الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرتبة الثانية: أن يظن أن الدعاء عند قبره مستجاب أو أنه أفضل من الدعاء في المساجد والبيوت، فيقصد زيارته لذلك أو للصلاة عنده؛ أو لأجل طلب حوائجه منه، فهذا أيضاً من المنكرات المبتدعة باتفاق أئمة المسلمين وهي محرمة، وما علمت في ذلك نزاعاً بين أئمة الدين.
المرتبة الثالثة: أن يسأل صاحب القبر أن يسأل الله له، وهذا بدعة باتفاق أئمة المسلمين.
17 - دعاء صفة من صفات الله:
(في الرد على البكري) أن مسألة الله بأسمائه وصفاته وكلماته جائز مشروع كما جاءت به الأحاديث، وأما دعاء صفاته وكلماته فكفر باتفاق المسلمين، فهل يقول مسلم: يا كلام الله اغفر لي وارحمني وأغثني أو أعنِّي، أو: يا علم الله، أو: يا قدرة الله، أو: يا عزة الله، أو: يا عظمة الله ونحو ذلك؟ أو سمع من مسلم أو كافر أنه دعا ذلك من صفات الله وصفات غيره؟ أو يطلب من الصفة جلب منفعة أو دفع مضرة أو إعانة أو نصراً أو إغاثة أو غير ذلك؟ والنصارى وإن كانوا يقولون: المسيح هو الكلمة ويدعونه ويتخذونه إلهاً فهو عندهم عين قائمة بنفسها حاملة للصفات؟ ليس المسيح عندهم صفة قائمة بموصوف، ولكن مذهبهم متناقض حيث يجعلون الإله واحداً والأقانيم ثلاثة، ويدعون أن المتحد بالمسيح هو أقنوم الكلمة، فإن فسروا الأقنوم بما يجري مجرى الصفة لزم أن تكون الصفة خالقة وهم لا يقولون ذلك، وإن فسره بما يجري مجرى الموصوف لزم أن تكون الذات الموصوفة وهي الآب هي المسيح وهم لا يقولون ذلك، فقولهم متناقض في نفسه باتفاق عقلاء بني آدم، ولم يقولوا إن مجرى الصفة القائمة بغيرها تدعى وتسأل.
18 - سبب ضلال القبورية وأصل شبهتهم:
قال: وقوله: (من توسل إلى الله بنبيه في تفريج كربه أو استغاث به سواء كان ذلك بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو غيرهما مما هو في معناهما)، فهذا القول لم يقله أحد من الأمم بل هو مما اختلقه هذا المفتري، وإلا فلينقل ذلك عن أحد من الناس، وما زلت أتعجب من هذا القول وكيف يقوله عاقل،
والفرق واضح بين السؤال بالشخص والاستغاثة به. وأريد أن أعرف من أين دخل اللبس على هؤلاء الجهال؟ فإن معرفة المرض وسببه يعين على مداواته وعلاجه، ومن لم يعرف أسباب المقالات -وإن كانت باطلة- لم يتمكن من مداواة أصحابها وإزالة شبهاتهم، فوقع لي أن سبب هذا الضلال والاشتباه عليهم أنهم عرفوا أن يقال سألت الله بكذا كما في الحديث:"اللهم إني أسألك بأن لك الحمد أنت المنان"(1)، ورأيي أن الاستغاثة تتعدي بنفسها كما يتعدى السؤال كقوله {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: 9]، وقوله:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15]، فظنوا أن قول القائل استغثت بفلان كقوله سألت بفلان والمتوسل إلى الله بغائب أو ميت تارة يقول: أتوسل إليك بفلان، وتارة يقول: أسألك بفلان، فإذا قيل ذلك بلفظ الاستغاثة فإما أن يقول أستغيثك بفلان، أو أستغيث إليك بفلان، ومعلوم أن كلا هذين القولين ليس من كلام العرب.
وأصل الشبهة على هذا التقدير أنهم لم يفرقوا بين الباء في استغثت به التي يكون المضاف بها مستغاثاً مدعواً مسؤولاً مطلوباً منه، وبالاستغاثة المحضة من الإغاثة التي يكون المضاف بها مطلوباَّ به لا مطلوباً منه، فإذا قيل: توسلت به أو سألت به أو توجهت به فهي الاستغاثة كما تقول كتبت بالقلم، وهم يقولون أستغيثه وأستغث به من الإغاثة، كما يقولون: استغثت الله واستغثت به من الغوث، فالله في كلا الموضعين مسؤول مطلوب منه.
وإذا قالوا لمخلوق: استغثته واستغثت به من الغوث كان المخلوق مسؤولاً مطلوباً منه، وأما إذا قالوا: استغثت به من الإغاثة فقد يكون مسؤولاً وقد لا يكون مسؤولاً، وكذلك استنصرته واستنصر به، فإن المستنصر يكون مسؤولاً مطلوباً؛ وأما المستنصر به فقد يكون مسؤولاً وقد لا يكون مسؤولاً.
(1) أخرجه النسائي في (كتاب السهو، باب الدعاء بعد الذكر) 3/ 52 رقم 1298، وأبو داود في (كتاب الصلاة، باب الدعاء) 2/ 79 - 80 رقم 1495، والترمذي في (كتاب الدعوات، باب خلق الله مائة رحمة)، 5/ 550 - رقم 3544 وغيرهم، ولفظهم: " .... لا إله إلا أنت المنان
…
"؛ صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 416 رقم 1299، ط الأولى للطبعة الجديدة 1419 هـ. الناشر مكتبة المعارف - الرياض.