُ وَنَحْوِهِمَا"5 كَقَوْلِ جَابِرٍ رضي الله عنه كَانَ آخِرُ الأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ6 وَكَقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ، ثُمَّ قَعَدَ7 وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ كَثِيرٌ.
1 سبق تخريج الحديث في المجلد الثاني صفحة 566، 567.
2 في ض ب: ما قدم.
3 المسودة ص229.
4 أي أن دلالة الفعل دون دلالة صريح القول، والشيء إنما ينسخ بمثله أو بأقوى منه، فأما بدونه فلا. "المسودة ص229".
5 انظر المسودة ص231، العدة 3/832، الاعتبار للحازمي ص10، الإحكام لابن حزم 4/459، اللمع ص34، روضة الناظر ص89، مختصر الطوفي 83، فتح الغفار 2/136، فواتح الرحموت 2/95، إرشاد الفحول ص197، وقد خالف في حجية هذا الوجه فريق من العلماء كالغزالي والرازي والآمدي، واستدلوا على ذلك بأن قول الراوي هذا ربما كان اجتهاداً، فلا يكون حجة على الغير. "المستصفى 1/128، الإحكام للآمدي 3/18، المحصول ج1 ق3/566".
غير أن صاحب فواتح الرحموت رد عليهم حجتهم فقال: "إن تعيين العدل الموثوق بعدالته، بل مقطوعها لناسخ لا يكون إلا عن علم بالتاريخ والتعارض، فإن المراد عنده معلوم بمشاهدة القرائن، فحكمه بالنسخ عن بصيرة، ولا مجال للاجتهاد فيه". "فواتح الرحموت 2/95".
6 رواه الحازمي في كتابه الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار ص50.
7 أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي ومالك في الموطأ، ولفظ مسلم "رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا، وقعد فقعدنا" يعني للجنازة. ولفظ البيهقي: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع وقام الناس معه، ثم قعد بعد ذلك وأمرهم بالقعود". "انظر صحيح مسلم 2/662،الموطأ=
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُ الرَّاوِي يُنْسَخُ بِهِ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ الْمُتَوَاتِرَةُ، عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا، مَعَ أَنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ، وَالآحَادُ1 لا يُنْسَخُ بِهِ الْمُتَوَاتِرُ؟
قِيلَ: هَذَا حِكَايَةٌ لِلنَّسْخِ2، لا نَسْخٌ، وَالْحِكَايَةُ بِالآحَادِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَسَائِرِ أَخْبَارِ الآحَادِ.
وَأَيْضًا: فَاسْتِفَادَةُ النَّسْخِ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّضَمُّنِ، وَالضِّمْنِيُّ3: يُغْتَفَرُ4 فِيهِ مَا لا يُغْتَفَرُ5 فِيمَا إذَا كَانَ أَصْلاً، كَثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الشَّجَرِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ وَنَحْوِهِ.
"لا" قَوْلُ الرَّاوِي "ذِي الآيَةِ" مَنْسُوخَةٌ "أَوْ ذَا الْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، حَتَّى يُبَيِّنَ النَّاسِخَ" لِلآيَةِ أَوْ للْخَبَرِ6.
=1/222، عارضة الأحوذي 4/264، سنن البيهقي 4/27".
والحديث يدل على نسخ ما روى البخاري ومسلم والبيهقي والحاكم وغيرهم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع" وفي رواية أخرى "إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشياً معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه".
"صحيح البخاري 2/107، عارضة الأحوذي 4/264، سنن البيهقي 4/25، المستدرك 1/356، الاعتبار للحازمي ص121 وما بعدها، صحيح مسلم 2/660".
1 ساقطة من ض.
2 في ش: نسخ.
3 في ش: والتضمن.
4 في ش ز ض: يعتبر.
5 في ش ز ض: يعتبر.
6 في ش: الخبر.
وانظر تفصيل العلماء في هذه المسألة "المسودة230، العدة 3/835، نهاية السول 2/193، شرح تنقيح الفصول ص321، اللمع ص34، المعتمد 1/451".
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَإِنْ قَالَ صَحَابِيٌّ: هَذِهِ1 الآيَةُ مَنْسُوخَةٌ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُخْبِرَ بِمَاذَا نُسِخَتْ.
قَالَ الْقَاضِي: أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ2.
قَالُوا: لأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلا يُقْبَلُ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ رِوَايَةً أَنَّهُ يُقْبَلُ، كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ بِعِلْمِهِ3، فَلا احْتِمَالَ؛ لأَنَّهُ4 لا يَقُولُهُ غَالِبًا إلَاّ عَنْ نَقْلٍ.
وَ5 قَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: و6 إنْ كَانَ هُنَاكَ نَصٌّ يُخَالِفُهَا عُمِلَ بِالظَّاهِرِ7.
وَ "لا" نَسْخَ "بِقَبَلِيَّةٍ فِي الْمُصْحَفِ"؛ لأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالنُّزُولِ لا بِالتَّرْتِيبِ فِي الْوَضْعِ؛ لأَنَّ النُّزُولَ بِحَسَبِ الْحُكْمِ وَالتَّرْتِيبُ لِلتِّلاوَةِ8.
1 في ع: بهذه.
2 العدة 3/835، 836.
3 في ش: بعلمه.
4 ساقطة من ب.
5 ساقطة من ش.
6 ساقطة من ش ز.
7 المسودة ص230 بتصرف، ونص كلام المجد فيها:"وعندي أنه إن كان هناك نص آخر يخالفها، فإنه يقبل قوله في ذلك، لأن الظاهر أن ذلك النص هو الناسخ، ويكون حاصل قول الصحابي الإعلام بالتقدم والتأخر، وقوله يقبل في ذلك". حكى الشيخ تقي الدين بن تيمية في "المسودة" عن الباجي ثلاثة أقوال في المسألة "أحدها" انه لا يقبل مجال حتى يبين الناسخ ليعلم أنه ناسخ، لأن هذا كفتياه، وهو قوا ابن الباقلاني والسمناني واختاره الباجي "والثاني" أنه إن ذكر الناسخ لم يقع به نسخ، وإن لم يذكره وقع. "الثالث" يقع به النسخ بكل حال. "المسودة ص230".
