الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرع، فلي عليك دعوى"، فلما تكاثر الناس انملص، فطُلب -أي البكري- من جهة الدولة فهرب واختفى، وثار بسبب ذلك فتنة، وحضر جماعة كثيرة من الجند وغيرهم إلى الشيخ لأجل الانتصار له، فلم يجبهم، وقال: "أنا ما أنتصر لنفسي". وأكثروا عليه في القول حتى قال لهم: "إما أن يكون الحق لي، أو لكم أو لله، فإن كان الحق لي فهم في حل، وإن كان لكم فإن لم تسمعوا مني فلا تستفتوني؛ وافعلوا ما شئتم، وإن كان الحق لله فالله يأخذ حقه كما يشاء ومتى شاء"، ولما طلبت الدولة البكري هرب واختفى عند شيخ الإسلام ابن تيمية لما كان مقيماً في مصر حتى شفع فيه عند السلطان وعفى عنه (1).
فانظر نبل موقف ابن تيمية، وموقف البكري منه، قابل العفو والصفح بالظلم والعدوان، والشفاعة له باستعداء الدولة والسلطان.
8 - موقف البكري مع السلطان (الملك الناصر محمد بن قلاوون):
في النصف من المحرم سنة 714 هـ بلغ البكري أن النصارى قد استعاروا من قناديل جامع عمرو بن العاص بمصر شيئاً؛ وعلقوه في كنيسة، فأخذ معه طائفة كبيرة من الناس وهجم على الكنيسة والنصارى في المجمع ونكل بهم؛ وبلغ منهم مبلغاً عظيماً، وعاد إلى الجامع وأهان قوّمته وأكثر الوقيعة في خطيب الجامع، فبلغ السلطان فأمر بإحضار القضاة وفيهم ابن الوكيل (2)؛ وأحضر البكري فتكلم ووعظ وذكر آيات من القرآن وأحاديث، واتفق أنه أغلظ في العبارة للسلطان، ثم قال:"أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"(3)
= الأخضر. انظر: لسان العرب لابن منظور 10/ 233 كلمة طوق، الطبعة الأولى 1410 هـ الناشر دار صادر بيروت - لبنان.
(1)
انظر: البدابة والنهاية 14/ 76 والذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 400 والعقود الدرية ص 286 والكواكب الدرية ص 139.
(2)
هو صدر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد المعروف بابن المرحل، وبابن الوكيل، شيخ الشافعية في زمانه، كان ينصب العداوة لابن تيمية، توفي سنة 716 هـ، انظر: ذيول العبر في خبر من غبر للذهبي 4/ 45 والبداية والنهاية لابن كثير 14/ 87 - 88.
(3)
أخرجه أبو داود في السنن في (كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي) 4/ 514 رقم =
فقال له السلطان -وقد اشتد غضبه-: أنا جائر؟ قال: "نعم، أنت سلطت الأقباط على المسلمين وقويت دينهم"، فلم يتمالك السلطان نفسه أن أخذ السيف وهمَّ بالقيام ليضربه، فبادر بعض الأمراء وأمسك يده، فالتفت إلى ابن مخلوف وقال:"يا قاضي يتجرأ علي هذا، ما الذى يجب عليه"، قال:"لم يقل شيئاً يوجب العقوبة"، فصاح السلطان بالبكري: اخرج عني، فقام وخرج، فقال ابن الوكيل:"ما كان ينبغي أن يغلظ ويتكلم برفق"، فأعجب السلطان، فقال ابن جماعة:"قد تجرأ وما بقي إلا أن يزاحم السلطان"، فانزعج السلطان وقال:"اقطعوا لسانه"، فبادر الأمراء ليفعلوا ذلك بالبكري، فارتعد وصاح واستغاث بالأمراء فرقّوا له؛ وألحوا على السلطان في السؤال في أمره؛ والشفاعة فيه حتى رق له، وأمر بنفيه ومنعه من الفتوى، ودخل ابن الوكيل على السلطان وهو يبكي وينتحب، فظن السلطان أنه أصابه شيء، فقال له:"خير خير"، فقال:"البكري عالم صالح (1) لكنه ناشف الدماغ"، قال:"صدقت" وسكن غضبه (2).
وقال الذهبي: "وأراد قطع يده لفتاويه"(3). قلت: لعل الذهبي يقصد حادثة غير هذه الحادثة، فقد انتقد شيخ الإسلام ابن تيمية فتوى للبكري في بيت المال (4)، ولم أجد من ذكر هذه الفتوى.
= 4344 عناية د. بدر الدين جنتن آر الطبعة الثانية 1413 هـ، الناشر دار سحنون - تونس، والترمذي في الجامع في (كتاب الفتن، باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر) 4/ 471 رقم 2174 ولفظهما: "
…
كلمة عدل
…
"، قال أبو عيسى: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. أ. هـ. عناية د. بدر الدين جنتين آر الطبعة الثانية 1413 هـ، الناشر دار سحنون - تونس، وابن ماجه في السنن في (أبواب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2/ 383 رقم 4060 ورقم 4061 تحقيق د. محمد الأعظمي، الطبعة الأولى 1403 هـ الناشر شركة الطباعة العربية السعودية الرياض - السعودية، والإمام أحمد في المسند 3/ 19، 4/ 314، 315 واللفظ له، عناية د. بدر الدين جنتن آر الطبعة الثانية 1413 هـ، الناشر دار سحنون - تونس وصححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته 1/ 248 رقم 1100 أشرف على طبعه زهير الشاويش الطبعة الثانية 1406 هـ الناشر المكتب الإسلامي بيروت - لبنان.
(1)
هذا وصف ابن الوكيل للبكري.
(2)
الدرر الكامنة 1/ 157.
(3)
ذيول العبر 4/ 70.
(4)
انظر: ص 394 من هذا الكتاب.