الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظ القرآن قبل أن يأتيه به جبريل.
8 - دعوى البكري في توسل الأنبياء بالنبي صلى الله عليه وسلم
-:
وأعجب من هذا قوله: إن نوحاً وإدريس وأيوب وجماعة من الأنبياء توسلوا به، فمثل هذا [لا](1) يجوز لمسلم أن يبني دينه الذي يكفر به من خالفه على مثل هذا النقل الذي لا يعتمد عليه من يدري ما يقول (2).
ومعلوم أن ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم أضبط وأتم وأكمل، وهو علينا أوجب، وأمتنا به أعرف، ولو قال قائل في زماننا: قد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وفعل كذا؛ محتجاً به من غير أن يعرف ما يستند إليه من العزو والإسناد لكان قائل ذلك من أصجهل الناس وأبعدهم عن طريق الرشاد، دع من يستدل على تكفير غيره مما يرويه عن أولئك الأنبياء الذين قد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم إذا حدثنا أهل الكتاب عنهم أن لا نصدقهم ولا نكذبهم، بل مثل هذا إذا وجدناه في كتب أهل الكتاب أو في كتب المسلمين منقولاً، لم يجز لنا أن نصدقه، ومن صدقه فقد عصى الله ورسوله، ولو صح فغايته أن يكون شرع من قبلنا.
9 - أمثلة لما ورد عن أنبياء بني إسرائيل:
وفي المأثور عن الأنبياء المتقدمين ما يدل على أن ذلك لم يكن مشروعاً لهم مثل ما ذكره الحافظ أبو نعيم في "كتاب الحلية"(3) في ترجمة أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا أبي، حدثنا [أحمد بن محمد بن عمر اللُّنَبانيُّ](4)، حدثنا الحسين يعني أبا علي الحسين بن عبد الله بن شاكر السمرقندي: سمعت عبد الله بن
= عبد الرزاق، تأليف: أحمد عبد القادر الشنقيطي ط. الثانية 1402 دار اليقين ص 6 وما بعدها.
(1)
ما بين المعقوفتين سقط من الأصول الخطية، ولا يستقيم المعنى بدونه.
(2)
نقل البكري هذه الدعوى عن الرافضة. انظر: تفسير الحسن العسكري (ت 260 هـ) ص 90 - 91، نقلاً عن التفسير والمفسرون 2/ 95 - 96.
(3)
10/ 9 ط الثالثة 1400 هـ، الناشر دار الكتاب العربي بيروت.
(4)
كذا في الحلية، أحمد بن محمد 10/ 9. وانظر: السير 15/ 311، وفي (ط) و (د) أحمد يعني محمد بن عمر اللبناني.
الجلا (1) يقول: قال يوسف عليه السلام: "اللهم أني أتوجه إليك بصلاح آبائي إبراهيم خليلك وإسحاق ذبيحك (2) ويعقوب إسرائيلك"، فأوحى الله إليه يا يوسف:"تتوجه إليّ بنعمة أنا أنعمت بها عليهم"، قال أحمد (3): فقلت لأبي سليمان الداراني: كنت لبعض الأولياء قبل اليوم أشد حباً، فقال: إنما يتقرب إليه بحب أوليائه [أولاً](4) ثم بعد منزلة سعد (5) القلب، وقد ذكر بعض الناس في هذا الأثر أن الله قال له:"وأي حق لآبائك علي"(6)، لأنه سبحانه وتعالى هو الذي أنعم عليهم بالإيمان والنبوة كما قال تعالى بعد ذكره لهم وثنائه عليهم:{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ} [مريم: 58] الآية، وكذلك الآية، التي في النساء:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} [النساء: 69] الآية، وقال في الفاتحة:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} .
وأما ما استحقوه عليه فكقوله: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47]، {كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 103]، فهو سبحانه أحقه على نفسه بحكم إحسانه وفضله ووعده، لا هم أحقوه عليه؛ كالحق الذي للإنسان على من له عنده يد، ولهذا ليس لأحد أن يُدِلَّ على الله بصلاح سلفه فإنه ليس صلاحهم من عمله الذي يستحق به الجزاء؛ كأهل الغار الثلاثة فإنهم لم يتوسلوا إليه بصلاح سلفهم وإنما توسلوا إلى الله بأعمالهم لما علموا أن الله سبحانه وتعالى يثيب العاملين على أعمالهم كما قال:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286]، وسعي غيره ليس له كما لا تزر وازرة وزر أخرى كما قال تعالى:{أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} [النجم: 36 - 39]، وإن
(1) في الحلية (الحذاء) 10/ 9.
(2)
الذبيح هو إسماعيل عليه السلام، وهذا الخبر من الإسرائيليات، وقد جاء فيه ما خالف ديننا فهو مكذوب، وسيأتي رد المؤلف لها وأنه احتج بها لإلزام الخصم فقط.
(3)
أي أحمد بن أبي الحواري.
(4)
كذا في الحلية 10/ 9 وفي (ط) و (د) والتيمورية (أولى) ولا يستقيم المعنى.
(5)
كذا في (ط) و (د)، وفي الحلية (تشغل)، وفي التيمورية (تستعد).
(6)
وقد ذكر في موضع آخر أنه قد جاء قريب من ذلك عن داود عليه السلام.