8 انظر فواتح الرحموت 2/96، الإحكام للآمدي 3/181، المستصفى 1/128، أدب القاضي للماوردي 1/363، الإحكام لابن حزم 4/465، العضد على ابن الحاجب 2/196، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/94، الآيات البينات 3/167.
"وَلا" نَسْخَ أَيْضًا1 "بِصِغَرِ صَحَابِيٍّ، أَوْ تَأَخُّرِ إسْلامِهِ" يَعْنِي إذَا رَوَى الْحَدِيثَ أَحَدٌ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ أَوْ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إسْلامُهُ2 مِنْهُمْ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ؛ لأَنَّ تَأَخُّرَ رَاوِي أَحَدِ الدَّلِيلِينَ لا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا3 رَوَاهُ نَاسِخٌ وَلِجَوَازِ أَنَّ مَنْ تَأَخَّرَ إسْلامُهُ تَحَمَّلَ الْحَدِيثَ قَبْلَ إسْلامِهِ4.
"وَلا" نَسْخَ "بِمُوَافَقَةِ أَصْلٍ"5 يَعْنِي أَنَّهُ إذَا وَرَدَ نَصَّانِ فِي حُكْمٍ مُتَضَادَّانِ، وَلَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ أَحَدَ النَّصَّيْنِ مُوَافِقٌ لِلْبَرَاءَةِ الأَصْلِيَّةِ، وَالآخَرَ مُخَالِفٌ، لَمْ يَكُنْ الْمُوَافِقُ لِلأَصْلِ مَنْسُوخًا بِمَا خَالَفَهُ6.
وَقِيلَ: بَلَى؛ لأَنَّ الانْتِقَالَ مِنْ الْبَرَاءَةِ لاشْتِغَالِ الذِّمَّةِ يَقِينٌ، وَالْعَوْدَ إلَى الإِبَاحَةِ ثَانِيًا شَكٌّ فَقُدِّمَ الَّذِي لَمْ يُوَافِق الأَصْلَ7.
"وَلا" نَسْخَ "بِعَقْلٍ وَقِيَاسٍ8"؛ لأَنَّ النَّسْخَ لا يَكُونُ إلَاّ بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ عَنْ زَمَنِ الْمَنْسُوخِ، وَلا مَدْخَلَ لِلْعَقْلِ وَلا لِلْقِيَاسِ فِي مَعْرِفَةِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ، وَإِنَّمَا
1 ساقطة من ش.
2 في ش: اسلامهم.
3 في ب: انه.
4 انظر إرشاد الفحول ص197، الآيات البينات 3/167، اللمع ص34، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/94، فواتح الرحموت 2/96، الإحكام للآمدي 3/181، المستصفى 1/129، شرح العضد 2/196.
5 انظر الإحكام للآمدي 3/182، العضد على ابن الحاجب 2/196، المستصفى 1/129، فواتح الرحموت 2/96، الآيات البينات 3/167، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93.
6 في ز: يحالفه.
7 انظر إرشاد الفحول ص197، حاشية البناني 2/94.
8 في ض: أو قياس.
يُعْرَفُ ذَلِكَ بِالنَّقْلِ الْمُجَرَّدِ1.
"وَلا يُنْسَخُ إجْمَاعٌ"؛ لأَنَّهُ لا يَكُونُ إلَاّ فِي2 حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أَنَّهُ يَرُدُّ مَا يَنْسَخُهُ، وَإِذَا وَقَعَ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلا يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بَعْدَهُ نَاسِخٌ3.
"وَلا يُنْسَخُ" حُكْمٌ4 "بِهِ" أَيْ بِالإِجْمَاعِ؛ لأَنَّهُ إذَا وُجِدَ إجْمَاعٌ عَلَى خِلافِ نَصٍّ فَيَكُونُ قَدْ تَضَمَّنَ نَاسِخًا لا أَنَّهُ هُوَ النَّاسِخُ. وَلأَنَّ الإِجْمَاعَ مَعْصُومٌ مِنْ مُخَالَفَةِ دَلِيلٍ5 شَرْعِيٍّ، لا مُعَارِضَ لَهُ6 وَلا مُزِيلَ7 عَنْ دَلالَتِهِ فَتَعَيَّنَ إذَا وَجَدْنَاهُ خَالَفَ شَيْئًا، أَنَّ8 ذَلِكَ إمَّا غَيْرُ صَحِيحٍ، إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّهُ مُؤَوَّلٌ، أَوْ نُسِخَ بِنَاسِخٍ9؛ لأَنَّ إجْمَاعَهُمْ حَقٌّ.
فَالإِجْمَاعُ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ، لا رَافِعٌ لِلْحُكْمِ، كَمَا قَرَّرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى10 وَالصَّيْرَفِيُّ وَالأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَغَيْرُهُمْ11.
1 انظر المستصفى 1/128، روضة الناظر ص88، المسودة ص230، اللمع ص33، المعتمد 1/450، مختصر الطوفي ص83.
2 في ش: إلا في.
3 انظر "العدة 3/826، المسودة ص224، شرح تنقيح الفصول ص314، المحصول ج1 ق3/531، المعتمد 1/432، مختصر الطوفي ص82، شرح البدخشي 2/185، نهاية السول 2/186، إرشاد الفحول ص192، شرح العضد 2/198، روضة الناظر ص87، الإحكام للآمدي 3/160، فواتح الرحموت 2/81، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 2/86".
4 في ب: حكمه.
5 في ش: دليل صحيح.
6 ساقطة من ض.
7 في ش: مزيل له.
8 في ش: يكون.
9 في ش: بناسخ أخر.
10 العدة 3/826.
