الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليصل إلى أن شرك الصابئة المشركين -لأن الصابئة طوائف- شر من شرك العرب (1).
فالمؤلف رحمه الله أراد بهذه المقارنات بيان خطورة ما وقعوا فيه من الشرك، وما هي مصادره، ليتيسر تجنبه وعلاجه.
* * *
وبعد، فهذه أبرز سمات منهج شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الكتاب، وتركت غيرها للاختصار، وقد يدعي بعض الناس كثرة استطرادات الشيخ وتكرارها، فنقول وبالله التوفيق:
7 - الاستطراد والتكرار:
يلاحظ على منهج ابن تيمية عموماً إطالة النفس مع الخصوم، حتى إن القارئ يجد صعوبة بالغة في ملاحقة الأفكار التي يناقشها، وهذا جزء من منهجه الذي ارتضاه؛ لأنه لا يمكن قطع دابر بعض الشبه إلا بملاحقة أصولها، ومناقشة تلك الأصول التي لا بد لردها من عرضها بوضوح ليتم نقضها بوضوح أيضاً.
وفي كتابنا هذا بعض هذه الاستطرادات المفيدة جداً في توضيح بعض المسائل، فمثلاً أطال المؤلف في الكلام على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم والناس من الدنيا وأبان حكمها والآثار الواردة في النهي عنه في مواضع (2).
وقد أراد بهذا الاستطراد الرد على دعوى البكري: أن من استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد استغاث بالله، فيكون من سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقد سأل الله، قياساً عليها.
فيلزم من هذا حض الناس على سؤاله، والأمر عكس ذلك، فقد ورد ذم من سأله ومدح من لم يسأله، يقول رحمه الله:"فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم على زعم هذا قد جعل من استغاث به فإنما استغاث بالله، وقد حضه على ذلك، فمن سأله فإنما سأل الله، فيلزم أن يحض الناس على سؤاله، والأمر بالعكس، بل مدح من لم يسأله وذم كثيراً ممن سأله"(3).
(1) انظر: ص 315.
(2)
انظر: ص 177 وما بعدها.
(3)
انظر: ص 182.
وفي استطراد آخر: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم براءة عائشة أم لا؟ فقد أراد بهذا الاستطراد أن يوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب وأنه بشر، والرد على من يغلو فيه صلى الله عليه وسلم ويرفعه إلى درجة الألوهية (1).
ويعلل المؤلف الإطالة فيقول: "ونحن نتكلم على ما ذكره وإن لم يختص بمسألتنا، لما فيه من تمام الكلام على ما ذكره كله"(2)، ويقول أيضاً:"وبعض الناس يكون الطريق كلما كان أدق وأخفى وأكثر مقدمات وأطول كان أنفع له، لأن نفسه اعتادت النظر الطويل في الأمور الدقيقة، فإذا كان الدليل قليل المقدمات، أو كانت جلية، لم تفرح نفسه به"(3).
ويكرر المؤلف ما يذكره في مواضع عديدة، فمثلاً وصف حال القبورية واستغاثتهم بشيوخهم، وإضلال الشياطين لهم، ذكر هذا عدة مرات بصيغ مختلفة، وقد أراد بذلك التأكيد على ضلالهم في هذه القضية، فهي قضية الكتاب الأساسية، وفي التكرار بطرح متجدد فائدة عظيمة لاختلاف أفهام الناس، ويعلل المؤلف ذلك بقوله:"ولولا أن أصحاب هذا القول كثروا، وظهروا وانتشروا وهم عند كثير من الناس سادات الأنام، ومشايخ الإسلام، وأهل التوحيد والتحقيق، وأفضل أهل الطريق، حتى فضلوهم على الأنبياء والمرسلين وأكابر مشايخ الدين، لم يكن بنا حاجة إلى بيان فساد هذه الأقوال، وإيضاح هذا الضلال، ولكن يعلم أن الضلال لا حد له، وأن العقول إذا فسدت لم يبق لضلالها حد معقول، فسبحان من فرق بين نوع الإنسان، فجعل منه من هو أفضل العالمين، وجعل منه من هو شر من الشياطين، ولكن تشبيه هؤلاء بالأنبياء والأولياء كتشبيه مسيلمة الكذاب بسيد أولي الألباب، هو الذي يوجب جهاد هؤلاء الملحدين، الذين يفسدون الدنيا والدين"(4).
ولا يخفى أن الكتاب لم يؤلف مرة واحدة، بل على مرحلتين، بينهما فترة من الزمن، مما أدى إلى بُعد المؤلف عن أوله، وبالتالي تكرر طرح بعض
(1) انظر: ص 368 وما بعدها.
(2)
انظر: ص 414.
(3)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 9/ 213.
(4)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 2/ 357 - 358.
القضايا التى ذكرها في أوله، ومع ذلك فهو يكرر كثيراً قوله:"هذا ليس مما نحن فيه"(1).
وأيضاً فإنه رحمه الله يكتب كتبه من ذاكرته دون ترتيب للمعلومات أو تناول للمصادر.
(1) انظر: ص 399 من أصل الكتاب.