11 انظر "المسودة ص224، شرح تنقيح الفصول ص314، المحصول ج1 ق3/532، المعتمد 1/433، اللمع ص33، مختصر الطوفي ص82، نهاية السول 2/186، شرح البدخشي 2/185، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/76، الآيات البينات 3/134، إرشاد الفحول ص193، الإحكام لابن حزم 4/488، العضد على ابن الحاجب 2/199، روضة الناظر ص87، الإحكام للآمدي 3/161، المستصفى 1/126، فواتح الرحموت 2/82، كشف الأسرار 3/175، الفقيه والمتفقه 1/123، التلويح على التوضيح 2/34، فتح الغفار 2/133، أصول السرخسي 2/66".
"وَكَذَا الْقِيَاسُ" أَيْ وَكَالإِجْمَاعِ الْقِيَاسُ فِي كَوْنِهِ لا يُنْسَخُ وَلا يَنْسَخُ به1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: أَمَّا الْقِيَاسُ فَلا يُنْسَخُ. ذَكَرَهُ2 الْقَاضِي3 وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ4 عَنْ أَصْحَابِنَا لِبَقَائِهِ بِبَقَاءِ أَصْلِهِ.
قَالَ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ: مَنَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَعَبْدُ الْجَبَّارِ فِي قَوْلٍ، مُحْتَجِّينَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ إذَا كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِنْ أَصْلٍ فَالْقِيَاسُ بَاقٍ بِبَقَاءِ أَصْلِهِ فَلا يُتَصَوَّرُ رَفْعُ حُكْمِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ الْحَاجِبِ5 وَغَيْرِهِ، وَمِنْهُمْ6 مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ الْمَوْجُودِ زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، دُونَ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْخَطَّابِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَأَبِي الْحُسَيْنِ البصري7 وَابْنِ بُرْهَانٍ وَابْنِ الْخَطِيبِ8.
1 ساقطة من ش.
انظر تحقيق المسألة في "العدة 3/827، المسودة ص216، 217، 225، الإحكام للآمدي 3/163، الفقيه والمتفقه 1/86، المعتمد1/434، المحصول ج1 ق3/536، نهاية السول 2/187، شرح البدخشي 2/186، فواتح الرحموت 2/84، شرح العضد 2/199، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/81، الآيات البينات 3/150، فتح الغفار 2/133".
2 في ش: وذكره.
3 العدة 3/827.
4 في ب ز ع ض: الآمدي منا، انظر الإحكام له 2/163.
5 مختصر ابن الحاجب والعضد عليه 2/199.
6 ساقطة من ب.
7 ساقطة من ش. انظر المعتمد للبصري 1/434.
8 المحصول ج1 ق3/536.
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا ثَبَتَ قِيَاسًا. فَإِمَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَصِّهِ عَلَى الْعِلَّةِ، أَوْ تَنْبِيهِهِ عَلَيْهَا فَيَجُوزُ نَسْخُهُ بِنَصِّهِ أَيْضًا.
مِثَالُهُ: أَنْ يَنُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الْبُرِّ، وَيَنُصَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِهِ الْكَيْلُ، ثُمَّ يَنُصَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي الأَرُزِّ، وَيَمْنَعَ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْبُرِّ فَيَكُونَ ذَلِكَ نَسْخًا.
وَإِمَّا قِيَاسٌ مُسْتَفَادٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ عليه الصلاة والسلام: فَلا يَصِحُّ نَسْخُهُ؛ لأَنَّهُ لا يَجُوزُ أَنْ يَتَجَدَّدَ1 بَعْدَ وَفَاتِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ. اهـ.
وَأَمَّا كَوْنُ الْقِيَاسِ لا يُنْسَخُ بِهِ: فَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا2 وَالْجُمْهُورُ3 قَالَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ، وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلَاّنِيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْفُقَهَاءِ وَالأُصُولِيِّينَ.
قَالَ: لأَنَّ الْقِيَاسَ يُسْتَعْمَلُ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ فَلا يَنْسَخُ النَّصَّ؛ وَلأَنَّهُ دَلِيلٌ مُحْتَمَلٌ4، وَالنَّسْخُ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ مُحْتَمَلٍ.
وَأَيْضًا فَشَرْطُ صِحَّةِ الْقِيَاسِ: أَنْ لا يُخَالِفَ الأُصُولَ، فَإِنْ خَالَفَ فَسَدَ.
قَالَ: بَلْ وَلا يَنْسَخُ قِيَاسًا آخَرَ؛ لأَنَّ التَّعَارُضَ إنْ كَانَ بَيْنَ أَصْلَيْ الْقِيَاسَيْنِ فَهُوَ نسخ5 نَصٌّ بِنَصٍّ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْعِلَّتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَارَضَةِ فِي الأَصْلِ وَالْفَرْعِ، لا مِنْ بَابِ الْقِيَاسِ.
1 في ع: يجدد.
2 انظر العدة 3/827، المسودة ص225.
3 انظر "الفقيه والمتفقه للخطيب 1/123ن إرشاد الفحول ص193، اللمع ص33، كشف الأسرار 3/174، التلويح على التوضيح 2/34، الإحكام لابن حزم 4/488، التبصرة ص274، المستصفى 1/126، فواتح الرحموت 2/84، شرح العضد 2/199، فتح الغفار 2/133، أصول السرخسي 2/66، اللمع ص33".
4 في ع ض ب: يحتمل.
5 ساقطة من ش.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ الْمَنْسُوخَ إنْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمْ يُنْسَخْ بِمَظْنُونٍ، وَإِنْ كَانَ ظَنِّيًّا فَالْعَمَلُ بِهِ مُقَيَّدٌ بِرُجْحَانِهِ عَلَى مُعَارِضِهِ، وَتَبَيَّنَ بِالْقِيَاسِ زَوَالُ الْعَمَلِ بِهِ، وَهُوَ رُجْحَانُهُ فَلا ثُبُوتَ لَهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إنْ كَانَتْ عِلَّتُهُ مَنْصُوصَةً جَازَ النَّسْخُ بِهِ، وَإِلَاّ فَلا.
قَالَ الْبَاجِيُّ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ1.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: قَالَهُ الآمِدِيُّ2: إنْ كَانَتْ مَنْصُوصَةً جَازَ، وَإِلَاّ فإنْ3 كَانَ الْقِيَاسُ قَطْعِيًّا، كَقِيَاسِ الأَمَةِ عَلَى الْعَبْدِ فِي السِّرَايَةِ4 فهو مقدم، لَكِنْ لا مِنْ بَابِ النَّسْخِ، أَوْ كَانَ ظَنِّيًّا فَإِنَّ كانت5 عِلَّتَهُ مُسْتَنْبَطَةٌ فَلا.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ سِتَّةُ أَقْوَالٍ6 غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا أَضْرَبْنَا عَنْهَا7 خَشْيَةَ الإِطَالَةِ.
"وَإِنْ نُسِخَ حُكْمُ أَصْلٍ تَبِعَهُ حُكْمُ فَرْعِهِ" يَعْنِي إذَا وَرَدَ النَّسْخُ عَلَى أَصْلٍ مَقِيسٍ عَلَيْهِ ارْتَفَعَ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ بِالتَّبَعِيَّةِ عِنْدَنَا8
1 يبدو أن عزو المصنف هذا القول للباجي فيه نظر، وذلك لنص الباجي على خلافه في كتابه "الإشارات في أصول الفقه" حيث قال:"فأما القياس فلا يصح النسخ به جملة""الإشارات ص75".
2 في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" 3/164 مفصلاً مبسوطاً.
3 في ش: بأن.
4 ساقطة من ش.
5 ساقط من ش.
6 انظر "روضة الناظر ص87، أصول السرخسي 2/84، كشف الأسرار 3/174، إرشاد الفحول ص193، اللمع ص33، المعتمد 1/434، المحصول ج1 ق3/537، شرح تنقيح الفصول ص316، نهاية السول 2/186، الآيات البينات 3/149، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/80".
7 ساقطة من ض.
8 المسودة ص213، 220، العدة 3/820.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ1.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْقَاضِي2 مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْحَنَفِيَّةُ3.
قَالَ الْقَاضِي4 فِي إثْبَاتِ الْقِيَاسِ عَقْلاً: لا يَمْتَنِعُ عِنْدَنَا بَقَاءُ حُكْمِ الْفَرْعِ مَعَ نَسْخِ حُكْمِ الأَصْلِ وَمِثْلُهُ أَصْحَابُنَا -وَذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الْمُخَالِفِ أَيْضًا- بِبَقَاءِ حُكْمِ النَّبِيذِ الْمَطْبُوخِ فِي الْوُضُوءِ بَعْدَ نَسْخِ النِّيءِ5، وَصَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّة6 مِنْ النَّهَارِ بَعْدَ نَسْخِ عَاشُورَاءَ
1 الإحكام للآمدي 3/167، التبصرة ص275، نهاية السول 2/193، شرح العضد 2/200، البرهان 2/1313.
2 عزو المصنف المخالفة للقاضي أبي يعلى غير سديد، وذلك لقوله في العدة "3/820":"إذا نص على حكم في عين من الأعيان بمعنى، وقيس عليه كل موضع وجد فيه ذلك المعنى، ثم نسخ الله تعالى حكم تلك العين صار حكم الفروع منسوخاً".
3 عزو المصنف المخالفة إلى الحنفية فيه نظر، وذلك لأن مذهبهم غير مخالف لما عليه الجمهور من كون الفرع يتبع حكم الأصل إذا نسخ، يدل على ذلك قول صاحب مسلم الثبوت "2/86":"مسألة: إذا نسخ حكم الأصل لا يبقى حكم الفرع، وهذا ليس نسخاً. وقيل: يبقى. ونسب إلى الحنفية" وقد بين شارحه في "فواتح الرحموت" الأمر وزاده وضوحاً حيث قال: "أن هذه النسبة لم تثبت، وكيف لا، وقد صرحوا أن النص المنسوخ لا يصح عليه القياس".
4 لم أعثر على هذا القول الذي عزاه المصنف للقاضي في كتابه "العدة" وان مما يجدر ذكره أن رأي القاضي فيهما على خلاف ذلك، وهو موافق للجمهور، وقد نسب في "العدة" هذا الرأي وأدلته لأصحاب أبي حنيفة، ثم رده وأجاب عن أدلته. "أنظر العدة 3/821".
ثم إن من العجيب في هذا النص حكاية القاضي عن ابن عقيل عزوه هذا القول للمخالف، مع أن أبا يعلى متقدم في حياته على ابن عقيل بنصف قرن من الزمان، فقد توفي القاضي أبو يعلى سنة 458 هـ، بينما توفي ابن عقيل سنة 513هـ فكيف ينقل المتقدم عن المتأخر!!.
5 حيث ثبت بالنص جواز الوضوء بالنيء، لأنه ثمرة طيبة وماء طهور، فوجب جوازه بالمطبوخ، لأن هذا المعنى موجود فيه، وقد نسخ الحكم النيء، وبقي حكم المطبوخ "انظر العدة 2/821".
6 في ش ز: بينته.
عِنْدَهُمْ1.
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي الْمُسَوَّدَةِ: وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ مَنْصُوصًا عَلَيْهَا لَمْ يَتْبَعْهُ الْفَرْعُ2، إلَاّ أَنْ يُعَلَّلَ فِي3 نَسْخِهِ بِعِلَّةٍ فَيَثْبُتَ النَّسْخُ حَيْثُ وُجِدَتْ4. اهـ.
وَقِيلَ: إنْ نَصَّ عَلَى الْعِلَّةِ: لَمْ يَتْبَعْهُ الْفَرْعُ5، إلَاّ أَنْ يُعَلَّلَ فِي نَسْخِهِ بِعِلَّةٍ، فَيَتْبَعَهَا النَّسْخُ.
وَوَجْهُ الأَوَّلِ الَّذِي فِي الْمَتْنِ-: خُرُوجُ الْعِلَّةِ عَنْ اعْتِبَارِهَا فَلا فَرْعَ، وَإِلَاّ وُجِدَ الْمَعْلُولُ بِلا عِلَّةٍ.
فَإِنْ قِيلَ: أَمَارَةٌ، فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهَا دَوَامًا، رُدَّ بِأَنَّهَا بَاعِثَةٌ.
قَالُوا: الْفَرْعُ تَابِعٌ لِلدَّلالَةِ، لا لِلْحُكْمِ، رُدَّ زَوَالُ6 الْحُكْمِ بِزَوَالِ حكمتِهِ7.
وَفِي التَّمْهِيدِ أَيْضًا: لا يُسَمَّى نَصًّا8 لِزَوَالِ9 حُكْمٍ بِزَوَالِ عِلَّتِهِ وَمَعْنَاهُ فِي الْعُدَّةِ10
1 حيث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بعث إلى أهل العوالي يوم عاشوراء أن من لم يأكل فليصم، فأجاز صوم يوم عاشوراء بالنية من النهار، وكانت العلة فيه أنه صوم مستحق في زمانه بعينه، وهذا المعنى موجود في صوم رمضان وغيره، ثم نسخ صوم عاشوراء، وبقي حكمه في غيره. "انظر العدة 3/822".
2 في المسودة: تتبعه الفروع.
3 ساقطة من المسودة.
4 المسودة ص220.
5 في ض: الرفع.
6 في ز: زال.
7 في ش: علته.
8 كذا في سائر النسخ الخطيئة، ولعل الصواب: نسخاً.
9 في ض: كزوال.
10 العدة 3/823.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: إذَا وَرَدَ النَّسْخُ عَلَى الأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ ارْتَفَعَ الْقِيَاسُ مَعَهُ بِالتَّبَعِيَّةِ. وَالْمُخَالِفُ فِيهِ الْحَنَفِيَّةُ.
"وَيَجُوزُ النَّسْخُ بِالْفَحْوَى" عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ وَالْمُعْظَمِ1.
قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: الْفَحْوَى يُنْسَخُ وَيُنْسَخُ بِهِ ذكره2 الآمِدِيُّ: اتِّفَاقًا3.
وَفِي التَّمْهِيدِ: الْمَنْعُ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَكَرَهُ فِي الْعُدَّةِ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ. قَالَ فِيمَا حَكَاهُ الإسْفَرايِينِيّ4: وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا.
لَنَا: أَنَّهُ كَالنَّصِّ، وَإِنْ قِيلَ: قِيَاسٌ فقَطْعِيٌّ5. اهـ.
"وَ" يَجُوزُ أَيْضًا "نَسْخُ أَصْلِ الْفَحْوَى" كالتَّأْفِيفُ6، كَمَا لَوْ قَالَ: رَفَعْت تَحْرِيمَ التَّأْفِيفِ مَثَلاً أي دون باقي7 أَنْوَاعِ الأَذَى وَهُوَ الْفَحْوَى؛ لأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ8 إبَاحَةِ الْخَفِيفِ إبَاحَةُ الثَّقِيلِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْفَخْرِ إسْمَاعِيلِ الْبَغْدَادِيِّ، وَحُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ9
1 انظر "المسودة ص222، مختصر الطوفي ص82، روضة الناظر ص88، العدة 3/828، المعتمد 1/436، اللمع ص33، إرشاد الفحول ص194، المحصول ج1 ق3/540، نهاية السول 2/189، شرح البدخشي 2/188، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/82، الآيات البينات 3/151، شرح تنقيح الفصول ص315، فواتح الرحموت 2/88".
2 في ش: قال. وفي ع: وذكره.
3 الإحكام في أصول الأحكام 3/165.
4 العدة 3/828.
5 في ش: قطعي.
6 في ش ز: وهو التأفيف.
7 في ش: في.
8 ساقطة من ب.
9 انظر فواتح الرحموت 2/87.
وَغَيْرِهِمْ1.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ2، وَتَبِعَهُ الطُّوفِيُّ3: بِالْمَنْعِ وَذَكَرَهُ الآمِدِيُّ4 قَوْلُ الأَكْثَرِ؛ لأَنَّ الْفَرْعَ يَتْبَعُ الأَصْلَ فَإِذا5 رُفِعَ الأَصْلُ فَكَيْفَ يَبْقَى الْفَرْعُ6!!
"وَعَكْسُهُ" يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ الْفَحْوَى -وَهُوَ الضَّرْبُ مَثَلاً- دُونَ أَصْلِهِ وَهُوَ التَّأْفِيفُ، كَمَا لَوْ قَالَ: رَفَعْت تَحْرِيمَ كُلِّ إيذَاءٍ7 غَيْرَ التَّأْفِيفِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي ظَاهِرِ كَلامِ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا8، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَكَلِّمِينَ9. قَالَهُ الْبِرْمَاوِيُّ؛ لأَنَّ الْفَحْوَى وَأَصْلَهُ مَدْلُولانِ مُتَغَايِرَانِ فَجَازَ نَسْخُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ.
وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْمَجْدُ10 وَابْنُ مُفْلِحٍ وَابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ وَابْنُ الْحَاجِبِ11 وَغَيْرُهُمْ12.
1 انظر المسودة ص221، شرح العضد 2/200، الآيات البينات 3/151، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/82.
2 روضة الناظر ص88.
3 مختصر الطوفي ص82.
4 الإحكام في أصول الأحكام 3/165.
5 في ش: فإن.
6 انظر المحصول ج1 ق3/539، المعتمد 1/437، نهاية السول 2/188، شرح البدخشي 2/188، شرح تنقيح الفصول ص315.
7 في ع: اذاء.
8 في ش: أكثر أصحابنا.
9 انظر الإحكام للآمدي 3/166، إرشاد الفحول ص194، الآيات البينات 3/151، فواتح الرحموت 2/87، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/82.
10 المسودة ص222.
11 شرح العضد على مختصر ابن الحاجب 2/200.
12 انظر المعتمد 1/437، نهاية السول 2/188، المحصول ج1 ق3/539، شرح تنقيح الفصول ص315، شرح البدخشي 2/188.
وَقِيلَ: إنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ1 الآخَرِ2.
قَالَ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ: وَالأَكْثَرُ أَنَّ نَسْخَ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ الآخَرِ.
ثُمَّ قَالَ الْمَحَلِّيُّ شَارِحُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ اسْتِلْزَامَ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا الآخر3 يُنَافِي مَا صَحَّحَهُ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ مِنْ جَوَازِ نَسْخِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الآخَرِ، فَإِنَّ الامْتِنَاعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الاسْتِلْزَامِ، وَالْجَوَازَ مَبْنِيٌّ4 عَلَى عَدَمِهِ.
وَقَدْ اقْتَصَرَ ابْنُ الْحَاجِبِ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ مُقَابِلِهِ، وَالْبَيْضَاوِيُّ عَلَى الاسْتِلْزَامِ وَجَمَعَ الْمُصَنِّفُ -يَعْنِي صَاحِبَ جَمْعِ الْجَوَامِعِ- بَيْنَهُمَا5.
"وَ" يَجُوزُ أَيْضًا نَسْخُ "حُكْمِ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ إنْ ثَبَتَ"6، وَإِلَاّ فَلا. يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ نَسْخُ حُكْمِ الْمَسْكُوتِ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَذْكُورِ، مَعَ نَسْخِ الأَصْلِ وَدُونَهُ.
قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ7.
وَقَدْ8 قَالَت9 الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم إنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "الْمَاءُ 10 مِنْ
1 غير موجودة في جمع الجوامع ولا في ع ض.
2 جمع الجوامع مع شرحه للمحلي 2/82.
3 ساقطة من ش. وفي شرح المحلي: للآخر.
4 في ز: والامتناع.
5 شرح المحلي على جمع الجوامع 2/83.
6 أي استقر حكمه وتقرر، وأما إذا لم يستقر حكمه، وذد وجدنا منطوقاً بخلافه قدم المنطوق عليه، وعلمنا أنه غير مراد. "المسودة ص222".
7 انظر إرشاد الفحول ص194، الإحكام للآمدي 3/172، المسودة ص222، فواتح الرحموت 2/89، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/83، الآيات البينات 3/152.
8 ساقطة من ض ب.
9 في ش: قال.
10 في ش: إنما الماء.
الْمَاءِ" 1: مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ" 2 مَعَ أَنَّ الأَصْلَ بَاقٍ. وَهُوَ وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالإِنْزَالِ.
"وَيَبْطُلُ" حُكْمُ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ "بِنَسْخِ أَصْلِهِ" عَلَى الصَّحِيحِ3، اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ فِي الرَّوْضَةِ4، كَذَلِكَ الطُّوفِيُّ5؛ لأَنَّ فَرْعَهُ وَعَدَمَهُ كَالْخِطَابَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ فُورَكٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لا يَبْطُلُ بِنَسْخِ أَصْلِهِ، وَهُوَ وَجْهٌ لأَصْحَابِنَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
قَالَ الْبِرْمَاوِيُّ: وَأَمَّا نَسْخُ الأَصْلِ بِدُونِ مَفْهُومِهِ الَّذِي هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ حُكْمًا: فَذَكَرَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ، قَالَ: وَأَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ لا يَجُوزُ؛ لأَنَّهُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى ضِدِّ الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، فَإِذَا بَطَلَ تَأْثِيرُ ذَلِكَ الْقَيْدِ بَطَلَ مَا يَنْبَنِي6 عَلَيْهِ. اهـ.
1 الحديث أخرجه مسلم والترمذي والبيهقي وأبو داود، ولفظ مسلم:"عن أبي سعيد الخدري قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء، حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان، فصرخ به، فخرج يجر إزاره. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعجلنا الرجل". فقال عتبان: يا رسول الله! أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم بمن، وماذا عليه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنما الماء من الماء" "انظر صحيح مسلم 1/269، عارضة الأحوذي 1/168، سنن البيهقي 1/167، بذل المجهود 2/179، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 1/48، 50، الاعتبار للحازمي ص30-36".
2 أخرجه البخاري ومسلم. وقد سبق تخريجه في هامش ص221.
3 انظر فواتح الرحموت 2/89، الآيات البينات 3/152، إرشاد الفحول ص194، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/83.
4 روضة الناظر ص88.
5 مختصر الطوفي ص82.
6 في ص ب: ما يبنى.
وَعَلَى هَذَا: فَنَسْخُ الأَصْلِ نَسْخٌ لِلْمَفْهُومِ مِنْهُ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَرْتَفِعُ الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي حُكِمَ بِهِ عَلَى الْمَسْكُوتِ بِضِدِّ1 حُكْمِ2 الْمَذْكُورِ.
"وَلا يُنْسَخُ بِهِ" أَيْ بِمَفْهُومِ3 الْمُخَالَفَةِ عَلَى الصَّحِيحِ4 قَطَعَ بِهِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ5 وَصَرَّحَ بِهِ السَّمْعَانِيُّ، لِضَعْفِهِ عَنْ مُقَاوَمَةِ النَّصِّ.
وَقِيلَ: بَلَى؛ لأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَنْطُوقِ6.
"وَلا حُكْمَ لِلنَّاسِخِ مَعَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ7 اتِّفَاقًا" قَبْلَ أَنْ يُبَلِّغَهُ جِبْرِيلُ إلَى8 النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "فَإِذَا بَلَّغَهُ" لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم "لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ9" عِنْدَ أَصْحَابِنَا10 وَالأَكْثَرُ11 وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ أَحْمَدَ رحمه الله؛ لأَنَّهُ
1 في ع ز ب: لضد.
2 في ش: الحكم.
3 في ز: مفهوم.
4 انظر المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/84، الآيات البينات 3/153.
5 جمع الجوامع مع شرحه للمحلي 2/84.
6 وهو قول أبي إسحاق الشيرازي "انظر اللمع للشيرازي ص33، المحلي على جمع الجوامع 1/84".
7 في ع ز: الصلاة والسلام.
8 ساقطة من ز.
9 فإن كان الناسخ موجباً لعبادة، فلا يجب على من لم يبلغه قضاء.
10 انظر المسودة ص223، العدة 3/823، روضة الناظر ص83، مختصر الطوفي ص79، القواعد والفوائد الأصولية ص156.
11 انظر "التمهيد للأسنوي ص133 البرهان 2/1312، المستصفى 1/120، الإحكام للآمدي 3/168، اللمع ص35، نهاية السول 2/194، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/90، الآيات البينات 3/159، شرح العضد 2/201، فواتح الرحموت 2/89".
أَخَذَ بِقِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ وَالْقِبْلَةِ1.
وَقِيلَ: يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ2، كَالنَّائِمِ وَقْتَ الصَّلاةِ.
وَاسْتُدِلَّ لِلأَوَّلِ -وَهُوَ الصَّحِيحُ- بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَزِمَ وُجُوبُ الشَّيْءِ وَتَحْرِيمُهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ؛ لأَنَّهُ لَوْ نُسِخَ وَاجِبٌ بِمُحَرَّمٍ أَثِمَ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ اتفاقاً3 وَأَيْضًا يَأْثَمُ بِعَمَلِهِ4 بِالثَّانِي اتِّفَاقًا.
"وَلَيْسَتْ زِيَادَةُ جُزْءٍ مُشْتَرَطٍ، أَوْ شَرْطٍ5 أَوْ زِيَادَةُ عِبَادَةٍ 6مُسْتَقِلَّةٍ مِنْ الْجِنْسِ أَوْ غَيْرِهِ: نَسْخًا" فإذَا7 زِيدَ فِي الْمَاهِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ جُزْءٌ مُشْتَرَطٌ، أَوْ شَرْطٌ، أَوْ زِيَادَةٌ تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا عَلَى الرَّاجِحِ8، وَعَلَيْهِ الأَكْثَرُ9، مِنْهُمْ أَصْحَابُنَا وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْجُبَّائِيَّةُ.
1 وذلك أن أهل قباء صلوا ركعة إلى بيت المقدس، ثم استداروا في الصلاة، ولو كان النسخ ثبت في حقهم لأمروا بالقضاء، فلما لم يؤمروا بالقضاء دل على أن النسخ لم يكن ثبت في حقهم. "العدة3/824".
2 التبصرة ص282.
3 ساقطة من ش.
4 في ع ز ض ب: بعلمه.
5 ساقطة من ض ب.
6 ساقطة من ش.
7 في ز ش ع: إذا.
8 في ع ز ض ب: المرجح.
9 انظر "شرح العضد 2/201، إرشاد الفحول ص195، المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/91، الآيات البينات 3/162، روضة الناظر ص79، مختصر الطوفي ص77، العدة 3/814، المسودة ص207، الإحكام للآمدي 3/170، التبصرة ص276، البرهان 2/1309، المستصفى 1/117، المحصول ج1 ق3/542، شرح تنقيح الفصول ص317، اللمع ص35، المعتمد 1/437، نهاية السول 2/190، شرح البدخشي 2/190".
وَخَالَفَتْ الْحَنَفِيَّةُ. وتواصلوا1 بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى المنُّصُوصِ2 نَسْخٌ3 لِمَسَائِلَ4 كَثِيرَةٍ، كَرَدِّ أَحَادِيثِ وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاةِ5، وَأَحَادِيثِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ6، وَاشْتِرَاطِ الإِيمَانِ فِي الرَّقَبَةِ7، وَالنِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ8 وَغَيْرِ ذَلِكَ.
1 في ش: واستدلوا.
2 في ش: النصوص.
3 انظر كشف الأسرار 3/191، التلويح على التوضيح 2/36، أصول السرخسي 2/82، فتح الغفار 2/135، فواتح الرحموت 2/93.
4 في ض ب: بمسائل.
5 كحديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عبادة بن الصامت مرفوعاً "انظر صحيح البخاري 1/192، صحيح مسلم 1/295، جامع الأصول 6/223، عارضة الأحوذي 2/46، سنن النسائي 2/106" وحجتهم في ذلك أن قوله تعالى: {فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} المزمل20، يقتضي افتراض مطلق القراءة لما تيسر، أي قدر كان من أي سورة كانت فجعل الفاتحة ركناً نسخ لهذا القاطع بخبر الواحد، فلا يجوز.
6 وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم: "قضى بشاهد ويمين" أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني ومالك في الموطأ وغيرهم. "انظر صحيح مسلم 3/1337، سنن ابن ماجه 2/793، عارضة الأحوذي 6/89، الدراية في تخريج أحاديث الهداية 2/175، جامع الأصول 10/555، الموطأ 2/721" وحجتهم أن الحكم بشاهد ويمين بالخبر فيه زيادة على قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} "البقرة 282" وهو نسخ، والمتواتر لا ينسخ بالآحاد.
7 في كفارة الظهار بالقياس على كفارة القتل، فإن فيه زيادة على قوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} "المجادلة 3" الذي يدل على إجزاء عتق مطلق الرقبة في الظهار، فلا يصح، لأنه نسخ للمتواتر بما لا يجوز نسخه.
8 لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن وأحمد "وقد سبق تخريج في ج1 ص491" قالوا: إن إيجاب النية في الوضوء بالخبر زيادة على فرائض الوضوء المذكورة في قوله تعالى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} "المائدة 6" وهو نسخ، فلا يجوز، لأن الآحاد لا يقوى على نسخ المتواتر، فإن قيل: حديث الأعمال بالنيات مشهور، فتصح الزيادة به على الكتاب، أجابوا: إن الحديث لا يدل على اشتراط النية أصلاً في الوضوء وغيره من الوسائل. "انظر فواتح الرحموت 2/93".
وَخَالَفُوا أُصُولَهُمْ فِي اشْتِرَاطِهِمْ فِي ذَوِي الْقُرْبَى الْحَاجَةَ، وَهُوَ زِيَادَةٌ عَلَى الْقُرْآنِ، وَمُخَالَفَةٌ لِلْمَعْنَى1 الْمَقْصُودِ فِيهِ2، وَفِي أَنَّ الْقَهْقَهَةَ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ، مُسْتَنِدِينَ لأَخْبَارٍ3 ضَعِيفَةٍ4، وَهِيَ زِيَادَةٌ عَلَى نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ.
وَقَالَ الرَّازِيّ فِي مَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي تَرْفَعُ مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ: إنَّهَا إنْ أَفَادَتْ خِلافَ مَا أُسْتنِدَ5 مِنْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ كَانَتْ نَسْخًا، كَإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي مَعْلُوفَةِ الْغَنَمِ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ خِلافَ مَفْهُومِ6 "فِي السَّائِمَةِ الزَّكَاةُ"، وَإِلَاّ فَلا7.
وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ8 أَضْرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهَا خَشْيَةَ الإِطَالَةِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ زِيَادَةِ الْعِبَادَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ: فَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ، كَزِيَادَةِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، أو9 َوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى وُجُوبِ الصَّلاةِ، أَوْ عَلَى وُجُوبِ الْحَجِّ. فَلَيْسَتْ نَسْخًا إجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْجِنْسِ، كَزِيَادَةِ صَلاةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الْخمسِ10: فَلَيْسَتْ بِنَسْخٍ أَيْضًا عِنْدَ الأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ11 رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.
1 في ب: في المغني.
2 ساقطة من ض ب.
3 في ش: إلى أخبار.
4 سبق تخريج حديث القهقهة في الصلاة وكونها تنقض الوضوء في ج2 ص463.
5 في ش: ما أسند. وفي ب: ما ستند.
6 في ش: مفهومه.
7 المحصول ج1 ق3/542، وهذا الرأي حكاه أثناء عرضه الخلاف في المسألة على أنه وجه للمفصلين فيها، ولم ينسب إلى قائله، ولم يشر إلى رجحانه عنده.
8في ض ب: هذا.
9 في ش: و.
10 في ش: الجنس.
11 انظر شرح البدخشي 2/189، شرح العضد 2/201، الإحكام للآمدي 3/170، المحصول ج1 ق3/541، شرح تنقيح الفصول ص317، إرشاد الفحول ص195، كشف الأسرار 3/191، نهاية السول 2/189.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ: يَكُونُ نَسْخًا بِزِيَادَةِ صَلاةٍ سَادِسَةٍ لِتَغَيُّرِ الْوَسَطِ مِنْ الْخَمْسِ1.
"ونسخُ جزءٍ أو شرطٍ عبادةٍ2 له" أي فالنسخُ لذلك الجزءِ أو الشرطِ "فَقَط" دون أصل تلك العبادة على الصحيح عند أصحابنا3 وأكثر الشافعية4. نقله عنهم ابن مفلح وابن السمعاني وهو مذهب الكرخي وأبي الحسين البصري5.
وعن بعض المتكلمين والغزالي6 وحُكِي عن الحنفية7 أنه
1 وقد قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} "البقرة 238" وبهذه الزيادة تخرج الوسطى عن كونها وسطى، فيبطل وجوب المحافظة عليها الثابت في الآية، وهو حكم شرعي، فيكون نسخاً.
قال الشوكاني: وهو قول باطل لا دليل عليه ولا شبهة دليل، فإن الوسطى ليس المراد بها المتوسطة في العدد بل المراد بها الفاضلة، ولو سلمنا أن المراد بها المتوسطة في العدد لم تكن تلك الزيادة مخرجة لها عن كونها مما يحافظ عليها، فقد علم توسطها عند نزول الآية، وصارت مستحقة لذلك الوصف، وإن خرجت عن كونها وسطى. "إرشاد الفحول ص195".
2 كما لو أسقطت ركعتان من أربع، أو الركوع والسجود من الصلاة، أو أسقط شرط الطهارة لصحة الصلاة. قال أبو الحسين البصري في المعتمد "1/447":"شرط العبادة ما تقف صحتها عليه، وهو ضربان: "أحدهما" جزء منها "والآخر" ليس بجزء منها، فالجزء منها: هو واحد مما هو مفهوم من العبادة، كالركوع والسجود، وما ليس بجزء منها: فهو ما لم يكن واحداً مما هو المفهوم من العبادة، كالوضوء مع الصلاة".
3 انظر المسودة ص212، العدة 3/837، روضة الناضر ص81.
4 انظر المسودة ص212، العدة 3/837، الإحكام للآمدي 3/178، المحصول ج1 ق3/556، شرح تنقيح الفصول ص220، اللمع ص34، نهاية السول 2/193ن المحلي على جمع الجوامع وحاشية البناني عليه 2/93، الآيات البينات 3/166، شرح العضد 2/203، إرشاد الفحول ص196، الإشارات ص62".
5 المعتمد 1/447.
6 المستصفى 1/116.
7 انظر فواتح الرحموت 2/94، كشف الأسرار 3/179.
نسخٌ1 لأصلِ2 العبادة.
وقال المجْد في المسودة: محلُّ الخِلافِ في شرطٍٍ متصلٍ كالتَّوَجُّهِ، ومنفصلٍ كوضوءٍ ليس نسخًا لها إجماعا3.
ووافق الهنديُّ المجدَ.
واستدَلَّ للأولِّ -الذي هو الصحيح-: بأن وجوبَ أصلِ العبادة باقٍ، ولا يفتقرُ4 إلى دليلٍ ثانٍ إجماعًا، ولم يتجددْ وجوبٌ، وكنسخِ سنَّتِها اتفاقًا.
1 في ش: أصل.
2 في ش: لنسخ.
3 المسودة ص213، وعبارة فيها:"والخلاف فيما إذا نسخ جزء من العبادة أو شرطها المتصل كالتوجه، فأما المنفصل كالوضوء فلا يكون نسخاً لها إجماعاً".
4 في ش: ولا تفتقر.